تسلك البلدان مسارات متميزة في كيفية تأثير تضخّم أسعار الأغذية على نتائجها في مجال الأمن الغذائي. وعلى الرغم من مواجهة ضغوط عالمية مماثلة على أسعار المواد الغذائية، تظهر البلدان تباينًا ملحوظًا في معدلات التضخم في أسعار الأغذية المحلية والأمن الغذائي. ويمكن أن يساعد هذا التباين في تحديد التدخلات السياساتية الفعالة التي نجحت في التخفيف من الضغوط على أسعار المواد الغذائية وحماية الأمن الغذائي. في حين تناول الفصل الثالث العلاقات العامة بين التضخم في أسعار الأغذية ونتائج انعدام الأمن الغذائي، يحلل هذا القسم الأنماط المتميزة في مختلف البلدان لتكوين فهم أفضل لما إذا كانت هناك سياسات ساعدت في الحفاظ على الأمن الغذائي يكشف تحليل شمل 153 بلدًا في الفترة من 2015 إلى 2023 أن النتائج تختلف بشكل كبير حتى بين البلدان التي كانت تتمتع في البداية بمستويات مماثلة من الأمن الغذائي: ففي حين تمكنت بعض البلدان من الحفاظ على استقرار نسبي على الرغم من ارتفاع التضخم، شهدت بلدان أخرى تدهورًا في نتائج الأمن الغذائي (الشكل 4-5).
الشكل 4-5 المسارات المميزة للأمن الغذائي والتضخم في أسعار الأغذية، 2023-2015

المصدر: A global analysis of policy patterns across. (سيَصدُر قريبًا). Mamidanna, S., Ignaciuk, A. & Carrasco Azzini, Gdivergent food security trajectories under food price inflation – Background paper for The State of Food Security and Nutrition in the World 2025. FAO Agricultural Development Economics Working Paper 25-08. Rome, FAO.
وتصنّف البلدان على أساس مدى انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2023 ضمن أربع مجموعات: (1) مستويات منخفضة (72 بلدًا)؛ (2) ومستويات متوسطة من الشريحة الدنيا (33 بلدًا)؛ (3) ومستويات متوسطة من الشريحة العليا (33 بلدًا)؛ (4) ومستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي (15 بلدًا). ويضمن ذلك مقارنة البلدان مع نظيراتها التي تواجه ظروفًا أولية مماثلة من حيث حالة الأمن الغذائي، مع الاعتراف بأن أي تغير في النسبة المئوية لانعدام الأمن الغذائي ينطوي على آثار مختلفة جذريًا على السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي مقارنةً بالسكان الذين يتمتعون بالأمن الغذائي.
وقد ظهرت عبر جميع فئات خط الأساس الأربع ثلاثة أنماط من المسارات المتسقة التي تتسم بعلاقات مميزة بين التضخم والأمن الغذائي. ويظهر النمط الأول تغيرًا طفيفًا في الأمن الغذائي، رغم زيادات تراوحت بين معتدلة وشديدة في تضخم أسعار الأغذية. ويظهر النمط الثاني تدهورًا في الأمن الغذائي مصحوبًا بمستويات متفاوتة من التضخم في أسعار الأغذية، مما يدل على وجود تحديات. أما النمط الثالث فيظهر ديناميكيّات فريدة تختلف باختلاف كل مجموعة أساسية، وتتراوح بين التدهور الشديد والتحسن الكبير في الأمن الغذائي، على الرغم من ضغوط التضخم في أسعار الأغذية. وتراوحت معاملات الارتباط بين التضخم في أسعار الأغذية وانعدام الأمن الغذائي بين الإيجابية (0.58) والسلبية (-0.45) عبر هذه المجموعات.126
ورغم التقلبات الشديدة في مُعدّلات التضخم، تمكنت بعض البلدان من تحقيق تحسينات هامشية في الأمن الغذائي، في حين عانت بلدان أخرى من انتكاسات كبيرة. وفي فئة خط الأساس لانعدام الأمن الغذائي المنخفض، تحسن الأمن الغذائي بشكل طفيف في 35 بلدًا على الرغم من الارتفاع الحاد في التضخم في أسعار الأغذية السنوية من 2.33 في المائة في عام 2015 إلى 10.75 في المائة في عام 2023. وبالمثل، حقق 13 بلدًا في فئة بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا انخفاضات طفيفة في انعدام الأمن الغذائي على الرغم من الزيادات الشديدة في التضخم في أسعار الأغذية من 3.94 في المائة إلى 21.75 في المائة في الفترة نفسها. وفي المقابل، شهد 16 بلدًا من بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة العليا زيادة كبيرة في انعدام الأمن الغذائي، مرتبطة بالارتفاع الحاد في التضخم في أسعار الأغذية من 3.74 في المائة إلى 17.13 في المائة. وأظهرت هذه الحالات الأخيرة أقوى الارتباطات الإيجابية بين التضخم وانعدام الأمن الغذائي.
ويكشف تحليل تناول أكثر من 000 10 سجل من سجلّات السياسات و35 أداة من أدوات السياسات التي تشمل إدارة الأسواق ودعم الإنتاج والتجارة عن أنماط مميزة عبر مختلف مسارات الأمن الغذائي (الشكل 4-6).ثث وإنّ استخدام ضوابط الأسعار وإعانات الإنتاج شائع بدرجة أكبر في بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا والبلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي، مما يشير إلى تنوع استراتيجيات مكافحة انعدام الأمن الغذائي. وتظهر قيود التصدير نمطًا معاكسًا، إذ ترتفع مُعدّلات التنفيذ في البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي وتقل مع ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي الأساسي. وتُنفذ سياسات الاستيراد على نطاق واسع في معظم مجموعات البلدان، وإن كانت أنماطها المحددة تختلف باختلاف مسار الأمن الغذائي.126
الشكل 4-6 مُعدّلات تنفيذ السياسات الملاحظة في البلدان بحسب مستوى انعدام الأمن الغذائي (مستويات عام 2023) ومجموعة المسارات

المصدر: A global analysis of policy patterns across. (سيَصدُر قريبًا). Mamidanna, S., Ignaciuk, A. & Carrasco Azzini, G divergent food security trajectories under food price inflation – Background paper for The State of Food Security and Nutrition in the World 2025. FAO Agricultural Development Economics Working Paper 25-08. Rome, FAO.
وسجّلت البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا والبلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي مُعدّلات أعلى في مجال تطبيق تدابير مراقبة الأسعار وتقديم مزيد من الإعانات للإنتاج الزراعي. وكانت تدابير مراقبة الأسعار أعلى في البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا (25.3 في المائة) والبلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي (30 في المائة)، ولا سيّما بين البلدان التي تسلك مسارات تراجع في الأمن الغذائي مع تضخم معتدل في أسعار الأغذية. وأظهرت إعانات الإنتاج فروقات ذات دلالة إحصائية في البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي، حيث سُجّلت أعلى مُعدّلات استخدام الإعانات (37.2 في المائة) في البلدان التي تعاني من تدهور الأمن الغذائي مع تضخم معتدل. وكانت هذه الإعانات كبيرة أيضًا في البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا (23.2 في المائة) التي شهدت تحسنًا في أمنها الغذائي على الرغم من التضخم الشديد في أسعار الأغذية.
واتّجهت البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي والتي تتمتع بأمن غذائي مستقر أو آخذ في التحسن إلى اعتماد مزيج استراتيجي أكثر تنوعًا من أدوات السياسات التجارية، على عكس البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي حيث كان استخدام هذه الأدوات محدودًا بصورة أكبر. ولوحظ فرض قيود على الصادرات بشكل أكثر تواترًا في البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي (23 إلى 29 في المائة) والتي تتمتع بأوضاع مستقرة أو آخذة في التحسن في حين انخفض استخدام هذه التدابير مع تزايد حدة انعدام الأمن الغذائي الأساسي. أما في البلدان التي تعاني من مستويات مرتفعة في انعدام الأمن الغذائي، فقد سُجّلت في البلدان التي تشهد تدهورًا في الأوضاع إلى جانب تضخم طفيف في أسعار الأغذية مُعدّلات أعلى بكثير من القيود على الواردات (37.2 في المائة) مقارنةً بالبلدان التي تحسنت فيها حالة الأمن الغذائي بعد انخفاض أوّلي (5.4 في المائة)، على الرغم من مواجهتها تضخما شيدًا في أسعار الأغذية. واتضحت أنماط مماثلة في بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا، حيث كان تحرير التعريفات الجمركية على الواردات أكثر شيوعًا في سياقات انخفاض مستوى الأمن الغذائي (38.9 في المائة) مقارنةً بالبلدان التي شهدت تعافيًا بعد انتكاسات سابقة (4.2 في المائة). وتشير هذه الأنماط إلى أن السياسات التجارية تُطبّق إلى حد كبير كرد فعل على التطورات التي تشهدها الأوضاع، مما قد يساهم في فعاليتها المحدودة في تحسين نتائج الأمن الغذائي.
ويُستخدم تعلم قواعد الارتباط خخ لتحديد أنماط السياسات المتكررة والتوليفات التي تظهر باستمرار ضمن مجموعات المسارات المختلفة، مما يساعد على فهم الارتباطات بين السياسات من دون أن يعني ذلك وجود علاقة سببية. وتطرح العلاقة بين تنفيذ السياسات ومسارات الأمن الغذائي تحديات تحليلية كبيرة بسبب مخاوف التداخل الداخلي والقيود المفروضة على البيانات. فقد تعكس مُعدّلات التنفيذ الأعلى للسياسات الاستجابات لتدهور الأوضاع بدلًا من أن تكون عوامل سببية، في حين أن غياب سجلات السياسات قد يشير إما إلى الغياب المؤكد أو إلى نقص في المعلومات.
وترتبط سياسات التجارة المفتوحة بوتيرة أعلى بالمسارات المستقرة أو المتحسّنة في البلدان التي تعاني من مستويات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي. فالبلدان في هذه المجموعة التي تتمتع بأمن غذائي مستقر على الرغم من التضخم في الأسعار غالبًا ما تعقد اتفاقات تجارة حرّة أو تفضيليّة، مع غياب أيّ سجلات تتعلّق بإدارة الأغذية (الرفع: 1.60، الثقة: 80 في المائة).ذذ كما تظهر أنماط تربط بين سياسات المنافسة والرسوم الجمركية على الواردات (الرفع: 1.52، الثقة: 76 في المائة). وتستخدم البلدان التي تحسنت فيها حالة الأمن الغذائي في ظل تضخم شديد في أسعار الأغذية، على نحو متكرر، سياسات تخفف القيود على الصادرات. وتشير هذه الأنماط إلى أن الحفاظ على قنوات تجارة مفتوحة من خلال اتفاقات رسمية، مع الحد من التدخلات الانتقائية في الأسواق، قد ساهم في تحسين نتائج الأمن الغذائي في وجه تضخم أسعار الأغذية.
وفي البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة الدنيا والتي تشهد تحسنًا في مسارها، لوحظ عمومًا مزيج متوازن من تدابير دعم الإنتاج، مقرونًا بإدارة محدودة للأسواق ضض وبقيود على الصادرات. وكثيرًا ما أظهرت البلدان التي حققت نتائج أفضل في حالة الأمن الغذائي، رغم التضخم الشديد في أسعار الأغذية، أنماطًا من السياسات تتميز باعتماد إعانات للإنتاج من دون أن تصاحبها ضوابط على الأسعار (الرفع: 1.97؛ الثقة: 67 في المائة)، فضلًا عن المشتريات الحكومية من خلال الاستيراد.
وفي المقابل، كانت البلدان التي تعاني من تدهور الأمن الغذائي أكثر عرضة لتطبيق تعريفات جمركية على واردات الأسمدة دون استخدام ضرائب التصدير كأداة سياسية (الرفع: 1.56؛ الثقة: 90 في المائة). ومن الأنماط الشائعة بين البلدان التي تشهد مسارات متدهورة استخدام أدوات سياسات متعددة تهدف إلى تقييد الصادرات، مثل الحظر والحصص وتيسير الواردات (الرفع: 1.58؛ الثقة: 91 في المائة)، إلى جانب مجموعة أوسع من تدابير دعم الإنتاج وتدخلات أقل في مجال الحماية الاجتماعية (الرفع: 1.35؛ الثقة: 78 في المائة).
وفي بلدان انعدام الأمن الغذائي المتوسط من الشريحة العليا، لوحظ عمومًا اتخاذ تدابير لتقييد التجارة وتحريرها على حد سواء إلى جانب مسارات انخفاض الأمن الغذائي. وفي سياقات التضخم المعتدل، غالبًا ما اتبعت البلدان التي تعاني من تدهور أمنها الغذائي سياسات ألغت القيود على الواردات. وفي هذه الحالات، غالبًا ما نفذت المشتريات الحكومية عن طريق الاستيراد من دون بذل جهود موازية لتخفيف القيود على الصادرات (الرفع: 1.73؛ الثقة: 61 في المائة).
ومن بين البلدان التي تواجه تضخمًا كبيرًا في أسعار الأغذية وتدهورًا في الأمن الغذائي، كان مزيج السياسات الأكثر شيوعًا هو دعم المدخلات الزراعية من دون تدخلات مصاحبة في مخزونات الأغذية (الرفع: 1.44؛ الثقة:68 في المائة). وتشير هذه الأنماط إلى أن النهج التي تركز على التجارة، عندما لا تُستكمل بنظم حماية اجتماعية كافية، ترتبط بنتائج أقل إيجابية في حالة الأمن الغذائي في السياقات التي تتسم بمستويات معتدلة من انعدام الأمن الغذائي.