تُعدّ النظم الزراعية والغذائية من أهم القطاعات التي توفر عمل للنساء على المستوى العالمي، وهي تشكّل مصدرًا أهم لسبل كسب عيش النساء مقارنة بالرجال في العديد من البلدان. وبالتالي، فإن تمكين النساء وسد الفجوات بين الجنسين في النظم الزراعية والغذائية يؤديان إلى تعزيز رفاه النساء وأسرهن، والحد من الجوع، وزيادة الدخل، وتحسين القدرة على الصمود. ويقدم هذا التقرير نظرة عامة شاملة عن وضع النساء في النظم الزراعية والغذائية. ويتناول بالتحليل الأسباب المتعددة لانعدام المساواة التي تقيّد مشاركتهن ورفاههن وتمكينهن؛ ويتناول السياسات والنُهج التي دعمت المساواة بين الجنسين وتمكين النساء؛ ويعرض بصورة مفصّلة كيف يمكن لمشاركة النساء على قدم من المساواة في النظم الزراعية والغذائية تغيير النتائج الفردية والعالمية.
وعلى الرغم من أهمية النظم الزراعية والغذائية بالنسبة إلى سبل كسب عيش النساء ورفاه أسرهن، فإن أدوار النساء تميل إلى أن تكون مهمشة ومن المرجح أن تكون ظروف عملهن أسوأ من ظروف عمل الرجال – أي أنها تكون غير منتظمة، وغير رسمية، وبدوام جزئي، وتتطلب مهارات متدنية، وكثيفة العمالة، وهي بالتالي هشة. وتتحمل النساء أيضًا أعباءً أكبر في مجال الرعاية غير مدفوعة الأجر، مما يحد من فرص حصولهن على التعليم والعمل. وينطبق ذلك على كلٍ من النساء العاملات في الإنتاج الزراعي الأولي بأجور وإنتاجية أقل بشكل منهجي من أجور الرجال، والنساء العاملات في القطاعات غير الزراعية للنظم الزراعية والغذائية، حيث يعملن في الغالب في نقاط منخفضة القيمة. وقد لا يتم استبعاد النساء بشكل منهجي من سلاسل القيمة عالية القيمة والموجهة نحو التصدير أو من ريادة الأعمال في النظم الزراعية والغذائية، غير أن مشاركتهن عادة ما تكون مقيدة بالأعراف الاجتماعية التمييزية والعوائق التي تحول دون وصولهن إلى المعرفة والأصول والموارد والشبكات الاجتماعية.
ولا يزال وصول النساء إلى الأراضي والمدخلات والخدمات والتمويل والتكنولوجيا الرقمية – والتي تعتبر أساسية للعمل في النظم الزراعية والغذائية - أقل من وصول الرجال إليها. وفي العديد من البلدان، لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لضمان امتلاك النساء للأراضي بنسبة مساوية للرجال وحماية الأطر القانونية لحقوقهن. ومن المثير للقلق مدى ضآلة ما تم تحقيقه خلال العقد الماضي في سد الفجوات في وصول النساء إلى الإرشاد والري وملكية الثروة الحيوانية، رغم أنه من المثلج للصدر رؤية أن الفجوات في وصولهن إلى الخدمات المالية والإنترنت المحمول والهواتف المحمولة آخذة في التقلص.
وتكمن الأعراف والقواعد الاجتماعية التمييزية التي تؤثر على النساء والفتيات في صميم انعدام المساواة بين الجنسين وهي بطيئة التغيير. ولا تزال المواقف تجاه عمل النساء خارج المنزل وتقبّل العنف القائم على نوع الجنس وغير ذلك من الأعراف التي تؤثر على سبل كسب عيش النساء في النظم الزراعية والغذائية تقييدية بشكل خطير في كثير من أنحاء العالم. وقد تقوم السياسات والاستراتيجيات الرسمية بشكل متزايد بتحديد القيود وأوجه انعدام المساواة التي تواجهها النساء، غير أن عددًا قليلًا من السياسات الوطنية يحدد أهدافًا لمعالجتها. ويجري ذلك على الرغم من الأدلة التي تثبت أن اتباع نهج أوسع لتمكين النساء – أي تقليل الحواجز التي تحول دون مشاركتهن وتغيير الأعراف والقواعد التي تقيدها – ينطوي على منافع جمّة بالنسبة إلى رفاه النساء والمجتمع ككل. كما ينطوي هذا النهج على منافع مشتركة كبيرة بالنسبة إلى ، سبل كسب عيش النساء، ومكاسبهن، وصحتهن وتغذيتهن، وصحة وتغذية أطفالهن.
وتتشكل آليات التأقلم والقدرة على الصمود في وجه الصدمات والضغوط بفعل أوجه انعدام المساواة بين الجنسين، وتؤثر الصدمات والأزمات تأثيرًا سلبيًا أكبر على سبل كسب عيش النساء في النظم الزراعية والغذائية مقارنة بالرجال. وخلال تفشي جائحة كوفيد-١٩، زاد مستوى انعدام الأمن الغذائي لدى النساء بوتيرة أسرع قياسًا إلى الرجال، وكان فقدان الوظائف في الإنتاج الزراعي الأولي والقطاعات غير الزراعية للنظم الزراعية والغذائية على السواء أوضح بالنسبة إلى النساء مقارنة بالرجال. واضطرت النساء إلى الاعتماد على أصولهن ومدخراتهن المحدودة بشكل أسرع من الرجال وأثناء الصدمات المناخية، تؤدي الموارد والأصول المحدودة للنساء إلى تقييد قدرتهن على التكيف والصمود.
وإن هذه التحديات التي تعترض سبيل توظيف النساء الكامل وعلى قدم من المساواة في النظم الزراعية والغذائية تعيق إنتاجيتهن وتحافظ على فجوات الأجور. ومن شأن سد الفجوة بين الجنسين في إنتاجية المزارع والفجوة في الأجور في النظم الزراعية والغذائية أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة ١ في المائة (أي ١ تريليون دولار أمريكي تقريبًا). ومن شأن ذلك أن يقلّل من انعدام الأمن الغذائي العالمي بحوالي نقطتين مئويتين وأن يقلص عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بنحو ٤٥ مليون شخص.
ويؤدي تمكين النساء دورًا محوريًا أيضًا في تحقيق النتائج الاقتصادية والاجتماعية. فالمنافع المتأتية من المشاريع التي تؤدي إلى تمكين النساء أعلى من تلك التي تقوم بتعميم منظور المساواة بين الجنسين فحسب. ويعمِّم أكثر من نصف التمويل الثنائي للزراعة والتنمية الريفية منظور المساواة بين الجنسين بالفعل، ولكن ٨.٥ بالمائة منه فقط تتعامل مع منظور المساواة بين الجنسين كعنصر أساسي. وبالتالي، فإذا استفاد نصف صغار المنتجين من التدخلات الإنمائية التي تركز على تمكين النساء، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة ملحوظة في دخل ٥٨ مليون شخص إضافي وإلى زيادة قدرة ٢٣٥ مليون شخص إضافي على الصمود.
تعتبر النظم الزراعية والغذائية من أهم القطاعات التي توفر فرص عمل للنساء. فعلى الصعيد العالمي، تعمل في النظم الزراعية والغذائية ٣٦ في المائة من النساء العاملات مقابل ٣٨ في المائة من الرجال في عام ٢٠١٩. وبالنسبة إلى النساء والرجال على حد سواء، يمثل ذلك انخفاضًا يعادل ١٠ نقاط مئوية تقريبًا منذ عام ٢٠٠٥، ويعزى ذلك بشكل شبه حصري إلى تراجع فرص العمل في الإنتاج الزراعي الأولي.
وتُعدّ النظم الزراعية والغذائية مصدرًا أهم لسبل كسب عيش النساء مقارنة بالرجال في العديد من البلدان. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تمثّل النظم الزراعة والغذائية ٦٦ في المائة من فرص عمل النساء قياسًا إلى نسبة ٦٠ في المائة بالنسبة إلى الرجال. وفي جنوب آسيا، تعمل الأغلبية الساحقة من النساء في النظم الزراعية والغذائية (٧١ في المائة من النساء مقابل ٤٧ في المائة من الرجال)، وذلك على الرغم من أن عدد النساء ضمن القوى العاملة أقل من عدد الرجال. وتُعدّ النظم الزراعية والغذائية مصدرًا رئيسيًا لفرص عمل النساء الشابات، لا سيما اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٥ و٢٤ عامًا.
وبشكل عام، تعتبر حصة النساء من فرص العمل الزراعية أكبر في المستويات الأدنى من التنمية الاقتصادية، حيث يؤدي عدم كفاية التعليم ومحدودية الوصول إلى البنية التحتية الأساسية والأسواق وشدة أعباء العمل غير المدفوع الأجر وضعف فرص العمل الريفية خارج قطاع الزراعة، إلى الحد بصورة شديدة من فرص النساء في العمل خارج المزرعة. وتشكّل النساء أكثر من ٥٠ في المائة من القوى العاملة الزراعية في العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتمثّل النساء حوالي نصف القوة العاملة في قطاع الزراعة في عدد من البلدان في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك كمبوديا وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية وفييت نام.
وتميل النساء العاملات في الإنتاج الزراعي إلى ممارسة عملهن في ظروف غير مواتية للغاية. وتتركز أعدادهن في أفقر البلدان التي لا تتوفر فيها سبل كسب عيش بديلة، ويحافظن على كثافة عملهن في ظروف تغلب عليها الصدمات المناخية الناجمة عن تغير المناخ وفي حالات النزاعات. ويقل احتمال مشاركة النساء كرائدات أعمال ومزارعات مستقلات، كما أنهن يعملن في إنتاج محاصيل أقل ربحًا. وتعد النساء في كثير من الأحيان عاملات بدون أجر لدى الأسرة أو عاملات بصورة عرضية في الزراعة. وقد تمنع الأعراف الاجتماعية النساء من إنتاج المحاصيل والمشاركة في الأنشطة التي يهيمن عليها الرجال. وتبلغ الفجوة بين الجنسين في إنتاجية الأراضي بين المزارع التي يديرها الذكور والإناث والتي تشغل المساحة نفسها ٢٤ في المائة. وفي المتوسط، تكسب النساء ١٨.٤ في المائة أقل من الرجال في العمل المدفوع الأجر في الزراعة؛ ويعني ذلك حصول المرأة على ٨٢ سنتًا مقابل كل دولار يكسبه الرجل.
وأدى الانتقال من الإنتاج الزراعي الأولي إلى العمل خارج المزرعة في النظم الزراعية والغذائية في الماضي إلى تحسين سبل كسب عيش النساء والرجال على حد سواء. غير أنه من الأرجح أن تكون أدوار النساء في العمل غير الزراعي في النظم الزراعية والغذائية في سلاسل قيمة وأنشطة أقل ربحية أو بشروط أسوأ مقارنة بأدوار الرجال بسبب الأعراف الاجتماعية التقليدية التقييدية أو ضعف الوصول إلى الأصول والموارد.
ويساهم العبء الأكبر الذي تتحمله النساء في الأعمال المنزلية والرعاية غير المدفوعة الأجر، مثل التنظيف والطهي والعناية بأفراد الأسرة، في أوجه انعدام المساواة في مجال المشاركة في سوق العمل والنتائج ذات الصلة. ويتجلى ذلك بشكل خاص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وفي المناطق الريفية، فإن عبء عمل النساء غير المدفوع الأجر أكبر من عبء عمل الرجال، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى الوقت الذي تقضيه النساء في جمع الماء. وسلّطت جائحة كوفيد-١٩ الضوء على العبء غير المتناسب الذي تتحمله النساء في الرعاية غير المدفوعة الأجر بالأطفال وأفراد الأسرة الآخرين وآثار هذا العبء على وقت النساء وفرص عملهن.
لا يزال وصول النساء إلى الأصول والموارد الأساسية للنظم الزراعية والغذائية - مثل الأراضي والمدخلات والخدمات والتمويل والتكنولوجيا الرقمية - أقل من وصول الرجال إليها. ولا تزال الفجوات المرتبطة بصورة مباشرة بالإنتاج الزراعي كبيرة، غير أنه يتم بشكل أسرع سد الفجوات بين الجنسين في التعليم والتمويل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي تعتبر ذات أهمية خاصة بالنسبة إلى تطوير الأعمال التجارية غير الزراعية وفرص العمل في النظم الزراعية والغذائية. ولكن الوصول المستدام والجيد إلى الأصول والموارد لا يزال يشكّل تحديًا.
ولا تزال النساء في الأسر المعيشية الزراعية يعانين من الحرمان بشكل كبير في مجال ملكية الأراضي مقارنة بالرجال؛ ولدى نصف عدد البلدان التي أبلغت عن مؤشر هدف التنمية المستدامة ٥-أ-٢ تدابير حماية قانونية ضعيفة لحقوق النساء المتعلقة بالأراضي. وإن النسبة المئوية للرجال الذين يتمتعون بحقوق ملكية أو حيازة آمنة للأراضي الزراعية هي ضعف نسبة النساء في أكثر من ٤٠ في المائة من البلدان التي قامت بالإبلاغ عن ملكية النساء للأراضي (مؤشر هدف التنمية المستدامة ٥-أ-١)، وتتمتع نسبة مئوية أكبر من الرجال بهذه الحقوق مقارنة بالنساء في ٤٠ من أصل ٤٦ من البلدان التي قامت بالإبلاغ. غير أن نسبة النساء ضمن مالكي الأراضي شهدت خلال العقد الماضي زيادة في ١٠ من أصل ١٨ بلدًا، وسُجلت تحسّنات ملحوظة في عدد من البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.
وكان التقدم بطيئًا في سد الفجوات في مجال وصول .النساء إلى الري وملكية الثروة الحيوانية وفي المتوسط، يمتلك الرجال ثروة حيوانية أكبر من النساء، ومن الأرجح أن يمتلكوا، قياسًا إلى النساء، ثروة حيوانية كبيرة، مثل الماشية. ورغم أن هذه الفجوات شهدت تغيرًا طفيفًا خلال العقد الماضي، فإن الفجوات في ملكية الأنواع الأصغر، مثل الأغنام والدواجن، تميل إلى أن تكون أضيق.
ولا تزال فرص حصول النساء في الزراعة على المدخلات، بما في ذلك البذور المحسّنة والأسمدة والمعدات الآلية، أقل بكثير من فرص الرجال. ومن ناحية إيجابية، تقلصت الفجوة بين الجنسين في الوصول إلى الإنترنت المحمول في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل من ٢٥ في المائة إلى ١٦ في المائة بين عامي ٢٠١٧ و٢٠٢١، في حين تقلصت الفجوة بين الجنسين في فتح حسابات مصرفية من ٩ إلى ٦ نقاط مئوية. ومن المرجح أن تتبنى النساء التكنولوجيات الجديدة بصورة مساوية للرجال عندما يتم توفير العوامل التمكينية الضرورية وتُتاح لهن على قدم من المساواة فرص الحصول على الموارد التكميلية.
تؤدي الأعراف الاجتماعية التمييزية ضمن النظم الزراعية والغذائية إلى اختلالات في توازن القوى بين الرجال والنساء وتحد من الخيارات المتاحة للنساء اللواتي عادة ما يقمن بشكل أكبر بالرعاية غير المدفوعة الأجر والعمل المنزلي. وعادة ما تقيّد هذه الأعراف حركة النساء وتحد من خياراتهن في مجال العمل غير المنزلي وأنشطة السوق وإمكانية وصولهن إلى الأصول والمداخيل والتحكّم بها. ويتفاوت التمييز القائم على نوع الجنس في المؤسسات الاجتماعية حسب الإقليم والبلد ولكنه لا يزال مرتفعًا بشكل غير مقبول على المستوى العالمي. ويقيّد ذلك فرص العمل الكاملة والمنتجة للنساء في النظم الزراعية والغذائية (كبائعات أو ربات عمل أو موظفات) ويؤثر على قدرتهن على الوصول إلى الخدمات والتكنولوجيات والمنظمات الريفية والاستفادة منها.
ويُعدّ تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء أمرًا بالغ الأهمية لرفاه النساء والمجتمع ككل، وبالتالي فإنه ينطوي على قيمة جوهرية. وتُظهر التطورات الكبيرة في قياس تمكين النساء على مدى العقد الماضي أن زيادة تمكين النساء في النظم الزراعية والغذائية يؤثر تأثيرًا إيجابيًا على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والنظم الغذائية وتغذية الأطفال.
وتعني معالجة المساواة بين الجنسين وتمكين النساء معالجة الأعراف الاجتماعية التقييدية والأدوار الصارمة للجنسين التي تؤثر على كيفية مشاركة النساء في النظم الزراعية والغذائية. وتم إيلاء اهتمام متزايد لمعالجة القيود الناتجة . وتم إيلاء اهتمام متزايد لمعالجة القيود الناتجة عن الأعراف الاجتماعية التمييزية والسياسات والقوانين التي لا تراعي الفوارق بين الجنسين في النظم الزراعية والغذائية. وتهدف المشاريع بصورة متزايدة إلى زيادة تمكين النساء وقياس تأثير التدخلات على القدرة على التصرف والتمكين على حد سواء. وللقيام بذلك بشكل فعال، لا بد أن يشارك الرجال والفتيان والقادة المجتمعيون في العمليات التحويلية المراعية للمساواة بين الجنسينن.
وشهد مدى معالجة أطر السياسات الوطنية لقضايا المساواة بين الجنسين تحسنًا خلال العقد الماضي. وأبرزت السياسات والميزانيات الوطنية في شرق أفريقيا وأمريكا اللاتينية، على سبيل المثال، بشكل متزايد الفجوات الهيكلية في الوصول إلى الأراضي والمدخلات والخدمات والتمويل والتكنولوجيا الرقمية، كما أنها تضمنت جهودًا ترمي إلى تحقيق نتائج مراعية للمساواة بين الجنسين. ومع ذلك، يتفاوت مدى معالجة السياسات الزراعية على وجه التحديد للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء. ورغم أن أكثر من ٧٥ في المائة من السياسات الزراعية التي قامت المنظمة بتحليلها أقرت بأدوار النساء و/أو التحديات التي يواجهنها في الزراعة، فإن ١٩ في المائة منها فقط تضمنت المساواة بين الجنسين في الزراعة أو حقوق النساء كأهداف واضحة للسياسات. وشجعت ١٣ في المائة فقط من تلك السياسات مشاركة النساء الريفيات في دورة السياسات.
تتشكل آليات التأقلم والقدرة على الصمود في وجه الصدمات والضغوط بفعل أوجه انعدام المساواة بين الجنسين. وتؤثر الصدمات والأزمات تأثيرًا سلبيًا أكبر على سبل كسب عيش النساء في النظم الزراعية والغذائية، وغالبًا ما تكون هذه الصدمات والأزمات متعددة ومتداخلة. وفي العديد من البلدان، تحدث هذه الصدمات والأزمات في سياقات تطغى عليها أوجه انعدام المساواة بين الجنسين إلى حد كبير للغاية.
وقد تكثفت وتشكّلت آثار جائحة كوفيد-١٩ والأزمة الاقتصادية المرتبطة بها بفعل أوجه انعدام المساواة بين الجنسين في سبل كسب العيش في النظم الزراعة والغذائية.فعلى الصعيد العالمي، فقدت ٢٢ في المائة من النساء وظائفهن في العمل غير الزراعي للنظم الزراعية والغذائية في السنة الأولى من تفشي الجائحة قياسًا إلى ٢ في المائة من الرجال فقط. واتسعت الفجوة بين الرجال والنساء في مجال انعدام الأمن الغذائي من ١.٧ نقطة مئوية في عام ٢٠١٩ إلى ٤.٣ نقطة مئوية في عام ٢٠٢١. وزاد عبء أعمال الرعاية التي تقدمها النساء أيضًا: ففي هندوراس وأوغندا، على سبيل المثال، أدت تدابير الإغلاق الشامل إلى زيادة عبء الأعمال المنزلية والرعاية بالنسبة إلى الفتيات وقلّلت من ارتيادهن للمدارس بصورة أكبر مقارنة بالفتيان. وارتفع معدل حالات العنف القائم على نوع الجنس والتصورات المرتبطة به، لا سيما العنف المنزلي والاعتداء على النساء والفتيات، ويعود السبب في ذلك إلى حد كبير إلى التوترات الحاصلة داخل الأسر والناجمة عن الإغلاق الشامل وإغلاق المدارس وانعدام الأمن الغذائي والمالي.
وغالبًا ما تكون قابلية تأثر النساء بالصدمات المناخية والكوارث الطبيعية أكبر مقارنة بالرجال وتكون لديها قدرة مختلفة على الصمود. ففي حين أن النساء لسن بطبيعتهن أكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ والصدمات، إلّا أن القيود على الموارد وغيرها من القيود يمكن أن تجعلهن أكثر قابلية للتأثر بتأثيراتها وأقل قدرة على التكيف معها، الأمر الذي يزيد من ضعفهن. فعلى سبيل المثال، تميل أعباء عمل النساء، بما في ذلك ساعات عملهن في الزراعة، إلى الانخفاض بدرجة أقل من أعباء عمل الرجال أثناء الصدمات المناخية، مثل الإجهاد الحراري. وتمثّل الأعراف الجنسانية التمييزية، التي تحدّ من حركة النساء وقدرتهن على الوصول إلى خدمات الإرشاد والمعلومات المناخية، عقبات إضافية تحول دون التكيف مع تغير المناخ. وغالبًا ما يكون تمثيل النساء في عملية صنع القرارات المتعلقة بسياسات المناخ ناقصًا أيضًا على جميع المستويات.
ولا تزال النزاعات وانعدام الأمن من الدوافع الرئيسية التي تكمن وراء أزمات الأغذية وانعدام الأمن الغذائي. وغالبًا ما تكون النساء أكثر عرضة من الرجال لانعدام الأمن الغذائي الحاد لأنهن يواجهن مخاطر وعوائق وأوجه حرمان إضافية. وتؤدي النزاعات العنيفة أيضًا إلى آثار متباينة بين الجنسين على الحركة، والعنف القائم على نوع الجنس، والنتائج في مجالات الصحة والتعليم، والمشاركة السياسية والمدنية. وتزيد النزاعات من فرص عمل النساء في الزراعة أكثر من الرجال. ولكن على الرغم من أن النزاعات تقلّل من ساعات عمل الرجال والنساء على حد سواء، فإن ساعات عمل النساء تنخفض بشكل أقل من ساعات عمل الرجال.
يُعدّ الحد من أوجه انعدام المساواة بين الجنسين في سبل كسب العيش وفي الوصول إلى الموارد والقدرة على الصمود في النظم الزراعية والغذائية مسارًا ذا أهمية حاسمة من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء وإيجاد نظم زراعية وغذائية أكثر عدلًا واستدامة. وتغدو هذه التحسينات ممكنة عندما تكون البيئة المواتية مهيأة ويتم تصميم التدخلات بصورة جيدة من أجل التصدي للتحديات المتعددة الأبعاد والمترابطة التي تلقي بظلالها على النساء والرجال.
وتُظهر النُهج التحويلية المراعية للمساواة بين الجنسين نتائج واعدة في تغيير الأعراف التمييزية عبر مجموعة واسعة من المجالات. وتشير البيانات المتاحة إلى أن هذه النهج فعالة من حيث الكلفة وذات عوائد عالية. ولكن يتعين القيام بالمزيد من العمل من أجل بلورة مسارات لتنفيذ النُهج التحويلية المراعية للمساواة بين الجنسين على نطاق واسع.
ومن الأهمية بمكان أيضًا تحسين الإنتاجية وسد .الفجوات المتعلقة بالوصول إلى الأصول والموارد وكانت التدخلات التي تحسّن إنتاجية النساء ناجحة بشكل خاص عند معالجتها لأعباء الرعاية والأعمال المنزلية غير المدفوعة الأجر، وتعزيز قدرات النساء من خلال التعليم والتدريب، وتحسين الوصول إلى التكنولوجيا والموارد، وتعزيز أمن حيازة الأراضي. ويؤثر الحصول على خدمات رعاية الأطفال تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على عمل الأمهات في أنشطة النظم الزراعية والغذائية والعودة إلى ممارستها.
ويُعدّ سد الفجوات بين الجنسين في ملكية الأراضي والحيازة الآمنة أمرًا مهمًا بشكل خاص بالنظر إلى أن حقوق الحيازة الآمنة للأراضي لها تأثيرات إيجابية متعددة. ويمكن تضييق الفجوات عن طريق مزيج يتضمن تنفيذ إصلاحات في مجال تسجيل الأراضي، وزيادة التعريف بالحقوق المتعلقة بالأراضي والحصول على المساعدة القانونية المجتمعية، وتعزيز مشاركة النساء في المؤسسات المحلية المعنية بالأراضي. وبالإضافة إلى ذلك، يجب تصميم الخدمات (مثل الإرشاد) والموارد (مثل التكنولوجيا) مع أخذ احتياجات النساء بعين الاعتبار. ويمكن للأدوات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تيسّر سد الفجوات المتعددة.
وتعتبر النُهج القائمة على المجموعات هامة لزيادة تمكين النساء وقدرتهن على الصمود في وجه الصدمات والضغوط، مثل جائحة كوفيد-١٩ وتغير المناخ. وهي تشجع على اعتماد التكنولوجيا وتحسّن القدرة على التكيف. وقد أثبتت فعاليتها أيضًا في زيادة مشاركة النساء في عمليات السياسات المناخية.
وزادت برامج الحماية الاجتماعية من فرص عمل النساء وعززت قدرتهن على الصمود. وقامت بتيسير التكيف مع تغير المناخ، وتحسين مستوى الرفاه في السياقات التي تنطوي على مخاطر مناخية عالية، كما أنها ساعدت في التعافي من جائحة كوفيد-١٩ وآثار الظواهر المناخية القصوى.
وكسبيل للمضي قدمًا، ثمة ثلاثة عناصر حاسمة الأهمية. أوّلًا، يُعدّ جمع واستخدام البيانات العالية الجودة والمصنفة حسب الجنس والعمر والأشكال الأخرى من التمايز الاجتماعي والاقتصادي، وتنفيذ البحوث النوعية والكمية الدقيقة التي تتناول المسائل الجنسانية، أمرًا بالغ الأهمية لرصد التقدم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين في النظم الزراعية والغذائية وتقييمه وتسريع وتيرته.وعلى الرغم من التحسينات التي شهدتها السنوات العشر الماضية، فإنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في توافر البيانات ونطاقها وتفصيلها، وفي الأدلة على ما ثبت نجاحه وفي ظلّ أية ظروف بهدف إيجاد نظم زراعية وغذائية أكثر شمولًا.
ثانيًا، يجب بعناية توسيع نطاق التدخلات المحلية التي تعالج الأوجه المتعددة لانعدم المساواة التي أثبتت أنها تسد الفجوات بين الجنسين وتمكِّن النساء في النظم الزراعية والغذائية. ورغم أن العمل مع المجتمعات المحلية من خلال نُهج تحويلية مراعية للمساواة بين الجنسين يظل أمرًا بالغ الأهمية، فإنه يجب أيضًا على الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني العمل من أجل التأثير على التغييرات الإيجابية في الأعراف الجنسانية ووصول النساء إلى الموارد على نطاق واسع من خلال تنفيذ السياسات الوطنية والحملات والبرامج المتكاملة واسعة النطاق. ولن نتمكن من تحقيق منافع كبيرة لصالح رفاه النساء ومكاسب كبيرة في النمو الاقتصادي والأمن الغذائي إلّا من خلال توسيع النطاق.
وأخيرًا، يجب تصميم التدخلات من أجل تقليص أوجه انعدام المساواة بين الجنسين وتمكين النساء. ومن الأرجح أن تؤدي التدخلات إلى سد الفجوات بين الجنسين في النظم الزراعية والغذائية وأن تُحدث تحسينات إيجابية ودائمة في رفاه النساء عندما تقوم بدمج إجراءات واضحة من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء. وينبغي لها الاستعانة بنُهج تحويلية على المستويين المجتمعي والوطني لمعالجة الأعراف والمواقف التمييزية بين الجنسين عندما يكون ذلك ممكنًا. ويمكن أن يسفر ذلك عن تحسينات كبيرة في مستوى الدخل والقدرة على الصمود.
تعتبر النظم الزراعية والغذائية من أهم القطاعات التي توفر فرص عمل للنساء والرجال على حد سواء. فعلى الصعيد العالمي، تعمل في النظم الزراعية والغذائية 36 في المائة من النساء العاملات جنبًا إلى جنب مع 38 في المائة من الرجال العاملين.
ويمثّل ذلك، بالنسبة إلى النساء والرجال على السواء، انخفاضًا يعادل 10 نقاط مئوية تقريبًا منذ عام ٢٠٠٥، ويعزى ذلك بشكل شبه حصري إلى تراجع فرص العمل في الإنتاج الزراعي الأولي.
وتُعدّ النظم الزراعية والغذائية مصدرًا أهم لسبل كسب عيش النساء مقارنة بالرجال في العديد من البلدان. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتمثّل النظم الزراعة والغذائية 66 في المائة من فرص عمل النساء قياسًا إلى نسبة 60 في المائة بالنسبة إلى الرجال. وفي جنوب آسيا، تعمل 71 في المائة من القوى العاملة النسائية في النظم الزراعية والغذائية مقابل 47 في المائة بالنسبة إلى الرجال.
إن زيادة تمكين النساء النساء أمر لا غنى عنه لتحقيق رفاه النساء، ويؤثر بشكل إيجابي على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والأنماط الغذائية وتغذية الأطفال.