يأتي تقرير «الشرق الأدنى وشمال إفريقيا –– نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية »2023 الذي أعدته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة عند منعطف حرج بعد أن ضربت المنطقة عدة صدمات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا. وفي عام 2022، وصلت أسعار المواد الغذائية والأسمدة في الأسواق الدولية والمحلية إلى مستويات قياسية. كما أدت الظروف الجوية المتطرفة ومواسم الجفاف إلى انخفاض المحاصيل في العديد من البلدان المنتجة للقمح في المنطقة.
ويسلط التقرير الضوء على مستوى التقدم الذي أحرزته البلدان العربية صوب تحقيق مقصدي هدف التنمية المستدامة الثاني بشأن القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وإنهاء جميع أشكال سوء التغذية، بالإضافة إلى الأهداف العالمية لجمعية الصحة العالمية لعام 2025 بشأن التغذية.
وفي عام 2022، وصلت معدلات الجوع في الدول العربية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2000، إذ بلغ عدد الأشخاص الذين عانوا من نقص التغذية في المنطقة في ذلك العام 59.8 مليون شخص، وه وأعلى بنسبة 75.9 في المائة عن الرقم المسجل سنة 2000. كما يمثل هذا الرقم ما نسبته 12.9 في المائة من إجمالي سكان المنطقة، وه وأعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 9.2 في المائة. كما أثر انعدام الأمن الغذائي المعتدل أ والشديد على 170.1 مليون شخص، أي 36.6 في المائة من إجمالي سكان المنطقة، منهم 61.0 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، في زيادة مثيرة للقلق قدرها 3.8 مليون شخص عن العام السابق.
تعد النزاعات وتغير المناخ والتباطؤ الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية من الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي في المنطقة. علاوة على ذلك، تؤدي حالة عميقة من عدم المساواة في مستويات الدخل ومعدلات الفقر إلى مفاقمة التأثير السلبي لهذه الأسباب. فقد كان أكثر من ثلثي الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية يعيشون في بلدان عربية متضررة من نزاعات، في حين يعيش ما يقرب من نصف الجياع في عموم المنطقة العربية في بلدان مصنفة على أنها من البلدان الأقل نمواًً. وفي هذا الصدد، يعاني كل من الصومال والجمهورية العربية السورية واليمن من أعلى معدلات الجوع في المنطقة.
وصلت أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية إلى مستوى قياسي في مارس/آذار من عام 2022 بسبب التأثيرات الناجمة عن جائحة كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا. فالمنطقة تعتمد اعتماداًً كبيراًً على استيراد المواد الغذائية، وكثير من بلدانها تعتمد في وارداتها الغذائية على الاستيراد من منطقة البحر الأسود. وبالإضافة إلى ذلك، أدت مواسم الجفاف في المنطقة إلى انخفاض غلات المحاصيل في العديد من البلدان، مما أدى إلى زيادة اللجوء إلى الاستيراد. كما تعاني المنطقة من محدودية الأراضي والموارد المائية المتاحة للزراعة فضلاًً عن نم وسكاني متسارع، مما يضع ضغوطاًً كبيرة على نظم الأغذية الزراعية فيها. كل هذه التحديات والأسباب جعلت المنطقة حساسة جداًً تجاه أي تقلبات في أسواق السلع الأساسية الدولية، بما في ذلك صدمات جانب العرض والأسعار. وقد أدى ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق الدولية إلى زيادة فواتير الواردات الغذائية، وفرض ضغوطاًً على أسعار صرف العملات الأجنبية، وتسبب في زيادة تضخم أسعار الغذاء المحلي، مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية وأشعل أزمة في تكلفة المعيشة. وهذا يؤثر بشكل خاص على الشرائح السكانية الضعيفة والتي تنفق جزءاًً كبيراًً من دخلها على شراء الغذاء.
لقد كان تضخم أسعار المواد الغذائية محركاًً رئيسياًً لانعدام الأمن الغذائي حتى قبل تفشي جائحة كوفيد -19، وهذه الزيادة في الأسعار لا تهدد الأمن الغذائي فحسب، بل تهدد أيضاًً قدرة السكان على التمتع بتغذية وصحة جيدة. فمنذ عام 2017، ارتفعت تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في الدول العربية سنوياًً، مما جعل تبني مثل هذه الأنماط الغذائية الصحية والمتنوعة أمراًً مكلفاًً. كما أن لتضخم أسعار المواد الغذائية آثاراًً طويلة الأمد على النتائج التغذوية والصحية، وخاصة بالنسبة للأطفال، من خلال زيادة خطر الإصابة بالتقزم على سبيل المثال، مما يضع مستقبل المنطقة كلها على المحك.
وأخيراًً، ظلت المنطقة العربية ترزح تحت وقع عبء ثلاثي الأبعاد لسوء التغذية: نقص التغذية، وزيادة الوزن بين الأطفال وانتشار السمنة لدى البالغين، ونقص المغذيات الدقيقة، مثل فقر الدم. على سبيل المثال، في عام 2022، كان معدل انتشار زيادة الوزن بين الأطفال وانتشار فقر الدم بين النساء في المنطقة أعلى من المتوسط العالمي. علاوة على ذلك، كانت معدلات انتشار السمنة بين البالغين أكثر من ضعف المتوسط العالمي، وكان معدل الرضاعة الطبيعية الخالصة للرضع أقل من المتوسط العالمي.
تُُظهر البيانات والحقائق الواردة في هذا التقرير أن الدول العربية ليست على المسار الصحيح لتحقيق المقصد الأول لهدف التنمية المستدامة الثاني بشأن «كفالة حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذّّي وميسور التكلفة »، والمقصد الثاني للهدف نفسه بشأن «إنهاء جميع أشكال سوء التغذية »، والعديد من الأهداف التي وضعتها جمعية الصحة العالمية.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الأرقام والاتجاهات المثيرة للقلق، لا تزال هناك فرصة لعكس هذا الوضع، والتغلب على هذه الأزمات والتحديات، والعودة إلى المسار الصحيح نح وتحقيق أهداف الغذاء والتغذية من خلال إعادة توجيه نهجنا للتركيز على إحداث تحول في نظم الأغذية الزراعية في بلدان المنطقة لتصبح أكثر فعالية وشمولاًً واستدامة وقدرة على الصمود أمام الصدمات والضغوط المتعددة والمتزايدة.
تتطلب مكافحة الجوع والفقر، وتحويل نظم الأغذية الزراعية، وجعلها أكثر مقاومة للأزمات الناشئة، اتخاذ إجراءات جريئة بالشراكة مع المنظمات الدولية والحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية. وفي هذا الصدد، تعمل منظمة الأغذية والزراعة والمنظمات الإنمائية الشريكة لها على دعم الدول الأعضاء في هذه الجهود والمساعي.
عبد الحكيم الواعر
المدير العام المساعد والممثل الإقليمي لإقليم الشرق الأدنى وشمال إفريقيا
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
دينا صالح
المدير الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا
Corinne Fleischer
المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، برنامج الأغذية العالمي
أحمد المنظري
المدير الإقليمي لشرق المتوسط
منظمة الصحة العالمية
أديل خضر
المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
اليونيسيف
رولا دشتي
وكيل الأمين العام والأمين التنفيذي
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)