حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022

الفصل 2 الدوافع الأساسية لتجارة المنتجات الغذائية والزراعية

تحليل تأثير الميزة النسبية وتكاليف التجارة

يساعد تحليل التفاعل بين الميزة النسبية والسياسات التجارية وتكاليف التجارة في محاولة حل «الأحجية» المتعلقة بما يُفقد في تجارة المنتجات الغذائية والزراعية. لماذا تعتبر كثافة التجارة في المصنوعات أعلى منها في الزراعة؟ ولماذا لا تنخرط البلدان المنخفضة الدخل في تجارة المنتجات الغذائية والزراعية مثل الاقتصادات المرتفعة الدخل؟ ويمكن أن تساعد الإجابة عن هذه الأسئلة في تفسير سبب ممارسة بعض الأقاليم التجارة أكثر من غيرها وتوضيح كيفية اختيارها لشركائها التجاريين. ويمكن أن يلقي ذلك أيضًا مزيدًا من الضوء على القضايا المتعلقة بالتنمية الزراعية والتحول الهيكلي للاقتصاد.

ويُعدّ تقييم كيفية تغلب الميزة النسبية على الحواجز التي تفرضها السياسات التجارية والتكاليف وكيفية تشكيلها للتدفقات التجارية أمرًا معقدًا. وتساعد دراسة النمذجة الاقتصادية القياسية التي تم إجراؤها لأغراض هذا التقرير في شرح كيفية تحديد تجارة المنتجات الغذائية والزراعية في سوق يشمل العديد من البلدان، وتقوم بالكشف عن تأثير الميزة النسبية، وتقدير تكاليف التجارة، وعرض جغرافيا التجارة.ر ، 112

وبشكل محدد أكثر، تقدم دراسة النمذجة تقديرات للدوافع الرئيسية لتجارة المنتجات الغذائية والزراعية، وهي: (1) القدرة التنافسية لبلد ما التي تنعكس في ميزته المطلقة في الإنتاجية الزراعية لكل عامل معدلة بتكاليف المدخلات؛ (2) وتأثير الميزة النسبية الذي يظهر من خلال عدم تجانس التكنولوجيا والإنتاجية الزراعية لكل عامل عبر البلدان والأقاليم؛ (3) وتكاليف التجارة الثنائية التي تشمل، بالنسبة إلى كل زوج من البلدان، التكاليف المباشرة وغير المباشرة مثل التعريفات الجمركية، والتدابير غير التعريفية، وتكاليف النقل والتوثيق، وعوامل أخرى مثل اللغة المشتركة أو وجود حدود مشتركة أو المشاركة كأحد أطراف اتفاق تجارة إقليمي (انظر الإطار 2-4 لمناقشة النموذج الاقتصادي القياسي).

الإطار 2-4نماذج الجاذبية الهيكلية والمحركات الأساسية للتجارة

تستند النماذج الاقتصادية القياسية إلى النظرية الاقتصادية وتعتمد على الاستدلال الإحصائي المطبق على البيانات المتاحة. وشكّل نموذج الجاذبية العمود الفقري لتحليلات التجارة التجريبية منذ بداية ستينات القرن الماضي.140 وهو يقوم في شكله الأساسي على الفكرة القائلة بأن تدفقات التجارة الثنائية تتناسب مع الكتلة الاقتصادية للبلدان (عدد السكان والناتج المحلي الإجمالي) وترتبط عكسيًا بالمسافة (التي تعتبر مؤشرًا بديلًا للحواجز التجارية)، تمامًا مثل قانون نيوتن للجاذبية الكونية الذي تم اشتقاق اسم النموذج منه. وتحدد نماذج الجاذبية الهيكلية الحديثة تأثيرات المحركات الأساسية للتجارة. ويعتمد حدس نماذج الجاذبية الهيكلية على مدى قدرة البلدان التي تتمتع بإنتاجية أعلى نسبيًا وبتكاليف مدخلات منخفضة على التغلب على تكاليف التجارة والقيام بتصدير منتجاتها. ويصوّر النموذج العلاقة بين التدفقات التجارية الثنائية والأسعار النسبية والمؤشرات البديلة لكلفة التجارة لكل زوج من الشركاء التجاريين ويقوم بتقدير مجموعة من المؤشرات التي تساعد في الكشف عن الدوافع الأساسية للتجارة. وتتمثل هذه الدوافع في ما يلي:

القدرة التنافسية والميزة المطلقة: تعكس القدرة التنافسية في السوق العالمية، بالنسبة إلى كل بلد، إنتاجيته لكل عامل – والتي تشكّل ميزته المطلقة - معدلة بتكاليف المدخلات. ويعتبر البلد الأكثر قدرة على المنافسة مصدرًا أرخص للمنتجات الغذائية والزراعية ويمكنه التغلب بشكل أفضل على تكاليف التجارة.

الميزة النسبية: في إطار النمذجة، تنعكس الميزة النسبية من خلال عدم التجانس المقدّر أو التباين في المستويات النسبية للإنتاجية الزراعية لكل عامل عبر البلدان. وعندما تكون مستويات الإنتاجية لكل عامل متشابهة بين البلدان، تكون الفروق في الأسعار ضئيلة وإمكانية الربح من التجارة محدودة، ذلك أن كلفة فرصة الإنتاج على المستوي المحلي قد لا تختلف عن الأماكن الأخرى. ولا يوجد، نتيجة لذلك، حافز للتجارة. وبعبارة أخرى، يمكن للتجارة بالنسبة إلى بلد ما أن توسع مجموعة مستويات الإنتاجية، وبالتالي الأسعار، التي توفرها البلدان الأخرى، وفي حال لم تكن الأسعار مختلفة عبر البلدان، فإن التدفقات التجارية لن تكون كبيرة. وبالتالي، كلما زاد التباين في الإنتاجية النسبية لكل عامل وللأسعار عبر البلدان، كلما أصبح تأثير الميزة النسبية أقوى وزاد حجم التجارة. وفي إطار النمذجة، يمكن قياس تأثير الميزة النسبية على المستويين العالمي والإقليمي.

تكاليف التجارة والانفتاح: يمكن أن تؤدي تكاليف التجارة بالنسبة إلى كل بلد إلى تآكل قدرته التنافسية في السوق العالمية. ويمكن لتكاليف التجارة أيضًا أن تقلل جزئيًا من تأثير الميزة النسبية. وفي النموذج، يتم تقدير تكاليف التجارة لكل زوج من الشركاء التجاريين باستخدام مستويات الأسعار. وكلما ارتفعت تكاليف التجارة، كلما زاد تأثير الميزة النسبية (وكلما زادت اختلافات الأسعار) الضرورية لجعل التجارة ممكنة. ويمكن أيضًا تقدير مؤشر الانفتاح على التجارة لكل بلد بناءً على موقعه ومتوسط مستوى الأسعار فيه.

ويدعم التحليل الاقتصادي القياسي المستند إلى بيانات الفترة 2018-2017 حول تدفقات التجارة الثنائية بين 112 بلدًا في العالم و321 منتجًا غذائيًا وزراعيًا، المفهوم البديهي المذكور أعلاه. وعلى سبيل المثال، يوضح الشكل 2-5 العلاقة بين الواردات الثنائية والأسعار النسبية بين الشركاء التجاريين. وتقيس الأسعار النسبية بين الشركاء التجاريين قدرتهم التنافسية النسبية، ولكن نظرًا لتوزع مواقع البلدان عبر الفضاء الجغرافي، فإنها تعكس أيضًا تكاليف التجارة المترتبة على المسافة والعوامل الأخرى. وكلما ارتفع السعر النسبي بين الجهة المصدّرة والمستوردة، كلما انخفض تدفق التجارة الثنائية، وذلك إما لأن الجهة المصدّرة غير قادرة على المنافسة أو لأنها تواجه تكاليف تجارية أعلى.

الشكل 2-5التدفقات التجارية الثنائية والأسعار النسبية

ملاحظة: يتم احتساب الواردات الثنائية على أنها حصة الاستيراد بعد المعايرة، وهي حصة الجهة المصدّرة في سوق الجهة المستوردة، مقارنة بحصة الجهة المصدرّة في السوق المحلية. وتشير القيمة الأعلى لحصة الاستيراد بعد المعايرة إلى زيادة كثافة التجارة بين الجهتين المصدّرة والمستوردة. وتوضح الأسعار النسبية مستويات الأسعار في البلد المستورد إذا قرر استيراد المتطلبات الغذائية والزراعية كافة من جهة مصدرّة معينة، وذلك بالنسبة إلى مستوى السعر المحلي الفعلي للجهة المستوردة.
المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.
ملاحظة: يتم احتساب الواردات الثنائية على أنها حصة الاستيراد بعد المعايرة، وهي حصة الجهة المصدّرة في سوق الجهة المستوردة، مقارنة بحصة الجهة المصدرّة في السوق المحلية. وتشير القيمة الأعلى لحصة الاستيراد بعد المعايرة إلى زيادة كثافة التجارة بين الجهتين المصدّرة والمستوردة. وتوضح الأسعار النسبية مستويات الأسعار في البلد المستورد إذا قرر استيراد المتطلبات الغذائية والزراعية كافة من جهة مصدرّة معينة، وذلك بالنسبة إلى مستوى السعر المحلي الفعلي للجهة المستوردة.

القدرة التنافسية والميزة المطلقة

يمكن لبلد ما يتمتع بتكنولوجيا أفضل وموارد طبيعية وفيرة، مثل الأراضي والمياه، أن يكون أكثر إنتاجية وأن يتمتع بميزة مطلقة. ويحدد ذلك، إلى جانب تكاليف المدخلات، قدرته التنافسية. ويعني ارتفاع الإنتاجية لكل عامل وانخفاض تكاليف المدخلات أنه بإمكان ذلك البلد أن يكون أكثر قدرة على المنافسة في سوق المنتجات الغذائية والزراعية في العالم (انظر الشكل 2-6).

الشكل 2-6القدرة التنافسية للبلدان في السوق العالمية للمنتجات الغذائية والزراعية، 2018

المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة. مطابق للخريطة رقم 4170 Rev.19 للأمم المتحدة (أكتوبر/تشرين الأول 2020).
ملاحظة: يعتبر مؤشر القدرة التنافسية تقديرًا اقتصاديًا قياسيًا. ويُعدّ البلد الأكثر قدرة على المنافسة مصدرًا أرخص للمنتجات الغذائية والزراعية.
المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة. مطابق للخريطة رقم 4170 Rev.19 للأمم المتحدة (أكتوبر/تشرين الأول 2020).

وتشير التقديرات إلى أن البلدان المرتفعة الدخل، مثل كندا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، من ضمن أكثر البلدان قدرة على المنافسة في سوق المنتجات الغذائية والزراعية في العالم. وتشير التقديرات إلى أن الاقتصادات الناشئة، مثل الأرجنتين والبرازيل والصين والهند وإندونيسيا وماليزيا والاتحاد الروسي وجنوب أفريقيا، أكثر قدرة على المنافسة أيضًا. أماالبلدان الأقل قدرة على المنافسة، فهي عادة من البلدان المنخفضة الدخل أو المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، مثل كابو فيردي وغامبيا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وبنغلاديش وميانمار في آسيا، على سبيل المثال.

وتؤكد هذه النتائج أهمية التكنولوجيا والإنتاجية الزراعية لكل عامل في تحديد القدرة التنافسية. وتعتبر البلدان المنخفضة الدخل التي تتصف بتدني معدلات الإنتاجية الزراعية وارتفاع تكاليف المعاملات التي تثبط تبني التكنولوجيا فيها، في المتوسط، من ضمن أقل البلدان تنافسية في السوق العالمية.

ويُعتبر دور الثروات الطبيعية والجغرافيا في تحديد معالم الإنتاجية والقدرة التنافسية واضحًا أيضًا. وتبيّن أن بلدانًا مرتفعة الدخل، مثل فنلندا والنرويج، مع مناطق واسعة تقع في شمال الدائرة القطبية الشمالية، أقل قدرة على المنافسة في سوق المنتجات الغذائية والزراعية في العالم. وتُعدّ الدول الجزرية الصغيرة النامية، مثل أنتيغوا وبربودا وفانواتو، أقل قدرة على المنافسة أيضًا بسبب ندرة الموارد الطبيعية فيها. وتُعتبر البلدان النامية غير الساحلية، حيث يحول الموقع الجغرافي دون الاندماج في السوق العالمية، من ضمن أقل البلدان تنافسية أيضًا.

وقد تكون النتيجة اللافتة والتي تربط الجغرافيا بالتجارة هي أن البلدان غير الساحلية تعتبر من بين أقل الجهات التي تقوم بالتجارة قدرة على المنافسة في المنتجات الغذائية والزراعية في ثلاثة أقاليم في العالم. ويبدو أن جمهورية أفريقيا الوسطى هي الأقل قدرة على المنافسة في أفريقيا؛ في حين تشمل البلدان الأقل قدرة على المنافسة في آسيا أرمينيا وبوتان ومنغوليا ونيبال؛ وفي أوروبا، البوسنة والهرسك.

ورغم التحسينات التي طرأت على قطاع النقل، تتخلف البلدان غير الساحلية عن البلدان البحرية المجاورة على صعيد النمو الاقتصادي والتجارة. وبالنسبة للأغذية والزراعة، قد يعكس ذلك معدلات منخفضة لنقل المعرفة والتكنولوجيا. وفي حين أنه يمكن عزو ذلك إلى بُعد البلدان غير الساحلية عن الساحل وتكاليف النقل ذات الصلة، إلا أن بعض الباحثين يرون أن اعتماد البلدان غير الساحلية على البنية التحتية لجيرانها وعلى ممارساتها الإدارية يعتبر من العوامل الهامة أيضًا.113

الميزة النسبية

في حين تقوم الإنتاجية الزراعية لكل عامل وتكاليف المدخلات بتحديد القدرة التنافسية والميزة المطلقة اللتين تعكسان حالة التكنولوجيا والموارد المتوفرة في كل بلد، إلا أن تباين الإنتاجية الزراعية لكل عامل عبر البلدان هو الذي يكشف عن تأثير الميزة النسبية. فكلما زاد التباين في الإنتاجية عبر البلدان، كلما أصبح تأثير الميزة النسبية أقوى وزاد حجم التجارة.

وتسلّط نتائج عملية النمذجة الاقتصادية القياسية التي أُجريت لأغراض هذا التقرير الضوء على دور الميزة النسبية في تحديد التدفقات التجارية. وبالنسبة إلى سوق المنتجات الغذائية والزراعية في العالم، حيث تتنافس جميع البلدان، بلغ التباين في الإنتاجية الزراعية النسبية لكل عامل، والمقدّر على أنه انحراف معياري نسبي، 18.3 في المائة (الجدول 2-2).ش وهو يعتبر أعلى من الانحراف المعياري البالغ 15 في المائة والمقدّر لجزء كبير من تجارة المصنوعات العالمية، مما يشير إلى أن تأثير الميزة النسبية في الأغذية والزراعة أكبر منه في القطاعات غير الزراعية. لكن رغم التأثير الأقوى للميزة النسبية في الأغذية والزراعة مقارنة بالمصنوعات، إلا أن كثافة التجارة في الأغذية والزراعة أقل.ت

الجدول 2-2قوة الميزة النسبية في أسواق المنتجات الغذائية والزراعية

المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.
ملاحظة: يعتبر الانحراف المعياري للإنتاجية الزراعية لكل عامل تقديرًا اقتصاديًا قياسيًا.
المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.

وتوجد اختلافات ملحوظة في تأثير الميزة النسبية عبر الأقاليم. وعلى سبيل المثال، يبلغ الانحراف المعياري المقدّر للإنتاجية الزراعية لكل عامل في أوروبا 22.5 في المائة. ويشير ذلك إلى أن الميزة النسبية تمارس تأثيرًا قويًا على التجارة داخل الإقليم. وتعتبر قوة الميزة النسبية في آسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي أقل نسبيًا. وتبلغ التقديرات الخاصة بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 15 في المائة، ويدل ذلك على أن تباين مستويات الإنتاجية الزراعية لكل عامل عبر بلدان الإقليم منخفض نسبيًا، مما يشير إلى ضعف تأثير الميزة النسبية في تشكيل التدفقات التجارية داخل الإقليم بين بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ولا يقتصر الأمر على تدني مستوى الميزة المطلقة لبلدان الإقليم مما يعكس انخفاض الإنتاجية لكل عامل (انظر الشكل 2-6)، وإنما يعتبر تباين مستويات هذه الإنتاجية قليلًا أيضًا. ويؤدي ذلك إلى تقليص دور الميزة النسبية في تحديد معالم التجارة داخل الإقليم، كما أنه يوفر، في المتوسط، القليل من الحوافز لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى للتجارة مع بعضها البعض.

وتتوافق هذه النتائج الخاصة بتأثير الميزة النسبية ضمن الأقاليم مع النتائج المتعلقة بمجموعات التجارة الإقليمية التي جرت مناقشتها في الجزء 1، والتي أشارت إلى تسجيل زيادة نسبية في التجارة بين البلدان الواقعة في نفس الإقليم باستثناء أفريقيا (انظر أيضًا الشكل 1-10).

تكاليف التجارة والانفتاح

تضاف تقديرات تكاليف تجارة المنتجات الغذائية والزراعية، إلى جانب القدرة التنافسية والميزة النسبية، إلى تحليل الدوافع الأساسية للتجارة. وتشير نتائج عملية الاقتصاد القياسي إلى الدور الهام للمسافة: ففي ظل تساوي العوامل الأخرى التي تزيد من تكاليف التجارة، تواجه التجارة بين البلدان التي يفصل بينها أكثر من 000 6 ميل حاجزًا تجاريًا أعلى بنسبة 100 في المائة من الحاجز القائم بين البلدان التي تجمعها حدود مشتركة أو الواقعة على مقربة من بعضها البعض (يفصلها ما لا يزيد عن 375 ميلًا).

ولا يزال دور المسافة الجغرافية في زيادة تكاليف تجارة المنتجات الغذائية والزراعية هامًا رغم التحسينات في تكنولوجيا النقل واعتماد التكنولوجيا الرقمية التي تسمح للتجار حول العالم بالحصول على معلومات معززة عن المنتجات. ولم تؤد الرقمنة إلى «القضاء على المسافة»؛ غير أنه توجد بعض الأدلة على تأثيرها على تجارة البضائع. واستنادًا إلى المعلومات المتاحة عبر شبكة الإنترنت وخارجها على حد سواء، تشير إحدى الدراسات إلى أنه رغم انخفاض التدفقات التجارية مع المسافة، إلا أن المسافة قد تعتبر أقل أهمية عبر الإنترنت.114 ، 115

وتُعتبر تكاليف التجارة الثنائية بالمنتجات الغذائية والزراعية كبيرة (الشكل 2-7). وعلى سبيل المثال، تبلغ كلفة التجارة بحسب القيمة المكافئة لاستيراد الأغذية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أستراليا - وهما بلدان مرتفعا الدخل يقعان في إقليمين مختلفين - 115 في المائة. وتخضع واردات أوغندا من إثيوبيا – وهما بلدان منخفضا الدخل ومتجاوران - لكلفة تجارية تبلغ نسبة 383 في المائة بحسب القيمة المكافئة. وتعكس هذه التقديرات تكاليف التجارة كافة، بما في ذلك التعريفات الجمركية والتكاليف الناشئة عن التدابير غير التعريفية والتكاليف الأخرى، مثل النقل أو التأخير عند الحدود. وهي تأخذ في الاعتبار أيضًا المسافة، والاختلافات في المؤسسات التي تنظم التجارة، وكفاءة إجراءات التصدير والاستيراد بين الحدود أو ما إذا كانت الجهات الشريكة في التجارة هي من الجهات الموقّعة على اتفاق تجاري واحد.

الشكل 2-7تكاليف التجارة الثنائية وفقًا لتصنيف البلدان حسب مستوى الدخل، وشركاء تجاريون مختارون ومتوسط التكاليف لكل مجموعة تصنيف للبلدان حسب مستوى الدخل (معادلة حسب القيمة المكافئة)، 2017

المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.
ملاحظة: ترد تكاليف التجارة وفقًا للتقديرات، وتشير إلى تجارة المنتجات الغذائية والزراعية، ويتم التعبير عنها حسب معادل القيمة المكافئة لمؤشر الأسعار في بلد المقصد (الجهة المستوردة – الأولى في بطاقة التوسيم القطري المزدوج). وهي تشير إلى الكلفة المرتبطة بشراء المنتجات الغذائية والزراعية كافة من مصدر معين (الجهة المصدرة - الثانية في بطاقة التوسيم القطري المزدوج).
المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.

ورغم تعدد العوامل التي تزيد تكاليف التجارة، إلا أن التقديرات تكشف أن تكاليف التجارة تتناقص مع ارتفاع مستوى التنمية عند قياسه على أساس مستوى دخل الفرد. وعلى سبيل المثال، تخضع تجارة المنتجات الغذائية والزراعية بين البلدان المرتفعة الدخل كافة في جميع أنحاء العالم، في المتوسط، لما يعادل 175 في المائة من كلفة التجارة حسب معادل القيمة المكافئة. ويعتبر متوسط تكاليف التجارة بين جميع البلدان المنخفضة الدخل أعلى بحوالي 1.4 مرة، أي ما يعادل 244 في المائة حسب معادل القيمة المكافئة. وتُعدّ الاختلافات في البنية التحتية للنقل وكفاءة المؤسسات التنظيمية بين البلدان المرتفعة والمنخفضة الدخل، من بين عوامل أخرى، مسؤولة عن الاختلافات الكبيرة في متوسط تكاليف التجارة.

وعلى صعيد التجارة داخل الأقاليم، تُقدّر تكاليف تجارة المنتجات الغذائية والزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بحوالي 237 في المائة من معادل القيمة المكافئة في المتوسط، وذلك مقارنة بنسبة 152 في المائة قياسًا إلى أوروبا (الشكل 2-8). وفي الواقع، تواجه البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى أعلى قدر من التكاليف عندما تربطها علاقات تجارية في ما بينها وضمن الإقليم. وتخضع التجارة داخل الإقليم في آسيا وأوسيانيا - وهو إقليم تتوزع فيه العديد من البلدان على منطقة جغرافية شاسعة - لمتوسط قدره 202 في المائة من معادل تكاليف التجارة بحسب القيمة المكافئة.

الشكل 2-8تكاليف التجارة الثنائية والمتوسطات داخل الأقاليم (المعادل حسب القيمة المكافئة)، 2017

المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.
ملاحظة: ترد تكاليف التجارة وفقًا للتقديرات، وتشير إلى تجارة المنتجات الغذائية والزراعية، ويتم التعبير عنها حسب معادل القيمة المكافئة لمؤشر الأسعار في بلد المقصد (الجهة المستوردة – الأولى في بطاقة التوسيم القطري المزدوج). وهي تشير إلى الكلفة المرتبطة بشراء كافة المنتجات الغذائية والزراعية من مصدر معين (الجهة المصدرة - الثانية في بطاقة التوسيم القطري المزدوج).
المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة.

ويُعدّ الانفتاح على التجارة هامًا للنمو الاقتصادي. وتيسّر التجارة انتشار التكنولوجيا والمعرفة عبر البلدان، مما يحسن الإنتاجية ويعزز النمو (انظر الإطار 2-5). ويعتمد الانفتاح على التجارة على موقع البلد والحواجز الجغرافية التي تواجهه، بالإضافة إلى متوسط مستوى أسعاره بالنسبة إلى متوسط مستوى أسعار شركائه التجاريين، الأمر الذي يعكس السياسات التجارية أيضًا.

الإطار 2-5آثار انفتاح التجارة: النمو والإنتاجية وعدم المساواة

يتفق معظم الخبراء الاقتصاديين على أن الانفتاح على التجارة الدولية يعزز النمو الاقتصادي.141 وتؤدي التجارة إلى مكاسب في الكفاءة حيث يتم تخصيص الموارد بما يتماشى مع الميزة النسبية. وفي الزراعة، حيث تعتبر الاختلافات في الثروات من الأراضي والمياه والمناخ كبيرة عبر البلدان، يمكن أن تكون المكاسب المتأتية من الانفتاح وتكامل الأسواق ملحوظة.142 ويمكن لهذه المكاسب أن تضاف إلى معدل نمو الاقتصاد غير أنه من الصعب تقديرها.

وبالإضافة إلى تأثير المكاسب على صعيد الكفاءة، تيسّر التجارة انتشار التكنولوجيا والمعرفة عبر البلدان، وتعزز النمو من خلال تحسين عملية الإنتاج، ورفع مستوى جودة المنتجات، مما يؤدي إلى إنتاج منتجات جديدة. ومنذ عام 1995، طرأ نمو في تجارة المنتجات الغذائية والزراعية صاحبته زيادات في الإنتاجية الزراعية للفرد الواحد، خاصة في البلدان الناشئة والنامية.143

ويتساءل العديد من الممارسين عن صحة هذه الحكمة التقليدية في ما يخص آثار انفتاح التجارة على النمو والإنتاجية. وتؤدي نتائج التجارة إلى إيجاد جهات رابحة وأخرى خاسرة وقد يكون تأثيرها على إعادة توزيع الدخل كبيرًا. ويركّز عدد قليل من الدراسات على تأثير انفتاح التجارة على الإنتاجية الزراعية - وتتمثل الفرضية الأساسية في أن التجارة تيسّر نشر التكنولوجيا وانتشار المعرفة. وبالتركيز على كيفية تقاطع الإنتاجية الزراعية في 44 بلدًا – من البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء - عند المستويات العليا، وجدت إحدى الدارسات أن الانفتاح على التجارة يزيد من معدلات نمو إنتاجية العمل في الزراعة ضمن إطار تحليلي يراعي أيضًا تكاليف نشر التكنولوجيا والتكيف معها.144

وتشير أدلة إضافية إلى أن انفتاح التجارة يمكن أن يولّد أثرًا سلبيًا قصير المدى على كفاءة الزراعة.145 ولكن تبيّن أنه يزيد الكفاءة في قطاع الزراعة على المدى الطويل، مما يعكس قدرة القطاع على التكيف مع الأسواق العالمية وزيادة المنافسة من خلال تبني التكنولوجيا، ولكن أيضًا من خلال خروج المزارع غير الفعالة من القطاع. وفي شيلي – وهو بلد قام بتحرير التجارة في تسعينيات القرن الماضي بعد فترة من سياسات إحلال الواردات - يشير تحليل 000 70 مزرعة إلى أن انفتاح التجارة مرتبط بشكل إيجابي بإنتاج المزارع.146

وفي المراحل النهائية، تشير دراسة أُجريت على أكثر من 000 20 شركة أغذية في فرنسا وإيطاليا إلى أن تغلغل الواردات في المنتجات الغذائية النهائية والمدخلات الوسيطة على حد سواء يساهم بشكل منهجي في نمو الإنتاجية على مستوى الشركات.147 وتبيّن أن المشاركة في سلاسل القيمة العالمية للزراعة والأغذية، سواء من خلال استيراد المدخلات أو تصدير المنتجات الوسيطة، تعزز إنتاجية العمالة الزراعية أيضًا.148،149 وتكمن الآلية الرئيسية المسؤولة عن ذلك في كيفية تفكيك سلاسل القيمة لعملية الإنتاج، مما يسمح للمزارع والشركات بالاستفادة من ميزتها النسبية في الأسواق العالمية وتسهيل نقل التكنولوجيا المحسنة، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين الممارسات الزراعية ورفع مستوى إنتاجية العمالة.

وتم الكشف عن هذه الروابط بين انفتاح التجارة والتكنولوجيا من خلال دراسة بيانات على المستوى الجزئي تناولت تأثير تجارة المدخلات الزراعية على إنتاجية 1.1 مليون حقل عبر 65 بلدًا. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، تبيّن أن الانفتاح التجاري في المدخلات الزراعية يؤدي إلى تحولات كبيرة من التكنولوجيات التقليدية للمزارع إلى تكنولوجيات حديثة، وهو بالتالي يولّد آثارًا على مستوى التوزيع على الإنتاجية والرفاه في جميع أنحاء العالم.150

ويمكن للانفتاح التجاري، إما عن طريق تكثيف المنافسة أو عن طريق دفع عجلة عملية التحول الهيكلي، أن يعزز النمو ويؤثر على توزيع الدخل وعدم المساواة. وأشار تحليل حديث لتأثيرات إلغاء التعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى زيادة في مستوى الدخل وعدم المساواة على حد سواء.151 وتشير النتائج إلى أنه من شأن تحرير التجارة الزراعية أن يزيد دخل الأسر المعيشية في المتوسط.

وفي الوقت ذاته، تبيّن أن إلغاء التعريفات الجمركية على الواردات له تأثيرات غير متجانسة للغاية عبر البلدان وضمنها وعبر الأسر. وفي معظم البلدان، تستفيد الأسر الواقعة ضمن شريحة الـ 20 في المائة الأكثر ثراءً من التحرير أكثر من الأسر الواقعة ضمن شريحة الـ 20 في المائة الأقل ثراءً، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة النسبية.

وقد يولّد انفتاح التجارة تأثيرات مختلفة على الجنسين. وتشير الأدلة إلى أن تحرير التجارة أدى إلى آثار غير متجانسة على القطاع الزراعي، مما أثر سلبًا على العاملات في أفريقيا، ولكنه عاد بالفائدة على العاملات في أمريكا اللاتينية.152 وفي البلدان النامية، تُتاح للنساء فرص أقل للحصول على التعليم مقارنة بالرجال، وسيؤثر الانفتاح على التجارة على عدم المساواة بين الجنسين من خلال تأثيره على توزيع العمل عبر القطاعات والأجور. وفي إثيوبيا، على سبيل المثال، تركت النساء الزراعة بشكل أسرع ودخلت إلى قطاع الخدمات بعد تخفيض الرسوم الجمركية. غير أن تدني مستويات تعليم العاملات أدى إلى انتقال النساء إلى قطاعات ذات قيمة مضافة منخفضة.153

وفي سياق النظم الغذائية، يسلّط انفتاح التجارة الضوء على المقايضات بين تعزيز الكفاءة الاقتصادية وتحقيق نتائج اجتماعية إيجابية. ويمثّل دمج المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة في الأسواق العالمية تحديًا. وغالبًا ما تميل السياسات التي تعزز انفتاح التجارة إلى التقليل من أهمية إخفاقات السوق، ومن الضروري اتخاذ إجراءات تكميلية للتصدي لعدم المساواة. ويمكن لنماذج الأعمال التجارية الشاملة، مثل الزراعة التعاقدية، معالجة القيود التي تواجه المزارعين في البلدان النامية عند دخولهم الأسواق وسلاسل القيمة العالمية.154 ولكن يمكن لمجموعة من السياسات والاستثمارات العامة، مثل إعانات المدخلات المصممة بعناية والموجهة للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، ورفع مستوى المهارات والتعليم، وإزالة جمود سوق العمل تدريجيًا، فضلًا عن التحسينات في البنية التحتية والتنظيم، أن تكمّل آلية السوق وتعزز التحول الهيكلي العادل.

المصدر: بتصرف من Zimmermann, A. & Rapsomanikis, G. 2021. Trade and Sustainable Food Systems. موجز قمة النظم الغذائية، المجموعة العلمية لقمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية، 8 يونيو/حزيران.

وتميل البلدان المرتفعة الدخل في المتوسط إلى أن تكون أكثر البلدان انفتاحًا على التجارة (الشكل 2-9). وعلى سبيل المثال، يجعل موقع ألمانيا ومستوى أسعارها منها سوقًا جذابة للشركاء التجاريين للتصدير إليها، لا سيما أعضاء الاتحاد الأوروبي. ورغم البُعد الجغرافي النسبي لنيوزيلندا، إلا أنها تتميز بمستويات أسعار قريبة من المتوسط الإقليمي، مما يجعلها سوقًا مفتوحة للمصدّرين للمنافسة فيها.

الشكل 2-9انفتاح التجارة، 2018

المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة. مطابق للخريطة رقم 4170 Rev.19 للأمم المتحدة (أكتوبر/تشرين الأول 2020).
ملاحظة: يعتبر مؤشر الانفتاح التجاري تقديرًا اقتصاديًا قياسيًا وهو يعتمد على موقع البلد ومستوى السعر النسبي.
المصدر: Kozłowska, M.K., Rapsomanikis, G. & Zimmermann, A. 2022. Comparative advantage and trade costs in a Ricardian model of global food and agricultural trade.. وثيقة معلومات أساسية لتقرير حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022. روما، منظمة الأغذية والزراعة. مطابق للخريطة رقم 4170 Rev.19 للأمم المتحدة (أكتوبر/تشرين الأول 2020).

وتَبيّن أن عددًا من الدول الجزرية الصغيرة النامية تشغل مرتبة أعلى من العديد من الدول الغنية على صعيد الانفتاح على التجارة. ورغم البُعد الجغرافي للجزر الصغيرة، مثل جزر المالديف وسانت كيتس ونيفيس، وانخفاض ارتباطها تعزز التجارة لتحقيق أهداف الأمن الغذائي والتغذية. ولدى هذه البلدان موارد طبيعية محدودة لإنتاج ما يكفي من المنتجات الغذائية والزراعية، ومع ذلك فهي مفتوحة للتجارة وتستغل ميزتها النسبية في مجال مصايد الأسماك والسياحة من أجل تمويل الواردات الغذائية. وتبيّن أن العديد من البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى تعتبر من بين أقلّ البلدان انفتاحًا.ث

تجميع أجزاء أحجية تجارة المنتجات الغذائية والزراعية

تحدد الميزة النسبية وتكاليف التجارة التدفقات التجارية عبر البلدان. ومع أن تأثير الميزة النسبية يعتبر أقوى في مجال الأغذية والزراعة (انظر الجدول 2-1)، إلا أنه لا يتم تداول المنتجات الغذائية والزراعية بشكل مكثف مثل المصنوعات. وتُعدّ التعريفات الجمركية أعلى نسبيًا بالنسبة إلى الأغذية والزراعة، ولكنها تشكل جزءًا صغيرًا من إجمالي تكاليف التجارة التي تعتبر مرتفعة وتُضعف مجتمعة دور الميزة النسبية في القطاع (انظر الشكل 2-4). ويشير التحليل إلى أن تكاليف التجارة في قطاع الزراعة غالبًا ما تكون ضعف تكاليف تجارة المصنوعات. ويؤدي انخفاض نسبة القيمة إلى الوزن بالإضافة إلى قابلية المنتجات الغذائية والزراعية للتلف إلى ارتفاع تكاليف التجارة. وتعتبر التكاليف المتعلقة بالامتثال للتدابير غير التعريفية، مثل المعايير، أعلى في قطاع الأغذية والزراعة أيضًا. ويترتب على الدور الهام لتكاليف التجارة في إعاقة تجارة المنتجات الغذائية والزراعية انعكاسات كبيرة على السياسات وينبغي بذل الجهود لاستهداف تدابير للحد منها (انظر النقاش حول تيسير التجارة في الجزء 4).

وتشكّل تكاليف التجارة جزءًا هامًا مفقودًا من أحجية تجارة المنتجات الغذائية والزراعية. ومع أن البلدان المنخفضة الدخل تتصف بتدني مستوى الإنتاجية الزراعية لكل عامل وانخفاض القدرة التنافسية في السوق العالمية مقارنة بالبلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل (انظر الشكل 2-2 والشكل 2-6)، إلا أنها تعتبر في المتوسط أقل انفتاحًا على التجارة ويتم تغطية جزء كبير من استهلاكها بواسطة أغذية منتجة محليًا (الشكل 2-10). وتستورد البلدان المنخفضة الدخل حوالي 14 في المائة من استهلاكها الغذائي في المتوسط، في حين تتاجر الاقتصادات المرتفعة الدخل بشكل أكثف بكثير وتعتمد على أسواق الأغذية العالمية لتلبية حوالي 60 في المائة من احتياجاتها الغذائية.

الشكل 2-10حصة الواردات والإنتاج المحلي من إجمالي استهلاك الأغذية، 2018

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة.
ملاحظة: يُعرَّف إجمالي استهلاك الأغذية بأنه إجمالي الإنتاج الزراعي ناقصًا الصادرات زائدًا الواردات.
المصدر: منظمة الأغذية والزراعة.

وفي هذه الحالة أيضًا، يمكن أن يساعد ارتفاع تكاليف التجارة التي تواجهها البلدان المنخفضة الدخل في تفسير الاختلافات في كثافة التجارة بين البلدان. وتشير التقديرات إلى أن واردات البلدان المنخفضة الدخل من البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل تخضع في المتوسط لتكاليف تجارية تبلغ 220 و208 في المائة تقريبًا من المعادل بحسب القيمة المكافئة. وتتسبب هذه التكاليف التجارية المرتفعة في عزل البلدان جزئيًا وتثبيط التجارة. ونتيجة لذلك، تختار البلدان التي تتكبّد تكاليف تجارية مرتفعة تلبية جزء كبير من متطلبات استهلاكها الغذائي من خلال الإنتاج المحلي، وذلك حتى لو كانت تتصف بإنتاجية زراعية متدنية نسبيًا لكل عامل. وإذا كانت تكاليف التجارة أدنى، يمكن عنده للبلدان ذات الإنتاجية المتدنية تحقيق مكاسب كبيرة عن طريق استيراد جزء أكبر من احتياجاتها الغذائية بأسعار أدنى.

ويظهر التفاعل بين الميزة النسبية وتكاليف التجارة في تحديد التجارة وجغرافيتها بأوضح شكل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتشير عملية النمذجة إلى أن الإقليم يتصف بانخفاض قوة الميزة النسبية (الجدول 2-2) وارتفاع تكاليف التجارة داخل الإقليم (الشكل 2-8). وبالفعل، تتصف أفريقيا بكون حصتها من التجارة داخل الإقليم منخفضة جدًا (الشكل 1-13). وينبغي لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية التي تسعى إلى تسريع التجارة بين البلدان الأفريقية أن تركّز بشكل خاص على السياسات والتدابير التي تستهدف تكاليف التجارة من أجل تعزيز تجارة المنتجات الغذائية والزراعية (انظر الجزء 4).

وتترتب على التكاليف التجارية تبعات هامة أيضًا على صعيد التحول الهيكلي للبلدان النامية. ويمكن أن تترجم التكاليف المرتفعة لتجارة المنتجات الغذائية والزراعية على شكل تقلّص التجارة واتساع القطاعات الزراعية. ويُعدّ الغذاء سلعة ضرورية، وقد يؤدي انخفاض الواردات الغذائية في البلدان المنخفضة الدخل إلى تخصيص نسبة كبيرة من العمالة والموارد الأخرى من أجل إنتاج الأغذية لتلبية متطلبات الكفاف الغذائي للبلاد. وعلى سبيل المثال، كانت حصة الزراعة من إجمالي العمالة في البلدان المنخفضة الدخل التي تواجه تكاليف تجارية باهظة مرتفعة للغاية وبلغت في عام 2019 نسبة 59 في المائة في المتوسط.

ويؤدي خفض تكاليف التجارة إلى تعزيز التجارة وزيادة البلدان التي تتصف بإنتاجية زراعية متدنية لكل عامل من وارداتها الغذائية أيضًا. ومن شأن ذلك أن يساعد في تلبية متطلبات الكفاف الغذائي وتحرير العمال من قطاع الزراعة لينضموا إلى قطاعات أخرى أكثر إنتاجية في الاقتصاد. وفي ظل وجود أسواق عمل مرنة وحسنة الأداء، يمكن لإعادة توزيع العمالة هذه أن تؤدي إلى زيادة الإنتاجية الزراعية لكل عامل والمساهمة في النمو الاقتصادي.116 ومن شأن المزيد من التجارة أن يساعد أيضًا في نشر المعرفة والتكنولوجيا، مما يزيد من المكاسب على صعيد الإنتاجية (انظر الإطار 2-5). غير أنه في ظل زيادة واردات الأغذية الأرخص ثمنًا، يمكن أن تؤدي عملية التحول الهيكلي هذه أيضًا إلى خسائر يتكبدها بشكل خاص المزارعون غير القادرين على زيادة كفاءتهم والمنافسة في أسواق أكثر انفتاحًا.

وتلقي الأدلة التجريبية على مستوى المزرعة الضوء على العلاقة بين تكاليف التجارة والإنتاجية الزراعية ومتطلبات الكفاف الغذائي. فعلى سبيل المثال، أدى خفض كلفة التجارة في بيرو نتيجة التحسينات في البنية التحتية للطرقات إلى زيادة الإنتاجية الزراعية بنسبة 5 في المائة. وفي الوقت ذاته، تبيّن أن حوالي 20 في المائة من المزارعين قد ساءت حالتهم بعدما سمح خفض تكاليف التجارة لبائعين آخرين بدخول السوق وتعزيز المنافسة.117

وتشير دراسة أخرى في المكسيك إلى أن ارتفاع التكاليف بين الأقاليم بالنسبة إلى الفواكه مقارنة بالذرة، بالاقتران مع القيود الخاصة بالكفاف الغذائي، يمنع المزارعين من التخصص في المحاصيل النقدية مثل الفواكه. وتمثّل حصة تكاليف التجارة جزءًا كبيرًا من التوزع النسبي للعمالة بين الذرة والفواكه وتدني مستوى إنتاجية الزراعة. ومن شأن خفض تكاليف التجارة بين الأقاليم في المكسيك إلى المستوى السائد في الولايات المتحدة الأمريكية أن يزيد المحاصيل النقدية إلى نسبة العمالة الخاصة بالأغذية الأساسية البالغة 15 في المائة، كما يمكن أن يولد زيادة في نصيب الفرد من الإنتاجية الزراعية بنسبة 13 في المائة.118

back to top عد إلى الأعلى