حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2022

الفصل 3 تجارة المنتجات الزراعية والبيئة

التجارة والبيئة: الاستجابات في مجال السياسات

يمكن أن تساهم التجارة والقواعد التي تعزز الانفتاح في الأسواق العالمية في بروز عوامل خارجية سلبية ويتم توجيه نداءات لاتخاذ إجراءات للحد من التجارة. غير أن الحد من التجارة يؤدي إلى تغيير في توزيع الإنتاج بين البلدان، الأمر الذي يولّد ضغوطًا على الموارد الطبيعية والبيئة تختلف عن تلك التي يتعرّض لها العالم اليوم. ويمكن لذلك أن يقلّص أيضًا دور التجارة كمحسّن لكفاءة استخدام الموارد الطبيعية.

وتجري الآن مراجعة النُهج السياساتية المتبعة في التجارة، وهذه عملية تنطوي على تحديات وفرص على السواء. ويدور جزء من النقاش الجاري بشأن العولمة والتنمية المستدامة، حول كيفية ضمان أن تدعم السياسات التجارية وحماية البيئة بعضها البعض. وبموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، يمكن للأعضاء أن يعتمدوا تدابير متعلّقة بالتجارة تهدف إلى حماية البيئة.

ويشهد نطاق اتفاقات التجارة الإقليمية تطوّرًا أيضًا.ب‌ب فقد تحوّلت هذه الاتفاقات تدريجيًا من ميسّر للمبادلات الاقتصادية البحتة إلى مروّج للتكامل الأوسع نطاقًا، وباتت الآن أداة لتشجيع التقارب بين السياسات المتبعة في البلدان الشريكة في مجالات مثل معايير العمل المحسّنة، وحقوق الإنسان، وصون البيئة (انظر أيضًا القسم 4). وشمل العديد من اتفاقات التجارة الإقليمية أحكامًا بيئية موسّعة لتحفيز المنتجين على اعتماد ممارسات مستدامة من أجل التمكن من الدخول إلى أسواق جديدة والاستمرار في الوصول إليها.201 ويتم اتباع أساليب أخرى أيضًا مثلًا من خلال سنّ التشريعات الوطنية لضمان ألا تولّد الواردات تأثيرات بيئية سلبية غير مباشرة (انظر الإطار 3-2).

المبادئ المتعددة الأطراف وقواعد منظمة التجارة العالمية

يؤكد إعلان ريو الذي تم اعتماده خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية لعام 1992 أنه لتحقيق التنمية المستدامة، لا بد من أن تشكل حماية البيئة جزءًا لا يتجزأ من عملية التنمية وأنه ينبغي على البلدان أن تتعاون في ما يخصّ نقل أي نشاط مؤذٍ يكون من شأنه التسبب بتدهور شديد للبيئة.ج‌ج وبالمثل، تشدد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 2015 على دور التجارة في تعزيز النمو الاقتصادي الشامل وكوسيلة هامة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وينص اتفاق باريس التابع لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، مرّة جديدة على أنه يمكن للنظام الاقتصادي الدولي المنفتح أن يعزز الاستجابة العالمية للتهديد الذي يشكله تغيّر المناخ في سياق التنمية المستدامة.

وتقوم منظمة التجارة العالمية بتنسيق الجهود الهادفة إلى معالجة الروابط بين التجارة والبيئة، على مستوى متعدد الأطراف. وتُعتبر التنمية المستدامة وحماية البيئة والمحافظة عليها أهدافًا رئيسية لاتفاقات منظمة التجارة العالمية. ويعبّر اتفاق مراكش عن هدف منظمة التجارة العالمية المتمثل في خفض الحواجز التجارية والقضاء على المعاملة التمييزيّة في التجارة، كما أنه يحدد التجارة بوصفها أداة لمساعدة البلدان على تحقيق أهداف مهمة في مجال السياسات العامة، بما في ذلك استخدام موارد العالم بشكل مستدام وحماية البيئة.

وتتمتع البلدان، في اتفاقات منظمة التجارة العالمية، بدرجة كبيرة من الاستقلالية لتحديد أهدافها البيئية والتشريعات البيئية التي تقوم بسنّها وتطبيقها بقدر ما تحترم مبادئ المنظمة (انظر أيضًا الجزء 4).202 وعلى سبيل المثال، ينص عدم التمييز الذي يُعدّ مبدأ من المبادئ التوجيهية لمنظمة التجارة العالمية، على أنه لا يجوز للبلدان أن تميّز بين منتجات «مماثلة» متأتية من شركاء تجاريين مختلفين من خلال منح هؤلاء الشركاء بالتساوي صفة الدول الأَولَى بالرعاية، على النحو المشار إليه في المادة الأولى من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة. إضافة إلى ذلك، فإن عدم التمييز يعني أنه يجب على البلدان أن تعمل بمبدأ «المعاملة الوطنية» وألا تميّز بين منتجاتها والمنتجات المستوردة «المشابهة»، على النحو المنصوص عليه في المادة الثالثة من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة.د‌د،203

وتسمح قواعد منظمة التجارة العالمية للأعضاء باعتماد إجراءات مرتبطة بالتجارة من أجل حماية البيئة، بما في ذلك من خلال المادة عشرين من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة التي تتعلّق بالاستثناءات العامة وتسمح للأعضاء باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الأخلاقيات أو حياة أو صحة البشر أو الحيوانات أو النباتات أو لحفظ الموارد الطبيعية القابلة للنفاد.ه‌ه ولا يجوز تنفيذ التدابير المرتبطة بالتجارة التي تحمي البيئة إذا كانت تقيّد التجارة بطرق عشوائية وتسفر عن تمييز غير مبرر بين البلدان. ويبرز قرارا منظمة التجارة العالمية في حالتي الأربيان والسلاحف من جهة والإطارات المجددة في البرازيل من جهة أخرى، على النحو المبيّن في الإطار 3-3، الآلية المتعددة الأطراف التي تعالج المقايضات بين التجارة والأهداف البيئية.204

الإطار 3-3القضيتان البيئيتان لمنظمة التجارة العالمية: الأربيان والسلاحف، والإطارات المعاد تجديدها في البرازيل

يحدد الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أهدافهم البيئية الخاصة. ولقد أعيد تأكيد ذلك في حالات عديدة على مرّ السنين، ولا سيما في حالتين محددتين هما: الأربيان والسلاحف، والإطارات المعاد تجديدها في البرازيل.

وفي حالة الأربيان والسلاحف التي تعود إلى عام 1997، قدّمت الهند وماليزيا وباكستان وتايلند شكوى مشتركة ضد حظر فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على واردات أنواع ومنتجات معيّنة من الأربيان. وكانت حماية السلاحف البحرية الدافع الرئيسي الكامن وراء هذا الحظر. فقد أدرج القانون الأمريكي المتعلّق بالأنواع المهددة بالانقراض لعام 1973 الأنواع الخمسة من السلاحف البحرية الموجودة في المياه الأمريكية في قائمة الأنواع المعرّضة للانقراض أو المهددة وطلب أن تستخدم سفن الصيد الأمريكية معدات صيد تعرف بأدوات استبعاد السلاحف، في شباك الصيد عند الاصطياد في هذه المناطق في حال وُجدت فيها سلاحف بحرية. وبموجب القانون العام الأمريكي الذي يتناول مسألة الواردات، لا يجوز استيراد الأربيان الذي يتم اصطياده بواسطة تكنولوجيات قد يكون لها تأثير ضار على السلاحف البحرية إلا إذا كان من المؤكد أن البلد الذي يجري عمليات الصيد لديه برنامج تنظيمي أو أن بيئة الصيد فيه لا تشكل تهديدًا على السلاحف البحرية.247

وأشارت هيئة الاستئناف التابعة لآلية تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية إلى أنه بموجب قواعد المنظمة، يحق للبلدان اتخاذ إجراءات تجارية لحماية البيئة، ولا سيما الأنواع المهددة بالانقراض والموارد القابلة للنفاد، وأن التدابير الرامية إلى حماية السلاحف البحرية تعتبر شرعية بموجب المادة عشرين من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (التي تتناول استثناءات عديدة على القواعد التجارية لمنظمة التجارة العالمية، بما في ذلك لأسباب بيئية معيّنة) بشرط توافر معايير معيّنة مثل عدم التمييز. وفي هذه الحالة، اعتُبر الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية غير متسق مع المادة الحادية عشرة من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (التي تحدّ من استخدام تدابير حظر أو تقييد الواردات) وغير مبرر بموجب المادة عشرين من الاتفاق. وكان السبب المعطى هو أن الولايات المتحدة الأمريكية ميّزت بين أعضاء منظمة التجارة العالمية حيث أنها قدمت المساعدة الفنية والمالية للبلدان الواقعة في النصف الغربي من الكرة الأرضية ومنحت الصيّادين فيها فترات انتقالية أطول للشروع في استخدام أدوات استبعاد السلاحف، في حين أنها لم تقدم المزايا نفسها للبلدان الآسيوية الأربعة (الهند وماليزيا وباكستان وتايلند) التي تقدمت بالشكوى.

وبالمثل، تناولت حالة «التدابير المؤثرة على واردات الإطارات المعاد تجديدها» التي تعود إلى عام 2007 بحظر استيراد الإطارات المعاد تجديدها من الاتحاد الأوروبي إلى البرازيل.248 وتُعدّ عملية تجديد الإطارات ممارسة تطوّل عمر الإطارات الأصلية. فيتم ترميم الإطارات المستعملة لمواصلة استخدامها وذلك من خلال إزالة مداس الإطار المهترئ واستبداله بمداس جديد. وبما أن إعادة تدوير الإطارات المستعملة تطيل عمر الإطارات، فإنها تعتبر بشكل عام ممارسة صديقة للبيئة ولكن البرازيل ادعت أن التجارة الدولية بالإطارات المعاد تجديدها قد أثرت بالفعل بشكل سلبي على البيئة والصحة العامة في البلدان المستوردة. وبشكل خاص، اعتبرت البرازيل أن جمع الإطارات الخردة يطرح مخاطر على حياة الإنسان أو صحته، مثل الأمراض التي ينقلها البعوض كحمّى الضنك والحمّى الصفراء، وحرائق الإطارات، ورشح المواد السامة، وجميعها مخاطر تؤثر سلبًا على صحة الإنسان والبيئة. وأضافت أن تدابيرها مبررة بموجب المادة عشرين (ب) من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة التي تسمح باتخاذ التدابير «الضرورية لحماية صحة أو حياة البشر أو الحيوانات أو النباتات».249

واستنتجت هيئة الاستئناف أن حظر استيراد الإطارات المعاد تجديدها والغرامات التي فرضتها البرازيل لا تتسق مع المادة الحادية عشرة (1) (حظر القيود الكمية)؛ والمادة الثالثة (4) (المعاملة الوطنية - القوانين واللوائح المحلية)؛ والمادة عشرين (استثناءات عامة)؛ والمادة عشرين (د) (الاستثناءات - ضرورية لضمان الامتثال للقوانين) والمادة عشرين (ب) (استثناءات عامة - ضرورية لحماية حياة الإنسان أو صحته) من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة. وبشكل خاص، أدّى استثناء الإطارات المعاد تجديدها المستوردة من الأرجنتين وباراغواي وأوروغواي التي هي بلدان أعضاء في السوق المشتركة الجنوبية، من الحظر المفروض على الواردات ومن الغرامات إلى أن يكون الحظر مطبّقًا بطريقة تمثّل تمييزًا عشوائيًا أو غير مبرر.

وتعتبر هاتان الحالتان حالتين مرجعيتين في استخدام الشواغل البيئة كتدابير مبررة لعرقلة التجارة. ولقد باءت القضيتان بالفشل لأسباب تمييزية – وليس بيئية.

ملاحظة: توفّر المادة عشرون من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة والمتعلّقة بالاستثناءات العامة، أساسًا لبعض الحالات المحددة التي يمكن أن يعفى فيها أعضاء منظمة التجارة العالمية من قواعد الاتفاق. فيحق لأعضاء منظمة التجارة العالمية اعتماد تدابير سياساتية غير متسقة مع ضوابط الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، إلا عندما تكون هذه التدابير (أ) ضرورية لحماية حياة أو صحة البشر أو الحيوانات أو النباتات؛ (ب) أو مرتبطة بصون الموارد الطبيعية القابلة للنفاد. ولكن لا يجب أن تكون التدابير قيودًا مقنّعة على التجارة الدولية ولا يجب تطبيقها بطريقة تولّد تمييزًا عشوائيًا أو غير مبرر بين البلدان عندما تسود الظروف نفسها.

اتفاقات التجارة الإقليمية والبيئة

شهدت اتفاقات التجارة الإقليمية زيادة سريعة في عددها وتغطيتها على النطاق التنظيمي وتطوّرت لتشير بشكل مباشر إلى التنمية المستدامة وتتضمن أحكامًا متعلّقة بالبيئة.و‌و وتتيح اتفاقات التجارة الإقليمية فرصة للبلدان التي لديها توجه مماثل لكي تتفق على ضوابط تعالج القضايا البيئية. وفي ما يتعلّق بقواعد منظمة التجارة العالمية، يمكن لاتفاقات التجارة الإقليمية أن توفر درجة إضافية من الضوابط من خلال إعادة التأكيد على قواعد منظمة التجارة العالمية، أو الاتفاق على تعزيز الالتزامات المتعددة الأطراف أو توسيع نطاقها، أو الاتفاق على العدول عن اتخاذ إجراءات مضادة بين الأطراف الموقعة على الاتفاقات.205

ولقد استغلت البلدان الاتفاقات التجارية بشكل متزايد خلال العقود القليلة الماضية من أجل التعاون بشأن المسائل البيئية. وفي الواقع، يعود أوّل اتفاق تضمن حكمًا متعلّقًا بالبيئة إلى عام 1957 عندما تضمنت معاهدة روما التي أنشأت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، استثناء عامًا يسمح لأحد الأطراف بحظر الواردات أو الصادرات أو السلع العابرة أو تقييدها لأسباب تتعلّق بحماية صحة وحياة الحيوانات أو النباتات إن لم تكن إجراءات الحظر أو القيود هذه عشوائية أو تمييزية.ز‌ز ومنذ ذلك الحين، تزايدت الأحكام البيئية بوتيرة بطيئة، وبين عامي 1957 و2019 تضمن 131 من أصل 318 اتفاقًا تجاريًا تم إبرامها حكمًا واحدًا على الأقل يتعلّق بالبيئة (انظر الشكل 3-4). ويتضمن 71 من هذه الاتفاقات التجارية الـ131، أحكامًا تُبيّن التفاعل بين البيئة والزراعة.ح‌ح

الشكل 3-4الاتفاقات التي تتضمن أحكامًا متعلقة بالبيئة، 1957-2019

المصدر: Mattoo, A., Rocha, N. & Ruta, M. 2020. Handbook of Deep Trade Agreements. Washington, DC. World Bank.
ملاحظة: الأحكام التي تم تحليلها هي التزامات لا تدخل ضمن الولاية الحالية لمنظمة التجارة العالمية.
المصدر: Mattoo, A., Rocha, N. & Ruta, M. 2020. Handbook of Deep Trade Agreements. Washington, DC. World Bank.

واليوم، يتضمن العديد من اتفاقات التجارة الإقليمية إشارة ما إلى البيئة، فيما اتبع دمج الأحكام المتعلّقة بالبيئة نمطًا آخذًا في التطوّر على مرّ السنين (انظر الشكل 3-4). وقبل مطلع الألفية الثانية، كان عدد اتفاقات التجارة الإقليمية التي تتضمن بنودًا بيئية جوهرية محدودًا، مع وجود بعض الاستثناءات البارزة مثل اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 1994 والاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا التي خلفته ودخلت حيّز التنفيذ في عام 2020.

ويمكن ملاحظة تغيير كبير في هذا الاتجاه اعتبارًا من عام 2005 عندما بدأت اتفاقات التجارة الإقليمية تتضمن أحكامًا محددة أكثر تتعلّق بالبيئة.206 وينطبق ذلك بشكل خاص على اتفاقات التجارة الإقليمية التي تفاوضت عليها بعض البلدان المتقدمة، مثل كندا وبلدان الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وتم التفاوض على اتفاقات عديدة للتجارة الإقليمية ذات المعايير البيئية الأعلى، بين البلدان النامية والمتقدمة وكانت هذه الأخيرة المؤيد النشط لهذه المعايير.207 وبالمثل، غالبًا ما يتم إدراج أحكام متعلّقة بالبيئة عندما يغطي اتفاق التجارة نطاقًا جغرافيًا واسعًا ومتنوعًا ويشمل سوقًا كبيرة.208 وهذه هي حال اتفاق شراكة المحيط الهادئ الشاملة والتدريجية. وتميل الأحكام المتعلّقة بالبيئة إلى أن تكون أكثر شمولًا في الاتفاقات المتفاوض عليها بين بلدان يختلف أداؤها البيئي اختلافًا كبيرًا، الأمر الذي يشير إلى وجود محاولة لضمان أن تترتب عن التجارة نتائج بيئية إيجابية.209 ومع مرور الوقت، بدأت البلدان النامية تدرج هذا النوع من الأحكام في اتفاقات التجارة الإقليمية التي تبرمها مع شركاء آخرين من البلدان النامية، كما هي الحال مع مجموعة دول شرق أفريقيا.

وتزايد عدد هذه الاتفاقات ودرجة تفصيل الأحكام المدرجة فيها منذ عام 2012 وباتت تعالج قضايا بيئية محددة، بما في ذلك التنوع البيولوجي، والإدارة المستدامة للغابات ومصايد الأسماك، وتغيّر المناخ. وتشير بعض الاتفاقات بشكل مباشر إلى الزراعة تبعًا لهيكل إدراج الأحكام المتعلّقة بالبيئة. ومن الأمثلة على ذلك السوق المشتركة لدول شرقي وجنوبي أفريقيا التي تلتزم الأطراف فيها باتخاذ إجراءات لمكافحة تلوّث الهواء والمياه العابر للحدود والناشئ عن أنشطة التعدين وصيد الأسماك والزراعة ولتثبيط الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية والأسمدة الزراعية.ط‌ط

تحديد نطاق الأحكام المتعلّقة بالبيئة

تعرَّف العديد من الأحكام المتعلّقة بالبيئة على أنها أحكام زائدة على متطلبات منظمة التجارة العالمية، ذلك أنها تضع التزامات تتجاوز نطاق اتفاقات منظمة التجارة العالمية. ويتم تصميم البنود البيئية الاستثنائية الأخرى في النوع الرئيسي من الاتفاقات المشابهة لاتفاقات منظمة التجارة العالمية، على طراز المادة عشرين من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة أو المادة الرابعة عشرة من الاتفاق العام بشأن التجارة في الخدمات.210 ومن الناحية العملية، تتضمن معظم اتفاقات التجارة الإقليمية التي تشمل أحكامًا متعلّقة بالبيئة، مزيجًا من الأحكام المتعلّقة بالبيئة المشابهة لمتطلبات منظمة التجارة العالمية وأحكامًا زائدة عليها.

أما الأسباب الكامنة وراء إدراج أحكام متعلّقة بالبيئة في اتفاقات التجارة الإقليمية، فمتعددة الجوانب. إذ قد تكون لدى البلدان سياسات تتطلّب إدراج أحكام متعلّقة بالبيئة في اتفاقات التجارة الإقليمية من أجل التماشي مع التشريعات المحلية التي تحدّ من التأثيرات البيئية غير المباشرة وتجشّع تواؤم التدابير غير التعريفية ذات الصلة بين الشركاء التجاريين.211 ويمكن أن تخضع بلدان أخرى لضغوط من أجل إدراج أحكام متعلّقة بالبيئة استجابة للشواغل التي يعبّر عنها القطاع المحلي أو المستهلكون.212 وقد ترغب البلدان أيضًا في تجنّب اضطرار شركائها التجاريين إلى خفض مستويات الحماية البيئية المحلية من أجل زيادة الإنتاج واستقطاب الاستثمارات.213

ويمكن لغياب الأحكام المتعلّقة بالبيئة أن يعزز المنافسة من جانب الشركاء التجاريين الذين لديهم متطلبات بيئية أقل صرامة، الأمر الذي يجعلهم أكثر قدرة على المنافسة من حيث الأسعار. ومن شأن ذلك أن يضعف المنتجين المحليين والبلدان المصدّرة الأخرى التي تمتثل للمعايير البيئية، ما يؤدي إلى نتائج بيئية سلبية.ي‌ي وينعكس ذلك في بعض الأحكام المتعلّقة بالبيئة التي تسعى إلى إيجاد توازن بين تحقيق أهداف السياسات المتعلّقة بالبيئة والأهداف المتعلّقة بالتجارة/الاستثمار، مثل اتفاقات التجارة الإقليمية المبرمة بين كندا وكولومبيا، وكندا وهندوراس، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (على النحو المبيّن في الشكل 3-5). ويظهر ذلك بشكل أدقّ في الاتفاق المبرم بين دول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة ومنطقة هونغ كونغ الادارية الخاصة، الصين، الذي لا يشجّع إضعاف قوانين حماية البيئة من أجل كسب ميزة تجارية نسبية (انظر المقتطف من الاتفاق الوارد في الجدول 3-1).

الشكل 3-5اتفاقات مختارة تتضمن أنواعًا مختلفة من الأحكام المتعلقة بالبيئة

المصدر: Monteiro, J. & Trachtman, J. 2020. Environmental Laws. In Mattoo, A., Rocha, M., Ruta, N., eds. Handbook of Deep Trade Agreements, Washington, DC. World Bank.
المصدر: Monteiro, J. & Trachtman, J. 2020. Environmental Laws. In Mattoo, A., Rocha, M., Ruta, N., eds. Handbook of Deep Trade Agreements, Washington, DC. World Bank.

الجدول 3-1تصنيف الصيغ الشكلية لإدراج الأحكام المتعلّقة بالبيئة في اتفاقات التجارة الإقليمية

المصدر: تولت منظمة الأغذية والزراعة تجميع البيانات بالاستناد إلى اتفاقات التجارة الأصلية. المصدر: تولت منظمة الأغذية والزراعة تجميع البيانات بالاستناد إلى اتفاقات التجارة الأصلية.
ملاحظة: تشمل أنواع الخيارات ما يلي: الاتفاقات الجانبية، وهي اتفاقات مستقلة عن المعاهدات التجارية التي تصاحبها وتوفّر الحيّز المؤسسي لجداول الأعمال البيئية القوية والاستباقية التي تتناول بناء القدرات، ومواءمة الأنظمة، والتعاون، والرصد؛ وفصل من الاتفاق يكون متعلّقًا بالبيئة ويعالج المسائل البيئية المرتبطة بالتجارة مثل عدم تنفيذ القوانين البيئية المحلية بطرق تؤثر على التجارة، والالتزامات البيئية المرتبطة بالتجارة التي تكون متصلة بالاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف (يسمح إدراج مثل هذا الفصل في الاتفاق بأن تكون هذه الالتزامات قابلة للتنفيذ من خلال آلية تسوية النزاعات الخاصة بالاتفاق الأساسي في حال اختارت الجهات الموقعة استخدامها)؛ ويمكن للفصول المتعلّقة بالتنمية المستدامة أن تتضمن التزامات بيئية ومتعلّقة بالعمالة، كما هي الحال في بعض اتفاقات الاتحاد الأوروبي، أو يمكنها ببساطة أن تضع الالتزامات البيئية في سياق أوسع للتنمية المستدامة؛ والرسائل الجانبية التي يمكنها أن تحدد التزامات مشتركة يكون من الصعب الوفاء بها في سياق الاتفاق إما بسبب وجود أطراف عديدة لا يمكنها الموافقة عليها أو لأن محتواها حساس جدًا ليشكل جزءًا من المعاهدة التي تم الاتفاق عليها قانونًا.
المصدر: تولت منظمة الأغذية والزراعة تجميع البيانات بالاستناد إلى اتفاقات التجارة الأصلية.

وتختلف الأحكام المتعلّقة بالبيئة الواردة في اتفاقات التجارة الإقليمية من حيث نطاقها وتتخذ مجموعة من الأشكال في ما يتعلّق بحجم القضايا البيئية التي تغطيها والإجراءات الرامية إلى معالجتها.214 ويختلف موقع هذه البنود في الاتفاق أيضًا. فيمكن إدراج الأحكام المتعلّقة بالبيئة في الديباجة وفي متن الاتفاق، أو في ملحق، أو بروتوكول، أو اتفاق جانبي - كما هي الحال مع الاتفاقية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكندا - أو يمكن توضيحها من خلال تبادل الرسائل، من قبيل خطاب التفاهم بين كندا وبيرو بشأن التنوع البيولوجي والمعارف التقليدية (انظر الجدول 3-1).215 وإنّ بعض الأحكام المتعلّقة بالبيئة هي أحكام طموحة ومصاغة بلغة تتقيّد بالاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، مثل اتفاق باريس.ك‌ك وتتضمن اتفاقات عديدة للتجارة الإقليمية بشكل صريح أحكامًا تتعلّق بالاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، كتلك المبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية كوريا، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، وبين كندا وكولومبيا. وفي الواقع، يتضمن الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية كوريا تسعة أحكام مختلفة تتعلّق بالامتثال للاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف (على النحو المبيّن في الشكل 3-5 في فئة الأحكام المتعلّقة بالامتثال للاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف).216 وتتعهد اتفاقات أخرى للتجارة الإقليمية بالتزامات محددة بالاستناد إلى القانون البيئي المحلي، مع إعادة التأكيد على حق الأطراف في تنظيم المسائل البيئية.

وتذكر اتفاقات عديدة للتجارة الإقليمية التعاون بشأن القضايا البيئية بشكل صريح، مثلًا الاتفاق المبرم بين نيوزيلندا والصين الذي يراعي فيه الطرفان أولوياتهما الوطنية ومواردهما المتاحة، ويوافقان على التعاون بشأن المسائل البيئية ويبتان بصورة مشتركة في أنشطة معيّنة تتعلّق بالتعاون البيئي (انظر الجدول 3-1). وتقوم اتفاقات التجارة الإقليمية التي تهدف إلى تعزيز التكامل، باتباع نهج واقعي أكثر وتتضمن بنودًا تقيم تعاونًا أقوى، بما في ذلك بشأن الأنظمة والمعايير البيئية. وهذه هي حال العديد من الاتفاقات الحديثة التي تفاوض عليها الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. والمثال على ذلك اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وبلدان أمريكا الوسطى والجمهورية الدومينيكية الذي توافق بموجبه الأطراف على التعاون لحماية البيئة، بما في ذلك الموارد الطبيعية، وتحسينها والحفاظ عليها، والذي ينصّ على إنشاء إطار لمثل هذا التعاون بين الأطراف (انظر الجدول 3-1).

وفي كثير من الأحيان، يتوخى هذا النوع من الاتفاقات إنشاء ترتيبات مؤسسية مخصصة لتيسير تنفيذ الالتزامات، مثل اللجان البيئية المعنية بمناقشة الأحكام المتعلّقة بالبيئة والإشراف على تنفيذها، وآليات لتسوية النزاعات المرتبطة بالبيئة التي قد تنشأ بين الأطراف.217 في الواقع، ينشئ العديد من اتفاقات التجارة الإقليمية التي تتضمن فصلًا شاملًا بشأن البيئة أو اتفاقًا جانبيًا، مثل الاتفاقين المبرمين بين كندا وكولومبيا وبين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية كوريا، ترتيبات مؤسسية مخصصة وتضم أربعة أنواع مختلفة من الأحكام المرتبطة بآليات التنفيذ (انظر الشكل 3-5).

وتُدرَج آليات التنفيذ في اتفاقات التجارة الإقليمية في غالب الأحيان من خلال إجراءات تسوية النزاعات التي تسمح للجهات الموقّعة بتحديد أي انتهاكات قد يتعرّض لها اتفاق مبرم ضمن إطار يحدده الاتفاق، وبإثباتها والتصدي لها. وتتباين الصيغة المرتبطة بقابلية تنفيذ الأحكام المتعلّقة بالبيئة بين اتفاقات التجارة الإقليمية، ذلك أن بعضها مصاغ بعبارات غير ملزمة فيما بعضها الآخر مصاغ بعبارات ملزمة.218

ويمكن لآليات تسوية النزاعات أن تشكل سبيلًا فعالًا لتحقيق الامتثال للأحكام المتعلّقة بالبيئة. ويمكن أن تختلف تدابير التنفيذ تبعًا لقدرة البلدان على فرض سبل انتصاف مادية أو عقوبات تجارية. وعلى سبيل المثال، ينطوي الإجراء المنشأ بموجب الفصول المتعلّقة بالبيئة في العديد من اتفاقات التجارة الإقليمية التي توقّعها الولايات المتحدة الأمريكية في العادة على إمكانية اتخاذ إجراءات انتقامية. وبالعكس، تستثني الإجراءات المنصوص عليها في الفصول المتعلّقة بالاستدامة في أحدث اتفاقات التجارة الإقليمية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي، إمكانية فرض عقوبات تجارية بشكل صريح.219

وتؤدي عمليات تقييم الأثر البيئي دورًا هامًا في تقييم الآثار الناجمة عن الأحكام المتعلّقة بالبيئة.ل‌ل وتتتبع عمليات التقييم هذه الآثار المحتملة للأحكام المتعلّقة بالبيئة على الأسواق والتكنولوجيا والأنظمة، ويلزم إجراؤها حاليًا في جميع الاتفاقات التي يوقعها كل من كندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.220 وينشئ العديد من الأحكام المتعلّقة بالبيئة آلية لاستعراض عمليات تقييم الأثر هذه.221

وتُعتبر العملية التي يتم بموجبها التفاوض على الأحكام المتعلّقة بالبيئة وتنفيذها ورصدها على المستوى الوطني، أمرًا بالغ الأهمية. فعلى سبيل المثال، تتيح المشاركة العامة لأصحاب المصلحة من جميع القطاعات التي يمكن أن تكون متأثرة، إمكانية المساهمة.222 ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة في معالجة القضايا البيئية بما أن المشاركة العامة قد تكون محدودة خلال عملية التفاوض على الاتفاقات التجارية، وقد لا تكون القطاعات من قبيل القطاع البيئي ممثلة بالقدر الكافي في الكثير من الأحيان (انظر ايضًا الإطار 4-2).223

back to top عد إلى الأعلى