في هذا العام يُجسِّد تحديث التقييم العالمي للأمن الغذائي والتغذية لحظة فارقة في التاريخ. وبينما تباينت آثار الجائحة وما أعقبها من انتعاش اقتصادي، والحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الأغذية والمدخلات الزراعية والطاقة، بتباين الأقاليم، تُشير التقديرات الجديدة إلى أن الجوع لم يعد آخذًا في الارتفاع على المستوى العالمي، ولكنه لا يزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، ولا يزال بعيدًا عن المسار الصحيح نحو تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة.
وكما برز في الطبعات السابقة من هذا التقرير، يُشكل اشتداد الدوافع الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية – النزاع، والظواهر المناخية القصوى، والتباطؤ والانكماش الاقتصاديان، وتزايد عدم المساواة – التي تحدث في كثير من الأحيان مجتمعة، تحديًا لجهودنا في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وما من شكّ في أن هذه التهديدات ستستمر، وسيتطلب ذلك منا التمسّك ببناء القدرة على الصمود في مواجهتها. ومع ذلك، لا تزال هناك اتجاهات كاسحة مهمة يجب فهمها تمامًا عند وضع سياسات لتحقيق مقاصد الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة.
وأحد هذه الاتجاهات الكاسحة الذي يُشكل محور تركيز تقرير هذا العام، هو التوسع الحضري. وفي ظل ازدياد التوسع الحضري، أصبحت المناطق الريفية والحضرية أكثر تشابكًا، وبات التمييز المكاني بينها أقلّ وضوحًا. ويدفع النمط المتغيِّر للتجمعات السكانية عبر هذا التسلسل الريفي الحضري المتصل التغييرات التي تشهدها النُظم الزراعية والغذائية، مما يؤدي إلى إيجاد تحديات وفرص لضمان حصول الجميع على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة.
وبعد عرض آخر المستجدات بشأن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، يتناول التقرير دوافع التوسع الحضري وأنماطه وديناميكياته من خلال عدسة التسلسل الريفي الحضري المتصل، ويُقدِّم تحليلًا جديدًا حول كيفية مساهمة التوسع الحضري في تغيير العرض والطلب على الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. واستكمالًا لذلك، تبحث تحليلات أخرى لمجموعة مختارة من البلدان الاختلافات في كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحمّل هذه الكلفة، وانعدام الأمن الغذائي وسائر أشكال سوء التغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
وانطلاقًا من هذه الرؤى، يُحدد التقرير السياسات والاستثمارات والتكنولوجيات الجديدة للتغلب على التحديات، ويستفيد من الفرص التي يحققها التوسع الحضري لضمان حصول الجميع على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
الأمن الغذائي والتغذية في العالم
مؤشرات الأمن الغذائي – آخر المستجدات والتقدم المحرز باتجاه القضاء على الجوع وضمان الأمن الغذائي
يُعطي التقييم العالمي لحالة الأمن الغذائي والتغذية في عام 2022 لمحة سريعة عن العالم الذي لا يزال يتعافى من جائحة عالمية ويُكابد الآن عواقب الحرب في أوكرانيا التي زادت من اختلال أسواق الأغذية والطاقة. وقد تراجعت المؤشرات الإيجابية للانتعاش الاقتصادي عقب الجائحة وتوقعات انخفاض الفقر والجوع بسبب الزيادة في أسعار الأغذية والطاقة.
وظلّ الجوع العالمي في عام 2022، الذي يُقاس بمعدل انتشار النقص التغذوي (مؤشر هدف التنمية المستدامة 2-1-1) أعلى بكثير من مستوياته ما قبل الجائحة. وبلغت نسبة سكان العالم الذين كانوا يعانون من الجوع المزمن في عام 2022 نحو 9.2 في المائة مقابل 7.9 في المائة في عام 2019. وتوقفت الزيادة في معدل انتشار النقص التغذوي في الفترة من 2021 إلى 2022 في أعقاب الزيادة الحادة التي شهدها في عام 2020 أثناء تفشي الجائحة العالمية، ثم ارتفاعه بوتيرة أبطأ في عام 2021 ليصل إلى 9.3 في المائة. وتشير التقديرات إلى أنّ عدد الأشخاص الذين عانوا من الجوع في عام 2022 تراوح بين 691 مليونًا و735 مليونًا. وفي ضوء المتوسط المتوقع (نحو 735 مليونًا في عام 2022)، ازداد عدد من كانوا يعانون من الجوع في عام 2022 بمقدار 122 مليونًا مقارنة بعام 2019 قبل تفشي الجائحة.
وساعد التعافي الاقتصادي من الجائحة على وقف موجة الجوع المتزايدة على المستوى العالمي. ومع ذلك، كان من الممكن أن يكون التأثير الإيجابي أكبر لو لم تحدث تأثيرات مضادة بسبب التداعيات العالمية للحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الأغذية والمدخلات الزراعية والطاقة، إلى جانب الدوافع الأخرى لانعدام الأمن الغذائي، مثل النزاعات والظواهر المتصلة بالطقس.
ويُخفي النقص النسبي في التغييرات في الجوع على المستوى العالمي في الفترة من 2021 إلى 2022 اختلافات كبيرة على المستوى الإقليمي. وأُحرز تقدم نحو الحد من الجوع في معظم الأقاليم الفرعية في آسيا وفي أمريكا اللاتينية، ولكنّ الجوع لا يزال آخذًا في الارتفاع في آسيا الغربية والبحر الكاريبي وجميع الأقاليم الفرعية في أفريقيا. وتزيد نسبة السكان الذين يواجهون الجوع بدرجة أكبر بكثير في أفريقيا مقارنة بسائر أقاليم العالم – ما يقرب من 20 في المائة مقابل 8.5 في المائة في آسيا، و6.5 في المائة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و7.0 في المائة في أوسيانيا.
وتُظهر آخر التوقعات أن ما يقرب من 600 مليون شخص سيعانون من نقص تغذوي مزمن في عام 2030، ويشير ذلك إلى التحدي الهائل في تحقيق مقصد هدف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء على الجوع. ويمثّل ذلك زيادة بنحو 119 مليونًا من الأشخاص الذين يعانون من النقص التغذوي مقارنة بسيناريو عدم حدوث الجائحة ولا الحرب في أوكرانيا، وبزيادة بنحو 23 مليونًا في سيناريو عدم حدوث الحرب في أوكرانيا.
ويُشكل مقصد هدف التنمية المستدامة 2-1 تحديًا للعالم، ليس فقط في القضاء على الجوع، بل وكذلك للعمل من أجل ضمان حصول الجميع على أغذية مأمونة ومغذية وكافية على مدار السنة. ويتتبّع مؤشر هدف التنمية المستدامة 2-1-2 – معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المتوسط أو الشديد لدى السكان، بالاستناد إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي – التقدم المحرز في سبيل تحقيق هذا الهدف الطموح.
وتؤكد التقديرات الجديدة لمعدل انتشار انعدام الأمن الغذائي استنادًا إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي عدم إحراز أي تقدم بشأن انعدام الأمن الغذائي على المستوى العالمي في عام 2022. وعقب زيادة حادة في الفترة من 2019 إلى 2022، ظل معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في العالم من دون تغيير للعام الثاني على التوالي، وهو أعلى بكثير من مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19. وفي عام 2022، كان ما يُقدَّر بنحو 29.6 في المائة من سكان العالم – 2.4 مليارات شخص – يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد، مما يعني أنهم لم يتمكنوا من الحصول على أغذية كافية. ولا تزال هذه الأعداد أعلى بمقدار 391 مليون شخص مقارنة بما كان عليه الحال في عام 2019 قبل تفشي الجائحة.
وقد ازداد انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد بشكل طفيف في أفريقيا، وأمريكا الشمالية وأوروبا، وتراجع بنسبة لا تذكر في آسيا في الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2022. أما الإقليم الوحيد الذي يبيّن تقدمًّا ملحوظًا فهو إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وبشكل أساسي في أمريكا الجنوبية، رغم تفاقم حالة الأمن الغذائي في منطقة البحر الكاريبي دون الإقليمية.
وتبيّن مقارنة انعدام الأمن الغذائي لدى سكان المناطق الريفية وشبه الحضرية والحضرية على المستويات العالمية والإقليمية ودون الإقليمية باستخدام تصنيف درجة التوسع الحضري، وهو معيار دولي جديد، أن الأمن الغذائي يتحسّن على المستوى العالمي مع ازدياد درجة التوسع الحضري. وأثر انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد على 33.3 في المائة من البالغين الذين يعيشون في المناطق الريفية في عام 2022 مقابل 28.8 في المائة في المناطق شبه الحضرية، و26.0 في المائة في المناطق الحضرية.
وكشفت أيضًا بيانات مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي عن استمرار أوجه عدم المساواة بين الجنسين. وينتشر انعدام الأمن الغذائي لدى النساء البالغات أكثر منه لدى الرجال في كل إقليم من أقاليم العالم، مع أن الفجوة قد ضاقت بصورة كبيرة على المستوى العالمي في الفترة من 2021 إلى 2022. وفي عام 2022، كانت نسبة 27.8 في المائة من النساء البالغات تعاني من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد مقابل 24.4 في المائة من الرجال، وكانت نسبة النساء اللواتي واجهن انعدام الأمن الغذائي الشديد 10.6 في المائة مقابل 9.5 في المائة من الرجال.
كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحملها
ويُظهر التحليل المنقح الوارد في تقرير هذا العام أن ما يقرب من 3.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم لم يكونوا قادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020، وشهد عام 2021 تحسّنًا طفيفًا (انخفاضًا قدره 52 مليون شخص). وارتفعت كلفة النمط الغذائي الصحي على مستوى العالم بنسبة 6.7 في المائة في الفترة بين عامي 2019 و2021، وسُجلت زيادة ملحوظة في عام واحد بلغت 4.3 في المائة في عام 2021. وازدادت الكلفة بأكثر من 5 في المائة في الفترة بين عامي 2020 و2021 في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وأوسيانيا، ولكن بشكل هامشي فقط في أمريكا الشمالية وأوروبا.
واقترنت الزيادة في كفلة النمط الغذائي الصحي في كثير من البلدان بتراجع في الدخل المتاح للإنفاق في أعقاب التأثيرات المستمرة للجائحة. وأدّت عمليات الإغلاق العام والانكماش الاقتصادي وغيرها من الاختلالات المرتبطة بالجائحة في عام 2020 إلى فقدان الوظائف وانخفاض الدخل لكثير من الأشخاص، مما اثر على الأُسر المنخفضة الدخل أكثر من غيرها نظرًا إلى إنفاقها حصة أعلى من الدخل على الغذاء.
وحدث تحول طفيف في عام 2021 عندما انخفض عدد الأشخاص غير القادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي بما قدره 52 مليونًا مقارنة بعام 2020، ولكنّ هذا الرقم لا يزال أعلى بمقدار 134 مليون شخص مقارنة بعام 2019 قبل تفشي الجائحة. وكان معظم الأشخاص غير القادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020 يعيشون في آسيا الجنوبية وفي أفريقيا الشرقية والغربية.
حالة التغذية: التقدم نحو تحقيق مقاصد التغذية العالمية
يُشار إلى التغذية تحديدًا في الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة، ولكنها محورية لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. ويعرض هذا القسم تقييمًا للتقدم المحرز نحو بلوغ مقاصد التغذية العالمية المتعلقة بالتقزّم والهزال والوزن الزائد لدى الأطفال دون سن الخامسة، والرضاعة الطبيعة الخالصة والوزن المنخفض عند الولادة. ولم تكن تتاح بيانات محدَّثة عن فقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا والسمنة لدى البالغين.
ويقوِّض التقزّم، وهو حالة القصر الشديد بالنسبة إلى العمر، النمو البدني والإدراكي للأطفال. كما أن التقزّم وسائر أشكال نقص التغذية في وقت مبكر من الحياة قد يهيئ الأطفال للوزن الزائد والإصابة بالأمراض غير المعدية في وقت لاحق من الحياة. وانخفض معدل انتشار التقزّم لدى الأطفال دون سن الخامسة في العالم بوتيرة مطردة بنسبة قدِّرت بنحو 33 في المائة (204.2 ملايين) في عام 2000 إلى 22.3 في المائة (148.1 مليونًا) في عام 2022.
ويمثّل هزال الأطفال حالة تُهدد الحياة بسبب عدم كفاية تناول المغذيات، وسوء امتصاص المغذيات، و/أو المرض المتكرر أو لفترات ممتدة. ويعاني الأطفال المتأثرون من نحافة خطيرة وضعف في المناعة وزيادة خطر الوفاة. وتراجع معدل انتشار الهزال لدى الأطفال دون سنّ الخامسة من 8.7 في المائة في عام 2000 إلى 6.8 في المائة في عام 2022. وانخفض العدد التقديري للأطفال الذين يعانون من الهزال من 54.1 مليون طفل في عام 2000 إلى 45 مليون طفل في عام 2022.
ويواجه الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة آثارًا صحية مباشرة وربما طويلة الأجل، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بالأمراض غير المعدية في وقت لاحق من الحياة. وازدادت معدلات الوزن الزائد لدى الأطفال في كثير من البلدان، وتسارعت وتيرتها بسبب تزايد عدم كفاية مستويات النشاط البدني وزيادة فرص الحصول على الأغذية العالية التجهيز. وعلى المستوى العالمي، أظهر انتشار زيادة الوزن لدى الأطفال دون سن الخامسة زيادة غير ملموسة من 5.3 في المائة (33.0 مليونًا) في عام 2000 إلى 5.6 في المائة (37.0 مليونًا) في عام 2022.
وكشفت آخر تقديرات الوزن المنخفض عند الولادة أن 14.7 في المائة من الأطفال حديثي الولادة (19.8 مليونًا) ولدوا مصابين بوزن منخفض (أقل من 500 2 غرام) في عام 2020، وهو ما يمثّل انخفاضًا غير ملموس من 16.6 في المائة (22.1 مليونًا) في عام 2000. وتزداد احتمالات تعرّض الرُضع الذين يقلّ وزنهم عند الولادة عن 500 2 غرام للوفاة بنحو 20 مرة مقارنة بمن يكون وزنهم كافيًا عند الولادة، ويواجه الرُضع الذين يبقون على قيد الحياة آثارًا طويلة الأجل على نمائهم وصحتهم.
وتُعد ممارسات الرضاعة الطبيعة المثلى، بما فيها الرضاعة الطبيعية الخالصة خلال الأشهر الستة الأولى من الحياة، حاسمة الأهمية لبقاء الطفل على قيد الحياة وتعزيز الصحة والنماء الإدراكي. وارتفع معدل انتشار الرضاعة الطبيعية الخالصة بين الرُضع دون سن ستة أشهر على نطاق العالم من 37 في المائة (24.3 مليونًا) في عام 2012 إلى 47.7 في المائة (31.2 مليونًا) في عام 2021. ولم يحصل أكثر من نصف جميع الرُضع دون سن ستة أشهر في جميع أنحاء العالم على الفوائد الوقائية التي توفِّرها الرضاعة الطبيعية الخالصة.
ويقع على البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا العبء الأكبر للتقزّم والهزال والوزن المنخفض عند الولادة ولكنها تستأثر أيضًا بأكبر نسبة للأطفال الذين يتلقون رضاعة طبيعية خالصة. ويعيش معظم الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد في بلدان متوسطة الدخل من الشريحة الدنيا وبلدان متوسطة الدخل من الشريحة العليا. وعلى المستوى العالمي، كان معدل انتشار التقزّم والهزال أعلى في المناطق الريفية منه في المناطق الحضرية، في حين أن الوزن الزائد كان أكثر شيوعًا في المناطق الحضرية.
وتُساعد نتائج هذه التحليلات على تحديد المجموعات السكانية الضعيفة، وتُساهم في تقديم ما يلزم من أدلة لدعم عملية صنع القرار واتخاذ الإجراءات الفعالة من خلال الاستهداف والتصميم المناسبين للسياسات والبرامج. وتُعد التغذية السليمة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويجب أن تكون في صميم أي سياسة حكومية وأن يدعمها أصحاب المصلحة الرئيسيون، بما في ذلك المجتمع المدني والقطاع الخاص.
التوسع الحضري يحدث تحوّلًا في النُظم الزراعية والغذائية ويؤثر على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
دوافع التوسع الحضري وأنماطه وديناميكياته
التوسع الحضري هو نتاج النمو السكاني الحضري والتوسّع العمراني (أي إعادة تصنيف المناطق الريفية لتصبح مناطق شبه حضرية أو حضرية) والهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. وهذه العملية سريعة التغيُّر ومحددة السياق وتدفعها عوامل متشابكة.
وشهدت أنحاء كثيرة من العالم توسعًا حضريًا سريعًا، إذ ارتفعت حصة السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية من 30 في المائة في عام 1950 إلى 57 في المائة في عام 2021. ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 68 في المائة بحلول عام 2050. وفي معظم الأقاليم، نتج ذلك في جانب كبير عنه عن تحوّل هيكلي، ويتطلب ذلك تحوّلًا اقتصاديًا من اقتصاد قائم أساسًا على الزراعة إلى اقتصاد وطني أكثر تنوعًا، في عملية اجتذاب السكان الريفيين إلى المناطق الحضرية.
وفي حين أن التوسع الحضري يقترن في كثير من الأحيان بالنمو الاقتصادي والتحوّل الهيكلي، لا ينطبق ذلك على جميع البلدان والأقاليم. ويمكن ربط التوسع الحضري من دون نمو اقتصادي بسوء الأحوال المعيشية الريفية، بما في ذلك الفقر، والافتقار إلى فرص العمل أو البطالة الجزئية، والافتقار إلى البنية التحتية، والافتقار إلى إمكانية الحصول على الخدمات، وانعدام الأمن الغذائي. ومن العوامل الأخرى التي قد تُساهم في التوسع الحضري تغيُّر المناخ و/أو التدهور البيئي، الذي يمكن أن يؤثر على حركات الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. ويمكن أن يضطر السكان الذين يعتمدون على الموارد الطبيعية في سُبل عيشهم إلى الهجرة إلى المناطق الحضرية بحثًا عن عمل، بسبب آثار تغيُّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. وهناك أيضًا حالات متزايدة يحدث فيها نزوح قسري من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، وذلك في كثير من الأحيان بسبب الكوارث و/أو النزاعات.
وفي ظل التوسّع العمراني وتحسّن البنية التحتية للطرق والاتصالات في أنحاء متزايدة من المناطق الريفية، يزداد عدم الوضوح في الفروق بين المناطق الريفية والحضرية. ومن المتوقع أن تعيش نسبة كبيرة من سكان الحضر الجدد في المناطق شبه الحضرية، وفي المدن الصغيرة والبلدات المترابطة. ولم تعد المناطق الريفية والحضرية بصورة متزايدة مجرد مساحات منفصلة في حد ذاتها، بل طرفان من الطيف، متصلان من خلال روابط عديدة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
ويعيش ما يقرب من نصف سكان العالم (47 في المائة) في المناطق شبه الحضرية (التي تكون على مسافة سفر قدرها ساعة واحدة أو أقلّ عن المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والبلدات) والمناطق الريفية (التي تكون على مسافة سفر قدرها ساعة واحد أو أقلّ عن البلدات أو أكثر من ساعة واحدة إلى أي من المراكز الحضرية). وبالنظر إلى تزايد الترابط بين المناطق شبه الحضرية والمناطق الريفية وتقارب مشتريات الأغذية العالية في كليهما، من الواضح أن الأسواق شبه الحضرية والريفية تمثّل دوافع مهمة لتحويل النُظم الزراعية والغذائية.
وتُشكل درجة الترابط بين المناطق الريفية والحضرية النُظم الزراعية والغذائية، وبالتالي توافر الأنماط الغذائية الصحية الميسورة الكلفة، وسُبل معيشة المنتجين والمجهزين والتجار في مراحل الإنتاج الأوّلية في المناطق الحضرية والريفية. وتبعًا للمكان الذي يحدث فيه النمو الحضري، سواءً في المدن أو البلدات الكبيرة أو المتوسطة أو الصغيرة، ستكون هناك تأثيرات مختلفة على حصول السكان الريفيين على الخدمات ووصولهم إلى الأسواق والمدخلات. ولذلك فإن وجود إطار للتسلسل الريفي الحضري المتصل حاسم الأهمية لفهم الروابط بين التوسع الحضري والتغييرات في النُظم الغذائية والزراعية وكيفية تأثير هذه التغيُّرات على توافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمّل كلفتها، وبالتالي الأمن الغذائي والتغذية.
التوسع الحضري يؤثر على النُظم الزراعية والغذائية وتنشأ عن ذلك تحديات وفرص لضمان الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة
يؤدي التوسع الحضري، بالاقتران مع عوامل أخرى مرتبطة بالسياق، مثل ارتفاع الدخل وازدياد فرص العمل وتغيُّر أنماط الحياة، إلى الدفع نحو تغييرات في النُظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ويزداد الطلب على الأغذية في المناطق الحضرية بصورة متزامنة مع الزيادات في كمية الأغذية التي يتعيّن على النُظم الزراعية والغذائية إنتاجها وتجهيزها وتوزيعها والتي تُلاحظ، إلى جانب التغييرات في سلوك المستهلك، عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وقد تؤدي هذه التغييرات أيضًا إلى تفاوتات عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، وتنشأ عن ذلك تأثيرات إيجابية وسلبية على توافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمّل كلفتها، وبالتالي على نتائج الأمن الغذائي والتغذية.
من أهم المسارات التي يدفع من خلالها التوسع الحضري نحو تغييرات في النُظم الزراعية والغذائية ما يحدث من تحوّل في سلوك المستهلك والأنماط الغذائية. ويؤدي ارتفاع متوسط الدخل، بالاقتران مع تغيُّر أنماط الحياة وفرص العمل، إلى تحوّل في النمط الغذائي يتسم بتغيُّرات في أنواع الأغذية المستهلكة وكمياتها، وتحوّل الأنماط الغذائية إلى ما يتجاوز الحبوب التقليدية لتشمل منتجات الألبان والأسماك واللحوم والخضراوات والفاكهة. وينتشر شراء المواد الغذائية في المناطق الريفية أكثر مما هو مفهوم عمومًا. وتحوّل النمط الغذائي في هذه المناطق من الأغذية المنتجة محليًا بصورة رئيسية إلى منتجات يزداد شراؤها من السوق.
ومع ذلك، يُساهم التوسع الحضري أيضًا في انتشار واستهلاك الأغذية المجهزة والعالية التجهيز التي أصبحت أرخص ثمنًا بصورة متزايدة ويمكن الحصول عليها وتسويقها بسهولة أكبر. وتؤدي التغييرات في أنماط الحياة وملامح العمل لكل من النساء والرجال، فضلًا عن زيادة الوقت الذي يستغرقه التنقل، إلى زيادة الطلب على الأغذية السهلة التحضير والمعدّة مسبقًا والسريعة. ويحدث تحوّل النمط الغذائي أيضًا في المناطق الريفية، وإن كان متأخرًا وبدرجة أقل مقارنة بالمناطق الحضرية وشبه الحضرية.
ويؤدي التوسع الحضري أيضًا إلى تغييرات في المراحل المتوسطة والنهائية من سلاسل إمدادات الأغذية التي أصبحت أطول وذات صبغة رسمية أكبر وأكثر تعقيدًا بسبب ارتفاع طلب المستهلكين وزيادة تنظيم النُظم الزراعية والغذائية. والأهم من ذلك أن اتساع الأنشطة في المراحل المتوسطة والنهائية يوفِّر فرص عمل مهمة خارج المزرعة يمكن أن تدر دخلًا ثابتًا ومناسبًا للعيش، مما يزيد من القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية.
وساهمت العوامل في جانب العرض، بالاقتران مع الزيادة في الطلب على الأغذية المتاحة بسهولة، في إحداث توسّع كبير في المتاجر الكبيرة والمتاجر الكبرى التي تستخدم التكنولوجيا الغذائية الحديثة. وفي حين أن هذه الأسواق يمكن أن تكون مرتبطة بزيادة إمكانية الحصول على أغذية مغذية من خلال الحد من المهدر، وتحسين الصرف الصحي، وتقليل التأثيرات الضارة الناشئة عن التقلبات الموسمية، على سبيل المثال – فقد ارتبطت أيضًا بزيادة المعروض من الأغذية الكثيفة الطاقة والعالية التجهيز.
ويؤثر التوسع الحضري أيضًا، ولا سيما من خلال زيادة الترابط بين المناطق الريفية والحضرية، على النُظم الزراعية والغذائية من خلال التغييرات في الإنتاج الزراعي. وفي حين أن التوسع الحضري يرتبط في كثير من الأحيان بتنويع الأنماط الغذائية، فإن توافر الخضراوات والفاكهة، بصفة خاصة، لا يكفي لتلبية المتطلبات الغذائية اليومية في كل إقليم من أقاليم العالم تقريبًا.
ومع تحسّن الترابط بين المناطق الحضرية والريفية، قد تتاح للمنتجين الريفيين أيضًا فرص أفضل للحصول على المدخلات والخدمات الزراعية، مما يسمح بتحسين الإنتاجية التي تزيد في العادة من مستويات الدخل. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي التوسّع العمراني إلى تغيير في استخدام الأراضي. ويحصل المزارعون في بعض البلدان على تعويضات كبيرة مقابل بيع أراضيهم، بينما لا يحصلون في بلدان أخرى على تعويضات مقابل نزع ملكية الأراضي الزراعية، مما يؤدي إلى فقدان سُبل معيشتهم ومشاكل محتملة متعلقة بحقوقهم في الأراضي.
وبصفة عامة فإن الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة يكون أفضل، وتكون مستويات الأمن الغذائي والتغذية أعلى في المدن مقارنة بالمناطق الريفية، وذلك بسبب توافر الأغذية بشكل أفضل، وارتفاع متوسط القوة الشرائية في المناطق الحضرية، وتوافر فرص أفضل للحصول على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأخرى الضرورية للصحة والتغذية. ولا ينطبق ذلك في كل الحالات بسبب التحولات الجارية في النُظم الزراعية والغذائية، وأوجه عدم المساواة الصارخة بين سكان المناطق الحضرية، وازدياد الترابط المكاني والوظيفي بين المدن والبلدات ومناطق التجمع الريفية.
التفاعل بين العرض والطلب على الأغذية وكلفة الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمّلها عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
فهم العرض والطلب على الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
يؤدي التوسّع الحضري، مقترنًا بارتفاع الدخل والزيادات في كلفة الفرصة البديلة للوقت المتصل بالعمل، وتغيُّر أنماط الحياة والتحولات الديمغرافية، إلى تغيير في الطلب على الأغذية. وهذه العوامل، إلى جانب العديد من الاعتبارات المتعلقة بجانب العرض، بما في ذلك تسعير الأغذية وتسويقها والترويج لها، تؤدي من جانبها إلى جملة نتائج من بينها تغيير النُظم الزراعية والغذائية، وينشأ عن ذلك بالتالي تأثير مضاعف تعزيزي على الأغذية المنتجة والمورَّدة والمستهلكة.
ويؤدي التوسّع الحضري بالأخص إلى زيادات وتغييرات في الطلب على الأغذية، وتحوّلات في أنماط عرض الأغذية – خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا الجنوبية، وهما الإقليمان اللذان تظهر فيهما أعلى معدلات التوسع الحضري. وتشير الإسقاطات المتصلة بالإنفاق العام على الأغذية إلى أنه من المتوقع حدوث زيادة بنحو 2.5 أضعاف في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وبما قدره 1.7 أضعاف في آسيا الجنوبية بحلول عام 2050.
وأجري تحليل للطلب على الأغذية الذي يُعرَّف بأنه استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية (بالقيمة السوقية)، عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في مجموعة مختارة من البلدان، وكشف عن أنماط جديرة بالاهتمام. وأجري هذا التحليل باستخدام مجموعة بيانات مناطق التجمع الحضرية الريفية الجغرافية المكانية التي أتيحت مؤخرًا، إلى جانب البيانات الجغرافية المرجع من استقصاءات قياس مستويات المعيشة التمثيلية. ولأسباب توافر البيانات، شملت الاستقصاءات بالنسبة إلى الفترة 2018/2019 كل من بنن وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وإثيوبيا وغينيا بيساو ومالي والنيجر ونيجيريا والسنغال وتوغو، وبالنسبة إلى الفترة 2019/2020 ملاوي.
وبالنظر إلى أنه من المتوقع أن تصبح الأنماط الغذائية أكثر تنوعًا في ظل ارتفاع مستويات استهلاك الأغذية والدخل والعمل، صُنِّفت البلدان الأحد عشر ضمن مجموعتين تبعًا لميزانياتها الغذائية، أي القيمة السوقية لإجمالي استهلاكها الغذائي للفرد الواحد في اليوم: بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة (أي ما متوسطه 2.3 دولارات مقوّمًا على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد الواحد في اليوم) وبلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (ما متوسطه 1.6 دولارات مقوّمًا على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد الواحد في اليوم).
وتدحض الأدلة التجريبية الجديدة المنبثقة عن هذا التحليل التفكير التقليدي وتكشف عن أنماط مهمة في استهلاك الأغذية، بما في ذلك التقارب الغذائي عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وعلى سبيل المثال، تُشكل مشتريات الأغذية في البلدان الأحد عشر غالبية إجمالي استهلاك الأغذية من حيث القيمة، بما في ذلك الأغذية المخصصة للاستهلاك المنزلي والأغذية خارج المنزل.
وبينما يتوقع أن تكون حصص مشتريات الأغذية مرتفعة في المناطق الحضرية (ما يتراوح بين 78 و97 في المائة)، فإنها تبلغ مستويات تبعث على الاستغراب بين الأسر المعيشية الريفية التي تعيش على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة إلى ساعتين عن أي مدينة أو بلدة صغيرة (56 في المائة في المتوسط) ومن يعيشون على مسافة تبعد أكثر من ساعتين عن أي مركز حضري (52 في المائة في المتوسط). وتُمثل النتيجة المتمثلة في أن "غالبية" استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية الريفية في معظم البلدان المشمولة بالتحليل مصدره المشتريات خروجًا كبيرًا على الصورة التقليدية للأسرة المعيشية الريفية التي تعيش على الكفاف.
ولا يوفِّر الإنتاج الخاص في أي وقت من الأوقات مصدرًا رئيسيًا للغذاء – ولا حتى في المناطق الريفية. وفي المناطق الريفية، يمثّل متوسط حصة الإنتاج الخاص 37 و33 في المائة فقط من الاستهلاك الإجمالي في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على التوالي. وبالنظر إلى أن الأسرة المعيشية الريفية في البلدان الأفريقية الأحد عشر لا تُنتج غالبية القيمة الغذائية التي تستهلكها، فإن القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية مسألة لا تقلّ أهمية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
وفي حين أن انتشار الأغذية المجهزة، بما فيها الأغذية العالية التجهيز، بلغ بالفعل مستويات متقدمة في آسيا وأمريكا اللاتينية، فإنه ينتشر بسرعة في أفريقيا أيضًا. وفي البلدان الأفريقية الأحد عشر المشمولة بالدراسة، يُظهر التحليل بوضوح انتشار مشتريات الأغذية المجهزة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وفي حين أن الأغذية العالية التجهيز تُشكل نسبة ضئيلة من مجموع المشتريات واستهلاكها أعلى في المناطق الحضرية فإن النتائج تؤكد تغلغل الأغذية العالية التجهيز إلى المناطق الريفية، حتى تلك التي تعيش على مسافة ساعة واحدة إلى ساعتين أو أكثر عن أي مدينة أو بلدة. ويُشير التحليل الاقتصادي القياسي إلى أن ارتفاع مستويات دخل الأسرة المعيشية وزيادة فرص العمل غير الزراعي يرتبطان بارتفاع حصة القيمة الاستهلاكية للأغذية العالية التجهيز في البلدان الأفريقية الأحد عشر.
وفي البلدان الأفريقية الأحد عشر، وفي ضوء تركيبة الأغذية للأسرة المعيشية من حيث حصص قيمة استهلاك الأغذية بحسب المجموعة الغذائية، من الواضح حدوث تحوّل في النمط الغذائي عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، مع زيادات في استهلاك مزيد من المواد الغذائية الأكثر كلفة، مثل الأغذية الحيوانية المصدر والفاكهة. ويُشير التحليل الاقتصادي القياسي إلى أن حصص قيمة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر تعتمد بقوة على الدخل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، في حين أن حصص القيمة الاستهلاكية للفاكهة والخضراوات تعتمد أكثر على إمكانية الحصول عليها وتوافرها.
كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحمّلها، والأمن الغذائي والتغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
بلغ متوسط كلفة النمط الغذائي الصحي في المراكز الحضرية في البلدان الأفريقية الأحد عشر التي شملها التحليل مستويات أعلى بكثير (كانت تزيد في المتوسط بمقدار 1.2 أضعاف) مقارنة بما هي عليه في المناطق شبه الحضرية، ثم تنخفض كلما كان حجم المدينة أصغر وكلما اقتربنا من المناطق الريفية. ويؤدي ارتفاع كلفة الأغذية الحيوانية المصدر، مقارنة بالمجموعات الغذائية الأخرى إلى ارتفاع كلفة النمط الغذائي الصحي عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، ولا سيما في المناطق الحضرية والريفية النائية.
وتتجاوز كلفة النمط الغذائي الصحي متوسط الإنفاق على الأغذية في الأسرة المعيشية المنخفضة والمتوسطة الدخل في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على حد سواء في البلدان الأحد عشر التي شملها التحليل. وتعاني الأسرة المعيشية المنخفضة الدخل التي تعيش في مناطق شبه حضرية ومناطق ريفية من الحرمان بشكل خاص لأنها ستحتاج إلى أكثر من ضعف إنفاقها الحالي على الغذاء للحصول على نمط غذائي صحي.
ومع أنّ كلفة نمط غذائي صحي في المناطق شبه الحضرية أقل مما هي عليه في المناطق الحضرية، فلا يعني هذا أنّ النمط الغذائي الصحي أيسر كلفة في المناطق شبه الحضرية. وفي المتوسط، فإنّ النسبة المئوية للسكان غير القادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في المناطق شبه الحضرية أعلى بمقدار 1.5 أضعاف مما هي عليه في المراكز الحضرية ومشابهة لما هي عليه في المناطق الريفية.
ويظهر تحليل انعدام الأمن الغذائي على أساس مؤشر انعدام الأمن الغذائي في 9 من أصل 11 بلدًا أفريقيًا أن معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في العديد من هذه البلدان، مشابه في المناطق الحضرية وشبه الحضرية لما هو عليه في المناطق الريفية، وأعلى قليلًا في بعض الحالات، مما يدل على أن انعدام الأمن الغذائي مشكلة لا تقتصر على المناطق الريفية.
ولم يُقدَّر معدل انتشار سوء التغذية في فئات مناطق التجمع الحضرية الريفية العشر إلّا في 3 من أصل 11 بلدًا بسبب القيود على مستوى البيانات. وفي البلدان الثلاثة (بنن والسنغال ونيجيريا)، يزداد في العادة معدل انتشار التقزّم لدى الأطفال دون سن الخامسة تدريجيًا كلما كان حجم المدن أصغر وكلما ابتعدنا عن المراكز الحضرية.
ويقلّ معدل انتشار الهزال لدى الأطفال دون سن الخامسة عن معدل انتشار التقزّم في جميع البلدان الثلاثة، ويُظهر اتجاهات أقلّ وضوحًا عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ومع ذلك، هناك مؤشرات على زيادة الهزال في بعض المناطق شبه الحضرية والريفية في نيجيريا والسنغال. وبالمثل، ينخفض معدل انتشار الوزن الزائد لدى الأطفال في جميع البلدان ولا يمثّل اتجاهًا واضحًا عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى وجود مؤشرات على انخفاض الوزن الزائد في المناطق شبه الحضرية وارتفاعه في بعض المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية.
السياسات والحلول لتسخير تحويل النُظم الزراعية والغذائية من أجل أنماط غذائية صحية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
تنشأ عن الروابط المتزايدة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، بالاقتران مع التفاعلات الأوثق بين مكونات النُظم الزراعية والغذائية عدة فرص وتحديات في ما يتعلق بتوافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمّل كلفتها. وتهيئ هذه التفاعلات أيضًا عددًا من نقاط الدخول على مستوى السياسات والبرامج لدعم تحويل النُظم الزراعية والغذائية من أجل أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة.
السياسات والاستثمارات من أجل أنماط غذائية صحية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
سيكون دعم منافذ الأغذية الصحية بدرجة أكبر ضروريًا للتمكين من الحصول على أنماط غذائية صحية بعد أن أظهر ذلك آثارًا إيجابية على جودة النمط الغذائي. ومن الضروري إعطاء حوافز على مستوى السياسات لتشجيع المتاجر على تخزين وبيع كميات أكبر من الأغذية الطازجة المجهزة بالحد الأدنى، وذلك على سبيل المثال عن طريق تحسين مرافقها الخاصة بالتخزين البارد، بينما يمكن تحسين توافر منافذ الأغذية التي تكون صحية بدرجة أكبر بصفة خاصة في المناطق عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل من خلال تخطيط استخدام الأراضي والأنظمة الخاصة بتقسيم الأراضي؛ والخصومات أو الإعفاءات الضريبية؛ واتفاقات منح التراخيص.
وفي المناطق الحضرية وشبه الحضرية، يستهلك ما يُقدَّر بنحو 2.5 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم أغذية الشارع كل يوم، وهي ملائمة بشكل خاص للعمال ذوي الدخل المنخفض والأُسر التي لا تملك موارد ومرافق و/أو وقتًا لإعداد أطباق الطعام في المنزل. ولكن، لا تُساهم أغذية الشارع دائمًا في الأنماط الغذائية الصحية. ويجب معالجة عدّة فجوات تنظيمية ومتعلقة بالبنية التحتية لتحسين الجودة التغذوية لهذه الأغذية وسلامتها. ويشمل ذلك ضمان إمدادات المياه ذات النوعية المقبولة لإعداد الأغذية، وأماكن نظيفة لإعداد الأغذية واستهلاكها، ومرافق الصرف الصحي للعمال، وتدريب الباعة المتجولين، وتثقيف المستهلكين.
وبالنظر إلى أن ربع سكّان العالم يعيشون في المناطق شبه الحضرية المؤلفة من مدن صغيرة ومتوسطة وبلدات، يمكن أن يكون للاستثمار فيها أثر كبير على الأنماط الغذائية الصحية بالنسبة إلى سكانها مقارنة بالفوائد التي تتحقق من النمو في المدن الكبيرة. ويمكن لمعالجة بعض التحديات التي تواجهها المدن الصغيرة والمتوسطة والبلدات أن يجعل النُظم الزراعية والغذائية قوة دافعة للتنمية الريفية الشاملة، ويمكن أن يُهيأ فرصًا لتطوير مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ويُشكل وجود الأغذية المجهزة في الأنماط الغذائية للأسرة المعيشية عبر كامل التسلسل الريفي الحضري المتصل قوة دافعة لتوسيع الخدمات التي تقدمها مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ويمكن أيضًا أن يُساهم تعزيز كفاءتها وتوسعها في تحقيق مكاسب في إنتاج الأغذية المغذية ويمكن أن يحقق في الوقت نفسه تخفيضًا في كلفة الأغذية بالنسبة إلى المستهلكين.
ومن الضروري لإطلاق الإمكانات الإنتاجية للمدن والبلدات الصغيرة والمتوسطة ومناطق تجمعاتها بناء البنية التحتية الريفية، بما فيها الطرق الريفية والفرعية الجيدة لربط المزارع ومؤسسات الأعمال في المناطق النائية بشبكات الطرق الرئيسية. ويمكن أن تشمل الاستثمارات العامة الأخرى لدعم الروابط بين المزارع (الصغيرة بشكل أساسي) ومؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الحجم التخزين، والتخزين البارد، والكهرباء، التي يمكن الاعتماد عليها، والوصول إلى الأدوات الرقمية وإمدادات المياه.
وأخيرًا، وبالنظر إلى أن الكميات المتوافرة من الفاكهة والخضراوات للفرد الواحد في اليوم الواحد لا تكفي لتلبية متطلبات النمط الغذائي الصحي في معظم أنحاء العالم، من الضروري تعزيز إنتاج الأغذية المغذية، وبصفة عامة، دعم تنويع إنتاج الأغذية.
التكنولوجيا والابتكار: عامل تمكيني رئيسي لتحويل النُظم الزراعية والغذائية في ظل التوسع الحضري
يمكن أن يكون النشر الاستراتيجي للتكنولوجيا والابتكار في عالم آخذ في التوسع الحضري حافزًا حاسمًا لتحويل النُظم الزراعية والغذائية. وتتباين احتياجات البلدان وتتنوع قدراتها، وعلى الرغم من وجود عدد كبير من التكنولوجيات والابتكارات المتاحة، لا توجد تكنولوجيا واحدة أو ابتكار واحد يمثّل "حلًا سحريًا" يُلبّي جميع الاحتياجات في جميع السياقات عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
ولا يعتمد ما إذا كانت هذه التكنولوجيات والابتكارات شاملة للجميع على الأخذ بها وما تحققه من أثر فحسب، بل وكذلك على كيفية تشكيل البحث والتطوير. وخلال الفترة بين عامي 1981 و2016، تضاعف الاستثمار العام العالمي في مجال البحث والتطوير الزراعيين، وصاحبت ذلك زيادات كبيرة في البلدان المتوسطة الدخل الأكبر حجمًا؛ ولكن، لا تزال استثمارات البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا الأصغر حجمًا غير كافية مقارنة بالمكونات الأخرى لدعم الخدمات العامة، مثل الاستثمارات في البنية التحتية.
وفي سياقات التوسع الحضري التي يزداد فيها تعرّض المستهلكين لأغذية عالية التجهيز، يمكن للحلول التكنولوجية والمبتكرة المختلفة المتصلة ببيئة الأغذية أن تساهم في الحد من استهلاكها. وعلى سبيل المثال، تُمثّل العلوم السلوكية ابتكارًا أساسيًا لتمكين الحكومات والعلماء والجمهور من العمل معًا من أجل وضع نُهج قائمة على الأدلة لزيادة الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة، فضلًا عن تمكين المستهلكين من اختيار الأنماط الغذائية الصحية.
وكما لوحظ من قبل، يؤدي التوسع الحضري إلى زيادة الطلب على الأغذية المعبأة والمعدّة مسبقًا. ويمكن للابتكارات في تعبئة المواد الغذائية أن تحافظ على جودة المنتجات الغذائية وسلامتها وقيمتها التغذوية، ويمكن أن تُلبّي احتياجات المستهلكين وتفضيلاتهم، وأن تُقلل الفاقد والمهدر من الأغذية، وأن تخفض كلفة الأغذية المغذية، خاصة عبر سلاسل التوزيع الأطول.
وأخيرًا، هناك العديد من التكنولوجيات والابتكارات التي يمكن تسخيرها لتعزيز الإنتاجية في المناطق الريفية والحضرية وشبه الحضرية، وكذلك لسد فجوة الإنتاجية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، وخاصة في وجه الأزمة المناخية واختفاء الموارد الطبيعية. ومن ذلك على سبيل المثال، أن الزراعة الرأسية لا تتطلب سوى قطعة صغيرة من الأرض، ويمكن إجراؤها في الداخل، مما يسمح بزراعة المنتجات الغذائية في المساحات الحضرية والصناعية، ويؤدي ذلك إلى تقصير سلاسل الإمداد.
آليات التخطيط والحوكمة المتكاملة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
تتطلب السياسات والتكنولوجيات والابتكارات التحويلية آليات حوكمة تُشارك فيها العديد من الجهات الفاعلة للتصدي بشكل متسق للتحديات والاستفادة من الفرص الناشئة في النُظم الزراعية والغذائية في ظل التوسع الحضري.
وبالنظر إلى الطابع المتعدد القطاعات للتحديات والفرص الناشئة عن التوسع الحضري عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، تمثّل الحكومات على المستوى دون الوطني جهات فاعلة مهمة في صياغة وتنفيذ سياسات متسقة تتجاوز النُظم الزراعية والغذائية وتخرج عن الحدود الإدارية العادية. وتتواصل هذه الحكومات عن كسب مع أصحاب المصلحة المحليين ويمكن أن تضمن تكييف السياسات للظروف المحلية عن طريق تعزيز المزايا ومعالجة الاختناقات.
ويشكل وضع اتفاقات نابعة من السياق المحلي بين المناطق الإدارية المتعددة ومنصات وشبكات أصحاب المصلحة المتعددين نقطة انطلاق مهمة نحو ترشيد الحوكمة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ومن بين هذه الآليات، تُمثّل مجالس سياسات الأغذية هيئات استشارية للحكومات المحلية أو دون الوطنية، وتدعم تصميم السياسات وتنفيذها، وتعزز مشاركة أصحاب المصلحة، وتيسِّر رصد وتقييم التقدم المحرز في تنفيذ سياسات واستثمارات وتشريعات.
ويتطلب تصميم وتنفيذ سياسات واستثمارات وتشريعات للنُظم الزراعية والغذائية المحلية لمعالجة ما تواجهه النُظم الزراعية والغذائية من تحديات وفرص، العمل خارج "التقوقعات المنعزلة" وسدّ الفجوات بين مجالات السياسات من أجل إحداث تغييرات في النُظم.
ولا يزال اتساق السياسات على المستويين الوطني ودون الوطني يُشكل تحديًا رئيسيًا في تهيئة البيئة التمكينية المناسبة. ولذلك، ستتطلب هذه السياسات والاستثمارات حوكمة قوية متعددة المستويات عبر سياسات النُظم الزراعية والغذائية الوطنية والإقليمية. ويبدو أن إنشاء شبكات وطنية تُشارك فيها مختلف مستويات الحكومات يُشكل نقطة انطلاق مهمة نحو الشروع في هذه الآليات المتعددة المستويات.
الخلاصة
لم يتفاقم الجوع على المستوى العالمي في الفترة بين عامي 2021 و2022، ولكن هناك العديد من الأماكن في العالم التي يتزايد فيها الجوع – حيث لا يزال الناس يكابدون من أجل استرداد ما لحق بهم من خسائر في الدخل في أعقاب جائحة كوفيد-19، أو لا يزالون يعانون من آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمدخلات الزراعية والطاقة، أو تعطلت حياتهم وسُبل معيشتهم بسبب النزاعات أو الظواهر المناخية القصوى. وسيجري الاحتفال بما تحقق من تقدّم في المؤشرات المهمة المتعلقة بتغذية الأطفال، وتمضي بعض الأقاليم في المسار الصحيح المؤدي إلى تحقيق بعض مقاصد التغذية بحلول عام 2030. ومع ذلك، يُنذر ارتفاع الوزن الزائد والسمنة في بلدان كثيرة بتزايد أعباء الأمراض غير المعدية.
ويمثّل التوسع الحضري موضوع تقرير هذا العام. ومع توقّع عيش نحو سبعة من كل عشرة أشخاص في المدن بحلول عام 2050، يُشكل هذا الاتجاه الكاسح النُظم الزراعية والغذائية، وبالتالي قدرتها على توفير أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة للجميع، والمساعدة على القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
ومن الاستنتاجات الرئيسية أنه لا سبيل إلى فهم الطرق التي يُشكل بها التوسع الحضري النُظم الزراعية والغذائية إلّا من خلال عدسة التسلسل الريفي الحضري المتصل؛ ولم يعد المفهوم البسيط للفجوة بين الريف والحضر مفيدًا لفهم الروابط المتزايدة عبر المناطق الحضرية وشبه الحضرية والريفية. وهذا الترابط المتزايد عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل يُشكل اليوم جانبًا رئيسيًا في فهم عمل سلاسل القيمة. ومن خلال ذلك فقط، يمكن مواءمة التحديات والفرص الناشئة عن التوسع الحضري في النُظم الزراعية والغذائية بوضوح مع حلول السياسات والتكنولوجيات والاستثمارات المناسبة.
ويتطلب تنفيذ هذه الحلول أن تتجاوز آليات ومؤسسات حوكمة النُظم الزراعية والغذائية الحدود القطاعية والإدارية، وينبغي أن تعتمد على الحكومات دون الوطنية والمحلية. وتُمثّل الحكومات المحلية بصفة خاصة جهات فاعلة أساسية في الاستفادة من الآليات المتعددة المستويات والمتعددة أصحاب المصلحة التي أثبتت، كما هو مبيّن في أمثلة ملموسة في هذا التقرير، فعاليتها في تنفيذ السياسات والحلول الضرورية لجعل الأنماط الغذائية الصحية متاحة وميسورة الكلفة للجميع.