تنطوي الغابات على إمكانات تجعلها قادرة على توفير الحلول للعديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المتزايدة التي تواجه الكوكب بأكمله. ويناقش هذا الفصل ثلاثة مسارات قائمة على الغابات والأشجار على اعتبار أن أي حلّ له آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية يجب دراستها معًا. والمسارات الثلاثة هي (1) وقف إزالة الغابات والحفاظ عليها؛ (2) وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وتوسيع نطاق الحراجة الزراعية؛ (3) والاستخدام المستدام للغابات وبناء سلاسل القيمة الخضراء. ويتطلب كل مسار النظر في الشواغل البيئية وتحقيق التوازن بين تلك الشواغل والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك، بالنسبة إلى الشواغل المتعلقة بالتعافي والتنمية المستدامة؛ ودمج الحلول للاستفادة من أوجه التآزر بينها؛ والحدّ من أوجه القصور لبناء مستقبل أفضل وأكثر شمولا وقدرة على الصمود واستدامة.
1.3 سيعود وقف إزالة الغابات والمحافظة على خدمات النظم الإيكولوجية الحرجية بالنفع على المناخ والتنوع البيولوجي والصحة والأمن الغذائي على المدى الطويل
- ➔ تعدّ جهود وقف إزالة الغابات من أهم التدابير الفعالة من حيث الكلفة للتخفيف من حدّة تغير المناخ، خصوصًا إذا تمّ تكثيف هذه الجهود. وفقًا لتقديرات حديثة، فإن وقف إزالة الغابات قد يؤدي، على نحو فعال من حيث الكلفة، إلى تفادي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 3.6 -/+ 2 جيغا طن في السنة على مدى الفترة الممتدة بين 2020 و2050، أي أنها تُسهم بنحو 14 في المائة من المستهدف المطلوب للحفاظ على الاحترار العالمي دون 1.5 درجات مئوية بحلول عام 2030. ومن شأن الاستفادة من نظم المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها أن يسهّل تنفيذ هذه الإجراءات وتمويلها.
- ➔ يُعتبر تحسين كفاءة النظم الزراعية والغذائية وإنتاجيتها واستدامتها عنصرًا أساسيًا لتلبية الاحتياجات الغذائية المستقبلية بالتوازي مع خفض الطلب على الأراضي الزراعية والحفاظ على الغابات وتأمين المنافع المتعددة التي توفرها الغابات للنظم الزراعية. من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليارات نسمة بحلول عام 2050؛ ومع أخذ التغيرات في الأنماط الغذائية وغيرها من العوامل في الاعتبار، فإن هذا يعني زيادة في الطلب على الغذاء بنسبة تتراوح بين 35 و56 في المائة، مما قد يزيد الطلب على الأراضي ويُثقل الضغط على الغابات.
- ➔ تنطوي الاستراتيجيات العالمية لمنع انتشار الجوائح انطلاقًا من الحدّ من الاتجار غير المشروع بالأحياء البرية وتجنب تغيير استخدام الأراضي وزيادة المراقبة على كلفة تتراوح بين 22 و31 مليار دولار أمريكي. وهذا جزء بسيط مقارنةً بالتكاليف الناجمة عن انتشار الجوائح.
- ➔ تُعدّ مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين أمرًا حاسمًا لإحراز تقدم في وقف إزالة الغابات. يمكن لمبادرات الشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تقدم حلولًا فعّالة، كما أن استخدام مزيج يربط بين نهج المناظر الطبيعية وإدارة سلسلة التوريد يبدو حلًّا واعدًا في مواجهة التحديات التي تحول دون استخدام الأراضي استخدامًا مستدامًا.
شهدت السنوات الستون الماضية تغييرات في استخدام أراضٍ قاربت مساحتها على ثلث مساحة كوكب الأرض، وكانت الأغراض المتعلقة بالزراعة سببًا في إزالة نحو 90 في المائة من الغابات بين عامي 2000 و2018
إنّ فهم دوافع التغير العالمي في استخدام الأراضي آخذ في التبلور بسبب تحسّن البيانات والأدوات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ومنها توفّر مجموعات البيانات العالية الدقّة. ورغم التباين الكبير في أهمية الدوافع الكامنة وراء إزالة الغابات مع مرور الوقت وعبر المناطق الجغرافية 100،99،98،97 إلا أن الزراعة تبقى السبب المباشر والأهمّ. وقد كشف مسح أجرته مؤخرًا منظمة الأغذية والزراعة باستخدام الاستشعار عن بعد أن ما يقرب من 90 في المائة من إزالة الغابات بين عامي 2000 و2018 كان لأغراض ترتبط بالزراعة (52.3 في المائة لأغراض التوسع في الأراضي الزراعية و37.5 في المائة لأغراض التوسع في رعي الماشية).101 فقد كان التوسّع في الأراضي الزراعية سببًا في إزالة ما يزيد عن 75 في المائة من الغابات في أفريقيا وآسيا. أمّا في أمريكا الجنوبية وأوسيانيا، فقد كان الدافع الأهم وراء إزالة الغابات هو رعي الماشية، وفي أوروبا، كان التوسّع في البنية التحتية والزحف الحضري. 102 وكانت تقارير حديثة أخرى قد بحثت في العوامل الأساسية لإزالة الغابات: فعلى سبيل المثال، قدر Dummet وBlundellا (2021) أن حوالي 40 في المائة من عمليات إزالة الغابات الاستوائية بين عامي 2000 و2012 كان سببها ممارسات غير قانونية حوّلت الأراضي الحرجية لاستخدامها لأغراض الزراعة التجارية، 103 وسلّط Pacheco وآخرون (2021) الضوء على الدور الأساسي لممارسات الاستيلاء على الأراضي في إزالة بعض الغابات. 104
ومن المهم أيضًا النظر في ديناميكيات الدوافع المتوقّعة مستقبلًا. فعلى سبيل المثال، يُتوقّع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.7 مليارات نسمة بحلول عام 2050؛ 105 ومع أخذ التغيرات في الأنماط الغذائية وغيرها من العوامل في الاعتبار، فإن هذا يعني زيادة في الطلب على الغذاء بنسبة تتراوح بين 35 و56 في المائة، 106 مما قد يزيد الطلب على الأراضي ويُثقل الضغط على الغابات.
وقد تكون بعض الممارسات التجارية المتصلة بالمنتجات الزراعية والحرجية سببًا في إزالة الغابات.107 ورغم اتساع مساحة الغابات في عدد من أقاليم العالم، إلا أنّ إزالة الغابات التي جسّدتها بعض من وارداتها قد زادت.108 وكشف مسح أجرته منظمة الأغذية والزراعة باستخدام الاستشعار عن بعد أن ما يصل إلى 7 في المائة من إزالة الغابات في العالم بين عامي 2000 و2018 يرجع إلى مزارع نخيل الزيت وحدها 109 التي يدخل نحو ثلاثة أرباع إنتاجها إلى التجارة الدولية.110
وللغابات دور حاسم في تمكين العالم من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومنها الأهداف المتعلقة بحفظ التنوع البيولوجي وسبل العيش والأمن الغذائي والتخفيف من المخاطر الطبيعية والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيّف معه. وسيترتب على مواصلة إزالة الغابات عواقب وخيمة ولكن يصعب تقديرها بسبب مجموعة من أوجه عدم اليقين وإمكانية بلوغ منعطفات حادّة وعتبات ومؤشرات محددة. فعلى سبيل المثال، تبين النماذج أن منطقة الأمازون البيئية يمكن أن تَعبُر منعطفًا حادًّا إذا تجاوزت إزالة الغابات 40 في المائة من مساحة الغابات الأصلية، مهددةً بتحول النظم الإيكولوجية هذه المنطقة إلى نظم إيكولوجية شبيهة بتلك القائمة في السافانا، مع ما يتبع ذلك من عواقب وتكاليف لا يمكن تقييمها بسهولة. 111
قد تكون جهود وقف إزالة الغابات من أهم التدابير الفعالة من حيث الكلفة للتخفيف من حدّة تغير المناخ والتكيف معه والحدّ من فقدان التنوع البيولوجي
تغير المناخ. كان تقرير التقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ قد ذكر بوضوحٍ أن تغير المناخ يجري على نطاق واسع وسريع ومكثّف وأن السبيل الوحيد لمنع انهيار المناخ هو من خلال التخفيض السريع والجذريّ لغازات الدفيئة خلال العقد الحالي. 112 وجاءت جميع المسارات التي حددّتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ متوافقة مع الحدّ من متوسط ارتفاع درجات الحرارة في العالم إلى أقل من 1.5 درجات مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وتتطلب هذه المسارات تحييد أثر الكربون الناتج عن النشاط البشري بحلول عام 2050. ويتضح من خلال التحليل أنه، بالإضافة إلى التحوّل إلى اقتصادات منخفضة الكربون، يتعين أيضًا إحداث تخفيف كبير في الانبعاثات بتطبيق الخيارات المتاحة لتكييف استغلال الأراضي مع تغير المناخ.113 ومن شأن وقف إزالة الغابات، الذي سيشمل اتخاذ إجراءاتٍ لحماية النظم الإيكولوجية الطبيعية والمعدّلة وإدارتها إدارة مستدامة وإعادة تأهيلها، أن يوفّر فوائد مناخية وغير مناخية هامة كالتكيف والمرونة. ويؤدي وقف إزالة الغابات إلى تفادي الانبعاثات المباشرة الناجمة عن فقدان الكتلة الأحيائية، ويؤدي أيضًا إلى الإبقاء على الغابات والحفاظ على قدرتها على امتصاص الكربون ودعم القدرة على الصمود واستدامة سبل العيش.
وتؤدي الغابات دورين في انبعاثات غازات الدفيئة فهي مصدر وبالوعة لها في آن واحد. وفي الفترة بين عامي 2007 و2016، بلغت الانبعاثات الناجمة عن الممارسات البشرية في الغابات واستخدام الأراضي (وأغلبها يتمثّل من الناحية العملية في تحويل أراضي الغابات والمستنقعات العشبية) 5.8 -/+ 2.6 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل حوالي 11 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. 114 ومن ناحية أخرى، ساهمت الغابات في تأخير ظاهرة تغير المناخ من خلال امتصاص جزء كبير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية 115 - حوالي 11.2 -/+ 2.6 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بين عامي 2007 و2016. 116 إلا أن هذه القدرة التنظيمية مهددة بالزوال مع إزالة الغابات وتدهورها (على اختلاف مسبباتها ومنها تغير المناخ). وفي ظلّ غياب تكنولوجيات أخرى (في الوقت الحاضر) أثبتت جدواها في تخزين الكربون على نطاق واسع، فإن المحافظة على الغابات وإعادة تأهيلها هي الطريق الوحيدة لإزالة كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
وفي بعض الحالات، لا يمكن تصحيح اتجاه إزالة الغابات (بينما قد يكون التعافي بطيئا جدًا في حالات أخرى)، وهو باعث إضافي من بواعث القلق ويشدّد على الحاجة إلى وقف إزالة الغابات كوسيلة للتصدي لتغير المناخ. وعلى الصعيد العالمي، تحتوي النظم الإيكولوجية المعرضة لخطر إزالة الغابات أو تدهورها على ما لا يقل عن 260 جيغا طن من الكربون المخزّن في نظم إيكولوجية غير قابلة للتعافي أو التي يكون تعافيها صعبًا، ولا سيما في المستنقعات العشبية وغابات المانغروف والغابات والأهوار القديمة. 117 ويُهدد التقاعس عن اتخاذ إجراءات إضافية بإزالة ما يقدّر بحوالي 289 مليون هكتار من الغابات بين عامي 2016 و 2050 في المناطق الاستوائية وحدها وانبعاث 169 جيغا طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون. 118 وبالتالي، فإن وقف إزالة الغابات ومنع تدهورها هو أحد أهم الإجراءات للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة وإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
وكان تقييم أجري مؤخرًا لعدّة دراسات قد كشف عن إمكانات تقنية لتقليل إزالة الغابات بنسبة مكافئة تتراوح بين 3.1 و8.9 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وإمكانات فعالة من حيث الكلفة للتخفيف من وطأة تغير المناخ تتراوح بين 1.6 و5.6 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون (بمعدّل= 3.6 جيغا طن من ثاني أكسيد الكربون) سنويًا (الجدول 4). 119 وتشير الإمكانات الفنية إلى ما هو ممكن باستخدام التكنولوجيا الحالية، بغض النظر عن الكلفة، وتشير الإمكانات الفعالة من حيث الكلفة إلى الإمكانات التي تصل كلفتها المقدّرة إلى 100 دولار أمريكي لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وتعتبر ضمن النطاق المطلوب لتحقيق أهداف اتفاق باريس؛ وللإمكانات المجدية من حيث الكلفة أهمية أكبر في وضع السياسات والخطط الوطنية. وبالتالي، فإن وقف إزالة الغابات ينطوي على إمكانات فعالة من حيث الكلفة أكبر بكثير من خيارات التخفيف في القطاعات الأخرى. 120 ويمثل الحدّ من إزالة الغابات الاستوائية ثلثي إمكانات الفعالية من حيث الكلفة من إجمالي إمكانات الخيارات الحرجية جميعها (وهي الحدّ من إزالة الغابات الاستوائية وتحسين إدارة الغابات على الصعيد العالمي، والتشجير/إعادة التحريج على الصعيد العالمي). 121 كما وردت إشارة إلى أن الاستثمار في الإجراءات المنخفضة الكلفة للتخفيف من آثار تغير المناخ القائمة على الغابات سيؤدي إلى انخفاض الكلفة الإجمالية لتحقيق الأهداف المناخية على الصعيد العالمي، وقد يؤدي أيضًا إلى تحقيق إيرادات يمكن استخدامها في اتخاذ المزيد من إجراءات التخفيف.122
الجدول 4الإمكانات السنوية الفنية والفعالة من حيث الكلفة لأبرز خيارات التخفيف من تغير المناخ القائمة على الغابات في مختلف أرجاء العالم، 2020-2050

المصادر: حسابات أجرتها منظمة الأغذية والزراعة استنادًا إلى Roe وآخرين (2021) واستنادًا إلى الرسوم البيانية الواردة في مؤلَف Austin وآخرين (2020) وBusch وآخرين (2019).
Roe, S., Streck, C., Beach, R., Busch, J., Chapman, M., Daioglou, V., Deppermann, A. et al. 2021. Land‐based measures to mitigate climate change: potential and feasibility by country. Global Change Biology, 27(23): 6025–6058. https://doi.org/10.1111/gcb.15873 Austin, K.G., Baker, J.S., Sohngen, B.L., Wade, C.M., Daigneault, A., Ohrel, S.B., Ragnauth, S. et al. 2020. The economic costs of planting, preserving, and managing the world’s forests to mitigate climate change. Nature Communications, 11(1): 5946. https://doi.org/10.1038/s41467-020-19578-z Busch, J., Engelmann, J., Cook-Patton, S.C., Griscom, B.W., Kroeger, T., Possingham, H. & Shyamsundar, P. 2019. Potential for low-cost carbon dioxide removal through tropical reforestation. Nature Climate Change, 9(6): 463–466. https://doi.org/10.1038/s41558-019-0485-x
التنوع البيولوجي. جاء في تقييم منظمة الأغذية والزراعة لحالة التنوع البيولوجي في العالم من أجل الأغذية والزراعة (2019) أن التنوع البيولوجي لا غنى عنه من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة وتوفير خدمات النظم الإيكولوجية. 123 ويقدر أن 75 في المائة من المحاصيل الغذائية الرئيسية في العالم وعددها 115 محصولًا - تمثل مجتمعة 35 في المائة من الإنتاج الغذائي العالمي - تستفيد من التلقيح بواسطة الحيوانات 124 التي يعيش الكثير منها في الغابات. غير أن التنوع البيولوجي لا يزال يشهد تراجعًا في جميع أنحاء العالم، فالإجراءات الحالية غير كافية لضمان صونه واستخدامه استخدامًا مستدامًا وتحقيق التنمية المستدامة. 125 ومن أجل وقف فقدان التنوع البيولوجي وتصحيح اتجاهه، تبرز الحاجة إلى تغيير تحولّي يعالج أسبابه الجذرية - أي الدوافع غير المباشرة المترابطة؛ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديموغرافية والسياسية والمؤسسية والتكنولوجية التي تكمن وراء الدوافع المباشرة. 126 وتشكّل إزالة الغابات تهديدًا خطيرًا للتنوع البيولوجي لأنها تتسبب في فقدان الأنواع واختلال التوازن في توزيعها، مما يزيد من خطر الانقراض.127
ويتعين ضخّ استثمارات كبيرة لتعزيز التدابير الرامية إلى صون التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام. فتعزيز الإدارة المستدامة للغابات لا يكفي، بل يجب أيضًا حماية الغابات كجزء من مجموعة أوسع من الحلول. على سبيل المثال، اقترح تحليل أجراه Waldron وآخرون (2020) أن كلفة حماية الغابات وأشجار المانغروف بمساحة تغطّي 30 في المائة من سطح الأرض تتطلب استثمارًا سنويًا قدره 140 مليار دولار أمريكي؛ 128 وهذا المبلغ على ضخامته، لا يمثل سوى ربع الإعانات العالمية التي تضخّها الحكومات حاليًا في الأنشطة الضارة بالغابات (وبالتالي بالتنوع البيولوجي) (انظر الفصل 4). بيد أن المناقشات الحكومية الدولية لم تخلُص إلى استنتاجات بشأن جدوى أو تقبّل فكرة توسيع رقعة المناطق المحمية من الغابات على الصعيد العالمي بسبب أوجه المفاضلة المعقدة التي تنطوي عليها هذه الفكرة.
الخدمات الهيدرولوجية. تساعد النظم الإيكولوجية في الغابات الخاضعة للإدارة المستدامة على تنظيم الدورات الهيدرولوجية ويمكن أن تقلل من احتمال تكبّد الخسائر الزراعية التي قد تنجم عن الجفاف وتآكل التربة والانهيارات الأرضية والفيضانات.129 وترتبط قدرة الغابات على تقديم الخدمات المرتبطة بنوعية المياه وكميتها وتوقيتها ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات في استخدام الأراضي وإدارتها، وترتبط أيضًا بالنطاقات المكانية والزمنية التي تحدث فيها التفاعلات بين الغابات والمياه. وأظهر تحليل شمل 230 مستجمعًا مائيًا رئيسيًا في العالم، أن المستجمعات التي فقدت أكثر من 50 في المائة من الغطاء الشجري الأصلي (حتى عام 2015) كان قد سبق تقييمها بأنها معرضة لخطر التآكل من الدرجة المتوسطة إلى المرتفعة (نسبة المخاطر 88 في المائة) وحرائق الغابات (68 في المائة) والإجهاد المائي (48 في المائة).130 وتنظم الغابات الواقعة في مستجمعات المياه على مناطق مرتفعة تدفقات المياه وتسهم في رفد المياه الجوفية وفي حفظ التربة. وتوفر مستجمعات المياه الحرجية ثلاثة أرباع المياه العذبة المتاحة؛131 منها الموارد المائية اللازمة للعديد من المناطق المروية. وبذلك، فإن حفظ الغابات قد يساعد في خفض كلفة معالجة المياه.132
ويمكن أن يكون الاستثمار في الغابات إجراءً فعالاً من حيث الكلفة لإدارة المياه. 134،133 ففي مدينة مومباي الهندية على سبيل المثال، تزداد نسبة تعكّر المياه 8.4 في المائة مع فقدان 1 في المائة من الغطاء الحرجي، مما يرفع كلفة معالجة مياه الشرب بنحو 1.6 في المائة.135 وفي زامبيا، قُدّرت الوفورات المتحققة من إدارة الغابات بغية الحدّ من الرواسب في خزّانات السدود بما يتراوح بين 123 و247 مليون دولار أمريكي سنويًا (1.2 إلى 2.9 دولارات أمريكية لكل هكتار في السنة)، بحسب نوع السد.136 كما أن الحد من الرواسب في خزّانات السدود يزيد من عمر البنية التحتية وفائدتها واستدامتها، وقد يقلل عدد السدود التي ينبغي بناؤها.139،138،137
الكوارث. تساعد الغابات في التخفيف من الكوارث بشكل فعال من حيث الكلفة. فعلى سبيل المثال، تحمي غابات المانغروف ممتلكات تُقدّر قيمتها بنحو 65 مليار دولار أمريكي وحوالي 15 مليون شخص من الظواهر المناخية المتطرفة.140 ويمكن أن يؤدي فقدان غطاء المانغروف الحالي إلى زيادة عدد المتضررين بنسبة 28 في المائة ومساحة الأراضي المغمورة بنسبة 29 في المائة، وقيمة الممتلكات المتضررة بنسبة 9 في المائة؛ وتزيد فوائد غابات المانغروف في الحدّ من المخاطر مع اشتداد الفيضانات.141
الأمراض المعدية المستجدّة. يشير تحليل الأنماط المكانية لمصادر الأمراض المعدية المستجدّة إلى وجود علاقة بين إزالة الغابات وإعادة التحريج وزيادة خطر ظهور الأمراض المعدية المستجدّة في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن المناطق الحرجية الاستوائية التي تشهد تغيرًا سريعًا في استخدام الأراضي ونموًا سكانيًا مستمرًا هي البؤر الساخنة التي تبعث على القلق ويكون التنوع البيولوجي للثدييات فيها مرتفعًا (الشكل 8)؛142 ويمكن استهداف هذه البؤر الساخنة للوقاية عند المصدر وتركيز جهود التأهب فيها. ويعتبر تغيير النظم الإيكولوجية للغابات عنصرًا مساهمًا رئيسيًا على مستوى المناظر الطبيعية في ظهور الأمراض.143 وعمومًا، يزداد خطر الإصابة بالأمراض عندما تحدث تحوّلات في سياقات الغابات، مثل تحويل الغابات إلى الزراعة وشقّ الطرقات والتعدين وغيرها من الأنشطة الصناعية. فقد كشفت دراسة أجريت في السنغال أن احتواء الجسم البشري على مستويات عالية من الأجسام المضادة لفيروس شيكونغونيا الذي ينقله البعوض يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالإقامة على مقربة من مناطق الغابات وأنشطة تعدين الذهب (التي تنطوي عادةً على زيادة الوجود البشري في مواقع التعدين، إلى جانب التغيرات الإيكولوجية).144
الشكل 8خريطة "البؤر الساخنة" التي تظهر التوزيع المتوقع لخطر نشوء الأمراض الحيوانية المصدر من الأحياء البرية

المصدر: Allen, T., Murray, K.A., Zambrana-Torrelio, C., Morse, S.S., Rondinini, C., Di Marco, M., Breit, N. et al. 2017. Global hotspots and correlates of emerging zoonotic diseases. Nature Communications, 8(1): 1124. https://doi.org/10.1038/s41467-017-00923-8
وثمة أدلة متزايدة على أنّ انتشار العوامل الممرضة واستفحالها وانتشارها يُعزى إلى حد كبير إلى أنماط الاستهلاك التي عززتها عولمة الإنتاج والتجارة، والتي تقود إلى التعدّي على النظم الإيكولوجية الاستوائية، ولا سيما المناطق الحرجية (مثلا لإنتاج المحاصيل والماشية والأخشاب والتعدين وتصنيع السلع).145 وتُقدّر كلفة الاستراتيجيات العالمية لمنع الأوبئة القائمة على الحد من تغير استخدام الأراضي والتجارة غير المشروعة في الأحياء البرية وزيادة مراقبتها بما يتراوح بين 22 و31 مليار دولار أمريكي، إلا أنه يمكن خفض كلفة هذه الاستثمارات (لتتراوح بين 17.7 و26.9 مليارات دولار أمريكي) إذا تم النظر في فوائد خفض إزالة الغابات كوسيلة لزيادة امتصاص الكربون.146 وهذه التكاليف المقدرة أقل بكثير من كلفة أي جائحة ما، مما يوفر حافزًا اقتصاديًا قويًا للتغيير الجذرّي والحدّ من خطر الأوبئة.147 ويتعين، من بين أمور أخرى، تعزيز عنصر النظم الإيكولوجية الحرجية في نهج “صحة واحدة” لمعالجة الدوافع الكامنة وراء انتشار الأمراض (الإطار6).
الإطار 6صحة واحدة
تختلف الفوائد الصحية التي تعود بها الغابات على الإنسان، كما تختلف احتياجات الأشخاص باختلاف السياق، لا سيّما بين البيئات الريفية والحضرية. ويتبع نهج “صحة واحدة” نهجًا متكاملًا يُدرك أن صحة الإنسان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة الحيوان وببيئتهما المشتركة؛ ويهدف إلى ضمان أن يعمل الخبراء وواضعو السياسات وأصحاب المصلحة في القطاعات المتعددة معًا للتصدي للمخاطر التي تهدد صحة الحيوان والإنسان والنباتات والبيئة. ويمكن لنهج “صحة واحدة” أن يحدّ من مخاطر انتقال الأمراض ويحسن صحة ورفاه جميع الأشخاص والأحياء البرية والحيوانات والنظم الإيكولوجية. وحتى الآن، تركّزت معظم جهود نهج “صحة واحدة” في قطاعات الصحة العامة، يليها القطاع البيطري؛ بيد أنه اتضح أن معالجة العنصر المتعلق بصحة النظم الإيكولوجية من خلال التخطيط المسؤول لاستخدام الأراضي وزيادة مشاركة قطاعي الغابات والأحياء البرية والقائمين على إدارة الموارد الطبيعية أمر لا يقل أهمية.148 ولذلك، فإن الرصد والمراقبة المستمرين وتبادل البيانات واتخاذ القرارات القائمة على الأدلة هي عوامل أساسية لتقليل الآثار إلى أدنى حد وتعديل السياسات بمرور الوقت ومع تغير الظروف.
ومن المقرر أن يحقق وقف إزالة الغابات والحفاظ عليها فوائد متعددة محليًا وعالميًا وعلى المديين القصير والطويل، ومن هذه الفوائد إمكانية المساهمة في التعافي الأخضر من جائحة كوفيد - 19. ويمكن تحقيق جزء كبير من هذا الهدف على نحو فعال من حيث الكلفة. ومن المرجّح أن يؤدي تحديد الأولويات المشتركة لأهداف احتجاز الكربون وحماية التنوع البيولوجي والمياه والقيم الأخرى إلى تحديد أوجه تداخل كبيرة بين هذه الأهداف وبالتالي فرص لزيادة الفعالية من حيث الكلفة. فعلى سبيل المثال، قدّرت إحدى عمليات تحديد الأولويات المشتركة أن المناطق الثلاثين الأولى على سلّم الأولويات على الصعيد العالمي ستسهم في المحافظة على نحو ثلثي مخزون الكربون والمياه النظيفة والأنواع الموجودة. 149
وتنطوي عادة استجابات السياسات العامة لوقف إزالة الغابات على إيجاد حوافز لحفظ الغابات ومعالجة النزاعات المحتملة مع مسارات التنمية والأمن الغذائي والاحتياجات الاقتصادية، والاستثمار في الظروف التمكينية لاتخاذ قرارات أكثر كفاءة بشأن استخدام الأراضي. وينبغي هنا تسليط الضوء على بعض الاستجابات القائمة على مستوى السياسات للمضي قدمًا في مسار وقف إزالة الغابات.
المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها. هي مبادرة إطارية انبثقت عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وتهدف إلى توجيه ومكافأة النتائج المنبثقة عن السياسات والإجراءات التي تقلل من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها وتشجع الإدارة المستدامة للغابات وحفظ مخزونات الكربون الحرجي وتعزيزه في البلدان النامية؛ ومن المتوقع أن تكون هذه المبادرة من أبرز آليات وقف إزالة الغابات وتحقيق الأهداف المرتبطة بالمناخ، والآلية التي تتلقى على أساسها البلدان المدفوعات القائمة على النتائج. وبالاستناد إلى إطار المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها، يمكن للبلدان أن تفي بالمساهمات المحدّدة وطنيًا في التخفيف من آثار تغير المناخ بموجب اتفاق باريس، وقد اعترف العديد من البلدان بإمكانات الغابات في التخفيف من آثار تغير المناخ في المراجعات الأخيرة للمساهمات المحددة وطنيًا. ويمكن أيضًا ربط إجراءات المبادرة بفرص تمويل الكربون التي تنصّ عليها المادة 6 من اتفاق باريس (انظر الفصل 4) واستكمال الجهود القطرية الرامية إلى تنفيذ خطط التكيف الوطنية.
وكانت الصبغة التشاركية في الإجراءات وتنمية القدرات التي تحلّت بها مراحل إعداد المبادرة وتنفيذها قد هيّأت الظروف اللازمة للعمل، ولكن التنفيذ على نطاق واسع لا يزال مطلوبًا. وعلى الصعيد الوطني، إن زيادة الارتباط بين استراتيجيات المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها وبين السياسات الزراعية المحلية أمر حاسم لمعالجة الدوافع التي تؤدي إلى إزالة الغابات، التي يرتبط الكثير منها بإنتاج السلع الأساسية. وعند الحصول على المدفوعات القائمة على النتائج في إطار المبادرة من أجل خفض الانبعاثات، يمكن استثمارها في نظم زراعية وغذائية مراعية بشكل إيجابي للغابات، بما يشكّل رافدًا لحلقة حميدة بين التنمية الريفية المستدامة والإنجازات المتعلقة بالمناخ.
تمكين الإدارة المستدامة المتكاملة للأراضي وتنفيذها. تتميّز النهج المتكاملة لإدارة المناظر الطبيعية بطبيعتها المشتركة بين القطاعات. وتسعى إلى حشد الشركاء وتوفير التوجيه وتيسير العمل ضمن ولاية قضائية أو منظر طبيعي محدد على المستوى دون الوطني. وهذه النُهج معقدة ويمكن أن تتخذ أشكالًا عديدة بحسب السياق المحلي. وتبرز خمسة عناصر رئيسية بوصفها الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة محليًا لتمكين مكافحة إزالة الغابات بدافع التوسع الزراعي: (1) بناء الشراكات بين أصحاب المصلحة المتعددين حول جدول أعمال مشترك؛ (2) وتقديم الدعم الفني وتنمية القدرات بحياد واتساق؛ (3) والتخطيط المتكامل لاستخدام الأراضي؛ (4) وتطبيق نظم مشتركة للرصد والمعلومات؛ (5) وتمويل التحول إلى مناظر طبيعية مراعية بشكل إيجابي للغابات.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين تكثيف التعاون بين الهيئات العامة وتعزيز المشاركة من جانب أصحاب المصلحة بمن فيهم النساء والمجتمعات المحلية المهمشة، كي يتسنّى وضع خطط تستنير بمصالح واحتياجات هذه الفئات المختلفة. وعلاوةً على ذلك، تُشكّل الحيازة الآمنة والواضحة للأراضي أساسًا ضروريًا آخر للاستثمار والتنسيق المستدامين على المدى الطويل (انظر الفصل 5). ويمكن للحكومات أن تؤدي دورًا هامًا من خلال توفير الظروف القانونية والتقنية اللازمة لتمكين السكان الأصليين والمجتمعات المحلية وأصحاب الحيازات الصغيرة والنساء والشباب وغيرهم من الفئات الضعيفة ومنظماتهم الاجتماعية المحلية من إدارة مساحات أكبر.
تعزيز الحوكمة. يعدّ النشاط الاقتصادي القانوني، بما في ذلك الإنتاج الحرجي والزراعي، حيويًّا لتحقيق الإدارة المستدامة للأراضي، ويمكن أن يكون تعزيز تخطيط استخدام الأراضي وإدارتها ودعم عمليات إنفاذ القانون والمساءلة من العوامل الرئيسية في الحدّ من التوسّع في الزراعة على حساب الغابات. ويشمل ذلك تعزيز النهج الابتكارية للتتبع والمساءلة وتنمية القدرات في سياق سلاسل قيمة السلع الزراعية والخشبية (والمنتجات الحرجية غير الخشبية).
التكيف مع تغير المناخ. هناك مزيد من الأدلة على أنّ خسارة النظم الإيكولوجية وتدهورها، بما في ذلك الغابات، يزيد من تعرض الناس لتغير المناخ، لا سيما السكان الأصليين والمجتمعات المحلية.153 وتعزز خدمات النظم الإيكولوجية الحرجية قدر الأشخاص والنظم الإيكولوجية على التكيف والصمود من خلال (مثلاً) تنظيم المياه ودرجات الحرارة والحد من خطر الفيضانات وتدوير المغذيات والتلقيح وتوفير الموارد والخدمات الثقافية. ومن شأن نُهج التكيف القائمة على النظم الإيكولوجية أن تحدّ من مخاطر تغير المناخ بالنسبة إلى الأشخاص والتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية، غير أنّ كفاءتها تتراجع مع ازدياد ارتفاع درجات الحرارة في العالم، ما يؤكد أهمية السعي إلى تحقيق أوجه تآزر في الإجراءات المناخية بين التخفيف من الـتأثيرات والتكيف معها في الإجراءات. وهناك اعتراف متزايد بدور الغابات والأشجار في تمكين الأشخاص من التكيف مع تغير المناخ وتعزيز قدرة النظم الزراعية على الصمود وسوى ذلك من قطاعات اقتصادية وبنى تحتية بشرية، ويجري إدماجها في خطط التكيف الوطنية.154
زيادة الإنتاجية الزراعية على الأراضي المتاحة حاليًا خاصة بالنسبة إلى أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة، أمر ضروري لوقف إزالة الغابات
يرتبط التنافس على الأراضي للأغراض الزراعية (الأراضي الزراعية والمراعي) والغابات والنظم الإيكولوجية الطبيعية الأخرى بعلاقة وثيقة بالسمات الفنية للنظم الزراعية والغذائية، بما في ذلك الغلال والأسواق. فقد تضاعف الإنتاج الزراعي بأكثر من ثلاثة أضعاف بين عامي 1960 و2015، 155 في حين زادت مساحة الأراضي الزراعية بنحو 27 في المائة فقط خلال الفترة نفسها. وعلى الصعيد العالمي، أنتجت ما نسبته 30 في المائة من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في عام 2014 نفس الكمية من المحاصيل المنتجة في عام 1961، 156 مما يعكس الأثر الكبير لمكاسب الإنتاجية في الحدّ من الطلب على المزيد من الأراضي.
وتؤدي أنواع التكنولوجيا المعززة للإنتاجية دورًا جزئيًّا في فكّ اقتران زيادة الإنتاج الزراعي بتوسع الأراضي الزراعية، إلا أنّ هذه الأنواع من التكنولوجيا قد تكون لها أيضًا آثار بيئية غير مقصودة (مثل تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي وتلوث المياه وتفشي الآفات وانبعاثات غازات الدفيئة) بسبب اعتمادها المفرط على زراعة المحصول الواحد وعلى الأسمدة ومبيدات الآفات.158 ومع ذلك، وجد Byerlee وآخرون (2014)أن تكثيف الإنتاج يمكن أن يساعد في الحدّ من توسع الأراضي الزراعية وإبطاء إزالة الغابات على المستوى المحلي، لا سيما إذا تركّز بعيدًا عن حدود الغابات واسترشد بالمعرفة والتكنولوجيا لا بديناميكيات السوق، وتكيّف مع البيئة المحلية، حسب الاقتضاء.ه،159 إلّا أن زيادة الغلال قد تكون أيضًا حافزًا لإزالة الغابات في المستقبل سعيًا إلى زيادة الإيرادات المحتملة من الأراضي التي تُزال منها الغابات في حال عدم تطبيق تدابير إضافية بهدف الحدّ من تغير الغابات.
وتتباين الزيادات في الغلال بين نظم المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني ومن بلدٍ إلى آخر. وقد أدى انخفاض معدّل نمو الإنتاجية الزراعية في العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (ويرجع ذلك جزئيًا إلى نقص قدرات أصحاب الحيازات الصغيرة الناشئ عن أسباب منها قلّة الموارد وغياب التكنولوجيا) إلى توسّع مساحة الأراضي المستخدمة لإنتاج الحبوب،160 من بين محاصيل رئيسية أخرى. ويمكن في هذه البلدان أن تكون زيادة غلال المحاصيل الأوسع انتشارًا والأغذية162،161 الأساسية وسيلة للحدّ من الضغط على الغابات. وكان Mosnier وآخرون (2015؛ من دون تاريخ محدد) قد درسوا العلاقة بين زيادة غلال المحاصيل الرئيسية في الكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإزالة الغابات ووجدوا أن زيادة غلال المحاصيل الزراعية أدّى إلى انخفاض في إزالة الغابات من 33 في المائة (عند النقطة المرجعية) في الكاميرون إلى 27 في المائة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.164،163
وباستخدام نماذج التوازن الجزئي، توقّعت السيناريوهات العالمية انخفاضًا في نسبة التوسّع في الأراضي الزراعية في الفترة بين 2030 و2050 بسبب زيادة الغلال، وشملت هذه التوقعات: أن صافي التوسّع على المستوى العالمي في عام 2030 سيكون معدومًا حيث ستكون غلال المحاصيل لكل هكتار أسرع بمرتين من المتوسط التاريخي في البلدان الناشئة والنامية (2 في المائة سنويًا و2.3 في المائة سنويًا على التوالي)؛165 وأن تصل نسبة التوسّع في الأراضي الزراعية إلى 21 في المائة في عام 2050 حيث ستزداد الغلال بنسبة 20 في المائة أكثر من السيناريو المرجعي بسبب تحسّن القدرة على التكيف مع تغير المناخ.166 وقد أظهر عدد من الدراسات أن الزيادات في إنتاجية الأراضي الزراعية وتربية المواشي، المقترنة بوضع السياسات السوقية والعامة المناسبة، يمكن أن تساعد على استقرار حدود الغابات في منطقة الأمازون في البرازيل.168،167 وكان Garcia وآخرون (2017) قد أجروا تقييمًا للجدوى الاقتصادية والبيئية الناجمة عن التكثيف المستدامو للثروة الحيوانية وأثرها على حدود إزالة غابات الأمازون في البرازيل؛ ووجدوا أن التحوّل إلى التكثيف المستدام مجدٍ اقتصاديًا في المزارع المتوسطة إلى الكبيرة الحجم في تلك المنطقة.169 ومع أن تقدير كلفة إنتاج الغلال التي يمكن أن تحدّ من التعدي على الغابات عملية صعبة على المستوى العالمي، إلا أن Krause وآخرين (2013) صمموا نماذج للآثار الاقتصادية التي قد تنجم عن وضع حفظ الغابات أولويةً على التوسّع في الأراضي الزراعية، ووجدوا أن تكاليف الإنتاج ستزيد بنسبة أقصاها 4 في المائة، وذلك في معظمها بفعل ضخّ الاستثمارات من أجل تكثيف الإنتاجية الزراعية.170
بيد أن الأدلة العلمية التي تدعم تطبيق أساليب تكثيف الزراعةز كوسيلة للحدّ من إزالة الغابات في المستقبل لا تزال محدودة.171 إذ تتباين النتائج بين أوجه التآزر الإيجابية أو المقايضات السلبية، بحسب طبيعة التكثيف، بما في ذلك السوق المستهدفة للسلع المنتجة، والمسافة بين مكان تطبيق أساليب التكثيف والمناطق المعرّضة لإزالة الغابات،172 ومدى فعالية حوكمة الأراضي.
وبالتالي، ومع أن التكنولوجيات المطوّرة في الإنتاج الزراعي لا يمكن أن تكون حلًّا قائمًا بذاته، فإن الاستثمار في البحث والتطوير والمساعدة الفنية ضروري لزيادة الإنتاجية الزراعية كونها عاملاً مساهمًا أساسيًا فعالاً من حيث الكلفة للحدّ من إزالة الغابات.173 ولكي يكون التطوّر الفني قادرًا على إحداث فرق، يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من نهج شاملة، تضمّ الإدارة الوطيدة للأراضي والغابات والأطر القانونية المناسبة وإنفاذ القوانين ذات الصلة والتدابير التكميلية مثل نظم المناطق المحمية التي تحظى بدعمٍ قوي وسلاسل القيمة التي توزع الفوائد توزيعًا عادلًا وتضمن حصول المنتجين على دخل معيشي كافٍ.174
يتزايد التزام الشركات بالابتعاد تمامًا عن إزالة الغابات في سلاسل القيمة الخاصة بها، ولكن ينبغي اتخاذ مزيد من الإجراءات
إن عدد الشركات التي تتعهد بعدم إزالة الغابات آخذ بالازدياد، ولكن التقدم نحو تحقيق النتائج المأمولة أبطأ مما ينبغي. فمع ازدياد مجموعات البيانات والدراسات التي تُسلّط الضوء على العلاقة بين التوسع في الأراضي الزراعية وإزالة الغابات، يزداد الوعي والالتزام العام والخاص بمعالجة هذه المقايضة السلبية. وفي السنوات الأخيرة، تبنّى عدد كبير من البلدان والحكومات دون الوطنية والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص هدف الحدّ من فقدان الغابات ووقفه وعكس مساره بطرق منها مبادرات مثل إعلان نيويورك بشأن الغابات ومنتدى السلع الاستهلاكية وإعلانات أمستردام ومبادرة أمين عام الأمم المتحدة بشأن “عكس اتجاه إزالة الغابات” ومؤخرًا، إعلان قادة الدول في غلاسكو بشأن الغابات واستخدام الأراضي. وتضع معظم هذه الأدوات أهدافًا محددة لفكّ اقتران الإنتاج الزراعي بإزالة الغابات.
واعتمد العديد من الشركات تدابير تهدف إلى ضمان الاستدامة في سلاسل التوريد الخاصة بها،175 مثل مدونات السلوك والعناية الواجبة وخطط إصدار الشهادات واستبعاد مقدمي خدمات محددين ومناطق إمداد محددة وأنظمة الرصد المكاني وأدوات التتبع. 177،176 وقد ركّزت بعض المبادرات على سلع معينة، مثل مبادرة المقاطعة الطوعية للصويا من غابات الأمازون الموقّعة في 2006، حيث التزم بموجب هذه المبادرة 90 في المائة من الشركات العاملة في سوق الصويا البرازيلية بعدم شراء الصويا المزروعة في مناطق الأمازون البرازيلية التي أزيلت منها الغابات مؤخرًا. وبات حوالي 500 من كبار بائعي الأغذية بالتجزئة والتجّار والمصنعين يعتمدون مبادئ توجيهية أو التزامات بشأن الحدّ من خطر إزالة الغابات أو تدهورها في سلاسل القيمة الخاصة بهم.178 أمّا عن حجم حصص السوق للشركات التي تتبنى شكلًا من أشكال الالتزام بعدم إزالة الغابات، فتتباين من منتج إلى آخر، إذ تبلغ حصة منتجات الصويا والمنتجات الحيوانية ولب الخشب والورق حوالي 12 في المائة وتبلغ حصة زيت النخيل 65 في المائة.179
وقد أدركت مئات الشركات المخاطر التجارية المرتبطة بإزالة الغابات، وبالتالي اعتمدت تدابير للحدّ من هذه المخاطر. ومن بين هذه الشركات، قدّرت 151 شركة الأثر المالي لهذه المخاطر بمبلغ 53.1 مليار دولار أمريكي، وبلغت كلفة تدابير الاستجابة لتلك المخاطر ما يزيد قليلًا عن 6.6 مليارات دولار أمريكي. واعتبرت نحو 131 شركة أن ضمان عدم ارتباط سلاسل قيمتها بإزالة الغابات يمثل فرصة تجارية تُقدّر قيمتها بحوالي 35.6 مليارات دولار أمريكي.180
وبدأت بالظهور أيضًا مبادرات لتقييم مخاطر إزالة الغابات. ففي عام 2019 على سبيل المثال، طلبت إدارة مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون 181 نيابة عن المستثمرين فيه أن تقدم أكثر من 400 1 شركة تقارير عن خمس سلع تعرّض الغابات للخطر - الأخشاب وزيت النخيل والماشية والمطاط والصويا- وامتثلت 21 في المائة (300 شركة) لهذا الطلب. وكان مشروع الكشف عن انبعاثات الكربون من خلال مبادرة سلسلة الإمدادات قد طلب الكشف أيضًا عن الآثار المناخية التي تخلّفها الشركات التي تهدد الغابات بمخاطر عالية في سلاسل الإمدادات نيابة عن الشركات التي تقوم بالشراء، وامتثل لهذا الطلب نحو 60 في المائة (399 مورّدًا).
ورغم هذه الجهود، يبدو التقدم بطيئًا بين الشركات التي لديها سلاسل إمدادات تعرّض الغابات للخطر. ووجد تقييم أجري مؤخرًا شمل أكثر 350 شركة تأثيرًا في العالم ترتبط أنشطتها بإزالة الغابات من خلال سلاسل الإمدادات أن 252 شركة (72 في المائة) لا تتبنى التزامًا بوقف إزالة الغابات بالنسبة إلى جميع السلع الأساسية التي تعرّض الغابات للخطر في سلاسل الإمدادات الخاصة بها، وأن 117 شركة لا تتبنى التزامًا بوقف إزالة الغابات على الإطلاق، وبالنسبة إلى العديد من الشركات التي لديها التزامات، لا توجد أدلّة تدعم تطبيقها لهذه الالتزامات.
وكانت قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية التي عقدت في سبتمبر/أيلول 2021 قد تناولت فكّ اقتران السلع الزراعية بإزالة الغابات. وفي الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، صدرت مجموعة من الإعلانات بشأن إزالة الغابات بما في ذلك تعهدات بمساهمات مالية كبيرة (الإطار 8؛ انظر أيضًا الفصل4).
الإطار 7برنامج مرفق البيئة العالمية للنظم الغذائية واستخدام الأراضي وإعادة تأهيلها
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، دشّن مرفق البيئة العالمية برنامج إحداث أثر على النظم الغذائية واستخدام الأراضي وإعادة تأهيلها، ويهدف البرنامج إلى الحد من الآثار السلبية لأنظمة إنتاج الأغذية في 27 مشروعًا على المستوى القطري وعبر ثماني سلاسل إنتاج وقيمة تغطي لحوم البقر والكاكاو والذرة والبن وزيت النخيل والأرزّ وفول الصويا والقمح. وسيتسنى تحقيق النتائج المنشودة من البرنامج من خلال إنشاء نظم مستدامة لاستخدام الأراضي والإمدادات الزراعية الغذائية تتجنب إزالة الغابات أو تقلل منها إلى حدٍّ كبير. وتتبع جميع المشاريع نهجًا برامجيًا يتألف من ثلاثة عناصر رئيسية هي: (1) تطوير نظم متكاملة لإدارة المناظر الطبيعية؛ (2) وتشجيع ممارسات الإنتاج الغذائي المستدامة وسلاسل القيمة المسؤولة للسلع؛ (3) وإعادة تأهيل الموائل الطبيعية.
المصدر: World Bank. 2021. Home page | Folur. In: FOLUR - food, land use, restoration [النسخة الإلكترونية]. [ورد ذكره في 31 مارس/آذار 2022]. https://folur.org
الإطار 8قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية لعام 2021 والحوار بشأن الغابات والزراعة وتجارة السلع الأساسية
كان لموضوع فكّ اقتران السلع الزراعية بإزالة الغابات نصيبًا في المناقشات التي درات خلال قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية في سبتمبر/أيلول 2021 ضمن إطار مسار العمل الثالث “تحفيز الإنتاج الإيجابي بالنسبة إلى الطبيعة”،138 وسيعمل تحالف وقف إزالة الغابات والتحوّل عن السلع الزراعية على تتبع التقدّم المحرز في هذا الموضوع.
وفي سياق المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تعهد 11 بلدًا ومؤسسة خيرية مانحة بتقديم 1.5 مليارات دولار أمريكي لحماية الغابات في حوض الكونغو. ووقّعت 28 حكومة على بيان الغابات والزراعة وتجارة السلع الأساسية من أجل تحقيق التجارة المستدامة والحدّ من الضغط على الغابات بطرق منها تقديم الدعم لصغار المزارعين وتحسين الشفافية في سلاسل الإمداد. وأعلنت عشر من أكبر شركات القطاع الخاص تدير أكثر من نصف التجارة العالمية في السلع الأساسية الرئيسية التي تعرّض الغابات للخطر مثل زيت النخيل والصويا أنها ستضع خارطة طريق لتعزيز إجراءات سلاسل الإمداد الخاصة بها بحلول موعد المؤتمر السابع والعشرين للأطراف.
وسعيًا إلى المساهمة في جهود القطاع الخاص نحو تعزيز المسؤولية الاجتماعية، يعمل عدد متزايد من الحكومات في مختلف أرجاء العالم على دمج التوجيهات المشتركة بين منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة بشأن سلاسل الإمداد الزراعي المسؤولة – وهي معيار عالمي لمعالجة المخاطر وتعزيز التنمية في القطاع الزراعي – في سياساتها المؤسساتية الخاصة بالمستدامة التي تربط بين الاستثمارات والمشاريع والزراعة والتنمية.
يمكن للحكومات أن تؤدي أدوارًا رئيسية في وقف إزالة الغابات، بما في ذلك من خلال تعزيز النُهج العامة والخاصة
تؤدي مشاركة القطاع العام دورًا مهمًا في زيادة الآثار الإيجابية لمبادرات الأعمال التجارية الهادفة إلى الحدّ من إزالة الغابات وتدهورها في سلاسل الإمداد. إذ يمكن لحكومات البلدان المنتجة أن تضع أطرًا قانونية تمكينية تهدف إلى توجيه تخطيط استخدام الأراضي وإنشاء مناطق محمية؛ 185،184 واتساق الحوافز المالية والسياسات الحرجية والزراعية؛ وتحسين إنفاذ الأطر القانونية وتتبعها؛ وتوضيح الحقوق الجماعية للشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية التي ارتبطت بتحسين رعاية الغابات (انظر أيضًا الفصل 5)؛ 188،187،186 ودعم تنمية القدرات، لا سيما لصغار المزارعين والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم؛ وإعطاء توجيهات بشأن إمكانية التتبع وأدوات سلسلة المسؤولية؛ وفرض متطلبات محددة في المشتريات الحكومية من السلع والخدمات؛ وتطوير نظم معلومات موثوقة ومتاحة؛ ووضع آليات مناسبة لتجنب خطر فقدان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم إمكانية الوصول إلى الأسواق بسبب المتطلبات الصارمة المتصلة بخطر إزالة الغابات. وتعتبر المراقبة الحثيثة اتخاذ القرارات استنادًا إلى المعلومات من العوامل التمكينية لتحسين الحوكمة والاسترشاد بها في اتخاذ القرارات المتعلقة باستخدام الأراضي- مثل استخدام الإنذارات شبه الآنية بممارسات إزالة الغابات.189
وتتزايد المبادرات القائمة على نهج متكاملة بين القطاعين العام والخاص لمعالجة إزالة الغابات وتدهورها - على سبيل المثال، مبادرة الالتزام بعدم إزالة الغابات تمامًا التي شملت خمس سلع أساسية في كولومبيا ومبادرة الكاكاو والغابات في كوت ديفوار وغانا (الإطار 9). وفي البرازيل، يعزى انخفاض معدل إزالة الغابات بأكثر من 80 في المائة بين عامي 2004 و2014 إلى مزيج من السياسات الحكومية (مثل التشدد في إنفاذ القوانين) والتدخلات على مستوى سلاسل الإمداد (بما في ذلك الالتزامات الخاصة بشأن الصويا والماشية) والتغيرات في ظروف السوق. ، ويمكن للحكومات أيضًا أن تتخذ إجراءات قانونية لمنع إزالة الغابات الناجمة عن سلع أساسية محددة. ففي إندونيسيا على سبيل المثال، فرضت البلاد حظرًا مؤقتًا (من سبتمبر/أيلول 2019 إلى سبتمبر/أيلول 2021) على توسيع مزارع نخيل الزيت وفرضت (في عام 2019) حظرًا دائمًا على قطع الأشجار من الغابات الأولية وأحراج المستنقعات – ما أثّر على كل من مزارع نخيل الزيت والأخشاب - في مساحة تمتدّ على 66.2 مليون هكتار من هذه النظم الإيكولوجية الاستراتيجية.
الإطار 9التعاون بين القطاعين العام والخاص بشأن استبعاد إزالة الغابات تمامًا من سلاسل القيمة
اتفاقيات الالتزام بعدم إزالة الغابات في كولومبيا. أدرجت الحكومة الكولومبية في خطة التنمية الوطنية للفترة 2022-2018 هدف وضع اتفاقيات استبعاد إزالة الغابات من خمس سلاسل قيمة زراعية - زيت النخيل ولحوم الماشية ومنتجات الألبان والبن والكاكاو. وتسعى الحكومة الكولومبية من وضع هذا الهدف إلى عدم إزالة أي غابات على الإطلاق في سلاسل الإمدادات لهذه السلع بحلول 2050. وتغطي الاتفاقيات بالفعل حصة كبيرة ومتزايدة من السوق الوطنية للسلع الخمس - بما في ذلك على سبيل المثال، 15 شركة لإنتاج البن تسيطر على 90 في المائة من السوق الوطنية وست شركات تمثل 85 في المائة من سوق الكاكاو. وتضع الحكومة أصحاب المصلحة المتعددين في مركز هذه المبادرة، حيث تشارك في هذا الجهد الجماعي جميع فئات الجهات الفاعلة على طول سلاسل القيمة - الحكومية وغيرها من الكيانات العامة والشركات على اختلاف أحجامها وأدوارها ومنظمات المزارعين والاتحادات المهنية القائمة على السلع الأساسية ومراكز البحوث والمنظمات غير الحكومية والمبادرات الدولية.
المصدر: R. Rodriguez, Ministerio de Ambiente y Desarrollo Sostenible, Colombia, personal communication, 22 September 2021.
مبادرة الكاكاو والغابات. يشكّل إنتاج الكاكاو أحد أهم مصادر الدخل في غرب أفريقيا، ويعمل فيه نحو مليوني (2) من صغار المنتجين الذين تعتمد سبل معيشتهم مباشرة على هذا المحصول. وتنتج الكاميرون وكوت ديفوار وغانا حوالي 68 في المائة من الكاكاو في جميع أسواق العالم، ولكن المحصول تسبب أيضًا في إزالة الغابات من حوالي 2.3 مليون هكتار بين عامي 1998 و2007. ويجري في هذه البلدان إنشاء شراكات مشتركة بين القطاعين العام والخاص لزيادة الإنتاج من دون إزالة الغابات وزيادة إمكانية التتبع والإمداد المسؤول من خلال الاستفادة من أطر المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها. ومنذ عام 2017، وحدّت حكومتا كوت ديفوار وغانا و35 شركة رائدة في مجال الكاكاو والشوكولاتة جهودها للقضاء على إزالة الغابات المرتبطة بالكاكاو وإعادة تأهيل مناطق الغابات، والتزمت بمواءمة أعمالها في أربعة مجالات عمل وتقاسم المسؤوليات فيها. واعتمدت كوت ديفوار نظامًا وطنيًا لرصد إزالة الغابات بواسطة الأقمار الاصطناعية لخدمة أهداف المبادرة. وحققت شركات الكاكاو والشوكولاتة نسبة تتبع للإمداد المباشر وصلت إلى 82 في المائة (غانا) و74 في المائة (كوت ديفوار) في عام 2020. وتم تدريب نحو 000 620 مزارع على الممارسات الزراعية الجيدة من أجل “الحصول على كميات أكبر من الكاكاو على مساحة أقل من الأراضي” و”الكاكاو الذكي مناخيًا” ووضعت نماذج مالية مبتكرة، شملت المدفوعات مقابل خدمات النظم الإيكولوجية للمزارعين في كوت ديفوار وآليات جماعية مثل جمعيات صناديق الادخار والقروض القروية.
المصدر: Cocoa & Forests Initiative. Undated. Annual report Cocoa & Forests Initiative 2020. متاح أيضًا على الرابط التالي: https://www.idhsustainabletrade.com/uploaded/2021/05/NUM_ANG_RAPPORT_ICF_VF1.pdf.
ينطوي الخيار البديل لوقف إزالة الغابات على تكاليف كبيرة على الإيرادات الزراعية – ويشير أحد التقديرات إلى أن هذه الكلفة في منطقة الأمازون البرازيلية قد تصل إلى 800 دولار أمريكي لكل هكتار سنويًا
في حال اللجوء إلى الخيار البديل لحفظ الغابات، فإنّ الكلفة على الإيرادات الزراعية التي يتم الحصول عليها من الأراضي التي أزيلت منها الغابات يُشكّل عاملًا رئيسيًا في تقييم إمكانات الأدوات المصممة لإضافة قيمة إلى الغابات. فعلى سبيل المثال وباستخدام بيانات التعداد وبيانات إزالة الغابات في بلديات منطقة الأمازون القانونية البرازيلية، قدّر de Figueiredo Silva وأخرون (2018) أن الأسعار الاعتبارية للحد من إزالة الغابات من حيث الدخل الزراعي الضائع هو ناقصًا 797 دولارًا أمريكيًا في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي السنوي لكل هكتار من الغابات التي يتم حفظها. وإن زيادة القيمة الاقتصادية للغابات عن طريق زيادة الإنتاجية الزراعية بصورة مستدامة يُشكّل حافزًا للجهات المحلية الفاعلة لوقف إزالة الغابات؛ وعلاوة على ذلك، يتعيّن بذل جهود لمعالجة القيود التي تواجه أصحاب الحيازات الصغيرة في الحصول على الحوافز وزيادة الإنتاجية. ويمكن أن تشمل التدابير المحفزة لمعالجة تكاليف الخيارات البديلة على المدفوعات مقابل خدمات النظم الإيكولوجية 195،194 والإصلاحات المتصلة بالإعانات المالية.196 وينبغي أن تتماشى حوافز السوق مع حفظ الغابات وأن تضمن الدعم على طول سلاسل الإمداد. 198،197 فقد كشف تحليل أجراه Börner وآخرون (2020) أنه على الرغم من أن حماية أراضي السكان الأصليين وخطط المدفوعات مقابل خدمات النظام الإيكولوجي قد أظهرت فعالية عالية نسبيًا في الحفاظ على الغابات، فإن سياق التدخل لا يقلّ أهمية.199
وتكشف بعض الأدلة التجريبية غير المنتظمة تكاليف وقف إزالة الغابات وفوائده. فقد خلُص استعراض للمؤلفات في هذا السياق أجراه Rakatama وآخرون (2017) إلى أن متوسط كلفة الخيار البديل تُقدّر بحوالي 11.13 دولارًا أمريكيًا لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون؛ وأن تكاليف المعاملات والتنفيذ تُقدّر بحوالي 3.39 دولارًا أمريكيًا لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون؛ وأن الكلفة الإجمالية تُقدّر بحوالي 24.87 دولارًا أمريكيًا لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.200 وكانت الفوائد النقدية المباشرة المقدرة كبيرة، وبالتالي عنصرًا هامًا في المسوّغ لحماية الغابات، إذ بلغت هذه الفوائد النقدية 17.37 دولارًا أمريكيًا لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. وتختلف هذه التقديرات اختلافًا كبيرًا بحسب الموقع والتوقيت وباختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية - فزيادة الطلب العالمي على السلع الأساسية الزراعية، على سبيل المثال، من شأنها أن تزيد من كلفة الخيار البديل لحفظ الغابات.201 ومن المرجح عمومًا أن تكون كلفة وقف إزالة الغابات أقل من كلفة إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة في وقت لاحق.
قد ينبغي إعطاء مزيد من الحوافز. ورد في تقرير صدر مؤخرًا عن التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف المحددة في إعلان نيويورك بشأن الغابات لعام 2014، “تكشف جميع مؤشرات التقييم إما عن بطء التقدم نحو إنهاء فقدان الغابات وما يرتبط به من انبعاثات غازات الدفيئة بحلول عام 2030 أو أننا نتحرك أبعد من الغايات المحددة”.202 إذ وفقًا للتقرير، ارتفع فقدان الغابات الأولية الاستوائية الرطبة أكثر بكثير من المستويات التي كان عليها قبل إعلان نيويورك بشأن الغابات، فقد “ارتفع معدّل فقدان الغابات بنسبة 41 في المائة في المتوسط سنويًا” منذ التوقيع على الإعلان.203 ومع أن عدد الشركات التي تتعهد بعدم إزالة الغابات آخذ بالازدياد، إلا أنه ينبغي تسريع الخُطى نحو تحقيق النتائج المأمولة.
وقد بدأت خطط تحفيزية لتوفير خدمات النظم الإيكولوجية الحرجية في الظهور مع تركيز غالبيتها على الكربون. ومع أن سوق الكربون الحرجي الطوعية قد تكون على قدرٍ من الأهمية وعلى الرغم من الحماس المبكر لها، إلا أنها لم تشهد سوى نموًّا بطيئًا. ومن المتوقع أن ينمو تمويل أنشطة مواجهة تغير المناخ إلى 60 تريليون دولار بحلول عام 2050 مع تزايد الجهود العالمية لإزالة الكربون من اقتصادات العالم (انظر الفصل 4). ومن المرجح أيضًا أن يخلق هذا النمو فرصًا هائلة للتجارة في أرصدة الكربون القائمة على الغابات، إذ تُشير التوقّعات إلى أن الطلب على الائتمانات التعويضية سيزداد وأن أسعارها ستشهد ارتفاعًا. بالإضافة إلى ذلك، توفر آليات المبادرة المعززة لخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها خيارات للبلدان لتلقّي التمويل القائم على النتائج.
وفي بعض السياقات، قد تكون السياحة القائمة على الغابات عاملاً مساهمًا مهمًا لتوليد فرص اقتصادية وفرص عمل للنساء والشباب وغيرهم من الفئات الضعيفة. ويمكن أن يكون للتوفيق بين الحوافز المدفوعة بالسياسات واستحداث تدابير دعم أخرى للاعتراف بدور الغابات دافعًا إضافيًّا لوقف إزالة الغابات؛ ويتناول الفصل 4 من هذا التقرير بالتفصيل هذه التدابير.