تقول حكمة تقليدية أن الأمن الغذائي المنزلي يقل عندما تزيد الصادرات السمكية. وقد يحدث ذلك في المياه الداخلية حيث تكون مساحة الصيد محدودة لكنه لا يحدث بالضرورة في المصايد السمكية أمام السواحل كما تبين التجارب ذلك.
لقد زادت التجارة العالمية في الأسماك والمنتجات السمكية بسرعة خلال العشرين عاما الماضية، حيث ارتفعت قيمة هذه التجارة من 8 ألاف مليون دولار في 1976 إلى 900 52 مليون دولار في 1999. وقد أصبحت الصادرات السمكية مصدرا رئيسيا للعائدات من النقد الأجنبي في البلدان النامية التي تشكل الآن ما يقرب من 50 في المائة من تجارة الأسماك الدولية.
وسعيا إلى تدعيم أو توسيع نطاق حصتها من الصادرات السمكية، وضعت بلدان نامية كثيرة سلامة الأسماك ونوعيتها في بؤرة السياسات الرامية إلى تنمية تجارتها وتعزيزها. ويساعد مجتمع التنمية الدولي في إنشاء نظم الرقابة اللازمة لاستيفاء قواعد سلامة الأغذية وجودتها التي تفرضها البلدان المستوردة.
نقل سمكة تونة
ولكن كيف يمكن أن يسهم تحسين سلامة ونوعية المنتجات السمكية المعدة للتصدير في تحقيق الأمن الغذائي المحلى؟ لقد كان يتردد منذ بعض الوقت أن تعزيز الصادرات السمكية من البلدان النامية يمكن أن يؤدي إلى عكس ما هو منشود منه حيث يعرض الحالة التغذوية للسكان الفقراء للخطر نتيجة لاحتمال انخفاض الإمدادات المحلية.
وعلى العكس من ذلك، يمكن أن يستفيد الأمن الغذائي المحلي بطرق مختلفة. فأولا على مستوى الإقتصاد الكبير، يمكن إعادة استثمار العائدات من صادرات المنتجات السمكية عالية القيمة مثل اللوبسترأو الأربيان في شراء كميات كبيرة من الأغذية الأقل تكلفة وتوفيرها للسكان المعرضين لنقص التغذية. وعلى مستوى الاقتصاد الصغير أو مستوى الأسرة تؤدي زيادة الصادرات السمكية إلى توفير فرص العمل وزيادة دخل الفقراء الذين يتوافر لديهم عندئذ قدر أكبر من الأموال لإنفاقها على الأغذية. وينطبق ذلك بصورة خاصة على قطاعات مصايد الأسماك التي تستخدم فيها نسبة كبيرة من الأساطيل الحرفية ويديرها الصيادون الأفراد الذين يعملون على نطاق صغير. وعلاوة على ذلك فإن تحسين سلامة الأغذية ونوعية الصادرات السمكية ممكن أن يصل إلى الإمدادات المحلية حيث تستخدم نفس المرافق والمعدات والأفراد في كلا القطاعين. ونظرا لأن التدخلات الرامية إلى تعزيز سلامة الأغذية ونوعيتها تفيد في تلافي خسائر ما بعد المصايد وتفتح مجالا للصيد في مساحات أكبر، قد ترتفع جودة المنتجات السمكية التي تتوافر للمستهلكين نتيجة إنخفاض الأسعار.
التجارب الأفريقية
في هذا الصدد، تقدم أفريقيا عددا من الدراسات الإيجابية. فخلال التسعينات، ارتفعت صادرات أفريقيا من الأسماك بنحو10.2 في المائة سنويا، أي أسرع من وارداتها من الأسماك التي كانت تنمو بما لا يتجاوز 2.3 في المائة. وتبلغ قيمة الصادرات الآن، التي تتكون أساسا من الأسماك عالية القيمة، نحو 1. 2 مليار دولار سنويا أي أكثرمن ضعف وارداتها (مليار دولار).
وقد استخدم العديد من البلدان العائدات الناجمة عن هذه الصادرات في استيراد أغذية أقل تكلفة. فمصر ونيجيريا تستوردان أنواع من الأسماك منخفضة القيمة مثل الرنجة والسردين والماكريل. وتستورد البلدان المصدرة ذات الأسواق المحلية الصغيرة بالنسبة للأسماك، منتجات غذائية أخرى مثل الدواجن ومنتجات الألبان. ففي موريتانيا، على سبيل المثال، التي لا تملك سوى مساحات صغيرة صالحة للزراعة، تعتبر هذه الواردات حيوية للأمن الغذائي.
وقد أدخل الكثيرمن البلدان الأفريقية، بمساعدات من منظمة الأغذية والزراعة ووكالات التنمية الأخرى، برامج لضمان فحص الأسماك والتأكد من جودتها وهو أمر أصبح إلزاميا الآن بالنسبة لجميع البلدان التي تصدر إلى الاتحاد الأوروبى ومناطق أخرى من العالم المتقدم. وهذه البرامج الوقائية صممت لتجنب الخسائر في مختلف حلقات سلسلة الأغذية، وذلك على العكس من نظم اختبار المنتجات النهائية المستخدمة في البلدان المستوردة.
وتتحمل الصناعة مسؤولية تنفيذ البرنامج في حين تتولى وكالات الفحص الحكومية رصد النشاط وتنظم الصادرات وفقا لذلك. والأداة الرئيسية المستخدمة هي برامج فحص الأسماك وضمان جودتها في نظام تحليل المخاطر عند نقاط المراقبة الحرجة.
وتحتاج نظم تحليل المخاطر عند نقاط المراقبة الحرجة، المستخدمة في مصايد الأسماك، والتى طبقتها في الأصل بلدان الشمال، إلى تعديل لتلائم ظروف أفريقيا وغيرها من الأقاليم النامية. فعلى سبيل المثال، تختلف أنماط الإتلاف البكتيرى في الأسماك الإستوائية عن تلك الخاصة بأسماك المياه الباردة أو المعتدلة مما يتطلب تدابير مراقبة نوعية. كذلك فإن الكثيرمن عمليات تصنيع الأسماك تتم يدويا في البلدان النامية مما يتطلب زيادة التركيز على نظافة الأشخاص، في حين تجري هذه العمليات في البلدان المتقدمة آليا إلى حد كبير مما يتطلب زيادة التركيزعلى النظافة العامة للمعدات.
وقد وفرت منظمة الأغذية والزراعة، في الثمانينات مع الشركاء القطريين وغيرهم التدريب على وضع وتطبيق نظم تحليل المخاطر عند نقاط المراقبة الحرجة بعد تعديلها بصورة ملائمة لتصلح للبلدان الأفريقية. وكان المغرب أول بلد يستفيد من هذه العملية، وقد تم نشر النموذج الذي وضع هناك في بلدان أخرى.
وثمة ابتكار فني رئيسي لتحسين سلامة ونوعية المنتجات السمكية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتمثل في وضع نظام لتجميد الأسماك على ظهر القوارب الصغيرة. وفى أوائل الثمانينات، صممت حاويات عازلة للشمس لتركيبها على القوارب الصغيرة الضيقة أو "البروج " المستخدمة بواسطة صغار الصيادين، في حين أقيمت مصانع صغيرة للثلج على الشواطئ. وقد أدت هذه التقنيات إلى الحد من تلف الأسماك، بل وزيادة المساحة التي يمكن فيها الصيد بصورة كبيرة حيث أصبحت القوارب قادرة على البقاء في البحر لمدة خمسة إلى ستة أيام بدلا من فترة لا تتجاوز الأربع وعشرين ساعة التي كانت ممكنة في السابق. ونتيجة لذلك زاد مصيد صغار الصيادين زيادة كبيرة وقلت الخسائر بصورة ملموسة.
وقد لمست البلدان الأفريقية كيف أن استثماراتها في سلامة الأسماك ونوعيتها قد حققت أرباحا كبيرة. ويتعين على البلدان التي تريد تصدير الأسماك للاستهلاك البشري إلى الاتحاد الأوروبي الدخول في القائمة الأولى التي تشمل البلدان التي يعتقد أن لديها برنامجا فعالا لفحص الأسماك وضمان جودتها. فمن بين البلدان الأربعة والخمسين المدرجة حاليا في هذه القائمة، هناك ثلاثة عشر بلدا ( ما يقرب من الربع) في أفريقيا. ومن بين هذه البلدان السنغال وموريتانيا اللتان تبين حالتيهما المتعارضتين مدى استفادة الأمن الغذائي من زيادة الصادرات السمكية.