info
close
أفريقيا سوق فواكه محلية زاهية الألوان.
©Shutterstock.com/D.Cz.

حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022

الفصل 4 بيئة سياسات تجارة المنتجات الزراعية

العناوين الرئيسية
  • أدت بيئة السياسات التجارية الحالية في مجال الأغذية والزراعة، على النحو الذي حددته منظمة التجارة العالمية، إلى تثبيط الممارسات غير العادلة، وتقليل عدم اليقين، وتيسير التنسيق بين البلدان. ويوفر الإطار المتعدد الأطراف أيضًا أساسًا لاتفاقات التجارة الإقليمية. وساهم التحرير المتعدد الأطراف والإقليمي على حد سواء في توسيع نطاق التجارة العالمية.
  • يجري العمل على وضع اتفاقات تجارة إقليمية أعمق وأوسع نطاقًا يكون من شأنها معالجة مسألتي الوصول الى الأسواق والتقارب التنظيمي وتشمل قطاع الأغذية والزراعة. ولقد أثار ذلك مخاوف بشأن ما إذا كان التعاون المتعدد الأطراف يعاني من الضعف.
  • تؤدي اتفاقات التجارة الإقليمية إلى تحقيق مكاسب، بما في ذلك من خلال تعزيز سلاسل القيمة. ولكن قد تستبعد من عملية التكامل التجاري البلدان المنخفضة الدخل التي تتمتع بقدرات محدودة في مجال التفاوض على الأحكام التجارية المعقدة وتنفيذها. ويحقق إصلاح التجارة المتعددة الأطراف مكاسب أكبر على المستوى العالمي ويمثل السبيل الأكثر فعالية لتعزيز الوصول الى الأسواق وتحقيق النمو الاقتصادي للجميع.
  • يمكن معالجة العوامل الخارجية البيئية التي تولّدها التجارة من خلال السياسات التجارية التي تكمّلها الأنظمة الوطنية. وعندما تكتسي هذه العوامل الخارجية، مثل انبعاثات غازات الدفيئة، طابعًا عالميًا، لن تعود الإجراءات الأحادية الجانب أو حتى الإقليمية مجدية. ووحدها الاتفاقات المتعددة الأطراف قادرة على معالجة العوامل الخارجية البيئية على نطاق العالم بصورة فعالة، رغم صعوبة التفاوض بشأنها وتنفيذها. ويمكن للقواعد التجارية أن توسّع نطاق السياسات التي تراعي التكاليف الاجتماعية لمثل هذه العوامل الخارجية.

مشهد السياسات التجارية في قطاع الأغذية والزراعة

بدأت العولمة تتسع على نطاق العالم اعتبارًا من النصف الثاني من القرن العشرين مع تزايد عدد البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تشارك في الأسواق العالمية. ومنذ خمسينات القرن العشرين، أنشأت البلدان الأعضاء في الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة ومنظمة التجارة العالمية مزيدًا من العلاقات التجارية وأصبحت مترابطة بشكل أوثق من البلدان غير الأعضاء.ر‌ر، 250، 251 ولوحظ وجود أنماط مماثلة في تجارة المنتجات الغذائية والزراعية (انظر الجزء 1).

وفي الوقت نفسه، أصبح هيكل شبكة التجارة العالمية في المنتجات الغذائية والزراعية يتسم بمزيد من اللامركزية، وتزايدت التجارة داخل المجموعات الإقليمية أكثر منها بين هذه المجموعات. وتتشكل جغرافيا التجارة هذه بفعل الميزة النسبية والسياسات التجارية والتكاليف التجارية (انظر الجزء 2). وبشكل عام، تطوّرت العولمة والتوجّه نحو إضفاء الطابع الإقليمي بصورة متوازية وكمّل كل منهما الآخر. ومع أن البلدان تجتمع في إطار الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة/منظمة التجارة العالمية للتفاوض على قواعد التجارة العالمية، يتم استكمال هذه القواعد وتعزيزها في كثير من الأحيان من خلال اتفاقات التجارة الإقليمية.

المفاوضات المتعددة الأطراف في إطار الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة ومنظمة التجارة العالمية

كان الغرض من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة الذي تم وضعه في عام 1947 تعزيز التجارة من خلال خفض الحواجز أمامها، وإزالة السياسات التجارية التمييزية التي كانت سائدة منذ الحرب العالمية الأولى، وإنشاء إطار دولي منظم وشفاف يستفيد منه النمو والتنمية على المستوى العالمي.252 وقد عزز هذا النظام التجاري الذي ظهر بعد الحرب، التجارة والنمو الاقتصادي السريع في البلدان الصناعية بشكل أساسي. وطُبّقت قواعد الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة على الزراعة، ولكنها تضمنت شوائب كبيرة أسفرت عن اعتماد الحصص على الواردات ودعم الصادرات، وهما تدبيران لم يكن يسمح عادة للمصنعين باعتمادهما.253 وفي ظل قيام البلدان الثرية بحماية قطاعها الزراعي ودعمه، أصبحت الأسواق الزراعية العالمية مشوّهة للغاية، الأمر الذي أعاق الفرص التجارية المتاحة للمنتجين بتكاليف منخفضة في البلدان النامية. ولم يتم تضمين تجارة المنتجات الزراعية بشكل صريح في عملية تحرير التجارة إلا بعد مفاوضات جولة أوروغواي (1994-1986)، ودمج الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة في منظمة التجارة العالمية، ودخول اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة حيّز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 1995.

وأنشأ الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة /منظمة التجارة العالمية منتدى تقوم فيه البلدان بالاجتماع بشكل منتظم، وحلّ النزاعات، ورصد التغيّرات في السياسات التي تؤثر في التجارة.254 وأدّت إحدى القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، وهي مبدأ عدم التمييز، إلى أن تكون الأسواق العالمية أقل تشوّهًا.ش‌ش ولكن الأدلة على تأثير عضوية الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة /منظمة التجارة العالمية على تجارة البضائع متباينة، وعلى تجارة المنتجات الغذائية والزراعية نادرة.ت‌ت وتشير إحدى الدراسات إلى أن الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة /منظمة التجارة العالمية قد أدّى إلى زيادة التجارة في المنتجات الزراعية في البلدان الأعضاء بمقدار الضعف في الفترة بين 1980 و2004. ومع أنه لم يتم خفض التعريفات الجمركية المفروضة على الواردات في قطاع الأغذية والزراعة بقدر ما تم خفضها في قطاعات أخرى (انظر الشكل 2-4 في الجزء 2)، أدّى الحد من الإعانات الزراعية والتنسيق الذي أتاحه إطار منظمة التجارة العالمية إلى التخفيف من عدم اليقين ويمكن أن يكون قد ساهم في اتساع التجارة.255

ويشجّع إطار منظمة التجارة العالمية المنافسة أيضًا من خلال تثبيط الممارسات غير العادلة من قبيل الإعانات للصادرات وإغراق الأسواق بمنتجات تُباع بسعر أقلّ من سعرها الطبيعي لكسب حصة أكبر من السوق. ويشجّع هذا الإطار قابلية التنبؤ من خلال آليات ملزمة وشفافة، ويدعم البلدان الأقل تقدمًا من خلال منحها أحكامًا أكثر مرونة وفترات انتقالية للتكيّف معها، وفي حالة اتفاق تيسير التجارة، يقدم الدعم العملي لتنفيذ الاتفاق ويساهم في خفض التكاليف التجارية.256

وفي حين كان الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة يُعنى بشكل أساسي بتحسين الوصول إلى الأسواق من خلال خفض الحواجز أمام التجارة، قامت منظمة التجارة العالمية بتوسيع نطاقه وتعميقه بحيث يشمل السياسات المحلية («الداخلية») من قبيل التنظيم وحقوق الملكية الفكرية في عملية الإصلاح.257 ويتضمن الاتفاق بشأن الزراعة بشكل خاص، أحكامًا تتعلّق بالوصول إلى الأسواق والدعم المحلي والمنافسة في مجال التصدير وقواعد أخرى تتعلّق مثلًا بالموانع والقيود المفروضة على التصدير، كما أنه ينظر بشكل صريح في المعاملة الخاصة والتفاضلية للبلدان النامية. وتسمح اتفاقات منظمة التجارة العالمية للأعضاء باتخاذ إجراءات، ليس فقط لحماية الصحة العامة وصحة الحيوان والنبات، بل أيضًا لحماية البيئة (انظر الجزء 3).

ولا يجب أن تكون السياسات التنظيمية غير تمييزية فحسب، بل أن تتسم أيضًا بالشفافية وألا تقيّد التجارة من دون مبرر. ويجب أن تكون الأنظمة المتعلّقة بالتدابير غير التعريفية المتخذة بموجب الاتفاق بشأن الحواجز التقنية أمام التجارة والاتفاق بشأن تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية، والتي ينطبق العديد منها على المنتجات الغذائية والزراعية، مدعومة بالأدلة العلمية (في حالة تدابير الصحة والصحة النباتية) وتتبع الممارسات التنظيمية الجيدة. ويجب أن تستند الأنظمة في الوضع الأمثل إلى المعايير الدولية لضمان ألا تضع حواجز غير ضرورية أمام التجارة (انظر النقاش بشأن التكاليف التجارية في الجزء 2).258، 259

ومع أن اتفاقات منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك الاتفاق بشأن الزراعة، قد نجحت في تعزيز التجارة من خلال تحريرها وجعلها أكثر عدلًا وقابلية للتنبؤ، كان التقدم في تحسين هذه القواعد محدودًا. ولقد تعثّرت الجولة الأخيرة من المفاوضات المتعددة الأطراف، وهي جولة الدوحة التي تم إطلاقها في عام 2001، في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لأسباب عديدة، بما فيها تباين آراء الأعضاء المتفاوضين حول المسائل المتعلّقة بالزراعة (انظر الإطار 4-1).260، 261

الإطار 4-1الاقتصاد السياسي لحماية الأغذية والزراعة

تحمي الحكومات الزراعة لأسباب عديدة، ولكن ضمان الأمن الغذائي والمحافظة على مستوى معيّن من الدخل الزراعي الذي يواكب اتجاهات الدخل السائدة في قطاعات اقتصادية أخرى يجعلان سياسات تجارة المنتجات الزراعية والدعم المحلي أمرين دقيقين للغاية. ويحدد وضع الزراعة في التحوّل الهيكلي الجاري في بلد ما – أي إعادة توزيع الأنشطة الاقتصادية من الزراعة إلى الصناعة والخدمات لتعزيز النمو الاقتصادي – ملامح الطلب على الحماية وتوفيرها في مختلف مراحل عملية التنمية.

وتتراجع خلال عملية التحوّل الهيكلي الأهمية النسبية التي تكتسيها الزراعة كلّما زاد النمو الاقتصادي. وتعني زيادة نصيب الفرد من الإنتاجية الزراعية أن عددًا أقل من الناس يمكنهم إنتاج كمية أكبر من الأغذية. وينتقل العمال من الزراعة إلى القطاعات غير الزراعية التي تشهد نموًا سريعًا، مثل التصنيع والخدمات، بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل وبالتالي تتراجع حصة الزراعة من مجموع العمالة. ويزداد التوسع الحضري للمجتمع، وكلّما ازداد الناس ثراءً تدريجيًا كلما زاد استهلاكهم للسلع والخدمات المصنّعة وتباطأ الطلب على الأغذية. ويؤدي ذلك إلى انخفاض حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي نهاية عملية التحوّل، تكون حصة الزراعة في الاقتصاد صغيرة ونصيب الفرد من إنتاجيتها مشابهًا للقطاعات الأخرى.

ولقد استمر التحوّل الهيكلي في البلدان المرتفعة الدخل اليوم، لأكثر من 100 سنة. أما في بلدان أخرى مثل جمهورية كوريا، فقد استغرق التحوّل من اقتصاد قائم على الزراعة إلى اقتصاد قائم على الصناعة والخدمات، وقتًا أقل.343 ويشير الخبراء الاقتصاديون إلى أن حماية الزراعة ليس أمرًا فعالًا، بل يمكنه أن يعيق التحوّل الهيكلي في الاقتصادات التي تشهد نموًا سريعًا والتي تتمتع فيها القطاعات غير الزراعية بميزة نسبية. وبالفعل، تشير الأدلة إلى أن التجارة الحرة ساهمت في التحوّل الهيكلي الذي حدث في القرن التاسع عشر في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا، كما كانت معروفة آنذاك، ذلك أن الواردات الغذائية الأرخص ثمنًا قد سهّلت الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. وبين عامي 1965 و2015، سمحت الواردات الغذائية لجمهورية كوريا أيضًا بتحويل اقتصادها. ولو لم تقم البلاد بحماية قطاعها الزراعي، كان المستوى الأعلى من الواردات الغذائية قد سرّع وتيرة تحوّلها الهيكلي بدرجة أكبر.344

ولكن عندما لا تشهد القطاعات غير الزراعية نموًا سريعًا، يمكن أن يزيد التحوّل الهيكلي توزيع الدخل بين الاقتصادات الريفية والحضرية على حد سواء، ولا سيما حين تكون الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية متأخرة. وتطرح الزيادة البطيئة نسبيًا في المداخيل الزراعية أثناء عملية التحوّل الهيكلي تحديات اجتماعية كبيرة أمام واضعي السياسات. ومع أن الفقر المطلق يتراجع كلّما نما الاقتصاد، تولّد الفجوة المتزايدة بين مداخيل المناطق الريفية والحضرية توترات سياسية. وفي بعض الحالات، يمكن للفقر أن يزيد، لا سيما عندما ينمو الاقتصاد بوتيرة بطيئة ويجد الناس صعوبة في الخروج من القطاع الزراعي.

ويتمثل الحل في زيادة الاستثمارات، وتشجيع التعليم، واعتماد تدابير من شأنها أن تسمح لأسواق العمل بالعمل بشكل جيد، الأمر الذي يساعد الناس على الانتقال من القطاع الزراعي إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى. ولكن تستغرق هذه العملية بعض الوقت ولطالما تمثلت الاستجابة لهذه التحديات في حماية القطاع الزراعي من المنافسة الدولية وفي دعم المداخيل الزراعية.345 وعلى سبيل المثال، لم يكتمل دمج الزراعة في الاقتصاد غير الزراعي في الولايات المتحدة الأمريكية إلا في ثمانينات القرن العشرين.346 وبالفعل، يمكن النظر إلى السياسات التجارية عندما يتم تحليلها في سياق التحوّل الهيكلي، على أنها نتائج عملية سياسية تحقق التوازن بين تفضيلات الفئات الاجتماعية المختلفة.

واليوم، وفي ظل مضي البلدان النامية قدمًا على طريق التحوّل الهيكلي، تتزايد المطالبة بحماية الزراعة ودعم المزارعين تبعًا للفجوة في المداخيل بين المناطق الريفية والحضرية، وحجم القطاع الزراعي، والاعتبارات الخاصة بالفقر والأمن الغذائي. وفي هذا السياق، تمثل معالجة التوزيع غير المتكافئ للدخل بين المناطق الحضرية والريفية وضمان الأمن الغذائي باستخدام سياسات الدعم المحلي والتجارة، أمرًا صعبًا. وعلى سبيل المثال، أصبح استخدام الأسعار الموجّهة من جانب بعض البلدان النامية لبناء مخزونات حكومية من الأغذية لأغراض الأمن الغذائي، مسألة مثيرة للجدل.

وفي حين تؤكد بعض البلدان أن استخدام الأسعار الموجّهة هو أمر مشوّه للتجارة وأنه يجب بالتالي تحديده على هذا النحو بما يتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية، تعتبر بلدان أخرى ولا سيما تلك التي تطبق برامج كبيرة للمعونة الغذائية، أن ضوابط منظمة التجارة العالمية تقيّد مجموعة صكوكها السياساتية في مجال توفير السلع العامة وإعادة توزيع الدخل.347، 348

وتتغيّر التفضيلات الاجتماعية على طول مسار التنمية، مثلها مثل الطلب على السياسات. ويواجه واضعو السياسات الحاجة إلى إيجاد حلول لموازنة هذه التفضيلات، وتحقيق أهداف متعددة، ورفع التحديات العالمية. واليوم، يدرك الناس بشكل متزايد مدى ترابط الاقتصادات والبيئة والرفاه الاجتماعي، ويولون أهمية كبيرة لنتائج العولمة. وتولّد التجارة مثلها مثل الأنشطة الاقتصادية كافة، رابحين وخاسرين وقد يكون هذا الأثر كبيرًا. كما يمكنها أن تولّد تأثيرات بيئية أو اجتماعية سلبية غير مباشرة. وفي قطاع الأغذية والزراعة، تعالج السياسات التجارية والدعم المحلي مجموعة واسعة من الأهداف الاقتصادية في الغالب، ولكنها تُعتبر أيضًا من أدوات تحقيق منافع بيئية349 أو إتاحة أنماط غذائية صحية.350

وتعطي النقاشات الراهنة بشأن توظيف الدعم الزراعي والسياسات التجارية لأغراض أخرى، بعدًا إضافيًا للنقاش حول كيفية تسخير الأسواق العالمية من أجل المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة. غير أنه يمكن لاستخدام المجموعة الراهنة من الصكوك السياساتية المتعلّقة بالتجارة فقط أن يكون أمرًا مكلفًا وغير كاف لتحقيق جميع أهداف الاستدامة، لا سيما عندما لا تؤثر السياسات التجارية بشكل مباشر على مصدر التأثيرات غير المباشرة. ويجب مواجهة التحديات من قبيل التخفيف من آثار تغيّر المناخ أو تحسين التغذية، بواسطة سياسات محددة الأهداف تؤثر في الهامش ذي الصلة، أي بواسطة سياسات تؤثر بصورة مباشرة في الخيارات التي يقوم بها المنتجون والمستهلكون.351

واتفق الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على إلغاء إعانات الصادرات الزراعية خلال المؤتمر الوزاري للمنظمة الذي عُقد في نيروبي في عام 2015، ووضعوا اتفاق تيسير التجارة الذي دخل حيّز التنفيذ في فبراير/شباط 2017. ولكنّ المناقشات لا تزال جارية بشأن عدّة مجالات تتعلّق بالزراعة، مثل الوصول الى الأسواق، والتعامل مع الاحتفاظ بمخزونات حكومية من الأغذية، والدعم الزراعي المحلي. وأسفر حجم منظمة التجارة العالمية وتنوعها – كونها تشمل معظم بلدان العالم – المقترنان بالتحوّلات في القوة الاقتصادية بين الأعضاء، عن صعوبات في التوصل إلى توافق في الآراء خاصة وأن القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات قد أصبحت أكثر تعقيدًا، مثل المخاوف المتعلّقة بتأثير التجارة على الاستدامة البيئية والاجتماعية.262، 263

تزايد عدد اتفاقات التجارة الإقليمية

برزت اتفاقات التجارة الإقليمية بسرعة مع اصطدام المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف بحائط مسدود.264 ويمكن لهذه الاتفاقات التي تحدّ من عدد البلدان المعنية وتركّز على مصالحها الاستراتيجية، أن تكون أكثر استهدافًا ويمكن إبرامها بسهولة أكبر من المفاوضات المتعددة الأطراف التي يحول فيها العدد الكبير من البلدان المشارِكة وتباين وجهات النظر دون التوصل إلى توافق في الآراء. ومع أنّ منظمة التجارة العالمية اتخذت خطوات هامة لتحقيق التقارب الداخلي بين مختلف الأنظمة، يتوخى العديد من اتفاقات التجارة الإقليمية مستويات أعمق من التكامل بين البلدان الموقّعة عليها.265، 266

وفي حين ارتفع عدد اتفاقات التجارة الإقليمية المطبّقة بوتيرة سريعة (انظر الإطار 1-2)،267 زاد أيضًا العدد المتوسط للمجالات السياساتية التي تتناولها الأحكام (الملزمة قانونًا) الواردة في اتفاقات التجارة الإقليمية بشكل مطرد من حوالي 8 مجالات سياساتية في المتوسط في تسعينات القرن العشرين إلى أكثر من 17 مجالًا بين عامي 2010 و2015.268 ويبدو أن القطاع الزراعي بات مدرجًا بشكل متزايد في اتفاقات التجارة الإقليمية. وخلصت دراسة حديثة قامت بتحليل 54 اتفاقًا من اتفاقات التجارة الإقليمية، إلى أنه يتم التعامل تدريجيًا مع الزراعة مثلما يتم التعامل مع القطاعات الأخرى مع أن اتفاقات عديدة لا تزال تستثني بعض المنتجات الزراعية من الأحكام الخاصة.269 وفي الزراعة، يمكن لاتفاقات التجارة الإقليمية أن تسهّل تعزيز التكامل من خلال مواءمة التدابير غير التعريفية، بما في ذلك المعايير الفنية والمتعلّقة بسلامة الأغذية والأنظمة المحلية، في مجالات لم تحقق فيها المفاوضات المتعددة الأطراف تقدمًا كبيرًا بسبب تباين التفضيلات بشكل الكبير بين البلدان.270 ولكنّ اتفاقات التجارة الإقليمية لا تعالج عادة الدعم المحلي (المشوِّه ربما للتجارة) للزراعة.271

وتنطوي اتفاقات التجارة الإقليمية بطبيعتها، على تنازلات بين البلدان الموقعة عليها فيما تستبعد بلدانًا أخرى. ولقد أثار ذلك شواغل بشأن تآكل مبدأ عدم التمييز، وهو أحد المبادئ الأساسية لنظام التجارة المتعددة الأطراف التابع لمنظمة التجارة العالمية.ث‌ث، 272،273 وتعطي اتفاقات التجارة الإقليمية الأفضلية للأعضاء، الأمر الذي يمكنه أن يولّد مبادلات تجارية بين البلدان الموقّعة وأن يحوّل التجارة بعيدًا عن البلدان غير الموقّعة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نتائج غير كافية أو حتى إلى تجزئة التجارة العالمية ضمن كتل متنافسة، الأمر الذي يعيق التكامل العالمي.274، 275

ولقد أسفر تزايد عدد اتفاقات التجارة الإقليمية وتداخل العديد منها (انظر الإطار 4-3 مثلًا) عن ظهور ادعاء بإمكانية أن تشكل هذه الاتفاقات «ركائز أساسية» لإصلاح التجارة المتعددة الأطراف. ولكنه يمكن لهذا التداخل بين اتفاقات التجارة الإقليمية أن يطرح تحديات كبيرة أمام الامتثال والشفافية بسبب كثرة القواعد المتعلّقة بالتعريفات الجمركية والتدابير غير التعريفية وقواعد المنشأ،خ‌خ، 276 والتي يمكنها أن تختلف بين اتفاق وآخر وشريك تجاري وآخر ومنتج وآخر وأن تؤدي حتى إلى وجود معايير تنظيمية متضاربة بين مختلف الكتل التجارية، الأمر الذي يتسبب بارتفاع التكاليف التجارية.277، 278، 279، 280 وإن التفاوض على اتفاقات التجارة الإقليمية وتنفيذها يتطلب موارد كثيرة قد تكون بعيدة عن متناول العديد من البلدان.281

ووجدت الدراسات أدلة متباينة على تأثير اتفاقات التجارة الإقليمية على التجارة.282، 283 وخلصت دراسة أجرت تحقيقًا في الآثار المترتبة عن اتفاقات التجارة الإقليمية على تجارة المنتجات الزراعية بالاستناد إلى أكثر من 60 اتفاقًا، إلى أن المبادلات التجارية بين البلدان الموقّعة زادت في قطاع الزراعة أكثر منها في القطاعات غير الزراعية. وعزى المحللون السبب في ذلك إلى المكاسب الأكبر التي تتحقق جراء تحرير التجارة نظرًا إلى المستوى الأعلى من الحماية الموجود في الزراعة قبل دخول اتفاق التجارة الإقليمية حيّز التنفيذ. ولوحظ أن الآثار اختلفت أيضًا بين اتفاقات محددة وكانت متوقفة على طول الفترات المرحلية.284

ويتوقف تأثير اتفاقات التجارة الإقليمية على التجارة، على الأحكام التي ينص عليها الاتفاق وخصائص البلدان المعنية.285 ولم تعُد الاتفاقات التجارية الحديثة تشدد على الوصول الى الأسواق بل باتت تركّز على القضايا التنظيمية الداخلية، بما في ذلك تنسيق السياسات المحلية بالمعنى الأوسع.286، 287 ويسعى العديد من اتفاقات التجارة الإقليمية إلى تحقيق تكامل أكبر من خلال تجاوز نطاق خطط تحرير التجارة السطحية التقليدية. وتتسم هذه الاتفاقات في الكثير من الأحيان بقدر أكبر من التعقيد ذلك أنها تسعى إلى تحقيق أهداف اقتصادية وإضافة أحكام تستهدف النتائج الاجتماعية والمتعلّقة بالاستدامة البيئية (انظر الجزء 3).288، 289

وهناك أدلة متباينة على ما يترتب عن اتفاقات التجارة الإقليمية العميقة من آثار على التجارة. إذ تشير إحدى الدراسات إلى أنه يمكن للاتفاقات التجارية الأعمق أن تولّد مزيدًا من المبادلات التجارية وهناك احتمال أقل أن تحوّل مسار التجارة مقارنة بالاتفاقات الإقليمية التقليدية وذلك بفضل التحسينات في السياسات المحلية مثل سياسات المنافسة والمؤسسات التي لها أهمية خاصة في سلاسل القيمة العالمية.290 ويشير تحليل للآثار الناجمة عن الاتفاقات التجارية الأعمق في مجموعة من 96 بلدًا خلال الفترة 2014-2002 إلى أنه يمكن لتجارة البضائع بين البلدان الموقّعة أن تزيد بنسبة تصل إلى 44 في المائة، وهذه نسبة أعلى بكثير من تلك التي تسجّلها الاتفاقات التجارية السطحية التقليدية التي تستند إلى التعريفات التفضيلية فقط. ويلاحظ أنه يتم التعويض عما يترتب عن التعريفات التفضيلية من مفعول محوّل لمسار التجارة بفضل التغيّرات في الأنظمة المعتمدة في البلدان الموقّعة والتي تعزز المنافسة وتحسّن الإجراءات الجمركية، الأمر الذي يعود بالنفع على البلدان غير الموقّعة أيضًا.291، 292 وفي حين أن الأحكام التجارية الواردة في اتفاقات التجارة الإقليمية والتي تشكل أيضًا جزءًا من ولاية منظمة التجارة العالمية والأحكام التي تحسّن الجودة المؤسسية هي عادة معززة للتجارة، قد لا تكون هذه الحال بالنسبة إلى الأحكام الأعمق التي تتجاوز نطاق منظمة التجارة العالمية.293 وهناك أيضًا مخاوف بشأن الآثار المترتبة على الرفاه والناجمة عن المصالح الخاصة ومجموعات الضغط التي تشارك في المفاوضات بشأن اتفاقات التجارة الإقليمية الأعمق (الإطار 4-2).

الإطار 4-2اتفاقات التجارة العميقة

سمح إنشاء منظمة التجارة العالمية في عام 1995 بخفض مستوى التعريفات الجمركية، وتعزيز التجارة، وتوفير مجموعة من القواعد التي حددت ملامح نظام التجارة الدولية. وسُجّلت زيادة ملحوظة في عدد اتفاقات التجارة الإقليمية إلى جانب العملية الرامية إلى تحرير التجارة، الأمر الذي أثار المخاوف بشأن مستقبل تعددية الأطراف (انظر الإطار 1-2 والشكل 1-12 في الجزء 1). وتسارع تحرير التجارة مع تركيز معظم اتفاقات التجارة الإقليمية على الوصول الى الأسواق وخفض التعريفات الجمركية على الواردات بين البلدان الموقعة. وآنذاك، تجاوز عدد قليل فقط من الاتفاقات، مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية التي تم توقيعها في عام 1994، مسألة الوصول الى الأسواق وشمل القضايا البيئية والمتعلّقة بالعمالة. وتذهب الاتفاقات التجارية الحديثة إلى ما هو أبعد من الوصول الى الأسواق وتهدف إلى تعزيز التكامل التجاري، مع التركيز على مواءمة التدابير غير التعريفية والأنظمة المحلية.

وإن الأسباب الكامنة وراء هذا التحوّل من الاتفاقات التجارية السطحية نسبيًا إلى الاتفاقات الأعمق، متعددة الجوانب. فقد تعتقد البلدان أن المكاسب التي تحققها الاتفاقات التجارية التقليدية قد استنفدت بعد عقود من العولمة التدريجية. وعندما تتسم سلاسل القيمة العالمية بالأهمية، يمكن لاتفاقات التجارة الأعمق أن تخفض التكاليف التجارية المتعلّقة بالامتثال لمعايير متعددة ومختلفة. ويتمثل اعتبار مهم آخر في تزايد مستوى وعي المستهلكين بما يترتب عن خياراتهم الشرائية من آثار على البلدان الأجنبية. ويؤدي تزايد المخاوف البيئية والاجتماعية إلى تطبيق معايير صارمة تتعلّق بالبيئة والعمالة على المنتجات المحلية التي قد تواجه منافسة أجنبية من الواردات الآتية من بلدان تطبق معايير أدنى (انظر الجزء 3). وقد توقّع البلدان اتفاقات تجارة أعمق لتيسير الإصلاحات الاقتصادية المحلية.352

وتحوّل اتفاقات التجارة الأعمق الانتباه إلى التدابير غير التعريفية وتعزز بشكل عام مواءمة الممارسات والعمليات بين البلدان الموقّعة بهدف خفض التكاليف التجارية.353 وتذهب هذه الاتفاقات إلى «داخل الحدود» وتعزز التعاون في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الاستثمار، وتيسير التجارة، والمعايير، وسياسة المنافسة، والقضايا البيئية، وحقوق العمال، وغيرها. وبهذه الطريقة، فإنها تزيد مجالات اختصاص منظمة التجارة العالمية أو توسّع نطاقها إلى ما هو أبعد من مجموعة قواعد المنظمة. وتنشئ بعض الاتفاقات الحديثة مؤسسات من شأنها الإشراف على تنسيق الوكالات التنظيمية في البلدان الموقّعة، مثل منتدى التعاون التنظيمي التابع للاتفاق الاقتصادي والتجاري الشامل بين الاتحاد الأوروبي وكندا (انظر الجزء 3 أيضًا). ولقد أثارت اتفاقات التجارة الأعمق في بعض الحالات معارضة شعبية قوية بسبب تأثيرها على السياسات المحلية، وتستكشف دراسة حديثة كيف ولّدت الصدمات التي أحدثتها العولمة شعورًا مضادًا للتجارة ودفعت الناخبين إلى معارضة انفتاح التجارة.354

وليس هناك أدلة كثيرة على ما يترتب على اتفاقات التجارة الأعمق في قطاع الأغذية والزراعة من آثار على الرفاه في العالم. ومع ذلك، يصعب قياس الآثار التي تتركها اتفاقات التجارة العميقة على الرفاه. وقد تفتقر بلدان عديدة منخفضة الدخل إلى القدرة على المشاركة في مفاوضات معقدة وعلى إصلاح السياسات المحلية، وتطوير أدوات التنفيذ، واستيفاء المعايير التنظيمية الخاصة بالاقتصادات المتقدمة.

وتتسم عملية المفاوضات بشأن التدابير غير التعريفية، مثل المعايير، بالأهمية أيضًا. فتميل المفاوضات المتعلّقة بالاتفاقات التجارية السطحية التي تركّز على الوصول الى الأسواق إلى تبديد تأثير المصالح الخاصة، ذلك أن مجموعات الضغط لصالح المصدّرين تعمل كقوة معاكسة لمجموعات الضغط المتنافسة على الواردات. ويمكن أن يسفر ذلك عن زيادة في الرفاه. أما في ما يتعلّق باتفاقات التجارة الأعمق، فيستحق مدى تواؤم المصالح الخاصة بين البلدان الموقّعة اهتمامًا خاصًا. فعندما تعزز اتفاقات التجارة العميقة التقارب بين معايير المنتجات، تتوقف النتيجة على ما إذا كانت المصالح الخاصة في البلدان الموقّعة متوائمة أو متعارضة. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون مصالح القطاع الصناعي متوائمة بين البلدان ذلك أن الشركات تستفيد من وجود قدر أقل من التنظيم، ما قد يخلّف آثارًا سلبية على الرفاه.355، 356 ويشير المحللون إلى أن مشاركة المجموعات ذات المصالح الخاصة في المفاوضات بشأن شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي (التي انتهت من دون التوصل إلى اتفاق)، اختلفت جدًا عن مشاركتها في الاتفاقات التجارية التقليدية.357

ولا تزال الزراعة تعتبر قطاعًا مثيرًا للخلاف عندما يتعلّق الأمر بالمفاوضات التجارية. وتساعد علاقتها المباشرة بالأمن الغذائي، وسلامة الأغذية، والصحة، والثقافة، والتراث، على تفسير السبب في ذلك. وبالإضافة إلى الآثار المترتبة على تكاليف الإنتاج، تثير الاختلافات في المعايير الخاصة بالأغذية والزراعة مخاوف بشأن جودة الأغذية وسلامتها في البلدان المستوردة.

وعلى سبيل المثال، يشير تحليل الملاحظات المقدمة إلى المشاورات مع الممثل التجاري للولايات المتحدة الأمريكية في سياق المفاوضات بشأن شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي إلى أن المفاوضات كادت تخلو من المعارضة من جانب مصالح القطاع الصناعي، ولم يظهر الخلاف سوى في ما يتعلّق بالزراعة حيث لم تكن مصالح الأعمال التجارية متوائمة.358

وتبرز النقاشات الجارية بشأن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية بعد خروج هذه الأخيرة من الاتحاد الأوروبي، تباين وجهات النظر بشأن المعايير المطبقة في قطاع الأغذية والزراعة. فقد أعرب المنتجون والمستهلكون البريطانيون عن قلقهم إزاء إمكانية السماح بالواردات الغذائية والزراعية الآتية من منتجين يطلب منهم استيفاء أنظمة أقل صرامة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتعلّق هذه المخاوف بتكاليف الإنتاج وجودة الأغذية وسلامتها. ومن جهتهم، يعتبر المنتجون الأمريكيون أن الأنظمة الإضافية تمثل عبئًا غير ضروري وغير مبرر على عمليات الإنتاج التي يضطلعون بها.359

وقبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كانت معظم احتياجاتها إلى استيراد لحم الخنزير والدواجن تلبّى من جانب البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتشكل إمكانية التزوّد بالدواجن من الولايات المتحدة الأمريكية لسد فجوات الاستيراد مثالًا على مخاوف المنتجين والمستهلكين. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يُلزم المنتجون بمعالجة الدجاج بغسول مضاد للميكروبات، يعرف أيضًا بعلاج خفض العوامل الممرضة، من أجل القضاء على العوامل الممرضة الضارة المحتملة. وثمة مخاوف من أن هذه الممارسة لا تشجع على اعتماد معايير عالية على طول سلسلة الإمداد بما أن الغرض من الغسل في المرحلة النهائية هو ضمان سلامة الأغذية. ويمكن أن يؤدي ذلك، ومعه وفورات الحجم، إلى تخفيض تكاليف الإنتاج.360 وفي حين أنه يمكن أن تترتب عن واردات الدجاج من الولايات المتحدة الأمريكية آثار سلبية على مداخيل المزارعين، سيستفيد المستهلكون البريطانيون من تدني أسعار الدجاج. ومع ذلك، يعتبر هؤلاء المستهلكون أن الدجاج المستورد من الولايات المتحدة الأمريكية ذو جودة متدنية ولديهم مخاوف بشأن استهلاك دجاج معالج بغسول مضاد للميكروبات. ويُعدّ الغسل بمضادات الميكروبات ممارسة آمنة غير أنه يمكن لضمان سلامة الأغذية من خلال نقطة رقابة واحدة في سلسلة القيمة أن يعرّض المستهلكين لمخاطر تتعلّق بسلامة الأغذية في حال لم تكن هذه الرقابة ناجحة.361

ويبدو أن مدى تفاوض الحكومات على الاتفاقات التجارية الشاملة والأعمق يرتبط بشكل إيجابي بمستوى تنميتها الاقتصادية – فكلّما كان البلد أغنى، كلما كانت الاتفاقات التجارية التي يبرمها أعمق. وتكون اتفاقات التجارة الإقليمية أعمق أيضًا عندما يكون عدد أكبر من الأعضاء في منظمة التجارة العالمية منخرطين في هذه الاتفاقات ذلك أن الأحكام الواردة في هذه الأخيرة تستند عادة إلى سياسات منظمة التجارة العالمية القائمة. وبالفعل، يبدو أن الأعضاء في منظمة التجارة العالمية لا يستخدمون اتفاقات التجارة الإقليمية لتقويض القواعد أو التحايل عليها، بل للبناء على السياسات المشجّعة للتجارة الراسخة في النظام المتعدد الأطراف.294، 295

back to top عد إلى الأعلى