منذ تطوير مفهوم التحوّل التغذوي لأول مرة، أثبتت مجموعة كبيرة من الأبحاث حول تطور الأنماط الغذائية عبر الاقتصادات المتقدمة والنامية خصائصه البارزة. وبموازاة ذلك، لوحظ ميل الأنماط الغذائية إلى التقارب على مستوى العالم.49 ومع خضوع البلدان النامية للتحوّل الهيكلي ونموها الاقتصادي، مالت الأنماط الغذائية إلى التشابه مع أنماط المستهلكين في البلدان المتقدمة مع انخفاض استهلاك المواد الغذائية الأساسية وزيادة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر والدهون والزيوت والحلويات والمشروبات.
ويمكن أن يُعزى تقارب الأنماط الغذائية عبر البلدان إلى اتجاهات نمو الدخل والتوسع الحضري وتنمية قطاعات تجارة التجزئة والتجهيز الغذائي والانفتاح التجاري، وكلها عوامل تدفع التحوّل التغذوي في كل دولة وهي مترابطة إلى حد كبير.50 ويشير الخبراء الذين يركزون على جوانب مختلفة من العولمة إلى أن الإعلانات الغذائية العالمية تؤدي دورًا مهمًا في تعزيز هذا التقارب وتسريعه، إضافة إلى التجارة والاستثمارات الأجنبية المباشرة.51
وأُجريت معظم الأبحاث حول الأنماط الغذائية العالمية في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل ارتفاع مستوى أسعار المواد الغذائية على نطاق العالم. وآنذاك، كان التوسّع في توافر الزيوت النباتية الرخيصة الثمن، من خلال زيادة الإنتاج والتجارة، يُعتبر أساسيًا في المراحل المبكرة من التحوّل التغذوي في البلدان النامية ونذيرًا لعملية التقارب في الأنماط الغذائية في جميع أنحاء العالم.52، 53 وأشارت التحليلات إلى تقارب عالمي للأنماط الغذائية بما يتماشى مع التحوّل الغذائي، مع انخفاض حصة المواد الغذائية الأساسية من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك وزيادة حصة الأغذية الحيوانية المصدر والدهون والزيوت والحلويات والمشروبات في جميع البلدان.
وهناك عدد قليل من التحليلات الإحصائية الرسمية عن تقارب الأنماط الغذائية. ودحضت دراسة استخدمت عيّنة من 172 بلدًا خلال الفترة الممتدة بين عامي 1993 و2013 فرضية تقارب الأنماط الغذائية في جميع البلدان نحو نمط غذائي يمثّل البلدان المرتفعة الدخل. ويتألف هذا النمط من الأغذية الحيوانية المصدر والزيوت النباتية والدهون والمحليات التي تشكل 68 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك.54
ومع ذلك، على الرغم من ثبوت أن الأنماط الغذائية الملاحظة في بلدان متعددة تتحرّك معًا، مدفوعة بميول مترابطة في نمو الدخل والعولمة والتوسّع الحضري، هناك تباين كبير في اتجاهات التحوّل التغذوي في هذه البلدان. وقد يكون سبب هذا التباين عوامل عدّة، بما في ذلك معدلات مختلفة كثيرًا من النمو الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية والتوسّع الحضري ودرجات متفاوتة من الانفتاح التجاري والاختلافات في تفضيلات المستهلكين بشأن الأغذية والاتجاهات الديمغرافية المتباينة.
وبما أن البلدان تمرّ بمراحل مختلفة من التحوّل التغذوي، من شأن النظر في ما إذا كان التقارب يحدث داخل مختلف مجموعات البلدان وليس على مستوى العالم، أن يراعيَ عدم تجانس التحوّل في الأنماط الغذائية.
ويستند تحليل قياسي اقتصادي أُجري لإعداد هذا التقرير إلى منشورات عن التقارب في النمو الاقتصادي ويطبّق منهجية للنمذجة تسمح بدراسة مجموعة من اتجاهات التحوّل التغذوي. ويشمل هذا الأمر اختبار التقارب إلى نمط غذائي عالمي مشترك ولكن أيضًا مسارات تحوّل مختلفة تعكس سرعة تقارب متفاوتة لمجموعات مختلفة من البلدان، وحتى التباعد عن المتوسط العالمي.ك، 55 ويستخدم البحث قائمة بيانات ميزانية الأغذية الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة من عام 1961 إلى عام 2019 بهدف اختبار التقارب العالمي في حصة المواد الغذائية الأساسية وحصة الأغذية الحيوانية المصدر من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك - وكلاهما من السمات المعروفة جيدًا للتحوّل التغذوي. وبالإضافة إلى ذلك، تختبر الدراسة التقارب العالمي في الحصة الإجمالية للأغذية الحيوانية المصدر، والدهون والزيوت، والحلويات والمشروبات من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك بغية تقييم ما إذا كانت البلدان تتقارب مع نمط مماثل لنمط بلد مرتفع الدخل.ل
وفي جميع الحالات، تدحض البيانات فكرة التقارب العالمي، ما يشير إلى أن اتجاهات التحوّل التغذوي تختلف بين البلدان. وفي حين أن الأنماط التغذوية ليست عالمية، حدد التحليل مجموعتين تميل ضمنها الأنماط التغذوية للبلدان إلى التقارب. وتتألف مجموعة بشكل أساسي من بلدان مرتفعة الدخل ولكن أيضًا بعض البلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين الدنيا والعليا (المجموعة 1)، بينما تتألف المجموعة الأخرى من معظم البلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين العليا والدنيا (المجموعة 2).
وتتسم المجموعة 1 بحصص منخفضة ومتناقصة من المواد الغذائية الأساسية، وحصص مرتفعة ومتزايدة من الأغذية الحيوانية المصدر وحصة إجمالية أعلى من الأغذية الحيوانية المصدر، والدهون والزيوت، والحلويات والمشروبات في إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك (الشكل 1-8 إلى الشكل 1-10). وفي هذه المجموعة، تتقارب الأنماط الغذائية للبلدان في ما بينها وتقترب من متوسط الحصة العالمية. وتبيَّن أن البلدان في المجموعة 2 تمتلك، في المتوسط، حصة أعلى بكثير من المواد الغذائية الأساسية وحصة إجمالية أقلّ من الأغذية الحيوانية المصدر والدهون والزيوت والحلويات والمشروبات، وهي تلحق بالمتوسط العالمي بمعدل أبطأ.
الشكل 1-8التقارب في حصة المواد الغذائية الأساسية من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك، 2020-1961
المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى Pathways to nutrition transition and the globalization of (سيصدر قريبًا). Kozłowska, M.K.dietary patterns – Technical note for The State of Agricultural Commodity Markets 2024. Rome, FAO.
الشكل 1-9التقارب في حصة الأغذية الحيوانية المصدر من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك، 2020-1961
المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى إلى Pathways to nutrition transition and the globalization of (سيصدر قريبًا). Kozłowska, M.K. dietary patterns – Technical note for The State of Agricultural Commodity Markets 2024. Rome, FAO.
الشكل 1-10التقارب في الحصة الإجمالية للأغذية الحيوانية المصدر والدهون والزيوت والحلويات والمشروبات من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك، 2020-1961
المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى إلى Pathways to nutrition transition and the globalization of (سيصدر قريبًا). Kozłowska, M.K. dietary patterns – Technical note for The State of Agricultural Commodity Markets 2024. Rome, FAO.
والاختلاف في سرعة التقارب بين مجموعتي البلدان، وهي مجموعة من البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا في أغلب الأحيان، ومجموعة أخرى من البلدان المنخفضة الدخل، إنما يشير إلى أن الدخل، في المتوسط، هو المحرّك الرئيسي لتطور التحوّل التغذوي. ومع ذلك، يمكن لعوامل أخرى مهمة مثل تفضيلات المستهلكين أن تؤدي دورًا في تشكيل اتجاهات التحوّل التغذوي لكل بلد وفي تحديد مكانة البلد في مجموعة تقارب معينة أو مجموعة أخرى. ويشير تحليل إضافي بشأن العوامل التي تؤثر على عضوية بلد في مجموعة معينة أو أخرى إلى أن الاتجاهات في الناتج المحلي الإجمالي للفرد والعولمة والانفتاح التجاري تشكل، في المتوسط، اتجاهات التحوّل التغذوي في البلدان ومعدلات التقارب الخاصة بها.
