مقدمة: معالجة التضّخم في أسعار الأغذية من أجل القضاء على الجوع
مع اقتراب عام 2030، لا يزال العالم بعيدًا كل البعد عن تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة، في ظل انتكاسات تعاظمت حدتها بفعل الأحوال المناخية القصوى وجائحة كوفيد-19، والارتفاع الحاد في أسعار الأغذية، والاضطرابات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا. وقد دفعت هذه الأزمات بمعدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم إلى ما يتجاوز مستويات ما قبل عام 2015 بما أثقل كاهل السكان ذوي الدخل المنخفض على نحو غير متناسب وألقى بظلاله على أهداف إنمائية أخرى كخفض الفقر وتحسين الصحة. وعلى الرغم من بوادر التعافي في السنوات الأخيرة، أدى التضخّم المستمر إلى إبطاء وتيرة هذا التقدم، مما أدى إلى استمرار تآكل القوة الشرائية وإلى تقييد إمكانية الحصول على أنماط غذائية صحية. ورغم استقرار الأسعار العالمية للأغذية إلى حد ما، لا يزال التضخّم مرتفعًا في العديد من البلدان. ويستكشف تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2025 أسباب تضخّم أسعار الأغذية وآثاره ويجري تحليلًا لتأثيره على مختلف المجموعات الغذائية والقدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية، ويعرض تدخلات سياساتية ناجحة لمساعدة البلدان في إنهاء الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله، مع إتاحة الأنماط الغذائية الصحية بأسعار ميسورة للجميع.
الأمن الغذائي والتغذية حول العالم
مؤشرات الأمن الغذائي: آخر التحديثات والتقدم المحرز نحو القضاء على الجوع وضمان الأمن الغذائي
يكشف التقييم الأخير للجوع في العالم استنادًا إلى معدّل انتشار النقص التغذوي (مؤشر أهداف التنمية المستدامة 2-1-1) عن بوادر تحسن في السنوات الأخيرة. فقد بدأ معدّل انتشار النقص التغذوي في الارتفاع بوتيرة بطيئة في عام 2017، ثم شهد زيادة حادة في عامي 2020 و2021 في أعقاب الجائحة. غير أن التقييم الأخير يشير إلى إحراز تقدم مشجع في الفترة بين عامي 2022 و2024. وتظهر التقديرات أن 8.2 في المائة من سكان العالم واجهوا ربما الجوع في عام 2024، مقابل 8.5 في المائة في عام 2023 و8.7 في المائة في عام 2022. وتشير التقديرات إلى أن ما يتراوح بين 638 و720 مليون شخص (أي ما يتراوح بين 7.8 و8.8 في المائة من سكان العالم) واجهوا الجوع في عام 2024. وبالنظر إلى القيمة التقديرية المحددة (673 مليون شخص)، فإن ذلك يشير إلى انخفاض قدره 15 مليون شخص مقارنةً بعام 2023 و22 مليون شخص مقارنةً بعام 2022.
ويعزى التقدم المحرز على المستوى العالمي إلى التحسن الملحوظ في جنوب شرقي آسيا وآسيا الجنوبية - وهو ما يعكس بشكل أساسي آثار البيانات الجديدة الواردة من الهند - وأمريكا الجنوبية. فقد انخفض معدّل انتشار النقص التغذوي في آسيا من 7.9 في المائة في عام 2022 إلى 6.7 في المائة (323 مليون شخص) في عام 2024. كما أحرز تقدم في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث تشير أحدث التقديرات إلى انخفاض معدّل انتشار النقص التغذوي إلى 5.1 في المائة في عام 2024 بعد الذروة التي بلغها وقدرها 6.1 في المائة في عام 2020.
ومن المؤسف أنّ هذا الاتجاه الإيجابي يتناقض مع الارتفاع المطّرد في مُعدّلات الجوع في معظم الأقاليم الفرعية في أفريقيا وآسيا الغربية. وتجاوزت نسبة السكان الذين يعانون من النقص التغذوي في أفريقيا 20 في المائة في عام 2024، فيما ارتفعت هذه النسبة في آسيا الغربية إلى 12.7 في المائة.
ووفقًا للتوقعات الحالية، فإن 512 مليون شخص في العالم قد يعانون من النقص التغذوي المزمن في عام 2030، منهم ما يقرب من 60 في المائة في أفريقيا، مما يُبرز حجم التحدي الهائل الذي ينطوي عليه تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع).
ويهدف المؤشر 2-1-2 لأهداف التنمية المستدامة - معدّل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد لدى السكان، استنادًا إلى مقياس المعاناة من انعدام الأمن الغذائي، إلى تتبع التقدم المحرز نحو تحقيق الهدف الأوسع المحدد في المقصد 1 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة، وهو ضمان حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذّي على مدار السنة.
وعلى الصعيد العالمي، انخفض انتشار انعدام الأمن الغذائي بصورة تدريجية إلى حد كبير منذ عام 2021 بعد الزيادة الحادة التي أعقبت الجائحة في عام 2020. وفي الفترة من عام 2023 إلى عام 2024، انخفض معدّل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد على الصعيد العالمي انخفاضًا طفيفًا، من 28.4 إلى 28 في المائة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 2.3 مليار شخص في العالم كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2024، وهو ما يزيد بمقدار 335 مليون شخص عن عام 2019، قبل الجائحة، وبمقدار 683 مليون شخص مقارنةً بعام 2015، عندما أطلقت خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وتختلف الاتجاهات على المستوى الإقليمي اختلافًا ملحوظًا، حيث يسجل ارتفاع في معدلات انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا، وانخفاض في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وتراجع تدريجي في آسيا استمر لعدة سنوات متتالية، بينما تُشير التقديرات الجديدة في أوسيانيا وأمريكا الشمالية وأوروبا إلى انخفاض طفيف من عام 2023 إلى عام 2024 بعد ارتفاع استمر عدة سنوات. ويبلغ معدّل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في أفريقيا (58.9 في المائة) أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغ 28 في المائة، بينما يقل عن المتوسط العالمي في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وآسيا وأوسيانيا، حيث يبلغ 25.2 و23.3 و26.3 في المائة على التوالي.
وفي عام 2024، كان نحو 32.0 في المائة من سكان المناطق الريفية في العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الحاد، مقارنةً بنحو 28.6 في المائة في المناطق شبه الحضرية و23.9 في المائة في المناطق الحضرية. وبالمقارنة بين التقييم في عام 2024 وعام 2022، تراجع معدّل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في المناطق الحضرية فقط، من 25.7 إلى 23.9 في المائة، بينما بقي من دون تغيير يُذكر في المناطق الريفية وشبه الحضرية.
وتتجلّى أيضًا أوجه عدم المساواة المستمرة بين النساء والرجال، إذ يظل انعدام الأمن الغذائي أكثر انتشارًا لدى النساء البالغات مقارنةً بالرجال في جميع أقاليم العالم. واتسعت الفجوة بين الجنسين بصورة ملحوظة على المستوى العالمي في أعقاب الجائحة، ولا سيما في عام 2021، ثم تقلّصت لعامين متتاليين. ولكنّ التقديرات الجديدة تُشير إلى اتساع هذه الفجوة على المستوى العالمي في الفترة بين عامي 2023 و2024.
كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحملها
من الضروري رصد القدرة على تحمل كلفة الأنماط الغذائية الصحية لتوجيه السياسات الرامية إلى تحسين الأمن الغذائي والنتائج التغذوية، مما يساهم في تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 لأهداف التنمية المستدامة. وتمثل كلفة النمط الغذائي الصحي لكل بلد تقديرًا للحد الأدنى من الكلفة اللازمة للحصول على نمط غذائي صحي، يُعرّف بأنه نمط يشمل مجموعة متنوعة من الأغذية المتوفرة محليًا والتي تفي بالاحتياجات من الطاقة ومعظم المغذّيات. وتُقارن كلفة النمط الغذائي الصحي بتوزيع الدخل القومي لتقدير معدّل عدم انتشار القدرة على تحمل كلفة نمط غذائي صحي وعدد الأشخاص العاجزين عن تحمّل هذه الكلفة.
وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت كلفة النمط الغذائي الصحي منذ عام 2017، لتبلغ في المتوسط 4.46 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد في اليوم في عام 2024. وفي عام 2024، كانت كلفة النمط الغذائي الصحي أعلى في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (5.16 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، تليها آسيا (4.43 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، وأفريقيا (4.41 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، وأمريكا الشمالية وأوروبا (4.02 دولارات على أساس تعادل القوة الشرائية)، وأوسيانيا (3.86 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية). وسجلت أفريقيا أكبر زيادة بين جميع أقاليم العالم في الفترة بين عامي 2023 و2024.
وخلال الفترة نفسها، ارتفعت مستويات الدخل أيضًا، مما حد من الآثار السلبية المحتملة لارتفاع الكلفة. وعلى المستوى العالمي، تشير التقديرات إلى أن 31.9 في المائة من السكان (2.60 مليار نسمة) كانوا عاجزين عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2024 مقابل 33.5 في المائة (2.68 مليار نسمة) في عام 2022، أي ما يعادل انخفاضًا بنحو 80 مليون نسمة في غضون سنتين.
غير أن وتيرة التعافي كانت متفاوتةً بين الأقاليم. ففي السنوات الأخيرة، انخفضت مستويات عدم القدرة على تحمّل الكلفة انخفاضًا ملحوظًا في آسيا، وانخفاضًا هامشيًا في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وأمريكا الشمالية وأوروبا وأوسيانيا. وعلى العكس من ذلك، ارتفعت مستوياتها ارتفاعًا كبيرًا في أفريقيا، حيث ازداد عدد الأشخاص غير القادرين على تحمل كلفة نمط غذائي صحي إلى أكثر من مليار في عام 2024.
وتبدو التفاوتات في وتيرة التعافي أكثر وضوحًا بين مجموعات البلدان المصنفة بحسب مستوى الدخل. ففي البلدان المنخفضة الدخل كان مسار التعافي أبطأ، إذ استمر عدد الأشخاص العاجزين عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي في الارتفاع بشكل مطرد منذ عام 2017. وفي عام 2024، لم يكن بوسع 544.7 ملايين شخص في البلدان المنخفضة الدخل تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، أي ما يعادل 72 في المائة من السكان. ومن ناحية أخرى، في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا والبلدان المرتفعة الدخل، انخفض معدّل انتشار عدم القدرة على تحمل كلفة نمط غذائي غير صحي وعدد الأشخاص العاجزين عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي منذ عام 2020. وفي البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، انخفض عدد الأشخاص العاجزين عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي في الفترة بين عامي 2020 و2024، ولكنّ هذا التحسن يُعزى بشكل أساسي إلى الانخفاض الكبير في مستويات عدم القدرة على تحمّل الكلفة في الهند.
وتشكل القدرة الاقتصادية على الحصول على الغذاء بُعدًا أساسيًا من أبعاد الأمن الغذائي. فالأشخاص العاجزين عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي حتى لو كان أقل كلفة، هم على الأرجح يعانون من درجة ما من درجات انعدام الأمن الغذائي، مما قد ينعكس سلبًا على جودة نمطهم الغذائي. ويؤدي النمط الغذائي غير الملائم من جانبه دورًا حاسمًا في تشكيل النتائج التغذوية.
حالة التغذية: التقدم نحو تحقيق المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية
يشكّل القضاء على سوء التغذية حجر الأساس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة كلها تقريبًا. ومن بين مؤشرات الحالة التغذوية لدى الأطفال، وحده تقزّم الأطفال شهد تغيرًا كبيرًا، حيث تحسّن من 26.4 في المائة في عام 2012 إلى 23.2 في المائة في عام 2024. ولم تُسجَّل تغيرات كبيرة على المستوى العالمي بالنسبة إلى الوزن الزائد لدى الأطفال (5.3 في المائة في عام 2012 مقابل 5.5 في المائة في عام 2024) ولا في هزال الأطفال (7.4 في المائة عام 2012 مقابل 6.6 في المائة في عام 2024). ومن المشجع عدم حدوث تدهور في معدّل انتشار الهزال لدى الأطفال في أي إقليم خلال الفترة بين عامي 2012 و2024، بينما سُجّل انخفاض في أفريقيا الغربية (من 8.2 إلى 6.5 في المائة) وفي آسيا الوسطى (من 3.8 إلى 2.1 في المائة). وسجّلت أيضًا زيادة كبيرة في نسبة الأطفال الذين يستفيدون من الرضاعة الطبيعية الخالصة في العالم: من 37.0 في المائة في عام 2012 إلى 47.8 في المائة في عام 2023. ومع ذلك، يتعين تسريع وتيرة التقدم في جميع مؤشرات تغذية الأطفال لتحقيق مقاصد عام 2030.
وتدهور كلا المؤشرين الخاصين بالتغذية لدى الفئات العمرية الأكبر سنًّا. فقد ارتفع معدّل السمنة لدى البالغين من 12.1 في المائة في عام 2012 إلى 15.8 في المائة في عام 2022. وفي ما يتعلق بفقر الدم لدى النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و34 عامًا، لا تشير البيانات المحدثة الجديدة إلى أي تحسن أو زيادة في معدّل الانتشار في جميع الأقاليم تقريبا في الفترة بين عامي 2012 و2023، فيما ارتفع معدّل الانتشار العالمي من 27.6 إلى 30.7 في المائة.
ويمضي أكثر من نصف البلدان التي تتوفر فيها بيانات لتقييم التقدم المحرز في مجال الهزال لدى الأطفال (74 بلدًا من أصل 132) في المسار الصحيح نحو تحقيق النسبة المستهدفة لعام 2030. وفي ما يتعلق بالتقزّم لدى الأطفال، فإن 35 في المائة من البلدان (56 بلدًا من أصل 160) ماضية في المسار الصحيح؛ أما في ما يتعلق بزيادة الوزن لدى الأطفال، فإن نسبة 21 في المائة من البلدان التي تتوفر فيها بيانات عن التقدم المحرز (34 بلدًا من أصل 162) ماضية في المسار الصحيح. ويشكل انخفاض الوزن عند الولادة أدنى نسبة من البلدان التي تمضي في المسار الصحيح من بين جميع مؤشرات الحالة التغذوية لدى الأطفال، بنسبة 8 في المائة (12 من أصل 158). وعلى الرغم من التحسن الكبير خلال العقد الماضي لا يسير سوى 19 في المائة من البلدان التي لديها بيانات عن التقدم المحرز (21 من 112) على الطريق الصحيح نحو تحقيق هدف الرضاعة الطبيعية الخالصة بحلول عام 2030. وفي ما يتعلق بفقر الدم لدى النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة والسمنة لدى البالغين، لا يمضي سوى عدد قليل جدًا من البلدان في المسار الصحيح.
وفي مارس/آذار 2025، أقرت اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة رسميًا معدّل انتشار الحد الأدنى لتنوع الأنماط الغذائية كمؤشر جديد لرصد التقدم المحرز نحو تحقيق المقصد 2 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة - القضاء على جميع أشكال سوء التغذية بحلول عام 2030. ويشمل الحد الأدنى لتنوع الأنماط الغذائية تنوع الأنماط الغذائية لفئتين من السكان المعرضين لخطر سوء التغذية وهم الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهرًا (الحد الأدنى للتنوع الغذائي لدى الأطفال) والنساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا (الحد الأدنى للتنوع الغذائي لدى النساء).
وعلى المستوى العالمي، حققت نسبة الثلث فقط (34 في المائة) من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهرًا الحد الأدنى الحد الأدنى للتنوع الغذائي لدى الأطفال وحققت نسبة الثلثين (65 في المائة) من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا الحد الأدنى الحد الأدنى للتنوع الغذائي لدى النساء. وبعبارة أخرى، فإن ثلث النساء – بل والأكثر إثارة للقلق – أن ثلثي الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و23 شهرًا في العالم، كانوا يستهلكون أنماطًا غذائية غير متنوعة بما فيه الكفاية، مما يعرضهم لخطر عدم تناول ما يكفي من الفيتامينات والمعادن الأساسية اللازمة للتغذية والصحة الجيدتين.
فهم الزيادة الحادة في تضخّم أسعار الأغذية في الفترة بين عامي 2021 و2023: الأسباب والعواقب على الأمن الغذائي والتغذية
تضخّم أسعار الأغذية: حقائق نمطية
منذ أواخر عام 2020، سجّلت أسعار الأغذية في أسواق التجزئة المحلية ارتفاعًا كبيرًا في معظم البلدان، ما انطوى على تحديات كبرى لكل من المستهلكين وواضعي السياسات. وارتفع متوسط التضخّم في أسعار الأغذية مقارنةً بالفترة نفسها من السنة السابقة من 5.8 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 23.3 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2022. وتتأثر هذه الأرقام بشدة بالبلدان التي عانت من تضخّم مفرط، مثل السودان وجمهورية فنزويلا البوليفارية وزمبابوي، حيث بلغت مُعدّلات الذروة مقارنةً بالفترة نفسها من السنة السابقة مستويات تجاوزت 350 في المائة. ويوفر استخدام المتوسط صورة أكثر دقة لمستويات التضخّم العالمية: فقد سجّلت زيادة حادة في متوسط التضخّم في أسعار الأغذية من 2.3 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 13.6 في المائة في يناير/كانون الثاني 2023.
وتجاوز تضخّم أسعار الأغذية في العالم بفارق كبير التضخّم الكُلّي منذ عام 2020، ما عكس التقلبات الشديدة والضغوط المستمرة في أسواق المنتجات الزراعية والأغذية. وفي بداية تفشي الجائحة في مطلع عام 2020، ظل التضخّم العام منخفضًا نسبيًا. ومع أن تضخّم أسعار الأغذية كان متواضعًا، فقد كان أعلى بكثير من التضخّم الكُلّي. وكان تضخّم أسعار الأغذية في ذروته في يناير/كانون الثاني 2023 أعلى بمقدار 5.1 نقطة مئوية من التضخّم الكُلّي (أي 13.6 في المائة مقابل 8.5 في المائة). وطوال عام 2023، ظلت مستويات التضخّم في كلا الجانبين مرتفعة ولكن مع اتجاه نحو الانخفاض.
وسُجّلت زيادة حادة في تضخّم أسعار الأغذية خاصة في البلدان المنخفضة الدخل. وتعتمد معظم الأسر المعيشية، حتى تلك التي تعوّل على الزراعة لكسب عيشها، على الأسواق في توفير إمداداتها الغذائية. ويجعل الحصول على الأغذية من السوق الأسر المعيشية عرضة للتأثر بالارتفاع الحاد في الأسعار، ما يفاقم انعدام الأمن الغذائي، ويرسّخ الفقر، ويحدّ من القدرة على الحصول على الأنماط الغذائية الصحية وعلى استهلاكها. وغالبًا ما يكون المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة والعمال الزراعيون مشترين صافين للأغذية، ولذلك فإن ارتفاع أسعار الأغذية يفوق في العادة أي مكاسب في الدخل يحصلون عليها من بيع منتجاتهم. وبالتالي، فإن ارتفاع أسعار الأغذية لا يثقل كاهل ميزانيات الأسر المعيشية فحسب، بل يشكّل أيضًا تحديًا لسبل عيش السكان الريفيين ويقوّض التقدم المحرز نحو الحد من الفقر وتعزيز الأمن الغذائي والتغذية.
لماذا بلغ تضخّم أسعار الأغذية هذا المستوى المرتفع؟
كانت استجابة السياسات العالمية للجائحة غير مسبوقة، إذ نُفِّذت تدخلات مالية ونقدية ضخمة حاسمة لتجنب حدوث انهيار اقتصادي – لكنها مهّدت الطريق في الوقت عينه للضغوط التضخّمية التي تلت ذلك. وحشدت الحكومات نحو 17 تريليون دولار أمريكي في شكل دعم مالي، حيث خصصت البلدان المرتفعة الدخل الجزء الأكبر من هذه الحوافز لحماية الوظائف والحفاظ على الطلب وتحقيق الاستقرار في الأسواق. وكان هذا الدعم يعادل ما يقرب من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى عامين. وفي الوقت نفسه، خفضت المصارف المركزية أسعار الفائدة، وأطلقت عمليات شراء واسعة للسندات، وقدمت سيولة طارئة للحفاظ على سير عمل النظم المالية. وقد خففت هذه الإجراءات من وطأة الصدمة الاقتصادية الناتجة عن الجائحة. ومع ذلك، مع استمرار الضغوط على سلاسل الإمداد وانتعاش الطلب العالمي بصورة حادة، ساهمت بيئة السياسات التوسعية في ارتفاع معدّل التضخّم. وفي نهاية المطاف، غيّرت المصارف المركزية مسارها فشددت السياسات النقدية لكبح جماح الارتفاع الحاد في الأسعار.
وشكلت الحرب في أوكرانيا، التي تفاقمت بسبب أحوال مناخية قصوى متعددة، صدمة عالمية ثانية كبيرة لأسواق الأغذية، حيث عطلت طرق التجارة، وزادت من عدم اليقين، وعززت الضغوط التضخّمية التي أحدثتها الجائحة. وبالنظر إلى أن أوكرانيا والاتحاد الروسي كانا من كبار مصدّري القمح والذرة وزيت دوّار الشمس، فقد استأثرا معًا بنحو 12 في المائة من السعرات الحرارية المتداولة عالميًا في عام 2021. وأدت الأعمال العدائية في منطقة البحر الأسود - إلى جانب الاضطرابات الإضافية في البحر الأحمر - إلى تقلص صادرات الحبوب والأسمدة، مما أثر بشدة على البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل التي تعتمد على أسواق الحبوب العالمية.
وقد فاقمت هذه الصدمات الجيوسياسية الآثار التضخّمية للاضطرابات التي سبقت الجائحة، مما أدى إلى موجتين منفصلتين ولكن عزّز كل منهما الأخرى في دفع أسعار السلع الزراعية إلى الارتفاع في عام 2020. وقد نشأت الضغوط الأولية على أسعار السلع الأساسية الزراعية والطاقة عن مخاوف من انهيار سلاسل الإمداد ونقص اليد العاملة والتدابير التجارية الاحترازية في بداية الجائحة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بنحو 15 نقطة مئوية. وهدأت هذه الموجة الأولى لفترة وجيزة بفعل انهيار الطلب العالمي لكنها استؤنفت مع إعادة فتح الاقتصادات وتفعيل الحوافز المالية والنقدية. أما الموجة الثانية التي كانت أكثر حدّة وأضافت ارتفاعًا إضافيًا بنسبة 18 نقطة مئوية، فقد تسبّبت بها الحرب في أوكرانيا، التي عطلت تدفقات التجارة الحيوية وأدت إلى تراجع صادرات الأسمدة. وفي الوقت نفسه، شهدت أسواق الطاقة، التي زعزعت استقرارها العقوبات المفروضة على الاتحاد الروسي وتغير أنماط التجارة، زيادات حادة في الأسعار امتدت إلى الزراعة، حيث ارتفعت أسعار الوقود والأسمدة.
وكان لأسعار السلع الأساسية الزراعية والطاقة دور رئيسي في تضخّم أسعار الأغذية مؤخرًا. فقد ساهم الارتفاع السريع في أسعار السلع الغذائية والطاقة بعد عام 2020 مباشرة في ارتفاع مستويات تضخّم أسعار الأغذية. وارتفعت أسعار الأغذية في عامي 2022 و2023 إلى ما يزيد كثيرًا على اتجاهاتها التاريخية. وساهمت الآثار الخارجية للصدمات الزراعية والصدمات على مستوى الطاقة بنسبة 14 و18 في المائة في ارتفاع أسعار الأغذية في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، على التوالي، عند ذروة التضخّم (في الولايات المتحدة، بلغ التضخم ذروته في الربع الثالث من عام 2022، وفي منطقة اليورو في الربع الأول من عام 2023).
وقد أدت ظروف الاقتصاد الكُلّي الأوسع إلى تعظيم أثر ذلك على تضخّم أسعار الأغذية. وإذا ما أخذت الضغوط الإضافية الناجمة عن تطورات الاقتصاد الكلي الأوسع في الحسبان، مثل كلفة مدخلات السلع لمنتجي الأغذية وتجار التجزئة، تشكّل المساهمة التقديرية لديناميكيّات أسعار السلع الأساسية 47 في المائة و35 في المائة من التضخم في أسعار الأغذية في الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة اليورو على التوالي. وتُبرز هذه الأرقام الأثر الكبير لانتقال الزيادات في أسعار السلع الزراعية والطاقة إلى أسعار الأغذية في أسواق التجزئة خلال الفترة بين عامي 2022 و2023.
غير أن التضخّم المدفوع بالسلع لا يُعطي تفسيرًا كاملًا لحجم الضغوط الملاحظة على الأسعار. وبلغت مُعدّلات الذروة الفعلية للتضخّم في أسعار الأغذية 10.6 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية و15.7 في المائة في منطقة اليورو، ما يشير إلى عوامل مساهمة أخرى مثل ارتفاع كلفة اليد العاملة وتقلبات أسعار الصرف والزيادات المحتملة في هوامش الربح على طول سلسلة الإمداد. وقد ساهمت هذه العوامل بشكل كبير في تضخّم أسعار الأغذية. وبلغت نسبة الزيادة التي دفعتها الأسواق غير المرتبطة بالسلع الزراعية والطاقة 53 في المائة في الولايات المتحدة الأمريكية و65 في المائة في منطقة اليورو.
تضخّم أسعار الأغذية يفرض ضغوطًا على الأمن الغذائي ونتائج التغذية
أسفرت موجة الارتفاع الأخيرة في التضخّم العالمي عن تأثيرات سلبية على الظروف المعيشية. فقد انخفضت الأجور الحقيقية العالمية بنسبة 0.9 في المائة في عام 2022 مع اشتداد الضغوط التضخّمية، بما يتماشى مع الأدلة التي تشير إلى أن الصدمات الاقتصادية الواسعة النطاق يمكن أن تؤدي إلى زيادات حادة في التضخّم وما يترتب عن ذلك من انخفاض في الأجور الحقيقية.
وكان تعافي الأجور الحقيقية متفاوتًا بدرجة كبيرة بين البلدان، إذ تجاوز تضخّم أسعار الأغذية نمو الدخل في العديد من السياقات. وشهدت بعض البلدان تحرك الأجور وأسعار الأغذية بشكل متزامن نسبيًا، مما ساعد في الحفاظ على استقرار الدخل المعدل بحسب الأسعار الغذائية. وفي المقابل، شهدت بلدان أخرى تراجعًا مستمرًا في الأجور الحقيقية. ففي جمهورية مصر العربية، تجاوزت الزيادات الحادة في أسعار الأغذية، نتيجة الاعتماد على الواردات ونقص العملات الأجنبية، الزيادات في الأجور بفارق كبير منذ منتصف عام 2022، مما فرض ضغوطًا على قدرة المعيشية على الحصول على الأغذية. وبالمثل، في بيرو، لم تواكب الأجور الحقيقية مُعدّلات التضخّم: فبحلول أواخر عام 2023، ارتفعت أسعار الأغذية بنسبة 34.5 في المائة مقارنةً بمستوياتها قبل الجائحة (مطلع عام 2020)، في حين لم تتجاوز الزيادة في الأجور 6.6 في المائة.
وأصبح تضخم أسعار الأغذية يشكّل تحديًا رئيسيًا من تحديات ارتفاع مُعدّلات انعدام الأمن الغذائي في جميع فئات الدخل مع تسجيل أعلى مُعدّلات الزيادة في البلدان المنخفضة الدخل. وفي الفترة بين عامي 2019 و2024، واجهت البلدان المنخفضة الدخل معدّل تضخّم سنوي في أسعار الأغذية بلغ 11.4 في المائة، تزامن مع زيادة قدرها 6.7 نقاط مئوية في انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد وزيادة قدرها 3.5 نقاط مئوية في انعدام الأمن الغذائي الشديد.
وشهدت البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا أيضًا زيادات حادة في انعدام الأمن الغذائي على الرغم من مواجهتها تضخّمًا في أسعار الأغذية أقل من البلدان المنخفضة الدخل. ففي الفترة بين عامي 2019 و2024، بلغ متوسط تضخّم أسعار الأغذية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا 7 في المائة سنويًا، ومع ذلك ارتفع انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد بنسبة 5.6 نقاط مئوية، وانعدام الأمن الغذائي الشديد بنسبة 1.6 نقاط مئوية. ومن المرجح أن تكون هذه النتائج ناتجةً ليس فقط عن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار الأغذية، بل أيضًا عن أثر النزاعات الجارية (على سبيل المثال، لبنان وميانمار)، فضلًا عن مواطن الضعف الاقتصادية الأوسع التي تؤثر على أعداد أكبر من السكان (على سبيل المثال، نيجيريا وباكستان).
ويرتبط تضخّم أسعار الأغذية بارتفاع مُعدّلات انعدام الأمن الغذائي وتختلف آثاره تبعًا للسياق. ويرتبط ارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 10 في المائة بارتفاع انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد (3.5 في المائة) وانعدام الأمن الغذائي الشديد (1.8 في المائة). وتحدد الخصائص الخاصة بكل بلد، بما في ذلك القدرة على الصمود الاقتصادي وقوة المؤسسات والتعرض للصدمات الخارجية، مدى القابلية للتأثر.
ويؤدي ارتفاع أسعار الأغذية إلى تقويض الأمن الغذائي بشكل غير متناسب في السياقات التي تتسم بعدم المساواة، حيث تؤدي التفاوتات الهيكلية في الدخل والمسائل الجنسانية والخصائص الجغرافية إلى تضخيم التعرض للصدمات والعقبات التي تحول دون الاستجابة الفعالة. وفي البلدان التي تتسم بقدر أكبر من عدم المساواة، تؤدي نظم الحماية الاجتماعية الأضعف، والحيّز المالي المحدود، وزيادة عدد السكان المعرضين للخطر إلى تعرض الفئات المحرومة، ولا سيّما النساء والأسر المعيشية الريفية، وتقلل القيود الجنسانية، مثل انخفاض الدخل ومسؤوليات الرعاية وتقييد الوصول إلى الموارد، من قدرة المرأة على مواجهة التضخّم، مما يدفعها في كثير من الأحيان إلى تقليل استهلك الغذاء خلال الأزمات. ويُعدّ التصدي لهذا التداخل بين أوجه عدم المساواة أمرًا أساسيًا للتخفيف من آثار تقلبات أسعار الأغذية وبناء نظم زراعية وغذائية أكثر شمولًا وقدرة على الصمود.
وقد أدى تضخّم أسعار الأغذية مؤخرًا إلى زيادة خطر الهزال لدى الأطفال، مما يؤكد العواقب التغذوية العميقة للصدمات على مستوى الأسعار. ويرتبط ارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 10 في المائة بزيادة معدّل انتشار الهزال بنسبة 2.7 إلى 4.3 في المائة وزيادة الهزال الحاد لدى الأطفال دون سن الخامسة بنسبة تتراوح بين 4.8 و6.1 في المائة. وتظل الآثار ملحوظة حتى عند التحكم في إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الصحة العامة.
ومن المرجح أن تكون طفرة ارتفاع تضخّم أسعار الأغذية في العالم منذ عام 2022 قد أدت إلى تفاقم سوء التغذية الحاد، ما عرّض ملايين الأطفال في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا لخطر متزايد. ففي الفترة من يناير/كانون الثاني 2022 إلى يناير/كانون الثاني 2023، ارتفعت الأسعار العالمية للأغذية بنسبة 13.6 في المائة، فيما بلغ التضخّم 25.2 في المائة في البلدان المنخفضة الدخل و11.8 في المائة في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا. وخلال هذه الفترة، شهدت أكثر من 65 في المائة من البلدان المنخفضة الدخل و61 في المائة من البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا - التي يعيش فيها ما يقارب 1.5 مليارات نسمة - تضخّمًا في أسعار الأغذية تجاوز 10 في المائة. وسجّلت هذه الأقاليم أيضًا مستويات أعلى من الهزال لدى الأطفال. وبحلول عام 2024، بلغ معدّل انتشار الهزال 6.4 في المائة في البلدان المنخفضة الدخل و9.5 في المائة في البلدان المتوسطة الدخل على التوالي (انظر الملحق 1-ألف).
تضخّم أسعار الأغذية الغنية بالمغذيات مقارنةً بالأغذية الأخرى: هل توجد فوارق؟
تكشف بيانات الأسعار العالمية للأغذية للأعوام 2011 و2017 و2021 عن وجود تفاوت مستمر ومستقر في كلفة المجموعات الغذائية المختلفة. ولا تزال الأغذية الأساسية النشوية والزيوت والدهون أقل مصادر الطاقة الغذائية كلفةً في جميع البلدان. وفي المقابل، تحتل المجموعات الغذائية الأكثر غنىً بالعناصر المغذية، مثل الأغذية الحيوانية المصدر والفواكه والخضروات، المرتبة الأعلى باستمرار من حيث الكلفة.
وتظل الأغذية الفائقة التجهيز أرخص ثمنًا من الأغذية في أي مرحلة أخرى من مراحل التجهيز. وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة على آثارها الضارة على الصحة، فإن هذه المنتجات تحتوي في العادة على القليل من الأغذية الكاملة أو لا تحتوي عليها على الإطلاق، وغالبًا ما تكون غنية بالدهون المشبعة والدهون المتحولة والملح، وتفتقر إلى الألياف والمغذّيات الدقيقة والمركبات النشطة بيولوجيًا. وبحلول عام 2021، كانت الأغذية الفائقة التجهيز أرخص بنسبة 47 في المائة في المتوسط من الأغذية غير المجهّزة أو المجهّزة بالحد الأدنى، وأرخص بنسبة 50 في المائة من الأغذية المجهّزة.
وشهد تضخّم أسعار الأغذية بين عامي 2021 و2023 (وحتى عام 2024 في بعض البلدان) تفاوتًا ملحوظًا بين المجموعات الغذائية. فقد ارتفعت أسعار الأغذية الأساسية النشوية، مثل القمح والدرنات النشوية والأرزّ، بوتيرة أسرع من التضخّم في أسعار الأغذية عمومًا، في حين شهدت الزيوت والدهون أيضًا زيادات حادة. وتبيّن دراسات الحالة أن تضخّم أسعار الأغذية في باكستان والمكسيك ونيجيريا تجاوز التضخّم العام بدرجات كبيرة وسُجّلت طفرات في ارتفاع أسعار الأغذية الأساسية والزيوت الصالحة للأكل. وكانت هذه الزيادات في الأسعار شديدة الوضوح خصوصًا في الفترة من مطلع عام 2022 حتى منتصفه، تزامنًا مع الاختلالات التي شهدتها الأسواق العالمية للحبوب بسبب الحرب في أوكرانيا التي تعتبر مصدّرًا رئيسيًا للقمح والبذور الزيتية.
وتظل الأسعار المرتفعة للأغذية الغنية بالمغذيات، ولا سيّما الخضروات والفواكه والأغذية الحيوانية المصدر، مرتفعة ومتقلبة، مما يعزز الحواجز الاقتصادية التي تعيق تنويع النظم الغذائية. وظلت أسعار هذه المجموعات الغذائية أعلى باستمرار من أسعار الأغذية الأساسية النشوية، التي لا تزال تستأثر بالحصة الأكبر من الإنفاق على الأغذية في كثير من البلدان النامية.
وتشمل كل مجموعة غذائية في العادة ما لا يقل عن عنصر واحد أو عنصرين من العناصر المنخفضة الكلفة التي يمكن أن تساهم في نمط غذائي مغذٍ؛ غير أن الحصول على أنماط غذائية صحية لا تحدده الأسعار فحسب، بل يتأثر أيضًا بالتفضيلات الثقافية والعادات الغذائية. وحتى منتصف عام 2023، انخفضت كلفة النمط الغذائي الصحي في نيجيريا قبل أن ترتفع مرة أخرى وشهدت تقلبات في باكستان بسبب العوامل الموسمية، في ما ارتفعت بشكل مطرد في المكسيك. وتسلط هذه النتائج الضوء على كيفية اختلاف القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية من بلد إلى آخر حتى في ظل وجود ضغوط تضخّمية متشابهة.
كيف شقّت البلدان طريقها عبر موجة عارمة من الظروف الصعبة: السياسات المالية والنقدية والتجارية وتداعياتها على الأمن الغذائي والتغذية
من التخفيف إلى التفكير
يتطلب التصدي لطفرات الارتفاع في أسعار الأغذية اتباع نهج شامل على مستوى السياسات يوازن بين تدابير التخفيف في الأجل القصير والقدرة على الصمود في الأجل الطويل. ويمكن أن تكون لارتفاع أسعار الأغذية، الناجم عن الصدمات على صعيد الطلب أو العرض، وتقلبات الأسواق العالمية، وعدم استقرار الاقتصاد الكلي، عواقب وخيمة على الأمن الغذائي، لا سيّما بالنسبة إلى السكان ذوي الدخل المنخفض والسكان الضعفاء. وللتخفيف من وطأة هذه التأثيرات ومنع حدوث أزمات في المستقبل، يمكن للحكومات أن تستخدم مزيجًا من التدخلات المالية الموجّهة، ونظم الحماية الاجتماعية القوية، وسياسات الاقتصاد الكلي المنسقة، والإصلاحات الهيكلية والإصلاحات المرتبطة بالتجارة، والاستثمارات الاستراتيجية في البيانات والبنية التحتية والابتكار. وتوفر التدابير التالية خارطة طريق للسياسات من أجل إدارة الضغوط الحالية مع تعزيز الأسس لنُظم زراعية وغذائية أكثر قدرة على الصمود وأكثر إنصافًا.
تصميم استجابات فعالة للتضخم في أسعار الأغذية
تؤدي التدابير المالية الموجّهة دورًا حاسمًا في دعم السكان الضعفاء خلال الفترات التي شهدت زيادة في تضخّم أسعار الأغذية. وينبغي مواءمة هذه التدخلات بعناية مع البيئة الأوسع للاقتصاد الكلي والسياسات في كل بلد. ولضمان الاستدامة في الأجل الطويل، يجب أن تكون الاستجابات المالية محددة زمنيًا وأن تشمل استراتيجيات خروج محددة جيدًا. ومن شأن هذا أن يمنع مخاطر الالتزامات الدائمة في الميزانية التي يمكن أن تقيّد الحيّز المالي في المستقبل أو رفع الدين العام إلى مستويات لا يمكن تحملها.
ويمكن أن تؤدي التخفيضات الضريبية على السلع الأساسية، بما في ذلك الأغذية، إلى تخفيف فوري للأعباء على الأسر المعيشية التي تواجه ارتفاع كلفة المعيشة. ولكن ينبغي الموازنة بين هذه التدابير والحاجة إلى الحفاظ على الإيرادات العامة المستدامة، ولا سيّما في البلدان التي تمتلك حيّزًا ماليًا محدودًا. وفي حال تطبيق إعفاءات ضريبية، ينبغي أن ترصد الحكومات ما إذا كانت المنافع تصل فعليًا إلى المستهلكين، لضمان تحقيق التدخلات أثرها المرجو.
تعزيز الحماية الاجتماعية في البيئات التضخّمية
لا يمكن الاستغناء عن نظم الحماية الاجتماعية - من خلال التحويلات النقدية أو العينية - لتخفيف آثار أزمات أسعار الأغذية على الأسر المعيشية المنخفضة الدخل. غير أن قيمة هذه التحويلات يمكن أن تتآكل في سياقات التضخّم المرتفع. ولذلك، يجب أن تكون البرامج مصممة بحيث تستجيب للضغوط التضخّمية، من خلال آليات مرنة لتعديل قيمة التحويلات وتجنب ارتفاع الأسعار.
وتتطلب الحماية الاجتماعية الفعالة ليس فقط تمويلًا كافيًا بل أيضًا نظمًا قوية للتصميم والتنفيذ. وينبغي أن تكون آليات الاستهداف شفافة ومستجيبة، وينبغي أن تكون آليات الاستهداف شفافة وقادرة على الاستجابة، وأن تُكمّل التدخلات الاستراتيجيات الأوسع للأمن الغذائي والتغذية. وبهذه الطريقة، يمكن للحماية الاجتماعية أن تكون بمثابة شبكة أمان وقوة استقرار خلال فترات ارتفاع أسعار الأغذية.
تعزيز التنسيق بين السياستين النقدية والمالية
من الضروري تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي لمعالجة تضخّم أسعار الأغذية. ويجب أن تُكمل السياسة المالية السليمة سياسة نقدية ذات مصداقية وشفافة تنبع منها توقعات التضخّم ويتحقق من خلالها استقرار الأسواق المحلية، بما في ذلك النُظم الزراعية والغذائية. ويمكن أن تساعد الإجراءات المنسقة في منع حدوث انخفاضات كبيرة في قيمة العملات، والحدّ من التقلبات المالية، وتعزيز ثقة المستثمرين.
تحسين الاستجابات السياساتية الهيكلية والمرتبطة بالتجارة
يمكن أن توفر التدخلات القصيرة الأجل في مجال الأسعار، مثل ضوابط الأسعار أو الإعانات، تخفيفًا مؤقتًا، ولكنها غالبًا ما تشوه الأسواق وتفقد فعاليتها بمرور الوقت. وينبغي للحكومات أن تعتمد بدلًا من ذلك استراتيجية مستقرة ومنسقة وشفافة لإدارة اتجاهات أسعار الأغذية في الأجل الطويل. ويشمل ذلك تعزيز الاحتياطيات الغذائية، وتحسين شفافية الأسواق، والاستثمار في البنية التحتية المرتبطة بالتجارة.
ويمكن أن تخفف قيود التصدير من الضغوط على الأسعار المحلية في الأجل القصير، ولكنها غالبًا ما تسبب اختلالات في الأسواق العالمية وتضر بالحوافز للمنتجين في الأجل الطويل. وينبغي لواضعي السياسات مواءمة التدابير التجارية مع الأهداف الأوسع نطاقًا للأمن الغذائي وإدارة المخاطر لتقليل الآثار غير المقصودة إلى أدنى حد.
ويمكن أن يساعد الاحتفاظ باحتياطيات غذائية استراتيجية في التخفيف من الصدمات على صعيد العرض وضمان استقرار الأسعار، غير أن هذه الآليات يجب أن تكون مصممة بعناية. وينبغي لواضعي السياسات تحقيق التوازن بين أهداف الأمن الغذائي والتغذية والمخاطر المالية ومخاطر السوق المحتملة. ويؤدي إدراج الاحتياطيات الغذائية في إطار أوسع لإدارة المخاطر إلى تعزيز فعاليتها والحدّ من العواقب غير المقصودة.
بناء القدرة على الصمود من خلال المعلومات عن الأسواق والاستثمار
من الضروري تعزيز نظم المعلومات المتعلقة بالأسواق الزراعية لمنع حدوث اختلالات في الأسواق وضمان استقرار الأسعار. وتساعد البيانات الشفافة والموثوقة والمناسبة التوقيت في الحد من المضاربة ودعم مشاركة أصحاب الحيازات الصغيرة في الأسواق وتحسين كفاءة السوق بصورة عامة. وفي ظل نظام زراعي وغذائي عالمي متزايد التعقيد، يمكن أن تكون النظم المعززة للمعلومات المتعلقة بالأسواق أداة حاسمة للقدرة على الصمود.
وبالإضافة إلى نظم المعلومات، تتطلب القدرة على الصمود في الأجل الطويل استثمارات مستمرة في الإنتاجية الزراعية والبنية التحتية والابتكار. وتكتسي الاستثمارات في البحث والتطوير والتخزين والبنية التحتية للنقل أهمية خاصة للحد من فقدان الأغذية وتحسين أداء سلسلة الإمداد وتخفيف الصدمات على صعيد الأسعار في المستقبل. ويمكن أن ترسي هذه الجهود الأساس لنُظم زراعية وغذائية أكثر شمولًا واستدامة.
الأنماط والسياسات والسبل: تحليل للمسارات
تشهد البلدان نتائج متنوعة في مجال الأمن الغذائي استجابةً للتضخّم في أسعار الأغذية، على الرغم من تعرضها لضغوط مماثلة في الأسعار العالمية. ففي الفترة بين عامي 2015 و2023، تباينت مستويات تضخّم أسعار الأغذية المحلية ومستويات الأمن الغذائي تباينًا كبيرًا بين البلدان، كاشفة عن رؤى مهمّة بشأن دور الاستجابات السياساتية الوطنية. وتوفّر هذه التفاوتات فرصة قيّمة لتحديد وفهم التدخلات التي نجحت فعليًا في التخفيف من الصدمات على صعيد أسعار الأغذية وحماية الأمن الغذائي. ويُظهر تقييم شمل 153 بلدًا أن النتائج قد اختلفت حتى بين البلدان التي كانت في أوضاع متشابهة من حيث انعدام الأمن الغذائي؛ فقد حافظت بعض البلدان على الاستقرار أو تحسنت حالتها، في حين شهدت بلدان أخرى انخفاضًا حادًا في أمنها الغذائي.
يُبرز استعراض متعمق لأكثر من 000 10 سجل من سجلات السياسات و35 أداة من أدوات السياسات المختلفة تباينات كبيرة في الاستجابات السياساتية في البلدان التي تتبع مسارات مختلفة في مجال الأمن الغذائي. وتؤكد هذه النتائج أهمية الاستراتيجيات المحددة السياق: فالتدخلات التي تحقق نتائج إيجابية في سياق ما قد تكون أقل فعالية - بل وقد تكون نتائجها عكسية - في سياق آخر. ومن الضروري الاعتراف بهذه الاختلافات المتصلة بالسياق والتكيف معها من أجل تصميم استجابات سياساتية تكون فعالة على الفور ومستدامة في الأجل الطويل.
وتنحو بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا وكذلك البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي إلى الاعتماد بدرجة أكبر على تدابير مراقبة الأسعار والإعانات للإنتاج الزراعي. وفي بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا، لوحظت تدابير لضبط الأسعار في أكثر من 25 في المائة من البلدان التي شملتها الملاحظات السنوية، في حين بلغت هذه النسبة 30 في المائة في البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي، وهي نسب أعلى بكثير من البلدان التي تتمتع بمستويات أمن غذائي أكثر استقرارًا. وإعانات الإنتاج شائعة بصورة ملحوظة أكثر في هذه السياقات. فعلى سبيل المثال، من بين البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي التي تواجه تدهورًا في الأمن الغذائي مصحوبًا بمستويات معتدلة من التضخّم، اعتمد ما يقرب من 37.2 في المائة هذه الإعانات. ومن المثير للاهتمام أنه في بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا التي تشهد تحسنًا في أمنها الغذائي على الرغم من التضخّم الشديد، استخدمت الإعانات أيضًا في كثير من الأحيان (23.2 في المائة)، مما يسلط الضوء على الفعالية المحتملة لدعم الإنتاج الموجّه بشكل جيد في تعويض الضغوط التضخّمية.
وفي المقابل، استخدمت البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي وشهدت استقرارًا أو تحسنًا في النتائج على الأرجح مزيجًا استراتيجيًا من أدوات السياسات التجارية. وكانت القيود المفروضة على الصادرات أكثر شيوعًا في البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي الأساسي، ولا سيّما البلدان التي تمكنت من الحفاظ على الأمن الغذائي أو من تحسينه. ومع زيادة انعدام الأمن الغذائي الأساسي، انخفضت بصورة ملحوظة وتيرة فرض قيود على الصادرات. ومن بين البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي، فإن البلدان التي تواجه تدهورًا في أمنها الغذائي مصحوبًا بمستويات معتدلة من التضخّم تفرض في كثير من الأحيان قيودًا على الواردات (37.2 في المائة). غير أن البلدان المماثلة التي شهدت تعافيًا في أمنها الغذائي بعد انتكاسات سابقة، حتى في ظل ما تواجهه من تضخّم شديد، كانت أقل كثيرًا في اللجوء إلى فرض قيود على الواردات (5.4 في المائة). وظهر اتجاه مواز في بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا، حيث كان تحرير التعريفات الجمركية على الواردات أكثر شيوعًا بكثير في البلدان التي تشهد تراجعًا في أمنها الغذائي (38.9 في المائة) مقارنةً بالبلدان التي تمضي في مسار التحسن (4.2 في المائة)، مما يشير إلى أن السياسات التجارية التفاعلية وغير المنسقة قد تقوّض التحسينات الطويلة الأجل في الأمن الغذائي.
الاستنتاجات
شكّلت فترة الضغوط التضخّمية الأخيرة في أسعار الأغذية اختبارًا جديدًا لقدرة النظم الزراعية والغذائية في العالم على الصمود في سبيل تحقيق المقصدين 1 و2 للهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة - القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية بحلول عام 2030. ومع أن التحديات كانت كبيرة وغير مسبوقة، فقد برزت رسالة واضحة مفادها أن استجابة العالم هذه المرة كانت أكثر فعالية. وتشير بوادر التحسن في اتجاهات الجوع وانعدام الأمن الغذائي إلى أن الجهود العالمية للتعافي من الانتكاسات الأخيرة كان لها أثر إيجابي. ومع ذلك، تشير الاتجاهات الإقليمية المتباينة إلى استمرار التفاوتات في التحديات التي تواجهها البلدان وأدوات السياسات المتاحة لها.
ومقارنةً بالأزمات السابقة، مثل الطفرات في ارتفاع أسعار الأغذية في الفترة بين عامي 2007 و2008، كانت الاستجابة العالمية في الفترة بين عامي 2021 و2023 أكثر تنسيقًا وأشد تروّيًا ونابعة من معرفة أكبر. وتجنبت الحكومات فرض حظر واسع النطاق على الصادرات ونفذّت تدخلات مؤقتة أكثر دقة في الاستهداف ساعدت في استمرار تدفقات تجارة المنتجات الزراعية وعمل الأسواق. وعززت مبادرات مثل نظام المعلومات المتعلقة بالأسواق الزراعية الشفافية، وخفضت المضاربة، وشجعت على اتخاذ قرارات سياساتية أكثر عقلانية. وتمكنت البلدان التي لديها مؤسسات قوية ونظم حماية اجتماعية من تحقيق استجابة أسرع وتوفير الدعم للفئات السكانية الضعيفة بفعالية أكبر. ومع أن التضخّم شكل عبئًا كبيرًا على الأسر المعيشية، ولا سيّما أفقرها، فإن هذه التحسينات في السياسات والأطر المؤسسية ساعدت على التخفيف من أشدّ الآثار حدّة.