يمكن أن تترتب عن التجارة عوامل خارجية بيئية سلبية كون الإنتاج المخصص للتصدير يمكن أن يسفر عن عمليات سحب غير مستدام للمياه العذبة، وتلوّث، وفقدان للتنوع البيولوجي، وإزالة للغابات. وتنقل التجارة الحوافز الاقتصادية إلى المنتجين في مختلف البلدان، ويمكنها أن تؤدي إلى نتائج بيئية سلبية عندما تكون مصحوبة بأطر تنظيمية ضعيفة أو غير ملائمة.
ويمكن استخدام السياسات التجارية كأدوات لمعالجة أوجه القصور هذه. ويُنظر إلى حماية البيئة على أنها مبرر شرعي للتدابير التجارية المتخذة بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية، وتتضمن اتفاقات تجارية حديثة عديدة بنودًا تتعلّق بالبيئة في محاولة لموازنة المقايضات الاقتصادية والبيئية.
عمليات السحب غير المستدام للمياه العذبة
توجد المياه الكائنة على سطح الأرض بالكامل تقريبًا في المحيطات أو الأغطية الجليدية أو الأنهر الجليدية، فيما تشكل المياه العذبة المتوافرة 1 في المائة منها فقط.178 والزراعة مسؤولة عن 72 في المائة من عمليات سحب المياه العذبة في العالم، لأغراض الري بشكل أساسي، وتساهم في الإجهاد المائي. ويعيش حوالي 1.2 مليار شخص في مناطق تمثل فيها الندرة الشديدة في المياه تهديدًا للزراعة.179 وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، انخفض نصيب الفرد من المياه المتوافرة بنسبة 40 في المائة خلال العقد الماضي، وبلغ نصيب الفرد من المياه في معظم القارة الأفريقية مستويات تعتبر غير كافية لتلبية الطلب على المياه من أجل الغذاء والقطاعات الأخرى.180
ويُعدّ الإنتاج الزراعي دافعًا رئيسيًا لاستخدام الموارد ويمكنه أن يسفر عن عمليات سحب غير مستدام للمياه. وبما أن التجارة تنقل الحوافز الاقتصادية إلى المنتجين في مختلف البلدان لتوسيع نطاق إنتاج المحاصيل، يسلّم العديد من المراقبين بوجود علاقة بين التجارة والاستخدام غير المستدام للمياه. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 11 في المائة من حالات استنفاد المياه الجوفية مرتبطة بشكل وثيق بالتجارة الدولية بالمحاصيل.181 وتقدّر دراسة أخرى نموّ تجارة الأغذية بنسبة 65 في المائة بين عامي 2000 و2015 فيما كانت زيادة الرّي غير المستدام المرتبط بالصادرات الزراعية أقل نسبيًا، حيث بلغت 18 في المائة.182 ويشير ذلك إلى أن التجارة ليست بالضرورة الدافع الرئيسي الكامن وراء ندرة المياه وأنه يمكنها أيضًا أن تحسّن الكفاءة رغم ما يترتب عنها من آثار بيئية سلبية، ذلك أن الريّ غير المستدام زاد بقدر أقل بكثير من الصادرات الزراعية.
التلوّث
ساهم التكثيف الزراعي والاستخدام المتزايد للأسمدة ومبيدات الآفات في تلوّث التربة. فيتسبب استخدام النيتروجين والفسفور بكميات تفوق الكميات اللازمة للنمو الأمثل للنباتات، في تلوّث التربة ويؤدي إلى تحمّضها وتملّحها وتلوّث المياه الجوفية وكتل المياه السطحيّة. ويمكن لمبيدات الآفات أن تضرّ أيضًا بالبيئة وسلامة التربة، لا سيما عندما يتم استخدامها بشكل مفرط أو باتباع ممارسات سيئة.183
وتسمح التجارة للبلدان بنقل مصدر التلوّث إلى بلدان أخرى من خلال استيراد المنتجات الزراعية بدلًا من إنتاجها بنفسها. وتشير دراسة تستخدم تدفقات المياه الرمادية الافتراضية لاستكشاف عولمة التلوّث الزراعي إلى وجود اختلافات كبيرة بين البلدان في ما يتعلّق بتوزيع التلوّث من خلال التجارة.ظ ومع أن مفهوم المياه الرمادية ليس مستخدمًا على نطاق واسع، تقدم الدراسة أفكارًا مثيرة للاهتمام تبيّن أن التلوّث آخذ في الازدياد ويتركّز أكثر فأكثر في عدد قليل نسبيًا من البلدان، مع الإشارة إلى وجود علاقة إيجابية بين نمو التجارة وزيادة التلوّث. والأهم من ذلك هو أن الدراسة تبيّن إلى أن بصمة التلوّث الخارجي (أي الناجمة عن التجارة) أصغر مقارنة بالبصمة الداخلية (أي الناجمة عن الإنتاج المحلي)، ما يشير إلى أن الظروف المحلية تشكل الدوافع الرئيسية التي تحدد ملامح ممارسات المزارعين.184
فقدان التنوع البيولوجي وإزالة الغابات
يرتبط فقدان التنوع البيولوجي ارتباطًا وثيقًا بالتغيّرات في استخدام الأراضي، وبما أن الأسواق لا تأخذ كلفته في الحسبان، فإنه يمكن لعدم كفاية التنظيم وإنفاذ القانون في منطقة الإنتاج أن يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة (انظر الإطار 3-1). وتضم الغابات معظم التنوع البيولوجي البرّي في العالم، وينطوي تناقص الغطاء الحرجي على فقدان كبير للتنوع البيولوجي. وتحتوي الغابات على أكثر من 000 60 نوع مختلف من الأشجار. كما أنها توفر الموائل لنسبة 80 في المائة من أنواع البرمائيات و75 في المائة من أنواع الطيور و68 في المائة من أنواع الثدييات في العالم. وتضم الغابات الاستوائية حوالي 60 في المائة من جميع أنواع النباتات الوعائيّة في العالم.185
الإطار 3-1التجارة والتنوع البيولوجي: أهمية التنظيم
إن الأسواق غير المنظمة بشكل جيّد معرّضة أكثر من غيرها لتوليد عوامل خارجية بيئية سلبية من خلال التجارة.
وتبيّن إحدى الدراسات الآثار العميقة للطلب الدولي الكبير والمتواصل على التنوع البيولوجي، وفي هذه الحالة على نوع الثور الأمريكي (بيسون).244 ويركّز التحليل على طريقة تفاعل عوامل السوق في ما بينها وكيف كادت تؤدي إلى انقراض الثور الأمريكي في أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر بفعل التجارة. فأولًا، سمح الابتكار التكنولوجي في أوروبا باستبدال جلود العجل بجلود الجواميس في الإنتاج وأدّى إلى زيادة الطلب بشكل كبير على هذه الجلود الأخيرة. وثانيًا، سمحت الأسواق العالمية بتلبية الطلب على جلود الجواميس في أوروبا من خلال الواردات من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدّى إلى صيد قطعان الجواميس الأمريكية الصغيرة نسبيًا على نطاق واسع. وبحلول نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر، كان قد تم أسر قطعان البيسون الأمريكي الذي يعتبر موردًا مجانيًا ومتاحًا للجميع، بالكامل تقريبًا.
وتستكشف دراسة245 أخرى التأثير السببي للتجارة على انهيار الأرصدة السمكية. ويبيّن التحليل أن انهيار الأرصدة السمكية في اليابان قد أدّى إلى زيادة شراء الأسماك من الأسواق الدولية لتلبية الطلب المحلي. وعندما تكون الأسعار المحلية مرتفعة بما فيه الكفاية، تشكل الأسواق الدولية قناة لانتقال الأثر وتساهم في انهيار الأرصدة السمكية في بلدان أخرى تكون فيها هذه الأرصدة متاحة للجميع أو غير خاضعة للتنظيم. وتستنتج الدراسة أيضًا أن الموارد السمكية التي تجري إدارتها بشكل مستدام لا تنهار بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، الأمر الذي يدعم المطالبة بتنظيم المصيد بشكل ملائم.
وتؤكد هذه الأمثلة أن الأطر التنظيمية الملائمة ضرورية لضمان استخدام الموارد الطبيعية بصورة مستدامة، كما أن التشريعات الوطنية بالغة الأهمية لتحديد إطار عمل وكلاء السوق. وفي الوقت نفسه، لا يمكن الاستغناء عن التعاون المتعدد الأطراف في حالة الموارد المتنقلة (مثل الأرصدة السمكية العابرة للحدود) أو الموارد المشتركة (مثل الغلاف الجوي).
ويؤثر تحوّل المناظر الطبيعية على الموئل الطبيعي للحيوانات والنباتات، وفي حين أن بعض الأنواع قد تتكيّف مع هذه التغيّرات إلا أن العديد منها لن يتمكن من ذلك. ويقدّر أحد التوقعات بشأن انقراض الأنواع بسبب التغيّرات في استخدام الأراضي (بما في ذلك زيادة الأراضي الزراعية والمراعي والتوسّع الحضري) أن نسبة 25 في المائة من حالات الانقراض المتوقعة في العالم يمكن أن تعزى إلى التغيّرات في استخدام الأراضي من أجل الإنتاج الزراعي الرامي إلى تلبية الطلب على الصادرات.186
ويقع ثلثا غابات العالم في عشرة بلدان فقط (الشكل 3-3). ويعني ذلك ضمنًا أن الغالبية العظمى من التنوع البيولوجي العالمي موجودة في عدد قليل فقط من البلدان، الأمر الذي يجعل السياقات المحلية محور تركيز النقاشات الهادفة إلى تأمين التنوع البيولوجي العالمي. وإن نصف غابات العالم تقريبًا هي غابات استوائية (45 في المائة).187 وتضم الغابات الاستوائية الرطبة الكثافة البيولوجية الأعلى وتشكل مستودعات بالغة الأهمية للتنوع البيولوجي العالمي. وقد تسارعت وتيرة تحويل الأراضي الحرجية لاستخدامات أخرى في المناطق الاستوائية طيلة القرن العشرين بفعل النمو السكاني والابتكار التكنولوجي والتنمية الاقتصادية. وفي العقود الأخيرة، أدّت زيادة تكامل الأسواق دورًا أيضًا في هذه العملية.
الشكل 3-3تطور المناطق الحرجية في بلدان مختارة، 1900-2020

ويمكن للتزوّد بالمنتجات الزراعية أن يؤثر تأثيرًا شديدًا على التنوع البيولوجي المحلي وعلى صون الأنواع. ويترتب عن المنتجات المتأتية من البؤر الساخنة للتنوع البيولوجي أثر غير متناسب على التنوع البيولوجي المحلي وصون الأنواع. وقدّرت إحدى الدراسات تأثير صادرات الصويا القادمة من منطقة سيرادو البرازيلية على التنوع البيولوجي من خلال تتبع المنتج من منشئه وصولًا إلى مستوى البلدية. وتشير النتائج إلى أن واردات الصويا إلى الاتحاد الأوروبي كان لها تأثير كبير على فقدان موئل الذئب ذي العرف وآكل النمل الكبير في منطقة ماتو غروسو البرازيلية بين عامي 2000 و2010.188 وكان تأثير الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي على فقدان موئل هذين النوعين متساويًا تقريبًا مع تأثير صادرات الصويا إلى الصين رغم الاختلاف الكبير في الحجم بينهما. ويعود السبب في ذلك إلى أن الصادرات المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي كانت تأتي من مواقع غنية بالتنوع البيولوجي، ما يبيّن أهمية السياق المحلي في توليد التأثيرات البيئية غير المباشرة المتصلة بالتجارة.
على المستوى العالمي، انخفض المعدل السنوي لتراجع مساحة الغابات من 0.19 في المائة في الفترة 2000-1900 إلى 0.12 في المائة بين عامي 2010 و2020.189 وإن مستوى الترابط غير المسبوق بين الاقتصادات يجعل بعض الدوافع الاقتصادية الكامنة وراء التغيّرات في استخدام الأراضي تتجاوز الحدود الوطنية، مع قيام الأسواق العالمية بنقل الحوافز لتوسيع رقعة الأراضي الزراعية وتغير استخدام الأراضي، بما في ذلك على حساب الأراضي الحرجية.190
ويُنظر إلى التوسّع الزراعي على أنه السبب الرئيسي لإزالة الغابات، وهناك مجموعة واسعة من الأدبيات التي تتناول الترابط القائم بين التجارة والتوسّع الزراعي وإزالة الغابات.أأ وكان الإنتاج الزراعي للمواشي وفول الصويا وزيت النخيل – وجميعها منتجات عليها طلب دولي مستمر – مسؤولًا عن 40 في المائة من حالات إزالة الغابات الاستوائية بين عامي 2000 و2010.191 وفي بعض الحالات، يمكن أن تؤدي الزيادة في الصادرات الزراعية إلى تناقص الغطاء الحرجي، ولو أن حجم هذا التأثير يتوقف على الظروف المحلية.192 وعلى سبيل المثال، أشارت التقديرات الواردة في دراسة ركّزت على الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، إلى أن 50 في المائة من الزيادة في الأراضي الزراعية في هذه البلدان كان سببها التجارة ولكن النصف المتبقي من حالات إزالة الغابات كانت مرتبطة بالإنتاج الموجّه إلى الأسواق المحلية.193 ولوحظ أن مستوى التنمية والضغوط السكانية شكلت، بالإضافة إلى الصادرات الزراعية، دوافع أيضًا لإزالة الغابات. ويساهم انفتاح التجارة في تعظيم النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يسرّع اتجاهات أخرى تفرض ضغوطًا على الموارد من الأراضي، مثل ارتفاع الدخل، ونمو الطلب، والتوسّع الحضري، والتغيّرات في الأنماط الغذائية.
وتعتبر النظم الزراعية والغذائية ثاني أكبر قطاع يتسبب في انبعاث غازات الدفيئة بعد قطاع الطاقة، وكانت مسؤولة في عام 2019 عن 31 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم. وكانت التغيّرات في استخدام الأراضي، بما في ذلك إزالة الغابات وتدهور المستنقعات العشبية، مسؤولة وحدها عن 7 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية في عام 2019.194 وتشير دراسة عالمية حديثة بشأن العلاقات بين التجارة وإزالة الغابات إلى إمكانية ربط جزء من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات الاستوائية بالتجارة (ما يصل إلى 39 في المائة).195
وتُعدّ الغابات جزءًا مهمًا من الحلول الرامية إلى التصدي لتغيّر المناخ. فهي تزيل ثاني أكسيد الكربون من الجو عن طريق التمثيل الضوئي وتدمجه في كتلتها، مؤدية بذلك دور بالوعة لثاني أكسيد الكربون عندما تنمو.196 وتؤدي إزالة الغابات إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة بشكل مباشر من خلال إطلاق الكربون المخزّن في الأشجار عند إزالتها، وبشكل غير مباشر بسبب فقدان بواليع الكربون عند تحويل الأراضي لاستخدامات أخرى تكون فيها القدرة على تخزين الكربون أدنى. ومع أن إزالة الغابات تحدث على المستوى المحلي، فإن النظم المناخية مترابطة في ما بينها وتكاليف انبعاثات غازات الدفيئة تتجاوز الحدود الوطنية، الأمر الذي يجعل تغيّر المناخ تأثيرًا من التأثيرات العالمية غير المباشرة. ولقد تصدّى المجتمع الدولي لتغيّر المناخ على مدى عقود من الزمن ولكن التقدم كان متفاوتًا بين البلدان، ويعود ذلك جزئيًا إلى أن مواءمة الأهداف العالمية مع الأولويات الوطنية لا تزال تمثل تحديًا هائلًا (انظر الجزء 4).197 وخلال العقدين الماضيين، اعتمدت البلدان والحكومات على المسوى شبه الوطني والمجتمع المحلي والقطاع الخاص الهدف المتمثل في خفض فقدان الغابات ووقفه وعكس مساره، بما في ذلك من خلال التزامات ومبادرات على غرار الهدف 15 من أهداف التنمية المستدامة، والأهداف العالمية للغابات، وإعلان نيويورك بشأن الغابات، والقرار الصادر عن منتدى السلع الاستهلاكية، وإعلانات أمستردام، ومبادرة أمين عام الأمم المتحدة لتحويل مسار إزالة الغابات، ومؤخرًا إعلان قادة البلدان في غلاسكو بشأن الغابات واستخدام الأراضي. ويضع العديد من هذه المبادرات أهدافًا محددة لفصل الإنتاج الزراعي عن إزالة الغابات.
وترك بلدان مستوردة عديدة البصمات البيئية التي تخلّفها وقد اتخذت إجراءات للحد من دورها في الضغوط على إزالة الغابات وتدهورها. وعلى سبيل المثال، يمنع القانون الأوروبي الخاص بالأخشاب لعام 2013 تسويق الأخشاب غير القانونية والمنتجات المشتقة عنها في السوق الأوروبية المشتركة. وقدّمت المفوضية الأوروبية في عام 2021 اقتراحًا تشريعيًا لضمان ألا يكون زيت النخيل والصويا والخشب والكاكاو والبن والماشية والمنتجات المشتقة عنها التي تدخل السوق الأوروبية المشتركة مرتبطة بعملية «إزالة للغابات» بغض النظر عن الوضع القانوني لعملية إزالة الغابات في بلد المنشأ (انظر الإطار 3-2). وبما أن الموقع الذي يتم استقدام الصادرات منه يمكن أن يحدد الأثر المترتب على البيئة، تضمّن التشريع المقترح أحكامًا خاصة بالتتبع وتحديد المراجع الجغرافية. ويمكن للتكنولوجيات الرقمية أن تسهّل تتبع المنتجات على امتداد سلسلة القيمة فيما يمكن لتحسين التتبع أن يعزز الثقة ويشجّع على اعتماد الممارسات المستدامة.198
الإطار 3-2اقتراحا المفوضية الأوروبية لتنظيم المنتجات التي لا تترتب عنها إزالة الغابات وبذل العناية الواجبة المؤسسية المراعية للاستدامة
المنتجات التي لا تترتب عنها إزالة الغابات
اقترحت المفوضية الأوروبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إصدار تشريع للحد من المنتجات المرتبطة بإزالة الغابات في سلاسل إمداداتها. وينص التشريع المقترح على أنه يتعيّن على مشغلي سلسلة الإمداد العاملين في الاتحاد الأوروبي ضمان ألا تترتب على المنتجات التي تدخل السوق الأوروبية (زيت النخيل والصويا والخشب والبن والماشية والمنتجات المشتقة عنها) إزالة للغابات.246 ويتعيّن على المشغّلين جمع المعلومات عن حالة عملياتهم التي لا تترتب عنها إزالة للغابات، ولا سيما الموقع الجغرافي الذي يتم فيه إنتاج السلع في بلدان المنشأ، وحفظها وإتاحتها عند الطلب. ويتولّى المشغّلون أيضًا مسؤولية بذل العناية الواجبة في سلاسل إمداداتهم.
وحدد التنظيم المقترح تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول 2020 كموعد نهائي لاستخدام الأراضي المتدهورة أو التي أزيلت منها الغابات استخدامًا مثمرًا. وستتولّى السلطات الوطنية مسؤولية إجراء عمليات التدقيق مع المشغّلين والتجّار، ويُتوقع فرض غرامات مالية في حال عدم الامتثال. ويتوخّى التشريع إجراء استعراض بعد انتهاء فترة مؤقتة مدّتها ثلاث سنوات. كما أنه ينص على إجراء تقييم لإمكانية توسيع نطاق التنظيم ليشمل نظمًا إيكولوجية (تتجاوز نطاق الغابات) ومنتجات أخرى في غضون سنتين من دخول التنظيم حيّز التنفيذ. ويختلف هذا الاقتراح عما سبقه من مبادرات بطريقتين مهمتين. أولًا، فإنه يتجاوز مفهوم الإزالة غير المشروعة للغابات من خلال فرض شرط وقف إزالة الغابات. وثانيًا، فإنه يولي أهمية كبيرة للقطاع الخاص الذي يصبح بحكم الأمر الواقع منفّذًا نشطًا للتنظيم. وإذا تم اعتماد الاقتراح، سوف يتيح التنظيم فترة انتقالية يحظى خلالها التجار والمشغلون باثني عشر شهرًا لترتيب نظم العناية الواجبة المناسبة قبل عرض المنتجات المعنية في السوق الأوروبية أو تصديرها منها. ويتسم النهج الذي تتبعه المفوضية الأوروبية للحد من إزالة الغابات بالشمول، ولقد تعهّدت المفوضية بدعم الشركاء التجاريين لتقوية حوكمة الغابات، وتطوير التشريعات، وتعزيز القدرات، وزيادة الشفافية في سلاسل الإمدادات مع مراعاة في الوقت نفسه حقوق المجتمعات المحلية المعتمدة على الغابات والسكان الأصليين واحتياجات أصحاب الحيازات الصغيرة. ولكن لا يزال يتعيّن تحديد النتائج الدقيقة لمثل هذا الإطار السياساتي، ذلك أنه اقتراح ناشئ يجب إقراره ليصبح تشريعًا والأدبيات المتعلّقة بالتدابير المماثلة نادرة.
العناية الواجبة المؤسسية المراعية للاستدامة
قدّمت المفوضية الأوروبية في فبراير/شباط 2022 اقتراحًا لإصدار توجيه بشأن العناية الواجبة المؤسسية المراعية للاستدامة يُطلب فيه إلى الشركات من مختلف الأحجام أن تحدد الآثار الاجتماعية والبيئية في سلاسل إمداداتها، وأن تمنعها وتخفف منها.246،245 ويهدف الاقتراح التشريعي إلى تشجيع التزوّد المسؤول من خلال ضمان دمج الاعتبارات الاجتماعية والبيئية في الحوكمة المؤسسية، وإدارة الشركات، والعمليات، والعلاقات مع الموردين في المراحل الأولية. وستضمن القواعد الجديدة، في حال اعتمادها، تصدي الأعمال التجارية للآثار السلبية من خلال التجارة والتزوّد، بما في ذلك في سلاسل القيمة الخاصة بها.
سيُطلب بصورة خاصة إلى الشركات أن تعزز التعاون مع الموردين للحد من الآثار السلبية في سلاسل الإمدادات، ورصد تدابير العناية الواجبة الخاصة بها وتلك الخاصة بمورديها، ووضع إجراء لتقديم الشكاوى ومعالجتها. وينظر الاقتراح إلى الزراعة على أنها قطاع عالي المخاطر وذو الأولوية، ويشترط على بعض الشركات الكبرى أن تكون لديها خطة لضمان اتساق استراتيجية عملها مع الحد من ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجات مئوية بما يتماشى مع اتفاق باريس. ويشجّع الاقتراح الشركات على اعتماد وتنفيذ إطار العناية الواجبة المستند إلى المخاطر الوارد في التوجيهات المشتركة بين منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة لترشيد سلاسل الإمداد الزراعي والمشار إليه في نص التشريع على أنه إطار القطاع الزراعي للتزوّد المسؤول والتنمية. ولدى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وألمانيا، بالفعل تشريعات خاصة بالعناية الواجبة.
ومع أنّ الاقتراح مشجّع، تعمل الشركات في المراحل الأولية من سلاسل الإمداد في سياقات تشوبها التحديات الإنمائية، وبما أنها المتلقي النهائي للتشريع المتعلّق بالعناية الواجبة (وإزالة الغابات)، من المتوقع أن تتصدى الشركات للمخاطر وتخفف من حدّتها تبعًا للضغوط التي يفرضها تجار التجزئة والتجار والشركات في المراحل النهائية من سلسلة الإمداد في الاتحاد الأوروبي.
وتبذل بلدان استوائية عديدة جهودًا لكبح إزالة الغابات وتدهورها، إضافة إلى تعزيز الامتثال والتحقق القانونيين. ويشارك القطاع الخاص الذي يشكّل مصدرًا في هذه البلدان بشكل متزايد في إيجاد الحلول لإضعاف الحوافز المؤدية إلى إزالة الغابات. وتشكل مبادرة المقاطعة الطوعية للصويا التي تم إطلاقها في البرازيل مثالًا على التزام القطاع الخاص بدعم القطاع العام لوقف إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية. وتُعدّ هذه المبادرة التزامًا دائمًا تعهّد به كبار تجّار فول الصويا في البرازيل لعدم تسويق فول الصويا المنتج في مناطق من غابة الأمازون البرازيلية التي أزيلت الأشجار منها بعد عام 2006. وتكلل هذا الاتفاق بنجاح كبير وساهم، ضمن مجموعة تدابير أخرى، في تراجع ملحوظ في إزالة الغابات في الأمازون بين عامي 2006 و2014.199 ولكن مستويات إزالة الغابات في الأمازون لا تزال تشكل مصدر قلق ومعالجتها صعبة. فعلى سبيل المثال، هناك مؤشرات تدلّ على أن انخفاض معدلات إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية قد أدّى إلى تزايد ضغوط إزالة الغابات في البلدان المجاورة التي تطبّق فيها أنظمة أقل صرامة، الأمر الذي سرّع وتيرة فقدان الغابات في كولومبيا وباراغواي وبيرو.200