الأغذية التي لا تجذب المستهلكين تبقى قابعةً في الأسواق وغير مستهلكة. أمّا الأغذية التي تكون ملوَّثة بالعوامل الممرّضة أو الكيميائية فهي غير آمنة للتناول- ولا يمكن اعتبارها أغذيةً. وعلى امتداد سلاسل القيمة، بدءًا من الحقل ووصولًا إلى المطبخ أو طاولة الطعام، تُفقد الأغذية أو تُهدر. ونظرًا إلى أن الفواكه والخضروات قابلة للفساد وحسّاسة، تواجه بصورة خاصة خطر ألاّ يتناولها أحد (منظمة الأغذية والزراعة، 2019).
يرّكز هذا الفصل على أربع قضايا مترابطة: جودة الأغذية وسلامة الأغذية والفاقد والمهدر من الأغذية. ويشير إلى العوامل التي تتّصل بكل منها، وكيف يمكن ضمان الجودة والسلامة والتقليل إلى الحدّ الأدنى من الفاقد والمهدر.
إذا توجّهت إلى سوقٍ أو متجر في أي مكان في العالم، سوف ترى المتسوّقين يختارون الفواكه والخضروات حسب شكلها وملمسها. فهم يريدون الطماطم المتماسكة، والموز الأصفر، والخسّ غير الذابل، والتفاح الخالي من التشوهات، وثمار المانغا الخالية من أي بقع والسبانخ الطازج. ويقوم التجار بفرز مخزونهم بشكل مستمر للتخلّص من المنتجات التالفة أو المتعفّنة. كما أن المتاجر الكبرى تعبئ المنتجات الدقيقة بطريقة تمنع الرضوض وتسمح بإطالة مدة صلاحيتها فيما يرّش بائعو الخضار منتجاتهم بالمياه بحيث تبقى أوراقها نضرة ويبعدون الذباب عنها.
كذلك، فإن توقعات المستهلكين وتصوراتهم، بحكم تعريفها، سوف تحدّد نظرتهم إلى جودة الأغذية (الإطار 6). فما قد يكون غير مقبول لمستهلك ما قد يناسب تمامًا مستهلكًا آخر. وغالبًا ما يقيّم المستهلكون جودة الأغذية على أساسٍ ذاتي: فخياراتهم تعتمد على توقعاتهم. وتستخدم الشركات معايير الجودة بالاستناد إلى قياسات موضوعية توجهها البيانات بشأن درجة الحرارة، والتماسك، ومحتوى السكر وتوقعات مدة الصلاحية بالنسبة إلى المنتجات الطازجة.
تشير جودة الأغذية إلى صفات الغذاء التي تؤثر على قيمته وتجعله مقبولًا أو مرغوبًا به بالنسبة إلى المستهلك. لذا، تختلف الجودة المثالية للأغذية باختلاف البلدان والثقافات.
سلامة الأغذية هي ضمان ألا تضرّ الأغذية بالمستهلك عندما تحضَّر و/أو تؤكل وفقًا لوجهة استخدامها المتوخاة(CXCا 1969). وعلى عكس جودة الأغذية، فإن سلامة الأغذية غير قابلة للتفاوض.
تتّسم الجودة بالفعل بأهمية خاصة لإمداد جميع الأسواق، ولا سيما الأسواق ذات القيمة العالية: التصدير والمتاجر الكبرى والفنادق والمطاعم. وتضع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا معايير الجودة التجارية للفواكه والخضروات وتصادق عليها من خلال الفريق العامل التابع لها المعني بمواصفات الجودة الزراعية (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا 2020). كما أن هذه المعايير الدولية تيسّر التجارة، وتشجّع الإنتاج الرفيع الجودة، وتحسّن الربحية وتحمي مصالح المستهلكين. ويستخدمها كلّ من الحكومات، والمنتجين، والتجار، والمستوردين والمصدّرين، فضلًا عن المنظمات الدولية.

ويشدّد أصحاب المصلحة على امتداد سلسلة القيمة على الجوانب المختلفة للجودة.
تتأثر جودة الفواكه والخضروات بعوامل خارجية وداخلية. وتشمل العوامل الخارجية بيئة الإنتاج، وكيفية مناولة المنتج خلال الحصاد وفي مراحل مختلفة من سلسلة الإمداد، وكيفية تعبئته وعرضه للبيع للمستهلكين. أمّا العوامل الداخلية فتتصل بالأغذية بحدّ ذاتها: مظهرها البادي (الحجم والشكل واللون)، وقوامها، وتماسكها وخصائصها الحسية والتغذوية، وسلامة الأغذية. وتكتسي جميع هذه الخصائص أهميةً وقيمة بالنسبة إلى المستهلكين.
ويعتمد النوع الأفضل من المناولة والتعبئة على نوع المنتج. فيجب مثلًا حفظ الموز بدرجة حرارة تتراوح بين 12 و15 درجة مئوية فيما يحتاج القرنبيط إلى درجات حرارة أدنى (صفر-5 درجات مئوية).
وكون المنتج يستمر في التنفس خلال التخزين، فهو يستهلك الأكسجين من داخل العبوة ويبعث ثاني أكسيد الكربون، بما يبطئ تلفه ويطيل مدة صلاحيته. ولكن إذا كانت العبوة محكمة الإغلاق، لن تبقى فيها كمية كافية من الأكسجين فيتلف المنتج. لهذا السبب، غالبًا ما توجد في العبوات البلاستيكية الثقوب بحيث تتيح وصول كمية متحكّم بها من الأكسجين إلى محتواها (التغليف في بيئة معدّلة 2012). كما أن غاز الإيثلين المنبعث من الفواكه يسّرع نضجها، ونموها وتلفها في نهاية المطاف: فوضع الموز الناضج (الذي يصدر قدرًا كبيرًا من الإيثلين) إلى جانب التفاح سوف يسرّع نضجه.
يشتري المستهلكون المنتجات الطازجة على أساس خصائص البحث والخبرة والثقة (الإطار 7).

| خصائص البحث يمكن التحقّق منها مباشرة قبل الشراء.
|
| خصائص الخبرة تظهر فقط بعد الشراء، إنما تؤثر على شراء المنتج ذاته مرة ثانية.
|
| خصائص الثقة لا يمكن تقييمها قبل الشراء أو بعده؛ تعتمد على موثوقية المورّد. غالبًا ما ترد على بطاقات التوسيم
|
مقتبس من نظم Rezare (2020)
تقوم الأجهزة الدولية (وبخاصة هيئة الدستور الغذائي المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية)، والحكومات، والمجموعات الصناعية، والشركات الفردية والمنظمات غير الحكومية بوضع المعايير أو الأنظمة الفنية لضمان جودة المنتجات وسلامتها. وتعتمد هذه المعايير والأنظمة بدورها على نظم مراقبة الأغذية المرفقة بعمليات تفتيش وإصدار شهادات وفرض عقوبات لعدم الامتثال. ويجري تصميمها لضمان سلامة المنتجات وجودتها والتأكيد للشارين بأنه قد تمّ إنتاجها وتجهيزها بطريقة خاصة.
كما أن المعايير والشهادات مفيدة بصورة خاصة حين تكون المعلومات متفاوتة: حين لا يمكن للشارين والمستهلكين أن يحكموا بسهولة على جوانب السلامة والجودة في المنتج أو على العمليات المعتمدة في إنتاجه. وأحد الأمثلة هو مراعاة الجوانب البيئية للمنتج العضوي. وهناك «سِمة الثقة» لأنه لا تتوفر للمستهلكين أي طريقة للتحقق من إنتاج المنتج فعلًا بطريقة عضوية (Caswell و Mojduszkaا، 1996). وترمي نظم إصدار الشهادات (وتوسيم المنتجات الحائزة على شهادة) إلى توفير طريقة التحقق أو «عبء الإثبات» للتحقق من الامتثال لمعايير معيّنة.
المواصفات الدولية (هيئة الدستور الغذائي المشتركة بين منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحّة العالمية). إن الدستور الغذائي أو «مدوّنة الأغذية» مجموعة من المواصفات الغذائية، والخطوط التوجيهية ومدوّنات الممارسة التي وضعها خبراء مستقلّون وأخصائيون في طيف واسع من الاختصاصات لضمان أن تصمد أمام التمحيص العلمي الأكثر صرامة (الجدول 2).

وإذ وضعت منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية الدستور الغذائي في عام 1963 من أجل حماية صحة المستهلكين وتشجيع الممارسات المنصفة في تجارة المواد الغذائية، يشكل هذا الدستور القاعدة التي تستند إليها البلدان لبلورة أنظمتها الغذائية الوطنية. وتتيح هذه المعايير للشركات التبادل بالتجارة مع بعضها وهي واثقة أن المنتجات التي تشتريها ستكون متماشية مع المواصفات المعترف بها دوليًا. وتشمل مواصفات الدستور الغذائي المتطلبات العامة للجودة، إضافةً إلى قائمة من مبيدات الآفات المسموح بها، والحدود القصوى المسموح بها لمبيدات الآفات المصادق عليها، ومعالجات ما بعد الحصاد مثل متطلبات التشميع، والتوسيم والتعبئة، والمستويات المسموح بها من الملوّثات. ومن دون هذه المعايير المشتركة، لكانت التجارة الدولية بهذه المنتجات أصعب بكثير.
التعامل بين مؤسسات الأعمال. المعايير الخاصة مثل المواصفة العالمية لسلامة الأغذية الخاصة بالاتحاد البريطاني للبيع بالقطاعي (المواصفة العالمية لسلامة الأغذية الخاصة بالاتحاد البريطاني للبيع بالقطاعي 2020) هي عادةً ترتيبات بين شركة وأخرى. وتوفّر الشهادات الضمانة للشارين بأن المورّد يمتثل لمعيار الجودة- رغم التسويق أحيانًا لعلامة الجودة بصورة مباشرة للمستهلكين.
التعامل بين مؤسسة الأعمال والمستهلك. تتبّع المعايير المتصلة بالاستدامة أو الحماية البيئية عادةً نموذج التعامل بين مؤسسة الأعمال والمستهلك. وكذلك المعايير الموجّهة إلى الأسواق المتخصصة مثل المنتجات العضوية. ويتم التسويق للمنتجات الحائزة على شهادات للمستهلكين في نقطة البيع، وغالبًا ما يحصل ذلك من خلال بطاقة توسيم مرتبطة بالمنتج. فبطاقات التوسيم التي ترد فيها «خصائص الثقة» مثل المنتج العضوي أو التجارة العادلة تندرج ضمن هذه الفئة (الإطار 7).
وحين تكون المعايير مفروضة من جانب الحكومة (مثل معايير المنظمة الدولية للتوحيد القياسي- المعيار 2017) أو منظمة غير حكومية (مثل الممارسة الزراعية الجيدة العالمية 2020)، يمكن أن يثق المستهلك بصورة معقولة بأن المنتج يطابق فعلًا المعلومات الواردة على بطاقة التوسيم. إنما تضيف شركات عديدة بطاقات التوسيم الخاصة بها غير الخاضعة لتحقّق مستقل.
قد تكون الفواكه والخضروات غنيّة بالفيتامينات ومغذيات أخرى- إنما ماذا لو لم يكن تناولها مأمونًا؟ عندها، لن توفّر أي فوائد للمستهلكين، بل سوف تسبّب لهم المرض أو حتى الوفاة- ولا يمكن اعتبارها أغذية. كما أنها قد تتضمّن عوامل ممرضة خطيرة أو قد تُلوّث بالمواد الكيميائية.
فيمكن أن يساعد غسلها، وتقشيرها وطهوها في التخلّص من هذه الأخطار (رغم أن التقشير والطهو قد يؤدّيان إلى خسارة بعض المغذيات). لكن يتم تناول العديد من الفواكه غير مقشّرة أو نيئة، مثل السلطة، والطماطم، والخيار، وبراعم الفول وخضروات أخرى.
ويمكن أن يكشف المستهلكون عن الجودة الرديئة للفواكه والخضروات بكل سهولة، وبالتالي يرفضون شراءها. إنما هذا لا ينطبق على المشاكل المتّصلة بسلامة الأغذية التي قد لا يتمّ الكشف عنها سوى بعد تناول المنتج. وعندها، قد تسبّب مشاكل صحيّة على الفور- مثل تسمّم الأغذية بفعل قولونيات الإيكولي- أو مشاكل في الأجل الطويل، كما بالمعادن الثقيلة.
يمكن أن تفضي حالات تفشّي الأمراض التي تنقلها الأغذية إلى نتائج كارثية للمستهلكين والمنتجين على حدّ سواء. كما يمكن أن تؤدّي المخاطر على سلامة الأغذية إلى استبعاد المنتجات من السوق، بما يسبّب خسائر وتكاليف اقتصادية جسيمة للمنتجين والمجهّزين والتجّار. لذا، يجب أن تتمتّع سلامة الأغذية دومًا بالأسبقية من أجل تحقيق مستويات عالية من خصائص أخرى متّصلة بالجودة.
ويُقدّر أن الأمراض التي تنقلها الأغذية تسبّب حوالي 600 مليون حالة مرض و420000 حالة وفاة في العالم كل عام (منظمة الصحة العالمية، 2015). وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أنّ الأمراض الناجمة عن استهلاك الأغذية غير المأمونة تكلّف البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وحدها 110 مليارات دولار أمريكي من حيث الإنتاجية المفقودة والتجارة المفقودة والنفقات الطبيّة في العام الواحد (Jaffee وآخرون، 2019).
وتُربط عادة هذه الأمراض بمجموعتين رئيسيتين من الأغذية: الفواكه والخضروات والمنتجات الحيوانية (إدارة الصحّة في مينيسوتا). وقد تم الربط بين المنتجات الطازجة التي تحتوي على كميات مفرطة من مخلّفات المواد الكيميائية أو المعرّضة للتلوّث أو الإصابة بالميكروبات بسلسلة من حالات تفشّي الأمراض التي تنقلها الأغذية من حول العالم خلال السنوات القليلة الماضية (Hussain وGooneratneا، 2017). كما أن الفواكه والخضروات التي يتم تناولها نيئة، وبخاصة تلك التي لا تُقشّر أو تُغسل بمياه نظيفة، يمكن أن تنقل ممرضات ومواد كيميائية خطيرة (منظمة الصحة العالمية، 2005). والشواغل العامة بشأن هذه المخاطر تبلغ أعلى مستوى لها على الإطلاق.
توفّر ضوابط السلامة الحماية لصحّة المستهلكين ولمصالح مؤسسات الأعمال من خلال ضمان أن تمتثل المنتجات التي تتم التجارة بها لمعايير سلامة الأغذية وأن يكون تناولها مأمونًا. ونظرًا إلى إمكانية تلوّث المنتجات على امتداد سلسلة القيمة، من الضروري وضع الضوابط في كل مرحلة من المراحل (الجدول 3).

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة (2004).
الممارسات الجيّدة. إضافةً إلى ذلك، تُصدر منظمة الأغذية والزراعة توصياتٍ للممارسات الجيّدة في مجال زراعة الفواكه والخضروات، وتصنيعها ونظافتها الصحيّة. وهي ترمي إلى مساعدة المزارعين والتجار والمجهّزين في تطبيق المعايير المحدّدة في الدستور الغذائي.
الإجراءات التشغيلية الموحّدة. إنه وصف خطّي ومفصّل وميسّر يشرح كيف ينبغي إجراء كل عملية. وهي تضمن القيام بالعمليات (بما في ذلك الصيانة، والإصحاح، ومكافحة الآفات ومناولة النفايات) على نحوٍ كفؤ وملائم.

تحليل المخاطر ونقاط الرقابة الحرجة. يستند هذا النظام إلى نظام وضعته وكالة الفضاء الأمريكية لضمان ألاّ يتأثر روّاد الفضاء بالأمراض التي تنقلها الأغذية خلال رحلاتهم إلى الفضاء. وعوضًا عن اختبار المنتج النهائي، يتعرّف إلى النقاط الحرجة في نظام الإنتاج، ويحدّد المشكلة التي من المحتمل أن تحصل في هذه النقاط ويتخلّص منها. ويتّسم هذا الأمر بأهمية خاصة بالنسبة إلى المنتجات الغذائية من أجل تفادي أن تصبح الأغذية غير مأمونة للاستهلاك وأن تسبّب الهدر غير الضروري.
إمكانية التتبّع. إنها القدرة على متابعة («تتبّع») حركة المنتجات الغذائية لا سيما وأنها تمرّ عبر مراحل محدّدة من المنتج إلى المستهلك (الإطار 8).
إمكانية التتبّع ضرورية في سلاسل الإمداد الخاصة بالفواكه والخضروات من أجل التخفيف من آثار المخاطر المتّصلة بسلامة الأغذية.
فممارسات التتبّع الجديدة التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية تساعد في ضمان سلامة الأغذية وجودتها، وتحسين سلاسل الإمداد على النحو الأمثل والحدّ من الفاقد من خلال إتاحة الكشف بسرعة عن مشاكل الإفساد (المنتدى الاقتصادي العالمي، 2019).
كما تتزايد شعبية قواعد البيانات التسلسلية كطريقة للتتّبع لأنها تربط بين السجلات الرقمية لجميع أصحاب المصلحة والأحداث بصيغة مقاومة للتلاعب بها. ويمكن الوصول إلى المعلومات عند أي نقطة من أي مكان، إنما لا يمكن تعديلها أو حذفها.
وفي حال نشوء مشكلة متّصلة بسلامة الأغذية، يمكن تحديد المصدر بسرعة وإزالة الدفعات من المصدر ذاته من السوق. وتسمح إمكانية التتبّع أيضًا بتوفير معلومات موثوقة عن المنتج وضمان أصالته- مثلًا بالنسبة إلى المنتجات العضوية أو الإقليمية.
يتشارك أصحاب مصلحة مختلفون في المسؤولية بشأن سلامة الأغذية.
الحكومات الوطنية مسؤولة عن إنشاء نظام وطني للرقابة على الأغذية مع توفير الصكوك القانونية والسياسية الملائمة، والموارد البشرية المؤهلة، والأطر المؤسسية السليمة والأصول المالية، والمعدّات والبنية التحتية اللازمة لها لإجراء عمليات التفتيش. وهي تضمن أيضًا إنفاذ الامتثال وتفرض الغرامات على الانتهاكات وحالات عدم الامتثال.
كما أن لجان الدستور الغذائي الوطنية تيسّر مواءمة الأنظمة الوطنية مع الدستور الغذائي، وتوفّر التنسيق بين أصحاب المصلحة الوطنيين وتساهم في بلورة مواصفات الدستور الغذائي والنصوص المتّصلة بها.
والحكومات الوطنية مسؤولة أيضًا عن ضمان أن تكون البنية التحتية الداعمة قادرة على إمداد الكميات الملائمة من الفواكه والخضروات المأمونة. وهذا يشمل الطرقات للوصول إلى الأسواق، وإمدادات المياه، والطاقة لتشغيل المعدّات ونظم التبريد، والوصول إلى المختبرات ومنشآت التخزين المناسبة.
القطاع الخاص، من المنتجين إلى البائعين بالتجزئة، مسؤول عن ضمان الامتثال على امتداد السلسلة الغذائية والمرافق، والنظم والأدوات الضرورية والموظفين المدربين جيّدًا لتحقيق ذلك.
وتوفّر منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحّة العالمية التوجيهات والمشورة العلمية وتبني القدرات دعمًا لسلامة الأغذية وجودتها، بما في ذلك دعم البلدان من أجل إنشاء و/أو تعزيز النظم الوطنية لمراقبة الأغذية.
ويضع الدستور الغذائي المواصفات الغذائية المعترف بها دوليًا (لأنواع محدّدة من الفواكه والخضروات بشكلها الطازج أو المجهّز)، ومدوّنات الممارسة ذات الصلة الموصى بها فضلًا عن التوجيهات بشأن التوسيم، والتعبئة والنقل (CXCا 1995، 2003).
التفتيش وإصدار الشهادات والإنفاذ. ليست عملية التفتيش وإصدار الشهادات المتّصلة بسلامة الأغذية، والتي تشكّل جزءًا من النظام الرسمي لمراقبة الأغذية، ملائمة دائمًا. فالمشاكل تشمل الافتقار إلى آليات اتصال وتنسيق فعالة بما يؤدي إلى الازدواجية و/أو وجود فجوات، وإلى موظفين مدربين بشكل مناسب، ومعدّات ووسائل نقل، وسوء الإنفاذ وإطار تشريعي غير ملائم. وفي الحدّ الأعلى من السوق، تفرض الكيانات الخاصة معاييرها التي يواجه أصحاب الحيازات الصغيرة صعوبة في الامتثال لها.
التجارة المحلية والاستهلاك المنزلي. تتم التجارة بالعديد من الفواكه والخضروات على الصعيد المحلي أو يتناولها الأشخاص الذين يزرعونها. وحتى عند طرف الاستهلاك في سلسلة القيمة، غالبًا ما لا يتم إنفاذ المواصفات الرسمية، ويُترك الأمر للمستهلكين أو التجار لرفض المنتجات غير المستوفية للمواصفات. إنما قد لا يحصل هذا لأنه يتعذّر عليهم الكشف عن المشاكل المتّصلة بسلامة الأغذية من خلال مجرّد النظر إلى المنتج المعروض. وفي الوقت ذاته، قد لا يدرك المزارعون أنهم سبّبوا التلوّث بفعل استخدامهم غير الملائم للمواد الكيميائية أو مياه الريّ الملوّثة. وحتى حين يعرفون ذلك، قد يكون من مصلحتهم عدم الإفصاح عن الأمر ليتمكنوا من بيع إنتاجهم وكسب الدخل لأسرهم.
سلوك المستهلك. يمكن أن يساعد تقشير الفواكه والخضروات أو غسلها بالمياه النظيفة في إزالة التلوّث على السطح أو التقليل إلى الحدّ الأدنى من الملوثات. إنما الحصول على المياه النظيفة والصالحة للشرب ليس شاملًا. غير أن الحملات الإعلامية للتشجيع على النظافة في نقطة الاستخدام سوف تساهم إلى حدّ بعيد في جعل هذه المنتجات المغذية آمنة للاستهلاك.
تُفقد أو تُهدر كميات ضخمة من الأغذية كل عام. وهذا ينطبق بصورة خاصة عل الفواكه والخضروات لأن معظمها قابل للتلف بسرعة. ويمثل الفاقد والمهدر من الفواكه والخضروات هدرًا للمغذيات.

كما أن الفاقد من الأغذية يختلف عن المهدر منها (الجدول 4). فالخسائر ما بعد الحصاد تحصل في سلسلة الإمداد بدءًا بالحصاد ووصولًا إلى أسواق البيع بالجملة. أمّا المهدر من الأغذية فيحصل بصورة خاصة على مستوى البيع بالتجزئة، وفي قطاع الخدمات الغذائية وضمن الأسر المعيشية.

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة (2019)، الصفحة 5.
أشار توليف (منظمة الأغذية والزراعة 2019) لدراسات عديدة حول قياس الفاقد والمهدر من الفواكه والخضروات في ثلاثة أقاليم في العالم إلى أن الخسائر ما بعد الحصاد مرتفعة في شرق وجنوب شرق آسيا وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (الأعمدة الملوّنة في الشكل 13)، وإن بتشديدٍ مختلف («نقاط الفاقد الحرجة»، الإطار 9). ففي شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، بلغ الفاقد أعلى مستوياته خلال التخزين (بمتوسّط فاق نسبة 20 في المائة من الأغذية المفقودة) والتجهيز والتعبئة. أمّا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فقد حصلت المستويات الأعلى من الفاقد في المزرعة وفي أسواق البيع بالجملة. وكان الفاقد والمهدر من الأغذية في آسيا الوسطى وجنوب آسيا أدنى، حيث سُجّل الفاقد الأعلى خلال عملية النقل.
نقاط الفاقد الحرجة هي نقاط تتخلّل سلسلة الإمدادات الغذائية حيث تبلغ الفواقد الغذائية أعلى مستوياتها وتُحدث الأثر الأكبر على الأمن الغذائي وتسجّل أكبر الأبعاد الاقتصادية (منظمة الأغذية والزراعة، 2019).
تخفي هذه المتوسّطات تفاوتاتٍ كبيرة. فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن نسبة تصل إلى 50 في المائة من الفواكه والخضروات تُفقد خلال التخزين (في شرق وجنوب شرق آسيا) وفي المزرعة (أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى) (وهي مبيّنة في الخطوط بشكل T في الشكل 13). وهذا يعني أن هناك إمكانية كبيرة لإجراء تحسين في سلاسل القيمة في جميع الأقاليم).

بتصرف من منظمة الأغذية والزراعة (2019) الصفحة 26. استنادًا إلى 660 ملاحظة. باستثناء القيم المتطرّفة.
يحصل الفاقد والمهدر من الأغذية بشكل منهجي على طول سلسلة إمدادات الأغذية بدءًا من مرحلة ما بعد الحصاد وصولًا إلى البيع بالتجزئة. وتشهد البلدان النامية الفاقد الأعلى الناتج عن عدم توفر التكنولوجيا والبنية التحتية (منظمة الأغذية والزراعة، 2019) وضعف قاعدة المعرفة لدى أصحاب المصلحة في سلسلة الإمداد. أمّا على مستوى البيع بالتجزئة والمستهلكين، فإن المسائل السلوكية، والتخزين غير الملائم والمناولة المفرطة للفواكه والخضروات في قطاع البيع بالتجزئة غالبًا ما تشكل سبب الهدر.
كما أن مستوياتٍ عالية من الفاقد النوعي والكمي من الأغذية تحصل في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حيث لا تكون المزارع والأنشطة الريفية منظَّمةً بشكل جيد، وتطبّق فيها تكنولوجيات ونُهُج بدائية. وتُعزى الخسارة التي يتكبدها أصحاب الحيازات الصغيرة في هذه البلدان بشكل رئيسي إلى سوء عمل سلسلة الإمداد.
وتشمل المشاكل القدرات الفنية المحدودة، وممارسات الإنتاج والمناولة السيئة، والبنية التحتية غير الملائمة مثل الطرقات الفرعية، والمياه الصالحة للشرب، والكهرباء والمستودعات، فضلًا عن القدرات في مجال التعبئة، والنقل والتخزين والإطار المؤسسي والقانوني. وتفضي عملية التعبئة السيئة بالجملة إلى حصول فاقد خلال النقل (الإطار 10 ومنظمة الأغذية والزراعة 2017). ومن دون توفّر الظل أو التبريد، يتسبّب الفطر السكري والعفن بتلف المنتج بسرعة في المناخ الحار والرطب. فالأغذية التي تتلوّث ولا تفي بمعايير السلامة لا تكون مناسبة للاستهلاك البشري، وينبغي عندها التخلّص منها. كما أن المنتج الذي يبدو ممتازًا من الناحية البصرية قد يكون ملوّثًا من الناحية الميكروبيولوجية ويمثل خطرًا على صحّة المستهلك.
أشارت دراسة أجرتها جامعة الفلبين في لوس بانيوس إلى أن النقل يمثل نقطة الفاقد الحرجة في سلسلة القيمة للمانغا في الفلبين (منظمة الأغذية والزراعة 2020).
وشملت أشكال التلف الآلي الجروح والثقوب (1 في المائة)، والضغط (1.9 في المائة)، والكشط (2.8 في المائة)، والرضوض (2 في المائة) والعلامات التي تخلفّها سلال الخيزران (3.8 في المائة) التي تُنقل فيها ثمار المانغا إلى أسواق البيع بالجملة. وبعد مرور 5 أيام عليها في متاجر البيع بالتجزئة، أظهرت ثمار المانغا نسبة تصل إلى 90 في المائة من التلف الآلي. ونتج عن ذلك التعفّن وتكبّد خسائر اقتصادية.
كما قلّص تحسين التعبئة هذه المشاكل. فاستخدام الصناديق البلاستيكية الصلبة عوضًا عن سلال الخيزران حدّ من الضرر والخسائر وحسّن الجودة المتوفرة في الأسواق ومدّة صلاحية ثمار المانغا.
وقد ينجم المهدر من الأغذية من معايير جودة تجارية صارمة جدًا في مرحلة البيع بالتجزئة التي تشدّد على الجاذبية الجمالية. وتُرفَض «الثمار القبيحة» حتى ولو كانت سليمة تمامًا ومناسبة للاستهلاك من وجهة نظر متّصلة بالتغذية والسلامة: الخيار الملتوي، والفاصولياء الخضراء غير المتساوية بشكل تام، والطماطم غير الناضجة بالتساوي.
من البديهي أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يبقون جائعين إذا لم يتمكّنوا من الحصول على الأغذية. وتمثّل المعدّلات المرتفعة من الفاقد والمهدر من الأغذية هدرًا للمغذيات، وهدرًا للمال وأرباحًا أدنى في الإنتاج وسلسلة القيمة، ودخلًا أقل للمنتجين، وتكاليف أعلى للمستهلكين. أمّا المنتجون من أصحاب الحيازات الصغيرة والمستهلكون الذين ليس لديهم الكثير من المال لادخاره، فهم يتأثرون بشدّة بصورة خاصة.
فالأغذية الملوﱢثة - أكان بفعل الممرضات، أو السموم أو المواد الكيميائية- قد تبدو من نوعية جيّدة إنما ينبغي التخلّص منها إذ قد تمثّل خطرًا على الصحة.
كما أن الفاقد والمهدر من الأغذية يؤدي إلى هدر المدخلات، أي الأرض، والمياه، والطاقة والموارد الأخرى المستخدمة في الزراعة، وفي تجهيز المنتجات ومناولتها، بما يحفّز انبعاثات غازات الدفيئة التي تساهم في الاحترار العالمي. والعديد من المستهلكين لا يدركون أن المهدر من الأغذية متّصل بهذه الشواغل.
تسعى الإدارة ما بعد الحصاد إلى إدارة جودة الأغذية ما بعد الحصاد والحفاظ عليها وخفض الفاقد منها. وفي سلاسل الإمداد التقليدية التي تطغى في البلدان النامية، يجب حصاد المنتجات الطازجة في المرحلة المناسبة من نضجها، وفرزها لإزالة المتعفن منها، وغسلها عند الاقتضاء، وتجفيفها وتعبئتها بصورة سليمة لغرض نقلها.
كما أن عمليات المعالجة ما بعد الحصاد، مثل المعالجات الحرارية بالمياه الساخنة والبخار، تقلّص الإصابة بالآفات والأمراض ما بعد الحصاد في محاصيل محدّدة مثل المانغا والبابايا. وبهدف خفض المهدر، يجب أن يخطط المستهلكون لمشترياتهم من الفواكه والخضروات وأن يخزّنوها بصورة سليمة (Esguerra، وآخرون 2017).
ومن الأفضل تعبئة المنتجات الطازجة في حاويات صلبة للحدّ من التلف الآلي (Rapusas وRolleا 2009). ويجب خلال عملية النقل المحافظة على تدفق الهواء عبر المنتجات، مع التقليل إلى الحدّ الأدنى في الوقت ذاته من خسارة المياه التي يمكن أن تسبّب الذبول أو التصلّب، وخسارة الوزن والتراجع في الجودة. كذلك، فإن تحسين التعبئة والنقل يقلّص التلف الآلي، ويحدّ من الحاجة إلى المناولة، ويسرّع تسليم المنتجات إلى البائعين بالتجزئة والمستهلكين. ولدى وصولها إلى أسواق البيع بالجملة، يجب فرز المنتجات وإعادة تعبئتها وفقًا لطلب المستهلك.
كما أن التبريد خلال عملية النقل يمكن أن يبطئ نمو بعض الكائنات الدقيقة، ويحدّ من معدّلات تلف المنتجات العالية الجودة، ويطيل مدّة الصلاحية ويخفّض الفاقد والمهدر من الفواكه والخضروات.
وإمكانية التتبّع ضرورية في سلاسل الإمداد الخاصة بالفواكه والخضروات من أجل التخفيف من آثار المخاطر المرتبطة بسلامة الأغذية. فممارسات التتبّع الجديدة التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية تساعد في ضمان سلامة الأغذية وجودتها، وتحسّن سلاسل الإمدادات على النحو الأمثل وتخفّض الفاقد من خلال إتاحة الكشف بسرعة عن مشاكل التلف (المنتدى الاقتصادي العالمي 2019). أمّا المجموعة المتنامية من أجهزة الاستشعار التي ترصد الحرارة وغيرها من القياسات في الوقت الحقيقي خلال النقل، فهي تساهم بشكل كبير في ضمان سلامة الأغذية وجودتها فيما تنتقل عبر مراحل سلاسل الإمدادات.

وقد يؤدي عدم الامتثال لتدابير سلامة الأغذية القائمة إلى مستويات أعلى من الخسائر في التجارة، في حال رُفضت الأغذية مثلًا لأن مخلّفات مبيدات الآفات تتعدّى الحدود القصوى للتلوث. وفي عالم حيث يخلد 690 مليون شخص إلى النوم جائعين كل ليلة ويعجز ثلاثة (3) مليارات شخص عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحّي، من غير المقبول من الناحية الأخلاقية هدر الأغذية على أساس الناحية الجمالية. ويجب أن يُمنح المستهلكون خيار شراء «منتجات قبيحة» تكون آمنة إنما لا تفي بالمعايير الجمالية. وتكون هذه المنتجات مغذّية بقدر الأغذية الأكثر جاذبية من الناحية التجميلية. وقد يكون بيعها بسعر أدنى مفيدًا بصورة خاصة للمستهلكين الأكثر فقرًا.
أمّا الحلول فتشمل الحوافز لدعم التكنولوجيات من أجل تحسين المناولة، والشراكات بين القطاعين العام والخاص لدعم البنية التحتية ومشاكل التسويق، والابتكارات للارتقاء بمستوى الممارسات الجيدة، وتدريب أصحاب المصلحة في سلسلة الإمدادات.
والأهمية المتزايدة للمتاجر الكبرى في معظم أنحاء العالم سوف ترغم المنتجين على الامتثال لمعايير الجودة - مع أنه يتم البحث بصورة أكبر في إمكانية تلطيف هذه المعايير بهدف خفض المهدر. إنما لا يجب تجاهل المستويات العالية من المهدر في قطاع البيع بالتجزئة، وبخاصة خلال جائحة كوفيد-ا19 الحالية. وفي الوقت ذاته، ينبغي بذل الجهود لضمان استفادة أصحاب الحيازات الصغيرة من الفرص المتاحة في السوق وأن يتمكّنوا من تزويدها بالكميات والجودة التي تطلبها من المنتجات.