كان أهم ما أسفرت عنه جولة أوروغواي في مجال الزراعة هو بدء عملية إخضاع تجارة المنتجات الزراعية لنفس القواعد التي تنظم تجارة المنتجات الأخرى. وكان التركيز على إصلاح الزراعة في البلدان المتقدمة، وليس على كيفية زيادة الإنتاج الزراعي وتجارة المنتجات الزراعية في البلدان النامية. ولكن، في الوقت الذي تغير فيه شكل الحماية في البلدان المتقدمة، لم يتحقق في الواقع تقدم كبير في خفض مستواها الفعلي: فعلى الرغم من تخفيض دعم الصادرات بقي هذا الدعم في مستويات تؤدي إلى إضعاف إنتاج وصادرات البلدان النامية.(2)
فبموجب اتفاقية الزراعة، من المتوقع أن تتقيد البلدان النامية، مع بعض الاستثناءات، بنفس القواعد التي تتقيد بها البلدان الأخرى. وعلى سبيل المثال، كان عليها أن تربط جميع تعريفاتها على المنتجات الزراعية، ولم يكن عليها أن تفعل نفس الشيء بالنسبة للمصنوعات. ومع ذلك، فإن الجانب الذي يفوق ذلك في أهميته هو أن الفلسفة التي قامت عليها جولة أوروغواي كانت تستند إلى وجهة نظر مشروعة مؤداها أن الزراعة في البلدان المتقدمة تتمتع بالحماية وتحصل على دعم. وبالتالي، وُضِعت القواعد التي تنظم كيفية خفض الدعم، وأن يكون ذلك بشكل يتسم بمزيد من الشفافية ويكون أقل تأثيراً من حيث تشويه التجارة.
ومع ذلك، كانت السياسات الحكومية في عدد من البلدان النامية تؤدي إلى إعاقة الزراعة بدلاً من دعمها.(3) وحيثما كانت الزراعة تحصل على دعم، كانت قدرة الحكومات على تقديم هذا الدعم من خلال التحويلات المالية، وما تزال، محدودة جداً. وكانت الفلسفة التي تحرك جولة أوروغواي، بالنسبة لهذه الحكومات، مقلوبة. فعل الرغم من وجود أحكام تنظم الاستثناءات والمعاملة الخاصة والتفضيلية، كانت هذه الفلسفة المقلوبة تتخلل هذه الأحكام. وفي الحقيقة، فقد دفع الكثير من البلدان النامية بأن اتفاقية الزراعة ساعدت على استمرار المعاملة الخاصة للبلدان المتقدمة في النظام التجاري الدولي، وأنها تحابي البلدان المتقدمة على حساب البلدان النامية.
والغرض من هذه الورقة متواضع، حيث هي تستعرض وتُقيّم نصوص وأحكام المعاملة الخاصة والتفضيلية المتصلة بالزراعة، والواردة أساساً في اتفاقية الزراعة، من حيث فعاليتها في معالجة مصالح البلدان النامية. ولا تناقش الورقة النصوص والأحكام المستمدة من القرار الوزاري الخاص بالآثار السلبية المحتملة لبرنامج الإصلاح على البلدان الأقل نمواً والبلدان النامية المستوردة الصافية للغذاء أو المقترحات التي تتناول وضع ضمانات خاصة لمواجهة الزيادة الحادة في واردات البلدان النامية، فهذه القضايا تتناولها أوراق أخرى في هذا المجلد. وتنتهي الورقة بعدد من الاستنتاجات والتوصيات التي يمكن أن تؤخذ في الاعتبار في المفاوضات الحالية التي تجريها منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة من أجل جعل أحكام المعاملة الخاصة والتفضيلية أكثر استجابة لاحتياجات البلدان النامية. ومع ذلك، فلا تستعرض هذه الورقة جميع القضايا التي تؤثر على مصالح مختلف البلدان النامية ومختلف المجموعات في جولة المفاوضات الحالية الخاصة بالزراعة.
ملخص
تتضمن اتفاقية الزراعة عدداً من النصوص التي تدعو إلى تطبيق قواعد مختلفة على الزراعة والتجارة في البلدان النامية. وقد جاء بعض هذه النصوص في صورة الحض والوعظ و"أفضل ما يمكن عمله"، مثل ما جاء في ديباجة الاتفاقية، التي تحض البلدان المتقدمة على أن "تأخذ في الاعتبار التام الاحتياجات والأوضاع الخاصة للبلدان النامية الأعضاء عن طريق زيادة تحسين فرص وشروط الوصول إلى الأسواق بالنسبة للمنتجات الزراعية ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لهذه البلدان الأعضاء". وهناك نصوص أخرى تميز بشكل صريح بين القواعد التي تطبق على البلدان النامية والتي تطبق على البلدان الأقل نمواً، من ناحية، وتلك التي تطبق على البلدان المتقدمة، من ناحية أخرى. وأهم النصوص التي تتناول المعاملة الخاصة والتفضيلية هي:
وبالإضافة إلى ذلك، وكما سبق التنويه، يتضمن القرار الوزاري الخاص بالبلدان الأقل نمواً والبلدان النامية المستوردة الصافية للغذاء أحكاماً إضافية تتصل بهذه البلدان تناقشها أجزاء أخرى بهذا المجلد. وأخيراً، فإن اتفاقية تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية تتضمن أيضاً نصوصاً بشأن المعاملة الخاصة والتفضيلية للبلدان النامية والبلدان الأقل نمواً. وتندرج هذه الأحكام ضمن الفئات الثلاث العامة التالية: بيانات عامة مؤداها أنه لدى وضع المعايير سوف تؤخذ مصالح البلدان النامية في الاعتبار؛ ونصوص تدعو إلى إتاحة فترة أطول لتنفيذ الالتزامات التي تتعهد بها البلدان النامية والبلدان الأقل نمواً؛ وعروض بتقديم مساعدات تقنية من أجل تنفيذ النصوص والأحكام الواردة في الاتفاقية.
تقييم النصوص والأحكام
وكما يتضح من القائمة السابقة، تندرج نصوص وأحكام المعاملة الخاصة والتفضيلية الواردة في اتفاقية الزراعة ضمن نفس الفئات الواسعة، وتعاني من نفس المشاكل العامة شأنها شأن النصوص والأحكام المماثلة في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية الأخرى. وهناك تعهدات عامة من قبيل "أفضل ما يمكن عمله"، كما أن هناك عروضاً بمساعدات تقنية ومساعدات أخرى، ليس بينها ما هو مُلزِم. وهناك أيضاً نصوص تعرض تمديد الفترات الانتقالية كما تتحدث عن مزيد من المرونة، من بينها خفض أو رفع مستوى الحد الأدنى، في تنفيذ البلدان النامية للالتزامات المختلفة؛ وفي بعض الحالات تزداد نسبة المرونة وتقل الالتزامات بالنسبة للبلدان الأقل نمواً (أنظر: Michalopoulos, 2000). وللأسف، ليس هناك الكثير ما ينم عن أن المستويات الدنياً الأقل تشدداً أو فترات الانتقال الأطول قد تم تحديدها استناداً إلى الأوضاع الفعلية في البلدان النامية المعنية. ويبدو أنها جميعاً جاءت نتيجة لعملية مساومة لم يُعط فيها اعتبار كبير للمعوقات المؤسسية التي تؤثر على الزراعة في البلدان النامية.
وقد بُذِلت محاولة لتطبيق هذه النصوص بطريقة مختلفة فيما يتعلق بالبلدان المستفيدة: فهناك اعتراف، على سبيل المثال، بالاحتياجات المختلفة للبلدان النامية المستوردة الصافية للغذاء – على الرغم من أن التعهدات الخاصة بها لم تكن مُلزِمة في معظمها وكانت من قبيل "أفضل ما يمكن عمله"؛ كما أن الفئات نفسها لا تُعبر بالشكل الكافي عن مجموعات البلدان التي تواجه أقسى حالات انعدام الأمن الغذائي (أنظر:
Diaz-Bonilla et al, 2000). وهناك اعتراف أيضاً، في سياق معوقات التصدير، بأن بعض البلدان النامية تعد من البلدان المُصدِّرة الرئيسية. ومع ذلك، فقد جَمعَت معظم النصوص والأحكام البلدان النامية تحت فئة واحدة، رغم أن من الواضح أنها لا تنتمي جميعاً إلى فئة واحدة.
ويمكن تحديد أربع مجموعات على الأقل من البلدان النامية – وكثيراً ما يتضح ذلك من واقع التأييد الذي تبديه البلدان المختلفة للمقترحات المختلفة في المفاوضات: فهناك، أولاً، مجموعة البلدان المُصدِّرة الرئيسية للسلع الزراعية، وهي البلدان الأعضاء في "مجموعة كايرينز"؛ ثانياً، هناك مجموعة كبيرة تتألف من البلدان النامية المستوردة الصافية للغذاء وبلدان أخرى، مثل الهند، توجد بها قطاعات زراعية كبيرة تعد مسئولة عن تصدير مختلف المنتجات الزراعية ولكنها تقوم أيضاً باستيراد الأغذية؛ ثالثـاً، هناك بلدان قطاعاتها الزراعية صغيرة وغير متنوعة نظراً لظروفها المناخية أو لضيق مساحة الأراضي الصالحة للزراعة (مثل البلدان الجُزرية الصغيرة)، وتواجه صعوبات جوهرية في مجال المنافسة في تجارة المنتجات الزراعية؛ وأخيراً، هناك مجموعة صغيرة
من البلدان النامية التي يُعد دخلها أعلى عموماً من بقية البلدان النامية، ولكنها، شأنها شأن كثير من البلدان المتقدمة، تعلق أولوية كبيرة على الوظائف المتعددة التي تقوم بها الزراعة في مجتمعاتها، بصرف النظر عن مدى كفاءتها أو إنتاجيتها.
ولقد كانت التجربة فيما يتعلق بالجوانب المختلفة للنصوص والأحكام مختلطة: إذ يبدو أن بعض النصوص والأحكام كانت مفيدة ويمكن الإبقاء عليها وتعزيزها في أي اتفاقية في المستقبل، بينما قد لا تكون نصوص وأحكام أخرى عظيمة الجدوى وبالتالي يمكن تعديلها أو إسقاطها أو العمل على تحقيق الأهداف التي تتوخاها بطرق مختلفة. ومع ذلك، فقد يكون من اللازم إدخال نصوص وأحكام أخرى جديدة للتعامل مع احتياجات مختلف البلدان النامية.
النفاذ إلى الأسواق
ليست هناك أدلة كثيرة على أن العبارات الوعظية والتحذيرية العامة التي استخدمت في التعبير عن تحرير المنتجات ذات الأهمية الخاصة للبلدان النامية قد أسفرت عن تخفيضات كبيرة في مستويات الحماية التي تتمتع بها المنتجات في أسواق البلدان المتقدمة. فعلى الرغم من أن متوسط التعريفات التي تواجهها البلدان النامية في أسواق البلدان المتقدمة على بعض المنتجات الزراعية تعد أقل من التعريفات الزراعية عموماً، يبدو أن ذلك كان نتيجة لعملية تحرير سابقة لمنتجات المناطق الاستوائية. وتعد أشكال الحماية المتبقية ضد الواردات من البلدان النامية، مثل الأرز (في اليابان)، والتبغ والفول السوداني (في الولايات المتحدة) وعصير الجريب فروت (في الاتحاد الأوروبي) مرتفعة جداً (أنظر: Youssef, 1999 ؛ و Michalopoulos, 2001). ومع ذلك، فليس من المُجدي التعامل مع هذه المشكلة الرئيسية بعبارات غامضة وتعهدات غير مُلزمة عن المعاملة التفضيلية. وأفضل طريقة للتعامل مع قضية القمم التعريفية هي اعتماد منهاج يقوم على صيغة محددة يسفر عن أكثر من مجرد تخفيضات تناسبية في القمم التعريفية المطبقة في كثير من البلدان المتقدمة.
مرونة القواعد والضوابط
يعد هذا من المجالات الرئيسية التي ينبغي أن تركز عليها الجهود المقبلة الخاصة بالمعاملة الخاصة والتفضيلية، لأن بعض المشاكل التي تؤثر على الزراعة في البلدان النامية بسبب عدم توافر القدرات المؤسسية تختلف اختلافاً جوهرياً عن المشاكل التي تواجه البلدان المتقدمة.
وتدعو النصوص والأحكام التي تتضمنها اتفاقية الزراعة إلى المرونة في تقديم مستويات الإجمالية من الدعم والإعانات وغير ذلك من أشكال المساعدات إلى المزارعين قليلي الموارد، وكذلك في دعم الصادرات. ويوجد أيضاً عدد من النصوص والأحكام المتعلقة بالأمن الغذائي مما يتصل بعمليات تخزين وتسعير المواد الغذائية التي تتولاها الحكومات لمصلحة الفقراء. ولقد كانت تجربة تنفيذ هذه النصوص والأحكام متضاربة حتى الآن. فقد أبلغ عدد كبير من البلدان النامية عن استخدام هذه النصوص والأحكام في تبرير دعهما للزراعة (أنظر: WTO, 2002, Youssef, 1999). وربما كان عدد البلدان التي لجأت إلى استخدام هذه النصوص والأحكام أكبر في الواقع مما تدل عليه البلاغات، لأن هذه البلاغات لم تكن في العادة مكتملة في حالة البلدان النامية (أنظر: FAO, 2000).
ومع ذلك، هناك مشاكل منشأها الفلسفة العامة التي تقوم عليها اتفاقية الزراعة، لاسيما أن النصوص والأحكام شديدة الأهمية التي تسمح بتقديم الدعم من خلال الاستثمارات ودعم مستلزمات الإنتاج التي يستخدمها فقراء المزارعين، بموجب المادة 2.6، لا تندرج ضمن الدعم المدرج بـ"الصندوق الأخضر" - وهو الدعم المسموح بتقديمه باستمرار لأنه لا يؤدي إلى تشويه التجارة - بل تندرج ضمن تدابير الدعم التي يؤدي إلى تشويه التجارة، وهي التدابير التي يُسمح بها بشكل مؤقت ومن اللازم إعادة النظر فيها قبل الاستمرار في تطبيقها – كما لو أن المشاكل التي يعاني منها فقراء المزارعين والتي تبرر تدخل الحكومات يمكن أن تجد حلا لها في غضون سنوات قليلة.
وفي الواقع، قد تكون أشكال الدعم المشار إليها في المادة 2.6 مما يستوجب اتخاذ إجراءات تعويضية بموجب المادة 13ب، إذا هي تجاوزت الحدود المالية للدعم التي تقررت في سنة 1992. وهذا يعني أنه إذا قدمت دولة نامية للمزارعين الفقراء تسهيلات ائتمانية مدعومة تتجاوز ما كانت تقدمه في سنة 1992 ونجحت هذه الدولة في تحفيز زيادات في إنتاجها تؤدي إلى الاستعاضة عن بعض الواردات، يستطيع الموردون السابقون لهذه السوق الادعاء بتعرضهم لـ"أضرار شديدة" بموجب اتفاقية الإعانات والتدابير التعويضية أو "الإلغاء" أو "التعطيل" بموجب المادة 28 من اتفاقية الجات (أنظر: Michalopoulos, 2001؛ و Diaz-Bonilla et al, 2002). وقد لا تلجأ للدولة المتقدمة التي تنخفض صادراتها في مثل هذه الظروف إلى الشكوى إلى منظمة التجارة العالمية، ولكن ليس هذا هو المهم، فالأمر المهم هو أن الفلسفة والأسس القانونية التي تقوم عليها اتفاقية الزراعة ليست لها توجهات إنمائية.
ومن بين التغيرات الأساسية التي ينبغي للبلدان النامية أن تسعى لإقرارها في المفاوضات الجديدة أن هناك سياسات معينة لها وجاهتها في سياق التنمية وأن هذه البلدان، أو على الأقل بعض فئاتها، تستطيع أن تلجأ إليها. وبمعنى آخر، ينبغي وجود "صندوق للتنمية" يشمل هذه السياسات (أنظر: WTO, 2000a).
ولكن السياسات التي ينبغي أن يشملها هذا الصندوق يجب أن تكون محل مناقشات وتفاوض. وأقل ما يمكن أن يشمله هذا الصندوق نصوص وأحكام المعاملة الخاصة والتفضيلية الحالية المتصلة بالمرونة في تنفيذ القواعد، أي النصوص والأحكام المتعلقة بدعم المزارعين الفقراء، والأمن الغذائي (المخزونات الحكومية) والأسعار. فنظراً للمشاكل التي تعاني منها الزراعة والفقراء في معظم البلدان النامية ذات الدخل المنخفض، يكون تدخل الحكومات لازماً لتعزيز المؤسسات، وتحسين العمليات في الأسواق وتقديم الدعم للفقراء من سكان الحضر والريف بطرق مختلفة، بما في ذلك التوسع في زيادة الإنتاج من منتجات معينة.
وعلى نفس المنوال، فإن البرامج التي تُنفذ من أجل دعم تنويع منتجات الاقتصاديات الصغيرة التي تعتمد على محصول تصديري واحد أو محصولين ينبغي أن تستثنى، على وجه الخصوص، من التزامات خفض الدعم في حساب مقياس الدعم الكلي. ويقتصر هذا الاستثناء، الذي يُنفذ في الوقت الحاضر لدواعي دعم تنويع المنتجات بموجب المادة 2.6 من اتفاقية الزراعة، على تنويع المنتجات بما يبعد هذه البلدان عن "زراعة المحاصيل غير المشروعة المنتجة للمخدرات" – وهي أولوية تحرص عليها البلدان المتقدمة في المقام الأول. ومن ناحية أخرى، فإن البلدان الصغيرة منخفضة الدخل التي من الواضح أنها في حاجة إلى تنويع إنتاجها وهيكل صادرتها لكي تقلل من حساسية تعرضها للصدمات الخارجية لا تتمتع هذه البرامج فيها بهذا الاستثناء في حساب مقياس الدعم الكلي.
ومن الواضح أن عمليات مواجهة الصدمات الغذائية في حالات الطوارئ ينبغي أن تُضاف بشكل أو آخر في صندوق التنمية. وقد لا يتطلب الأمر أكثر من مجرد النظر في توضيح النصوص والأحكام الموجودة بالفعل (للاطلاع على مزيد من التفاصيل، أنظر:
Diaz-Bonilla et al, 2002). وبالإضافة إلى ذلك، فقد يكون من المفيد أن تستند الحسابات في هذا الشأن وفي غيره من الشئون على أسعار مرجعية حديثة.
وينبغي اعتبار أن من حق البلدان النامية المضي في جميع هذه البرامج، التي ينبغي أن تضاف إلى صندوق التنمية ولا ينبغي اعتبارها من قبيل الخروج عن المألوف أو الاستثناء. ولأن البرامج التي تستهدف مساعدة الفقراء قد تكون ذات أهمية للبلدان النامية بصرف النظر عن مستوى دخلها أو حجمها، ينبغي السماح لجميع هذه البلدان بالمضي في مثل هذه البرامج. ومع ذلك، فإن الاستثناء الخاص بـ"تنويع الإنتاج" ينبغي أن يكون مقصوراً على البلدان الصغيرة ذات الدخل المنخفض التي تعتمد على محصول تصديري واحد أو محصولين في الحصول على الجانب الأكبر من حصيلة صادراتها.
ومن الصعب عملياً تحديد مفهوم "المنتجين منخفضي الدخل أو محدودي الموارد" الذي ينبغي أن تُطبق عليه هذه المعايير. وربما كان المنهاج العملي هو أن تُستثنى من حساب مقياس الدعم الكلي البرامج التي تستهدف جميع الأسر التي يكون مستوى معيشتها أدنى من خط معين للفقر (وبالتالي تشمل الأسر التي قد لا تكون منتجة لشيء ولكنها تعمل في الزراعة ويكون مستوى الاحتياج بالنسبة لها مساوياً، بل وأكثر، من مستوى الاحتياج بالنسبة للمنتجين "محدودي الموارد".
وأخيراً، ينبغي ألا يشمل صندوق التنمية التدابير الحدودية. فالتعريفات والتدابير المماثلة تؤدي إلى رفع الأسعار على المستهلكين ويكون وقعها أشد على المستهلكين الفقراء (الذين ينفقون نسبة أكبر من دخلهم على الغذاء) بينما يستفيد منها كبار المنتجين الزراعيين الذين توجد لديهم كميات أكبر من المنتجات يمكن بيعها في الأسواق.(5)
وينبغي النظر في قضية دعم الصادرات بمعزل عن القضايا الأخرى. فمن الواضح أن دعم الصادرات يؤدي إلى تشويه التجارة، ربما أكثر من أي شكل آخر من أشكال الدعم المحلي، ولا يمكن أن تتحمله معظم البلدان النامية. والمشكلة هنا سياسية أكثر من كونها اقتصادية. فقد لا يكون من المنطقي من الناحية الاقتصادية تقديم دعم للصادرات في أي بلد. ولكن، لما كانت البلدان المتقدمة قد دأبت على دعم صادراتها في الماضي، على خلاف معظم البلدان النامية، فإن أي تخفيض لدعم الصادرات من مستوياته المرتفعة الحالية سيترك للبلدان المتقدمة فرصاً كبيرة لدعم صادراتها وبالتالي تحقيق مزايا تجارية على حساب البلدان النامية. وقد بُذِلت محاولة لتصحيح هذا التباين في الماضي بالسماح للبلدان النامية بتنفيذ تخفيض دعم الصادرات على فترة أطول. وربما كان من اللازم زيادة التمييز بين التعهدات في المستقبل، ليس لأن دعم الصادرات يعد شيئا ينبـغي
تلقى البلدان النامية الثناء عليه لو أنها نفذته، بل من أجل تحسين شروط المنافسة.(6)
وتعد مسألة رفع مستوى الحد الأدنى المسموح به للدعم شبيهة بذلك إلى حد ما. فليست هناك دلائل على أن الحد الأقصى المحدد لذلك، وهو 10 في المائة، يمثل قيداً على البلدان النامية التي تقدم الدعم اللازم للزراعة. فإذا كان هناك صندوق للتنمية محدد المعالم، فليس من الواضح أنه سيكون من الضروري زيادة الحد الأدنى المسموح به للدعم من 10 في المائة إلى 15 في المائة، على سبيل المثال. ومن المقترحات الأخرى أيضاً السماح للبلدان النامية، التي يكون الدعم فيها بالسالب بالنسبة لبنود معينة، نتيجة للإعانات الغذائية التي يحصل عليها المستهلكون، بتعويض هذا الدعم السلبي بدعم إيجابي في حساب مقياس الدعم الكلي. ومع ذلك، فقد لا يكون هذا الإجراء ضرورياً، في حالة ما إذا تقرر زيادة مستوى الحد الأدنى المسموح به للدعم. وهناك أيضا مسألة أي البلدان النامية ينبغي أي يكون من حقها رفع مستوى الحد الأدنى المسموح به للدعم. وهل ينبغي أن تستفيد من ذلك البلدان النامية التي تعد من البلدان المُصدِّرة الرئيسية، مثل البلدان الأعضاء في "مجموعة كايرينز"، حتى وإن لم تكون في حاجة إلى ذلك؟
إن مقترحات البلدان النامية بزيادة مستوى الحد الأدنى المسموح به للدعم أو تحديد مستوى مجموع الحد الأقصى للدعم (يشمل التدابير المنصوص عليها في "الصندوق الأخضر") ترجع، إلى حد كبير، إلى رغبتها في تحسين شروط المنافسة لكي يصبح بوسعها التمتع بنفس القدر من الحرية الذي تمتعت به البلدان المتقدمة في الماضي فيما يتعلق بتقديم الدعم للزراعة؛ ليس بالضرورة لأنها تستطيع في الوقت الحاضر تمويل هذه المصروفات، أو لأن ذلك يعد وجيهاً من وجهة نظر التنمية. ولقد قيل إن بعض البلدان النامية ليست بحاجة إلى مزيد من المرونة ولكنها ينبغي أن تستخدم القواعد الدولية في إدخال مزيد من الضوابط على سياسات الدعم. وسوف تكون هذه الحجة أكثر إقناعاً لو أن البلدان المتقدمة مارست ذلك بانتظام بدلاً من كثرة لجوئها إلى وضع قواعد دولية لتجارية المواد الغذائية والمنتجات الزراعية لتبرير سياسات الدعم التي تطبقها.
القضايا المتصلة بالصحة والصحة النباتية
يؤدي تنفيذ الاتفاقية الجديدة الخاصة بتطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية إلى ظهور مشاكل جوهرية بالنسبة للبلدان النامية. ويتأتى بعض هذه المشاكل نتيجة لعدم توافر القدرة على وضع الترتيبات المؤسسية اللازمة للوفاء بالتعهدات والالتزامات التي تنص عليها الاتفاقية. وحتى في حالة وجود هذه القدرة، فإن تنفيذ هذه التعهدات والالتزامات سيكون مُكلفاً: إذ يمثل تنفيذ المعايير بالإضافة إلى إجراء الاختبارات وإصدار الشهادات ما بين 2 و 10 في المائة من إجمالي تكاليف المُنتَج. وبالتالي، تمثل عبئاً على صادرات البلدان النامية – حتى إذا كان استعمال هذه المعايير لأسباب مشروعة وكانت البلدان قادرة على تلبية ذلك.
ومع ذلك فإن أكبر قدر من الأعباء المترتبة على هذه الاتفاقية قد يرتبط ببند آخر. فقد يؤدي إلى إعطاء مشروعية للإجراءات التي تتخذها البلدان المتقدمة والتي يمكن أن تسفر عن مشاكل لا يستهان بها بالنسبة لتجارة البلدان النامية، حتى وإن بدا أن لهذه الإجراءات ما يبررها – لأسباب صحية، على سبيل المثال. وقد جاء في دراسة أخيرة أن تشريعاً وضعته المجموعة الأوروبية في سنة 1998 برفع مستوى الحد الأدنى لأنواع معينة من الأفلاتوكسين – وهو مادة ذات تأثير سمي توجد في بعض المواد الغذائية وبعض الأعلاف الحيوانية – إلى مستويات أعلى مما ينص عليها الدستور الغذائي، إلى خسائر تقترب من 700 مليون دولار أمريكي في إيرادات البلدان الأفريقية المُصدِّرة للفول السوداني (Otsuki et al., 2000).
ومن الصعب الاعتراض على هذه الإجراءات التي تتخذها البلدان المتقدمة لحماية صحة مستهلكيها، ولكن عندما تسفر هذه الإجراءات عن أعباء فادحة يتحملها المصدرون في البلدان النامية، يبدو أن من الإنصاف أن تتعهد البلدان التي تتخذ هذه الإجراءات، بموجب التزام قانوني، باتخاذ خطوات تساعد البلدان النامية المتضررة في مواجهة المشكلة التي تسفر عنها هذه الإجراءات التنظيمية. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي إدخال نص جديد في الاتفاقية مؤداه أنه عندما تجد دولة متقدمة أن صادرات معينة من إحدى البلدان النامية لا تلبي المعايير الصحية ومعايير الصحة النباتية - وبالتالي تكون مستبعدة من دخول السوق - تكون الدولة المتقدمة ملزَمة بتقديم مساعدات إلى الدولة النامية لرفع مستوى منتجاتها إلى المستوى المطلوب. وقد سبق للاتحاد الأوروبي أن قدم مساعدات من هذا النوع إلى بعض البلدان النامية لمساعدتها في الوفاء بالمعايير الخاصة بالأسماك. والوضع النموذجي هو أن يكون هناك تعهد مُلزِم من الناحية القانونية في إطار منظمة التجارة العالمية؛ وقد يكون من المفيد كخطوة أولى وجود إشارة عامة تربط بين الأمرين.
إذا كان لجولة المفاوضات الخاصة بتجارة المنتجات الزراعية أن تراعي البُعد الإنمائي، ينبغي لها أن تتناول جوانب القلق والشواغل المشروعة لدى البلدان النامية، وخصوصاً البلدان النامية ذات الدخل المنخفض والبلدان الأقل نمواً والبلدان التي تواجه أكبر قدر من الصعوبات في مجال ضمان الأمن الغذائي، من حيث كيفية النهوض بقطاعي الأغذية والزراعة. ولا ينبغي أن تكون النصوص والأحكام التي تحقق هذه الغاية في صورة استثناءات أو معاملة خاصة، بل ينبغي أن تعكس الأهداف المشروعة من وضع القواعد، كما ينبغي وجود مزيد من التناسق بين سياسات تجارة المنتجات الزراعية والمعونات التي تقدمها البلدان المتقدمة للقطاع الزراعي.
وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي أن تسفر المفاوضات الخاصة بالزراعة عن اتفاق بشأن إنشاء صندوق للتنمية يتضمن تدابير دعم إنتاج المنتجات الغذائية والزراعية التي تهم فقراء الريف في البلدان النامية على أساس مستمر. وينبغي أن يشمل هذا الصندوق العناصر الرئيسية للمعاملة الخاصة والتفضيلية التي تغطيها الفقرة 2 من المادة 6 من اتفاقية الزراعة. ولا ينبغي أن توصف هذه العناصر بأنها "استثناءات" من خفض مقياس الدعم الكلي، بل كحق من حقوق البلدان النامية يهدف إلى توفير:
وبالإضافة إلى هذه "الحقوق" الأساسية، ينبغي النظر في رفع مستوى الحد الأدنى المسموح به للدعم – إلى 15 في المائة مثلاً – بالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي أو غيرها من البلدان الصغيرة شديدة التعرض للمخاطر التجارية.
وهناك حاجة إلى توسيع الفرص أمام البلدان النامية للوصول إلى أسواق البلدان المتقدمة وتخفيض الدعم الذي تقدمه البلدان المتقدمة لصادراتها بالتدريج وبمعدل أسرع مما هو مطبق على البلدان النامية، توطئة لإلغائه تماماً. وبالإضافة إلى ذلك، فمن اللازم معالجة القمم التعريفية المطبقة على المنتجات الزراعية على وجه السرعة – كأن يكون ذلك طبقاً لمنهاج يقوم على صيغة محددة تنص على أن يكون خفض التعريفات العالية بنسبة أعلى في البلدان المتقدمة.
وأخيراً، هناك حاجة كبيرة إلى زيادة التناسق بين سياسات تجارة المنتجات الزراعية والمعونات التي تقدمها البلدان المتقدمة لقطاعي الأغذية والزراعة في البلدان النامية. وهذا يتطلب تلافي وجود عدم تناسق حقيقي عندما تقدم الجهات المانحة مساعدات من أجل زيادة إنتاج المنتجات الزراعية والغذائية في البلدان النامية، من ناحية؛ والإضرار بجهودها وجهود البلدان النامية بالتخلص من فائض المنتجات الزراعية والغذائية بأسعار مدعومة في أسواق البلدان النامية، من ناحية أخرى. ويتطلب ذلك أيضاً وجود تنسيق مسبق بين سياسات التجارة وسياسات المعونة يسفر عن التزام البلدان المتقدمة بمساعدة البلدان النامية على التقيد بالمعايير التي تنص عليها اتفاقية تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية في أسواق الاستيراد عندما يكون لهذه المعايير تأثير سيئ على صادرات البلدان النامية.
المراجـع
Binswanger, H. & Lutz, E. 1999. Agricultural Trade Barriers, Trade Negotiations and the Interests of Developing Countries”. Paper prepared for the UNCTAD X High-level Round Table on Trade and Development: Decisions for the Twenty-first Century (TD(X)/RT.1/8), Geneva |
Das, B.L. 1998. The WTO Agreements: Deficiencies, Imbalances and Required Changes (Penang: Third World Network) |
Diaz-Bonilla, E. et al. 2000. Food Security and Trade Negotiations in the WTO: a Cluster Analysis of Country Groups, Trade and Macroeconomics Paper #59 Washington DC: IFPRI |
Diaz-Bonilla, E. et al. 2002. WTO, Agriculture and Developing Countries: A Survey of Issues, Trade and Macroeconomics Paper #81, Washington DC: IFPRI |
FAO. 2000. Experience with the Implementation of the Uruguay Agreement on Agriculture, CCP 01/11, December |
Michalopoulos, C. 2000. Special and Differential Treatment for Developing Countries in the GATT and the WTO, Policy Research Working Paper No. 2388, World Bank |
Michalopoulos, C. 2001. Developing Countries in the WTO, Palgrave: New York and Hampshire |
Otsuki, T. et al. 2000. What Price Precaution? European Harmonization of Aflatoxin Regulations and African Food Exports (mimeo), World Bank |
WTO. 2000a-b. Agreement on Agriculture: Special and Differential Treatment and a Development Box. Proposal by Cuba and other developing countries. G/AG/NG/W/13 and G/AG/NG/W/14, 23 June |
WTO. 2000c. Special and Differential Treatment of Developing Countries in World Agricultural Trade. Submission by ASEAN. G/AG/NG/W/55, 10 November |
WTO. 2000d. WTO Negotiations on Agriculture: Proposals by Small Island Developing States. G/AG/NG/W/97 and Corr. 1, 29 December |
WTO. 2001a. WTO Negotiations on Agriculture: proposals by India. G/AG/NG/W/102, 15 January |
WTO. 2001b. WTO Negotiations on Agriculture: Comprehensive Proposal by the Arab Republic of Egypt. G/AG/NG/W/107/Rev. 1, 21 March |
WTO. 2002. Information on the Utilisation of Special and Differential Treatment Provisions. WT/COM/TD/W/77/Rev.1/Add.4, 7 February |
Youssef, H. 1999. Special and Differential Treatment for Developing Countries in the WTO. Working Paper 2, South Centre, Geneva |
1 قُدّم كونستانتين ميكالوبولوس هذه الورقة في صورة مختلفة أمام اجتماع المائدة المستديرة الذي عقدته منظمة الأغذية والزراعة بشأن المعاملة الخاصة والتفضيلية في سياق مفاوضات منظمة التجارة العالمية الخاصة بالزراعة، جنيف، أول فبراير/شباط 2002. والمؤلف خبير استشاري للبنك الدولي. والآراء الوارد بهذه الورقة تعبر عن وجهة نظر المؤلف فقط، ولا ينبغي بحال من الأحوال نسبتها إلى البنك الدولي.
2 يوجد الكثير من الأدبيات التي تتناول هذه القضايا. أنظر، على سبيل المثال:
3 كان الوضع كذلك بكل تأكيد من عشر سنوات، عندما كانت المفاوضات تجري في جولة أوروغواي، بل وأشد من ذلك في سنوات الثمانينات، التي تعد السنوات المرجعية لقياس الدعم.
4 يلاحظ أن هذا، في وضعه الحالي، قد لا يرقى إلى مستوى التسهيل، لأن الفرق بين سعر الشراء والسعر المرجعي الخارجي من المفترض أن يُحسب في مقياس الدعم الكلي.
5يمكن إثارة قضية أن يكون تنفيذ البلدان النامية لخفض التعريفات الجمركية بخطى أبطأ (أنظر: Diaz-Bonilla et al., 2002) في المفاوضات المقبلة؛ ومع ذلك فليست هذه من القضايا الخاصة بصندوق التنمية، بل هي من المبادئ العامة الواجب مراعاتها في المفاوضات.
6 يوجد بالطبع عدد من القضايا المهمة في المفاوضات، مثل معدل التخفيضات التي ينبغي أن تُدخلها البلدان المتقدمة على مقياس الدعم الكلي في المستقبل، وفرض قيود على استخدامها للدعم في نطاق "الصندوق الأخضر"، وفرض قيود على استخدامها للتسهيلات الائتمانية التصديرية – وهي قضايا لا تتناولها المناقشة الحالية لأنها ليست من تدابير المعاملة الخاصة والتفضيلية. وتتعلق هذه القضايا باقتراحات البلدان النامية لتحسين شروط المنافسة عن طريق إقناع البلدان المتقدمة بالإسراع في إلغاء سياساتها التي تؤدي إلى تشويه التجارة.