الرسائل الرئيسية
  • تجاوز التضخّم في أسعار الأغذية العالمية التضخّم الكُلّي بصورة ملحوظة منذ عام 2020، مما يعكس التقلبات الشديدة والضغوط المستمرة في أسواق المنتجات الزراعية والأغذية. وفي يناير/كانون الثاني 2023، بلغ التضخّم في أسعار الأغذية ذروته التي سجلت 13.6 في المائة، متجاوزًا التضخّم الكُلّي بفارق 5.1 نقطة مئوية (8.5 في المائة). ومع أن كلا المعدّلين بدآ يظهران بوادر تراجع بحلول منتصف عام 2023، فقد ظلا مرتفعين طَوال ما تبقى من السنة. وبحلول عام 2024، بلغ تضخّم أسعار الأغذية مستويات ما قبل الجائحة في عام 2019.
  • أسفرت تأثيرات صدمتين كبيرتين هما جائحة كوفيد - 19 والحرب في أوكرانيا، بالاقتران مع الأحوال المناخية القصوى، عن زيادة حادة في أسعار السلع الزراعية العالمية، وبلغت هذه الزيادة ذروتها في مارس/آذار 2022، مدفوعة أيضًا بالصدمات المتزامنة في أسعار الطاقة.
  • أدى تضافر هذه الصدمات مع الإنفاق المالي غير المسبوق والسياسات النقدية التيسيرية إلى أزمة عارمة، مما مهد الطريق لتضخم مرتفع في أسعار الأغذية. وعلى خلاف فترات التضخّم المرتفع السابقة، فقد بدأت هذه الموجة بعوامل مرتبطة بالطلب، ثم تحوّلت لاحقًا إلى تضخّم مدفوع بعوامل العرض.
  • يُفسر ارتفاع أسعار السلع الزراعية والطاقة على المستوى العالمي والتأثيرات المرتبطة به 47 و35 في المائة من التضخّم في أسعار الأغذية في ذروته في الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو على التوالي. وترجع النسبة المتبقية البالغة 53 و65 في المائة إلى عوامل أخرى، منها ارتفاع كلفة العمالة وتقلبات أسعار الصرف وسلوك التسعير على طول سلسلة الإمداد.
  • كان التضخّم في أسعار الأغذية أكثر حدة في البلدان المنخفضة الدخل، حيث تعتمد الأسر المعيشية في كثير من الأحيان على الأسواق لتوفير الإمدادات الغذائية. وارتفع متوسط تضخّم أسعار الأغذية في العالم ارتفاعًا كبيرًا من 2.3 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 13.6 في المائة في يناير/كانون الثاني 2023، في حين شهدت البلدان المنخفضة الدخل زيادة أكثر حدة، حيث بلغ التضخّم 30 في المائة في مايو/أيار 2023.
  • كانت وتيرة تعافي الأجور عالميًا غير متكافئة إلى حد كبير. ففي بعض البلدان، واكب نمو الأجور ارتفاع أسعار الأغذية. غير أن الأجور الحقيقية استمرت في الانخفاض في بلدان عديدة أخرى، ولا سيّما البلدان المتأثرة بالنزاعات، مما زاد من صعوبة تحمّل الأسر المعيشية كلفة المواد الغذائية الأساسية.
  • واجهت البلدان المنخفضة الدخل، التي شهدت أعلى مُعدّلات التضخّم في أسعار الأغذية، مع ذروة واضحة بين منتصف عام 2022 ومنتصف عام 2023، زيادة في انعدام الأمن الغذائي. ويمكن أن يكون لارتفاع أسعار الأغذية تأثير كبير على الأمن الغذائي للأسر المعيشية. فكل زيادة بنسبة 10 في المائة في أسعار الأغذية تقابلها زيادة بنسبة 3.5 في المائة في مُعدّلات انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد وزيادة بنسبة 1.8 في المائة في نسبة الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد. وتؤدي أوجه عدم المساواة الهيكلية والجنسانية إلى تفاقم آثار تضخّم أسعار الأغذية، لا سيّما في البلدان التي تعاني من مستويات كبيرة من عدم المساواة في الدخل. وفي ذروة التضخّم في أسعار الأغذية في يناير/كانون الثاني 2023، سجّلت 65 في المائة من البلدان المنخفضة الدخل و61 في المائة من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا (التي يعيش فيها أكثر من 1.5 مليارات نسمة) مُعدّلات تضخّم في أسعار الأغذية تفوق 10 في المائة، مما يؤكد أثره الواسع المحتمل على انعدام الأمن الغذائي.
  • ترتبط موجة التضخّم الأخيرة في أسعار الأغذية ارتباطًا وثيقًا بارتفاع مُعدّلات الهزال لدى الأطفال دون سن الخامسة. فكل زيادة بنسبة 10 في المائة في أسعار الأغذية ترتبط بزيادة تتراوح بين 2.7 و4.3 في المائة من معدل انتشار الهزال، وبزيادة تتراوح بين 4.8 و6.1 في المائة من معدل انتشار الهزال الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة.
  • يبدو أن الأسعار النسبية لأنواع مختلفة من الأغذية (بحسب المجموعة الغذائية ومستوى التجهيز والخصائص التغذوية) ظلت مستقرة في المتوسط بين عامي 2011 و2021 في جميع أنحاء العالم. وتستمر الأغذية الغنية بالمغذيّات، مثل الفواكه والخضروات، في تسجيل أعلى الأسعار لكل سعرة حرارية. وفي المقابل، تميل الأغذية الفائقة التجهيز، بوجه عام، إلى تسجيل أسعار أقل لكل سعرة حرارية من البدائل المجهزة. وتحل الأغذية الفائقة التجهيز محل البدائل الغنية بالمغذيّات بصورة متزايدة على الرغم من الأدلة المتزايدة على آثارها الصحية الضارة.
  • في الفترة بين عامي 2019 و2024، سجلت أسعار الأغذية الأساسية النشوية والزيوت أكبر زيادة بين سائر المجموعات الغذائية في باكستان والمكسيك ونيجيريا. ونظرًا لأن الأغذية الأساسية النشوية تشكّل العمود الفقري للنمط الغذائي للأسر المعيشية الأكثر فقرًا، فإن هذه الزيادات الحادة قد تقوض الأمن الغذائي والتغذية؛ غير أن الحصول على سلع منخفضة الكلفة في مجموعات غذائية أخرى قد يساعد في الحفاظ على كفاية النمط الغذائي رغم التضخّم.

أصبح ارتفاع أسعار الأغذية يشكّل مصدر قلق عالمي منذ عام 2022 وبات يستحوذ على اهتمام الجمهور. ووفقًا لاستقصاء عالمي أجرته مؤسسةIpsos ز أصبح التضخّم أحد أبرز مصادر القلق في العالم، متجاوزًا المخاوف المتعلقة بالجريمة والعنف والفقر.1 وقد أثر الارتفاع الحاد في أسعار الأغذية، الذي تفاقم بفعل مجموعة من التدابير المالية المتعلقة بالجائحة، والسياسات النقدية غير المتوازنة، الاختلالات في سلاسل الإمداد، والنزاعات الجيوسياسية، سلبًا على الأسر المعيشية المعتمدة على الأسواق، ولا سيّما الأسر المعيشية الأكثر ضعفًا. وعلى الرغم من تباطؤ معدّل الزيادة مؤخرًا، لا تزال أسعار الأغذية المرتفعة تشكّل مشكلة ملحة، إذ تثقل كاهل ميزانيات الأسر المعيشية يوميًا وتزيد من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. وباعتباره عنصرًا أساسيًا في مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية، أصبح تضخم أسعار الأغذية أيضًا عنصرًا مهمًا يتعين على الحكومات في جميع أنحاء العالم رصده والتصرف حياله.

واستجابة لمصادر القلق العالمية المتزايدة، يلقي هذا التقرير نظرة متعمقة على الآثار المتعددة الأوجه لارتفاع أسعار الأغذية ويستكشف تداعياتها على الأمن الغذائي والتغذية. ويقدم القسم 3-1 مفهوم التضخّم مع التركيز على أسعار الأغذية، ويسلط الضوء على الزيادة الحادة في أسعار الأغذية مقارنةً بأسعار السلع الاستهلاكية والخدمات الأخرى. وقد فرض هذا الارتفاع غير المتناسب عبئًا كبيرًا على الأسر المعيشية الفقيرة التي تنفق جزءًا كبيرًا من دخلها على الغذاء. ويستكشف القسم 3-2 الأسباب الكامنة وراء طفرة الارتفاع الأخيرة في أسعار الأغذية، ويقارنها بفترات التضخّم السابقة. ويناقش القسم 3-3 العلاقة بين التضخّم وأثره على الأمن الغذائي والنتائج التغذوية. ويتسم ذلك بأهمية خاصة للبلدان المنخفضة الدخل، حيث يجعل ارتفاع أسعار الأغذية من الصعب على الأسر شراء أغذية كافية ومأمونة وغنية بالمغذيّات على مدار السنة. وأخيرًا، يبحث القسم 3-4 الضغوط التضخمية على مختلف المجموعات الغذائية، مع التركيز على كيفية تأثير ارتفاع الأسعار على القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية وإمكانية الحصول عليها.

1.3 تضخّم أسعار الأغذية: حقائق نمطية

منذ أواخر عام 2020، سجلت أسعار الأغذية في أسواق التجزئة المحلية ارتفاعًا كبيرًا في معظم البلدان، مما شكل تحديات كبيرة لكل من المستهلكين وواضعي السياسات. وارتفع متوسط التضخّم في أسعار الأغذية على المستوى العالمي مقارنةً بالفترة نفسها من السنة السابقة من 5.8 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 23.3 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2022. 2 وتأثرت هذه الأرقام بشدة بسبب البلدان التي شهدت حالات تضخّم جامح، مثل لبنان وجنوب السودان وجمهورية فنزويلا البوليفارية وزمبابوي، حيث بلغ التضخّم مقارنةً بالفترة نفسها من السنة السابقة مستويات تجاوزت 350 في المائة. ولذلك، فإن استخدام المتوسط يُوفّر صورة أكثر دقة لمستويات التضخّم العالمية:ح سجل متوسط التضخّم في أسعار الأغذية ارتفاعًا حادًا من 2.3 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 13.6 في المائة في يناير/كانون الثاني 2023 (انظر التعاريف في الشكل 3-1 والإطار 3-1).

الشكل 3-1 ارتفاع مُعدّلات تضخّم أسعار الأغذية منذ أواخر عام 2020 وبلوغها مستوى الذروة في يناير/كانون الثاني 2023

ملاحظات: يستند الرسم البياني إلى متوسط مؤشر أسعار الاستهلاك في 203 من البلدان أو الأقاليم. ويحسب التضخّم الكُلّي (لأسعار الأغذية) باعتباره النسبة المئوية للزيادة في متوسط مؤشر أسعار الاستهلاك الكُلّي (مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية) في كل شهر مقارنةً بالشهر نفسه من السنة السابقة. * تتاح بيانات مؤشر أسعار الاستهلاك ومؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية حتى ديسمبر/كانون الأول 2024.
المصدر: من إعداد المؤلفين (منظمة الأغذية والزراعة) بالاستناد منظمة الأغذية والزراعة. 2025. قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة: مؤشرات أسعار الاستهلاك. [تمّ الاطلاع على الموقع في 18 يونيو/حزيران 2025]. https://www.fao.org/faostat/ar/#data/CP. الترخيص: CC-BY-4.0؛

الإطار 3-1التعاريف والمفاهيم: ما هو التضخّم؟ وما هو تضخّم أسعار الأغذية؟

المستوى العام للأسعار: يُعبَّر عن متوسط مستوى جميع الأسعار في اقتصاد ما في وقت معين بمستوى أسعار إجمالي أو عام. وبما أن الاقتصاد ينتج مجموعة متنوعة من المنتجات، فإن المستويات العامة للأسعار تُقاس في العادة باستخدام مؤشرات. والأكثر شيوعا في هذا السياق هو مؤشر أسعار الاستهلاك.

مؤشر أسعار الاستهلاك: يقيس مؤشر أسعار الاستهلاك التغيرات في أسعار السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر المعيشية. وتؤثر هذه التغيرات على القوة الشرائية الحقيقية لدخل المستهلكين وكذلك على رفاههم. وبما أن أسعار السلع والخدمات المختلفة لا تتغير جميعها بالمعدّل نفسه، فإن مؤشر أسعار الاستهلاك لا يمكن أن يعبّر إلا عن متوسط تغيرها. وتحدد عادة قيمة مؤشر أسعار الاستهلاك بوحدة (أو 001) في فترة مرجعية، وتُشير القيم في الفترات الأخرى إلى متوسط التغير النسبي (أو النسبة المئوية) في الأسعار عن هذه الفترة المرجعية.

التضخّم: يمكن النظر إلى التضخّم على أنه عملية ارتفاع مستمر في الأسعار، أو ما يعادلها، أي عملية انخفاض مستمر في قيمة النقود. وهناك عدة طرق لقياس الأسعار، ولكن مؤشر أسعار الاستهلاك هو النهج الأكثر شيوعًا. وبالتالي، يُقاس التضخّم بمعدّل نمو مؤشر أسعار الاستهلاك خلال فترة معينة. ويُقاس التضخّم الإجمالي في الاقتصاد بالتضخم الكُلّي.

التضخّم الكُلّي: هو المقياس الأكثر استخدامًا للتضخم، ويعبر معدّل التضخّم الكُلّي عن التغيرات في الأسعار لجميع السلع التي تستهلكها الأسر المعيشية في العادة. ويقيس التغيرات في أسعار سلة واسعة من السلع والخدمات، ويشمل التضخّم الأساسي والتضخم في أسعار الأغذية والتضخم في أسعار الطاقة.

التضخّم الأساسي: يركز التضخّم الاستهلاكي الأساسي على الاتجاهات الأساسية والمستمرة في التضخّم؛ ويستبعد الأسعار التي تحددها الحكومة والأسعار الأكثر تقلبًا للمنتجات مثل الأغذية والطاقة التي تتأثر أكثر بالعوامل الموسمية أو ظروف العرض المؤقتة.11

مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية والتضخم في أسعار الأغذية: يقيس مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية التغيرات التي تطرأ بمرور الوقت في المستويات العامة لأسعار الأغذية والمشروبات غير الكحولية التي تستخدمها الأسر المعيشية أو تدفع ثمنها أو تحصل عليها بطريقة أخرى لغرض استهلاكها. وتقاس كلفة شراء سلة ثابتة من الأغذية والمشروبات الاستهلاكية خلال فترة محددة؛ وتكون المنتجات المشمولة بالسلة ممثلة لنفقات الأسرة المعيشية وذات جودة ثابتة وخصائص متشابهة. ويُقصد بالتضخم في أسعار الأغذية معدّل نمو مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية خلال فترة معينة. وعند تجميع البيانات على مستوى عدة بلدان (لتوفير تقديرات عالمية أو إقليمية، على سبيل المثال)، يمكن التعبير عن مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية والتضخم كمتوسط مرجّح* عبر البلدان. ومع ذلك، يمكن أن تؤثر القيم الشاذة وغير النمطية على نحو غير متناسب على التقديرات الإجمالية وتشوهها. وعلى هذا النحو، قد يكون المتوسط مقياسًا أفضل. والمتوسط هو النسبة المئوية الخمسون في التوزيع. وبعبارة أخرى، هو الرقم الأوسط في سلسلة من نقاط البيانات المرتّبة ترتيبًا تصاعديًا أو تنازليًا.

التضخّم الجامح: يشير التضخّم الجامح إلى حالة ترتفع فيها أسعار السلع والخدمات على نحو لا يمكن السيطرة عليه خلال فترة محددة. وبصورة عامة، يستخدم مصطلح التضخّم الجامح عندما تزيد مُعدّلات التضخّم بنسبة تزيد على 50 في المائة شهريًا.13

ملاحظة: * في حالة التضخّم المحسوب كمتوسط مرجّح، تعبّر الأوزان الترجيحية عن الأهمية النسبية لكل بلد في الاستهلاك الإجمالي. وعلى وجه الخصوص، تستند هذه الأوزان الترجيحية إلى نفقات الاستهلاك النهائي للأسر المعيشية (بما في ذلك المؤسسات التي لا تتوخى الربح والتي تعمل لخدمة الأسر المعيشية) في عام 2015 مقدّرة بالدولار الأمريكي وبالأسعار الثابتة لعام 2015. ولمزيد من المعلومات، انظر تقرير شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة، إحصاءات الحسابات القومية: تحليل المجاميع الرئيسية.14

وتجاوز التضخّم في أسعار الأغذية في العالم بفارق كبير التضخّم الكُلّي منذ عام 2020، مما يعكس ازدياد التقلبات والضغوط المستمرة في أسواق المنتجات الزراعية والأغذية. وقد زاد التضخّم العام (المعروف باسم «التضخّم الكُلّي»، انظر التعاريف في الإطار 3-1) خلال الفترة بين عامي 2021 و2023. ومن المهم تقييم ما إذا كان ارتفاع أسعار الأغذية أسرع أم أبطأ، من أجل بلورة فهم أفضل لما إذا كانت كلفة الأغذية أصبحت ميسورة بدرجة أقل أو أكثر من كلفة الاحتياجات الأخرى للأسر المعيشية. وفي بداية جائحة كوفيد- 19 في مطلع عام 2020، ظل التضخّم الإجمالي منخفضًا نسبيًا. ومع أن التضخّم في أسعار الأغذية ظلّ متواضعًا، فقد كان أعلى بكثير من التضخّم الكُلّي.ط ومع شروع الحكومات في تخفيف قيود البقاء في المنازل وبدء الاقتصاد العالمي في التعافي من الجائحة، بدأ التضخّم الكُلّي في الارتفاع بحلول منتصف عام 2021. وفي وقت لاحق، أدى اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 إلى زيادة أسعار المدخلات الزراعية الحيوية (مثل الأسمدة)، وأثر على الإمدادات العالمية من السلع الزراعية، وتسبب في حدوث اختلالات في أسواق الطاقة (انظر القسم 3-2). وقد انعكس كلّ ذلك في ارتفاع الأسعار العامة، وصاحبت ذلك تأثيرات كبيرة على أسعار الأغذية. وكان التضخّم في أسعار الأغذية، أثناء الذروة المسجلة في يناير/كانون الثاني 2023، أعلى بخمس نقاط مئوية من التضخّم الكُلّي (13.6 في المائة مقابل 8.5 في المائة).

وطَوال عام 2023، ظل هذان المعدّلان عند مستويات مرتفعة، لكنهما بدآ في إظهار اتجاه نحو التراجع. وعند رصد أسعار الأغذية والمنتجات الزراعية، تتاح مقاييس مختلفة، كل منها يخدم غرضًا محددًا ويغطي جوانب مختلفة من السوق. ويبرز الإطار 3-2 الاختلافات الأساسية بين مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية ومؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية. ويتتبع مؤشر أسعار الأغذية اتجاهات الأسواق الدولية للسلع الزراعية الأوّلية مثل الحبوب ومنتجات الألبان والزيوت، باستخدام أسعار التصدير بالدولار الأمريكي وترجيح السلع بحسب حصتها في التجارة العالمية. وفي المقابل، يعبّر مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية عن أسعار التجزئة على مستوى المستهلك داخل البلد، معبرًا عنها بالعملة المحلية ومرجحةً بحسب حصة المواد الغذائية في نفقات الأسرة المعيشية. وتؤكد هذه الاختلافات - في نطاق المنتجات، وطرق الترجيح، ومصدر الأسعار، والعملة المستخدمة - تركيز مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية على التجارة العالمية مقابل دور مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية في قياس التضخّم في أسعار الأغذية المحلية.

الإطار 3-2تتبع أسعار الأغذية والمنتجات الزراعية

من المؤشرات الرئيسية لقياس أسعار الأغذية مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية. ويعبر هذا المؤشر عن التقلبات الشهرية في الأسعار الدولية لسلة مختارة من السلع الغذائية التي تُقاس بالدولار الأمريكي. ويوفر مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية معلومات تساعد على فهم اتجاهات الأسعار العالمية، إلى جانب بيانات شهرية بالقيمة الحقيقية والإسمية منذ عام 0991 فصاعدًا، ومؤشرات سنوية تعود إلى عام 1691، مما يتيح إجراء مقارنات تاريخية طويلة الأجل.

ويختلف هذا المؤشر اختلافًا جوهريًا عن مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية المستخدم لتتبع التضخّم في أسعار الأغذية. ويعبر مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية عن الوضع في الأسواق العالمية للسلع الزراعية، بينما يعبّر مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية عن متوسط أسعار الأغذية التي يواجهها المستهلكون على المستوى الوطني (الشكل ألف). ولا يمثل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة الحقيقي لأسعار الأغذية الأسعار الحقيقية بالمعنى المتعارف عليه تقليديًا في الاقتصاد الكُلّي ولا يُحسب بعد خصم أثر التضخّم، بل يتتبع الأسعار النسبية بين السلع الزراعية والمنتجات المصنعة. ويختلف هذان المقياسان من حيث التفاصيل المنهجية، بما في ذلك:

  • نطاق المنتجات: يركز مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية على السلع الزراعية الأوّلية الرئيسية مثل الحبوب والزيوت النباتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكريات، باستثناء منتجات مثل الأسماك والمأكولات البحرية. وفي المقابل، يغطي مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية مجموعة أوسع من المواد الغذائية، بما في ذلك المنتجات الأوّلية والمجهّزة، والمشروبات غير الكحولية.
  • الأوزان الترجيحية للمنتجات في المؤشر: يعبّر مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية عن أهمية السلع المختارة في الأسواق الدولية العالمية. وتحدد الأوزان الترجيحية لكل مجموعة من السلع على أساس متوسط حصتها في الصادرات العالمية خلال الفترة الأساسية 4102-6102. وبالنسبة إلى مؤشر أسعار استهلاك الأغذية، تستند الأوزان الترجيحية إلى حصص الإنفاق الأسري الاستهلاكي على المستوى الوطني. وتُحدَّث المصارف المركزية أو المكاتب الإحصائية الوطنية هذه الحصص دوريًا، وفقًا للاحتياجات والممارسات الخاصة بكل بلد.
  • تمثيل الأحجام النسبية للبلدان في المجاميع العالمية والإقليمية: يُحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية على المستوى العالمي فقط ولا يطبق أوزانًا ترجيحية صريحة للبلدان. ومع ذلك، يقاس تأثير البلد بطريقة غير مباشرة من خلال حصته في الصادرات العالمية. وبدلًا من ذلك، في تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، تُستمد أرقام مؤشر أسعار استهلاك الأغذية على المستويين العالمي والإقليمي باستخدام المتوسط بين البلدان، مما يوفر تمثيلًا أكثر توازنًا يقلل من تأثير القيم الشاذة.
  • مكان قياس الأسعار: تُستخدم في مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية في المقام الأول أسعار التصدير، التي تعبّر عن القيم عند نقطة التجارة الدولية. وفي المقابل، يعبّر مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية عن أسعار التجزئة التي يدفعها المستهلكون داخل كل بلد. ونتيجة لذلك، يستبعد مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية قدرًا كبيرًا من الكلفة المرتبطة بالنقل والمناولة والتجهيز، وهي عوامل تشكّل جزءًا لا يتجزأ من التضخّم على مستوى المستهلك واتجاهات الاقتصاد الكلي التي يقيسها مؤشر أسعار استهلاك الأغذية.
  • عملة القياس: يُحسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية باستخدام الأسعار والمؤشرات الفرعية المعبر عنها بالدولار الأمريكي الحالي، لأن ذلك يعبّر عن كيفية تسعير السلع الرئيسية في الأسواق الدولية. وعلى النقيض من ذلك، فإن مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية هو مقياس محلي يُعبّر عنه بوحدة العملة المحلية. وبالتالي، فإن تقلبات أسعار الصرف الكبيرة، مثل انخفاض قيمة العملة، يُمكن أن تُؤثّر بشدة على مؤشر أسعار استهلاك الأغذية على المستوى الوطني من خلال التضخّم المستورد، بينما يكون تأثيرها محدودًا أو غير مباشر على مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية.

الشكل ألف اتجاهات الأسعار الدولية والمحلية للأغذية: مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية مقابل مؤشر أسعار الاستهلاك

ملاحظات: يستند الرسم البياني إلى متوسط مؤشر أسعار الاستهلاك في 203 من البلدان أو الأقاليم. *تتاح بيانات مؤشر أسعار الاستهلاك العام ومؤشر أسعار استهلاك الأغذية حتى ديسمبر/كانون الأول 2024.
المصدر: استمدت البيانات المتعلّقة بمؤشرات أسعار الاستهلاك من: منظمة الأغذية والزراعة. 2025. قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة: مؤشرات أسعار الاستهلاك. [تمّ الاطلاع على الموقع في 20 مارس/آذار2025]. https://www.fao.org/faostat/ar/#data/CP. الترخيص: CC-BY-4.0؛ ولمؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية، منظمة الأغذية والزراعة. 6 يونيو/حزيران 2025. https://www.fao.org/worldfoodsituation/foodpricesindex/ar?_=1359546441963%5c%5c%5c%27a%3d0.

وشهدت أسعار المنتجات الزراعية الدولية، وفقًا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الأغذية، زيادة حادة في الفترة من منتصف عام 0202 إلى مطلع عام 2202. وأعقب هذه الموجة من الزيادة ارتفاع في التضخّم العالمي، مدفوعًا في البداية بالصدمات الخارجية ثم بتأخر انتقال التغيرات في الأسعار الدولية إلى الأسواق المحلية. وفي ربيع عام 2202، بدأت الأسواق العالمية تشهد حالة من الاستقرار، مع تحسّن ظروف الحصاد، واستيعاب الآثار الأوّلية للحرب في أوكرانيا، وزوال الاختلالات في حركة التجارة مثل القيود المفروضة على التصدير. وعلى الرغم من استقرار أسواق السلع الأساسية، استمر التضخّم المحلي في الارتفاع، مما يعبّر عن نمط انتقال الكلفة المتأخر. وتجلّت بوادر استقرار أوسع نطاقًا مع اقتراب نهاية عام 4202.

وفي الفترة بين عامي 2021 و2023، ارتفعت أسعار الأغذية بوتيرة أسرع بكثير من أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات الأخرى، مما فرض عبئًا غير متناسب على الأسر المعيشية التي تنفق نسبة كبيرة من دخلها على الغذاء. ويؤكد ذلك أن كلفة الأغذية، مقارنةً بالسلع الأخرى في الاقتصاد، باتت ميسورة أكثر للأسر المعيشية. وبعد فترة طويلة ومكثفة من التضخّم، أظهرت مؤشرات التضخّم الكُلّي ومؤشرات أسعار الأغذية بوادر استقرار، أعقبها تراجع تدريجي في عام 2023.

وكان التضخّم في أسعار الأغذية حادًا بصورة خاصة في البلدان المنخفضة الدخل (الشكل 3-2). وتعتمد معظم الأسر المعيشية، حتى تلك التي تعتمد على الزراعة في سبل كسب عيشها، على سواق في توفير إمداداتها الغذائية.ي ويعني حصول الأسر المعيشية على الأغذية من الأسواق أنها تتأثر بشدة عند حدوث ارتفاعات حادة في الأسعار، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي ويحد من الحصول على الأنماط الغذائية الصحية واستهلاكها. وغالبًا ما يكون المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة والعمال الزراعيون مشترين صافين للأغذية، ولذلك فإن ارتفاع أسعار الأغذية يفوق في العادة أي مكاسب في الدخل يحصلون عليها من بيع منتجاتهم. ونتيجة لذلك، لا يؤدي ارتفاع أسعار الأغذية إلى إجهاد ميزانيات الأسر المعيشية فحسب، بل يشكّل أيضًا تحديًا لسبل كسب العيش في المناطق الريفية، مما يقوض التقدم المحرز في مجال الحد من الفقر وتعزيز الأمن الغذائي والتغذية.27، 28.

الشكل 3-2 تضخّم أسعار الأغذية يسجّل أعلى مستوياته في البلدان المنخفضة الدخل، 2019–2024

ملاحظات: يستند الرسم البياني إلى متوسط مؤشر أسعار الاستهلاك في 203 من البلدان أو الأقاليم. ويُحسب التضخم الكُلّي (لأسعار الأغذية) على أنه النسبة المئوية للزيادة في متوسط مؤشر أسعار الاستهلاك للأغذية في كل شهر مقارنةً بالشهر نفسه من العام السابق. ويستند تصنيف دخل البلدان إلى تصنيف البنك الدولي لعام 2024، حيث لم يكن تصنيف عام 2025 متاحًا بعد عند إعداد هذا المطبوع. *تتاح بيانات التضخم وتضخم أسعار الأغذية حتى ديسمبر/كانون الأول 2024.
المصدر: من إعداد المؤلفين (منظمة الأغذية والزراعة) بالاستناد إلى منظمة الأغذية والزراعة. 2025. قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة: مؤشرات أسعار الاستهلاك. [تمّ الاطلاع على الموقع في 18 يونيو/حزيران 2025]. https://www.fao.org/faostat/ar/#data/CP. الترخيص: CC-BY-4.0.

وشهدت البلدان المنخفضة الدخل أشدّ وأطول موجات الارتفاع في تضخّم أسعار الأغذية التي سجّلت أعلى مستوياتها في الفترة بين منتصف عام 2022 ومنتصف عام 2023 عندما ارتفعت مُعدّلات التضخّم في أسعار الأغذية إلى 30 في المائة. وخلال هذه الفترة، طرأت ارتفاع حاد على التضخّم الكُلّي لكنه ظل أقل بكثير من التضخّم في أسعار الأغذية، مما يشير إلى أن أسعار الأغذية كانت الدافع الرئيسي الكامن وراء زيادة كلفة المعيشة. وحتى مع بدء انحسار الضغوط التضخمية في عام 2024، فإن هذا التفاوت الكبير والمستمر يُبرز التحديات التي تواجهها الأسر المعيشية في البلدان المنخفضة الدخل، والتي لا تزال تُكابد صعوبة تحمّل كلفة الغذاء.

وشهدت البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا أيضًا موجات ارتفاع كبير في تضخّم أسعار الأغذية، وإن كانت أقل حدة مما كانت عليه في البلدان المنخفضة الدخل. وفي البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، بلغ تضخّم أسعار الأغذية ذروته التي سجّلت نحو 16 في المائة في سبتمبر/أيلول 2022 قبل أن ينخفض تدريجيًا، في حين شهدت البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا نمطًا مماثلًا حيث بلغت ذروة تضخّم أسعار الأغذية نحو 20 في المائة في أكتوبر/تشرين الأول 2022. وعلى الرغم من هذا التراجع، ظلّ تضخّم أسعار الأغذية أعلى بكثير من التضخّم الكُلّي طوال الفترة، مما عكس مواطن الضعف الهيكلية في سلاسل إمدادات الأغذية وديناميكيات الأسواق في هذه البلدان.

وفي المقابل، شهدت البلدان المرتفعة الدخل مستويات منخفضة نسبيًا من التضخّم في أسعار الأغذية، خاصة قبل منتصف عام 2022؛ غير أن تضخّم أسعار الأغذية بلغ ذروته التي سجّلت نحو 14 في المائة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وعلى الرغم من زيادة التضخّم في أسعار الأغذية خلال الصدمات العالمية، فقد ظل أكثر انضباطًا وأقرب إلى مُعدّلات التضخّم الكُلّي في البلدان المرتفعة الدخل مقارنةً بالمجموعات الأقل دخلًا. واستقر متوسط التضخّم في أسعار الأغذية مؤخرًا (يناير/كانون الثاني 2024 إلى ديسمبر/كانون الأول 2024) عند 2.7 في المائة، أي أعلى بقليل من متوسط المعدّل في يناير/كانون الثاني 2019 إلى يناير/كانون الثاني 2021، وهو 2.1 في المائة.

وبلغ حجم الزيادات في أسعار الأغذية المحلية مستويات مذهلة منذ عام 2020 إذا ما نظرنا إليه من زاوية التضخّم التراكمي في أسعار الأغذية على مدى خمس سنوات. فمن بين 203 بلدان، شهد 139 بلدًا تضخمًا تراكميًا في أسعار الأغذية تجاوز 25 في المائة. وفي 49 من هذه البلدان، تجاوز التضخّم 50 في المائة، وفي 25 بلدا تجاوز 100 في المائة. وتهدد هذه الضغوط التي طال أمدها على أسعار الأغذية بتقويض قدرات الأسر المعيشية على التكيف وتَفاقم انعدام الأمن الغذائي.29-33

back to top