التجارة جزء لا يتجزأ من نظمنا الغذائية. فهي تعزز توافر الأغذية وتنوعها في البلدان، وبالتالي تؤدي دورًا حاسمًا في التأثير على الأنماط الغذائية والتأثير على نتائج التغذية. ويمكن أن يكون تأثير التجارة إيجابيًا بالنسبة للأغذية الأساسية للأنماط الغذائية الصحية؛ ومع ذلك، يمكن أن تزيد التجارة أيضًا إمكانية الحصول على الأغذية الغنية بالطاقة والمنخفضة القيمة الغذائية، ولا سيما الأغذية العالية التجهيز، ما قد تؤدي إلى تفاقم النتائج الغذائية. ويشدد هذا السيناريو المختلط على أهمية إعداد سياسات تجارية متسقة مع تدابير التغذية وتحسين جودة النمط الغذائي مع مراعاة الآثار الضارة المحتملة.274
ولمعالجة جميع أشكال سوء التغذية من خلال نهج نظم غذائية، ينبغي أن تتيح السياسات مجموعة من الحوافز التي تستهدف المنتجين والتجار ومصنعي الأغذية وتجار التجزئة والمستهلكين. وتتراوح هذه الحوافز من الدعم المحلي وسياسات التجارة إلى الضرائب على محتوى السكر أو الدهون، وشروط التوسيم والتدابير لحماية الأطفال من الآثار الضارة لتسويق الأغذية، والتي يتداخل معظمها مع التجارة. وبناءً على ذلك، من الأساسي أن يراعي صانعو السياسات اتساق السياسات عند تصميم وتنفيذ سياسات التجارة وتدابير التغذية، مع مراعاة جميع أصحاب المصلحة، ولا سيما الأشد ضعفًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
السياسات المتوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية
من منظور سياسة تجارية، تقر اتفاقات منظمة التجارة العالمية بالأهداف غير الاقتصادية بموجب المادة العشرين من الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، ما يسمح للأعضاء بحماية صحة البشر وتزويد البلدان بالمرونة اللازمة لبلوغ أهداف التغذية، طالما أن التدابير لا تميز بين الأغذية المستوردة والمنتجة محليًا. وفي سياق الدول الجزرية الصغيرة النامية في المحيط الهادئ، أدت قواعد منظمة التجارة العالمية إلى تطوّر الأدوات السياسية، من القيود الكمية على الواردات إلى التعريفات الجمركية والضرائب أو معايير الأغذية بغية الامتثال لمبدأ عدم التمييز.
وتقدّم أمثلة ساموا وغانا رؤى مهمة لصانعي السياسات الذين يهدفون إلى إعداد سياسات تتوافق مع التجارة تدعم الأنماط الغذائية الصحية. وفي الحالتين كلتيهما، استُخدمت عمليات شفافة وعلمية لضمان ضرورة التدخلات السياساتية. وبالإضافة إلى ذلك، يُطبّق نهج شامل لدمج الأغذية المستوردة والمنتجة محليًا على حد سواء، ما يكفل تدابير سياسية غير تمييزية.
وعلى وجه التحديد، في غانا، إنّ إدخال معايير الأغذية التي تفرض نسبًا قصوى من الدهون في قطع اللحوم، والتي تُعتبر تدابير الصحة والصحة النباتية والحواجز التقنية أمام التجارة في استعراضات سياسة التجارة في البلد التابعة لمنظمة التجارة العالمية، إنما هو نهج قادر على تعزيز الاتساق بين تدابير التجارة والتغذية. ومن ناحية التغذية، تؤدي هذه المعايير الغذائية إلى حظر قطع اللحوم الدهنية، وبالتالي تحسين نتائج التغذية. ومن وجهة نظر التجارة واستنادًا إلى نتائج الجزء 4، تسهل تدابير الصحة والصحة النباتية والحواجز التقنية أمام التجارة، إجمالًا، تجارة المنتجات الغذائية بين الشركاء التجاريين. وعلى سبيل المثال، يزيد الانضمام إلى اتفاق تجارة إقليمية ذي تغطية أعلى لأحكام الحواجز التقنية أمام التجارة واردات الأغذية غير المجهَّزَة والأغذية المجهَّزَة بالحد الأدنى، والتي تشمل قطع اللحوم، بنسبة 140 في المائة. ومع أن هذه نتيجة متوسطة عبر البلدان والأغذية والأحكام، فهي تسلط الضوء على إمكانية استخدام تدابير الحواجز التقنية أمام التجارة، مثل التوسيم التغذوي، لزيادة الاتساق بين سياسات التجارة والتغذية.
ويمكن أن يساعد فهم التفاعل بين سياسات التجارة والتغذية في إعداد سياسات فعالة ومتسقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية. وبالإضافة إلى معايير الأغذية في غانا، نجحت شيلي في الاستفادة من اتفاقات منظمة التجارة العالمية بشأن المعلومات التغذوية لإعداد التوسيم التغذوي الإلزامي على واجهة العبوات بغية الوقاية من الأمراض غير المعدية.
اتفاقات التجارة الإقليمية تزيد الوعي والتفاهم بين قطاعي التجارة والصحة
في سياق اتفاقات التجارة الإقليمية، من المهم النظر في تأثير زيادة التجارة على التغذية أثناء عملية التفاوض. وبما أن التجارة يمكن أن تفضي إلى تأثيرات غير متجانسة على التغذية، اعتمادًا على موقف البلد إزاء مسار التنمية، وهيكل اقتصاده وقطاعه الزراعي، وخصائصه الديمغرافية، بوسع تقييمات تأثير التغذية، استنادًا إلى الإرشادات الغذائية الدولية، أن تفيد عملية التفاوض. وفي الواقع، تشير الأدلة إلى أن تقييم التأثير الصحي الذي أجري في أُستراليا في سياق اتفاق شراكة المحيط الهادئ كان مفيدًا في إشراك الجمهور وإرشاد المفاوضات.275
وفي الوقت نفسه، يجب تعزيز الرابط بين التجارة وسياسة التغذية؛ وبصورة خاصة، هناك فرصة لإدراج التغذية في مجموعة أهداف اتفاق من اتفاقات التجارة. ويتعين على البلدان تحديد مستوى اتساق سياسات التجارة وأهداف الصحة والتغذية في إطار إعداداتها الوطنية المحددة. وعلى سبيل المثال، في ساموا، أدى إشراك خبير رئيسي في مجال التغذية في لجنة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية إلى إتاحة النظر في الآثار الغذائية المترتبة عن رفع الحظر المفروض على ذيول الديك الرومي ودعم القرار بالالتزام بإجراء دراسة لاستبدال الحظر.276
وحتى الآن، تشير دراسات إلى وجود مجال لتعزيز اتساق السياسات بين التجارة والتغذية. وعلى المستوى الوطني، من شأن إنشاء آليات لتمكين المشاركة بين الجهات الفاعلة في مجال الصحة والتجارة في التفاوض وتنفيذ اتفاقات التجارة وتصميم تدابير التغذية أن يدعم ويعزز اتساق السياسات بين التجارة والتغذية.
وفي تايلند، سلطت الجهود الرامية إلى دعم اتساق السياسات بين التجارة والصحة الضوء على أهمية بناء القدرات بين صانعي السياسات التجارية مع مرور الوقت، لتعزيز فهم العلاقة بين التجارة والصحة. وعلى سبيل المثال، في عام 1998، أنشأت وزارة الصحة العامة اللجنة الوزارية المعنية بالتأثير الصحي الناجم عن التجارة الدولية، مع لجان فرعية معنية بتدابير الصحة والصحة النباتية، والحواجز التقنية أمام التجارة، وغيرها من الاتفاقات، سعيًا إلى التركيز على القضايا الصحية الناشئة عن المفاوضات التجارية وزيادة التنسيق مع وزارة التجارة ووزارة الصناعة. وتم تعزيز الشفافية من خلال الجمعية الوطنية للصحة، التي أنشئت في عام 2008، بوصفها منتدى للحكومة وأصحاب المصلحة غير الحكوميين والمجتمع المدني وأوساط المعرفة بغية مناقشة القضايا الصحية الناشئة عن سياسات أشمل، بما في ذلك سياسات التجارة.277
وفي أستراليا، سلّطت الأبحاث الأخيرة الضوء على فرصة لزيادة الوعي والفهم بشأن الروابط التجارية والتغذوية بين صانعي السياسات التجارية والمفاوضين والسياسيين من خلال وضع أطر للتغذية بشكل فعال في سياق اقتصادي، سعيًا إلى زيادة المراعاة والأولوية.278 وعلى غرار ذلك، في ما يتصل بالسياسة الزراعية المشتركة في الاتحاد الأوروبي، تبين أن التواصل الواضح بشأن الخطوط التوجيهية المتعلقة بالتغذية والتفويض بمعالجة الشواغل الصحية إزاء التغذية يساعد في اتخاذ إجراءات سياسية بشأن التغذية في مجال تجارة المنتجات الزراعية.279
وبالنسبة لاتفاقات التجارة العميقة، اتساق السياسات بين أهداف التجارة والتغذية، وإشراك أصحاب المصلحة والشفافية أمران بالغا الأهمية. وعمومًا، هناك القليل من الأدلة على التأثيرات الرفاهية المترتبة عن اتفاقات التجارة العميقة في الأغذية والزراعة على مستوى العالم. ومع ذلك، عندما تعزز اتفاقات التجارة العميقة التقارب بين المعايير والأنظمة، قد تعتمد النتيجة عمّا إذا كانت المصالح الخاصة في البلدان الموقِّعَة متوافقة أو متضاربة. وعلى سبيل المثال، فيما تميل اتفاقات التجارة التي تركز على الوصول إلى السوق إلى تخفيف تأثير المصالح الخاصة باعتبارها جماعات ضغط لصالح المصدّرين وتعمل بمثابة ثقل موازن لجماعات الضغط المنافسة للواردات، في الاتفاقات العميقة، قد تتوافق مصالح الصناعة في البلدان لأن الشركات تستفيد من انخفاض تكاليف التجارة.281،280
الإرشادات الدولية
كان التحدي الرئيسي الذي واجهته حكومة غانا عند وضع معايير الأغذية لمحتوى الدهون في قطع اللحوم هو الافتقار إلى الإرشاد الدولي.282 ومع أن منظمة الصحة العالمية تقدّم إرشادات بشأن الأنماط الغذائية الصحية، وتناول الدهون والكربوهيدرات والسكر، يصعب ترجمة هذه الإرشادات إلى تدابير الصحة والصحة النباتية أو الحواجز التقنية أمام التجارة لتطبيقها على الأغذية الفردية.284،283 وما من حاجة إلى أدلة علمية فحسب، تربط بين تناول الأغذية والمساهمات المحددة الوطنية، بل هناك حاجة أيضًا إلى معلومات عن اتجاهات المساهمات المحددة الوطنية في البلد، وأنماط استهلاك الأغذية المحددة والأنماط الغذائية التي تقدم المبرر اللازم لتطبيق هذا الإجراء. وستكتسب الإرشادات والنصائح الدولية حول كيفية إعداد هذه العملية وإدارتها أهمية. ويعتقد الخبراء بوجود إمكانية بالفعل لتطوير أحكام الحواجز التقنية أمام التجارة المتعلقة بالتغذية في ما يتصل بالأغذية العالية التجهيز.285
وعلى نطاق أشمل، ثمة فرصة لتقديم الإرشاد في ما يتصل بنظم الأغذية والتغذية استنادًا إلى حيز السياسات لأن معالم هذه المسألة تتشكل من خلال قواعد منظمة التجارة العالمية، بهدف تقديم الممارسات الجيدة والحلول المبتكرة للعلاقة بين التجارة وسياسة التغذية.286 ويعزز هذا الأمر التفاعل بين التجارة والتغذية ويساهم في بناء نهج نظام الأغذية نحو الأنماط الغذائية الصحية. وفي هذا السياق، يمكن لمبادرات تنمية القدرات ودورات التعلم الإلكتروني التابعة لأكاديمية التعلم الإلكتروني التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة أن تساهم في بناء القدرات في مجال الرابط بين التجارة والسياسات التغذوية، وضمان نقل الكفاءات الجديدة إلى صانعي السياسات ودمجها في المؤسسات الوطنية وتكييفها مع احتياجات التنمية والتغذية الخاصة بكل بلد.