IFADUNICEFWFPWHO

حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2023

الفصل 5 سياسات وحلول لتسخير تحويل النظم الزراعية والغذائية من أجل أنماط غذائية صحية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل

5–3 آليات التخطيط والحوكمة المتكاملة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل

ستتطلب السياسات والتكنولوجيات والابتكارات المقدمة حتى الآن آليات حوكمة مناسبة تتعامل بشكل متسق مع التحديات، وتستفيد من الفرص التي تنشأ في النظم الزراعية والغذائية في ظل التوسع الحضري، مع إشراك العديد من الجهات الفاعلة في نفس الوقت. ولن تنجح عمليات صنع السياسات باستخدام النهج التقليدي، الذي يكون في الغالب على المستوى الوطني ومن القمة إلى القاعدة، بسبب الحاجة إلى التركيز على الأماكن وروابطها الوظيفية والمكانية. ونظرًا إلى أن هذه الروابط غالبًا ما تتم عبر الحدود القطاعية والإدارية، ينبغي أن تسهل عمليات صنع السياسات الاتفاقات واللوائح التنظيمية المشتركة بين الولايات القضائية، فضلًا عن مشاركة مجموعة متنوعة (بما في ذلك المنظمات غير الحكومية) من الجهات الفاعلة.5 ومن ثم، يمكن فهم حوكمة النظم الزراعية والغذائية على أنها الآليات والعمليات المنشأة لأصحاب المصلحة للتعبير عن مصالحهم والتوسط في خلافاتهم والتنسيق مع المؤسسات الحكومية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تنظر الترتيبات المؤسسية في الدور الرئيسي للحكومات دون الوطنية (المحلية والإقليمية) وكذلك دور الجهات الفاعلة غير الحكومية.5

ويمكن أن يستفيد العمل مع الروابط المكانية والوظيفية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل مع الحكومات دون الوطنية باعتبارها جهات فاعلة مهمة من تحول النظم الزراعية والغذائية في ظل التوسع الحضري. وقد خلقت السياسات وجداول الأعمال الوطنية وعبر الحدود الوطنية الموجهة نحو الإنتاج في القرن الماضي فجوات في معالجة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. وكرد فعل لهذه السياسات، برزت الحكومات دون الوطنية كجهات فاعلة مهمة في تحويل النظم الزراعية والغذائية.

وتتمثل عوامل أخرى زادت من دور الحكومات دون الوطنية على المسرح العالمي في الزيادة المطردة في القوة السياسية والثقافية للمدن ذات الأحجام المختلفة، وعمليات التوسع الحضري السريعة، والموجة الأخيرة نسبيًا من اللامركزية من الحكومات الوطنية إلى الحكومات المحلية في عدد متزايد من البلدان. وفي أعقاب هذه التطورات، انخرط رواد السياسة الغذائية الحضرية في البلديات حول العالم في جدول أعمال النظم الزراعية والغذائية لتطوير استراتيجيات تغذوية وتنفيذ تدابير محلية محددة.228

ونظرًا إلى الطبيعة المتعددة القطاعات للتحديات والفرص التي يخلقها التوسع الحضري عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل (الفصل الثالث)، ينبغي أيضًا أن تكون الحكومات دون الوطنية جهات فاعلة مهمة في صياغة وتنفيذ سياسات متماسكة تتجاوز النظم الزراعية والغذائية (مثل البيئة والطاقة والصحة ونظم أخرى). فهي على اتصال وثيق مع أصحاب المصلحة المحليين ويمكنها ضمان تكييف هذه السياسات مع الظروف المحلية من خلال تعزيز المزايا ومعالجة الاختناقات. وكان إطلاق ميثاق ميلانو بشأن السياسات الغذائية في المدن في عام 2015 علامة عالمية على الدور المتزايد للحكومات دون الوطنية في صياغة وتنفيذ السياسات على المستويين الحضري والإقليمي، وتعزيز روابط النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، ودمج نُهج النظم المختلفة في خطط التنمية المحلية والإقليمية. وكانت الخطة الحضرية الجديدة، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2016، نقطة تحول من حيث الاعتراف بدور الحكومات دون الوطنية في تحويل النظم الزراعية والغذائية، حيث دعت إلى دمج الأمن الغذائي والتغذية في التخطيط الحضري والإقليمي. كما تم نقل هذا الاعتراف إلى العمليات العالمية مثل قمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية، مع إنشاء تحالف النظم الغذائية الحضرية في عام 2021 (انظر الإطار 13).

الإطار 13تحالف النظم الغذائية الحضرية: منبر عالمي لزيادة الوعي بشأن الدور الرئيسي الذي تلعبه الحكومات دون الوطنية في تحويل النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل

أقرّت قمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية، التي نُظمت في عام 2021، بأهمية الحكومات دون الوطنية كعوامل رئيسية في التحول الشامل والمستدام للنظم الزراعية والغذائية. وخلال مؤتمر القمة، تم إنشاء تحالف النظم الغذائية الحضرية؛ ويتم تيسيره حاليًا من قبل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة والتحالف العالمي لتحسين التغذية، ويشمل وكالات الأمم المتحدة وشبكات المدن ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية كأعضاء نشطين يعملون عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في بلدان متعددة. ويهدف التحالف229 إلى دعم الحكومات الوطنية ودون الوطنية لتحويل النظم الزراعية والغذائية لديها من خلال تسهيل السياسات والإجراءات المتماسكة والمنسقة. وهو يدعم الحكومات دون الوطنية للمشاركة في مناقشات السياسات العالمية وترسيخ نفسها كجهات فاعلة رئيسية في التحول الشامل للنظم الزراعية والغذائية. وعلاوة على ذلك، يعمل التحالف عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل لتحديد الآليات الخاصة بالسياق لسد فجوات إدارة النظم الزراعية والغذائية الوطنية والمحلية.

آليات حوكمة النظم الزراعية والغذائية دون الوطنية

تتمثل نقط بداية مهمة نحو تبسيط الحوكمة القائمة على الأبعاد الوظيفية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في تطوير الاتفاقات القائمة على أساس محلي بين المناطق الإدارية المتعددة ومنصات وشبكات أصحاب المصلحة المتعددين.

وتبرز آليات حوكمة النظم الزراعية والغذائية متعددة أصحاب المصلحة بشكل متزايد، وتشمل العديد من الجهات الفاعلة غير الحكومية، ومنظمات المزارعين، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية، كأدوات حاسمة لمعالجة الثغرات في السياسات المحلية والتخطيط المتعلق بالأغذية. ومن بين هذه الآليات، تعمل مجالس السياسات الغذائية (يشار إليها أحيانًا باللجان، والمجموعات الغذائية، والمنصات، وما إلى ذلك) كهيئات استشارية للحكومات المحلية أو دون الوطنية، وتدعم تصميم السياسات وتنفيذها، وتعزز مشاركة أصحاب المصلحة، وتسهل مراقبة وتقييم التقدم في تنفيذ السياسات وفعاليتها وكفاءتها وتأثيرها (انظر الإطار 14).

الإطار 14اتفاقيات حوكمة النظم الزراعية والغذائية بين المدن الحضرية والمتوسطة والصغيرة في بيرو

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت بلديات ليما وهانكايو وأريكويبا وبيورا ومايناس في بيرو اتفاقية بهدف تعزيز روابط النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وتغطي الاتفاقية ما يلي: (1) الروابط بين المنتجين والأسواق والمعارض في المدن المختلفة؛ (2) وتبادل المعرفة بشأن الممارسات المتعلقة بالإيكولوجيا الزراعية وتعزيزها في المناطق الريفية وشبه الحضرية؛ (3) وتحديث مساحات أسواق بيع الأغذية بالتجزئة؛ (4) واستراتيجيات محددة السياق لتحسين الوصول إلى الأنماط الغذائية الصحية. وتشمل أيضًا ممارسات التعلم بين الأقران، التي تسمح بتبادل الخبرات في مجالات مثل تطوير قوانين البيئة الغذائية الحضرية الجديدة، والشراء العام لمنتجات الزراعة الأسرية، وإنشاء مجلس السياسات الغذائية في ليما.

وتتضمن إحدى التجارب المشتركة مع البلديات مرسومًا في ليما مصممًا لخلق بيئات غذائية صحية في كل من المدارس والمناطق خارج المنزل.231 ويحظر المرسوم بيع أو تسويق الأغذية الكثيفة الطاقة الغنية بالدهون و/أو السكريات و/أو الملح في نطاق 200 متر من المدارس. كما يحدد الحد الأدنى من المتطلبات الصحية للأغذية والمشروبات المقدمة للطلاب في مباني المدارس، ويطلب من المدارس ضمان الحصول على مياه الشرب العذبة. وعلاوة على ذلك، كجزء من برنامج Lima Come Sano (ليما تأكل الأغذية الصحية)، يتطلب المرسوم من المطاعم المحلية اعتماد ممارسات جديدة لتقليل تناول الملح والسكر. ولتعزيز الأكل الصحي، يتم تشجيع المطاعم على عرض محتوى السعرات الحرارية بشكل بارز على قوائم الطعام، وتقديم هزازات الملح والبهارات فقط عندما يطلبها العملاء.

وبالإضافة إلى ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أنشأت ليما مجلس النظام الغذائي في العاصمة ليما (CONSIAL)، الذي يهدف إلى التخطيط للسياسات الغذائية المستدامة والقادرة على الصمود التي تضمن حق الإنسان في الغذاء وتحدث تأثيرًا إيجابيًا في خفض المعدلات من الفقر وسوء التغذية، وإلى تنظيمها وتطويرها وتنفيذها. ومنذ إنشائه، سن المجلس العديد من المراسيم المحلية لتعزيز بيئات غذائية حضرية أكثر صحة، والزراعة الحضرية، واستخدام الأماكن العامة لأسواق مزارعي الزراعة الإيكولوجية، واستعادة الأغذية غير المباعة في أسواق الجملة. ويضم المجلس جهات فاعلة متعددة مثل ممثلين من منصات الزراعة الحضرية وشبه الحضرية، ومنظمات المنتجين الريفيين، والمروجين للأكل الصحي من المجتمع المدني، ومراكز البحوث والجامعات، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية النشطة خارج الحدود الإدارية لمنطقة ليما الحضرية. وبالمثل، يقوم المجلس حاليًا بتطوير إستراتيجية للنظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، بما يتماشى مع جداول الأعمال الوطنية والدولية المتعلقة بالنظم الزراعية والغذائية وتغير المناخ والاستدامة.

وأنشأت مدينة هانكايو أيضًا Comité de Sistemas Alimentarios (مجلس النظم الغذائية) المرتبط بـCONSIAL في ليما، مما وضع الأساس لتقوية إدارة النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.

ويوجد حاليًا تقييم محدود للغاية للأثر الجماعي لمجالس السياسات الغذائية بشأن تغيير السياسات أو تغيير نماذج الحوكمة التقليدية للأغذية.230 ويتم تشكيل بعض مجالس السياسات الغذائية من خلال عمليات يقودها المواطنون من القاعدة إلى القمة، مما يجعلها حذرة بشأن ارتباطها بالحكومات المحلية أو الاعتماد عليها، لأن الروابط الرسمية مع الحكومات قد تعرض الرؤية والتوجه الأصلي للمنصة للخطر وتحد من القدرة على اقتراح تغييرات على الهياكل والسياسات الحكومية. ويتم تشكيل مجالس أخرى مباشرة داخل البلدية نفسها أو حتى من قبلها، وبالتالي لديها روابط قوية مع الحكومة المحلية. وتكمن قوة مجالس السياسات الغذائية التي تتمتع بعلاقات أوثق مع الحكومة في أنها يمكن أن تكون في وضع أفضل لتقديم توصيات بشأن السياسات وتلقي المزيد من الدعم. ويمكن أن يؤدي التواجد داخل دائرة حكومية أيضًا إلى زيادة فرص تلقي الموارد المخصصة وضمان الاستمرارية.

وتوجد مجالس للسياسات الغذائية منذ 30 عامًا، أقدمها في أمريكا الشمالية، ولكنها لا تزال بحاجة إلى زيادة وتعزيز القدرات من أجل الوصول إلى إمكاناتها الكاملة. فعلى سبيل المثال، في إفريقيا، القطاع غير الرسمي آخذ في التوسع، ولا يزال بيع أغذية الشوارع أساسيًا لشراء المواد الغذائية. ويوفر بائعو الأغذية غير الرسميين فرصًا أفضل لتحقيق الأمن الغذائي للأسر الأفقر، حيث يمكن الوصول إليهم من الناحية المكانية ويمكنهم تقديم المساعدة من خلال الائتمان؛232 ومع ذلك، بالكاد يتم أخذهم في الاعتبار في آليات الحوكمة، ولا حتى في مجال السياسات الغذائية، التي لا تزال في معظم الحالات في حالة ناشئة (الإطار 15). ويمكن أن يكون الدعم لتنظيم هذه الجهات الفاعلة غير الرسمية في مجال الأغذية في مجموعات (مثل التعاونيات) أمرًا حاسمًا لإدماجها في عملية صنع القرار.233 ومع ذلك، إذا تم إضفاء الطابع الرسمي عليها، فمن المهم ألا تصبح الأشكال الجديدة للحوكمة الديمقراطية آلية بيروقراطية أخرى. بل على العكس، يجب أن تظل مكانًا يتم فيه معالجة المشكلات من خلال العمليات التشاركية لأصحاب المصلحة المتعددين بطريقة شاملة، ويتم اعتماد التدابير بطريقة تشمل مصلحة أصحاب المصلحة المتعددين، بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفًا.232

الإطار 15آليات حوكمة النظم الزراعية والغذائية الشاملة في مقاطعة كيسومو، كينيا، للربط بين المناطق الحضرية والريفية

أنشئت مجموعة استشارية للتواصل بشأن الأغذية في مقاطعة كسيومو في كينيا، في عام 2020، بقيادة المقاطعة ومع ممثلين من الأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومنظمات المزارعين، العاملين عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وتوفِّر المجموعة الاستشارية للتواصل بشأن الأغذية مساحة لتمكين الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة وتحديد الإجراءات ذات الأولوية التي تهدف إلى تعزيز إنتاج الأغذية المحلية ومعالجتها بالإضافة إلى فرص العمل وحاضنات الأعمال التجارية للنساء والشباب. وتعمل هذه المجموعة حاليًا على الانتهاء من تطوير استراتيجية للنظم الزراعية والغذائية تشمل المناطق الريفية والحضرية في المقاطعة. وتحدد الاستراتيجية مجالات التدخل ذات الأولوية لتعزيز الروابط بين المناطق الريفية والحضرية، مثل تحسين البنية التحتية للسوق لتحسين الاتصال المكاني والوظيفي بين كيسومو والمقاطعات الأخرى، وكوسيلة لإعادة ربط المنتجين الريفيين بالمستهلكين الحضريين. كما أن الاستراتيجية هي في طور النظر في الشمولية من بين أولوياتها، لا سيما في ما يتعلق بالاعتراف ببائعات أغذية الشوارع وإضفاء الطابع الرسمي عليهن وتحسين أعمالهن.

وبمجرد إنشاء آلية حوكمة للنظم الزراعية والغذائية، فإن التحدي الرئيسي المشترك في المؤسسات المحلية يكمن في ضمان استمراريتها. ومن الضروري أن تكون هناك عملية للرصد والتقييم – ولكن أيضًا التكيف عند الضرورة – لكي تتعلم المؤسسات المحلية بشكل مستمر وللإبلاغ عن التقدم المحرز إلى جمهور أوسع، مما قد يجذب أصحاب المصلحة الجدد ويتيح الوصول إلى تمويل إضافي وموارد تقنية.234

وتظهر التجربة أن آليات الحوكمة الزراعية والغذائية مثل مجالس السياسات الغذائية تعمل بشكل أفضل إذا تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها داخل الحكومات دون الوطنية. ويشير إضفاء الطابع المؤسسي إلى إضفاء الطابع الرسمي على الهياكل والقواعد والممارسات التي تمكن المبادرات الزراعية والغذائية من الاستمرار. وهو ينطوي على إنشاء البنية التحتية للسياسة والحوكمة التي ستسمح للبلدية وأصحاب المصلحة الرئيسيين بتصميم مبادرات زراعية وغذائية جديدة وتكييف السياسات والاستراتيجيات الحالية مع مراعاة الظروف الجديدة؛235 ويتطلب القيام بذلك تعبئة الموارد البشرية والمالية. وإن العثور على “منزل” مؤسسي لاستضافة منصات أصحاب المصلحة المتعددين ذات الصلة بالنظم الزراعية والغذائية، عادة في شكل “وحدة” للنظم الزراعية والغذائية داخل البلدية، هو مفتاح لاستدامة هذه المبادرات.236

ويعتبر وضع ميزانية مخصصة أمرًا حاسمًا أيضًا للحفاظ على الاستمرارية. وفي معظم الحالات، تتمتع منصات أصحاب المصلحة المتعددين بسلطة محدودة للتأثير على تخصيص الميزانية لمبادرات النظم الزراعية والغذائية. وبالتالي، فإن البلديات نفسها تلعب دورًا حاسمًا في دمج مبادرة منصة غير رسمية لحوكمة الأغذية في الإطار التنظيمي للبلدية وفي ميزانيتها، من خلال المراسيم أو الميزانية السنوية وتخطيط البرامج أو أنواع أخرى من القرارات الرسمية. ونظرًا إلى تنوع الهياكل والأولويات التنظيمية، لا يوجد نموذج واحد لتأمين التمويل بنجاح. وفي النهاية، ليس هناك ما يضمن استمرار حوكمة النظم الزراعية والغذائية إلى الأبد. ومع ذلك، فقد يجعل إضفاء الطابع المؤسسي على عمليات الحوكمة من الصعب على الإدارات المستقبلية تقويضها أو تفكيكها.237

سياسات النظم الزراعية والغذائية المحلية المتكاملة والتخطيط لها

يتطلب تصميم وتنفيذ سياسات النظم الزراعية والغذائية المحلية والاستثمارات والتشريعات لمواجهة تحديات وفرص النظم الزراعية والغذائية المتعددة، العمل خارج “صوامع” الإدارات البلدية وسد الفجوات بين الإدارات ومجالات السياسات من أجل تحقيق تغييرات منهجية. ومع ذلك، حتى الآن، استهدفت معظم السياسات الغذائية الحضرية قطاعات محددة مثل إنتاج الأغذية، أو توزيع الأغذية، أو إدارة المهدر من الأغذية، أو الصحة العامة أو البيئة.238 وفي عملية دمج الأغذية في التخطيط والسياسات الحضرية، بدأت الاستراتيجيات الغذائية الشاملة (التي تربط بين المجالات القطاعية المختلفة وذات الصلة، والإدارات والتخصصات البلدية) في الظهور، مما يحدد الإطار العام وجدول الأعمال الذي يمكن من خلاله تنفيذ السياسات والإجراءات المستهدفة.239 وعلاوة على ذلك، يمكن أن توائم المؤسسات المحلية أهداف النظم الزراعية والغذائية مع أهدافها الإنمائية الأوسع من خلال أدوات التخطيط المختلفة مثل المراسيم والأنظمة والإعلانات والقرارات والمدونات.

وتُقدّم سياسات النظم الزراعية والغذائية المحلية وخططها واستراتيجياتها عن طريق القيادة الديناميكية من خلال “الأبطال” في بلديات المدن بجميع أحجامها، وفي بعض الحالات من خلال التعاون مع المستويات الحكومية الأخرى ومع الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل المنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية.240، 241، 242 وقد أظهر تاريخ استراتيجيات النظم الزراعية والغذائية المحليةض‌ض على مدى العقود الماضية كيف يمكن خلق بيئة تمكينية فعالة لتعميم النظم الزراعية والغذائية في جدول الأعمال المحلي،243 وتحسين الروابط بين المناطق الريفية والحضرية. وعلى وجه التحديد، أدى تطوير السياسات والمراسيم والأنظمة للنظم الزراعية والغذائية المحلية إلى توسيع نطاق المبادرات والمشاريع المخصصة، مما يساهم في التحول الشامل للنظم الزراعية والغذائية على المستوى الوطني مع مشاركة واضحة لأصحاب المصلحة المتعددين (الإطار 16).

الإطار 16استراتيجيات النظم الزراعية والغذائية المحلية التي تربط المناطق الحضرية الكبيرة بالأراضي الداخلية الريفية في أنتاناناريفو ونايروبي وكيتو

في مدغشقر، أنشأت بلدية أنتاناناريفو (منطقة أنالامانجا)، بالتعاون مع وزارة الزراعة وأصحاب المصلحة الآخرين، مجموعة استشارية لأصحاب المصلحة تم من خلالها وضع استراتيجية قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود للفترة 2023–2028 لمدينة أنتاناناريفو والمنطقة المحيطة بها، والتحقق من صحتها. وتعزز الاستراتيجية التعاون متعدد القطاعات والمستويات وأصحاب المصلحة، وتوصي بالتنفيذ المتسق والمتكامل للسياسات والبرامج مثل: (1) برنامج الإدارة المتكاملة لموارد المياه بقيادة وزارة المياه والصرف الصحي والنظافة؛ (2) والبرنامج الوطني للاستثمارات في الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية بقيادة وزارة الزراعة والثروة الحيوانية؛ (3) وخطة أنالامانجا الإقليمية لاستخدام الأراضي للفترة 2023–2043. ويمكن لتنفيذ هذه السياسات والبرامج في أنتاناناريفو والمنطقة المحيطة بها أن يمكّن المجتمعات المحلية مع تعزيز القدرة على الصمود في وجه الصدمات، وتحسين توزيع الأغذية، وخلق فرص العمل، ودعم المؤسسات الغذائية الصغيرة والمتوسطة.

وفي كينيا، أقرت مقاطعة مدينة نيروبي استراتيجية النظم الغذائية في نيروبي وتم دمجها في خطة تنمية مقاطعة مدينة نيروبي. وتهدف الاستراتيجية الغذائية هذه، التي هي في طور التنفيذ حاليًا، إلى ضمان توفير أغذية ميسورة الكلفة ويسهل الوصول إليها ومغذية وآمنة للجميع، باستخدام نهج متعدد القطاعات ومن خلال العمل عبر جميع مستويات الحكومة. وقد تم إنشاء لجنة للعلاقات الحكومية الدولية معنية بالنظم الغذائية لمدينة نيروبي تضم ممثلين من حكومة مقاطعة مدينة نيروبي وممثلين من مختلف الوزارات (المسؤولة عن الأغذية والزراعة والصحة والبيئة والأراضي والمياه والحماية الاجتماعية، وغيرها). كما تم إنشاء آلية لأصحاب المصلحة المتعددين معنية بحوكمة الأغذية (مجموعة استشارية للتواصل بشأن الأغذية)، تشمل جهات فاعلة غير حكومية، وتهدف إلى تقديم المشورة لصانعي القرار على جميع المستويات بشأن تنفيذ الاستراتيجية الغذائية. وسيتم ضمان إجراءات النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل المتصل من خلال المشاركة القوية لمنصة التنسيق بين الدول على المستوى الوطني.

وفي إكوادور، أيدت بلدية منطقة العاصمة كيتو استراتيجية كيتو للأغذية الزراعية في عام 2019، مما سمح بدمج النظم الزراعية والغذائية تدريجيًا في أدوات تخطيط المدن مثل استراتيجية كيتو للصمود، ورؤية عام 2040، وخطة العمل المعنية بالمناخ، وخطة التنمية الحضرية وإدارة الأراضي (التي تعترف بالأمن الغذائي باعتباره المحور الاستراتيجي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمدينة). وتم تطوير الاستراتيجية بالتعاون مع العديد من الجهات الفاعلة المشاركة في منصة حوكمة النظم الزراعية والغذائية. وتشمل المنصة ممثلين عن الحكومات المحلية والإقليمية والوطنية؛ والحركات الاجتماعية؛ والجهات الفاعلة في مجال التعاون الدولي؛ ووكالات الأمم المتحدة؛ والأوساط الأكاديمية؛ والقطاع الخاص (بشكل رئيسي الأعمال التجارية الزراعية التي تهدف إلى العمل في كل من المناطق الحضرية والريفية).

ويُعتبر جمع الأدلة الخطوة الحاسمة الأولى لدعم تطوير سياسات النظم الزراعية والغذائية المحلية والتخطيط لها. ويمكن أن تشتمل هذه العملية على مجموعة واسعة من الصكوك والأدوات: دراسات التقييم، والمؤشرات، وقواعد البيانات المفتوحة، ومنصات تبادل المعلومات، وما إلى ذلك. وقد تم بالفعل تطوير أدوات متعددة يمكنها إبلاغ صانعي السياسات حول معوقات النظم الزراعية والغذائية - أي النقاط في النظم التي تنتج قيودًا في المصطلحات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية أو البيئية - من أجل تحديد التدخلات بحسب الأولوية، وقياس التقدم، واستخلاص الدروس، بنفس القدر من الأهمية، حول كيفية دمج النظم الزراعية والغذائية بشكل فعال في التخطيط الحضري والإقليمي. ولا يزال تطوير نماذج شاملة للنظم الزراعية والغذائية دون فقدان الرؤية المنهجية يمثل تحديًا لواضعي السياسات الحضرية.

وتُعد أداة التقييم السريعة الخاصة بالنظم الغذائية في المناطق الحضرية أحد الأمثلة على أداة تدعم صنع السياسات القائمة على الأدلة على المستويات المحلية.غ‌غ وهي تساعد صانعي السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة في النظم الزراعية والغذائية في تطوير السياسات والاستراتيجيات التي تعمل على تحسين الأمن الغذائي والتغذية لسكان الحضر وتعزيز التنمية المستدامة للنظم الزراعية والغذائية (انظر الإطار 17).

الإطار 17أداة التقييم السريعة الخاصة بالنظم الغذائية في المناطق الحضرية: إحدى الأدوات الممكنة لتحليل النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل

تهدف أداة التقييم السريعة الخاصة بالنظم الغذائية في المناطق الحضرية إلى مساعدة صانعي السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة في النظم الزراعية والغذائية على تطوير وتحديد أولويات السياسات والاستراتيجيات القائمة على الأدلة التي تعالج الاختناقات التي تقيد أداء النظم الزراعية والغذائية الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ويتحقق ذلك من خلال أربعة مكونات مترابطة: (1) تحديد أصحاب المصلحة؛ (2) وتحليل سلسلة القيمة؛ (3) ورسم خرائط البيئة المؤسسية والسياساتية؛ (4) ومسح مخصص للمستهلكين يتضمن رسم خرائط لبيئة بيع المواد الغذائية بالتجزئة.

وهذه المكونات مدعومة بنظم المعلومات الجغرافية المكانية التي تجلب جميع المعلومات المتعلقة بالنظم الزراعية والغذائية وأنماط استهلاك الأغذية داخل البيئة الحضرية على خريطة أساسية مشتركة. وتشتمل الخرائط والمعلومات في أداة التقييم السريعة الخاصة بالنظم الغذائية في المناطق الحضرية على استخدام صور الأقمار الاصطناعية وتطبيقات الهاتف المحمول للمسوحات الميدانية والمعلومات المتاحة في المجال العام والبيانات التي تم جمعها من السلطات المحلية. ومن هذه المصادر، تحدد أداة التقييم السريعة التحديات والفرص للتخطيط وتحويل النظم الزراعية والغذائية في المناطق الحضرية. وتعتمد على التعليقات والمشورة الفنية من مجموعة استشارية للتواصل بشأن الأغذية – وهي مجموعة عمل مؤلفة من صانعي السياسات والخبراء المتخصصين تم إنشاؤها من خلال عملية استشارية على مستوى المدينة مصممة لتقديم مدخلات بشأن نتائج التقييم بالإضافة إلى التوجيه بشأن تحديد أولويات التحديات والفرص على مستوى المدينة.

وتوفِّر تقييمات أداة التقييم السريعة الخاصة بالنظم الغذائية في المناطق الحضرية بيانات ومعلومات مفيدة لتطوير استراتيجيات للنظم الزراعية والغذائية المحلية والمراسيم والأنظمة على المستوى المحلي، وقد تم استخدامها في بعض دراسات الحالة المدرجة في هذا الفصل: تجربة CONSIAL في ليما (الإطار 14)، ومبادرة مقاطعة كيسومو (الإطار 15) واستراتيجية نيروبي للنظم الغذائية (الإطار 16).

وعادة ما يتم استكمال تحليل النظم الزراعية والغذائية بالأدلة التي يتم جمعها من خلال مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين. وفي حين أن توافر البيانات المصنفة على المستوى المحلي قد يكون محدودًا، فإن المشاركة مع أصحاب المصلحة في النظم الزراعية والغذائية المحلية يمكن أن تولد رؤى أعمق لتحديد الاختناقات وتحديد أولويات العمل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الشراكات مع أصحاب المصلحة ذوي المصالح التي تتعارض مع تحسين صحة الإنسان والنظام البيئي يمكن أن تؤدي إلى الضرر وانعدام الثقة. وستكون هناك حاجة إلى نماذج جديدة لتمويل القطاعين الخاص والعام لتجنب تضارب المصالح وضمان الحيادية والمساءلة والشفافية.244 ومن المهم دائمًا الحماية من تضارب المصالح في وضع السياسات واتخاذ القرارات - لا سيما عندما يكون هناك أصحاب مصلحة متعددين - وإتاحة الأدوات لمساعدة البلدان على منع وإدارة تضارب المصالح هذا.245، 246 وعادة ما تشمل المجالات ذات الأولوية التي تم تحديدها على المستوى المحلي لتطوير استراتيجيات غذائية شاملة والتخطيط لها الزراعة الحضرية وشبه الحضرية؛ وسلاسل التوريد القصيرة؛ وأسواق الأغذية الشاملة؛ ومنافذ الأغذية الصحية، والأغذية في الشوارع؛ والمشتريات الغذائية العامة؛ والتخطيط والبرمجة القطاعية، مثل برامج التغذية المدرسية؛ وتفتيش منافذ الأغذية؛ وقواعد التخطيط للمناطق وتقسيمها الخاصة بمنافذ الأغذية و/أو التسويق لها؛ والقضاء على المهدر من الأغذية والحد منه وإدارته.238، 240، 241 وكانت مبادرات الزراعة الحضرية وشبه الحضرية إحدى نقاط الدخول المحفزة لوضع الأغذية على جدول الأعمال السياسي المحلي. وترتبط الزراعة الحضرية وشبه الحضرية بعلاقة وثيقة مع حوكمة الأغذية في المناطق الحضرية، حيث إنها غالبًا ما تتجاوز الإنتاج الإيكولوجي الزراعي والاستهلاك المستدام لتشمل جوانب أخرى مثل التماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والقضايا البيئية. وتتمثل نقطة دخول مشتركة أخرى في التغذية المدرسية التي تلهم العديد من البلديات، حتى الأصغر منها، في تحسين تغذية الأطفال، والعادات الغذائية والتحصيل التعليمي. وتتسم برامج التغذية المدرسية أيضا بقيمتها بسبب آثارها المضاعفة. ويمكن تصميمها لدعم الزراعة المحلية، وتقوية النظم الزراعية والغذائية المحلية وتنويعها، وتحسين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال آليات المشتريات العامة التي تركز على المزارعين المحليين أصحاب الحيازات الصغيرة والإنتاج المستدام (الإطار 18). ويمكن توسيع نفس المبادئ لتشمل شراء الأغذية وسياسات الخدمة للمؤسسات أو الخدمات الأخرى التي تدار محليًا.247

الإطار 18تعزيز الاتفاقات المؤسسية المتعددة المستويات من خلال المشتريات العامة للأغذية في مقاطعة مانابي، إكوادور

في إطار الخطوط التوجيهية الغذائية الإكوادورية، أنشأت حكومة مقاطعة مانابي مع بلديات بورتوفيجو وتشون وسانتا آنا، وبالتنسيق مع وزارة التعليم الإكوادورية، مخططًا لشراء الأغذية لتوزيع الفاكهة على الأطفال كجزء من الوجبات مدرسية. وتهدف هذه المبادرة إلى توفير الوصول إلى الأنماط الغذائية الصحية لطلاب مانابي، مع تعزيز فرص الدخل للمزارعين. وبدأت عمليات التسليم الأولى للمدارس في بورتوفيجو، عاصمة المقاطعة، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، مع الفاكهة الطازجة المحلية من المزارعين الأسريين في البلديات الريفية في تشوني وسانتا آنا. ومولت حكومة المقاطعة عملية الشراء ونفذت عملية الشراء من خلال البوابة العامة EP Manabí Produce. وبفضل هذه المبادرة، تلقى حوالي 000 43 طفل من 95 مدرسة في بورتوفيجو، على أساس يومي، مجموعة من تسعة أصناف من الفاكهة الطازجة (الماندرين والبرتقال). وكانت هذه المبادرة حاسمة لتعزيز حوكمة النظم الزراعية والغذائية متعددة المستويات والتنسيق بين المؤسسات عبر المستويات الوطنية والإقليمية والبلدية.

تُعتبر المبادرات المتعلقة بالمهدر من الأغذية والاقتصاد الدائري نقطة دخول مشتركة أخرى لبدء عمليات التخطيط في مجال الأغذية والسياسات الغذائية. ويمكن تحويل المهدر من الأغذية إلى سماد أو استخدامه لإنتاج الغاز الحيوي، وبالتالي تجنب انبعاثات الميثان الضارة مع خلق فرص عمل أيضًا؛ ويمكن أيضًا استخدام سقط الأسماك ومخلفاتها لإنتاج علف السمك الذي يستخدم كمسحوق سمكي في علف الحيوانات. غير أن ذلك يتطلب إدارة النفايات العضوية البلدية بشكل صحيح ليس فقط على مستوى الأسرة، ولكن أيضًا في منافذ بيع الأغذية بالتجزئة. وتلعب المؤسسات المحلية دورًا حاسمًا في خلق بيئة مواتية للحد من المهدر من الأغذية واعتماد ممارسات إدارة النفايات. وعلى سبيل المثال، في بنغلاديش، يتم استخدام المهدر من الأغذية في مدينة خولنا لتلبية الطلب المتزايد على الأسمدة العضوية في قطاع الحراجة الزراعية؛ ولكن العملية تطلبت دعمًا من المؤسسات المحلية لإنتاج السماد المكمور بمستوى مناسب. وفي ما يتعلق بإدارة المهدر من الأغذية، تُعطى الأولوية أيضًا للوقاية والتعافي وإعادة التوزيع للاستهلاك البشري - وهي عملية تتطلب مستوى عالٍ من مشاركة الحكومات المحلية.248 وعلاوة على ذلك، في كيغالي في رواندا، تم إنشاء فريق عمل مواضيعي متعدد أصحاب المصلحة معني بإدارة المهدر من الأغذية كجزء من مجموعة استشارية أوسع لأصحاب المصلحة في النظم الزراعية والغذائية تتناول القضايا المتعلقة بالوقاية والتعافي وإعادة التوزيع والاقتصاد الدائري. وتولت بلدية كيغالي قيادة المنصة لتعزيز روابط النظم الزراعية والغذائية المكانية والوظيفية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في رواندا.

ويمكن أن تحد درجة اللامركزية في السياقات المختلفة ومستوى القدرة التقنية من فعالية مثل هذه السياسات والاستراتيجيات المحلية. وعلى سبيل المثال، على الرغم من جهود اللامركزية الكبيرة المبذولة في العقود الأخيرة، لا تزال الحكومات الأفريقية المحلية تتمتع بقدرات إدارية ومالية منخفضة؛ وبالتالي، فإنه في بعض الحالات لا يتم تنفيذ الخطط الاستراتيجية بسبب نقص التمويل. ولذلك، لا غنى عن ربط السياسات والاستراتيجيات الغذائية بعملية صنع القرار المالي.249

وبسبب طبيعة النظم الزراعية والغذائية المتعددة القطاعات والمتعددة المستويات، يمكن أن يأتي التمويل لتنفيذ الأنشطة الرئيسية لاستراتيجية و/أو خطة عمل غذائية ما من مجموعة متنوعة من المصادر: جهات فاعلة بلدية أو إقليمية أو وطنية، وحتى غير الحكومية مثل المنظمات غير الحكومية والشركاء الدوليين. ومن الأهمية البالغة تعبئة الموارد الداخلية والخارجية من أجل تمويل عام وخاص فعال، سواء من حيث دعم إجراءات السلطات على جميع المستويات أو خلق حوافز لجذب رأس المال الخاص نحو فرص استثمارية مجدية ماليا.236، 238، 240

ولا يزال اتساق السياسات على المستويين الوطني ودون الوطني يمثل تحديًا رئيسيًا في إنشاء البيئة التمكينية المناسبة. وعادة ما تمتلك الحكومات الوطنية والإقليمية الصلاحيات والموارد للاستثمار في تطوير البنية التحتية للمناطق الريفية والحضرية المترابطة جيدًا، ويكون لديها إمكانية الوصول إلى أدوات السياسة التي تتناول دور القطاع الخاص في تحويل النظم الزراعية والغذائية.250 وكما ذُكر سابقًا في الفصل الخامس، يمكن للاستثمار في دعم الخدمات العامة في المدن والبلدان الصغيرة والمتوسطة أن يزيد من الاستثمارات الخاصة وأن يستفيد من الروابط المكانية والوظيفية الأوثق التي يخلقها التوسع الحضري في التسلسل الريفي الحضري المتصل. ولذلك، ستتطلب هذه السياسات والاستثمارات حوكمة قوية متعددة المستويات عبر سياسات النظم الزراعية والغذائية الوطنية والإقليمية من أجل تعزيز التحول الهيكلي الضروري للنظم الزراعية والغذائية. ومن أجل معالجة قضية محددة بشكل منهجي وتشجيع تحويل النظم الزراعية والغذائية، يلزم اتخاذ إجراءات منسقة عبر الأبعاد الأفقية والعمودية للحوكمة. وتشير الحوكمة الأفقية إلى التنسيق و/أو التكامل بين المؤسسات القطاعية (على سبيل المثال المتعلقة بالتجارة والزراعة والصحة والتخطيط) و/أو مع الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل مؤسسات البحوث ومنظمات المجتمع المدني وممثلي القطاع الخاص والمؤسسات المالية. وعلى سبيل المثال، نظرًا إلى أن النظم الزراعية والغذائية تقع عادةً ضمن ولاية وكالات متعددة، تقوم البلدان، لتحسين التنسيق الوطني في ما بينها، بإنشاء لجان مشتركة بين الوزارات أو آليات مماثلة لإدارة عمليات اللامركزية وتنفيذ المبادرات الإقليمية الزراعية. ومن ناحية أخرى، تتعلق الحوكمة العمودية أو متعددة المستويات بتوزيع السلطة وقدرة صنع السياسات والمسؤولية عبر المستويات الحكومية فوق الوطنية والوطنية والإقليمية والمحلية.243، 251 وتتعلق الحوكمة متعددة المستويات بالعمل والتنسيق بين المحورين وخلق التماسك عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، وتمكين جميع مستويات الحكومة من تولي الملكية المشتركة252، 253 (انظر الإطار 19).

الإطار 19العملية التشاركية متعددة أصحاب المصلحة لوضع اتفاقات مؤسسية متعددة المستويات لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية في مقاطعة كيب الغربية في جنوب أفريقيا

في عام 2016، نشرت حكومة مقاطعة كيب الغربية في جنوب إفريقيا استراتيجية للأمن الغذائي والتغذية بعنوان “التغذية من أجل الازدهار”، قدمت رؤى حول حوكمة النظم االزراعية ولغذائية المتكاملة والمستعرضة والمتعددة المستويات. ويشترك في قيادة الاستراتيجية دائرة رئيس الوزراء الإقليمي ووزارة الزراعة بالمقاطعة. وبناءً على تفويضات القادة المشاركين الإقليميين، يمتد نطاق الإستراتيجية إلى التسلسل الريفي الحضري المتصل بما في ذلك المناطق الريفية والبلدات الصغيرة والمدن الكبيرة، فضلًا عن النظم الزراعية والغذائية التي تتدفق إلى نظام المقاطعات. وقد استند تطوير الاستراتيجية وتنفيذها على عملية استشارية وتنظيمية واسعة النطاق ومبتكرة، جمعت بين العديد من الجهات الفاعلة بما في ذلك الأصوات غير المسموعة عادةً لتحسين النظم الزراعية والغذائية. وتشرك الإستراتيجية وحدات حكومية متعددة، يُفترض أن العديد منها لا يحمل أي ولاية تتعلق بالأغذية أو التغذية (مثل إدارات التخطيط المكاني والتعليم والتنمية الاقتصادية والبيئة)، وتدعم في نفس الوقت البرامج الحالية في مجال الأمن الغذائي. ولتجنب عمليات صياغة السياسات التقليدية، تحتفظ الاستراتيجية بنهج حوكمة مفتوح العضوية، حيث يقوم المسؤولون الحكوميون الرائدون باستمرار بالابتكار والتكيف استجابة للدروس المستفادة المتطورة وردود الفعل على التنفيذ. وفي الوقت الحالي، بينما تجري صياغة الخطة الوطنية للأمن الغذائي والتغذوي لجنوب إفريقيا لما بعد عام 2023، تستكشف وزارة الرئيس كيف يمكن للحكومة الوطنية أن تدعم هذه الاستراتيجية لحكومة مقاطعة كيب الغربية، وكذلك كيف يمكن تطبيق هذه الاستراتيجيات في مناطق أخرى، وما نوع الآليات التي يمكن إنشاؤها لسد فجوة الحوكمة بين المستويين الوطني والمحلي.

ولا تزال أطر السياسات المواتية للحوكمة متعددة المستويات غير شائعة، على الرغم من وجودها في عدد قليل من البلدان. ويمكن أن يصبح المنظور الإقليمي لحوكمة النظم الزراعية والغذائية فرصة لبدء عملية إنشاء آليات حوكمة للنظم الزراعية والغذائية متعددة المستويات، كما هو الحال في منطقة كاتالونيا في إسبانيا (الإطار 20). وعلاوة على ذلك، تم الشروع في عمليات متعددة المستويات لحوكمة النظم الزراعية، تتناول نقاط دخول محددة في بعض البلدان. وعلى سبيل المثال، بدأت الدانمرك عملية متعددة المستويات لحوكمة النظم الزراعية باستخدام المشتريات العامة كنقطة دخول (الإطار 21). ويبدو أن إنشاء شبكات وطنية تشرك مستويات مختلفة من الحكومة هو نقطة انطلاق مهمة لبدء آليات الحوكمة المتعددة المستويات.

الإطار 20خطة الأغذية الاستراتيجية الإقليمية لكاتالونيا 2021–2026 ومجلس كاتالونيا للأغذية، إسبانيا

روجت وزارة العمل المناخي والخطة الغذائية والريفية التابعة لحكومة كاتالونيا لخطة الأغذية الاستراتيجية الإقليمية لكاتالونيا، بإسبانيا للفترة 2021–2026 (خطة الأغذية الاستراتيجية). إن خطة الأغذية الاستراتيجية هي أداة إقليمية مشتركة بين الإدارات والقطاعات تحدد الرؤية والأهداف والمبادرات ذات الأولوية وترسي أسس تشكيل الاتفاق الوطني لانتقال الطاقة في كتالونيا الذي سيعمل على توجيه سياسات النظم الزراعية والغذائية العامة الإقليمية في المستقبل. وخطة الأغذية الاستراتيجية هي نتاج عملية تشاركية استغرقت أكثر من عام شاركت فيها جهات فاعلة في النظم الزراعية والغذائية الإقليمية، بما في ذلك المنتجين الأساسيين، وصناعة الأغذية، وموزعي الأغذية، والمطاعم والمنافذ الغذائية، ومؤسسات البحوث والجامعات، والجهات المحلية والإقليمية والوطنية. الوكالات العاملة في قطاع الأغذية.

ويشكل مجلس كاتالونيا للأغذية، الملحق بوزارة العمل المناخي والخطة الغذائية والريفية التابعة لحكومة كاتالونيا، بإسبانيا القوة الدافعة لـخطة الأغذية الاستراتيجية ويعمل كمنتدى للتحليل والمناقشة والاقتراح بشأن المسائل المتعلقة بالسياسات الزراعية والغذائية في كاتالونيا. وهو يعمل أيضًا كمرصد للنظم الزراعية والغذائية من أجل التوصيات على صعيد السياسات، ويتكون من تمثيل واسع للجمعيات والكيانات ذات الصلة بالنظم الزراعية والغذائية في كاتالونيا، بإسبانيا.

الإطار 21الشبكة المتعددة المستويات لمشتريات الأغذية العامة في الدانمرك: العمل المشترك بين الحكومات الوطنية والإقليمية والمحلية لبدء عملية إرساء حوكمة متعددة المستويات للنظم الزراعية والغذائية

تُعتبر المشتريات العامة للأغذية آلية مهمة لتقوية روابط النظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، وبالتالي تحفيز التغييرات الملحوظة في الإنتاج الأولي والأنماط الغذائية والتثقيف الغذائي. وفي عام 2018، أثناء إعداد الخطوط التوجيهية للمشتريات العامة من أجل المناقصات الغذائية في الدانمرك، أنشأت وزارة البيئة الدانمركية، وكبير محامي المشتريات في مدينة كوبنهاغن رسميًا شبكة Nationale Udbudsjuridiske Fødevarenetværk (الشبكة الوطنية لمشتريات الأغذية العامة) – وهي شبكة مشتريات أغذية متعددة المستويات لمسؤولي القطاع العام – لربط مختلف مستويات الحكومة وتعزيز فعالية المشتريات العامة للأغذية. ويجمع هذا التعاون الرسمي بين الوزارة ورؤساء البلديات و44 مسؤولًا وطنيًا وإقليميًا ومحليًا، وهو خطوة مهمة نحو إنشاء حوكمة متعددة المستويات للنظم الزراعية والغذائية. وتم إنشاء الشبكة بسبب الحاجة إلى تعاون وثيق ومنهجي على مستوى الحوكمة بين الدولة والمدينة في ما يتعلق بتنفيذ القواعد والأنظمة على مستوى الدولة. وبدون هذا التعاون، قد تكون القرارات المتخذة على المستوى الوطني غير مجدية على المستوى المحلي. وبناءً على شبكة المشتريات الدانمركية، أنشئت شبكة عامة أخرى لمشتريات الأغذية على المستويين الأوروبي والعالمي لتبادل الخبرات وبدء عملية تعزيز الحوكمة متعددة المستويات على جميع المستويات.

وبدأت كينيا عملية تعزيز الحوكمة متعددة المستويات للنظم الزراعية والغذائية باستخدام الزراعة الحضرية وشبه الحضرية كنقطة دخول. ويشترط قانون المناطق الحضرية والمدن في كينيا منذ عام 2011 من المقاطعات تنظيم الزراعة الحضرية وشبه الحضرية. ومع ذلك، على الرغم من أن عددًا صغيرًا من المقاطعات في كينيا قد طور (أو في طور تطوير) استراتيجيات غذائية شاملة، لا يزال التحول من نهج قطاعي إلى نهج نظامي لإنشاء حوكمة متعددة المستويات في المرحلة المبكرة مع المناقشات الأولية فقط بين الحكومات المحلية. وفي إندونيسيا، بعد قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية، التزمت الحكومة الوطنية بتعزيز نهج النظم الزراعية والغذائية على جميع المستويات. وفي الوقت الحالي، يُطلب من كل من المستويات الوطنية والإقليمية والمحلية/المدينة وضع خطة عمل للأمن الغذائي والتغذية كل خمس سنوات. ومن ناحية أخرى، تتمتع المدن في فيتنام بتفويض لوضع خطة عمل وطنية للنظم الزراعية والغذائية. ولا شك أن الأطر المذكورة أعلاه تحفز تطوير السياسات عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ومع ذلك، هناك خطر يتمثل في أن مختلف المستويات المحلية تشعر بأنها ملزمة بمعالجة الأولويات الوطنية بدلًا من الاستجابة للأولويات المحلية المختلفة.254 ومع ذلك، يمكن أن تبني الآليات المؤسسية الفعالة عبر المستويات الحكومية، التي يمكن فيها أن يوجه صوت الحكومات دون الوطنية جدول أعمال السياسات الوطنية، جسورًا عبر المناطق الجغرافية وأن تعزز المساءلة.

back to top