وبعد التفكير في التنظيم العام للعمل ووضع خطة عامة للمهمة التي نحن مقبلون عليها، يصبح الأمر التالي الذي ينبغي علينا عمله لدى البدء في إجراء دراسة عن دعم مصايد الأسماك هو أن نحدد ما نعنيه بهذا الدعم.
يرى معظمنا أن الدعم ليس إلا نوعاً من الإعانات التي تقدمها الحكومة - غالباً في شكل نقدي - للقطاع الخاص، وأن ذلك عموماً يحقق غرضاً عاماً. وإذا نحن كشفنا عن معنى مصطلح "الدعم" في أحد القواميس، لوجدنا أنه يعني "مدفوعات مباشرة أو غير مباشرة، أو ميزة اقتصادية، أو ميزة تمنحها حكومة للشركات الخاصة، أو الأسر،
أو لوحدات حكومية أخرى للتشجيع على تحقيق غرض عام" (التعريف مستخلص من قائمة مصطلحات مصايد الأسماك التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة، ودائرة المعارف البريطانية 2001).
واستناداً إلى هذه الفكرة العامة، يقترح الدليل تعريفاً واسعاً للدعم في قطاع صناعة الصيد. وطبقاً لهذا التعريف، يمكن أن يكون الدعم في جوهره أي تدخل - أو عدم تدخل - من جانب الحكومة يؤثر على قطاع صناعة الصيد وتكون له قيمة اقتصادية. وتُفسَّر هذه القيمة الاقتصادية بأنها شيء له تأثير على ربحية قطاع صناعة الصيد. وهذا التعريف السابق يُغفل الجانب الذي يكون فيما بين الوحدات الحكومية، وبالتالي يُعَرَّف الدعم بأنه اتخاذ أو عدم اتخاذ إجراءات يستفيد منها جانب من القطاع الخاص (وليس وحدات أخرى داخل الهيكل الحكومي). ومع ذلك، فإن كل شيء يُقدِم عليه القطاع العام أو يمتنع عن الإقدام عليه يمكن تصنيفه على أنه دعم (1) ولذلك فمن اللازم زيادة توضيح هذا التعريف فيما يتعلق بالنقاط المرجعية. وبناء عليه، ينبغي أن يكون الدعم شيئاً خارج المألوف، أي أنه شيء تفعله جهة الاختصاص - أو تمتنع عن فعله - خارج الممارسات المعتادة:
|
الدعم الذي يحصل عليه قطاع مصايد الأسماك هو إجراءات تتخذها الحكومة أو تمتنع عن اتخاذها فيما يخص قطاع مصايد الأسماك مما قد يؤدي إلى تغيير الأرباح المحتملة - بالزيادة أو النقص - في المدى القريب أو المتوسط أو البعيد.
ويشمل لفظ "الحكومة" في هذا السياق جميع الأجهزة الحكومية والعامة الأخرى بخلاف الأجهزة الموجودة في البلد الذي يطبق فيه الدعم. ويشمل الدعم، على سبيل المثال، المساهمات التي تأتي من المؤسسات العامة والدولية أو المؤسسات التي تقدم مساعدات إنمائية أو مؤسسات التعاون، كما يشمل، بطبيعة الحال، الإجراءات التي تتخذها - أو لا تتخذها - الهيئات والمنظمات الحكومية غير المعنية بقطاع صناعة الصيد بما يعود بالفائدة على قطاع صناعة الصيد. فإذا عاد ذلك بمنفعة كبيرة على القطاع، يمكن أن يعد دعماً لقطاع صناعة الصيد حتى وإن لم يكن موجهاً فقط لهذا القطاع. ومع ذلك، فإن التمويل الذي يأتي من الشركات الخاصة لا يمثل دعماً.
وتشير عبارة "صناعة الصيد" إلى جميع القطاعات الفرعية المنتجة ضمن قطاع مصايد الأسماك، أي جميع أشكال مستلزمات صناعة الصيد - بما في ذلك النقل والخدمات المعاونة - في المصايد المفتوحة، وتربية الأحياء المائية، والتصنيع والتسويق. ويشمل ذلك جميع صغار وكبار المنتجين والمشتغلين بأنشطة الصيد الترفيهية، وأنشطة الصيد لسد مستوى الكفاف وأنشطة الصيد التجارية. وبالنسبة للدراسة التي نحن بصددها، فنحن نميل إلى النظر إلى قطاع فرعي واحد أو إلى عدد قليل من القطاعات الفرعية (أنظر الفصل 3).
والمقصود من عبارة " الأرباح المحتملة" ربحية صناعة الصيد بصفة عامة. فعلى الرغم من أن الدعم يؤثر على الأرباح في المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، يركز الدليل على الآثار المالية المباشرة في المدى الأقرب كما سنرى عند مناقشة كيفية تقدير الدعم في الفصل 6. وينبغي التنويه إلى أن الدعم يمكن أن يكون سلبياً، أي أنه يمكن أن يؤدي إلى تقليل الأرباح. ومن أمثل الدعم السلبي الضرائب وغير ذلك من الرسوم.
ومن المتصور أن تتفق البلدان في المستقبل على ما هو "معتاد"، وبالتالي يكون بمثابة معايير مرجعية. ويمكن أن يكون من بين هذه المعايير المرجعية: أسعار الفائدة على القروض المستثمرة، والأسعار المعيارية للوقود، والمستويات الدنيا لاسترداد تكاليف إدارة مصايد الأسماك، وما إلى ذلك. ومع ذلك، فلأن هذه المعايير لا وجود لها، ولأن الوصول إلى اتفاق بشأنها سوف يستغرق وقتاً، يقترح الدليل - في هذه المرحلة - تطبيق المعايير التي يقوم عليها الإطار الاقتصادي العام في البلد - أو الإقليم - المعين الذي تشمله الدراسة(2). وينبغي أن تشير النقاط المرجعية التي سيتقرر استخدامها إلى القطاعات الأخرى في البلد، أو في مجموعة البلدان، أي أن يُعرض الوضع "المعتاد" في الظروف التي تعمل صناعة الصيد في إطارها في البلد أو الإقليم، مع تعريف الدعم التي يحصل عليه قطاع مصايد الأسماك وقياسه على أنه يمثل انحرافاً عن هذه الظروف. وعلى سبيل المثال، ففي البلدان التي يحصل فيها المواطنون على الخدمات العامة
دون مقابل - لأنها تكون ممولة من حصيلة الضرائب - سيكون من المعتاد أيضاً أن تستفيد صناعة الصيد من خدمات معينة دون أن يندرج ذلك ضمن الدعم. ومن ناحية أخرى، ففي البلدان التي يكون من المعتاد فيها استرداد تكاليف الخدمات، تعتبر المنافع التي يستفيد منها قطاع صناعة الصيد من قبيل الدعم ما لم تسدد صناعة الصيد تكلفتها مباشرة.
وبالتالي، سيكون الأمر متروكاً لمن يستخدم الدليل لكي يحدد ما ينبغي اعتباره من قبيل الدعم في السياق القائم، استناداً إلى خصوصية الاقتصاد محل الدراسة وإطار السياسات المطبقة.
الشكل 4: الدعم في قطاع صناعة الصيد | |
الدعم في قطاع صناعة الصيد هو إجراءات تتخذها الحكومة أو تمتنع عن اتخاذها فيما يخص قطاع صناعة الصيد، حسب التعريف الموضوع له في سياق اقتصادي معين. وبناء عليه، قد تختلف أشكال الدعم باختلاف سياق السياسات الاقتصادية. |
لكي يكون من الممكن تحديد الدعم الذي يحصل عليه قطاع مصايد الأسماك طبقاً للتعريف السابق، يتعين علينا أن نفهم جيداً الإطار الاقتصادي العام في البلد الذي نحن بصدد دراسته. كذلك، علينا أن نكون ملمين بقطاع مصايد الأسماك لكي نستطيع مقارنة الظروف التي يعمل في نطاقها قطاع مصايد الأسماك بالظروف السائدة في الاقتصاد ككل. كما يلزم توافر معلومات كمية عن العديد من القضايا الاقتصادية والمالية لكي نستطيع تقدير قيمة الدعم، وهو ما سيتناوله الفصل 6 والفصل 7، فيما يلي.
ويمكن أن تتضمن الدراسة الأساسية عن إطار الاقتصاد الكلي التي ستستخدم في تحديد وتقدير الدعم الذي يحصل عليه قطاع مصايد الأسماك الجانب التالية:
يتعين علينا أن نُلم بالإطار السياسي العام فيما يتعلق بدور القطاع العام. ما هي السياسة العامة فيما يتعلق باسترداد تكاليف الخدمات العامة؟ وما هي التدخلات الحكومية في الأسواق؟ وما هو دور المؤسسات العامة المملوكة للدولة؟ وهل توجد برامج لدعم الأنشطة التجارية، مثل دعم الأنشطة الإقليمية، أو دعم الصناعات الناشئة، وما إلى ذلك؟
يتعين علينا أن ننظر أيضاً في المسائل السياسية والقانونية الأكثر تخصصاً، وخصوصاً في المجالات التي قد تكون ذات صلة بقطاع مصايد الأسماك، مثل السياسات البيئية والتدابير العامة لمكافحة التلوث، وسلامة الأغذية والمواصفات الصحية المطبقة عليها، وقوانين العمل والتوظيف، والممارسات المتبعة فيما يتعلق بسياسات حقوق الانتفاع في قطاع الموارد الطبيعية.
من اللازم توافر معلومات عن أسعار الفائدة التجارية لتحديد ما إذا كانت صناعة الصيد تستفيد من القروض بشروط مواتية ولتقدير أشكال الدعم الممكنة الأخرى المتصلة بالاستثمارات. وينبغي، بقدر الإمكان، استخدام التكلفة المالية الحقيقية البديلة كمعيار مرجعي، وفي حالة تطبيق أسعار فائدة تجارية مختلفة بالنسبة للاستثمارات المختلفة - وعادة ما يكون ذلك طبقاً لمفهوم المخاطر - ينبغي مراعاة استعمال سعر الفائدة المطبق على الحالة التي نحن بصددها. وقد يكون من اللازم أن تتضمن الدراسة الأساسية قائمة بأسعار الفائدة التجارية المختلفة. وينبغي التنويه إلى أن ذلك قد يعني ذِكر أسعار الفائدة الربوية المطبقة في السوق غير الرسمية إذا كانت تمثل البديل الفعلي المطبق في السوق. وفي حالة عدم توافر معلومات عن أسعار الفائدة التجارية، قد يكون من المفيد الاسترشاد بسعر الفائدة بين البنوك بعد تعديله بالشكل المناسب أو بسعر العائد على السندات الحكومية.
ويمكن أيضا أن تضاف إلى الدراسة الأساسية معلومات عن شروط التسليف والائتمان العامة الأخرى، مثل ضرورة وجود ضامن أو الفترات المعتادة لاستهلاك الدين، ومعلومات عن السياسات النقدية المهمة فيما يتصل بنظام الائتمان.
تشمل المعلومات التي قد يكون من المناسب ذكرها فيما يتعلق بالإيرادات العامة والنظام الضريبي نسب الضريبة المضافة، على السلع والخدمات المختلفة إذا كانت متباينة، والنسب الضريبية المطبقة على الشركات، بما في ذلك القواعد العامة المطبقة على أمور من بينها إهلاك الأصول الثابتة واحتمالات تأجيل سداد الضرائب.
وفيما يتعلق بتكاليف التوظيف والأيدي العاملة، ينبغي توضيح السمات الرئيسية للنظم الضريبية المطبقة على الأفراد وكذلك الهيكل العام للتأمينات الاجتماعية، بما في ذلك القواعد التي تنظم المساهمات الإجبارية والمزايا المشتركة.
ينبغي النظر في التدابير التعريفية وغير التعريفية، مع إعطاء تفاصيل عن الفروق بين أنواع السلع والخدمات المختلفة. ومن اللازم أيضاً النظر في القيود الحدودية فيما يتعلق بالاستثمارات المباشرة، والمِلكية أو المفروضة على ممارسة مهن أو أنشطة تجارية معينة، كذلك اللوائح المتصلة بالهجرة وحركة الأيدي العاملة.
ينبغي أن نعرف ما إذا كانت هناك أي قيود على حركة رؤوس الأموال أو النقد الأجنبي، وخصوصاً إذا كانت تطبق على بطرق مختلفة على القطاعات الاقتصادية المختلفة. وينبغي أيضاً النظر في أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية التي تهم قطاع الأعمال.
|
وفي الخطوة التالية على طريق تحديد الدعم التي يحصل عليه قطاع مصايد الأسماك، نقارن قطاع مصايد الأسماك بالإطار العام للاقتصاد الكلي وبالمعايير المرجعية التي سبق تحديدها. وبناء عليه، يتعين علينا أن نتحقق مما إذا كان قطاع مصايد الأسماك يُعامل بطريقة مختلفة عن القطاعات الاقتصادية الأخرى أو ما إذا كانت الظروف الاقتصادية والسياسية التي تعمل في إطارها صناعة الصيد تختلف عن الصناعات الأخرى. ويتعين علينا في أي دراسة عن قطاع مصايد الأسماك أن نتعرف على جميع السياسات واللوائح المنظِّمة لقطاع المصايد، مثل:
تُغطي النقاط التي يتحدث عنها البند 4-3، فيما سبق، عدداً كبيراً من أنواع المعلومات المختلفة اللازمة لإجراء دراسة عن مصايد الأسماك. واعتماداً على كفاءة أفراد الفريق المكلف بإجراء الدراسة ومواقعهم، قد يكون من السهل العثور على بعض المعلومات المتصلة بنظم إدارة المصايد في الوزارة أو الإدارة المعنية بالثروة السمكية. وقد يكون من السهل أيضاً الحصول على المعلومات العامة عن القضايا التي لا نعلم شيئاً عنها، مثل السياسات الاقتصادية أو اللوائح الضريبية. وعلى نفس المنوال، قد يكون من السهل تحديد بعض أشكال الدعم، فقد تكون بعض خطط الدعم، مثل خطط المنح الاستثمارية، مما هو معلوم للكافة وبالتالي فليس من الصعب دراستها..
ومع ذلك، قد تكون هناك بعض القضايا التي تقع خارج نطاق العمل أو مجال الاختصاص، بل قد تكون هناك بعض الجوانب التي لا نعلم شيئاً عنها على الإطلاق وبالتالي قد لا نكتشف بعض أشكال الدعم. ولذلك، ينبغي علينا أن نرجع إلى الكثير من مصادر المعلومات. وبقدر ما نستطيع تحديد أشكال الدعم، فمن المقترح أن نتناول دراسة الدعم من زاويتين، أي من منظور الجهات التي تقدم الدعم والجهات التي تستفيد منه.
ولكي نستطيع ذلك، يتعين علينا أن نحدد:
الشكل 5: إتباع منهاج يقوم على شقين |
وبعد أن ننتهي من تحديد جميع أصحاب الشأن، أي جميع الأطراف التي لها دور في قطاع مصايد الأسماك أو المعنية به، وتكون قد تكونت لدينا فكرة واضحة عن المعلومات التي نحن في حاجة إليها، يمكننا أن نبدأ في جميع هذه المعلومات وتحديد أشكال الدعم. ويمكن أن تأخذ عملية جمع المعلومات أشكالاً متعددة - مثل استعراض الوثائق والتقارير الموجودة، وبيانات استمارات الاستبيان والمقابلات والمناقشات والمكالمات الهاتفية، والاستفسارات البريدية، وغيرها - وتحديد طريقة التعامل مع كل موقف بذاته. وقد نضطر أيضاً، من حين لآخر، الرجوع إلى أفراد خارج نطاق مجموعة أصحاب الشأن، أي الشركات وممثلي الاتحادات المهنية في قطاعات الاقتصاد الأخرى، لاستيضاح المعايير المرجعية والنقاط المرجعية.
وسوف تعتمد عملية جمع المعلومات ومدى عمق التحليل على الأهداف التي نتوخاها من دراستنا وعلى الأبعاد التي حددناها لهذه الدراسة. وقد تكون لدينا الرغبة في أن نتجاوز في بحثنا مجرد وضع قائمة بسيطة بأشكال الدعم الموجودة، ولذلك تحدد الفصول التالية من الدليل أنواع التحليلات المختلفة وتناقشها. ومع ذلك، فمهما كان مستوى التفاصيل التي سنتفق على أن تتضمنها الدراسة، فمن المناسب بصفة عامة أن نبادر بوضع قائمة بأشكال الدعم التي أمكن تحديدها بالفعل والأوضاع والتدابير التي يمكن إدراجها ضمن أشكال الدعم كلما تقدمنا في الدراسة. ويمكن أن تتضمن ورقة العمل هذه أيضاً وصفاً مختصراً لأشكال الدعم، ومعلومات عن السلطات المسؤولة عنها (الجهات التي تقدمها) والجهات المستفيدة منها، كما تتضمن هذه الوثيقة - عند وضعها في شكلها النهائي - نظرة عامة موجزة عن أشكال الدعم في قطاع مصايد الأسماك.
الشكل 6: : قائمة مبدئية بأشكال الدعم في قطاع صناعة الصيد |
(1) - مراعاة للتوضيح، ينبغي التنويه إلى أن الدليل يستخدم عموماً مصطلح "الدعم" على أنه يعني - حسب التعريف السابق - جميع الإجراءات التي تتخذها الحكومة أو تمتنع عن اتخاذها. وأحياناً يستخدم مصطلح تدابير أو برامج الإعانات بنفس المعنى. وفيما يتعلق بالأعباء التي تتحملها الحكومة (أو الإيرادات التي تحصل عليها) من جراء أشكال الدعم، تستخدم عبارات الإنفاق العام والمصروفات العامة والتكاليف العامة، والآثار التي تتحملها الميزانية العامة للدلالة على نفس الشيء، ما لم يُنوه عن شيء آخر. كذلك، يشار أحياناً إلى قطاع صناعة الصيد على أنها القطاع الخاص أو الأفراد أو الشركات أو المؤسسات المعنية باستغلال المصايد.
(2) - عندما تستخدم نتائج الدراسة، في مثل هذه الظروف، في دراسة آثار الدعم على التجارة الدولية في الأسماك ومنتجاتها، سيكون من اللازم تعديل الدراسة تبعاً لتعريف الدعم المبين في "اتفاقية الإعانات وتدابير الرسوم الجمركية التعويضية" التي أبرمتها منظمة التجارة العالمية.