IFADUNICEFWFPWHO
info
close
كوت ديفوار. بائعة محلية مع منتجاتها في بلدة أدجامي في أبيدجان.
Shutterstock.com/Mitz ©

الخلاصة

ينبغي أن يبدد تقرير هذا العام أي شكوك لا تزال عالقة بشأن انتكاس جهود العالم نحو القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله. ولم تعد تفصلنا الآن سوى ثماني سنوات عن عام 2030، وهي السنة المستهدفة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتتسع عامًا بعد عام المسافة المطلوبة لبلوغ كثير من مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة في الوقت نفسه الذي تضيق فيه المسافة التي تفصلنا عن عام 2030. وتُبذل جهود لإحراز تقدم نحو تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة، ولكنها ليست كافية في مواجهة سياق تزداد فيه التحديات وأجواء عدم اليقين.

وكما هو مبيّن في الفصل 2، عانى ما بين 702 و828 مليون شخص في العالم من الجوع في عام 2021. ويمثل ذلك حوالي 180 مليون شخص إضافي منذ بداية تطبيق خطة عام 2030، علمًا بأن معظم الزيادة (150 مليون شخص) سجّلت منذ عام 2019 أي قبل تفشي جائحة كوفيد–19. إضافة إلى ذلك، عانى حوالي واحد من كل ثلاثة أشخاص في العالم، أي نحو 2.31 مليار شخص، من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2021. ويمثل ذلك حوالي 350 مليون شخص إضافي مقارنة بعام 2019، وهي السنة التي سبقت تفشي جائحة كوفيد–19. ولقد باتت الأنماط الغذائية الصحية التي تتسم بأهمية حاسمة لتحسين الأمن الغذائي والوقاية من سوء التغذية بجميع أشكاله، أبعد منالًا الآن لأشخاص في كل إقليم من أقاليم العالم. وفي سنة 2020 – وهي آخر سنة تتوافر عنها البيانات، عجز حوالي 3.1 مليار شخص عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، أي 112 مليون شخص إضافي مقارنة بعام 2019.

ومن بين المقاصد العالمية السبعة الخاصة بالتغذية لعام 2030، لم تشهد سوى الرضاعة الطبيعية الخالصة والتقزم لدى الأطفال دون الخامسة من العمر تحسنًا منذ عام 2012. ولم يحرز أي إقليم تقدمًا في خفض معدل انتشار السمنة لدى البالغين، بينما يزداد ارتفاع معدل انتشار الوزن الزائد لدى الأطفال دون الخامسة من العمر في أكثر من نصف البلدان الممثلة للجنوب الأفريقي، وأوسيانيا، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي. وعلاوة على ذلك، تستند آخر التقديرات المتاحة بشأن التغذية بشكل أساسي إلى البيانات التي تم جمعها قبل عام 2020 ولا تبيّن بالكامل الانتكاسات العالمية المرتقبة بسبب آثار جائحة كوفيد–19.

ولم تتحسن الأوضاع كثيرًا في النصف الأول من عام 2022. ولا تزال الآثار التي خلفتها جائحة كوفيد–19 تعرقل التقدم وتحدث الانتكاسات، الأمر الذي يساهم في بطئ التعافي الاقتصادي وتباينه بين البلدان وفي إضعاف الجهود المبذولة للقضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله. وتثير أيضًا الحرب الدائرة في أوكرانيا اختلالات في سلاسل الإمداد ويؤثر على الأسعار العالمية للحبوب والأسمدة والطاقة. وتشهد الأسعار العالمية للأغذية والطاقة ارتفاعًا حادًا، ولقد بلغت مستويات لم تسجّلها منذ عقود من الزمن. وتم خفض توقعات النمو الاقتصادي العالمي لعام 2022 بشكل ملحوظ. ويستمر تزايد تواتر الظواهر المناخية المتطرفة وشدّتها في تشكيل عوامل اختلال رئيسية في الإنتاج الزراعي وسلاسل الإمداد، الأمر الذي يؤثر على الأمن الغذائي والتغذية والصحة وسبل العيش في العديد من البلدان.

وسيظل تكثيف الدوافع الرئيسية الكامنة وراء الاتجاهات الأخيرة في انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية (أي النزاع، والظواهر المناخية المتطرفة، والصدمات الاقتصادية) بالاقتران مع ارتفاع كلفة الأغذية المغذية وتنامي أوجه انعدام المساواة، يُشكل تحديًا للأمن الغذائي والتغذية. وسيبقى الوضع كذلك ما لم تشهد النُظم الزراعية والغذائية تحولًا فتُصبح أكثر قدرة على الصمود وتوفر أغذية مغذية أقل كلفة وأنماطًا غذائية صحية بكلفة ميسورة للجميع بصورة مستدامة وشاملة.

ويعترف تقرير هذه السنة بأن سياق الركود السائد حاليًا يزيد من التحديات التي تواجهها حكومات كثيرة في زيادة ميزانيتها المخصصة للاستثمار في تحويل النُظم الزراعية. وفي الوقت نفسه، ذكر التقرير أن هناك الكثير مما يمكن، بل ويلزم، تحقيقه باستخدام الموارد القائمة. وتتمثل إحدى التوصيات الرئيسية في أن تباشر الحكومات إعادة التفكير في كيفية إعادة تخصيص ميزانياتها العامة القائمة لزيادة فعاليتها من حيث الكلفة وجعلها أكثر كفاءة في خفض كلفة الأغذية المغذية، وتوفير الأنماط الغذائية الصحية بقدر أكبر وتعزيز القدرة على تحمل كلفتها انطلاقًا من النظم الزراعية والغذائية ومن دون ترك أي أحد خلف الركب.

ويظهر الفصل 3 أن حكومات العالم خصصت مبلغًا قدره حوالي 630 مليار دولار أمريكي سنويًا في المتوسط خلال الفترة 2013–2018 لدعم قطاع الأغذية والزراعة. وبلغ متوسط الدعم الذي استهدف المنتجين الزراعيين نحو 446 مليار دولار أمريكي سنويًا بالقيمة الصافية، وهو ما يُشكل حوافز ومثبطات للأسعار بالنسبة إلى المزارعين. وأنفقت الحكومات سنويًا نحو 111 مليار دولار أمريكي لتوفير الخدمات العامة للقطاع، بينما تلقى مستهلكو الأغذية 72 مليار دولار أمريكي في المتوسط سنويًا عن طريق الإعانات المالية. وفي المجموع، لا يُعدّ مبلغ 630 مليار دولار أمريكي مبلغًا قليلًا بالمقارنة مع مصادر التمويل المهمة الأخرى. وعلى سبيل المثال، فإن إجمالي تمويل المناخ – الآخذ بالازياد بشكل ملحوظ – المقاس في تقرير Global Landscape of Climate Finance 2021 (المشهد العالمي لتمويل المناخ لعام 2021)، بلغ 632 مليار دولار أمريكي في الفترة 2019–2020، 394 وهذه قيمة قريبة من تقديرات هذا التقرير بشأن الدعم المقدم لقطاع الأغذية والزراعة. وفي حين تنفق الحكومات مبالغ مماثلة من الموارد العامة على دعم قطاع الأغذية والزراعة، لا تفي النظم الزراعية والغذائية بما يلزم لتحقيق أهداف الأمن الغذائي والتغذية.

ويستحوذ المنتجون الزراعيون على حصة الأسد من مجمل الدعم المقدم في العالم – حوالي 70 في المائة. وتقدم الحكومات، لا سيما في البلدان المرتفعة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة العليا، حوافز الأسعار للمزارعين عن طريق التدابير الحدودية (أي التعريفات الجمركية على الواردات والتدابير غير التعريفية)، والضوابط على أسعار السوق، والإعانات المالية (المرتبطة في الكثير من الأحيان بإنتاج سلعة محددة أو استخدام مدخلات محددة). وفي المقابل، تملك البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المنخفضة الدخل حيزًا ماليًا محدودًا أكثر وتميل إلى استخدام السياسات التجارية لحماية المستهلكين عوضًا عن المنتجين.

ولا يبلغ مقدار الدعم العام مستويات ملحوظة فحسب، بل يمكنه أيضًا تبعًا لكيفية تخصيصه، إما أن يدعم أو أن يعيق الجهود المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة – على النحو المبيّن في القسم 3–2. وتؤثر التشوهات التي تحدثها التدابير الحدودية وتدخلات السوق والإعانات المالية على التجارة والإنتاج وقرارات الاستهلاك، وتطال تداعياتها البيئة والأمن الغذائي والتغذية.

وتؤثر التدابير الحدودية على توافر الأغذية وتنوعها وأسعارها في الأسواق المحلية. وفي حين أن بعض هذه التدابير موجه إلى أهداف مهمة على صعيد السياسات، بما في ذلك سلامة الأغذية، يمكن للحكومات القيام بالمزيد لتقليص الحواجز التجارية أمام الأغذية المغذية، مثل الفواكه والخضروات والبقول، لزيادة توافر هذه الأغذية بكلفة ميسورة أكثر من أجل خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية.

وفي البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، تستهدف الضوابط على أسعار السوق، مثل سياسة الأسعار الدنيا أو الثابتة للمستهلكين السلع الأساسية، مثل القمح والذرة والأرزّ، وكذلك السكر، بهدف تثبيت أو زيادة دخل المزارع وفي الوقت نفسه ضمان توفر إمدادات المواد الغذائية الأساسية لأغراض الأمن الغذائي. ومع ذلك، يمكن أن تُساهم هذه السياسات في الأنماط الغذائية غير الصحية التي نلاحظها في جميع أنحاء العالم.

ولقد ساهمت الإعانات المالية المخصصة لبعض السلع أو عوامل الإنتاج المحددة بشكل كبير في زيادة إنتاج الحبوب وخفض أسعارها (بخاصة الذرة والقمح والأرزّ)، وكذلك لحوم الأبقار والألبان. وأثر ذلك تأثيرًا إيجابيًا على الأمن الغذائي ودخل المزارع. كما أنه دعم بصورة غير مباشرة تطوير أنواع أفضل من التكنولوجيا والمدخلات الزراعية الجديدة واستخدامها، الأمر الذي حسّن إنتاجية السلع المدعومة. ومن جهة أخرى، أثارت هذه الإعانات أيضًا تشوّهات مهمة في الأسواق داخل الحدود وخارجها لا تكون موجودة عادة في الأسواق التنافسية. كما أنها أدّت بحكم الواقع إلى إيجاد مثبطات (نسبية) لإنتاج الأغذية المغذية، وشجعت أيضًا الزراعة الأحادية المحصول في بعض البلدان، وأوقفت زراعة منتجات مغذية معيّنة، وثبطت إنتاج بعض الأغذية التي لا تتلقى مستوى الدعم نفسه. وأثرت التغيّرات في الإنتاج الناتجة عن ذلك، تأثيرًا مباشرًا على أسعار وتوافر السلع غير المدعومة أو المدعومة بقدر أقل ومشتقاتها، الأمر الذي أوجد حوافز سلبية لحثّ الناس على تنويع أنماطهم الغذائية.

ويفيد الدعم العام المقدّم من خلال الخدمات العامة الجهات الفاعلة في قطاع الأغذية والزراعة بصورة جماعية أكبر، وهو من حيث المبدأ أمر جيد لصغار المزارعين والنساء والشباب. ولكن كما ذكر سابقًا، فإن هذا النوع من الدعم أقل بكثير من الدعم المقدم إلى المنتجين الأفراد من خلال الحوافز للأسعار والإعانات المالية، ويُموّل على نطاق أوسع في البلدان المرتفعة الدخل. وفي بعض الحالات، تكون الخدمات، مثل خدمات البحث والتطوير، منحازة نحو منتجي الأغذية الأساسية. غير أنه يمكن لهذا الشكل البديل من الدعم أن يتسم بأهمية استراتيجية في سد الفجوات القائمة في مجال الإنتاجية في البلدان ذات مستويات الدخل الأدنى، إذا ما تم تخصيصه مثلًا للبحث، والتطوير، ونقل المعارف، والبنية التحتية، والتفتيش، وخدمات التسويق الغذائي والزراعي، وغيرها. ومن الضروري زيادة الإنفاق على الخدمات العامة وزيادة الدعم من غير إقران ذلك بالإنتاج لضمان سلامة الأغذية وتوافرها، وهو ما يمكن أن يساهم بدور كبير في خفض أسعار الأغذية – بما في ذلك المغذية منها. ومع ذلك، هناك فجوات مهمة في مجال توفير هذا النوع من الدعم وتنفيذه وتصميمه واتساقه في العديد من البلدان.

ولقد أظهر التقرير أيضًا، بالرغم من اعترافه بقلّة البيانات المتوافرة، أن الإعانات للمستهلكين تمثل الحصة الأدنى من مجموع الدعم المقدم لقطاع الأغذية والزراعة. وتبيّن الأدلة أيضًا أنه يمكن للسياسات والبرامج التي تدعم المستهلكين أن تساهم في زيادة استهلاك الأغذية المغذية. وينطبق ذلك بشكل خاص على التدخلات الموجّهة نحو أهداف محددة (مثل الأسر الأشد فقرًا أو الأشخاص الأكثر ضعفًا من الناحية التغذوية)، والمصممة بشكل صريح لإحداث أثار تغذوية (أي البرامج المراعية للتغذية)، والمقترنة بالتثقيف التغذوي.

ويقدم الفصل 4 مساهمة مهمة أخرى إذ يقيّم الدعم المقدم لقطاع الأغذية والزراعة في جميع أنحاء العالم وبحسب الأقاليم، وكيف تشير الأدلة إلى أن هذا الدعم يؤثر على النظم الزراعية والغذائية والأنماط الغذائية. ويوفر الفصل 4 أيضًا أدلة مفادها أنه يمكن لإعادة توجيه الدعم الغذائي والزراعي أن تؤدي دورًا مهمًا في إتاحة الأنماط الغذائية الصحية بكلفة أقل وأن تساهم بشكل أعمّ في قدرة الناس على تحمّل هذه الكلفة.

وفي حين ستحتاج الحكومات إلى وضع استراتيجيات مصممة خصيصاً بشأن جهود إعادة التوجيه بالاستناد إلى السياق القطري والأدلة، ستظهر الحاجة إلى إجراء مثل هذه الإصلاحات في معظم البلدان لتحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتفق عليها دوليًا، وسيلزم في بعض الحالات اتخاذ إجراءات متعددة الأطراف ومنسقة بشكل جيد لتمكين هذه الإصلاحات. بالتالي، يتسم تحليل آثار الخيارات المحتملة لإعادة توجيه الدعم المقدم للأغذية والزراعة بأهمية استراتيجية على المستوى العالمي. وفي هذا الصدد، يوفر تحليل السيناريوهات المستندة إلى النماذج والواردة في القسم 4–1، بعض المعلومات الهامة التي لا يجب التغاضي عنها:

  • ثمة ملاحظة عامة مستندة إلى التجربة مفادها أن إعادة توجيه الدعم العام الحالي إلى الزراعة في جميع أقاليم العالم، بهدف تشجيع إنتاج الأغذية المغذية (التي ينخفض إنتاجها واستهلاكها مقارنة بالمتطلبات الغذائية) سيُساهم في خفض كلفة نمط غذائي صحي وزيادة القدرة على تحمل هذه الكلفة على نطاق العالم، ولا سيما في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحتين الدنيا والعليا.
  • سيتحقق معظم التقدم نحو بلوغ هذا الهدف المحدد من خلال إعادة توجيه الإعانات المالية، وبخاصة إذا كان سيتم نقلها من المنتجين إلى المستهلكين. ويمكن للإعانات المالية المقدمة للمنتجات التي يجب أن يزيد استهلاكها من أجل سد الفجوة الغذائية، أن تؤدي إلى نموذج استهلاك الأنماط الغذائية الصحية الأكثر تنوعًا وانخفاض انبعاثات غازات الدفيئة، لا سيما عندما توجّه إلى الاستهلاك بدلًا من الإنتاج. ولكن قد تتحقق الفوائد على حساب الحد من الفقر، ودخل المزارع، والإنتاج الزراعي الإجمالي، والتعافي الاقتصادي، وبخاصة إذا كانت إعادة توجيه هذه الإعانات تستهدف الإنتاج.
  • من شأن إعادة توجيه الدعم المقدم عن طريق التدابير الحدودية والضوابط على أسعار السوق أن تساعد على التقدم باتجاه تحقيق الهدف المتمثل في خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية وزيادة القدرة على تحملها، ولو بدرجة أقل نسبيًا من الإعانات المالية. ولكن سيساهم هذا التحوّل البديل في مجال السياسات في خفض انبعاثات غازات الدفيئة في الزراعة من دون المقايضات التي تظهر عند إعادة توجيه الإعانات المالية.
  • ستكون المقايضة بين زيادة القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية والحد من انبعاثات غازات الدفيئة في الزراعة أكثر وضوحًا على المستوى العالمي إذا أعيد توجيه الإعانات المالية المقدمة للمنتجين لكي تستهدف الأغذية المغذية. ويعود السبب في ذلك، في هذه الحالة، إلى أنه سيتعيّن زيادة إنتاج الألبان بشكل خاص للتمكن من تلبية متطلبات غذائية معيّنة، لا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وبشكل أعمّ، يمكن التعويض عن مثل هذا النوع من المقايضات إذا انتقلت البلدان إلى التكنولوجيات ذات كثافة الانبعاثات الأدنى نسبيًا وأصبح الإنتاج والاستهلاك أكثر استدامة بشكل عام.
  • سيتعيّن على واضعي السياسات، أكان ذلك من خلال التدابير الحدودية وضوابط السوق أو الإعانات المالية، إعادة توجيه ما يقدمونه من دعم بالنظر إلى مقايضات التفاوتات المحتملة التي يمكن أن تنشأ في حال عدم وجود صغار المزارعين (بمن فيهم النساء والشباب) في وضع يمكنهم من التخصص في إنتاج أغذية مغذية بسبب القيود المفروضة على الموارد.
  • إضافة إلى ذلك، قد يختار واضعو السياسات عدم تحويل الإعانات المالية من المنتجين إلى المستهلكين لتجنّب حدوث مقايضات أخرى. وقد يقومون عوضًا عن ذلك بالتخلص تدريجيًا من الإعانات المالية للمنتجين التي تكون مقيّدة بإنتاج سلع محددة أو باستخدام مدخلات محددة والتي أثبتت أنها تثير التشوهات، وتلحق الضرر بالبيئة، ولا تشجّع الأغذية المغذية. ويجب أن يعاد توجيه الموارد إلى الإعانات المالية للمنتجين التي تكون منفصلة عن الإنتاج ولكن مصممة بطريقة مراعية للتغذية، ومشجعة لاعتماد التكنولوجيات ذات كثافة الانبعاثات المنخفضة، وشاملة لشروط بيئية أخرى.
  • قد يرغب واضعو السياسات أيضًا بالاستفادة من الأدلة الناشئة عن هذا لتقرير والتي تشير إلى أن الإعانات المالية للسلع التي يجب أن يزيد استهلاكها بما يتسق مع الخطوط التوجيهية الغذائية القطرية تُعدّ سياسة فعالة جدًا. وتشكل الإعانات للمستهلكين بشكل عام، الحصة الأصغر من مجمل الدعم المقدم لقطاع الأغذية والزراعة في العالم؛ بالتالي، سيتعيّن على الحكومات أن تخصص موارد إضافية هامة لها.
  • سيتعيّن زيادة الدعم المقدم من خلال الخدمات الحكومية حيث لا تزال الزراعة تكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى الاقتصاد وتوليد فرص العمل، ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل وبعض البلدان المتوسط الدخل من الشريحة الدنيا. ولكنه يجب فعل ذلك من خلال تحديد الأولويات بعناية لضمان سد الفجوات في الإنتاجية حيث تشتد الحاجة إلى ذلك ومساهمة التحوّل الزراعي بفعالية في زيادة المداخيل والقدرة على الصمود وتوافر الأغذية المغذية، وهي أمور تساهم جميعها في خفض كلفة الأغذية المغذية بالنسبة إلى المستهلكين.

وللاستفادة من الفرص التي تتيحها إعادة توجيه الدعم، سيتعيّن على البلدان أن تشارك في المفاوضات المتعددة الأطراف. ويجب أن تنظر إعادة توجيه التدابير الحدودية والضوابط على أسعار السوق والإعانات المالية في التزامات البلدان والمرونة التي تتمتع بها في ظل القواعد الحالية لمنظمة التجارة العالمية، وفي القضايا المطروحة في المفاوضات الجارية. والأهم من ذلك هو أنه يمكن لإعادة توجيه الإعانات الزراعية، إذا ما قامت بها بلدان عديدة، أن تفتح فصلًا جديدًا في المفاوضات بشأن التجارة في المنتجات الزراعية في منظمة التجارة العالمية. ويمكن أن تجد البلدان أسسًا جديدة لمناقشة كيفية ضبط الدعم المحلي المشوّه للتجارة. ويمكن أن تشمل الخيارات زيادة المرونة لتوفير إعانات خاصة بمنتجات محددة لمنتجي الأغذية المغذية، كما يمكن أن تنظر البلدان في سياق المفاوضات بشأن الوصول الى الأسواق والتي تشمل التعريفات الجمركية، في خفض المستوى الملزم من التعريفات الجمركية على الفواكه والخضروات والبقول والمنتجات الأخرى المهمة بالنسبة إلى الأنماط الغذائية الصحية من أجل تشجيع التجارة في هذه المنتجات.

وسيحتاج واضعو السياسات في البلدان المنخفضة الدخل، وربما أيضًا في بعض البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، إلى مواجهة تحديين اثنين. أولًا، سيتعيّن عليهم التوصل إلى حلول توفيقية في ما يتعلّق بإعادة توجيه الدعم الغذائي والزراعي من أجل تحقيق العديد من أهداف التحوّل الزراعي الشامل بما يتواءم مع هدف خفض كلفة الأنماط الغذائية الصحية وزيادة القدرة على تحمّلها. وثانيًا، قد يتيعّن عليهم نظرًا إلى ميزانياتهم المتدنية، حشد قدر كبير من التمويل لتوفير مزيد من خدمات الدعم العام من أجل سد الفجوات في الإنتاجية بشكل فعال في مجال إنتاج الأغذية المغذية. وفي هذا الصدد، سيكون الدعم الدولي للاستثمار العام (مثلًا من منظمات التمويل الدولي، ومصارف التنمية الإقليمية، والبرنامج العالمي للزراعة والأمن الغذائي، وغيرها) أساسيًا لتيسير الانتقال إلى خدمات الدعم العام الأكبر، لا سيما في البلدان المنخفضة الدخل.

ويقرّ هذا التقرير أيضًا بأن من الضروري إتاحة الأغذية المغذية على نطاق أوسع وبكلفة ميسورة، وإن كان ذلك غير كافٍ، كي يكون بوسع المستهلكين اختيار الأنماط الغذائية الصحية وتفضيلها واستهلاكها. وبالتالي، ستكون الصلة بالسياسات التكميلية التي تشجّع الأنماط الغذائية الصحية حاسمة الأهمية لتحقيق النجاح. وفي ما يتعلّق بالنظم الزراعية والغذائية، أشار القسم 4–2 إلى أهمية السياسات التي تعزز التحوّلات في بيئات الأغذية وسلوك المستهلكين نحو الأنماط الغذائية الصحية. ويمكن أن تشمل هذه السياسات فرض حدود إلزامية أو وضع أهداف طوعية لتحسين النوعية التغذوية للأغذية المجهّزة والمشروبات، وسنّ تشريعات بشأن تسويق الأغذية، وتطبيق سياسات توسيم الأغذية وسياسات الشراء الصحي لضمان أن تساهم الأغذية المقدمة أو المباعة في المؤسسات العامة في الأنماط الغذائية الصحية. وقد يكون من المهم جدًا الجمع بين سياسات استخدام الأراضي والسياسات التكميلية الأخرى لمعالجة الصحاري الغذائية ومستنقعات الأغذية.

وكما ذكر في القسم 4–1، يمكن لإعادة التوجيه أن تؤدي إلى مقايضات قد يكون من شأنها التأثير بشكل سلبي على بعض أصحاب المصلحة. وفي هذه الحالات، قد تكون سياسات الحماية الاجتماعية ضرورية للتخفيف من المقايضات الممكنة، ولا سيما الخسائر القصيرة الأجل على صعيد الدخل أو التأثيرات السلبية على سُبل العيش، بخاصة لدى الفئات السكانية الأضعف. وتُعدّ السياسات البيئية والسياسات المتعلّقة بالنظم الصحية وتلك المتعلّقة بالنقل والطاقة ضرورية لتحسين النتائج الإيجابية لإعادة توجيه الدعم في مجالات الكفاءة، والمساواة، والتغذية، والصحة، والتخفيف من آثار تغيّر المناخ، والبيئة. وتكتسي الخدمات الصحية التي تحمي الشرائح الفقيرة والضعيفة التي لا توفر أنماطها الغذائية جميع المغذيات اللازمة لتلبية المتطلبات الغذائية، أهمية خاصة في سياق جهود إعادة توجيه الدعم. ومن شأن عدم معالجة أوجه عدم الكفاءة والمشاكل في مجال النقل معالجة مناسبة، أن يقوّض هذه الجهود ويجعلها غير فعالة.

وسيعتمد نجاح جهود إعادة توجيه دعم السياسات للأغذية والزراعة على السياق السياسي، ومصالح أصحاب المصلحة، وتركيز قوى السوق، وآليات الحوكمة، والأطر التنظيمية القائمة لتيسير عملية الإصلاح، وهذه مناقشة هامة يتمحور حولها القسم 4–3. وبالنظر إلى تنوع السياق السياسي لكل بلد، سيكون من الحاسم وجود مؤسسات قوية على المستويات المحلية والوطنية والعالمية، وكذلك إشراك وتحفيز أصحاب المصلحة من القطاع العام، ومن القطاع الخاص، والمؤسسات الدولية، لدعم جهود إعادة توجيه الدعم. وتُشكل مسارات تحويل النُظم الزراعية والغذائية في كثير من البلدان إطارًا لتوجيه تلك الجهود. وسيكون من الأساسي لتحقيق التوازن بين السلطات غير المتكافئة ضمن النُظم الزراعية والغذائية إشراك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم ومجموعات المجتمع المدني – وكذلك الحوكمة الشفافة والضمانات لمنع حالات التضارب في المصالح وإدارتها.

وفي الختام، لا تشكل الحاجة إلى إعادة توجيه الدعم للسياسات الغذائية والزراعية مسألة جديدة؛ ولكنها اكتسبت زخمًا كبيرًا بوصفها مسألة محددة قبل انعقاد قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية لعام 2021 وأثناءها وبعدها، الأمر الذي أدّى إلى تفعيل المسارات القطرية المؤدية إلى تحويل النظم الزراعية والغذائية وتطلب إقامة تحالف من أجل العمل في هذا المجال. ونتيجة لذلك، يجري الآن تشكيل التحالف المعني بإعادة توجيه الدعم العام للأغذية والزراعة بمشاركة منظمات دولية، ومنظمات غير ساعية للربح، وحكومات، ومزارعين، ومنظمات أخرى.395 ويتمثل هدف التحالف في دعم البلدان التي أعربت عن رغبتها بإعادة توجيه الدعم العام الغذائي والزراعي الذي تقدمه. ويتمثل جانب مهم في أنه يتم تحديد أولويات هذا التحالف وفقًا للأدلة القائمة على العلوم.

وهناك كم هائل من البحوث والتقارير الحديثة بشأن الفوائد التي تعود بها إعادة توجيه دعم السياسات الزراعية وإعادة تحديد غاياته لتحويل النظم الزراعية والغذائية من أجل تحسين كفاءتها واستدامتها البيئية، على النحو المبيّن في هذا التقرير. ولكن لم يخضع الترابط بين دعم السياسات للأغذية والزراعة وكلفة الأغذية المغذية التي يتألف منها النمط الغذائي الصحي، وأوجه التآزر والعلاقة بينهما، لبحوث كافية قبل هذا الإصدار من التقرير. وكانت الحاجة إلى سد هذه الفجوة المعرفية الدافع وراء التحليل المواضيعي لهذا العام، أملًا بأن تساهم الأدلة الجديدة التي تم عرضها والتوصيات التي تم تقديمها في مجال السياسات في إيلاء مزيد من الاعتبار للأنماط الغذائية الصحية في الخطة العالمية لإعادة توجيه الدعم الغذائي والزراعي من أجل تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة وإحداث الأثر الذي يصب في مصلحة تحقيق الأهداف 3 (الصحة الجيدة والرفاه) و10 (الحد من أوجه انعدام المساواة) و12 (الاستهلاك والإنتاج المسؤولان) و13 (العمل المناخي) من جملة أهداف أخرى للتنمية المستدامة.

back to top عد إلى الأعلى