ترد أدناه العوائق التي تحول دون تطوير واعتماد الابتكارات في قطاع الغابات - (1) الافتقار إلى ثقافة الابتكار؛ (2) والمخاطر؛ (3) والقيود المحتملة لمختلف أشكال رأس المال؛ (4) والسياسات واللوائح التنظيمية غير الداعمة.
الافتقار إلى ثقافة الابتكار
ثقافة الابتكار هي ثقافة تشجّع الفضول والإبداع والمجازفة،174 ولكن الثقافة السائدة قد تكون معادية للأفكار الجديدة و»الغريبة»، ما يحدّ من نطاق الابتكار والرغبة في اعتماد أدوات ومنتجات وعمليات ونُهج جديدة. ولدى مختلف الجهات الفاعلة في النظام الإيكولوجي للابتكار (انظر الإطار 5 - النظم الإيكولوجية للابتكار) استراتيجيات ومسارات تميل إلى الدفاع عنه؛ وهذا «الاعتماد على المسار»175 يمكن أن يكون ضد التغيير لأن المصالح الخاصة ستحمي مواقعها التاريخية وحصصها في السوق.176 ويمكن أن يكون لذلك تأثير في قمع الابتكارات من خلال السيطرة على السوق وممارسة الضغط قبل أن تتاح لها فرصة الانطلاق. وفي بعض الحالات، قد تقوم الصناعة بتمويل المنظمات لقمع الابتكارات من خارج قطاعها من أجل الحفاظ على مكانتها.177 ويشكّل تعطيل النظم الحالية لتمكين الابتكار تحديًا كبيرًا.
وقد تكون هناك حاجة أيضًا إلى تحوّل ثقافي بعيدًا عن النظرة السائدة تاريخيًا للابتكار بوصفه وسيلة لتحسين الكفاءة والمكاسب الاقتصادية والقدرة التنافسية نحو نهج أكثر طموحًا. ومن شأن هذا النهج أن يعترف بأن الابتكار متعدد الأوجه وينبغي أن يتيح تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف والقيم، من قبيل تلك المتعلقة بسبل العيش القابلة للحياة والرفاه الاجتماعي والحفاظ على الموارد واستدامتها. وإن الثقافة التي تقرّ وتحتضن الإمكانات التحويلية للابتكار يمكن أن تساعد على إزالة مخاطر عمليات الابتكار وتمكين أصحاب المصلحة من تجاوز العمل المعتاد لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية. ويمكن لجميع أصحاب المصلحة في قطاع الغابات أن يؤدوا دورًا في تعزيز ودعم ثقافة الابتكار التي تسعى إلى معالجة المشاكل بطرق تقلّل من العواقب السلبية وتزيل الحواجز الهيكلية التي تحول دون المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
ولذلك، ففي العديد من السياقات، قد يتطلّب تطوير ثقافة الابتكار دفعة - أي ما يحفز تطوير المهارات والروتين والسلوكيات والصلات مع الجهات الفاعلة الأخرى في نظام إيكولوجي للابتكار من شأنه أن يسهّل خلق الابتكار وتبنيه. وتتاح أدوات للمساعدة في تهيئة بيئة مناسبة لدعم ثقافة الابتكار، مثل أداة خلق الحوافز والفرص التي طورتها شبكة الأمم المتحدة للابتكار، والتي تقدّم تقنيات يمكن استخدامها لتشجيع الابتكار وفي نهاية المطاف إرساء ثقافة تشجّع الابتكار ضمن إطار المنظمة.178 فعلى سبيل المثال، يمكن أن يساعد الاعتراف بالابتكار ومكافأته على تعزيز ثقافة مؤاتية، وكذلك تحفيز السلوك الابتكاري من خلال تحسين مهارات الأفراد ومواءمة المشاريع مع القيم والاهتمامات الشخصية. وتتطلّب ثقافة الابتكار أيضاً تكريس ما يكفي من الوقت والموارد من أجل «الابتكار».
المخاطر
إن الابتكار محفوف بالمخاطر بطبيعته، إذ تفشل نسبة كبيرة من الابتكارات - ربما تصل إلى 95 في المائة179 - في تلبية توقعات أصحاب المصلحة. وإن تجنّب المخاطر التي يفرضها الابتكار يمكن أن يعزز الاعتماد على المسار في النظام الإيكولوجي للابتكار ويعوق خلق الابتكار واعتماده (الإطار 10). وينطوي تقديم منتجات أو عمليات جديدة على سلسلة من تكاليف المعاملات، ويجب أن تؤخذ مخاطر الفشل في الاعتبار، وخاصة في سياقات انخفاض رأس المال وانخفاض القدرة على تحمّل المخاطر. وعلاوةً على ذلك، فإن اعتماد الابتكار من دون النظر بشكل صحيح في السياق (أي من دون النظر في ما إذا كان الابتكار المناسب في المكان المناسب للأسباب الصحيحة) يمكن أن تكون له آثار سلبية. فعلى سبيل المثال، يمكن للابتكارات المصمَّمة للعمليات الواسعة النطاق أن تسمح للشركات الكبيرة بتحقيق وفورات الحجم وزيادة ميزتها التنافسية، ما يعرّض أصحاب الحيازات الصغيرة وغيرهم من المجموعات والمجتمعات المهمَّشة للخطر.129 ويمكن التخفيف من حدة تلك المخاطر عن طريق تسهيل وصول الجهات الفاعلة المهمَّشة إلى عملية الابتكار وتحفيز تطوير ابتكارات صغيرة ومحددة السياق ومناسبة للعمليات الأصغر حجمًا.
الإطار 10مثال شركة Katerra
وعدت شركة تصنيع الأخشاب المركّبة Katerra، وهي شركة بناء ناشئة، بإحداث ثورة في تشييد المباني في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال نموذج أعمال جديد للتكامل الرأسي والوحدات النمطية باستخدام الأخشاب المركّبة. وعلى الرغم من أن مفهوم الأعمال العام للمنازل الجاهزة في المصنع يحمل وعودًا كبيرة، فإن الشركة قد أعلنت إفلاسها في عام 2021 بعد استثمار أكثر من 2 مليار دولار أمريكي.181 كما أعلنت شركات أخرى مصنعة للأخشاب في أمريكا الشمالية إفلاسها أو أوقفت عملياتها بين عامي 2021 و2023. ويرتبط قطاع البناء ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات القائمة والطرق المقبولة لممارسة الأعمال التجارية، والتي يعمل كلٌ منها على مقاومة التغيير - فغالبًا ما يكون من الأسهل الاستمرار في ممارسة الأعمال كالمعتاد بدلًا من إقامة علاقة جديدة مع مورد منتج بديل.
وفي بعض الحالات، من المرجح أن ينجح الابتكار عند إعطاء الأولوية لدمج المعارف التقليدية أو الأصلية. وفي مجال الابتكارات التكنولوجية القائمة على البيانات، يمكن أن تنشأ أيضًا مخاطر محددة في ما يتعلق بجمع البيانات واستخدامها وملكيتها، مثل تلك المتعلقة بتركيز السوق والتفاعلات بين أصحاب الحيازات الصغيرة والشركات والمنظمات الكبيرة. ويمكن أن تساعد السياسات واللوائح التنظيمية في منع ظهور أوجه التفاوت والتوزيع غير العادل للمنافع الناشئة عن اعتماد الابتكارات التكنولوجية.180،71
وبالرغم من تفضيل الاستقرار على المدى القصير، فإن إعطاء الأولوية للحد من المخاطر قد يعيق الابتكار اللازم للتكيّف مع الظروف البيئية المتطوّرة ومتطلبات السوق والتقدّم التكنولوجي. ويمكن للحكومات وأصحاب المصلحة الآخرين المساعدة في تحقيق التوازن المناسب بين المخاطر والاستقرار من خلال دعم فرص التعرّف على عمليات خلق الابتكار واعتماده وتعزيز التعاون.
القيود المحتملة لمختلف أشكال رأسالمال
حددت دراسة أجراهاRoshetko وآخرون (2022) بشأن اعتماد التكنولوجيات المبتكرة في قطاع الغابات في إقليم آسيا والمحيط الهادئ، القيود المحتملة التي تطرحها مختلف أشكال رأس المال - البشري والطبيعي والمادي والمالي والاجتماعي - أمام اعتماد تلك التكنولوجيات (الجدول 4) (وذكرت الدراسة ذاتها أن السياسات واللوائح التنظيمية غير الداعمة تشكّل عائقًا إضافيًا).129 ومن المرجح أن تكون هذه النتيجة وجيهة في أقاليم أخرى وبالنسبة إلى أنواع أخرى من الابتكار، خاصة في بلدان الجنوب. وقد تخضع البلدان والأقاليم المختلفة لقيود مختلفة في ما يتعلق بالأشكال الخمسة لرأس المال. فعلى سبيل المثال، قد يكون رأس المال المالي محدودًا ماديًا في إقليم ما، وقد يشكّل رأس المال الطبيعي (مثل عدم الوصول إلى الغابات ومنتجات الغابات) قيدًا أو عائقًا أكبر في إقليم أخرى.
الجدول 4 - خمسة أشكال من رأس المال، يشكّل غيابها عائقًا أمام اعتماد قطاع الغابات للتكنولوجيات المبتكرة في إقليم آسيا والمحيط الهادئ

ومثلما يمكن للمنتجات أن تكون مصمَّمة بحيث يمكن تفكيكها بسهولة (على سبيل المثال لتحسين إمكانية التدوير)، فإن التصميم لاعتماد الابتكار يمكن أن يزيد من نجاحه. ومن المحتم أن يبوء النهج الواحد الذي يناسب الجميع بالفشل - فعلى سبيل المثال، من غير المرجح أن تكون الحلول الرقمية مفيدة للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الوصول إلى الكهرباء أو الإنترنت (أي نقص رأس المال المادي). وإن التكلفة العالية للعديد من الابتكارات تجعل اعتمادها يقتصر على أولئك الذين لديهم موارد كبيرة (رأس المال المالي)،182 ومن غير المرجح أيضًا أن تنجح النهج التنازلية، حتى لو كانت مصمَّمة جيدًا (رأس المال الاجتماعي). فعلى سبيل المثال، تَعرقل الاعتماد الواسع النطاق لمواقد الطهي المحسَّنة التي تقلّل من تلوث الهواء الداخلي واستهلاك الوقود183 بسبب ارتفاع التكاليف الأولية، ومقاومة المستخدمين لتغيير عاداتهم التقليدية في الطهي، والافتقار إلى حلول مصمَّمة خصيصًا لتلبية الاحتياجات المحددة للمجتمعات المحلية؛ وعلاوةً على ذلك، كان هناك نقص في الإقرار بدور الدخان المنبعث من الحرائق التقليدية في صد الحشرات.185،184
وأدى الافتقار إلى رأس المال الاجتماعي إلى عرقلة العديد من مشاريع إصلاح الغابات المبتكرة، ما ساهم، على سبيل المثال، في سوء التخطيط، وانتقاء الأنواع غير المناسبة، وسوء تجهيز الأراضي، وصعوبات في ضمان التزام المجتمع ومشاركته (نقص التمويل الطويل الأجل - رأس المال المالي - كان عائقًا رئيسيًا آخر).187،186 كما أن الافتقار إلى رأس المال الاجتماعي (مثل عدم كفاية الوصول إلى الأسواق والافتقار إلى التدريب وتنمية القدرات) يساهم بشكل كبير في انخفاض معدلات النجاح في الابتكارات التي تشجّع سبل العيش البديلة القائمة على الموارد الحرجية مثل السياحة البيئية والمنتجات الحرجية غير الخشبية وقطع الأخشاب المستدام، فضلًا عن نقص رأس المال المالي المتعلق بتقلّبات السوق ومحدودية الطلب على المنتجات القائمة على الغابات خارج الأسواق المحلية أو المتخصصة.189،188 ويمكن أن يؤدي الافتقار إلى الوصول العرفي إلى الأراضي والموارد (رأس المال الطبيعي) إلى إعاقة مشاركة المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية في الابتكار في قطاع الغابات.
السياسات واللوائح التنظيمية غير الداعمة
وجدت الدراسة التي أجراهاRoshetko وآخرون (2022) أمثلة (في إقليم آسيا والمحيط الهادئ) حيث تخلّفت عملية وضع السياسات عن تطوير التكنولوجيات وافتقرت إلى المرونة والتفاعل اللازمين لتمكين اعتماد التكنولوجيات.129 وهذه مشكلة متأصلة في الابتكار لأنه، بحكم تعريفه تقريبًا، يظهر في بيئة قائمة من السياسات واللوائح التنظيمية، والتي قد تعمل على تقييد أو تشويه تبني الابتكار، أو في المقابل، تمكين التطورات غير المنظمة والتي يحتمل أن تكون محفوفة بالمخاطر من الابتكارات. وهذا يوضّح مدى أهمية التكييف المستمر للسياسات والبيئات التنظيمية لتسخير الابتكار.