info
close
السنغال. قاعة مؤتمرات: إشراك أصحاب المصلحة هو المفتاح لمعالجة قضية الأمن الغذائي.
© Clement Tardif/iStock.com

حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2024

الفصل 5 تعزيز اتساق السياسات في مجال التجارة والتغذية

الرسائل الرئيسية
  • بإمكان الحكومات تنفيذ تدابير السياسات التجارية لمعالجة أهداف التغذية. ولا تقيّد قواعد منظمة التجارة العالمية الحيز السياسي الرامي إلى تحقيق هذه الأهداف، ولكنها تؤثر على اختيار الأداة السياسية، بما في ذلك ضمان عدم التمييز بين المنتجات المماثلة من أصول أجنبية ومحلية مختلفة.
  • يمكن أن تكون الأدوات السياساتية، مثل الضرائب المفروضة على المشروبات المحلّاة بالسكر، فعّالة في معالجة أهداف التغذية. وهي تنطبق على الأغذية والمشروبات المستوردة والمنتجة محليًا.
  • تبيّن بطاقات توسيم الأغذية خصائص المنتجات الغذائية وصفاتها الغذائية للمستهلكين ويمكنها تحسين الأنماط الغذائية والصحة. ويمكن للمناقشة في لجنة منظمة التجارة العالمية المعنية بالحواجز التقنية أمام التجارة أن تضمن تعزيز بطاقات توسيم الأغذية للخيارات الغذائية الصحية بقدر أكبر وتسهيل التجارة.
  • يمكن أن يتناول تعزيز اتساق السياسات بين التجارة والتغذية الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والصحية للتنمية المستدامة. وبناء القدرات بين صانعي السياسات التجارية ومسؤولي التغذية أمر أساسي لإعطاء الأولوية للتغذية وترسيخ التعاون.
  • يمكن لتعزيز مشاركة جميع الجهات الصاحبة المصلحة، ولا سيما الجهات المعنية بالتغذية والصحة العامة، وزيادة الشفافية في المفاوضات بشأن اتفاقات تجارية أعمق أن يكفلا أن تعالج زيادة التجارة أهداف الأمن الغذائي والاقتصاد والتغذية.

الدعم المحلي وسياسات التجارة والتغذية

تتناول السياسات الزراعية مجموعة واسعة من القضايا. غير أن ضمان الأمن الغذائي والتغذية على نحو مستدام، والحفاظ على مستوى من الدخل الزراعي يواكب اتجاهات الدخل في القطاعات الاقتصادية الأخرى، هما هدفان رئيسيان في البلدان المتقدمة والنامية. ففي أي بلد، تخلق سياسات تجارة المنتجات الزراعية والدعم المحلي مجموعة من الحوافز والعقوبات التي يمكن أن تؤثر على إنتاج الأغذية واستهلاكها وعلى أسعار الأغذية وبالنتيجة على مداخيل المزارع وإنفاق المستهلك على الأغذية.

وتقدّم البلدان أنواعًا مختلفة من الدعم المحلي للمزارعين، تتراوح من المدفوعات المباشرة التي تساهم في الحفاظ على مداخيل المزارع، إلى الإعانات للمدخلات مثل الأسمدة والكهرباء والمياه. وتشمل أشكال الدعم المحلي الأخرى تقديم الخدمات في مجال البحث والتطوير والإرشاد، والتي غالبًا ما تعالج إخفاقات السوق مثل القيود التي يواجهها المزارعون في اعتماد تكنولوجيات جديدة. وتخلق تدابير دعم أسعار السوق فجوة بين أسعار السوق المحلية وأسعار الحدود لمنتج زراعي معين. وعلى سبيل المثال، تستخدم برامج الاحتفاظ بالمخزون العام بالاقتران مع تدابير التجارة المشتريات المحلية لتثبيت الأسعار ضمن نطاق محدد مسبقًا، ما يشكل دعمًا لأسعار السوق.224

وتشمل السياسات التجارية التعريفات الجمركية على الواردات والتدابير غير الجمركية فضلًا عن القيود المفروضة على الصادرات والضرائب على الصادرات. ويمكن مثلًا استخدام التعريفات الجمركية لحماية المزارعين المحليين من المنافسة الدولية لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي. وتشمل التدابير غير الجمركية تدابير الصحة والصحة النباتية التي تكفل سلامة الأغذية وتحمي صحة الحيوان أو النبات والتدابير المتعلقة بالحواجز التقنية أمام التجارة مثل التوسيم ذي الصلة بأهداف من قبيل محتوى المغذّيات وحماية البيئة وصحة وسلامة العمال ومنع الممارسات الخادعة.

وتخضع صكوك الدعم المحلي والأدوات السياسية التجارية لقواعد منظمة التجارة العالمية وضوابطها. وعلى سبيل المثال، يضع اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة حدًا لاستخدام الكثير من تدابير الدعم المحلي بموازاة تنظيم التعريفات الجمركية على الواردات الخاضعة لمستويات ملزمة قصوى لا يمكن تجاوزها بالتعريفات الجمركية السارية. ويضْمَن اتفاق الحواجز التقنية أمام التجارة والاتفاق بشأن تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية، والتي ينطبق الكثير منها على الأغذية، أنه في حين قد تنشأ ضرورة لتقييد التجارة، لا ينبغي لأي تدابير تُتَّخذ أن تُطبَّق بطريقة تعسفية أو تمييزية أو تشكل قيدًا مقنَّعًا للتجارة الدولية.

وتنشئ ضوابط منظمة التجارة العالمية نظامًا شفافًا وقابلًا للتنبؤ بشأن قواعد التجارة الدولية التي تعزز المنافسة من خلال تقليل تشوهات التجارة وتثبيط الممارسات غير العادلة. وينص اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة على أحكام تتعلق بالوصول إلى الأسواق والدعم المحلي والمنافسة التصديرية، ويشجع على استخدام تدابير أقلّ تشويهًا، بما في ذلك استخدام تدابير الدعم التي لا تسبب أي آثار تؤدي إلى تشويه التجارة، أو على الأكثر أقلّ تأثيرًا، مثل المدفوعات المنفصلة عن الإنتاج أو الإعانات غير المستهدفة وخفض معدلات التعريفات الجمركية على الواردات الزراعية (انظر الإطار 5-1).

الإطار 5-1الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتغذية

اتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة هو الوثيقة الرئيسية الملزمة قانونًا التي تنظم تجارة المنتجات الغذائية والزراعية على مستوى العالم وتنص على ضوابط في ثلاثة مجالات سياساتية رئيسية هي:

  • الوصول إلى الأسواق، يحدد الشروط التي يمكن بموجبها للمنتجات الغذائية والزراعية الوصول إلى أسواق أعضاء منظمة التجارة العالمية؛
  • والدعم المحلي، يشير إلى الدعم المقدّم للمزارعين بموجب البرامج الحكومية؛
  • والمنافسة التصديرية، تشير إلى الإعانات والمدفوعات الأخرى الرامية إلى توسيع الصادرات.

وتتناول أحكام أخرى في الاتفاق بشأن الزراعة، ضمن جملة أمور أخرى، فرض حظر على الصادرات وقيود على المواد الغذائية.

ويحظر الوصول إلى السوق، بمقتضى الاتفاق بشأن الزراعة، الإجراءات الحدودية غير الرسوم الجمركية العادية. ووفقًا للمادة 4-2 من الاتفاق، تشمل التدابير المحظورة القيود التجارية الكمية، ورسوم الاستيراد المتغيّرة، وأسعار الاستيراد الدنيا، وتراخيص الاستيراد التقديرية، والتدابير غير الجمركية التي تفرضها مؤسسات التجارة الحكومية، والقيود الطوعية على التصدير والإجراءات الحدودية المماثلة بخلاف الرسوم الجمركية العادية. ومع ذلك، لا تحظر المادة 4-2 من الاتفاق بشأن الزراعة استخدام قيود الاستيراد، بما يتفق مع اتفاقات منظمة التجارة العالمية، والسارية على التجارة العامة في السلع، بما في ذلك المنتجات الغذائية والزراعية. وتشمل هذه الإجراءات تلك المندرجة في إطار الاتفاق بشأن الصحة والصحة النباتية واتفاق الحواجز التقنية أمام التجارة الصادرَيْن عن منظمة التجارة العالمية.

وتسعى أحكام الدعم المحلي المنصوص عليها في الاتفاق بشأن الزراعة إلى الحد من التشوهات التجارية الناجمة عن سياسات الدعم الزراعي المحلية. وفيما يتيح الاتفاق بشأن الزراعة لأعضاء منظمة التجارة العالمية استخدام الإعانات، بغض النظر عن مخالفته لاتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الإعانات والتدابير التعويضية، فهو يقدّم أيضًا التزامات تهدف إلى تقليص هذه السياسات. وفي هذا الصدد، يصنّف الاتفاق بشأن الزراعة تدابير الدعم ضمن فئتين أساسيتين هما التدابير التي يمكن اتخاذها من دون أي قيود؛ والتدابير الخاضعة لالتزامات الحد الأقصى والممكن استخدامها شريطة احترام حدود الدعم العليا. وتشمل الفئة الأولى ما يلي:

  • التدابير التي تُعتبر عديمة التأثير أو ذات تأثير ضئيل على التجارة والإنتاج والمدرجة في الملحق الثاني من الاتفاق بشأن الزراعة (المعروفة أيضًا باسم تدابير الصندوق الأخضر). وتشمل هذه التدابير المصروفات العامة على الخدمات العمومية (مثل البحث والتطوير، أو خدمات التسويق والترويج)، والإنفاق الحكومي على المخزون العام لأغراض الأمن الغذائي وعلى المساعدات الغذائية المحلية، والمدفوعات المباشرة للمنتجين مثل دعم الدخل المنفصل عن الإنتاج؛
  • والتدابير المحددة التي تتخذها البلدان النامية والتي تشكل جزءًا لا يتجزأ من برامج التنمية الخاصة بها وتشجع التنمية الريفية. وترد هذه التدابير في المادة 6-2 من الاتفاق بشأن الزراعة (ما يُسمى بـ»صندوق التنمية») وتشمل مثلًا إعانات المدخلات الزراعية المتاحة عمومًا للمنتجين ذوي الدخل المنخفض أو الذين يفتقرون إلى الموارد؛
  • والتدابير التي تلزم المزارعين بالحد من إنتاجهم، وبالتالي الحد من تشوهات الإنتاج. وترد هذه التدابير في المادة 6-5 من الاتفاق بشأن الزراعة (ما يُسمى بـ»الصندوق الأزرق»).

وتتضمن الفئة الثانية جميع التدابير التي لا تفي بمعايير الاستثناء المذكورة أعلاه والتي يُشار إليها غالبًا باسم «الصندوق البرتقالي» (المادة 6 من الاتفاق بشأن الزراعة). وتستند التزامات الحد الأقصى إلى مفهوم قياس الدعم الكلي، والذي يُحتسب لكل منتج زراعي أساسي (قياس الدعم الكلي لمنتج محدد) ولدعم المنتجين عمومًا (قياس الدعم الكلي لمنتج غير محدد). ويُستبعد الدعم الذي يُقاس من حيث حصة قيمة الإنتاج التي تقلّ عن عتبة معينة، سواء كانت خاصة بمنتج أو غير خاصة بمنتج، من حساب قياس الدعم الكلي بموجب قاعدة الصغائر (المادة 6-4 من الاتفاق بشأن الزراعة).

وتشير ركيزة المنافسة التصديرية إلى الإعانات التي تؤدي إلى زيادة الصادرات. ووافق المؤتمر الوزاري العاشر لمنظمة التجارة العالمية، الذي عُقد في نيروبي، كينيا في ديسمبر/كانون الأول 2015، على قرار بشأن المنافسة التصديرية ينص على إلغاء إعانات التصدير في أطر زمنية مختلفة للبلدان المتقدمة والنامية. وقبل قرار نيروبي، لم يحظر الاتفاق بشأن الزراعة إعانات التصدير بشكل كامل، ولكنه أدخل قيودًا على هذه السياسات من خلال فرض سقوف على المصروفات وكميات الصادرات الزراعية المدعومة على حد سواء.

وأخيرًا، تتضمن المادة 12 من الاتفاق بشأن الزراعة أحكامًا تتعلق باستخدام حظر التصدير والقيود المفروضة على المواد الغذائية. ويستلزم الاتفاق بشأن الزراعة من الأعضاء الذين يفكرون في فرض قيود تصديرية جديدة أن يولوا الاعتبار الواجب لتأثيرات هذه التدابير على الأمن الغذائي للدول الأعضاء المستوردة. كما يستلزم الاتفاق بشأن الزراعة من الأعضاء إخطار لجنة الزراعة مسبقًا والتشاور مع الأعضاء المتضررين إن لزم الأمر. وتنطبق هذه القواعد على البلدان النامية فحسب بقدر ما تكون مصدّرة صافية للمواد الغذائية المعنية.

ملاحظة: انظر الاتفاق بشأن التجارة . https://www.wto.org/english/docs_e/legal_e/14-ag_01_e.htm

ويشكل مبدأ عدم التمييز، الذي يهدف إلى ضمان المعاملة العادلة والمنصفة لجميع الشركاء التجاريين، محورًا أساسيًا لاتفاقات منظمة التجارة العالمية.

ويحظّر هذا الأمر التمييز بين المنتجات المتشابهة ذات أصول أجنبية مختلفة (المادة 1 من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة)، وكذلك بين المنتجات المتشابهة ذات أصول أجنبية ومحلية (المادة 3 من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة). وغالبًا ما يرى العديد من خبراء الصحة العامة أن قواعد منظمة التجارة العالمية، وخاصة مبدأ عدم التمييز، تقيّد الحيز السياسي المتاح لمعالجة أهداف التغذية، لا سيما من خلال استخدام الأدوات السياسية التجارية.226،225

الدعم المحلي والتغذية

يمكن أن تؤثر تدابير الدعم المحلية على التغذية بشكل مباشر من خلال آثارها على إنتاج الأغذية. ففي أي بلد، يمكن أن يلحق الدعم المحلي المشوّه أضرارًا بكميات الأغذية المنتجة، وتنوع الإنتاج وأسعار الأغذية، ويعدّ بالتالي عاملًا مهمًا في تحديد كمية الأغذية المتاحة للاستهلاك ونوعيتها. وتشمل أكثر أنواع الدعم المحلي تشوهًا دعم أسعار السوق، الذي ينشئ مع الإجراءات الحدودية فجوة بين أسعار السوق المحلية وأسعار الحدود لمنتَج زراعي معين، والمدفوعات القائمة على الناتج، والمدفوعات القائمة على الاستخدام غير المقيّد للمدخلات المتغيّرة.

وفي المتوسط، تنتشر أشكال الدعم المشوهة أيضًا في الاقتصادات الناشئة. وتشير بيانات صادرة عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي إلى أنه في الفترة الممتدة بين عامي 2020 و2022، بالنسبة إلى 11 اقتصادًا ناشئًا غير عضو في المنظمة المذكورة مدرجة في تقدير الدعم، ولّدت السياسات المشوَّهة 10 في المائة من إجمالي إيرادات المزارع، مقارنة بنحو 7 في المائة في بلدان هذه المنظمة (الشكل 5-1).

الشكل 5-1عمليات التحويل المحتملة وأشكال الدعم الأخرى الأكثر تشويهًا بحسب البلد، 2022-2020 (النسبة المئوية من الدخل الإجمالي للمزرعة)

ملاحظات: يوضح الرسم البياني عمليات التحويل المدفوعة بالسياسات إلى المزارعين من دافعي الضرائب والمستهلكين كنسبة مئوية من الدخل الإجمالي للمزارع. وهي تشمل جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والاقتصادات الناشئة. ويقيس تقدير دعم المنتجين جميع عمليات التحويل إلى المنتجين الزراعيين. وينبثق دعم سعر السوق عن السياسات المحلية أو التجارية التي ترفع سعر السوق المحلية أو تخفضه، مثل التعريفات الجمركية على الحدود، والضرائب على التصدير، وحدود الأسعار القصوى أو الدنيا. ويشمل الدعم الآخر الذي يمكن أن يكون الأكثر تشويهًا، المدفوعات على أساس الإنتاج، وهي المدفوعات المقدَّمة للمزارعين لكل وحدة إنتاج والمدفوعات على أساس استخدام مدخلات متغيّرة مثل الإعانات لاستخدام الأسمدة أو الكهرباء أو الأعلاف الحيوانية أو الائتمانات. ويشمل الدعم الآخر مجموعة من السياسات التي تختلف من بلد إلى آخر، مثل المدفوعات المقدمة لدعم شراء المعدات الزراعية أو الأراضي أو الماشية. ويمكن أن تستند المدفوعات لخفض كلفة الخدمات على مستوى المزرعة مثل المساعدات المتعلقة بالتقنيات والمحاسبة والتجارة والتدريب والصحة أو النبات، أو يمكن أن تستند المدفوعات إلى استخدام مدخلات متغيرة، ولكن مع عوائق أو حدود أو قيود.

المصدر: مقتبس بتصرف من OECD. (Organisation for Economic Co-operation and Development). 2023. Agricultural Policy Monitoring and Evaluation 2023: Adapting Agriculture to Climate Change. Paris, OECD Publishing. https://doi.org/10.1787/b14de474-en

وتختلف البلدان في كيفية تقديم الدعم. فبعض البلدان المرتفعة الدخل، مثل أعضاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تقدّم جزءًا كبيرًا من الدعم المحلي عن طريق المدفوعات المباشرة التي تؤدي إلى تشوهات ضئيلة في الإنتاج. وتنفذ بلدان أخرى مرتفعة ومتوسطة الدخل مثل الفلبين والنرويج وجمهورية كوريا تدابير دعم أسعار السوق والمدفوعات على أساس محصول الإنتاج (الشكل 5-1).

وفي الوقت نفسه، تفرض العديد من الاقتصادات الناشئة ضرائب على الزراعة. وعلى سبيل المثال، في حين تقدم الهند مستويات عالية من المدفوعات للمزارعين مقابل استخدام المدخلات، يمكن للوكالات الوطنية والوكالات على صعيد الدول التي تعمل نيابة عن المؤسسة الهندية للأغذية، أن تشتريَ القمح والأرزّ والحبوب الخشنة بأسعار دعم متدنية، ما يقمع الأسعار المحلية لهذه الأغذية نسبة إلى مستويات السوق العالمية، ويؤدي بالنتيجة إلى دعم سلبي للسوق لصالح المستهلكين (الشكل 5-1). وتقدّم الصين كل دعمها تقريبًا للقطاع في شكل دعم إيجابي لأسعار السوق.227

وغالبًا ما تكون تدابير الدعم المحلية خاصة بالأغذية ويمكنها تعزيز إنتاج بعض الأغذية مقارنة بغيرها. وعلى الصعيد العالمي، لوحظت أعلى مستويات الدعم للأرزّ والذرة والسكر واللحوم (الشكل 5-2).228 ويمكن أن يؤدي هذا الدعم الخاص بالأغذية إلى زيادة الإنتاج وانخفاض أسعار هذه الأغذية مقارنة بغيرها، بهدف زيادة التوافر وضمان الأمن الغذائي. وعلى سبيل المثال، نما إنتاج الأرزّ والقمح والذرة مجتمعًا في الصين بنحو 38 في المائة بين عامي 2005 و2015 نتيجة الدعم المتاح.229

الشكل 5-2دعم سلع محددة، 2022-2020 (النسبة المئوية من إجمالي دخل المزرعة)

ملاحظات: يوضح الرسم البياني التحويلات المدفوعة بالسياسات إلى المزارعين من دافعي الضرائب والمستهلكين كنسبة مئوية من الدخل الإجمالي للمزارع. وهي تشمل جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والاقتصادات الناشئة المبينة في الشكل 1-5.

المصدر: مقتبس بتصرف من OECD. (Organization for Economic Co-operation and Development). 2023. Agricultural Policy Monitoring and Evaluation 2023: Adapting Agriculture to Climate Change. Paris, OECD Publishing. https://doi.org/10.1787/b14de474-en

ويمكن أن يؤدي الدعم المحلي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة على الأسواق الزراعية، وتغيير الأسعار ومستويات الإنتاج، وبالنتيجة التأثير على الحوافز للمزارعين والمستهلكين وإحداث تشوهات في السوق. وبوسع الدعم الخاص بالأغذية أن يفضيَ إلى سوء تخصيص الموارد، فقد يختار المزارعون إنتاج أغذية مدعومة بدلًا من الأغذية التي يتمتعون فيها بميزة نسبية. وقد يؤثر هذا الأمر على تركيب إنتاج الأغذية إزاء الأغذية المدعومة، ما يقلص التنوع الغذائي ويؤثر على الأسعار النسبية. وبما أن الدعم المشوه يستهدف بالأساس المواد الغذائية الأساسية واللحوم والسكر وليس الفاكهة والخضار، غالبًا ما يُنظر إليه على أنه يتسبب في تداعيات سلبية على التغذية (انظر الشكل 5-2 والإطار 5-2 بشأن إعادة توجيه الدعم للأغذية والزراعة).

الإطار 5-2إعادة توجيه الدعم للأغذية والزراعة

أدت بعض سياسات الدعم الزراعي إلى زيادة الإنتاج الغذائي العالمي، ولا سيما المحاصيل الأساسية، ما ساهم في تحقيق الأمن الغذائي. ومع ذلك، هناك شواغل جدية بشأن دورها في تعزيز نظم الغذاء المستدامة والصحية والفعالة. ويستهدف الدعم الزراعي إلى حد كبير المواد الغذائية الأساسية ومنتجات الألبان وغيرها من المصادر الحيوانية والأغذية الغنية بالبروتينات، ولا سيما في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا، في حين أن الفاكهة والخضار تتلقى دعمًا أقل بصورة عامة أو حتى يُنزل بها عقوبات في بعض البلدان المنخفضة الدخل.287

وأوصت دراسات كثيرة أُجريت في الآونة الأخيرة بأن «إعادة توجيه» الدعم الزراعي نحو الاستثمارات والحوافز التي تشجع الإنتاج المستدام للمحاصيل الأكثر تنوعًا والتقليدية والغنية بالعناصر الغذائية والأكثر تكيّفًا مع البيئات، يمكن أن تساهم كثيرًا في الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للتنمية المستدامة. ويمكن لإعادة توجيه الإعانات المالية الحالية إلى المنتجين، والتي تستند إلى عوامل الإنتاج، والإعانات الأخرى المنفصلة عن الإنتاج نحو الأغذية المغذية أن تنطوي على فوائد غذائية. ويرجع ذلك إلى أن نقص الاستثمارات في البحث والتطوير الزراعي أثر تأثيرًا كبيرًا بصورة خاصة على المحاصيل الغذائية غير الأساسية مثل الفاكهة والخضار، ونقص الاستثمار في البنية الأساسية الريفية، ولا سيما النقل والتخزين، يؤثر بشكل مختلف على الأغذية المغذية القابلة للتلف.

وأشارت إحدى عمليات المحاكاة الأخيرة إلى أنه في حال توزيع ميزانيات الدعم العالمية الحالية (233 مليار دولار أمريكي على الصعيد العالمي في عام 2017) باتزانٍ أكبر بين البلدان وتوجيهها نحو السلع الغذائية الحساسة للتغذية والتي تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري المنخفضة (الخضار والفاكهة والبقول وأنواع الجوز)، يمكن أن يزيد استهلاك الفاكهة والخضار بنسبة 10 في المائة في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي و5 في المائة في البلدان غير الأعضاء في المنظمة المذكورة، ما يؤدي إلى فوائد صحية.288

وعلى نحو مماثل، خلص تحليل أجرته منظمة الأغذية والزراعة ومنظمات دولية أخرى لتقدير تأثير إعادة استخدام حوافز الأسعار من خلال التدابير الحدودية ودعم أسعار السوق لتعزيز الأنماط الغذائية الصحية، إلى زيادة قدرها 0.64 نقطة مئوية في نسبة سكان العالم القادرين على تحمّل تكاليف نمط غذائي صحي. ويترافق التحرّك نحو أنماط غذائية صحية ذات كلفة أقل وفي المتناول مع انخفاض في الإنتاج الزراعي العالمي، والذي ينعكس بدوره في انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمي في الزراعة. ومع ذلك، من الأساسي أن تكون إعادة الاستخدام مصحوبة باستثمارات في الموارد (بما في ذلك المهارات ورأس المال البشري) لضمان تمكين المزارعين، ولا سيما صغار المزارعين والنساء والشباب، من التحوّل إلى التخصص في هذه المحاصيل الأكثر ثراءً بالمغذيات والأكثر ملاءمة للبيئة.289

المصدر: مقتبس بتصرف من Thow, A.M. 2024. Note on the impacts of domestic support and trade policy instruments on nutrition – Background paper for The State for Agricultural Commodity Markets 2024. Rome, FAO.

ويمكن لإعانات المدخلات، ولا سيما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، أن تؤدي إلى انخفاض تكاليف الإنتاج وبالتالي يمكن أن تفيد الأسعار المنخفضة المستهلكين من خلال جعل الأغذية بأسعار معقولة أكثر وممكن الوصول إليها. وهناك بعض الأدلة على أن إعانات الأسمدة والبذور في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أظهرت تأثيرًا إيجابيًا على التغذية. ويبدو أن المسار الرئيسي للتأثير هو زيادة إنتاج الأغذية، وفي بعض الحالات، تنوع إنتاج الأغذية. وإذا كانت الإعانات موجهة إلى الأغذية الغنية بالمغذّيات، فيمكن أن تدعم الإعانات التحسينات في التغذية من خلال زيادة توافر الغذاء وتعزيز التنوع الغذائي.

وفي البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، أدت إعانات المدخلات للأسمدة والبذور إلى زيادة حجم الإنتاج الزراعي وتنوعه، كما أدت الإعانات لبذور البقول بدورها إلى زيادة التنوع الغذائي.231،230 فعلى سبيل المثال، في ملاوي، أدى برنامج إعانات المدخلات الذي قدم للمزارعين قسائم لشراء البذور والأسمدة إلى زيادة استهلاك الذرة والبقول، ما أفضى إلى تحسينات في التنوع الغذائي وتغذية الأطفال.232 وارتبط برنامج الأسمدة في مالي، الذي استهدف الأرزّ والذرة والدخن والذرة الرفيعة، باحتمالية أعلى لاتباع نمط غذائي مناسب في أوساط مديرات الأراضي.233 ومع ذلك، يتأثر استهلاك الأسر المعيشية بعوامل متعددة. وعلى سبيل المثال، ارتبطت الإعانات للأسمدة في مالي بالتأكيد بالتنوع الغذائي في منطقة واحدة، ولكنها ارتبطت سلبيًا في منطقة أخرى، حيث اقترح أن استخدام الأسمدة للزراعة النقدية يؤدي إلى تقليل استخدام الأسمدة للغذاء، وبالنتيجة تقويض الأمن الغذائي.234

وتم تحليل الجمع بين المخزون العام والتوزيع العام لدعم استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية في غانا والهند، وعلى نطاق أوسع في البلدان النامية.236،235 ويمكن لهذه البرامج أن تعزز الأمن الغذائي إذ تسود معدلات عالية من سوء التغذية، باعتبارها مكملًا لتدابير الرعاية الاجتماعية. ومن الممكن أن تعتمد تأثيراتها التغذوية على الأغذية المستهدفة. وعلى سبيل المثال، في الهند، وُسِّع نظام التوزيع العام بموجب قانون الأمن الغذائي لعام 2013 كي يشمل الأسعار الخاضعة للإدارة وتوزيع المحاصيل الأخرى، بما في ذلك البقول. وأدى هذا التوسّع إلى آثار إيجابية على التنوع الغذائي والتغذية.237

التعريفات الجمركية والتدابير غير الجمركية والتغذية

طوال العقدين الماضيين، انخفضت التعريفات الجمركية بشكل كبير.238 وترتبط تخفيضات التعريفات الجمركية بانخفاض أسعار المستهلك، وهو ما يمكن أن يساهم في زيادة استهلاك الأغذية وتحسين نتائج التغذية اعتمادًا على الأغذية الخاضعة لهذه التخفيضات الجمركية وكيفية استجابة المستهلكين لها.240،239 وعلى سبيل المثال، قُدِّرت التكاليف الإضافية للتجارة نتيجة خروج بريطانيا (Brexit) من الاتحاد الأوروبي أنها زادت أسعار الأغذية في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، ما أدى إلى انخفاض في تناول الطاقة المترتبة عن استهلاك الفاكهة والخضار بمقدار 15 سعرة حرارية للشخص الواحد في الأسبوع. ولكن، يشير التحليل إلى أن إلغاء التعريفات الجمركية على الفاكهة والخضار يمكن أن يخفف هذا التأثير.241 وفي المحيط الهادئ، خُفِّضت التعريفات الجمركية على الفاكهة والخضار غير المزروعة في فيجي في عام 2012 من 32 في المائة إلى 5 في المائة تحديدًا لتعزيز الأنماط الغذائية الصحية.242

ومع ذلك، خلال الفترة الممتدة بين عامي 1976 و2006، أدت تخفيضات التعريفات الجمركية والتغييرات في التدابير غير الجمركية بسبب اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في كندا إلى زيادة إمدادات المحلِّيات العالية السعرات الحرارية، ولا سيما شراب الذرة العالي الفركتوز، بما يعادل أكثر من 40 سعرة حرارية للفرد الواحد في اليوم.243 وتشير دراسة أخرى إلى أنه بالنسبة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ارتبط انخفاض في معدلات التعريفات الجمركية بنسبة 1 في المائة على السكر ومنتجات الحلويات والدهون والزيوت بزيادة قدرها 0.3 في الرقم القياسي لكتلة الجسم.244 وفي عام 2012، زادت فيجي التعريفة الجمركية على زيت النخيل من 15 إلى 32 في المائة بغية الحد من الاستهلاك وخفض تناول الدهون المشبَّعة بين السكان، ولكن لا توجد دراسات لتقييم التأثير.245

وعمومًا، هناك أدلة محدودة حتى الآن على الفوائد الغذائية من تغييرات التعريفات الجمركية. ويصعب تحديد تأثير تغييرات التعريفات الجمركية على التغذية. وتشير معظم الدراسات إلى وجود ارتباط وليس علاقة سببية بين تغييرات التعريفات وتوافر الأغذية ونتائج التغذية من دون مراعاة محرّكات التحوّل التغذوي الأخرى أو السياق الذي تُطبّق فيه تغييرات التعريفات. وعلى سبيل المثال، إذا خضعت المنتجات الأولية مثل السكر لزيادة التعريفات الجمركية، قد يكون التأثير المباشر المحتمل على التغذية محدودًا. ويُستخدم جزء كبير من إمدادات السكر بوصفه مدخلًا في إنتاج الأغذية المجهَّزة والأغذية العالية التجهيز، وسيكون تأثير زيادة التعريفات الجمركية على أسعار التجزئة متناسبًا مع محتوى السكر (انظر الجزء 3 حول تأثير الحواجز التجارية على أسعار المواد الغذائية). وفي الوقت نفسه، قد تفيد زيادة التعريفات الجمركية على واردات المشروبات الغازية الصناعة المحلية، والتي يمكنها زيادة إنتاج المشروبات الغازية وخفض الأسعار المحلية واحتواء تأثير التعريفات على الاستهلاك.

والتدابير غير الجمركية هي تدابير سياسية، بخلاف التعريفات الجمركية العادية، ويمكن أن تؤثر تأثيرًا اقتصاديًا محتملًا على تجارة السلع من خلال تغيير الكميات المتَّجر بها، أو أسعارها أو كليهما. وتشمل التدابير غير الجمركية ذات الصلة بالتغذية المعايير والأنظمة التقنية التي تفرض شروطًا على الأغذية المتَّجر بها. وعلى سبيل المثال، غالبًا ما تخضع الفاكهة والخضار الطازجة والأغذية العالية التجهيز للتدابير غير الجمركية في شكل تدابير الصحة والصحة النباتية، والتي يمكن أن تكون بمثابة حواجز أمام التجارة بسبب تكاليف الامتثال المرتفعة. ومع ذلك، تدابير الصحة والصحة النباتية أساسية في إتاحة المعلومات المناسبة حول الخصائص الصحية للمنتج وضمان سلامة الأغذية، وهو أمر بالغ الأهمية للتغذية.246 وتشمل التدابير غير الجمركية الأخرى ذات الصلة بالتغذية تدابير الحواجز التقنية أمام التجارة مثل توسيم الأغذية الذي يقدّم معلومات عن الخصائص الغذائية وسمات المنتجات الغذائية (انظر القسم التالي عن التوسيم التغذوي).

ويعتمد تأثير التدابير غير الجمركية على تجارة المنتجات الغذائية على السياق. وبوسعها تسهيل التجارة أو إعاقتها.247 ويمكن أن تحد التدابير غير الجمركية تجارة الأغذية من خلال زيادة تكاليف التجارة الناتجة عن الامتثال، ما يؤثر على القدرة على تحمّل تكاليف النمط الغذائي وتنوعه. وفي الوقت نفسه، يمكنها أيضًا توسيع التجارة لأنها تعزز الطلب على منتَج من خلال معلومات أفضل (انظر أيضًا الجزء 4). ويجب أن تكون الأنظمة الخاصة بالتدابير غير التعريفية بموجب اتفاق الحواجز التقنية أمام التجارة والاتفاق بشأن تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية، والتي ينطبق العديد منها على المنتجات الغذائية، مدعومة بأدلة علمية وينبغي أن تتبع ممارسات تنظيمية جيدة.

وسعيًا إلى ضمان عدم تسبب الأنظمة في خلق حواجز غير ضرورية أمام التجارة، يشجع الاتفاقان بشدة أعضاء منظمة التجارة العالمية على استخدام المعايير والمبادئ التوجيهية والتوصيات الدولية بوصفها أساسًا لتدابيرها. وتتجاوز اتفاقات التجارة الإقليمية الحديثة الوصول إلى السوق وخفض التعريفات الجمركية وتهدف إلى تكامل تجاري أعمق، مع التركيز على مواءمة التدابير غير التعريفية والأنظمة المحلية. ويمكن لاتفاقات التجارة الأعمق أن تقلل تكاليف التجارة المتعلقة بالامتثال لمعايير متعددة ومختلفة وتيسير التجارة بين الموقّعين (انظر أيضًا الجزء 4 حول تأثير تدابير الصحة والصحة النباتية والتدابير المتعلقة بالحواجز أمام التجارة وتنسيقها في تجارة الأغذية).248

وتشمل اتفاقات التجارة الإقليمية الحديثة تمديد التدابير غير التعريفية وغيرها من الأحكام المتعلقة بالتوسيم التغذوي. وفي عام 2018، نصّت الاتفاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي حلت محل اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، والاتفاق الشامل والتدريجي بشأن شراكة المحيط الهادئ، على أحكام موسعة للاتساق في ما يتعلق بتدابير الحواجز التقنية أمام التجارة.250،249 وفي أوساط الجهات الشريكة التجارية، بُذلت جهود مهمة في سبيل تحقيق التناغم في عملية التوسيم. وعلى سبيل المثال، واءم أعضاء الاتحاد الأوروبي توسيماته من خلال اعتماد النظام 1169/2011 بشأن إتاحة المعلومات الغذائية للمستهلكين. وفي أمريكا اللاتينية، وضعت السوق المشتركة الجنوبية (في أمريكا اللاتينية)، وهي سوق مشتركة تضم الأرجنتين وأوروغواي وباراغواي والبرازيل ودولة بوليفيا المتعددة القوميات وشيلي، نظامًا مشتركًا بشأن توسيم المنتجات الغذائية المدرجة في القانون الوطني لكل بلد.251

ومن شأن اتفاقات منظمة التجارة العالمية، التي تنظّم الدعم المحلي والحواجز التجارية، فضلًا عن أحكام اتفاقات التجارة الإقليمية، التي تشمل تخفيضات التعريفات الجمركية والأحكام المتعلقة بالتدابير غير التعريفية، أن تعزّز التجارة من خلال جعلها أكثر حرية وقابلية للتنبؤ. وتشمل القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية، مبدأ عدم التمييز، الذي يؤدي إلى أسواق عالمية أقلّ تشوهًا. ومع ذلك، تسود شواغل إزاء فرض قواعد منظمة التجارة العالمية وأحكام اتفاقات التجارة الإقليمية قيودًا محتملة على قدرة الحكومة على متابعة تنفيذ سياسات التغذية سعيًا إلى تحقيق أهدافها الوطنية الخاصة - الحيز السياسي المتاح للتغذية. ويُعتبر أن هذه القيود تنشأ من تطبيق قواعد التجارة ومبادئها الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، بما في ذلك عدم التمييز، ولكن أيضًا من أحكام الاتساق التنظيمي في اتفاقات التجارة الإقليمية في ما يتصل بالأدوات السياسية المطبَّقة من أجل تحقيق أهداف التغذية.253،252

ساموا: القيود الكمية على استيراد ذيول الديك الرومي لفرض ضريبة على الاستهلاك والتعريفات الجمركية على الواردات

على سبيل المثال، فرضت ساموا في عام 2007 حظرًا على ذيول الديك الرومي المستوردة - وهي لحوم دهنية رخيصة الثمن - وذلك استجابة للشواغل إزاء ارتفاع معدلات الأمراض غير المعدية. وخلص استطلاع للرأي أُجري في عام 2008 إلى أن أقلّ من نصف المستهلكين انتقلوا بسبب الحظر إلى تناول أنواع أخرى من اللحوم بأسعار معقولة، مثل قطع الدجاج أو النقانق أو لحم الخروف، واختار حوالي رُبع المستهلكين خيارات صحية أكثر مثل الأسماك، وخفّض البعض الآخر استهلاكهم من اللحوم.254

وأثناء عملية انضمام ساموا إلى منظمة التجارة العالمية، أثار بعض الأعضاء شواغل إزاء امتثال هذا الإجراء لاتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة الذي يحظر فرض قيود على الاستيراد، بما في ذلك حظر الاستيراد. وعلاوة على ذلك، أثيرت مسألة امتثالها للمادة العشرين من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة. وادعى بعض الأعضاء أن في حين تسمح هذه المادة باتخاذ تدابير لحماية صحة الإنسان كاستثناء، تنص ديباجتها على أنه لا ينبغي أن يكون هذا الأمر قيدًا مقنّعًا للتجارة الدولية. وزعم بعض الأعضاء أن اقتصار حظر الاستيراد على ذيول الديك الرومي هو أمر تمييزي لأنه لا ينطبق على جميع الأغذية ذات المحتوى العالي من الدهون.255

وفي إطار اتفاق انضمام حكومة ساموا إلى منظمة التجارة العالمية، الذي نُفِّذ في عام 2011، رُفع الحظر وحلت محله رسوم استيراد بنسبة 300 في المائة باعتباره تدبيرًا مؤقتًا. وبالإضافة إلى ذلك، تضمن الاتفاق الالتزام بإجراء دراسة حول خيارات السياسات الهادفة إلى تحسين التغذية. وعقب الدراسة، فرضت ساموا في عام 2018 ضريبة استهلاك بنسبة 10 في المائة على ذيول الديك الرومي الطازجة والمبرَّدة. وحُدِّدَت رسوم الاستيراد بنسبة 20 في المائة، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة بنسبة 15 في المائة على السلع والخدمات. وفي عام 2019، حُدِّدَت التعريفة الجمركية على واردات ذيول الديك الرومي المجمَّدة بنسبة 100 في المائة. أه،256،ج‌ج

تونغا: من التعريفات الجمركية المفروضة على واردات المشروبات المحلاة بالسكر إلى فرض ضريبة

في عام 2013، استبدلت تونغا التعريفة الجمركية البالغة 15 في المائة على المشروبات المحلّاة بالسكر بضريبة على الاستهلاك بمعدل 0.50 بانغات للتر، وهو معدل ارتفع إلى 1.50 بانغات في عام 2017 (انظر الإطار 5-3 بشأن التدابير المالية، مثل الضرائب على الدهون المشبَّعة والمشروبات المحلّاة بالسكر). وتفيد إحدى الدراسات عن انخفاض أحجام واردات المشروبات المحلّاة بالسكر، ربما بسبب الحاجة إلى استحداث القدرة على تنفيذ فرض الضريبة. ولم يبدأ تحصيل عائدات الضريبة الاستهلاكية على المشروبات المحلّاة بالسكر المصنَّعة محليًا حتى وقت لاحق.257 ونتيجة لذلك، زادت مبيعات المشروبات الغازية المحلية بنسبة 20 في المائة في عام 2016.258 ومع أن حصة الصناعة المحلية في المشروبات المحلّاة بالسكر كانت صغيرة للغاية، حوالي 5 في المائة من إجمالي المبيعات، يظهر هذا الأمر أن الأدوات السياسية التجارية، في هذه الحالة فرض الضريبة السارية على الاستهلاك على الواردات فحسب على الرغم من هدفها الرامي إلى تحسين التغذية، أتاحت حماية قطاع تجهيز الأغذية المحلي بغية توسيع نطاق الإنتاج، وعليه إضعاف فعالية السياسة السائدة.

الإطار 5-3التدابير المالية: الضرائب والإعانات لتعزيز الخيارات الغذائية الصحية

تكتسب القدرة على تحمّل تكاليف الأغذية أهمية بالغة في التأثير على الخيارات الغذائية. ويُوصى باتباع سياسات مالية، مثل فرض الضرائب على الأغذية الغنية بالطاقة و/أو الدهون و/أو السكريات و/أو الملح ودعم الأغذية المغذّية، لتشجيع اتباع أنماط غذائية صحية. وتهدف هذه السياسات إلى تمكين المستهلك من اختيار استهلاك أنماط غذائية صحية من خلال جعل الأغذية الغنية بالطاقة و/أو الدهون و/أو السكريات و/أو الملح أكثر كلفة من خلال الضرائب وجعل الأغذية المغذّية ميسورة الكلفة بشكل أكبر من خلال الإعانات.290

ومن وجهة نظر الصحة العامة، يُفضَّل عمومًا فرض ضرائب على الاستهلاك على ضرائب المبيعات وضريبة القيمة المضافة. ويعود ذلك إلى أن الضرائب على الاستهلاك تُطبق على منتجات معينة بصورة خاصة، ما يجعلها أقل كلفة مقارنة بالمنتجات الأخرى. ومن ناحية أخرى، تُطبق ضريبة القيمة المضافة والضرائب على المبيعات عادةً على مجموعة واسعة من السلع والخدمات ولا تؤثر على التسعير النسبي للمنتَج.291

ومن شأن فرض الضرائب على الأغذية والمشروبات الغنية بالطاقة و/أو الدهون و/أو السكريات و/أو الملح أن يؤدي إلى تغييرات إيجابية في العادات الغذائية. والضرائب على الأغذية المرتبطة بالصحة نادرة نسبيًا، ويرجع ذلك بالأساس إلى التحديات السياسية والإدارية المترتبة عن تنفيذها، فضلًا عن صعوبة التنبؤ بتغيرات سلوك المستهلك. وفي عام 2011، استحدثت الدانمرك أول ضريبة في العالم على الدهون المشبَّعة. وبعد تنفيذ السياسة، حدثت تغييرات كبيرة في الأسعار، مثل زيادة بنسبة 20 في المائة في سعر علبة قياسية للزبدة. ومع أن الضريبة بقيت سارية لمدة 15 شهرًا فقط، فقد أدت إلى انخفاض بنسبة 4 في المائة في استهلاك الدهون المشبَّعة وزيادة بنسبة 7.9 في المائة و3.7 في المائة في استهلاك الخضار والألياف على التوالي.292

ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة زخمًا متزايدًا لصالح فرض الضرائب على المشروبات المحلّاة بالسكر بهدف الحد من استهلاكها. وبين عامي 2017 و2019، ارتفعت نسبة الجهات الأعضاء في منظمة الصحة العالمية والتي تفرض هذه الضرائب من 23 في المائة إلى 38 في المائة. وكشف استعراض منهجي أن فرض ضريبة على المشروبات المحلّاة بالسكر يمكن أن يقلل بفعالية استهلاكها، وأن يحد أيضًا من انتشار الوزن الزائد والسمنة. وسيكون تأثير هذه الضريبة أكبر إذا كانت أعلى، وتُطبَّق على كمية المشروبات، وتشمل جميع أنواع المشروبات السكرية.293

ويمكن أن تشوب صعوبات عملية تنفيذ سياسات مالية ترمي إلى تعزيز الأنماط الغذائية الصحية - سواء أكان من خلال إدخال ضريبة جديدة أو عبر دعم أو زيادة معدل ضريبة قائمة. ومع ذلك، الرصد والتقييم حاسمان لفهم فعالية السياسات المالية في تعزيز الأنماط الغذائية الصحية.

غانا: استخدام المواصفات الغذائية من أجل كبح إتاحة اللحوم الدهنية

في تسعينات القرن العشرين، قدمت غانا - وهي عضو في منظمة التجارة العالمية منذ عام 1995 - استجابةً للشواغل إزاء النوعية المنخفضة ومحتوى الدهون العالي في اللحوم المستوردة، ولا سيما ذيول الديك الرومي، معايير غذائية تفرض نسبًا قصوى من الدهون في قطع اللحوم، مثل الدواجن ولحوم البقر ولحم الخروف ولحم الخنزير. ولا تنتهك هذه المعايير مبدأ عدم التمييز في منظمة التجارة العالمية، لأنها لا تميز بين الواردات واللحوم المنتجة محليًا وتنطبق على الأنواع الرئيسية من اللحوم المتاحة.259 وورد هذا الإجراء في تقارير استعراض سياسة التجارة التابعة لمنظمة التجارة العالمية باعتباره إجراءً يتعلق بالحواجز التقنية أمام التجارة وإجراءات الصحة والصحة النباتية، ويرجع هذا الأمر على الأرجح إلى أنه يستخدم معايير الأغذية ولكن بهدف معالجة الأمراض غير المعدية بدلاً من سلامة الأغذية.260

المكسيك: الضريبة على المشروبات المحلّاة بالسكر

اعتُمدت الضرائب على المشروبات المحلّاة بالسكر على نطاق واسع وتبين أنها فعالة في تقليص الاستهلاك.261 وقُدِّم طعن بشأن الضريبة على المشروبات المحلّاة بالسكر التي اقترحتها المكسيك في عام 2006 إلى منظمة التجارة العالمية على أساس التمييز، إذ كانت تقتصر على المشروبات التي تحتوي على محلّيات غير سكر القصب (والتي تشمل سكر الشمندر وشراب الذرة الغني جدًا الفركتوز، وهما مستوردان إلى حد كبير). واعتُبر أنّ اختيار هذا الهدف المحدود لا يتسق مع الأدلة المتعلقة بتأثير استهلاك السكر والمشروبات المحلّاة بالسكر على الصحة. وتم تأييد المنازعة، وأُلغيت الضريبة.262

الحيز السياسي لتدابير التغذية

لا تقيّد قواعد منظمة التجارة العالمية عمومًا الحيز السياسي للبلدان في سعيها إلى تحقيق أهداف التغذية. وفي إطار هذا الحيز السياسي، أدت قواعد التجارة الصادرة عن منظمة التجارة العالمية إلى تطور الصكوك السياسية، على سبيل المثال من القيود الكمية على الواردات إلى التعريفات الجمركية على الواردات أو من التدابير الحدودية إلى الضرائب الانتقائية أو المواصفات الغذائية. وتقر اتفاقات منظمة التجارة العالمية بأهمية الأهداف غير الاقتصادية، ولا سيما من خلال المادة العشرين من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة بشأن الاستثناءات العامة، والتي تسمح للأعضاء باتخاذ جميع التدابير اللازمة «لحماية حياة أو صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات». أود‌د ومع ذلك، لا يجوز تطبيق هذه التدابير «بطريقة تشكل وسيلة للتمييز التعسفي أو غير المبرَّر بين البلدان التي تسود فيها الظروف نفسها، أو تقييدًا مقنَّعًا للتجارة الدولية». أز ه‌ه

ويتوافق الخيار السياسي لغانا من أجل تطبيق معايير الأغذية المتعلقة بالدهون في اللحوم مع مبدأ عدم التمييز، لأن هذه المعايير تطبَّق بانتظام على قطع اللحوم المنتجة محليًا والمستوردة التي تحتوي على مستويات عالية من الدهون، وفي الوقت نفسه تعالج الشواغل المتعلقة بصحة الإنسان.

ووضعت هيئة المعايير في غانا هذه المواصفات، فيما أدت وزارة الصحة دورًا رئيسيًا في تحديد احتياجاتها. واستندت نسب الدهون الواردة في المعايير إلى ارتباط استهلاك اللحوم الغنية بالدهون بالأمراض غير المعدية، ولا سيما أمراض القلب والأوعية الدموية، واستُخلصت مستويات الحد الأدنى لما يشكل «دهونًا عالية» من تحليل محتوى الدهون في اللحوم المحلية والمستوردة (يجب ألّا تحتوي جيف وقطع لحم الخنزير والبقر على أكثر من 25 في المائة من الدهون، وألّا تزيد نسبة الدهون في لحم الدواجن عن 15 في المائة، وألّا تزيد نسبة الدهون في لحم الخروف عن 30 في المائة).263

back to top عد إلى الأعلى