كما هو مبيّن في الفصل الثالث، لا يمكن تكوين فهم معمّق للطريقة التي يحدث فيها التوسّع الحضري تغييرات في النظم الزراعية والغذائية تؤثر على توافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمل كلفتها، إلا من منظور التسلسل الريفي الحضري المتصل. وكما يتضح من الفصل الثالث والشكل 20، فإن بيئات الأغذية تعكس التفاعل المعقد بين الدوافع الكامنة من جهة العرض، بما في ذلك تسعير الأغذية وتصميم المنتجات والترويج لها، والدوافع الكامنة من جهة الطلب والتي تشمل تفضيلات المستهلكين وقوتهم الشرائية.
ويُعد هذا التفاعل المعقد بين العرض والطلب في النظم الزراعية والغذائية أساسيًا لفهم كيف يؤثر التوسّع الحضري على إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وبالتالي، يصبح رسم خرائط جغرافية المرجع ومفصلة أكثر للترابط المكاني والوظيفي عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل باستخدام مجموعة البيانات العالمية بشأن مناطق التجمع الحضرية الريفية التي أتاحتها المنظمة حديثًا (انظر الفصل الثالث والإطار 2)، أداة رئيسية لتكوين مثل هذا الفهم المعمّق.
ويوفر هذا الفصل أدلة جديدة على الطريقة التي يؤدي فيها التوسّع الحضري إلى تغيير المعروض من الأغذية والطلب عليها عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، ويستند في ذلك إلى التحليل الذي يستخدم بيانات مناطق التجمع الحضرية الريفية بالإضافة إلى البيانات الاستقصائية الجغرافية المرجع بشأن الأسر المعيشية (القسم 4–1). ويلي ذلك تحليل إضافي لمجموعة مختارة من البلدان يقوم باستكشاف الاختلافات في كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحملها، وانعدام الأمن الغذائي، وسائر أشكال سوء التغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل المحدد وفقًا لمناطق التجمع الحضرية الريفية (القسم 4–2).
4–1 فهم المعروض من الأغذية والطلب عليها عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل
- ➔ تكشف أدلة جديدة في 11 بلدًا من بلدان أفريقيا الغربية والشرقية والجنوبية عن أنه في حين يتوقع ارتفاع نسبة مشتريات الأغذية بين الأسر التي تعيش في المراكز الحضرية (ما يتراوح بين 78 و97 في المائة)، تبلغ هذه النسب مستويات مرتفعة بصورة تبعث على الدهشة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وينطبق ذلك حتى على الأسرة المعيشية الريفية التي تعيش على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة وساعتين (56 في المائة) وأكثر من ساعتين (52 في المائة) إلى أي مركز حضري.
- ➔ ولا يمثل الإنتاج الخاص مصدرًا رئيسيًا للغذاء في المناطق الريفية في هذه البلدان الأفريقية الأحد عشر. والواقع أن متوسط حصة الإنتاج الخاص تمثل 37 و33 في المائة فقط من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية في البلدان ذات ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على التوالي، مما يُبدد فكرة اعتماد السكان الريفيين في أفريقيا أساسًا على زراعة الكفاف.
- ➔ بالنظر إلى أن الأسرة المعيشية الريفية في البلدان الأفريقية الأحد عشر لا تُنتج غالبية القيمة الغذائية التي تستهلكها، فإن القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية لا تقل أهمية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
- ➔ وفي حين أن انتشار الأغذية المجهزة، بما فيها الأغذية العالية التجهيز، بلغ مستويات متقدمة بالفعل في آسيا وأمريكا اللاتينية، فإنه ينتشر بسرعة في أفريقيا أيضًا. وفي البلدان الأفريقية الأحد عشر، تستهلك الأسرة المعيشية الريفية أغذية مجهزة، بما فيها أغذية عالية التجهيز، عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، حتى في المناطق الريفية النائية.
- ➔ تشكل الأغذية العالية التجهيز نسبة صغيرة من إجمالي المشتريات، ويبلغ معدل استهلاكها مستويات أعلى في المناطق الحضرية؛ ولكن النتائج تظهر تغلغل الأغذية العالية التجهيز في المناطق الريفية، بل وحتى بين السكان الذين يعيشون على مسافة تتراوح بين ساعة وساعتين أو أكثر من مدينة أو بلدة.
- ➔ وبالانتقال عبر التسلسل المتصل من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية في هذه البلدان، فإن نسبة قيمة استهلاك الأسرة المعيشية للأغذية الأساسية والبقول والبذور والجوزيات آخذة بالارتفاع، في حين أن نسبة قيمة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل آخذة بالانخفاض. وفي المقابل، فإن نسبة استهلاك الخضراوات والفاكهة والدهون والزيوت متماثلة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل.
- ➔ في حين أن نسبة قيمة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر تعتمد بقوة على الدخل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، تعتمد نسب استهلاك الفاكهة والخضراوات بصورة أكبر على إمكانية الحصول عليها وتوافرها.
كما هو مبيّن في الفصل الثالث، يؤدي التوسع الحضري المقترن بارتفاع الدخل، والزيادات في كلفة الفرصة البديلة للوقت المتصل بالعمل، وتغيُّر أنماط الحياة والتحولات الديمغرافية، إلى تغيير الطلب على الأغذية. وتؤدي هذه العوامل من جانبها، بالإضافة إلى العديد من الاعتبارات المتعلقة بجانب العرض – بما في ذلك تسعير الأغذية وتسويقها والترويج لها – إلى تغيير النُظم الزراعية والغذائية، وينشأ عن ذلك بالتالي تأثير مضاعف تعزيزي على إنتاج الأغذية وتوريدها واستهلاكها.
ويؤدي التوسع الحضري السريع بالأخص إلى زيادات وتغييرات في الطلب على الأغذية، وتحولات في أنماط المعروض من الأغذية – وبخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا الجنوبية، وهما الإقليمان اللذان تظهر فيهما أعلى معدلات التوسع الحضري. ومن المتوقع حدوث زيادة في الإنفاق العام على الأغذية بنحو 2.5 أضعاف في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وبما مقداره 1.7 أضعاف في آسيا الجنوبية بحلول عام 2050. ويعتبر فهم التغيّرات الحاصلة في المعروض من الأغذية والطلب عليها بالاستناد إلى الأدلة التجريبية، أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة إلى واضعي السياسات. وهذه المعرفة ضرورية لتصميم السياسات الغذائية والزراعية والتغذوية الملائمة، إضافة إلى سياسات القطاعات ذات الصلة مثل الصحة والتخطيط المدني والإقليمي والتعليم. ولا يمكن تسخير النظم الزراعية والغذائية لتوفير أنماط غذائية صحية ميسورة الكلفة للجميع عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل إلا من خلال جميع هذه السياسات.
وبالرغم من وجود قدر كبير من الأدبيات التي تناقش تأثير التوسّع الحضري على الطلب على الأغذية،5 فإن الأدلة التجريبية السليمة التي تغطي التسلسل الريفي الحضري المتصل بكامله لا تزال نادرة ومحدودة. وتستند غالبية البحوث القائمة حتى هذا التاريخ إلى مقارنة وصفية للطلب على الأغذية بين المناطق الريفية والحضرية. وفي حين أن هذه البحوث تتسم بالأهمية، إلا أن هذه المقارنة البسيطة لا تعكس واقع أنماط الاستيطان المتغيرة والتحولات الديمغرافية الحاصلة في التسلسل الريفي الحضري المتصل.
وتشير البحوث الجديدة إلى أن الاختلافات في الطلب على الأغذية بين المناطق الحضرية والريفية قد لا تكون حادة كما كان يعتقد سابقًا (انظر الفصل الثالث). ولكن لا توفِّر هذه البحوث فهمًا لحجم الاختلافات القائمة في الطلب على الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل بأكمله، ولا فهمًا للعوامل المرتبطة بالموقع (أي أين تقيم الأسرة المعيشية بالنسبة إلى نقاط مختلفة من التسلسل الريفي الحضري المتصل) والعوامل الأخرى المتعلّقة بالأسرة المعيشية (مثل العوامل الاجتماعية والاقتصادية) أو بيئة الأغذية والتي قد تكون مسؤولة عن هذه الاختلافات.
وللمساعدة على سد هذه الفجوة، يعرض هذا القسم تحليلًا للطلب على الأغذية الذي يُعرَّف بأنه استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية (بالقيمة السوقية) عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في مجموعة مختارة من البلدان، باستخدام مجموعة بيانات مناطق التجمع الحضرية الريفية الجغرافية المكانية التي أتيحت مؤخرًا. ويوفِّر تصنيف مناطق التجمع الحضرية الريفية منظورًا أدق لاستكشاف التفاعل بين المعروض من الأغذية والطلب عليها عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل مقارنة بتصنيف درجة التوسع الحضري المستخدم في الفصل الثاني، وهو منهجية رسمية لترسيم حدود المناطق الحضرية والريفية لأغراض المقارنات الإحصائية الدولية والإقليمية.
وتقوم منهجية مناطق التجمع الحضرية الريفية بتعريف المراكز الحضرية عبر تدرّج ريفي حضري بالاستناد إلى حجم السكان وكثافتهم، بحيث يُعد حجم المدينة مؤشرًا بديلًا لمجموعة الخدمات والفرص التي يوفرها المركز الحضري. وبشكل خاص، تقوم مجموعة بيانات مناطق التجمع الحضرية الريفية بتصنيف المواقع الريفية باستخدام مدة السفر الأقصر إلى أي مركز حضري باعتبار ذلك مؤشرًا بديلًا لكلفة الحصول على السلع والخدمات وفرص العمل (انظر الفصل الثالث والإطار 2). وتتوزع مناطق التجمع الحضرية الريفية على 30 فئة في المجموع؛ ولكن، لأغراض التحليل الذي يجرى في هذا الفصل، يتم تجميعها في عشر فئات (الجدول 9). ولتسهيل عرض البيانات الأكثر تعقيدًا ومناقشتها، يتم تجميع هذه المناطق في بعض أجزاء التحليل في ثلاث فئات، هي المناطق الحضرية وشبه الحضرية والريفية (انظر الجدول 9).
الجدول 9 مناطق التجمع الحضرية الريفية المستخدمة في الفصل الرابع
وتمت مواءمة مجموعة البيانات الجغرافية المكانية العالمية المتعلّقة بمناطق التجمع الحضرية الريفية مع بيانات الأسر المعيشية العرضية والطولية المستمدة من دراسة البنك الدولي الأخيرة لقياس مستويات المعيشة، الأمر الذي يجعل من الممكن العمل مع فئات مختلفة من مناطق التجمع عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل ˗ على النحو المحدد في الإطار 3 في الفصل الثالث.
وكان توافر البيانات الاستقصائية الأسرية الجغرافية المرجع عاملًا رئيسيًا في تحديد البلدان المختارة لتحليل الطلب على الأغذية، ذلك أنه لا يوجد حاليًا سوى عدد قليل من مجموعات البيانات المتعلّقة بقياس مستويات المعيشة والتي تتضمن معلومات عرضية وطولية متاحة للعموم.ص وتتعلّق جميع مجموعات البيانات هذه بأفريقيا؛ ولذلك يقتصر التحليل الوارد في هذا القسم على دراسات حالة لبلدان واقعة في هذا الإقليم. ولكن بما أنه تحليل للطلب على الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل المحدد وفقًا لمناطق التجمع الحضرية الريفية، فإنه إذًا الأول من نوعه ويوفر نظرة ثاقبة على أهمية اعتماد منظور التسلسل الريفي الحضري المتصل عند تحليل الأقاليم الأخرى. ونظرًا إلى أنه لدى أفريقيا النسبة الأعلى من مجموع السكان غير القادرين على تحمل كلفة نمط غذائي صحي (77.5 في المائة في عام 2021) (انظر الفصل الثاني) وإلى أنها متخلفة عن الركب في مجال الأمن الغذائي والتغذية، فإنه من المفيد التركيز على بلدان هذه القارة، لا سيما وأنها تشهد واحدًا من أعلى معدلات التوسّع الحضري في العالم. ويساعد التحليل المعروض أدناه أيضًا على تسليط الضوء على الحاجة إلى مزيد من التحليلات التي تغطي أقاليم أخرى والتي يتوقف إجراؤها على زيادة توافر البيانات الاستقصائية الجغرافية المرجع.
ولتقييم سلوك استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية، تُستخدم البيانات الجغرافية المرجع من استقصاءات قياس مستويات المعيشة التمثيلية على المستوى الوطني والتي تغطي الفترة 2018/2019 لبنن وبوركينا فاسو وكوت ديفوار وإثيوبيا وغينيا بيساو ومالي والنيجر ونيجيريا والسنغال وتوغو، والفترة 2019/2020 لملاوي.ق وترصد استقصاءات قياس مستويات المعيشة استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية باستخدام أسلوب استدعاء البيانات لمدة سبعة أيام. وبالنسبة إلى تحليل الطلب على الأغذية، تُجمَّع الأغذية المُبلغ عنها في فئات على أساس مصدر الغذاء ومستوى تجهيزه ومجموعته الغذائية. ويتم تحديد مصادر الغذاء باستخدام أربع فئات يفترض أن الثلاث الأولى منها مخصصة للاستهلاك المنزلي، وهي الأغذية التي يُحصل عليها من الإنتاج الخاص والأغذية التي يتم شراؤها والأغذية التي يتم الحصول عليها كهدية أو أجر عيني مقابل العمل. وتحدد قيمة استهلاك الأغذية التي يُحصل عليها من الإنتاج الخاص والأغذية التي يتم الحصول عليها كهدية أو عينًا وفقًا لأسعار السوق التي تدفعها الأسرة المعيشية إذا اشترت الكمية نفسها من هذا الغذاء من السوق. أما الفئة الرابعة، فهي تشمل جميع الأغذية المستهلكة خارج المنزل (مثلًا من الباعة المتجولين وفي المطاعم).
واقتُبس تصنيف المواد الغذائية بحسب مستوى تجهيزها من نظام نوفا لتصنيف الأغذية،6،7 مع التركيز فقط على الأغذية المصنفة على أنها قليلة التجهيز (“مجهزة” وفقًا لتصنيف نوفا) وعالية التجهيز. ويمكن الرجوع إلى الملحق 5 للاطلاع على الوصف الكامل لمجموعات البيانات والتعاريف المعتمدة، بما في ذلك وصف المجموعات الغذائية والتفاصيل بشأن تجهيز الأغذية.
وفي التحليل التالي للطلب على الأغذية، صُنِّفت البلدان الأحد عشر إلى مجموعتين تبعًا لميزانياتها الغذائية، أي القيمة السوقية لمتوسط إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية للفرد في اليوم: بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة (أي ما متوسطه 2.3 من الدولارات المقومة على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد في اليوم) وبلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (ما متوسطه 1.6 من الدولارات المقومة على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد في اليوم) (الجدول 10). وصنفت البلدان أولًا بالاستناد إلى متوسط ميزانية الأغذية، ومن ثم تم تقسيمها إلى بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة وبلدان ميزانيات الغذاء المنخفضة. وقسمت البلدان إلى مجموعتين من دون الرجوع إلى مؤشر قياسي، ولكنها تصور مقطعًا عرضيًا للبلدان الأفريقية من منظور مستويات التنمية المختلفة من حيث متوسط إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية، وهو ما يرتبط أيضًا بمتوسط الإنفاق الإجمالي في الأسرة المعيشية الذي يعتبر مؤشرًا بديلًا لدخل هذه الأخيرة (الجدول 10). واندرجت البلدان عمومًا في فئة تجاوزت فيها ميزانية الغذائية للفرد في اليوم 2 من الدولارات المقومة على أساس تعادل القوة الشرائية وفئة قلّت فيها هذه الميزانية عن 2 من الدولارات المقومة على أساس تعادل القوة الشرائية.ر، ش
الجدول 10 ميزانيات الغذاء ومستويات الدخل وحصة استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة التي شملها التحليل
علاوة على ذلك، يُفترض أن الاختلافات في ميزانيات الغذاء تؤدي إلى اختلاف أنماط الاستهلاك. ويستند هذا الافتراض إلى قانون اقتصادي راسخ يعرف بقانون بينيتت، 8 الذي ينص على أن الأنماط الغذائية تزداد تنوعًا كلما ارتفع مستوى استهلاك الأغذية والدخل والعمالة. وبالتالي، تدل الفوارق في استهلاك الأغذية على وجود ميزانيات غذائية أكبر تترك مجالًا لإضافات من غير الأغذية الأساسية في ظل ارتفاع الإنفاق على المنتجات غير الأساسية (وفقًا لما ينص عليه قانون بينيت) وكذلك على المنتجات الغذائية المجهزة صناعيًا (بدلًا من المنزل) التي تقلل من كلفة الفرصة البديلة لوقت النساء والرجال المنخرطين في العمالة (انظر الفصل الثالث). ويرتبط ارتفاع ميزانيات الغذاء عادة بهذين التغييرين في الاستهلاك، ويمكن اختبار هذا الترابط من خلال مجموعتي البلدان. ويكتسي ذلك أهمية خاصة عند السعي إلى فهم كيف يُحدث التوسّع الحضري تغيّرات في النظم الزراعية والغذائية وكيف يحتمل أن يؤثر ذلك في الطلب على الأغذية والحصول على أنماط غذائية صحية، كما سنرى في ما يلي.
وتضيف مجموعتا ميزانيات الغذاء للبلدان بعدًا آخر إلى التحليل الذي يتناول النقاش الجاري حول ما يحدث في البلدان ذات نصيب الفرد المرتفع والمنخفض من استهلاك الأغذية: فهل البلدان ذات نصيب الفرد المنخفض مجرد بلدان تقليدية أم أنها تشهد تغييرًا هي أيضًا؟ ويتوقع عادة إيجاد أنماط غذائية أكثر تنوعًا والمزيد من الأغذية المجهزة في المناطق الحضرية وفي الأماكن التي يرتفع فيها نصيب الفرد من استهلاك الأغذية، ولكن كما سنرى لاحقًا، تبيّن دراسة الطلب على الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل ومقارنة بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة أن ليست هذه هي الحال دائمًا. وإذا كانت أنماط الطلب على الأغذية متشابهة – بين المناطق الحضرية وشبه الحضرية والريفية أو بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة والمرتفعة – فذلك يعتبر اكتشافًا هامًا بحد ذاته. وبالفعل، فإن الأفكار المتعمقة والرسائل قوية إذا ما لاحظنا أنها تعبّر عما يحصل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل وفي سياقات ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء.
وبالنسبة إلى البلدان الأفريقية الأحد عشر التي شملها التحليل، يبيّن الشكل 22 التوزيع القطري للسكان على عشر فئات (أي مناطق التجمع الحضرية الريفية) من التسلسل الريفي الحضري المتصل (انظر الجدول 9 للاطلاع على تجميع الفئات المحددة). وبالرغم من وجود استثناءات قطرية في كل مجموعة، تميل بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة بشكل عام إلى أن يكون لديها نسبة أكبر من السكان الذين يعيشون في المدن الكبيرة والمتوسطة والمناطق شبه الحضرية المحيطة بها (41.5 في المائة) مقارنة ببلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (34.2 في المائة).
الشكل 22 توزيع السكان على فئات مناطق التجمع الحضرية الريفية العشر من التسلسل الريفي الحضري المتصل في بلدان مختارة في عام 2020
وعلاوة على ذلك، تتسم بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة في معظم الحالات بأنماط توسع كثيف للمدن الحضرية بينما تميل بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة إلى أن يكون لديها أنماط توسع حضري أكثر تشتتًا حول المدن الصغيرة والبلدات. ويوفر الشكل 23 خرائط تبيّن نموذجين متناقضين من التوسّع الحضري هما: التوسع الكثيف للمدن الحضرية (مثل نيجيريا) والتوسع المشتت للمدن الصغيرة والبلدات (مثل بوركينا فاسو). وتوفِّر الخرائط وسيلة مفيدة لتوضيح الفئات العشر من مناطق التجمع الحضرية الريفية (انظر الملحق 6 للاطلاع على خرائط البلدان الأخرى التي شملها التحليل).
الشكل 23 نمطان متناقضان من التوسّع الحضري: التوسع الكثيف للمدن الحضرية (نيجيريا) والتوسع المشتت للمدن الصغيرة والبلدات (بوركينا فاسو)
وكما هو مبيّن في الفصل الثالث، تحدد الأنماط المكانية ودرجة الترابط بين المناطق الريفية والحضرية آثار التوسّع الحضري على النظم الزراعية والغذائية. ويسعى التحليل الوارد أدناه إلى إيجاد أدلة تجريبية على “تأثير الموقع”؛ أي إلى اختبار ما إذا كانت مناطق التجمع الحضرية الريفية المختلفة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل تشكل محددات مساهمة في الطلب على الأغذية، ولكن يتمثل أحد القيود المهمة لهذا التحليل في أنه لا يعزل تأثير الموقع تمامًا عن الدوافع الأخرى، مثل الاعتبارات المتعلّقة ببيئة الأغذية والتي تشمل من جملة أمور الدور الذي يؤديه تصميم المنتجات الصناعية والترويج لها.
وفي الأقسام التالية، يتم استكشاف ثلاثة جوانب مختلفة من استهلاك الأغذية، مع دراسة الأنماط السائدة والدوافع الكامنة وراءها في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة وعبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. أولًا، يتم تحليل أنماط استهلاك الأغذية من حيث الطريقة التي تحصل فيها الأسرة المعيشية على الأغذية، أي إذا كانت تشتري الأغذية التي تستهلكها أو تنتجها إنتاجًا خاصًا أو تحصل عليها كهدية أو مقايضة عينية أو تشتريها كوجبة جاهزة لتناولها خارج المنزل. ويسلط مدى استهلاك الأغذية التي يتم شراؤها، الضوء على أهمية سلاسل الإمدادات الغذائية ونطاقها كلما انتقلنا من المناطق الحضرية عبر التسلسل المتصل إلى المناطق الريفية الأكثر بعدًا. وتتمثل النظرة التقليدية في أن الأسرة المعيشية التي تعيش في المناطق الحضرية أو بمحاذاتها تقوم بشراء معظم أغذيتها بينما تلجأ الأسرة المعيشية في المناطق الريفية إلى حد كبير إلى إنتاج أغذيتها الخاصة. وهناك فكرة ثابتة، لا سيما في سياق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مفادها أن الأسرة المعيشية التي تقيم في المناطق الريفية هي من مزارعي الكفاف الذين ينتجون أغذيتهم الخاصة باستثناء الفقراء المعدمين الذين يعتمدون على العمل في المزرعة والذين يلجؤون إلى الشراء أو المقايضة لتلبية بعض احتياجاتهم الاستهلاكية من الغذاء.
وثانيًا، يتم تحليل أنماط استهلاك الأغذية من حيث حصة الأغذية القليلة التجهيز والعالية التجهيز من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية. ويمكن لهذا التحليل أن يلقي بعض الضوء على حجم الجزء الوسطي من سلاسل القيمة الغذائية ونطاقه وعلى فرص العمل ذات الصلة التي يولّدها القطاع (انظر الفصل الثالث) والتي ترتبط بالأغذية القليلة والعالية التجهيز على السواء.ث إضافة إلى ذلك، يمكن للأغذية القليلة التجهيز أن تقدم الكثير من المزايا للأسرة المعيشية من خلال تحسين فترة صلاحية الأغذية، وسلامتها، وملاءمتها، ومستواها التغذوي في بعض الحالات (مثل التدعيم). وفي المقابل، تكون معظم الأغذية العالية التجهيز كثيفة الطاقة وتحتوي على نسبة عالية من الدهون و/أو السكر و/أو الملح، وتشير البحوث إلى أنها قد تساهم في الوزن الزائد والسمنة وفي بعض الأمراض غير المعدية (انظر الفصل الثالث). وكما ذكر سابقًا، يتوقع أن يزيد استهلاك الأغذية القليلة والعالية التجهيز على حد سواء كلما زاد مستوى استهلاك الأغذية، ولا سيما في الأماكن التي يرتفع فيها الدخل وتزداد فيها فرص العمل.
وثالثًا، يتم تحليل أنماط استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية بالنظر إلى القيمة السوقية للأغذية المستهلكة من كل مجموعة غذائية، الأمر الذي يعطي فكرة عن مدى تنوع الأنماط الغذائية التي تستهلكها الأسرة المعيشية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ويرتبط التوسّع الحضري بشكل عام بتغيّر سلوك الاستهلاك، حيث تقوم الأسرة المعيشية في المناطق الحضرية عادة بتناول أنماط غذائية أكثر تنوعًا وتشمل أغذية أغلى ثمنًا مثل الأغذية الحيوانية المصدر والفاكهة (انظر الفصل الثالث). ولكن، تشير بعض الدراسات إلى أن ارتفاع الدخل هو من يحدث هذه التحوّلات في الأنماط الغذائية، وليس التوسّع الحضري بحد ذاته.
تشكل مشتريات الأغذية مساهمًا رئيسيًا في استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، حتى في صفوف فقراء الريف
تشكل مشتريات الأغذية في البلدان الأفريقية الأحد عشر ذات ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة، غالبية إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية من حيث القيمة، بما في ذلك الأغذية المخصصة للاستهلاك المنزلي والأغذية المستهلكة خارج المنزل (الشكل 24). وبينما يتوقع أن تكون حصص مشتريات الأغذية مرتفعة نسبة إلى إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية في المناطق الحضرية (ما يتراوح بين 78 و97 في المائة)، فإنها تبلغ مستويات عالية تبعث على الاستغراب عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، حتى في الأسرة المعيشية الريفية التي تعيش على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة وساعتين إلى أي مدينة صغيرة أو بلدة (56 في المائة في المتوسط) وعلى مسافة تبعد أكثر من ساعتين عن أي مركز حضري (52 في المائة في المتوسط). وتشكل النتيجة المتمثلة في أن “غالبية” استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية الريفية في معظم البلدان المشمولة بالتحليل مصدره المشتريات (56 في المائة في المتوسط في البلدان الأحد عشر التي يشملها التحليل) خروجًا كبيرًا على الصورة التقليدية للأسرة المعيشية الريفية التي تعيش على الكفاف (الإطار 5).
الشكل 24 بينما يتوقع أن تبلغ مشتريات الأغذية مستويات مرتفعة بين الأسر المعيشية في المناطق الحضرية، تبلغ هذه المشتريات مستويات مرتفعة بصورة تبعث على الاستغراب عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، حتى بين الأسر المعيشية الريفية
الإطار 5أسطورة زراعة الكفاف في المناطق الريفية في أفريقيا
هناك فكرة ثابتة، لا سيما في سياق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مفادها أن الأسر المعيشية التي تقيم في المناطق الريفية هي من مزارعي الكفاف الذين ينتجون أغذيتهم الخاصة، غير أن التحليل الوارد في هذا التقرير يشير إلى عكس ذلك. ويتم هنا تقدير قيمة استهلاك الأغذية المتأتية من الإنتاج الخاص باستخدام أسعار السوق، أي القيمة التي كانت لتدفعها الأسرة المعيشية لو اشترت الكمية نفسها من الغذاء من السوق. وتظهر النتائج أن حصة استهلاك الأغذية المتأتية من الإنتاج الخاص تنمو كلما انتقلنا من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية عبر التسلسل المتصل، مع تسجيل زيادة حادة اعتبارًا من المناطق التي تبعد أقل من ساعة واحدة عن أي مدينة كبيرة (الشكل ألف˗1).
الشكل ألف حصص استهلاك الأغذية المتأتية من الإنتاج الخاص في جميع الأسر المعيشية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل تقل عن 50 في المائة
ومع ذلك، لا يشكل الإنتاج الخاص في أي وقت من الأوقات المصدر الرئيسي للغذاء – ولا حتى في المناطق الريفية. ويمثل متوسط حصة الإنتاج الخاص في المناطق الريفية 37 و33 في المائة فقط من الاستهلاك الإجمالي في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على التوالي. وتتراوح الحصص بين 8 و50 في المائة في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، وبين 18 و47 في المائة في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (الشكل ألف ˗1).
وتنطبق هذه النتائج المدهشة حتى على الأسرة المعيشية الريفية الفقيرة (الشكل ألف ˗2) التي تحصل في المتوسط على 40 في المائة و36 في المائة من الأغذية التي تستهلكها من الإنتاج الخاص في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على التوالي. علاوة على ذلك، فإن حصص الإنتاج الخاص هذه ليست أعلى بكثير من الحصص الملاحظة في الأسر المعيشية في المناطق شبه الحضرية (أي 34 في المائة في المتوسط في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء). ونظرًا إلى أن الأسر المعيشية الريفية لا تنتج غالبية القيمة الغذائية التي تستهلكها، فإن قدرتها على تحمل كلفة نمط غذائي صحي تشكل عاملًا رئيسيًا يلزم مراعاته عند النظر في استهلاكها للأغذية المغذية.
وبالفعل، يؤكد توزّع المستويات العالية من مشتريات الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل (الشكل 24) أن أسواق الأغذية وسلاسل إمداداتها مهمة بالنسبة إلى المناطق الريفية في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء. علاوة على ذلك، فإن متوسط حصة مشتريات الأغذية لدى السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية أدنى في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة (55 في المائة) بنسبة قليلة فقط منه في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (57 في المائة)، الأمر الذي يدل على تقارب مختلف أنماط التوسّع الحضري ومستويات الدخل.
وكما هو متوقع، تنخفض حصة مشتريات الأغذية كلما انتقلنا من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية عبر التسلسل المتصل. ويزيد معدل الانخفاض قليلًا في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة كلما انتقلنا من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية (انخفاض بنسبة 32 في المائة مقابل 27 في المائة في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة)، في حين أنه يشهد زيادة أكبر عند الانتقال من المناطق شبه الحضرية إلى المناطق الريفية في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة (18 في المائة في المتوسط) مقارنة ببلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (6 في المائة).
وفي حين أن هذا النمط ينطبق في المتوسط عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، إلا أن هناك تباينات بين البلدان تبعًا لأنماط كثافة التوسّع الحضري. وعلى سبيل المثال، تسجل زيادة ملحوظة في المشتريات في المناطق التي تبعد أقل من ساعة واحدة عن أي بلدة في إثيوبيا وغينيا بيساو ونيجيريا وتوغو (الشكل 24).
وتتمثل نتيجة مذهلة أخرى في زيادة مشتريات الأغذية في المناطق الريفية الأكثر بعدًا (التي تكون على مسافة سفر تزيد عن ساعتين إلى أي مدينة مهما كان حجمها) في أربعة من البلدان، هي: مالي ونيجيريا (بلدان ذات ميزانيات الغذاء المرتفعة) وبنن وتوغو (بلدان ذات ميزانيات الغذاء المنخفضة). ويمكن تفسير هذه الزيادة في المشتريات في هذه المناطق بطرق عديدة. فأولًا، يميل المزارعون في المناطق النائية إلى أن يكونوا أكثر فقرًا، ما يعني أن الأسرة المعيشية تحتاج في كثير من الأحيان إلى المشتريات من أجل “تخفيف حدة الاستهلاك” أو للتعويض عن رداءة المحاصيل. وثانيًا، تكون فرص العمل المحلية غير الزراعية في المناطق الريفية الأكثر بعدًا (على مسافة سفر تزيد عن ساعتين إلى أي مدينة أو بلدة)، نادرة مثلها مثل الخدمات، ولذلك تركّز الأسرة المعيشية بقدر أكبر على التنقل لكسب المال الذي يمكن استخدامه لشراء الغذاء. ويؤثر هذا النمط في البلدان ذات ميزانيات الغذاء المنخفضة والمرتفعة على السواء.
ولقد تكوّنت النظرة التقليدية للفجوة بين المناطق الريفية والحضرية منذ عقود قليلة عندما كانت معظم المناطق الريفية في أفريقيا أفقر بكثير من المناطق الحضرية وأقل اتصالًا بها. ولكن مؤخرًا، يشهد العديد من البلدان الأفريقية توسعًا حضريًا مشتتًا مع تنامي شبكات المدن الصغيرة والبلدات المترابطة في ما بينها وتزايد التواصل مع المناطق الريفية. ويترجم ذلك مباشرة إلى نمو توسّعي في فرص العمل خارج المزارع وترابط أسواق الأغذية وسلاسل الإمدادات الغذائية؛ ونتيجة لذلك، تتغيّر أنماط الحياة فتؤثر على الطريقة التي تحصل فيها الأسرة المعيشية على الغذاء وعلى أصناف الأغذية التي تتناولها (انظر الفصل الثالث).
وبالنظر إلى أقاليم أخرى، تظهر الدراسات وجود أدلة كثيرة على ارتفاع مستويات شراء الأغذية في المناطق الريفية، في آسيا مثلًا، بما في ذلك في دراسات من بنغلاديش وإندونيسيا ونيبال وفييت نام.9، 10 وتلاحظ هذه الدراسات وجود أنماط متشابهة في مشتريات الأغذية في المناطق الريفية، غير أن التقارب في أنماط شراء الأغذية بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية أكبر منه في أفريقيا.
وحتى عندما تؤخذ مستويات دخل الأسرة المعيشية في الحسبان، لا تصحّ الفكرة القائلة إن الأسرة المعيشية الريفية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تعتمد بشكل رئيسي على زراعة الكفاف للحصول على الغذاء. وتظهر النتائج أن مشتريات الأغذية تمثل نسبة 50 في المائة أو أكثر من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية (بما في ذلك الإنتاج الخاص الذي تقدر قيمته بسعر السوق) في جميع فئات الدخل في المناطق الريفية في معظم البلدان، وهذه نسبة مرتفعة من دون شك. وتُعد إثيوبيا الاستثناء الوحيد الذي يكبح متوسط نسبة مشتريات الأغذية المسجلة في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة (الشكل 24). فإثيوبيا حالة مغايرة بين بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة ذلك أن نمط التوسّع الحضري فيها “يعظّم” الفجوة بين “المدن الحضرية ذات الكثافة السكانية” و”المدن الصغيرة والبلدات المتفرقة” من جهة (انظر الشكل ألف 6–1 في الملحق 6)، والمناطق الريفية الفقيرة البعيدة وغير المتصلة جيدًا بسبب رداءة البنية التحتية للطرقات أو محدوديتها من جهة أخرى.11
وتقل حصة مشتريات الأغذية في الأسرة المعيشية المنخفضة والمتوسطة الدخل بشكل عام عنها في الأسرة المعيشية المرتفعة الدخل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل (الشكل 25). كما أن الفوارق صغيرة في المناطق الحضرية، ولكنها تصبح أكبر في المناطق شبه الحضرية التي تبعد أقل من ساعة واحدة عن أي مدينة كبيرة أو متوسطة. ويشير ذلك إلى أنه بالرغم من اعتماد الأسرة المعيشية على مشتريات الأغذية، فإن الإنتاج الخاص يتسم بالأهمية أيضًا (الإطار 5). وينطبق هذا النمط على بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء، ولو أن حصص مشتريات الأغذية أقل بقليل في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة.
الشكل 25 هناك انخفاض ملحوظ في حصص استهلاك مشتريات الأغذية في الأسرة المعيشية المنخفضة والمتوسطة الدخل التي تعيش في المناطق شبه الحضرية، مع تسجيل مستويات مشابهة للأسرة المعيشية الريفية في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء
وإن تباين حصص مشتريات الأغذية بين فئات الدخل الأسري في المناطق الحضرية والريفية أصغر منه في المناطق شبه الحضرية، الأمر الذي يشير إلى أن دخل الأسرة لا يشكل عاملًا هامًا في تحديد حصص مشتريات الأغذية في الأسرة المعيشية الحضرية والريفية. والاستثناء الوحيد هو الأسرة المعيشية الفقيرة في المناطق الريفية الأكثر بعدًا (التي تكون على مسافة تبعد أكثر من ساعتين عن أي مدينة أو بلدة) والتي تقل حصة مشترياتها من الأغذية بنسبة 31 و15 في المائة عن الأسرة المعيشية المرتفعة الدخل التي تعيش في المناطق نفسها في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على التوالي.
وإن التحليل الوصفي المعروض حتى هذه المرحلة مدعوم بتحليل اقتصادي قياسي يقوم بدراسة العوامل المحددة لحصص مشتريات الأغذية في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة. وتشمل هذه العوامل الموقع في التسلسل الريفي الحضري المتصل، ودخل الأسرة المعيشية، والعمالة غير الزراعية، وأسعار الأغذية،خ والعمر، والمستوى التعليمي، والوضع العائلي، ونوع الجنس لرب الأسرة، وحجم الأسرة المعيشية، ومساحة الأرض المزروعة، وملكية الأصول، وأعداد رؤوس الحيوانات. وتعرض النتائج الاقتصادية القياسية كاملة في الجدول ألف 7–1 في الملحق 7. ويتم هنا تسليط الضوء على بعض النتائج الرئيسية التي توصل إليها هذا التحليل.
وفي مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان، هناك ثقة إحصائية بتأثير الموقع عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل؛ أي أنه كلما ابتعدنا عن المدن الكبيرة، انخفضت حصة المشتريات من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية. وكما هو ملاحظ في التحليل الوصفي، يتسم هذا النمط بالسلاسة والاستمرارية إلى حد ما.
وإذا تم الإبقاء على ثبات جميع العوامل الأخرى، يكون تأثير الدخل على حصة مشتريات الأغذية إيجابيًا في مجموعتي البلدان (باستثناء إثيوبيا التي تشهد تأثيرًا سلبيًا)، مع وجود تأثير أكبر إلى حد ما في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة – وفقًا للتحليل الاقتصادي القياسي التكميلي. ويمكن تفسير ذلك على أنه يعني أن الأسرة المعيشية “تبدأ عملية الشراء” عند مستويات دخل أدنى في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة؛ أي أن تحوّل الأنماط الغذائية الذي يتخذ شكل مشتريات قد انتشر بقدر أكبر إلى الأسرة المعيشية ذات الدخل الأدنى في هذه المجموعة من البلدان. ويتفق هذا الاستنتاج مع نتائج دراسات أخرى.12
إضافة إلى ذلك، يؤدي تزايد فرص العمل غير الزراعية (وبالتالي الدخل غير الزراعي) إلى ارتفاع حصة شراء الأغذية في مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان. ولقد تمت ملاحظة ذلك بشكل موثوق في جميع الحالات القطرية وعند مراعاة نوع الجنس (باستثناء غينيا بيساو). وإن لعمالة الرجال غير الزراعية في المناطق الريفية تأثير أكبر إلى حد ما في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (للسبب الآنف ذكره). كما أن هذا التأثير ملموس لدى عمالة النساء ولكنه مدعوم بقدر أقل في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء.
وتتمثل نتيجة هامة أخرى في ارتباط المستوى التعليمي لرب الأسرة المعيشية، ولا سيما التعليم الثانوي، بارتفاع حصة شراء الأغذية في الأسرة المعيشية، حتى بعد ضبط الدخل. وهذه النتيجة واضحة بشكل خاص في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة. ويمكن أن يعكس ذلك مجموعة من العوامل مثل ارتفاع كلفة الفرصة البديلة للوقت (المخصص للإنتاج المنزلي) في أنواع الوظائف التي يضطلع بها الأشخاص الأكثر تعليمًا. إضافة إلى ذلك، عندما يؤخذ نوع الجنس في الحسبان، يكون التأثير إيجابيًا في الأسرة المعيشية التي تعيلها نساء في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، باستثناء ملاوي. ويمكن أن يكون ذلك مرتبطًا أيضًا بكلفة الفرصة البديلة للوقت المتاح للنساء في هذه الأسرة المعيشية للاضطلاع بالأنشطة الزراعية الخاصة وتجهيز الأغذية في المنزل، مقابل شراء الأغذية لإتاحة الوقت من أجل الأعمال المنزلية والتدبير المنزلي.
علاوة على ذلك، تبيّن النتائج أنه كلما زاد حجم الأسرة المعيشية انخفضت مشترياتها الغذائية في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء. ومن المرجح أن يكون سبب ذلك هو تمتع الأسرة المعيشية بعملها الخاص، الأمر الذي يسمح لها باستبدال الأغذية المشتراة بالإنتاج الخاص، مثلًا في التجهيز والزراعة. ويتعزز ذلك بالتأثير السلبي الذي يتوقع أن ينجم عن ملكية الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية على مشتريات الأغذية.
تنتشر الأغذية المجهزة والأغذية خارج المنزل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، ولكنها موجودة بقدر أكبر في المناطق الحضرية
لقد انتشرت الأغذية المجهزة التي يتم شراؤها والأغذية خارج المنزل (مثل الأغذية التي يعدها الباعة المتجولون أو المطاعم) في المناطق الحضرية والريفية في جميع الأقاليم. وعلى مرّ القرون، أدّى تجهيز الأغذية الأساسية (مثل الأرزّ الملمع، ودقيق القمح والذرة، والزيوت الصالحة للأكل) على النطاقين الصغير والكبير إلى إدخال ابتكارات ضرورية موفّرة للوقت والطاقة، الأمر الذي أتاح فرصًا لتحسين التغذية مثل إثراء الأغذية بالمغذيات. ولقد استمر تجهيز الأغذية بالتوسع ليشمل الأغذية المعدّة على النطاقين الصغير (الأغذية غير المعبأة وبدون علامة تجارية في الكثير من الأحيان) والكبير جدًا (الأغذية المعبأة والتي تحمل علامةً تجارية). وفي حين أن انتشار الأغذية المجهزة، بما فيها الأغذية العالية التجهيز، بلغ مستويات متقدمة بالفعل في آسيا9 وأمريكا اللاتينية13، فإنه ينتشر بسرعة في أفريقيا أيضًا.14
ويتزايد عدد النساء اللواتي يعملن خارج المنزل في المناطق الحضرية والريفية على السواء، في حين يتنقل الرجال والنساء بشكل متزايد إلى مكان العمل في المناطق الحضرية ويشغلون أكثر فأكثر وظائف غير زراعية في المناطق الريفية. وقد تثير هذه العوامل زيادة في مشتريات الأغذية التي تعدها مؤسسات الخدمات الغذائية بسبب قلّة الوقت المتوافر لتجهيز الأغذية (مثل الحبوب المطحونة يدويًا) وإعدادها في المنزل. ولكن تتسم ديناميكيات عرض الأغذية المجهزة والطلب عليها بالتعقيد. فقد حصلت طفرة من ناحية العرض في ظل قيام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والشركات الخاصة الكبيرة على السواء باستثمارات كلية ضخمة في جميع أنواع الأغذية المجهزة (من المجهزة بالحد الأدنى إلى العالية التجهيز) لتلبية الطلب.14 وفي الوقت نفسه، يؤدي التسويق المكثف والأسعار المنخفضة نسبيًا – وحتى التدخل في السياسات للحد من استهلاك الأغذية العالية التجهيز والمشروبات المحلاة بالسكر – إلى زيادة الاستهلاك.
وتؤدي الأغذية المجهزة بالحد الأدنى والقليلة التجهيز دورًا حاسمًا في الأنماط الغذائية الصحية؛ كما أنها تشكل مصدرًا رئيسيًا ومتناميًا لفرص العمل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل (انظر الفصل الثالث). ومن ناحية أخرى، هناك أدلة متزايدة على دور الأغذية العالية التجهيز في المعاناة من الوزن الزائد والسمنة والأمراض غير المعدية ذات الصلة (انظر الفصل الثالث). وتسعى بلدان عديدة الآن إلى الحد من استهلاك هذه الأغذية من خلال التدخلات المحددة الأهداف (مثل حظر الاستهلاك في المدارس) والسياسات القائمة على السكان (مثل فرض الضرائب والتوسيم على واجهة العبوات) (انظر الفصل الخامس). وتظهر دراسات حديثة في أفريقيا أن توسّع سلاسل الإمدادات الغذائية في قطاع التجهيز (التجهيز والبيع بالجملة والنقل والبيع بالتجزئة) يوفر مصدرًا رئيسيًا للعمالة عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، ولا سيما للنساء والشباب.12 وتشير أحدث التقديرات إلى أن 20 في المائة من فرص العمل في المناطق الريفية و25 في المائة من فرص العمل في المناطق الحضرية هي في وظائف مرتبطة بالنظم الزراعية والغذائية مثل البيع بالجملة والتجهيز.12 ولكن للأسف، توفِّر قلة قليلة من هذه الدراسات تفاصيل كافية عن حافظات المنتجات لتقييم التوازن بين الفوائد والأضرار المحتملة على الأهداف المتعلقة بالأنماط الغذائية الصحية.
وتسمح دراسة استهلاك الأغذية القليلة والعالية التجهيز والأغذية خارج المنزل في الأسرة المعيشية بتكوين فكرة عن الطلب على الأغذية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. ومن المتوقع أن يستمر الطلب على الأغذية المجهزة بجميع أنواعها بالارتفاع في أفريقيا خلال العقود المقبلة في ظل التوسّع الحضري والتزايد المطرد للعمالة الريفية غير الزراعية وما يصاحبها من آثار على الوفورات المحققة في كلفة إعداد الأغذية، وبالتالي على الطلب على الأغذية السهلة التحضير. ويؤدي تزايد التنقل إلى العمل أيضًا إلى ارتفاع كلفة الفرصة البديلة لوقت الرجال والنساء على السواء مع شراء الوجبات الرئيسية والوجبات الخفيفة من الأكشاك على جانب الطرقات وفي الأسواق ومن المطاعم. وتبيّن الأدلة أن هذه العملية قد لوحظت بالفعل في أقاليم نامية أخرى.15، 16
وفي التحليل التالي، تم تصنيف جميع المواد الغذائية بحسب مستوى التجهيز الغذائي وذلك بالاستناد إلى المجموعات الرئيسية الأربع الواردة في نظام نوفا لتصنيف الأغذية. ومن ثم تم استبعاد الأغذية غير المجهزة والمجهزة بالحد الأدنى (المجموعة 1) من التحليلات الواردة في هذا القسم. وتم أيضًا جمع المجموعتين 2 و3 في مجموعة واحدة يشار إليها بمجموعة الأغذية “قليلة التجهيز”، وتم الإبقاء على المجموعة 4 بوصفها مجموعة الأغذية العالية التجهيز. ويمكن الرجوع إلى الملحق 5 للاطلاع على تفسير فئات التجهيز المعتمدة ووصفها الكامل ومصادرها. وبالإضافة إلى هاتين الفئتين، تم تصنيف الأغذية خارج المنزل في فئة منفصلة منفردة بسبب عدم توافر المعلومات الكافية لتحديد مدى تجهيز جميع المواد الغذائية فيها وبالتالي عدم إمكانية تصنيف كل غذاء بشكل دقيق.
وتنتشر الأغذية المجهزة عبر التسلسل المتصل بصورة متشابهة وعلى نطاق واسع في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء (الشكل 26 ألف). والاستثناء من ذلك هو المناطق التي تبعد أقل من ساعة واحدة عن المدن المتوسطة في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة حيث الحصة أقل بكثير مقارنة بمناطق التجمع نفسها في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة. وتبلغ حصة إجمالي الأغذية المجهزة والأغذية خارج المنزل في المتوسط 29 في المائة في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة و25 في المائة في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة. وحتى الأسرة المعيشية التي تعيش في مناطق ريفية التي تكون على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة وساعتين أو أكثر إلى أي مدينة أو بلدة، تستهلك أغذية مجهزة وأغذية خارج المنزل.
الشكل 26 الأسرة المعيشية الريفية في البلدان الأحد عشر في أفريقيا تستهلك أغذية مجهزة، بما في ذلك أغذية عالية التجهيز، حتى في الأسر التي تعيش على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة وساعتين أو أكثر إلى أي مدينة أو بلدة
وفي حين يزيد استهلاك الأغذية المجهزة والأغذية خارج المنزل في المدن والبلدات من حيث حصص القيمة المستهلكة، فإنه ينخفض بشكل تدريجي كلما تم الابتعاد باتجاه المناطق شبه الحضرية؛ ويُسجل هبوط أكثر حدة في المناطق شبه الحضرية المحيطة بالمدن المتوسطة في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (الشكل 26 ألف). وتبدد الأدلة على انخفاض الحصة بشكل سلس وتدريجي على امتداد التسلسل المتصل، فكرة وجود فجوة حادة في استهلاك الأغذية المجهزة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية.
وبالنظر إلى الأغذية القليلة والعالية التجهيز بشكل منفصل، نلاحظ أن الأغذية العالية التجهيز تمثل نسبة صغيرة من إجمالي الاستهلاك في مجموعتي البلدان (الشكل 26 باء). غير أن الحصص أكبر بقليل في المناطق شبه الحضرية المحيطة بالمدن الصغيرة والبلدات وفي المناطق الريفية من بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة مقارنة بالمناطق نفسها في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة. ويلاحظ أيضًا أن حصص الأغذية العالية التجهيز أكبر في المناطق الحضرية منها في المناطق الريفية في مجموعتي البلدان. وتسلّط النتائج الضوء على تغلغل الأغذية العالية التجهيز في المناطق الريفية، بل وحتى في المناطق الريفية التي تقع على مسافة تتراوح بين ساعة واحدة وساعتين من أي مدينة أو بلدة. وتكون الأغذية العالية التجهيز أساسًا معبأة وذات مدة صلاحية أطول،17 الأمر الذي يعزز انتشارها في المناطق الريفية الأكثر بعدًا نظرًا إلى إمكانية تخزينها.
وتبلغ قيمة استهلاك الأغذية القليلة التجهيز في مجموعتي البلدان نسبة أكبر مقارنة بالأغذية العالية التجهيز، ولكن الفارق أعظم في المناطق الحضرية وشبه الحضرية في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة. ولا يختلف ذلك عن النمط المسجل في بلدان أخرى حيث معدل الانتشار الأولي للأغذية القليلة التجهيز أكبر مقارنة بالأغذية العالية التجهيز.14
ولكن ثمة فرق واضح في حصص استهلاك الأغذية (بالقيمة السوقية) القليلة التجهيز والعالية التجهيز والأغذية خارج المنزل بين بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة. ولرؤية هذه الفوارق بشكل أوضح، يبيّن الجدول 27 الفارق بين حصص القيمة الغذائية لفئتي الأغذية المجهزة والأغذية خارج المنزل مع مقارنة بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة.
الشكل 27 حصة استهلاك الأغذية القليلة التجهيز والعالية التجهيز في البلدان الأحد عشر في أفريقيا أكبر عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة، في حين أن حصة الأغذية خارج المنزل أكبر في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة
وترتفع معدلات استهلاك الأغذية القلية التجهيز في المناطق الحضرية وشبه الحضرية من بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة عنها في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة. ولا تبلغ حصة الأغذية العالية التجهيز مستويات مرتفعة في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة، ولكنها لا تزال أعلى نسبيًا مقارنة بجميع المناطق، باستثناء المدن الكبرى والمناطق المحيطة بها. ويبعث ذلك على الاستغراب إذ يُتوقع، كما ذكر سابقًا، أن تكون حصة الأغذية العالية التجهيز أكبر في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة. وفي المقابل، فإن حصة الأغذية خارج المنزل من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية أكبر في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة (الجدول 27). ويمكن أن يشير ذلك إلى وجود مزيد من فرص العمل خارج المزارع في المناطق الريفية في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة. وهذا أمر منطقي بما أن الأغذية خارج المنزل ترتبط بالعمل خارج المنزل والتنقل داخل المدن أو من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية أو إلى مناطق ريفية أخرى (انظر الفصل الثالث). وتظهر أنماط العمالة هذه في ظل التنمية والتوسّع الحضري اللذين يرتبطان ببلدان ميزانية الغذاء المرتفعة.
وكما في حالة المشتريات الغذائية، أجري تحليل اقتصادي قياسي لدراسة العوامل المحددة (تأثير موقع كل منطقة من مناطق التجمع الحضرية الريفية، ودخل الأسرة المعيشية، والعمالة غير الزراعية، وغير ذلك) لحصة المشتريات من الأغذية العالية التجهيز كحصة من قيمة إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية. وترد في الجدول ألف 7–2 في الملحق 7، النتائج الهامة من الناحية الإحصائية والتي يتم تسليط الضوء أدناه على النقاط الرئيسية منها.
وبالإبقاء على ثبات العوامل الأخرى، تؤكد تأثيرات الموقع عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل النتائج الوصفية التالية: كلما تم الابتعاد عن المدن الكبيرة، انخفضت حصة الأغذية العالية التجهيز من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، ولكن ليس في المناطق الأكثر بعدًا في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة. وتشير دراسة تستخدم بيانات استقصائية مفصلة بشأن ميزانية الأسرة المعيشية وتقوم على تدرّج المناطق الحضرية وشبه الحضرية والريفية، إلى أن النتائج المتعلّقة بتأثير الموقع مشابهة لتلك الملاحظة في جمهورية تنزانيا المتحدة (غير المشمولة في هذا التحليل).17 وهي تشبه أيضًا النتائج الخاصة بالمناطق الريفية والحضرية في كل من بنغلاديش وإندونيسيا ونيبال وفييت نام.9
ويرتبط التأثير الخالص للدخل بارتفاع حصة الأغذية العالية التجهيز في مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان، ولكن وقعه أكبر في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (الجدول ألف 7–2 في الملحق 7). ويؤكد ذلك النتائج التي توصلت إليها دراسات حديثة أخرى في أفريقيا، مثلًا في أوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة.17 وفي بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء، يؤدي تزايد فرص العمل غير الزراعية إلى ارتفاع حصة الأغذية العالية التجهيز من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية. وينطبق هذا الاستنتاج بشكل خاص على العمالة غير الزراعية للذكور، إذ لوحظ أن التأثير كبير من الناحية الإحصائية في 8 من أصل 11 بلدًا شملهم التحليل. كما أن تأثير العمالة غير الزراعية للنساء مشابه للذكور في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، ولكنه ليس مهمًا من الناحية الإحصائية في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة.
وبافتراض تساوي جميع الأمور الأخرى، يرتبط إتمام رب الأسرة للتعليم الابتدائي ارتباطًا وثيقًا بزيادة حصة قيمة استهلاك الأغذية العالية التجهيز في ثلاثة بلدان فقط، بينما يرتبط كون رب الأسرة من النساء بزيادة هذه الحصة في معظم بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، باستثناء إثيوبيا حيث تأثير ذلك سلبي (الجدول ألف 7–2 في الملحق 7). وإن هذا الاستنتاج الأخير مدعوم بدراسات أخرى تظهر أن المرأة تستبدل إعداد الوجبات الغذائية بالأغذية المجهزة لإتاحة الوقت للأعمال المنزلية الأخرى والعمل غير الزراعي.14 ولكن في البلدان الأكثر فقرًا، يمكن أن يكون ذلك ناجمًا عن تمتع المرأة التي تدير الأسرة المعيشية وحدها بقدر أقل من الوقت (وبالتالي بإمكانية وصول أقل) لشراء هذه الأغذية. ولكن تتطلب هذه النتائج المزيد من الدراسة. وأخيرًا، تقل حصة مشتريات الأغذية العالية التجهيز في الأسرة المعيشية الكبيرة في بعض بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، في حين أن التأثير متفاوت في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة (الجدول ألف 7–2 في الملحق 7). وكلما كان معدل الاعتمادذ مرتفعًا في مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان، زادت حصة الأغذية العالية التجهيز التي يتم شراؤها.
تباين استهلاك الأسر المعيشية للأغذية من المجموعات الغذائية المختلفة على طول التسلسل الريفي الحضري المتصل، مدفوعا في ذلك بأنماط التوسّع الحضري والدخل وفرص العمل غير الزراعي
يرتبط التوسّع الحضري بشكل ضمني بالتحوّلات في استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية، بحيث تقوم الأسرة المعيشية في المناطق الحضرية بشراء أنماط غذائية أكثر تنوعًا وتهيمن عليها الأغذية الأساسية بقدر أقل وتتألف منلف منألف مجموعة أكبر من الأغذية التي تنتمي إلى مجموعات غذائية مختلفة، بما في ذلك الأغذية الأغلى ثمنًا مثل اللحوم ومنتجات الألبان (انظر الفصل الثالث). ولكن، تشير بعض الدراسات إلى أن ارتفاع الدخل في المناطق الحضرية هو من يحدث هذه التحوّلات، وليس التوسّع الحضري بحد ذاته.18 ويقدم هذا القسم مزيدًا من التحليل لهذه القضايا.
وتُصنف جميع المواد الغذائية في ثماني مجموعات غذائية هي: (1) الأغذية الأساسية، وتشمل الحبوب والجذور والدرنات وموز الجنة ومشتقاتها؛ (2) والبقول والبذور والجوزيات ومشتقاتها؛ (3) والأغذية الحيوانية المصدر، بما في ذلك الحليب والبيض واللحوم والأسماك والمحار والحشرات/اليرقات وجميع مشتقاتها؛ (4) والخضراوات ومشتقاتها؛ (5) والفاكهة ومشتقاتها؛ (6) والدهون والزيوت؛ (7) والحلوى والتوابل والمشروبات؛ (8) والوجبات التي يتم تناولها خارج المنزل (الأغذية خارج المنزل). ويمكن الرجوع إلى الجدول ألف 5–6 في الملحق 5 للاطلاع على تعاريف المجموعات الغذائية المجمّعة. ونظرًا إلى عدد المجموعات الغذائية التي يجب تحليلها، تم تجميع الفئات العشر من مناطق التجمع الحضرية الريفية في ثلاث فئات – هي المناطق الحضرية وشبه الحضرية والريفية – لتسهيل عرض بعض الأرقام (انظر الجدول 9).
وبالنظر إلى تركيبة الأغذية للأسرة المعيشية من حيث حصص قيمة استهلاك الأغذية بحسب المجموعة الغذائية، من الواضح حدوث تحول في النمط الغذائي عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل (الجدول 11). وينطوي ذلك على تنويع الأنماط الغذائية على مستوى الأسرة المعيشية، بما في ذلك استهلاك مواد غذائية أكثر كلفة، مثل الأغذية الحيوانية المصدر والفاكهة. ويشير ذلك إلى أن التحوّل يحصل أيضًا في المناطق الريفية، وإن كان متأخرًا وبدرجة أقل مما يحصل في المناطق الحضرية وشبه الحضرية.
الجدول 11 في البلدان الأحد عشر في أفريقيا، يحدث تحول في النمط الغذائي على مستوى الأسرة المعيشية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل وفي بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة – حتى في المناطق الريفية، وإن كان متأخرًا وبدرجة أقل مما في المناطق الحضرية وشبه الحضرية
واللافت هو عدم وجود فوارق كبيرة بين بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة في هذه المجموعة الصغيرة من البلدان الأفريقية. وقد يدل ذلك على أن هناك تقاربًا في تحوّل الأنماط الغذائية الحاصل عبر مجموعة هذه البلدان. ولكن النتيجة التي تفيد بأن حصص قيمة استهلاك الأغذية غير الأساسية متشابهة في مجموعتي ميزانيات الغذاء، متناقضة إلى حد ما. وقد يعود السبب في ذلك إلى أن الأغذية غير الأساسية المتدنية الكلفة – مثل الخضراوات أو البقول – متاحة للأسرة المعيشية ومرغوبة منها في مجموعتي البلدان. ولاحظت دراسة أخرى في السنغال19 أن حصص نفقات الأسرة المعيشية متشابهة في المناطق الحضرية والمناطق الريفية، ولكن المستويات المطلقة للإنفاق أدنى في المناطق الريفية وفي صفوف الفقراء. وهذا يشبه القول إن البقول المتدنية الكلفة تشكل جزءًا كبيرًا من الأنماط الغذائية للفقراء. ولا تدحض هذه النتائج قانون بينيت (Bennett)ض ولكنها تجعل انحداره أكثر تدرجًا.
وتتشابه حصص قيمة استهلاك الأغذية الأساسية، بما في ذلك الأغذية الأساسية المتأتية من الإنتاج الخاص والمقدرة بقيمة السوق، في المناطق شبه الحضرية والريفية، ولكنها أعلى بحوالي 12 نقطة مئوية منها في المناطق الحضرية. ويتشابه متوسط حصة قيمة استهلاك الأغذية الأساسية في إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة: 41 و40 في المائة (على التوالي) في المناطق شبه الحضرية، و42 و43 في المائة (على التوالي) في المناطق الريفية.
ويبلغ متوسط حصة الأغذية الأساسية من استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية من حيث القيمة، 30 في المائة (بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة) و28 في المائة (بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة) في المناطق الحضرية (الشكل 28). وتجدر الإشارة إلى أن هذه النسبة أعلى بقليل من نسبة 25 في المائة المسجلة في المدن الآسيوية.9
الشكل 28 تمثل حصة الأغذية الأساسية في البلدان الأحد عشر في أفريقيا نسبة ضئيلة من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية من حيث القيمة، وترتفع كلما انخفض الدخل عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء
وكما هو متوقع وفقًا لقانون بينيت،كلما زاد دخل الأسرة المعيشية انخفضت حصة الأغذية الأساسية من إجمالي استهلاك الأغذية (الشكل 28). ويصح ذلك عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل، سواء بالنظر إلى الفئات الكلية الحضرية أو شبه الحضرية أو الريفية (على النحو المبيّن في الشكل 28) أو إلى فئات مناطق التجمع الحضرية الريفية الأكثر تفصيلًا (غير مبيّن).
وبشكل عام، تمثل حصة قيمة الأغذية الأساسية نسبة صغيرة من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية ليس فقط في المناطق الحضرية، وإنما أيضًا عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. والملفت أن تنويع استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية، والذي هو نقيض الاعتماد على الأغذية الأساسية، متشابه في المناطق الحضرية في مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان. علاوة على ذلك فإن معدل حصة الأغذية الأساسية في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية هو نفسه تقريبًا في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة (1.4 و1.5 على التوالي)، الأمر الذي يشير إلى حدوث تقارب بين البلدان.
تحل الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل بشكل متزايد محل الأغذية الأساسية كلما انتقلنا من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية عبر التسلسل المتصل
وتقابَل الحصة الصغيرة من الأغذية الأساسية في المناطق الحضرية بشكل عام بحصص أكبر من الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل (الشكل 29 ألف). وهذا الأمر متوقع نظرًا إلى أن التوسّع الحضري يرتبط عادة بلجوء الأسرة المعيشية في المناطق الحضرية إلى شراء أغذية أكثر تنوعًا، بما في ذلك أغذية أغلى ثمنًا مثل اللحوم، وكذلك إلى تناول الطعام خارج المنزل في الكثير من الأحيان. ولكن كما ذكر سابقًا، لا يمكن في هذا التحليل تقييم أنواع الأغذية المستهلكة خارج المنزل، وإذا كانت تساهم في تنوع الأنماط الغذائية، ومستوى تجهيزها.
الشكل 29 تحل الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل محل الأغذية الأساسية عند الانتقال من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية في البلدان الأحد عشر في أفريقيا
وتزيد حصة قيمة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر (التي تشمل الحليب والبيض واللحوم والأسماك والمحار والحشرات) في المناطق الحضرية بنسبة 40 في المائة عنها في المناطق شبه الحضرية وبنسبة 44 في المائة منها في المناطق الريفية في المتوسط عبر البلدان التي شملها التحليل. وفي ما يتعلّق ببلدان ميزانية الغذاء المنخفضة، فإن الحصة في المناطق الحضرية أكبر بمقدار مرّة ونصف منها في المناطق شبه الحضرية وبمقدار 1.6 مرّات منها في المناطق الريفية. أما في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، فإن الفارق أصغر: الحصة في المناطق الحضرية أكبر بمقدار 1.4 مرّات منها في المناطق شبه الحضرية والريفية (غير مبيّنة هنا، انظر الشكل ألف 7–1 ألف في الملحق 7). وهناك أيضًا انخفاض ملحوظ في حصة قيمة البقول والبذور والجوزيات في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق شبه الحضرية والريفية (40 و47 في المائة أقل من المناطق شبه الحضرية والريفية على التوالي) (الشكل 29 ألف). وهذه النتيجة نموذجية بما أن هذه المواد الغذائية تشكل مصدرًا أرخص ثمنًا للأغذية الغنية بالمغذيات، ولكن هناك ميل إلى استبدالها بالأغذية الحيوانية المصدر (وحتى بالحليب فقط في البلدان النباتية جزئيًا مثل الهند) كلما زاد دخل الناس.
وترتفع حصة قيمة استهلاك الأغذية خارج المنزل في جميع البلدان في المناطق الحضرية وتنخفض بشكل حاد عند الانتقال إلى المناطق شبه الحضرية والريفية (الشكل 29). وفي المتوسط، تكون الحصص في المناطق الحضرية أكبر بمقدار 1.6 مرّات منها في المناطق شبه الحضرية وبمقدار 2.6 مرّات منها في المناطق الريفية. ويظهر هذا النمط بشكل أوضح في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة حيث الحصة في المناطق الحضرية أكبر بمقدار 2.4 مرّات منها في المناطق شبه الحضرية و3.2 مرّات منها في المناطق الريفية (انظر الشكل ألف 7–1 باء في الملحق 7).
ويتبيّن من إلقاء نظرة مفصلة أكثر على حصص القيمة بحسب المجموعات الغذائية، عدم وجود فجوة حادة بين المناطق الحضرية والريفية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل في جميع البلدان في المتوسط (الشكل 29 باء). وهذا أمر مفاجئ أيضًا، ذلك أنه يفترض عادة أن هناك اختلافًا ملحوظًا بين المناطق الحضرية والريفية. وبالانتقال عبر التسلسل المتصل من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية (الشكل 29 باء)، تزداد حصة الأغذية الأساسية والبقول والبذور والجوزيات وتنخفض حصة الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل. وفي المقابل، تكون حصة الخضراوات والفاكهة والدهون والزيوت متماثلة إلى حد كبير عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل. وبالرغم من وجود بعض التباينات، تكون حصة الحلوى والتوابل والمشروبات متماثلة هي أيضًا (انظر الجدول 11 للاطلاع على القيم التفصيلية بحسب بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة).
ويوفر التحليل الاقتصادي القياسي للعوامل المحددة لاستهلاك مختلف المجموعات الغذائية رؤية أوضح. وعلى سبيل المثال، تؤكد محددات استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل الاتجاهات الوصفية. وتعزى الزيادات في حصة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر من استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية بشكل أساسي إلى زيادات الدخل الكبيرة من الناحية الإحصائية (انظر الجدول ألف 7–3 في الملحق 7).
وفي ما يتعلّق بحصة الأغذية خارج المنزل، فإن تأثير الدخل متفاوت عبر بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة ولكنه يبيّن زيادة الاستهلاك في المتوسط كلما ارتفع الدخل عند تجميع البلدان كافة (انظر الجدول ألف 7–4 في الملحق 7). ولكن في مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان، تؤدي زيادة العمالة غير الزراعية عند الذكور إلى ارتفاع حصة استهلاك الأغذية خارج المنزل، ويكون التأثير في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة أكبر منه في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة. ويمكن أن يعكس ذلك تشتت العمالة من الناحية المكانية، الأمر الذي ينطوي على فترات تنقل أطول وبالتالي على حاجة أكبر إلى تناول الأغذية خارج المنزل. ومن الممكن أيضًا أن تكون هناك في بعض بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة، وفرة أكبر من المطاعم والباعة (أي الخدمات الغذائية) الذين يقومون بإعداد الوجبات الغذائية (الأغذية خارج المنزل).
ويؤثر الموقع عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل تأثيرًا ذا دلالة إحصائية في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة. وفي هذه الحالة، تكون حصة قيمة استهلاك الأغذية خارج المنزل أكبر بكثير في المدن الكبيرة منها في البلدات، ولكنها تنخفض تدريجيًا في المناطق شبه الحضرية كلما كانت المدينة الأقرب أكبر حجمًا، وتتراجع بالانتقال من البلدات إلى المناطق الريفية، مع تسجيل التراجع الأكبر في المناطق التي تبعد ما بين ساعة واحدة وساعتين عن أي مركز حضري. وإن تأثير الموقع كبير من الناحية الإحصائية في عدد أقل من فئات مناطق التجمع الحضرية الريفية في بلدان ميزانية الغذاء المرتفعة. وهو يبيّن أن استهلاك الأغذية خارج المنزل أكبر في المدن الكبيرة والمتوسطة مقارنة بالبلدات ويتراجع في المناطق الريفية، مع حدوث التراجع الأكبر في المناطق التي تبعد أكثر من ساعتين عن أي مركز حضري. وتؤكد هذه النتائج الاستنتاجات الوصفية التالية: كلما كانت المدينة الحضرية أكبر ارتفعت حصة الأغذية خارج المنزل من إجمالي الاستهلاك؛ وكلما كانت المسافة بعيدة عن أي مدينة كبيرة أصبحت الحصة أصغر (الجدول ألف 7–4 في الملحق 7). ويرتبط استهلاك الأغذية خارج المنزل في الكثير من الأحيان بالتنقل إلى العمل، وتعكس هذه الأنماط بالتالي المسافة التي يجب أن يقطعها العمال من منزلهم في المدينة مقارنة بالمناطق الريفية.
وعلى عكس الأغذية الحيوانية المصدر والأغذية خارج المنزل، يشير تحليل العوامل المحددة لحصة الخضراوات من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية إلى أن هذا الاستهلاك مدفوع أكثر بإمكانية الوصول والتوافر منه بالدخل. وإن تأثير الدخل على استهلاك الخضراوات متفاوت ولو أنه سلبي بشكل عام وكبير من الناحية الإحصائية، ما يشير إلى انخفاض حصة استهلاك الخضراوات كلما ارتفع الدخل (الجدول ألف 7–5 في الملحق 7).
يؤثر الدخل على حصة استهلاك الأغذية الحيوانية المصدر في الأسر المعيشية، في حين أن حصة الفاكهة والخضراوات تحددها إمكانية الوصول والتوافر.
وفي المقابل، وبالنظر إلى جميع البلدان مجتمعة، يؤثر الموقع على حصة الخضراوات من إجمالي استهلاك الأغذية في الأسرة المعيشية تأثيرًا ذا دلالة إحصائية عبر التسلسل الريفي الحضري المتصل – بعد ضبط الدخل. كما أن حصة الخضراوات من إجمالي استهلاك الأغذية أكبر في المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والمناطق التي تبعد أقل من ساعة واحدة عن المدن الكبيرة والمتوسطة منها في البلدات (الجدول ألف 7–5 في الملحق 7). وبالنسبة إلى بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة، تنخفض حصة الخضراوات من الاستهلاك بشكل ملحوظ في المناطق الريفية. ويمكن أن تعكس هذه النتائج وجود مناطق تجارية كبيرة لبيع منتجات البستنة على مقربة من المدن أو في المناطق المروية جيدًا بالقرب من الطرقات السريعة والأنهار في بلدان ميزانية الغذاء المنخفضة والمرتفعة على السواء.
ويكون تأثير فرص العمل غير الزراعي ضئيل في معظمه في بلدان ميزانيات الغذاء المرتفعة والمنخفضة على السواء (الجدول ألف 7–5 في الملحق 7). ولكن إذا كانت المرأة هي رب الأسرة، يكون التأثير إيجابيًا على حصة استهلاك الخضراوات في مجموعتي ميزانيات الغذاء للبلدان. ونظرًا إلى أن تأثير الدخل يؤخذ في الاعتبار في الوقت نفسه، يمكن تفسير ذلك على أنه مؤشر على أن النمط الغذائي الذي تختاره الإناث للأسرة المعيشية يحدث فرقًا، إذ تختار النساء، على سبيل المثال، أغذية تحتوي على قدر أكبر من المغذيات والفيتامينات.