حالة أسواق السلع الزراعية لعام 2024

الفصل 1 التحوّل التغذوي

التركيز على العلاقة بين التحوّل التغذوي والدخل

في الفترة الممتدة بين عامي 1961 و2021، ارتفع متوسط الطاقة الغذائية العالمية المتاحة للاستهلاك البشري بنحو 35 في المائة، من 200 2 سعرة حرارية إلى 980 2 سعرة حرارية للشخص الواحد في اليوم. وعلى الصعيد العالمي، خلال الفترة نفسها، انخفضت حصة المواد الغذائية الأساسية المتاحة للاستهلاك البشري من 57.4 إلى 48.4 في المائة، في حين ارتفعت حصة الأغذية الحيوانية المصدر من 12.2 إلى 15.1 في المائة وحصة الدهون والزيوت من 8.4 إلى 12.7 في المائة (الشكل 1-5). ولكن، كانت هذه التغييرات غير متساوية إلى حد كبير بين البلدان، بالاستناد إلى معدلات مختلفة لنمو الدخل واتجاهات دوافع أخرى للتحوّل التغذوي. وعلى سبيل المثال، اقترح خبراء في التغذية قاموا بتحليل العلاقة بين الدخل والأنماط الغذائية في تسعينات القرن العشرين أن التحسينات في التكنولوجيا أدت بشكل أساسي إلى زيادة إتاحة الزيوت النباتية غير المكلِفة، وجعلت مع نمو الدخل الأنماط الغذائية العالية الدهون مُتاحة حتى للمجتمعات ذات الدخل المنخفض نسبيًا.42

الشكل 1-5إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك في العالم بحسب فئات الأغذية، 2021-1961

ملاحظة: تطبّق منظمة الأغذية والزراعة منهجية جديدة لحساب أرصدة المواد الغذائية منذ عام 2010.

المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى منظمة الأغذية والزراعة. 2024. قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة: بيانات ميزانيات الأغذية. [تم الاطلاع على الموقع في 12 أبريل/نيسان 2024]. الترخيص: CC-BY-4.0. https://www.fao.org/faostat/ar/#data/FBS

ويحلل العديد من الباحثين التحوّل التغذوي عبر تقييم حجم مرونة الطلب على الأغذية المختلفة بحسب الدخل - وهو مقياس اقتصادي لمدى استجابة الطلب على الأغذية للتغيّر في الدخل. ووجد تحليل وصفي بشأن حالات مرونة الأغذية بحسب الدخل في أفريقيا أن مرونة الدخل للمشروبات واللحوم والأسماك والبيض ومنتجات الألبان أعلى كثيرًا من مرونة الدخل للمواد الغذائية الأساسية، وهو ما يؤكد قانون بينيت ويشير إلى أن الطلب على الأغذية الحيوانية المصدر والمنتجات المجهَّزة يصبح أكثر استجابة من الطلب على المواد الغذائية الأساسية مع نمو الدخل (انظر الجزء 4 لمناقشة مختلف أشكال مرونة الدخل بمقتضى مستوى تجهيز الأغذية).43

وتستكشف دراسات أخرى العلاقة بين الدخل وتركيبة استهلاك الأغذية في سياق الأسر المعيشية التي تخرج من براثن الفقر والجوع. ويشير خبراء الاقتصاد أن التحوّل بعيدًا عن المصادر الرخيصة للسعرات الحرارية مثل المواد الغذائية الأساسية، نحو أغذية أخرى أعلى كلفة نسبيًا، يحدث فورًا عندما يصبح الدخل كافيًا لتلبية احتياجات البقاء على قيد الحياة.44

وباستخدام بيانات الأسر المعيشية المنبثقة عن المسح بشأن دخل الأسر المعيشية ونفقاتها في سري لانكا لعام 2016، تشير إحدى الدراسات إلى أن أحد العوامل المهمة في التحوّل بعيدًا عن المواد الغذائية الأساسية هو عتبة الكفاف التي تعكس مدى تلبية السعرات الحرارية الناجمة عن نمط غذائي احتياجات أفراد الأسرة المعيشية من الطاقة.ز وتحت هذه العتبة، يمكن للفقراء أن يعانوا من الجوع والآثار الجسدية الضارة وسينفقون حصة كبيرة من دخلهم الإضافي على المواد الغذائية الأساسية الرخيصة نسبيًا والغنية بالطاقة، ويخصصون الجزء الأصغر لأغذية أخرى. وفوق عتبة الكفاف هذه، تؤدي زيادات الدخل إلى تحوّل تدريجي بعيدًا عن المواد الغذائية الأساسية وزيادة استهلاك الأغذية الأخرى الأعلى كلفة نسبيًا، بما في ذلك الأغذية (العالية التجهيز)، التي تلبي تطلعات التنوع والذوق والراحة والحداثة والمكانة الاجتماعية.45، ح

دراسات الحالة: بولندا وجمهورية كوريا وجنوب أفريقيا والمكسيك

يتطلب قياس العلاقة بين الدخل وتركيبة الأنماط الغذائية على المستوى القُطري سلسلة زمنية طويلة تحتوي على معلومات عن اتجاهات النمو الاقتصادي والتنمية في البلاد. وباستخدام بيانات من: بولندا وجمهورية كوريا وجنوب أفريقيا والمكسيك تغطي الفترة الممتدة بين عامي 1961 و2019، يشير تحليل أُجريَ لأغراض هذا التقرير إلى وجود علاقة غير مستقيمة (شكل حرف U معكوس) بين كمية المواد الغذائية الأساسية المتاحة للاستهلاك للفرد، تُقاس بالسعرات الحرارية في اليوم الواحد، والناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد.ط، 46

ويتسق شكل حرف U المعكوس هذا مع الدراسات المتعلقة بقانون بينيت والتي استخدمت بيانات الأسر المعيشية وينبثق عن عتبة الكفاف التي يؤدي نمو الدخل تحتها (فوقها) إلى زيادة (انخفاض) في استهلاك المواد الغذائية الأساسية. ولكنّ استخدام البيانات المجمَّعة بدلًا من بيانات الأسر المعيشية يعني عدم إمكانية تقريب العلاقة إلّا بالنسبة إلى البلدان التي كانت فيها مستويات دخل الفرد منخفضة نسبيًا في البداية وشهدت نموًا اقتصاديًا وتراجعًا للفقر وتحولًا تغذويًا خلال الفترة 1961-2019.ي

وفي ما يتعلق بالمكسيك حيث تعدّ الذرة محصولًا أساسيًا، يشير التحليل إلى أن الزيادات في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد من 270 4 دولارًا أمريكيًا في عام 1961 أدت إلى زيادات أقلّ نسبيًا في السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك من المواد الغذائية الأساسية. ومع بدء التحوّل التغذوي في مطلع الثمانينات من القرن العشرين، لوحظ أن النمو التدريجي في الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد (الذي بلغ 760 9 دولارًا أمريكيًا في عام 2021) اقترن بانخفاض كبير في السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك من المواد الغذائية الأساسية (الشكل 1-6). وفي المتوسط، في الفترة الممتدة بين عامي 1961 و2021، انخفضت حصة المواد الغذائية الأساسية من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك من 57.9 إلى 41.7 في المائة، بينما ارتفعت حصة الأغذية الحيوانية المصدر من 11.1 إلى 20.1 في المائة تقريبًا. وبالإضافة إلى ذلك، ظهر ارتفاع كبير في حصة الدهون والزيوت من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك من 7.1 في عام 1961 إلى 12.3 في المائة في عام 2021 (الشكل 1-7). وأظهرت دراسة عن التحوّل التغذوي أُجريت في المكسيك باستخدام البيانات المتاحة بين عامي 1984 و1998 أن الانخفاض التدريجي في استهلاك الحبوب كان مصحوبًا بزيادة كبيرة في استهلاك المشروبات الغازيّة في المناطق الريفية والمناطق الحضرية على حد سواء. وزادت مشتريات المشروبات الغازيّة بنسبة تصل إلى 150 في المائة في مدينة مكسيكو أثناء هذه الفترة.47

الشكل 1-6كمية المواد الغذائية الأساسية المتاحة للاستهلاك (نصيب الفرد في اليوم الواحد) ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بالدولار الأمريكي)، 2021-1961

ملاحظات: جرى تحويل البيانات إلى لوغاريتمات لمتوسط ثلاث سنوات متتالية. وفي ما يتعلق ببولندا، البيانات المتعلقة بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي متاحة للفترة 2021-1991 فحسب.

المصدران: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى منظمة الأغذية والزراعة. 2024. قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة: بيانات ميزانيات الأغذية. [تم الاطلاع على الموقع في 15 فبراير/شباط 2024]. https://www.fao.org/faostat/ar/#data/FBS. الترخيص: CC-BY-4.0؛ والبنك الدولي. 2024. مؤشرات التنمية العالمية: نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي). [تم الاطلاع على الموقع في 15 فبراير/شباط 2024]. https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.PCAP.CD. الترخيص: CC-BY-4.0.

وعلى غرار الحالة السائدة في معظم بلدان أوروبا الشرقية، أدى انتقال بولندا إلى اقتصاد السوق في مطلع تسعينات القرن العشرين إلى زيادات كبيرة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. فقد زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من ثلاثة أضعاف ليبلغ 863 15 دولارًا أمريكيًا منذ عام 1991. وتشير العلاقة بين السعرات الحرارية المتاحة للفرد الواحد من المواد الغذائية الأساسية والناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد إلى انخفاض تدريجي في السعرات الحرارية اليومية المتاحة من المواد الغذائية الأساسية للفرد الواحد مع زيادة الناتج المحلي الإجمالي (الشكل 1-6). وتَيسَّرَ التحوّل التغذوي في بولندا من خلال تنوع أكبر في الأغذية المتاحة بسبب الانفتاح على التجارة.48 فعلى سبيل المثال، بين عامي 1961 و2021، تراجعت حصة المواد الغذائية الأساسية في إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك من 54.8 إلى 33.6 في المائة، في حين زادت حصة الفاكهة والخضار من 2.4 إلى 4.9 في المائة (الشكل 1-7).

الشكل 1-7بولندا وجمهورية كوريا وجنوب أفريقيا والمكسيك: التغيّر في تركيب إجمالي الإمدادات الغذائية، 2021-1961

ملاحظة: تطبّق منظمة الأغذية والزراعة منهجية جديدة لحساب ميزانيات الأغذية منذ عام 2010.

المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى منظمة الأغذية والزراعة. 2024. قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة: بيانات ميزانيات الأغذية. [تم الاطلاع على الموقع في 12 أبريل/نيسان 2024]. الترخيص: https://www.fao.org/faostat/ar/#data/FBS. الترخيص: CC-BY-4.0.

ويتيح التحوّل التغذوي في جمهورية كوريا رؤى مثيرة للاهتمام إذ خضع البلد لتحوّل هيكلي سريع بين ستينات وتسعينات القرن العشرين، قبل تعميق عملية العولمة التي عجلت النمو بعد منتصف التسعينات. وفي ظل التحوّل الهيكلي السريع والزيادات الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد الواحد من 066 1 دولارًا أمريكيًا في عام 1961 إلى 786 32 دولارًا أمريكيًا في عام 2021، حدث انخفاض تدريجي في السعرات الحرارية اليومية المتاحة من المواد الغذائية الأساسية للفرد الواحد، اعتبارًا من منتصف السبعينات (الشكل 1-6). وعمومًا، انخفضت حصة المواد الغذائية الأساسية في إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك انخفاضًا كبيرًا من 86.4 في المائة في عام 1961 إلى 32.9 في المائة في عام 2021. والتغييرات في حصص الأغذية الحيوانية المصدر والدهون والزيوت في السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك أكثر أهمية. وأثناء الفترة الممتدة 60 عامًا بين عامي 1961 و2021، ارتفعت حصة الأغذية الحيوانية المصدر من 2.3 إلى 17.4 في المائة وحصة الدهون والزيوت من 0.8 إلى 20 في المائة (الشكل 1-7).

وفي جنوب أفريقيا، تقترب العلاقة بين السعرات الحرارية للفرد المتاحة من المواد الغذائية الأساسية ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أيضًا من شكل حرف U المعكوس (الشكل 1-6). وبعدما تحوّلت جنوب أفريقيا إلى نظام ديمقراطي في عام 1994، شهد اقتصادها معدلات نمو سريعة أشعلت شرارة التحوّل التغذوي. ولكنّ جنوب أفريقيا تسجل أحد أعلى معدلات التفاوت في العالم والفقر منتشر على نطاق واسع، ما قد يؤدي إلى تحوّل صغير نسبيًا بعيدًا عن المواد الغذائية الأساسية إلى جانب تفضيلات المستهلكين الراسخة للذرة. وفي الواقع، تراجعت حصة المواد الغذائية الأساسية من إجمالي السعرات الحرارية المتاحة للاستهلاك من حوالي 58 في المائة في عام 1960 إلى 44.6 في المائة في عام 2021، في حين ارتفعت حصة الدهون والزيوت من 7.1 إلى 16.3 في المائة (الشكل 1-7).

back to top عد إلى الأعلى