يُساهم التوسع الحضري في تحويل النُظم الزراعية والغذائية عن طريق إعادة تشكيل الأنماط المكانية للطلب على الأغذية، والتأثير على تفضيلات المستهلك، وتغيير الطريقة التي تُنتج بها الأغذية والأغذية التي يتم إنتاجها وطريقة توريدها واستهلاكها. وتؤثر هذه التغييرات على النُظم الزراعية والغذائية بطرق تنشأ عنها تحديات وفرص لضمان حصول الجميع على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة.
وفي ظل التوسع الحضري وارتفاع مستويات الدخل، تتناول الأُسر المعيشية في كثير من الأحيان كميات أكبر وأكثر تنوعًا من الأغذية، بما فيها منتجات الألبان والأسماك واللحوم والبقول والفاكهة والخضراوات الطازجة، وكذلك مزيدًا من الأغذية المجهزة.52، 53، 54، 55 وينطوي ذلك، إلى جانب النمو السكاني، على زيادات كبيرة في إنتاج بعض أنواع الأغذية وتوريدها (أي اللحوم ومنتجات الألبان والفاكهة والخضراوات الطازجة، والقمح ومنتجاته، وكذلك الأغذية العالية التجهيز) لتلبية الطلب المتزايد. ويتجسد ذلك من جانبه، في ظل نمو السكان في المناطق الحضرية، في زيادات هائلة في المقادير الإجمالية للأغذية التي تنتجها النُظم الزراعية والغذائية وتجهزها وتوزعها بمرور الوقت. ويمكن أيضًا أن يتباطأ النمو، بل ويمكن أن ينخفض الطلب على المنتجات الغذائية الأخرى التي تُباع، مثل الحبوب التقليدية والذرة والجذور والدرنات.
وتؤدي التعديلات في كمية ونوعية الطلب على الأغذية والإمدادات المعروضة منها إلى تغييرات في الأسواق وتجارة التجزئة؛ والمراحل المتوسطة من سلاسل إمدادات الأغذية (التغييرات في نُظم اللوجستيات والتجهيز وتجارة الجملة والتوزيع في مرحلة ما بعد الحصاد)؛ وأسواق المدخلات الريفية؛ والتكنولوجيا الزراعية؛ وحجم المزارع وتوزيعها.14، 56 وتتحول بالتالي النُظم الزراعية والغذائية من نُظم تقليدية وريفية في معظمها ومعتمدة على روابطها بالأسواق المحلية وفرص العمل الزراعي، إلى نُظم تتسم بقدر أكبر من الترابط بين المناطق الريفية، وبين المناطق الريفية وشبه الحضرية والحضرية. وينطوي ذلك على روابط أكثر تعقيدًا بين الأسواق الريفية والحضرية عبر تسلسل ريفي حضري مكاني ووظيفي متصل، وفرص عمل أكثر تنوعًا على طول سلسلة القيمة الغذائية، بما فيها فرص العمل في التجهيز والتسويق والتجارة. وينطوي ذلك أيضًا على مزيد من الاعتماد على الدخل وتسعير الأغذية (القدرة على تحمل الكلفة) بالنسبة إلى الخيارات الغذائية، في ظل ازدياد الاعتماد على الأغذية المشتراة.
ومما يبعث على القلق بصفة خاصة في هذا السياق ما ينشأ من تغيُّرات في المعروض من الأغذية المغذية التي تُشكل نمطًا غذائيًا صحيًا والطلب عليها؛ وكلفتها بالنسبة إلى الأغذية ذات الكثافة العالية من حيث الطاقة والقيمة التغذوية الدنيا، والتي غالبًا ما تكون غنية بالدهون و/أو السكريات و/أو الملح؛ وكلفتها بالنسبة إلى دخل الأفراد (أي قدرتهم على تحمل كلفتها).
ويعرض الشكل 20 إطارًا مفاهيميًا لفهم المسارات المختلفة التي يؤدي من خلالها التوسع الحضري إلى إحداث تغييرات في النُظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، ويؤثر ذلك من جانبه على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة. ويشير النص الوارد باللون البرتقالي في هذا القسم إلى عناصر محددة في الشكل 20 للتأكيد ولتسهيل الإحالة المرجعية للشكل. وقد وضع الإطار بالاستناد إلى استعراض منهجي لتحليل تجميعي للأدلة المستمدة من الدراسات العلميةس واسترشد بالتحليل الجديد الوارد في الفصل الرابع بشأن التغيُّرات في الطلب على الأغذية والمعروض منها عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ويعترف الشكل 20 بأن التوسع الحضري ليس قوة دافعة للنُظم الزراعية والغذائية بمعزل عن غيره من الدوافع، ولكنه يُغيِّر النُظم الزراعية والغذائية بالتفاعل مع دوافع أخرى، بما في ذلك نمو الدخل، وفرص العمل، وأنماط الحياة، وعدم المساواة الاقتصادية، والسياسات، والاستثمارات.
الشكل 20 المسارات التي يؤثر من خلالها التوسع الحضري على النُظم الزراعية والغذائية على الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة
وينص هذا الإطار المفاهيمي على أنه بالإضافة إلى المناطق الريفية، يمكن أيضًا إنتاج الأغذية في المناطق الحضرية وشبه الحضرية. ويزداد في كثير من البلدان الترابط بين مكونات النُظم الزراعية والغذائية. وهناك أيضًا سلاسل إمدادات أغذية قصيرة وطويلة، ويمكن أن تبتعد عمليات التجهيز في المراحل المتوسطة من السلسلة عن المناطق الحضرية كجزء من سلاسل الإمداد الطويلة جدًا. ولهذه الأسباب، لا يظهر التسلسل الريفي الحضري المتصل في الإطار المفاهيمي جنبًا إلى جنب مع التسلسل المتصل للنُظم الزراعية والغذائية؛ ولكنه يظهر كتسلسل متصل أوسع يمكن أن توجد داخله النُظم الزراعية والغذائية.
ويبيّن الشكل 20 الطرق التي يؤثر بها التوسع الحضري على ثلاثة مكونات رئيسية للنظم الزراعية والغذائية: (1) سلوك المستهلك والأنماط الغذائية؛ (2) المراحل المتوسطة من سلاسل إمدادات الأغذية (على سبيل المثال، اللوجستيات والتجهيز والبيع بالجملة) والمراحل النهائية (على سبيل المثال، الأسواق والتجزئة والتجارة)؛ (3) وإنتاج الأغذية. ويعرض الشكل هذه المكونات الثلاثة بترتيبها القياسي لتوضيح التصورات بشأن النُظم الزراعية والغذائية وسلاسل إمدادات الأغذية. ومع ذلك، تبدأ الأقسام التالية من الطرف الآخر بسلوك المستهلك والأنماط الغذائية، إذ يُمثل ذلك أحد المسارات التي يؤدي التوسع الحضري من خلالها إلى حدوث تغييرات في النُظم الزراعية والغذائية. وتؤثر التغيُّرات عبر النُظم الزراعية والغذائية أيضًا على بيئات الأغذية التي تُشير هنا إلى الظروف المادية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي تُشكل إمكانية الحصول على الأغذية والقدرة على تحمل كلفتها وسلامة الأغذية والتفضيلات الغذائية.57 وعلاوة على ذلك، وكما هو موضح في الشكل 20 ووارد بمزيد من التفصيل أدناه، تُعبِّر بيئات الأغذية عن تفاعل معقد بين الدوافع في جانب العرض، بما في ذلك تسعير الأغذية، وعرض المنتجات والترويج لها، والدوافع في جانب الطلب، بما في ذلك تفضيلات المستهلكين والقوة الشرائية. ويعد هذا التفاعل المعقد بين اعتبارات العرض والطلب معًا عاملًا أساسيًا في فهم الطريقة التي يفضي بها التوسع الحضري إلى تغييرات في النُظم الزراعية والغذائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، مما يؤثر على الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة.
سلوك المستهلك والأنماط الغذائية
من أهم المسارات التي يؤدي من خلالها التوسع الحضري إلى حدوث تغييرات في النُظم الزراعية والغذائية التحول في سلوك المستهلك والأنماط الغذائية (الشكل 20) ويؤدي ارتفاع متوسط الدخل بالاقتران مع تغيُّر أنماط الحياة وفرص العمل إلى الدفع نحو تحول في النمط الغذائي. وعلى الرغم من تباين ذلك وحدوثه بسرعات مختلفة في البلدان والأقاليم فإنه يحدث في جميع أنحاء العالم. ويتسم الانتقال بتغيُّرات في أنواع الأغذية المستهلكة وكمياتها، وتتحول الأنماط الغذائية بعيدًا عن الحبوب التقليدية نحو منتجات الألبان والأسماك واللحوم والخضراوات والفاكهة، وكذلك إلى استهلاك مزيد من الأغذية المجهزةع والأغذية السهلة التحضير أو الأغذية خارج المنزل. ومما يُعزز هذه التفضيلات المتغيرة زيادة التنوع الغذائي وأماكن شراء الأغذية في بيئات الأغذية الحضرية، والتي تتراوح بين المتاجر الكبيرة والأسواق غير الرسمية، وبائعي الأغذية المتجولين والمطاعم.61 وتؤدي زيادة توافر هذه الخيارات في كثير من الأحيان إلى زيادة استهلاك الأغذية وزيادة التنوع الغذائي. وتتشكل التفضيلات الغذائية أيضًا من خلال التسويق والعوامل الأخرى في جانب العرض، مما يُعزز من التأثير المركب على الأغذية المنتجة والموردة والمستهلكة.
ومع ذلك، ساهم التوسع الحضري أيضًا في انتشار الأغذية المجهزة والعالية التجهيز واستهلاكها التي تزداد رخصًا، وتتاح وتسوق بسهولة، حيث تُحدد مؤسسات أعمال القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة والشركات الأكبر المشهد التغذوي. وتُشير المقارنات بين كلفة المواد الغذائية المفردة و/أو المجموعات الغذائية المستمدة من الدراسات القائمة إلى أن كلفة الأغذية المغذية – مثل الفاكهة والخضراوات والأغذية الحيوانية المصدر – أعلى في العادة من كلفة الأغذية الكثيفة الطاقة الغنية بالدهون و/أو السكريات و/أو الملح، أو كلفة الأغذية الأساسية والزيوت والسكريات.62، 63، 64، 65 واتضح أيضًا أن الأسعار النسبية للأغذية المغذية والأغذية التي تحتوي على كثافة عالية من الطاقة والحد الأدنى من القيمة التغذوية تختلف بصورة منهجية عبر مستويات الدخل والأقاليم.62، 66، 67
وفي ظل التوسع الحضري، تتزايد المشتريات من المتاجر الكبيرة، ومنافذ الوجبات السريعة، والتوصيل إلى المنازل، وشركات التوريد الإلكتروني، وسائر تجار تجزئة الأغذية السهلة التحضير.68، 69، 70 وشهد إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، على سبيل المثال، تحولًا عميقًا خلال السنوات العشرين الماضية نحو الأغذية التي تحتوي على كثافات عالية من الطاقة والحد الأدنى من القيمة التغذوية، بما في ذلك المشروبات المحلاة بالسكر. وفي حين أن هذه الظاهرة تحدث في أغلبها في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، فقد امتدت إلى المناطق الريفية وأراضي الشعوب الأصلية. وحدث أيضًا تحول نحو زيادة استهلاك الأغذية خارج المنزل والوجبات الخفيفة، وهو ما يتوافق مع ارتفاع مستويات الوزن الزائد والسمنة في جميع الأعمار، إلى جانب ارتفاع أعباء التقزم في بعض البلدان.69 ولا ينفرد إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي بهذه التحديات، إذ تواجه سياقات عديدة الآن أعباء متعددة ومتزامنة جراء الأشكال المختلفة لسوء التغذية.71، 72
ومن الأسباب الأخرى لانتشار الأغذية المجهزة سهولة التحضير. ويرتبط التوسع الحضري بالتغييرات في أنماط الحياة وملامح فرص العمل للنساء والرجال، وكذلك زيادة الوقت الذي يستغرقه التنقل، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على الأغذية السهلة التحضير والمعدة مسبقًا والسريعة. ويزداد عمل النساء اللاتي يتحملن في كثير من الأحيان مسؤولية إعداد الطعام، خارج المنزل وبالتالي قد يكون لديهن وقت أقل للتسوق وتجهيز الأغذية وإعدادها. وفي الوقت نفسه، يزداد عمل الرجال بعيدًا عن المنزل في مدن أخرى. وتدفع هذه الاتجاهات نحو شراء الحبوب المعدة مسبقًا أو الجاهزة، مثل الأرز والقمح،73، 74 إلى جانب مزيد من الأغذية المجهزة والأغذية خارج المنزل التي تعدها المطعام والمقاصف ومنافذ البيع بالتجزئة، وغيرها.18 وشهد قطاع تجهيز الأغذية والوجبات السريعة نموًا سريعًا بسبب ذلك. ومن ذلك على سبيل المثال أن أنماط تناول الطعام بين المهاجرين من تنزانيا تتغيَّر عندما ينتقلون من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية بعيدًا عن الأغذية الأساسية التقليدية، مثل الكسافا والذرة. ونحو الأغذية السهلة التحضير أو الجاهزة أو المعدة مسبقًا، مثل الأرز والخبز والأغذية خارج المنزل.75 ويزداد هذا الاتجاه أيضًا في المناطق الريفية كتدبير لتوفير الوقت للعمال غير الزراعيين والنساء العاملات خارج المنزل، وهو ما تُسهله زيادة الدخل الريفي، وزيادة المعروض من إمدادات هذه الأغذية من المناطق الحضرية والريفية الأخرى، وانخفاض كلفة النقل بسبب تحسن الطرق.
ويحدث أيضًا هذا التحول في النمط الغذائي في المناطق الريفية وإن كان متخلفًا وبدرجة أقل مما في المناطق الحضرية وشبه الحضرية. وتؤكد الدراسات الجديدة التي أُجريت خلال السنتين الماضيتين52، 53، 76، بما فيها التحليل الجديد الوارد في الفصل الرابع، مدى حدوث تحول في النمط الغذائي عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، وغياب أي فروق صارخة بين المناطق الحضرية والريفية داخل البلدان المشمولة بالتحليل.
وتنتشر أيضًا مشتريات الأغذية في المناطق الريفية أكثر مما هو مفهوم في العادة. وحدث تحول في النمط الغذائي في هذه المناطق من الأغذية المنتجة محليًا بصورة أساسية إلى المنتجات التي يزداد شراؤها من السوق. ويعتمد الفقراء الريفيون اعتمادًا كبيرًا على شراء الأغذية من الأسواق، وهم عمومًا مشترون صافون للأغذية. ويتبيّن من البحوث أن الأُسر المعيشية الريفية في أفريقيا الشرقية والجنوبية تشتري 44 في المائة (من حيث القيمة) من الأغذية التي تستهلكها.77 والأكثر من ذلك أن دراسة تناولت بنغلاديش وإندونيسيا ونيبال وفييت نام تُظهر أن الأُسر المعيشية الريفية تشتري نسبة أعلى من أغذيتها – 73 في المائة (من حيث القيمة).78 وعلاوة على ذلك، تُظهر البحوث الجديدة الواردة في الفصل الرابع أن مشتريات الأغذية تُشكل غالبية (ما متوسطه 56 في المائة) من الأغذية المستهلكة (من حيث القيمة) لدى الأُسر المعيشية الريفية في 11 بلدًا من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وينطبق ذلك حتى على الأُسر المعيشية التي تعيش على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة وساعتين من أي مدينة أو بلدة صغيرة (56 في المائة)، والأُسر المعيشية التي تعيش على بُعد أكثر من ساعتين من أي مدينة أو بلدة (52 في المائة في المتوسط).
وتُظهر الدراسات أنه على الرغم من أن استهلاك الأغذية المجهزة (بجميع أنواعها) أعلى في المناطق الحضرية من حيث نسبة الإنفاق على الأغذية، فإن استهلاك الأغذية المجهزة في المناطق الريفية ليس أقل بكثير.54 وفي إقليم أفريقيا الشرقية والجنوبية، على سبيل المثال، يُنفق 29 في المائة من إجمالي النفقات الغذائية على هذه الأغذية، ومنها 17 في المائة على الحبوب المطحونة المشتراة التي تُصنَّف على أنها مواد مجهزة، و48 في المائة على الأغذية من الحبوب التي يقل تجهيزها إلى أدنى حد، و35 في المائة من الأغذية العالية التجهيز.77، 80 وتُبين الأدلة الحديثة المستمدة من ثلاثة بلدان أفريقية أن نسب جميع أنواع الأغذية المجهزة مرتفعة بصورة تبعث على الاستغراب بين الفقراء، بل وحتى بين الفقراء المدقعين، في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء.52، 53، 54 ومع ذلك، هناك أنماط مختلفة من استهلاك مختلف أنواع الأغذية المجهزة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، إذ تكشف نسب الأغذية العالية التجهيز والأغذية خارج المنزل ارتباطًا قويًا مع مجموع نسب ميزانية الأغذية والمناطق الحضرية في 11 بلدًا من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المشمولة بالتحليل (انظر الفصل الرابع).54
المراحل المتوسطة والنهائية من سلاسل إمدادات الأغذية
من المسارات الأخرى التي يؤثر من خلالها التوسع الحضري على النُظم الزراعية والغذائية ما يحدث من تغيُّرات في المراحل المتوسطة والنهائية من سلاسل إمدادات الأغذية (الشكل 20). وتنتج هذه التغيُّرات في كثير من الأحيان بسبب زيادة الاستثمارات في البنية التحتية، مثل الطرق والمستودعات ومرافق التخزين البارد. وتتألف المراحل المتوسطة من أنشطة ما بعد خروج المنتجات من المزرعة المتعلقة بخدمات اللوجستيات وتجهيز الأغذية وبيعها بالجملة. وتشمل هذه الأنشطة تنظيف المنتجات الزراعية والغذائية وفرزها وتعبئتها ونقلها وتخزينها وبيعها بالجملة. وتشمل المراحل النهائية من سلاسل إمدادات الأغذية القطاعات المرتبطة ارتباطًا مباشرًا بمشتريات المستهلكين، وهي أسواق التجزئة والمبيعات، والتجارة.
سلاسل إمدادات الأغذية
يُمكن أن يُساهم التوسع الحضري في سلاسل إمدادات أغذية أطول وذات صبغة رسمية أكبر وأكثر تعقيدًا بعد ارتفاع طلب المستهلكين وزيادة التنظيم الرقابي للنُظم الزراعية والغذائية.81، 82 وفي ظل نمو المدن وتغيُّر الأنماط الغذائية لسكان المناطق الحضرية، يجب على سكان هذه المناطق النظر بصورة متزايدة إلى ما هو أبعد من الإنتاج المحلي لإمداداتهم من الأغذية. وتُشير التقديرات إلى أن 30 في المائة فقط من السكان المقيمين في المناطق الحضرية يُلبون طلبهم على محاصيل معيّنة محليًا (في دائرة نصف قطرها نحو 100 كيلومتر).83، 84 ومع أن بعض الأغذية المستهلكة في المناطق الحضرية يجب نقلها عبر مسافات بعيدة للوصول إلى وجهتها، يُنتج معظمها داخل الحدود الوطنية ويتم تداولها محليًا (على سبيل المثال، تتراوح هذه النسبة بين 90 و95 في المائة في آسيا).80 ويُستثنى من ذلك إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، وبعض البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك الدول الجزرية الصغيرة النامية. ووفقًا لآخر تقرير صادر عن منظمة التجارة العالمية، هناك 32 بلدًا ناميًا مستوردًا صافيًا للأغذية.86 ويمكن أن تكون واردات الأغذية في هذه البلدان كبيرة. ومن ذلك على سبيل المثال أن التوقعات الزراعية المشتركة بين منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة تُشير إلى استيراد ما يقرب من 70 في المائة من جميع السلع الغذائية المستهلكة في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.87 وفي ما يتعلق بالبلدان الأخرى، تُمثل الواردات نسبة منخفضة من إمدادات الأغذية، وتتألف أساسًا من عدد قليل من المنتجات لدرجة أن سلاسل الإمداد المحلية هي التي تدفع بالفعل إمدادات الأغذية.55 ويتسق ذلك عبر الأقاليم ومعظم المجموعات الغذائية (باستثناء الزيوت والدهون)، وينطبق بصفة خاصة على الفاكهة والخضراوات والأغذية الحيوانية المصدر، وهي مجموعات غذائية مهمة للأنماط الغذائية الصحية.
وعادة ما تكون سلاسل إمدادات الأغذية المحلية طويلة ومتشابكة داخل البلد من مناطق الإمداد إلى المدن والمناطق الريفية.88 ولا تُمثل سلاسل الإمداد المحلية الريفية القصيرة، أو سلاسل إمدادات الأغذية التقليدية القائمة على زراعة الكفاف، سوى نحو 10 في المائة من الاقتصاد الغذائي في أفريقيا وآسيا الجنوبية، و5 في المائة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. 76، 88، 89 ومن ناحية أخرى، تنتشر على نطاق أوسع سلاسل الإمداد الطويلة التي تربط المنتجين الريفيين بالمستهلكين في المناطق الحضرية من خلال شبكة من مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة العاملة في النُظم الزراعية والغذائية الكثيفة العمالة، إذ تُمثل نحو 70 في المائة من الاقتصاد الغذائي في أفريقيا وآسيا الجنوبية، و50 في المائة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.88، 89 وتميل سلاسل إمدادات الأغذية الحديثة القائمة على المتاجر الكبيرة وكبار المجهزين إلى أن تكون طويلة أيضًا، إذ تمتد من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية وتشمل أيضًا عناصر دولية. وتُمثل سلاسل الإمداد الطويلة نحو 20 في المائة من النُظم الزراعية والغذائية في أفريقيا وآسيا الجنوبية، و45 في المائة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
المراحل المتوسطة من سلاسل إمدادات الأغذية
أصبحت المراحل المتوسطة من سلاسل إمدادات الأغذية محركات رئيسية لنمو سلاسل الإمداد نتيجة للارتفاع العام في الطلب على الأغذية في المناطق الحضرية وبشكل أكثر تحديدًا ارتفاع الطلب على المنتجات العالية القيمة والمجهزة.90 وشهد هذا النوع من سلاسل الإمداد نموًا سريعًا على مدى عدة عقود، وتُشكل الآن نسبة كبيرة من القيمة الإجمالية المضافة والكلفة في سلاسل القيمة الغذائية. وفي البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، تُشكل المراحل المتوسطة من سلاسل إمدادات الأغذية ما يتراوح بين 30 و40 في المائة من القيمة المضافة في سلاسل القيمة الغذائية.80 وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أن القطاعات المتوسطة تُشكل جزءًا لا يتجزأ من الاقتصادات المحلية فإنها يمكن أن توفِّر خدمات مكيَّفة مع السياقات المحلية وروابط بين المزارعين والأسواق تُساهم في تعزيز إمدادات الأغذية والاقتصادات الريفية.91 وشهدت العقود العديدة الماضية انتشارًا سريعًا لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تؤدي حاليًا دورًا مهمًا في تحويل سلاسل القيمة الزراعية والغذائية في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.91، 92 وتحقق مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة أسرع انتشار لها أثناء المرحلة الانتقالية من هذا التحول عندما تتطور سلاسل القيمة الزراعية والغذائية وتزداد طولًا في ظل تقدم التوسع الحضري، ولكنها لا تزال مجزئة (انظر مزيدًا من التفاصيل عن تحويل سلاسل القيمة الزراعية والغذائية في الجدول 7). ويمثل عدم وجود سياسات ملائمة عاملًا ساهم في عرقلة انتشار مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة “الرسمية”، ولا سيما في قطاع التجهيز.91
الجدول 7 المراحل الثلاث لتحويل سلاسل القيمة الزراعية والغذائية
وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تشتري مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة العاملة في المراحل المتوسطة من سلاسل القيمة الغذائية 95 في المائة من مجموع الإمدادات للشركات الصغيرة، وباتت تُمثل أكبر مستثمر في أسواق المنتجات الزراعية في الإقليم.93 وبالتالي فإن إنتاجية هذه المراحل المتوسطة لا تقل أهمية عن غلة المزارع بالنسبة إلى الأمن الغذائي في البلدان الفقيرة. وتُشكل قطاعات ما بعد خروج المنتجات من المزرعة في سلسلة الإمداد – المراحل المتوسطة (التجهيز والبيع بالجملة/النقل) والمراحل النهائية (التجزئة ومنافذ بيع الأغذية) – معًا ما يتراوح بين 40 و70 في المائة من كلفة الأغذية التي يتكبدها سكان المناطق الحضرية في أفريقيا.94 وتشهد المناطق الريفية القريبة من المدن في العادة تحولًا أسرع في سلاسل القيمة الغذائية، بما في ذلك تطوير المراحل المتوسطة.80 ومع ذلك، لا تزال القطاعات المتوسطة في النُظم الزراعية والغذائية في بعض البلدان المنخفضة الدخل والبلدان التي تشهد توسعًا حضريًا، في المراحل المبكرة من التحول. وعلى سبيل المثال، لا تزال معظم المدن في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لا تمتلك سوى مجموعة ضيقة من الأغذية المعبأة والمجهزة وتتاح المنتجات الأكثر تنوعًا في العواصم أو المدن الكبيرة.95، 96، 97 والأهم من ذلك أن نمو الأنشطة في المراحل المتوسطة والنهائية يوفِّر فرص عمل مهمة غير زراعية، يمكن أن يوفر دخلًا ثابتًا كافيًا لتغطية نفقات العيش، مما يزيد من القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية. ومن ذلك على سبيل المثال أن فرص العمل في النُظم الزراعية والغذائية خارج المزرعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تتسع حاليًا بسرعة أكبر من فرص العمل في الزراعة نفسها45 – ويمثل ذلك أحد مظاهر التحول الواضحة في النُظم الزراعية والغذائية. وتشمل فرص العمل في الأنشطة غير الزراعية، التي يتركز معظمها في مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وظائف ما بعد المزرعة في تجهيز الأغذية، والبيع بالجملة، واللوجستيات، والتجزئة، والخدمات الغذائية، وكذلك الوظائف خارج النُظم الزراعية والغذائية. وتُظهر الدراسات أن فرص العمل في مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة داخل النُظم الزراعية والغذائية في قطاعات التجهيز والبيع بالجملة والنقل والتجزئة يمكن أن تكون مهمة بصفة خاصة لعمل المرأة والشباب.36، 98 في حين أنه قلما توجد تقديرات لأعداد الأشخاص العاملين في سلاسل إمدادات الأغذية، وضعت عدة دراسات تقديرات لفرص العمل في النُظم الزراعية والغذائية ككل لأقاليم وشرائح سكانية فرعية محددة. ومن ذلك على سبيل المثال، تُقدِّر إحدى الدراسات أن معدلات عمل الشباب في النُظم الزراعية والغذائية في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، تبلغ 61 و39 و48 في المائة، على التوالي.99 وتُقدِّر دراسة أخرى أُجريت في أفريقيا الغربية أن النُظم الزراعية والغذائية تُمثل 66 في المائة من مجموع فرص العمل، وأن غالبية من يعملون في أنشطة/خدمات التجهيز وبيع الأغذية هم من الإناث، حيث تُشكل النساء أكثر من 80 في المائة من العاملين في هذه القطاعات.45 وفي قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، تُمثل النساء 50 في المائة من العاملين في سلسلة قيمة الأحياء المائية (بما في ذلك مراحل ما قبل الحصاد وبعده).100 وعلاوة على ذلك، تؤكد عدة دراسات أن تحول النُظم الزراعية والغذائية، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل حيث يعمل في النُظم الزراعية والغذائية أكبر عدد من العمال، يبشر بفرص عمل جديدة في المراحل النهائية والمتوسطة، ولا سيما بالنسبة إلى شرائح سكانية كبيرة من الشباب.101، 102 وتُقدِّر دراسة جديدة أن مجموع فرص العمل في النُظم الزراعية والغذائية بلغ 1.23 مليار شخص على نطاق العالم في عام 2019 .104، 105 ويُقدَّر مجموع فرص العمل في النُظم الزراعية والغذائية في أفريقيا بنسبة 62 في المائة، مقابل 40 في آسيا و23 في المائة في الأمريكتين. وفي حين أن الدراسة لا تُصنِّف العمل بحسب المكونات المختلفة للنُظم الزراعية والغذائية فإنها تفصل العمل المتعلق بتجارة الإمدادات الغذائية والنقل. ومن بين 1.23 مليار شخص يعملون في النُظم الزراعية والغذائية، يعمل 375 مليونًا في وظائف مرتبطة بإمدادات الأغذية والتجارة والنقل. وينطوي إدراج وظائف التجارة والنقل على أكبر الأثر في أفريقيا، إذ تتراوح نسبة الوظائف غير الزراعية في النُظم الزراعية والغذائية بين 5 و14 في المائة. وفي جميع الأقاليم الأخرى، تتراوح النسبة بين 8 في المائة في أوروبا و14 في المائة في أفريقيا.104، 105
تغيُّر أسواق الأغذية في المناطق الحضرية: ظهور المتاجر الكبيرة والأغذية العالية التجهيز
يُسفر التوسع الحضري عن زيادة في عدد أسواق الأغذية في المناطق الحضرية وحجمها. ولا تزال منافذ أسواق الأغذية النظامية وغير النظامية آخذة في الاتساع في ظل نمو المدن، وذلك بسبب الطلب والقوة الشرائية لسكان المناطق الحضرية، وكذلك الاستثمارات العامة والخاصة في هذه الأسواق. وتُقدِّر دراسة أُجريت في أفريقيا الشرقية والجنوبية نمو أسواق المناطق الحضرية في الإقليمين بما يتراوح بين 600 و800 في المائة على مدى العقود الأربعة الماضية.90 وتُشير دراسة أُجريت في جنوب شرق آسيا إلى أن النمو بلغ ما يقرب من 000 1 في المائة في الفترة نفسها.106 وأدى التوسع الحضري وتغيُّر النُظم الزراعية والغذائية أيضًا إلى ظهور الصحارى والمستنقعات الغذائية على حد سواء، وهي تتميّز بوجود أسواق توفِّر إمكانية ضئيلة للحصول على أغذية متنوعة ومغذية أو تتيح توافرها بشكل محدود (الإطار 4).
الإطار 4الصحارى والمستنقعات الغذائية
أدى التوسع الحضري والنُظم الزراعية والغذائية المتغيرة إلى ظهور نوعين جديدين من بيئات الأغذية: الصحارى الغذائية والمستنقعات الغذائية. ويُقصد بالصحارى الغذائية مناطق جغرافية يكون فيها وصول السكان إلى الأغذية المتنوعة أو الطازجة أو المغذية محدودًا أو حتى منعدمًا، بسبب غياب أو انخفاض كثافة “نقاط دخول الأغذية” في حدود مسافة سفر عملية. وأما المستنقعات الغذائية فهي مناطق توجد فيها وفرة من الأغذية ذات الكثافة العالية من الطاقة والحد الأدنى من القيمة التغذوية. ولا تتيح سوى خيارات قليلة للأغذية المغذية الميسورة الكلفة.
وعلى الرغم من انتقاد كلا المفهومين بسبب ما ينطويان عليه من دلالة ضيقة وغير مناسبة في سياقات معيّنة،110 يمكن أن يؤثر التوسع الحضري على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية وغير صحية، ولا سيما في الأحياء العشوائية الآخذة في الاتساع. وفي حين أن هذه المشكلة تُمثل ظاهرة جديدة ومتنامية في الأحياء الفقيرة في المناطق الحضرية من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإنها مترسخة بالفعل في الأحياء الأكثر فقرًا في البلدان المرتفعة الدخل.
وعلى سبيل المثال، اقترن النمو السريع في ويندهوك، عاصمة ناميبيا، بالنمو السريع في المستوطنات شبه الحضرية والحضرية العشوائية. ويمكن تعريف هذه المستوطنات على أنها صحارى غذائية بسبب الافتقار إلى الأغذية المغذية لمعظم السكان.111 وعلى النقيض من ذلك، يمكن اعتبار الأحياء المنخفضة والمتوسطة الدخل في مدينة مازاتلان في المكسيك، والتي تبلغ فيها الكثافة مستويات عالية جدًا من أنشطة الأعمال الصغيرة جدًا وغير الرسمية التي تبيع الوجبات الخفيفة الكثيفة الطاقة والوجبات السريعة والمشروبات المحلاة بالسكر، مستنقعات غذائية.112 وفي ريو دي جانيرو في البرازيل، تبيّن من دراسة أُجريت هناك أن الصحارى والمستنقعات الغذائية انتشرت في آن واحد بصورة أكبر في الأحياء الأقل دخلًا، التي كانت تعاني من مستويات عالية من الحرمان والفصل.113
ويتميَّز قطاع الأغذية الرسمي بوجود المتاجر الكبيرة والسلاسل ذات الطابع الرسمي؛ وتخضع هذه المتاجر الكبيرة والسلاسل للتنظيم الرقابي والضرائب من جانب الحكومات على مستويات مختلفة، ويمكنها – خلافًا للأسواق غير الرسمية – تحمل كلفة الخدمات المالية والتقنية. وفي المقابل، يمكن تعريف قطاع الأغذية غير الرسمي بصفة عامة على أنه جميع الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالأغذية التي تُجريها مؤسسات الأعمال المستقلة و/أو الصغيرة و/أو غير المسجلة. ولا توجد في معظم الأحوال سوى تغطية محدودة من السلطات الرسمية للترتيبات النقدية والتنظيمية والمؤسسية، مثل الضرائب.
وساهمت عوامل جانب العرض، إلى جانب زيادة الطلب على الأغذية المتاحة بسهولة، في اتساع كبير في المتاجر الكبيرة والمتاجر الكبرى.107، 108، 109 وتشمل هذه العوامل الموجودة في جانب العرض تحرير السياسات والخصخصة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، مما أدى إلى استثمارات محلية تنافسية واستثمارات في البنية التحتية العامة، مما خفض كلفة المعاملات المرتبطة بتطوير سلاسل الإمداد (على سبيل المثال، نُظم الشراء)، وعولمة توزيع التكنولوجيا الحديثة المتصلة بإنتاج الأغذية والنقل والتسويق، ووسائل الإعلام، وتدفق رأس المال، والخدمات. وتمكنت المتاجر الكبيرة من تحقيق وفورات الحجم في المشتريات، ووفورات الحجم والنطاق في التسويق، وأتاح لها ذلك زيادة حصتها من مبيعات التجزئة بمرور الوقت مقارنة بالمتاجر الصغيرة وأسواق المنتجات الطازجة (الأسواق التي تبيع الأغذية الطازجة، مثل اللحوم والأسماك والمنتجات والسلع الاستهلاكية الأخرى السريعة التلف في البيئات التي ليست متاجر كبيرة)، وخاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية.109،108
وتُشكل المتاجر الكبيرة والمتاجر الكبرى بصورة متزايدة قوة رئيسية تُساهم في تحول النمط الغذائي في أي بلد أو إقليم. ومما ساعد على ترسيخها زيادة أسواق الأغذية الكبيرة في المناطق الحضرية، والتي تجمع بين المستهلكين المحتملين وتجتذب الاستثمارات الأجنبية.114 وتُشكل هذه الأسواق في كثير من الأحيان جزءًا من سلاسل متعددة الجنسيات أو، في بلدان مثل جنوب أفريقيا والصين، سلاسل محلية تعمل كسلاسل عالمية.
وتختلف العلاقة بين التوسع الحضري ونمو المتاجر الكبيرة اختلافًا واسعًا بحسب الإقليم وحجم المدينة. ففي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حدث التوسع الحضري في تسعينات القرن الماضي قبل ظهور المتاجر الكبيرة، وارتبطت العملية في الواقع ارتباطًا أعمق بخصخصة النُظم الزراعية والغذائية وتحريرها.69 وفي آسيا، من ناحية أخرى، ارتبط تطور المتاجر الكبيرة ارتباطًا وثيقًا بالتوسع الحضري. وفي نهاية المطاف، نتج التحول نحو مزيد من المتاجر الكبيرة بسبب مجموعة من العوامل التي شملت ارتفاع مستوى الدخل، وتغيُّر أنماط الحياة، والتسويق، وازدياد الوعي بسلامة الأغذية وجودتها.115
وبينما يمكن أن ترتبط المتاجر الكبيرة بزيادة إمكانية الحصول على الأغذية المغذية118، وفي حين أن التكنولوجيا الغذائية الحديثة وفرت فوائد من حيث الحد من المهدر، وتعزيز الصرف الصحي وخفض التأثيرات الموسمية الضارة،109 فقد ارتبطت أيضًا بزيادة المعروض من إمدادات الأغذية الكثيفة الطاقة والعالية التجهيز. 81، 119، 120، 121، 122، 123 ويمكن أن يرتبط التوسع الكبير في أنواع الأغذية العالية التجهيز التي تُباع في جميع أنحاء العالم وأصناف هذه الأغذية وكمياتها، بالتوسع في المتاجر الكبيرة والمتاجر الكبرى، وتصنيع النُظم الزراعية والغذائية، والتغيُّر التكنولوجي والعولمة، بما في ذلك نمو الأسواق والأنشطة السياسية لشركات الأغذية عبر الوطنية. وعلى الرغم من التفاوتات الكبيرة بين الأقاليم والبلدان، تبلغ مبيعات الأغذية العالية التجهيز أعلى مستويات لها في أوسيانيا ومنطقة المحيط الهادئ، وأمريكا الشمالية، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية، ولكنها تنمو أيضًا بسرعة في آسيا، والشرق الأدنى وأفريقيا.119 وعلى الرغم من زيادة تغلغل الأسواق الرسمية، مثل المتاجر الكبيرة والمتاجر الكبرى، لا تزال الأسواق المفتوحة وأسواق المنتجات الطازجة، فضلًا عن المنافذ غير الرسمية والباعة المتجولين، مهمة للثقافات الغذائية في المناطق الحضرية المحلية في كثير من بلدان العالم، ولا سيما في آسيا وأفريقيا.117 وهنا، يُشكل متوسط الدخل السنوي المنخفض للشخص قيدًا مهمًا أمام توسيع المتاجر الكبيرة.124
ويشتري سكان المناطق الحضرية الفقراء بشكل خاص معظم أغذيتهم من الأسواق غير الرسمية أو متاجر الشوارع. ومن ذلك على سبيل المثال أن المتاجر الكبيرة لا تُمثل سوى 3 و0.4 في المائة من جميع ما ينفقه سكان الأحياء الفقيرة على الأغذية في نيروبي وكمبالا، على التوالي.125 وفي زامبيا، تقل حصة المتاجر الكبيرة في المدن الصغيرة مقارنة بالمدن الأكبر.126 وعلى الرغم من زيادة تغلغل الأسواق الرسمية، لا تزال القارة الأفريقية وكذلك العديد من البلدان الآسيوية تزخر بتجار الأغذية غير الرسميين – مثل تجار الشوارع والأسواق، والمتاجر الصغيرة. وفي إقليم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، لا تزال أسواق الشوارع وأسواق الجملة مهمة أيضًا، ولا سيما بالنسبة إلى الأغذية الطازجة.127، 128، 129 وفي الأماكن التي تتوسع فيها المتاجر الكبيرة، تؤثر هذه العملية على الأسعار ومعايير الجودة والسلامة، مما يُقيِّد في كثير من الأحيان من وصول صغار المنتجين إلى قنوات البيع.130، 131
إنتاج الأغذية
يؤثر التوسع الحضري الذي يحدث بصفة خاصة من خلال زيادة الترابط بين المناطق الريفية والحضرية، أيضًا على النُظم الزراعية والغذائية من خلال التغيُّرات في الإنتاج الزراعي (الشكل 20) وفي ظل تغيُّر سلوك المستهلك والأنماط الغذائية، يؤثر ذلك على الإنتاج والتنويع الزراعيين، ويؤدي إلى حدوث تحولات في شدة عوامل الإنتاج ونوعها (أي العمالة، والأرض والموارد الطبيعية الأخرى). وعلاوة على ذلك، وكما جرى تأكيده من قبل، فإن لهذا تأثير مضاعف تعزيزي – إذ مع ما يحدث من تغييرات في إمدادات الأغذية، تؤثر هذه التغييرات من جانبها على سلوك المستهلك وخياراته، ويؤثر ذلك تأثيرًا أكبر على إنتاج الأغذية.
إنتاج الأغذية وعوامل الإنتاج والخدمات الزراعية
يرتبط التوسع الحضري في كثير من الأحيان بتنويع الأنماط الغذائية، بما في ذلك منتجات الألبان والأسماك واللحوم والخضراوات والفاكهة والبقول – وهي أغذية تساعد على تكوين نمط غذائي صحي كما سبق تأكيده أعلاه. غير أن توافر الخضراوات والفاكهة، على وجه الخصوصف لا يكفي لتلبية الاحتياجات الغذائية اليومية في كل إقليم من أقاليم العالم تقريبًا (الجدول 8). ومما يبعث على القلق بصفة خاصة عدم كفاية توافر جميع المجموعات الغذائية باستثناء الأغذية الأساسية في أفريقيا. ولكن هناك اختلافات ملحوظة بين البلدان وداخل الأقاليم. ومن ذلك على سبيل المثال أن المعروض من إمدادات الخضراوات يزيد عما هو مطلوب في آسيا.55
الجدول 8 توافر المجموعات الغذائية لتلبية سلة النمط الغذائي الصحي، بحسب الإقليم (للفرد في اليوم)، 2020
ويؤثر التوسع الحضري على الإنتاج الزراعي بطرق مختلفة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وفي المناطق الريفية وشبه الحضرية المتصلة اتصالًا جيدًا بأسواق المناطق الحضرية الآخذة في الأتساع أو بمرافق التخزين والتجهيز، يتجه صغار وكبار المزارعين نحو التسويق التجاري بصورة متزايدة ويحصلون على خدمات جيدة نسبيًا من جانب أنشطة الأعمال الزراعية التي توفِّر المدخلات وخدمات تسويق المنتجات الزراعية.133 ويحصل المزارعون الموجودون بالقرب من أسواق المناطق الحضرية في كثير من الأحيان على عائد أعلى من منتجاتهم الزراعية ويستفيدون أكثر من الأسواق المتنامية الخاصة بالمنتجات العالية القيمة المتنوعة.134، 135
وفي ظل تحسن الترابط بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، يمكن أن تتاح للمنتجين الريفيين فرص أفضل في الحصول على المنتجات والخدمات الزراعية، مما يتيح لهم تحسين الإنتاجية التي تزيد في العادة من مستويات الدخل،136 وهو أمر أساسي لزيادة إمكانية الحصول على الأغذية المغذية. ومن ذلك على سبيل المثال، حفَّز التوسع الحضري في ميرو في جمهورية تنزانيا المتحدة، الطلب على الألبان، مما أتاح لأصحاب الحيازات الصغيرة مصدر دخل موثوق في إقليم يعاني من ندرة الأراضي (الخصبة).137 وكان تحسين فرص الحصول على المدخلات ودعم المؤسسات المستقرة شرطين مهمين لتسهيل هذا التكثيف، مما أدى إلى رفع مستوى الدخل.
ويمكن أن تمتد تأثيرات التوسع الحضري إلى المناطق الزراعية البعيدة عن البلدات والمدن، تبعًا لمدى الترابط بين المناطق الريفية والحضرية الذي يتشكل من خلال القرب من المدن وطرق النقل القائمة.138 ويمكن ملاحظة ذلك في المناطق الريفية حول دلهي في الهند. وتزداد أهمية الخضراوات ومنتجات الألبان كمكونات للاستهلاك، ليس فقط للأسرة المعيشية المرتفعة الدخل في المناطق الحضرية، بل وكذلك للأسرة المعيشية المنخفضة والمتوسطة الدخل في المناطق الحضرية. ونتيجة لهذه التغييرات في أنماط الاستهلاك في المناطق الحضرية، فإن المناطق الريفية المحيطة بدلهي، والتي كانت تُركز تقليديًا على زراعة الحبوب، تشهد الآن تركيزًا متزايدًا على إنتاج الخضراوات وتربية الماشية، ونتيجة لذلك ترتفع الإنتاجية في هذه القطاعات.139 ويظهر التأثير البعيد المدى للتوسع الحضري أيضًا في مصايد الأسماك، إذ أثر على قدرة صيادي الأسماك على مواجهة ارتفاع كلفة المعيشة في مجتمعات الصيد.140
وفي الوقت نفسه، لا يزال الملايين من أصحاب الحيازات الصغيرة في المناطق النائية التي يتعذر الوصول إليها أو المنفصلة معزولين عن الفرص التي يمكن أن تحققها لهم أسواق الأغذية المتنامية في المناطق الحضرية.141 أما النمو الزراعي في المناطق الريفية الأكثر عزلة فهو محدود بسبب انخفاض الإنتاجية وارتفاع كلفة النقل.138 ولا يتاح للمزارعين ذوي القدرة المحدودة على الوصول إلى أسواق المناطق الحضرية سوى فرص قليلة للاستفادة من التنمية الحضرية. وعلى سبيل المثال، تبيّن أن الأخذ بتكنولوجيا المدخلات العالية وإنتاجية المحاصيل في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتناسبان عكسيًا مع مدة السفر إلى المراكز الحضرية.142
ومن الآثار المباشرة المهمة الأخرى للتوسع العمراني تغيُّر استخدام الأراضي. ففي بعض البلدان، يحصل المزارعون على تعويض كبير مقابل بيع أراضيهم،143 بينما لا يُعوض عن نزع ملكية الأراضي الزراعية في بلدان أخرى مما يؤدي إلى فقدان سُبل المعيشة ومسائل متعلقة بالحقوق في الأراضي. وبالنظر إلى أن المزارع داخل المناطق شبه الحضرية تفسح المجال طوعًا أو كرهًا للتوسع العمراني وما يرتبط به من بنية تحتية، فإنها تبتعد في كثير من الأحيان عن المدن وتحول مزيدًا من المناطق الطبيعية النائية (معظمها غابات وأحراش) إلى أراضٍ زراعية جديدة، مما يؤثر سلبًا على نوعية الموائل والتنوع البيولوجي ويتسبب في حدوث تدهور بيئي وإزالة للغابات .144، 145، 146، 147 وفي بعض الحالات، يُضطر المزارعون إلى استخدام الأراضي الأقل إنتاجية في القرى الواقعة في المناطق النائية الأبعد، أو يقتصرون على المساحات العامة غير المأذون باستخدامها.148، 149 والأكثر من ذلك أن الأراضي المحوّلة تكون أقل خصوبة من الأراضي الصالحة للزراعة حول المدن، مما يؤدي إلى خسارة في الإنتاجية الزراعية أعلى من الخسارة المطلقة للأراضي.150 وتتطلب تلبية إنتاج الأغذية والطلب على التوسع الحضري للسكان عندما يقل توافر الأراضي وجودتها تكثيفًا زراعيًا؛ ويعني ذلك تكثيف استخدام الطاقة والأراضي والمياه، وهو ما يمكن أن يؤدي في حال عدم النجاح في التخفيف من تغيُّر المناخ، إلى زيادة انبعاثات غازات الدفيئة.151، 152، 153، 154
وفي ظل استمرار التوسع الحضري، من المتوقع فقدان 3 في المائة من أراضي زراعة المحاصيل في كامل آسيا وأفريقيا بحلول عام 2030. غير أن خسارة الإنتاج تتراوح بين 6 و9 في المائة (على التوالي) لأن الأراضي الزراعية حول المدن (كما ذُكر أعلاه) هي في كثير من الأحيان أراضٍ أكثر خصوبة – وهو سبب مهم لتطور المدن على مر تاريخها في المواقع التي وجدت فيها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المزارعين القريبين من المدن يكونون في كثير من الأحيان أكثر إنتاجية بسبب ارتفاع معدل استخدامهم المدخلات ومستوى ما لديهم من معرفة.150 ولذلك فإن خسارة الإنتاجية أعلى من الخسارة المطلقة في الأراضي. وفي معظم البلدان يشيع نقل الإنتاج، على الرغم من أنه قد لا يكون ممكنًا في جميع الأماكن – فمساحة الأراضي الصالحة للزراعة وخصوبتها محدودة في جمهورية مصر العربية، على سبيل المثال.155
ويمكن أن يؤثر التوسع الحضري على حجم المزرعة بطرق مختلفة. وتعتمد الآثار على أمن حيازة الأراضي، والفرص غير الزراعية، وحجم وأثر مشتريات الأراضي من جانب المشترين في المناطق الحضرية.133، 138 ففي البلدان المنخفضة الدخل، انخفضت أحجام المزارع من 2.1 هكتار في المتوسط في عام 1960 إلى 1.3 هكتار في عام 2010 بسبب النمو السكاني في المناطق الريفية (وما تبع ذلك من هجرة إلى الخارج كجزء من التوسع الحضري).156 وبصفة عامة، تنخفض أحجام المزارع حتى تتسع الفرص خارج المزرعة، غالبًا في المدن، بما يكفي لاستيعاب عمال جُدد. وتجاوزت آسيا الآن هذا المنعطف، بحيث بات من الممكن أن يرتفع متوسط أحجام المزارع، بينما من المتوقع أن يستمر متوسط أحجام المزارع في أفريقيا في الانخفاض في بلدان كثيرة138 – على الرغم من ارتفاعه في بعض المناطق. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أدى ازدياد حيازة المشترين من المناطق الحضرية للأراضي الزراعية إلى زيادة متوسط أحجام المزارع مقارنة بسائر بلدان أفريقيا.15
كيفية تأثير التوسع الحضري على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة، والأمن الغذائي والتغذية
يمكن أن تكون للتوسع الحضري آثار إيجابية وسلبية على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة وعلى الأمن الغذائي والتغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ولا يمكن الجزم بوجود روابط قاطعة بين التوسع الحضري والحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة: إذ تعتمد الملاحظات اعتمادًا كبيرًا على الديناميكيات المحلية أو الوطنية المرتبطة بالسياق، بما في ذلك الاستثمارات في النُظم الزراعية والغذائية وكذلك في البنية التحتية الريفية والحضرية، والتدريب والتعليم، والسياسات الاقتصادية. ولكن هناك بعض التحديات والفرص الشاملة المهمة المتعلقة بالتوسع الحضري عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ويُلخص الشكل 21 أهم هذه التحديات والفرص، مستفيدًا من الأقسام السابقة بشأن كيفية تأثير التوسع الحضري على النُظم الزراعية والغذائية وكذلك الأدلة والدراسات التجريبية الأخرى. وعلى الرغم من أن عدد التحديات يفوق الفرص فإن هذا في حد ذاته لا ينطبق على حجم الآثار على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة.
الشكل 21 التحديات والفرص في الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
وفي السنوات الأخيرة، ركزت الدراسات على التوسع الحضري وتحويل النُظم الزراعية والغذائية؛ غير أن هناك تفاهمًا مشتركًا محدودًا حول كيفية تأثير الترابط بين هاتين العمليتين على كل من إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة وعلى الأمن الغذائي والتغذية، ولم يستخدم سوى عدد أقل من الدراسات عدسة التسلسل الريفي الحضري المتصل. ولا يُتاح سوى القليل جدًا من البيانات اللازمة لدعم هذا التحليل المفصل للتسلسل الحضري الريفي المتصل؛ ويتطلب التحليل بيانات استقصاءات الأسرة المعيشية المعتمدة على بيانات جغرافية مكانية للمواقع، ولا يمكن الحصول بسهولة على هذه البيانات لمعظم بلدان العالم. ويستكشف الفصل الرابع هذه المسألة من خلال تحليل الاختلافات في الطلب على الغذاء والإمكانية الاقتصادية للحصول على أنماط غذائية صحية، والأمن الغذائي والتغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، باستخدام مجموعة مختارة من دراسات الحالة القطرية بحسب ما يسمح به توافر البيانات.
وما نعرفه هو أن الأدلة التجريبية تكشف عن تفاوتات اجتماعية واقتصادية في الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة في كامل التسلسل الريفي الحضري المتصل نتيجة لعدد من التحديات الهيكلية.62، 157 وهذه تشمل تحديات اقتصادية مرتبطة بارتفاع كلفة الأغذية المغذية (الشكل 21) التي تختلف باختلاف البلدان ويمكن أن تبلغ مستويات أعلى في الأحياء الفقيرة. وفي ما يتعلق بسكان المناطق الحضرية الذين يعيشون في فقر، يغلب على الأنماط الغذائية الميسورة الكلفة والتي يمكن الحصول عليها بأكبر قدر من السهولة إلى أن تكون غير صحية.158 وغالبًا ما يكون الحصول على الأغذية المغذية محدودًا نظرًا إلى أن هذه الأنواع من الأغذية تنطوي على كلفة أكبر، أو غير متوافرة في بعض الحالات، في المناطق التي تشهد أعلى درجات التوسع الحضري. وتميل الأسرة المعيشية الفقيرة إلى إعطاء الأولوية لتلبية احتياجاتها من الطاقة الغذائية على حساب الجودة التغذوية، وتُنفق مواردها على الأغذية الأيسر كلفة، والتي تميل إلى أن تكون أغذية محتوية على كثافة عالية من حيث الطاقة والحد الأدنى من القيمة التغذوية.158، 159 وتوجد حواجز هيكلية في نُظم وأسواق الإمدادات الزراعية والغذائية، مما يحول دون الوصول المادي إلى الأنماط الغذائية (مما يُسفر عن صحارى ومستنقعات غذائية في المناطق الحضرية، على سبيل المثال).
وفي ما يتعلق بسائر مجموعات الدخل لسكان المناطق الحضرية، من التحديات المهمة التي تحول دون الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة أن المراكز الحضرية توجد فيها أعداد أكبر من المتاجر الكبيرة، وخاصة سلاسل الوجبات السريعة، بما فيها المنافذ المتعددة الجنسيات، التي تُقدم إمدادات جاهزة ووفيرة من الأغذية العالية التجهيز، وكذلك الوجبات الخفيفة الكثيفة الطاقة، والحلوى والمشروبات المحلاة بالسكر (الشكل 21). وأثرت هذه التطورات تأثيرًا سلبيًا على مستويات السمنة والظروف الصحية لسكان المناطق الحضرية.160، 161 ومن المهم الإشارة إلى ازدياد عدد المتاجر الصغيرة التي تبيع هذه المنتجات أيضًا في حين أن المتاجر الكبيرة تتمتع بميزة بيع الأغذية العالية التجهيز بسبب ما تحققه من وفورات في الحجم. 54، 69 وترتبط الزيادة السريعة في حصة الأغذية العالية التجهيز التي تحتوي على كثافة عالية من حيث الطاقة والحد الأدنى من القيمة التغذوية، وخاصة في أنماط الاستهلاك في المناطق الحضرية، بارتفاع معدلات السمنة والأمراض غير المعدية.54 وفي كثير من البلدان، ارتفعت مستويات السمنة جنبًا إلى جنب مع التوسع الحضري. وتُشير الأدلة الجديدة في أفريقيا إلى أن استهلاك الأغذية العالية التجهيز والوجبات الخفيفة والمشروبات التي ترتفع فيها السعرات الحرارية، ينتشر عبر كامل طيف التسلسل الريف الحضري المتصل، حتى بين فقراء المناطق الريفية – وهو اتجاه يبعث على قلق بالغ (انظر القسم 4–1).
وتُظهر الدراسات التجريبية الحديثة أن مخاطر انعدام الأمن الغذائي يمكن أن تكون أعلى حتى في المناطق الحضرية منها في المناطق الريفية بسبب أوجه عدم المساواة داخل المناطق الحضرية في العديد من البلدان السريعة التوسع الحضري.162 والواقع أن تحليلًا جديدًا من دراسات حالة قطرية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (انظر القسم 4–2) يُظهر أن انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد استنادًا إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي في المناطق الحضرية وشبه الحضرية لا يختلف (على سبيل المثال في السنغال وكوت ديفوار) عن نظيره في المناطق الريفية، بل ويبلغ في بعض الأحيان مستويات أعلى (على سبيل المثال، النيجر ونيجيريا) مما في المناطق الريفية. ويتسم الحصول على الأغذية – المغذية بصفة خاصة – عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل بالتعقد وتحدده عوامل متعددة. ولا يمكن افتراض أن الحصول على هذه الأغذية أفضل دائمًا لدى سكان المناطق الحضرية. والواقع أن عدة دراسات تُظهر أن ما يُطلق عليه “الميزة الحضرية” لا تعود بالفائدة على الأشخاص الأكثر فقرًا الذين – على العكس من ذلك – يواجهون حواجز غير متناسبة في الحصول على نمط غذائي صحي واستهلاكه، وتزداد لديهم مخاطر التعرض لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.157
وعلاوة على ذلك، عندما تُعبِّر قرارات الهجرة عن عوامل الطرد في المناطق الريفية (مثل النزاعات أو عدم الحصول على الأراضي) بدلًا من الاجتذاب الذي تولده الفرص الأفضل في المناطق الحضرية، يمكن أن يضر ذلك بنتائج الأمن الغذائي والتغذية (الشكل 21).10 وتتفاقم تحديات الحصول على الأغذية ومخاطر انعدام الأمن الغذائي بين المهاجرين من المناطق الريفية إلى الحضرية أثناء الأزمات.163، 164، 165 ويفتقر المهاجرون من الريف إلى الحضر الذين يعيشون في كثير من الأحيان في مستوطنات عشوائية إلى الحماية الاجتماعية، وتقع الأحياء التي يعيشون فيها في كثير من الأحيان خارج نطاق التخطيط الحضري. وتُعد جائحة كوفيد-19 مثالًا على الحالة التي واجه فيها المهاجرون من المناطق الريفية إلى الحضرية من ذوي الدخل المنخفض وغير الرسميين انعدام الأمن الغذائي في المدن.
ويكمن الدافع القوي وراء انعدام الأمن الغذائي في المناطق الحضرية إلى القيود التي تحد من الدخل؛ وتحتاج الأسرة المعيشية المنخفضة الدخل إلى تخصيص نسبة كبيرة من مجموع نفقاتها للأغذية، وهي معرضة بشدة للصدمات الخارجية، بما فيها البطالة والمشاكل الصحية وتضخم أسعار الأغذية.157 ويمكن أن يزداد تفاقم انعدام الأمن الغذائي بسبب تدهور الصحة، إذ تفتقر الأُسر الحضرية المنخفضة الدخل في العادة إلى الصرف الصحي الجيد وتعاني من تدني مستوى البنية التحتية والسلع الأساسية الأخرى اللازمة للإسكان.166، 167، 168 ويفرض الفقر في المناطق الحضرية تحديات متنوعة تحول دون الحصول على أنماط غذائية صحية (على سبيل المثال، البيئات المبنية غير المخططة)، وتمنع هياكل الشبكات الاجتماعية المحفوفة بتحديات في كثير من الأحيان الأُسر المنخفضة الدخل من العثور من استراتيجيات تمكنها من التصدي لانعدام الأمن الغذائي. وغالبًا ما تكون برامج الحماية الاجتماعية والمساعدة الغذائية المصممة لتسهيل الحصول على الأغذية – مثل مخططات التحويلات النقدية أو العينية، والمطابخ المجتمعية وبنوك الطعام – غير كافية في حد ذاتها لإيجاد حل شامل لمشاكل انعدام الأمن الغذائي، لأنها لا تُعالج الحواجز، مثل الافتقار إلى مرافق الطهي أو تخزين الأغذية، والتضارب بين نفقات الصحة أو الإسكان.
ومن ناحية أخرى، يمكن للتوسع الحضري في المناطق الريفية أن يتيح فرصًا للعمل الزراعي وغير الزراعي (الشكل 21)، ويزيد ذلك بالتالي من القوة الشرائية وخيارات الحصول على أنماط غذائية صحية. ويمكن لنمو المدن الأصغر والبلدات في المجتمعات المحلية الريفية التي تُهيمن فيها الزراعة هيمنة كاملة على الاقتصاد بصفة خاصة أن يؤدي دورًا مهمًا في التمكين من الوصول إلى المدخلات والأسواق والأنشطة غير الزراعية، والحد بالتالي من الفقر وتحسين الأمن الغذائي.169 وهناك على الرغم من ذلك مخاطر فقدان فرص الحفاظ على سُبل المعيشية أو تقليصها بسبب عمليات التنظيم الرسمي. وعلى سبيل المثال، ترتفع رسوم منافذ البيع في الأسواق الرسمية نسبيًا، مما يحد من إمكانية وصول كثير من صغار المزارعين والتجار إلى هذه الأسواق. ولا يُشكل جميع المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة تقريبًا، ومعظم التجار في أسواق الأغذية، والعديد من مصنعي الأغذية على النطاقات الصغيرة والبالغة الصغر، وتُجار التجزئة، جزءًا من الاقتصاد الغذائي الرسمي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولن تعود التحسينات في الأسواق الرسمية بفوائد على هذه الجهات الفاعلة. وهناك بالتالي خطر استبعاد أصحاب الحيازات الصغيرة، وصغار مجهزي الأغذية وتجار التجزئة، من عملية التنظيم الرسمي لسلاسل القيمة. ومن الأهمية الحاسمة معرفة أفضل السُبل للحفاظ على سلاسل القيمة غير الرسمية؛ ولكن هناك افتقار إلى هذه المعرفة في كثير من الأحيان.171
وتُشكل أيضًا هجرة الشباب، وهم من الرجال في كثير من الأحيان، من الريف إلى الحضر تحديات وفرصًا من حيث تحسين الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة (الشكل 21). وفي بعض السياقات، يمكن أن تُسفر الهجرة من الريف عن تحويلات مالية كبيرة تزيد من إمكانية الحصول على الأنماط الغذائية الصحية وتُحسن الأمن الغذائي في المناطق الريفية.172، 173 ويمكن للأسرة المعيشية التي تتلقى تحويلات مالية أن تكون أفضل حالًا من حيث الدخل الإجمالي والأصول وإمدادات السعرات الحرارية وإمدادات المغذيات الدقيقة.174 ويمكن أن تُساهم الهجرة من الريف إلى الحضر أيضًا في القدرة على الصمود في مجتمعات المنشأ وزيادة نقل المعرفة والموارد الأخرى إلى جانب التحويلات المالية.175 ومع ذلك، هناك حالات تنخفض فيها التحويلات المالية أكثر من اللازم (بل وقد تكون غائبة) بحيث لا يمكن التعويض عن العمالة المفقودة بعمالة مستأجرة.176 وفي هذه الحالات، يمكن أن يؤدي فقدان العمالة وما يرتبط بها من انخفاض في مستوى الدخل أو الإنتاج الزراعي عن تراجع في إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية، أو قضاء النساء اللاتي يبقين في الريف ساعات عمل أطول في زراعة الكفاف للحفاظ على الأمن الغذائي للأسرة المعيشية.
وفي ما يتعلق بسوء التغذية، تُظهر الدراسات عمومًا أن سكان المناطق الريفية يتحملون عبئًا أكبر جراء نقص التغذية لدى الأطفال مقارنة بسكان المناطق الحضرية،177، 178 ولا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي إقليم فرعي لا يزال يعيش فيه كثير من الأُسر المعيشية في مناطق ريفية نائية. وتُشير الدراسات إلى عدم وجود اختلافات جوهرية في الخصائص التي تُحدد النتائج التغذوية للطفل في المناطق الحضرية والريفية. وبدلًا من ذلك، ترجع هذه الاختلافات إلى البيئة الحضرية الأفضل والخيارات الأكبر والفرص المتزايدة المتصلة بالخصائص الاجتماعية والاقتصادية التي تتراوح بين التثقيف لدى الأمهات والأزواج، والثروة، وفرص العمل، والشبكات الاجتماعية والأُسرية، وكذلك الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الأخرى.
وينطوي التوسع الحضري في العادة على تحسن في فرص الوصول إلى الأسواق والخدمات غير الغذائية المهمة للتغذية، بما فيها المدارس والمراكز الصحية وأسواق العمالة غير الزراعية التي تُحسن استقرار الدخل.177، 178 وعلاوة على ذلك فإن القرب من المدن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى إضعاف العلاقة بين الصدمات الزراعية وتغذية الأطفال.180، 181 وخلصت الدراسات منذ عهد أقرب إلى أن “الوصول إلى الأسواق” يمكن أن يكون عاملًا مهمًا يُحدد التنوع الغذائي وبالتالي النتائج التغذوية للأطفال.182، 183، 184 ومع ذلك، لا يوجد سوى القليل نسبيًا من البحوث حول درجة وصول سكان المناطق الريفية إلى أسواق المناطق الحضرية والخدمات فيها، وما يرتبط بذلك من اختلافات لوحظت في التغذية بين سكان المناطق الريفية وسكان المناطق الحضرية، أو عبر المستويات المتدرجة لبُعد المناطق الريفية.185 وخلصت إحدى هذه الدراسات، التي تناولت الروابط بين تغذية الأطفال والتوسع الحضري والقرب من المراكز الحضرية الكبيرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى،185 أن سكان المناطق الريفية يتميَّزون بنتائج تغذوية أسوأ مما لدى سكان المناطق الحضرية، ولكنها أسفرت أيضًا عن نتيجة غير متوقعة إلى حد ما، وهي أن النتائج التغذوية لسكان المناطق الريفية الأكثر بُعدًا ليست أسوأ بكثير من مثيلاتها لدى سكان المناطق الريفية النائية الأقل بُعدًا. وتتفق هذه النتيجة أيضًا مع التحليل الجديد (الوارد في القسم 4–2) لتقزم الأطفال وهزالهم الذي يتناول مناطق التجمع التي تتفاوت الفترات التي يستغرقها السفر منها إلى أقرب بلدة أو مدينة في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلاوة على ذلك، ووفقًا بصفة عامة مع التحليلات السابقة لعدم المساواة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية من حيث التغذية، يبدو أن غالبية هذا الحرمان التغذوي تفسره الاختلافات في الثروة والتعليم والصحة وخدمات البنية التحتية غير المرتبطة بالطرق عبر المناطق الريفية والحضرية.185 وفي الختام، تتاح عمومًا في المدن فرص أفضل للحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة، وترتفع فيها مستويات الأمن الغذائي والتغذية مقارنة بالمناطق الريفية، ويرجع ذلك إلى توافر الأغذية بصورة أفضل، وارتفاع متوسط القوة الشرائية في المناطق الحضرية، ووجود فرص أفضل للحصول على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأخرى الأساسية للصحة والتغذية. ومع ذلك، لا ينطبق ذلك في جميع الحالات في ضوء التحولات الجارية في النُظم الزراعية والغذائية، وأوجه عدم المساواة الصارخة بين سكان المناطق الحضرية، والترابط المكاني والوظيفي المتزايد بين المدن والبلدات ومناطق التجمع الريفية.185 وتُشير الأدلة الجديدة من 11 بلدًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والواردة في القسم 4–2 إلى أن “الميزة الحضرية” في الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة، والأمن الغذائي والتغذية، يمكن أن تكون أقل من المتوقع. وبالتالي، سيكون من المهم بصورة متزايدة تحليل هذه الجوانب عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، وفهم أنماط التوسع الحضري والترابط بين التسلسل الريفي الحضري المتصل من أجل تحديد التحديات والفرص لضمان الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة من أجل تحسين الأمن الغذائي والتغذية للجميع.