هناك طريقتان لدراسة كلفة عدم معالجة الفجوة في التمويل في الوقت المناسب لكي يسير العالم على المسار الصحيح نحو تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة. وعلى الرغم من أن التقدير الواقعي والكامل لهذه الفجوة غير ممكن، تشير الدراسات المختلفة التي استعرضها القسم السابق إلى أن الفجوة ستقدر بتريليونات الدولارات الأمريكية من اليوم وحتى عام 2030. والطريقة الأولى لدراسة كلفة عدم سد الفجوة في التمويل هي قياس ملايين الأشخاص الذين سيظلون بحلول عام 2030 وبعده يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وعدم القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، فضلًا عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية المتوسطة والطويلة الأجل لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
أما الطريقة الثانية لدراسة كلفة التقاعس عن العمل فتتعلق بعدم الكفاءة وعدم الإنصاف وعدم الاستدامة في إنفاق التمويل الحالي وتخصيصه. ويشار في هذا القسم أيضًا إلى كلفة الفرصة البديلة لعدم تنفيذ وتخصيص الأموال العامة المهمة للأمن الغذائي والتغذية بكفاءة.
عدم سد الفجوة في التمويل سيؤدي إلى استشراء الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والمعيشة غير الصحية وفي الوقت نفسه تكبّد كلفة تُقدَّر بتريليونات الدولارات
يقدّم الفصل الثاني أدلة صارخة على ما يعنيه بقاء الأمور على حالها بالنسبة إلى الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية. وتشير التوقعات إلى أنه في حال استمرار الاتجاهات السابقة، ستستمر معاناة ملايين الأشخاص من النقص التغذوي بحلول عام 2030 (انظر الفصل الثاني، الشكل 3). وعلاوة على ذلك، بالنسبة إلى سبعة أهداف تغذوية عالمية، ستكون وتيرة التقدم أقل مما هو مطلوب لتحقيق مقاصد عام 2030، بل ومن المتوقع أن تزداد السمنة في جميع الأقاليم وفي الفئات العمرية جميعها تقريبًا (انظر الفصل الثاني، الشكل 8).
ولا تكفي مبالغ التمويل الحالية لكمية ونوعية البرامج والتدخلات اللازمة للقضاء على انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن، الذي يؤثر على الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدات الغذائية. وتُظهر الدراسات التي أجراها برنامج الأغذية العالمي أن عدم تمويل المساعدات التي يجب تقديمها إلى هؤلاء الأشخاص ستكون له عواقب سلبية على الأفراد، وكذلك على المجتمعات المحلية وحتى على البلدان المانحة. فعلى مستوى الأفراد، على سبيل المثال، تبيّن التقديرات أن كل تخفيض في المساعدة الغذائية التي يقدّمها برنامج الأغذية العالمي يمكن، في المتوسط، أن يدفع أكثر من 000 400 شخص إضافي إلى مستويات من الجوع تصل إلى حد الطوارئ.36 وتشير المحاكاة المصغرة إلى أن تخفيض قيمة التحويلات المقدمة إلى كل مستفيد يعاني من الجوع الحاد إلى النصف في بلدان مثل أفغانستان والعراق وهايتي واليمن يمكن أن يدفع 7 ملايين شخص إضافي إلى مستويات من انعدام الأمن الغذائي الحاد التي تبلغ حد الطوارئ أو أسوأ من الطوارئ، مقارنة بخط الأساس لعام 2022 البالغ 14 مليون شخص.36
وفي غياب مزيد من التمويل لتوسيع نطاق البرامج والتدخلات للحد من الجوع، يتبنى الناس استراتيجيات سلبية للتصدي، ولكن نتائج هذه الاستراتيجيات لا تتحقق بالضرورة على الفور. ويشير التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية 372024 إلى أن الأشخاص يميلون، في سعيهم إلى البقاء في الوقت الراهن، إلى التضحية بأمنهم الغذائي وسبل عيشهم المحتملة في المستقبل عن طريق استنفاد أصولهم الإنتاجية أو بيعها أو تقليص الإنفاق على التعليم أو الرعاية الصحية أو غير ذلك من الاحتياجات الأساسية. ولهذا السبب، وكذلك بسبب العواقب الصحية الطويلة الأجل للمجاعة، يشير العديد من الدراسات المذكورة في التقرير إلى أن العمل المبكر يوفر المال مقارنة بالتحرّك المتأخر. ويلاحظ التقرير أيضًا أن العديد من الوفيات يمكن أن تحدث قبل أن تصل الحالة إلى مستويات المجاعة، وهو غالبًا مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد الذي يؤدي إلى توسيع نطاق المساعدة.
وبالنسبة إلى المجتمعات المحلية، هناك من الأدلة ما يثبت المخاطر الكبيرة لعدم كفاية المساعدة، وهو ما يزيد التوترات الاجتماعية، مثل النزاع على الأراضي والموارد المحدودة، ويساهم في زعزعة الاستقرار على المستويين الوطني والإقليمي.38 وفي الحالات الممتدة التي تنعدم فيها احتمالات العودة إلى الوطن أو إعادة التوطين أو الحياة المستدامة خارج المخيمات، تبيّن أن اللاجئين قد يكونون أكثر عرضة لخطر الاستهداف والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة والقصوى،39 ما يؤجج بدوره النزاع الإقليمي أو حتى الدولي، ويزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.40 ويمكن أن يؤدي التقاعس عن العمل الإنساني أيضًا إلى ضياع فرص تيسير التعافي وبناء السلام بعد انتهاء النزاع، ما يمهد الطريق للنزوح في المستقبل، كما لاحظت بعض الدراسات.42،41
وبالنسبة إلى البلدان المانحة، يمكن أن يكون للمساعدة غير الكافية كلفة مالية أعلى من المساعدة الكافية. وينطبق ذلك بشكل خاص على مساعدة النازحين قسرًا - الذين سُجلت زيادة هائلة في عددهم في السنوات الأخيرة 44،43 - عندما يصلون إلى بلدان الشمال العالمي.45 ووفقًا للتقديرات الأولية للمساعدة الإنمائية الرسمية، أنفقت الدول الأعضاء في لجنة المساعدة الإنمائية 31 مليار دولار أمريكي على كلفة اللاجئين في البلدان المانحة في عام 2023، وهو ما يزيد على ما أنفقته الدول نفسها على المساعدات الإنسانية، وهو 25.9 مليارات دولار أمريكي.46
وفي حين أن هناك حالات طارئة قصيرة الأجل تحتاج إلى مزيد من التمويل، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، فإن عدم تمويل الإجراءات التي ستعالج بشكل نهائي المحددات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية سيؤدي إلى مستقبل أكثر قتامة في ما يتعلق باحتمال تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة. وسيؤدي عدم اتخاذ ما يلزم من إجراءات إلى ارتفاع الكلفة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وتوصلت دراسة إلى أن كلفة التقاعس عن العمل بشأن التقزّم تمثّل ما لا يقلّ عن 135 مليار دولار أمريكي سنويًا (أي ما يتراوح بين 0.01 في المائة و1.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني في مختلف البلدان) من المبيعات المفقودة، وبالإضافة إلى خسائر الدخل الشهري للعاملين في القطاع الخاص التي تتراوح بين 700 مليون دولار أمريكي في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا و16.5 مليارات دولار أمريكي في آسيا الشقية والمحيط الهادئ.47 وتشير تقديرات مفوضية الاتحاد الأفريقي وبرنامج الأغذية العالمي إلى أن كلفة نقص تغذية الأطفال (بما في ذلك الكلفة التي تتكبدها النظم الصحية والتعليمية وخسائر الإنتاجية) في 21 بلدًا أفريقيًا ستبلغ 15.3 مليارات دولار أمريكي سنويًا في عام 2025، بافتراض أن الجهود المبذولة للحد من هذا النقص ستبقى عند مستوياتها الحالية.48
ويشير أطلس السمنة في العالم 2023، 49 استنادًا إلى دراسة عالمية أخرى،50 إلى أن الأثر الاقتصادي العالمي للوزن الزائد والسمنة بمبلغ 3.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2030 و4.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2035 (بالقيمة الثابتة للدولار الأمريكي لعام 2019). وتشير الدراسات أيضًا إلى أنه من دون مزيد من التدخّل فإن السمنة لدى الأطفال والمراهقين ستؤدي إلى خسائر اقتصادية بالقيمة الثابتة للدولار أمريكي لعام 2022 (بسبب ارتفاع نفقات الرعاية الصحية وانخفاض الأجور والإنتاجية) في حدود 1.84 تريليون دولار أمريكي في المكسيك51 و31.6 تريليون دولار أمريكي في الصين52 خلال الفترتين من 2026 إلى 2090 ومن 2025 إلى 2092 على التوالي.
وكما جاء في الفصل الثاني، يزداد تعرّض البلدان لتحديات متعددة ومتزامنة في مجال التغذية في شكل اقتران بين نقص التغذية والوزن الزائد والسمنة. ويؤدي العبء المزدوج لسوء التغذية إلى أثر اقتصادي خطير وسلبي على الأفراد والسكان. وما يدعو إلى مزيد من القلق أن المستويات الحادة لهذا العبء المزدوج آخذة في النحول نحو أفقر البلدان. وخلافًا لما كان في تسعينات القرن الماضي، عندما كان العبء المزدوج لسوء التغذية يظهر عادةً في فئة البلدان الأعلى دخلًا بين البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، يسود حاليًا العبء المزدوج لسوء التغذية في أفقر البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، لا سيما في آسيا الجنوبية والشرقية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ومن المرجح أن يكون لذلك تداعيات بالنسبة إلى قدرة البلدان على معالجة سوء التغذية بجميع أشكاله. وتشير التقديرات إلى أن جميع أشكال نقص التغذية ونقص المغذيات الدقيقة والوزن الزائد تكلف الاقتصاد العالمي ما يقدّر بنحو 3.5 تريليون دولار أمريكي سنويًا.33 وفي ضوء هذه الأدلة فإن الخيار الأصوب هو معالجة الأشكال المتعددة لسوء التغذية. وما لم يتم التعجيل باتخاذ إجراءات لمعالجتها في آن واحد، ستتكبد البلدان كلفة باهظة عبر طيف الأمراض، ولا سيما بالنظر إلى الترابط بين مختلف أشكال سوء التغذية طيلة العمر وعبر الأجيال. وقدّم تقرير التغذية العالمي 342021 تقديرات محدَّثة تشير إلى المكاسب الاقتصادية الإجمالية التي ستعود على المجتمع من الاستثمار في التغذية يمكن أن تصل إلى 5.7 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030 و10.5 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2050 (جميعها بالقيمة الثابتة للدولار الأمريكي لعام 2021).34
وعلى الرغم من أن بعض السياسات والتشريعات التحويلية من أجل إنتاج أفضل وأكثر استدامة يمكن أن تكلّف مليارات الدولارات الأمريكية التي لا بدّ من تمويلها، فإن كلفة عدم حشد هذا التمويل يمكن أن تبلغ بسهولة تريليونات الدولارات الأمريكية. ويشير تقرير المشاورة العالمية للتحالف العالمي من أجل الأغذية واستخدام الأراضي إلى أن نظم الأغذية واستخدام الأراضي الحالية تولّد كلفة صحية وتغذوية وبيئية على نطاق العالم بما قيمته 12 تريليون دولار أمريكي سنويًا بأسعار 2018 (منها 2.7 تريليون دولار أمريكي بسبب السمنة و1.8 تريليون دولار أمريكي بسبب النقص التغذوي)، ويمكن أن ترتفع إلى 16 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2050 في ظل استمرار الاتجاهات الحالية في سوء التغذية والاحترار العالمي وتدهور النظام الإيكولوجي وفقدان التنوع البيولوجي.53
وتتضمن طبعة عام 2020 من هذا التقرير أدلة على أنه في ظل أنماط الاستهلاك الغذائي الحالية، من المتوقع أن تتجاوز الكلفة الصحية المرتبطة بالنمط الغذائي والمرتبطة بالوفيات والأمراض غير المعدية 1.3 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030. ومن ناحية أخرى، تشير التقديرات إلى أن الكلفة الاجتماعية لانبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بالأنماط الغذائية والناتجة من العادات الغذائية الحالية ستزيد على 1.7 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030. 7 وتشير أدلة مماثلة من دراسة أخرى إلى أنه في غياب التدخلات، فإن تغطية فجوة الدخل لمن لا يستطيعون تحمّل كلفة النمط الغذائي الصحي ستكلف 1.4 تريليون دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030. ويمكن للتدخلات الموصى بها في هذه الدراسة أن تخفض هذا المبلغ إلى 428 مليار دولار أمريكي، ولكن سيلزم تدبير تمويل إضافي لهذه التدخلات.35
وخلص تقرير منظمة الأغذية والزراعة عن حالة الأغذية والزراعة لعام 542023 إلى استنتاجات تؤكد - بدرجة عالية من الثقة، استنادًا إلى تقييمات على المستوى الوطني في 154 بلدًا - أن الكلفة المستترة العالمية المقدّرة كمًا للنظم الزراعية والغذائية تبلغ 10 تريليونات دولار أمريكي أو أكثر بسعر تعادل القوة الشرائية لعام 2020. ومن المثير للاهتمام أن هذه الدراسة تكشف عن أن الكلفة المستترة المهيمنة المحددة كميًا هي الكلفة الناشئة عن الأنماط الغذائية التي تزيد من خطر الإصابة بالأمراض وقد تؤدي إلى انخفاض إنتاجية العمل.54
ومما لا شك فيه أن هذه النتائج تكشف عن الحاجة الملحة إلى إدراج هذه الكلفة المستترة في عملية صنع القرار لتحويل النظم الزراعية والغذائية قبل أن تصبح الكلفة والتمويل اللازمين لمعالجتها بعيدين تمامًا عن متناول الحكومات. ويتطلب ذلك معالجة مسألة الأنماط الغذائية غير الصحية، وهو ما سيتطلب تمويلًا إضافيًا كبيرًا للسياسات والتشريعات والتدخلات.
عدم تحسين التنفيذ والجودة في الإنفاق سيكون مكلفًا أيضًا
حتى لو توافر مزيد من التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية، من الضروري إجراء تغييرات وإصلاحات لضمان مستوى أعلى من التنفيذ والجودة في الإنفاق. وتواجه الحكومات في عديد من البلدان صعوبة في تنفيذ الميزانيات الممولة. ويتبيّن من دراسة أجراها برنامج رصد وتحليل السياسات الزراعية والغذائية التابع لمنظمة الأغذية والزراعة إلى عدم إنفاق 21 في المائة من الميزانية العامة للأغذية والزراعة في 13 بلدًا من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الفترة بين عامي 2004 و2018، ما يقوّض الاستثمارات التحويلية. وبالإضافة إلى الشواغل المتعلقة بضعف الإدارة المالية العامة، لاحظت الدراسة أن الزراعة عمل موسمي، وقد تُصرف الأموال في أوقات أو على فترات غير مناسبة. وعلاوة على ذلك، تشير الدراسة إلى أنه في ما يتعلق برواتب موظفي الخدمة المدنية التي يمكن التنبؤ بها أكثر من الاستثمارات، تقلّ الحصة النسبية للإنفاق العام في قطاع الزراعة بكثير عن القطاعات الأخرى. ويساهم أيضًا الاعتماد الكبير على أموال الجهات المانحة، التي يصعب تنفيذها بشكل أكبر، في انخفاض معدلات تنفيذ الميزانيات الزراعية. ولكن، تجدر الإشارة إلى أن معدلات التنفيذ يمكن أن تتفاوت بين القطاعات حتى داخل البنى التحتية. وخلصت دراسة أجراها البنك الدولي إلى أن نسب التنفيذ بلغت 94 في المائة بالنسبة إلى الطرق مقابل 75 في المائة فقط بالنسبة إلى قطاع الطاقة،55 ويمكن ملاحظة الاختلافات في معدلات التنفيذ داخل البلد الواحد على مرّ الزمن، حتى خلال الفترات القصيرة، كما يتضح من استعراضات الإنفاق العام لبعض البلدان الأفريقية.خ
غير أن بعض التمويل المتاح قد لا يُستخدم بأكثر الطرق فعالية من حيث الكلفة والإنصاف والاستدامة البيئية في البلدان وعبر مجموعات الدخل. وتموّل مليارات الدولارات الأمريكية بعض السياسات والإعانات الحكومية السيئة التصميم والتشويهية التي لا تستهدف المنتجين على نحو غير منصف فحسب، بل تضرّ أيضًا بجهود تحقيق الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة بدلًا من أن تساعد في تحقيقه، وهي مسؤولة عن بعض الكلفة المستترة التي وردت الإشارة إليها أعلاه. وفي عام 2021، أشارت تقديرات منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن الدعم الإجمالي للمنتجين الزراعيين في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا سيصل - مع استمرار الاتجاهات السابقة - إلى 1.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2030؛ ومن هذا المبلغ، سيقدم تريليون دولار أمريكي الدعم من خلال تدابير حدودية (تتخذ بصورة أساسية شكل تعريفات جمركية ورسوم استيراد) وسيمول مبلغ 276 مليار دولار أمريكي الإعانات المالية (للمدخلات والإنتاج).57
وبالإضافة إلى مليارات الدولارات الأمريكية المخصَّصة حاليًا لدعم الأغذية والزراعة، هناك أيضًا كلفة فرصة بديلة كبيرة لعدم إعادة توجيه بعض هذه الموارد لتحقيق نتائج أفضل للناس والاقتصاد والكوكب. وقد تكون كلفة هذه الفرصة البديلة مهمة بحد ذاتها لتقليص الفجوة في التمويل من أجل تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة. وقد تناولت طبعة عام 2022 من هذا التقرير2 بالتحليل عدة سيناريوهات لإعادة توجيه بعض الدعم العالمي للأغذية والزراعة الذي بلغ في المتوسط نحو 630 مليار دولار أمريكي سنويًا في الفترة بين عامي 2013 و2018. وكشف التقرير عن أن إعادة توجيه بعض هذا الدعم لزيادة توافر الأغذية المغذية للمستهلكين على وجه الخصوص يمكن أن يخفض كلفة النمط الغذائي الصحي ويزيد القدرة على تحمّلها على المستوى العالمي، ولا سيما في البلدان المتوسطة الدخل. وتبيّن السيناريوهات ما يمكن تحقيقه من مكاسب عالمية لإعادة توجيه الموارد من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي، والحد من الفقر، والحد من انبعاثات غازات الدفيئة. وخلص البنك الدولي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في دراسة شملت 79 بلدًا (بما في ذلك الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي) إلى أن توفير الجزء الأكبر من التحويلات الموجهة إلى المنتجين من خلال تدابير تشير إليها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على أنها «الأكثر تشويهًا على الأرجح»، وبلغت 456 مليار دولار أمريكي سنويًا في الفترة من 2016 إلى 2018. وبالنسبة إلى السيناريو الذي يعاد فيه توجيه جزء من الدعم المذكور لزيادة الإنفاق على الابتكارات الخضراء، تبيّن هذه الدراسة أن الدخل الحقيقي العالمي سيزداد بنسبة 1.6 في المائة بحلول عام 2040، في حين أن الفقر المدقع العالمي وكلفة النمط الغذائي الصحي والانبعاثات الإجمالية من الزراعة ستنخفض، على التوالي، بنسبة 1 في المائة و18 في المائة و40 في المائة مقارنة بتوقعات سيناريوهات بقاء الأمور على حالها.58 ومما لا شك فيه أن إعادة توجيه بعض الدعم العالمي للأغذية والزراعة خطوة مهمة في سبيل تحسين نتائج الأمن الغذائي والتغذية، ومن شأن ذلك أن يساعد على خفض التمويل اللازم لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة.
ولكن، من الناحية العملية، لا تقدّم الحكومات في البلدان المنخفضة الدخل، وربما أيضًا في بعض البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، دعمًا كبيرًا للأغذية والزراعة بسبب القيود المالية. ولهذا السبب، قيّمت دراسة جديدة أعدّتها منظمة الأغذية والزراعة لهذا التقرير ما يمكن أن يحدث إذا أعيد تخصيص الميزانية المحدودة المخصصة لقطاعي الزراعة والثروة الحيوانية على النحو الأمثل من خلال تدابير الدعم (أي الإعانات والاستثمارات والخدمات) والسلع الأساسية، من دون تغيير الميزانية الحالية، في ستة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.59 وكانت النتائج مذهلة: ستضيع فرصة زيادة الإنتاج في قطاع الأغذية والزراعة وتهيئة الآلاف من فرص العمل خارج المزرعة في المناطق الريفية والسماح بانتشال ملايين الأشخاص من الفقر وتمكينهم من تحمّل كلفة نمط غذائي صحي ما لم تحقق حكومات هذه البلدان المستوى الأمثل لطريقة تخصيص ميزانيتها في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية (الإطار 11). ويمكن لاغتنام هذه الفرصة أن يساعد هذه البلدان على تقليص احتياجاتها التمويلية لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة. وفي حين أن الوصول بالسياسات إلى المستوى الأمثل سيكون مهمًا في معظم الأحيان في البلدان المنخفضة الدخل، وكذلك في البلدان المتوسطة الدخل، هناك أدلة على أن تناقص العائدات الحدية للإنفاق العام الإضافي مع مرور الوقت يزيد من الكلفة الحدية لتحقيق الأهداف الإنمائية؛27 ولا بدّ بالتالي من أن يكون الوصول بالإنفاق العام إلى المستوى الأمثل إجراءً متكررًا في عملية صنع السياسات.
الإطار 11كلفة الفرصة البديلة لعدم إعادة تخصيص مخصصات الميزانية لقطاعي الزراعة والثروة الحيوانية في ستة بلدان أفريقية جنوب الصحراء الكبرى
تناول إصدار عام 2022 من هذا التقرير2 بالتحليل سيناريوما يمكن أن يحدث إذا أعيد تخصيص الإنفاق العام بينتدابير الدعم المختلفة (أي خدمات الإرشاد، وإعانات الأسمدة، والاستثمار فيالري، والاستثمار في الميكنة، والاستثمار في كهربة الريف، والاستثمار فيالطرق الريفية، والبحث والتطوير، وإعانات البذور) والسلع في قطاعي الزراعةوالثروة الحيوانية لتحقيق الأهداف الأربعة التالية: تحقيق أقصى زيادة ممكنةفي الناتج المحلي الإجمالي الزراعي، وتحقيق أقصى زيادة ممكنة فيفرص العمل خارج المزرعة في المناطق الريفية، والتقليل إلى أدنىحد من انتشار الفقر في المناطق الريفية، والتقليل إلى أدنىحد من كلفة أرخص نمط غذائي صحي. وتمثّل إعادةالتخصيص الخيار الأمثل لأن من الممكن في ضوء مجموعة منالتفضيلات الحصول على أفضل نتيجة ممكنة للأهداف الأربعة رهنًابمجموعة من القيود الاقتصادية. وباستخدام أداة مبتكرة لنمذجة السياسات المثلىمع البيانات المتعلقة بإثيوبيا، قورن سيناريو التحسين الأمثل بسيناريو بقاءالأمور على حالها حيث يستمر تخصيص الميزانية الحالية من دونتغييرات في تدابير الدعم والسلع. وأظهرت النتائج أن إعادة التخصيصالأمثل للميزانية في عام 2025 سيتيح لحكومة إثيوبيا تعزيز الناتجالزراعي والغذائي، وتهيئة آلاف فرص العمل خارج المزرعة في المناطقالريفية، وانتشال آلاف الأشخاص من الفقر، وضمان أن يتمكن ملايينالإثيوبيين الآخرين من تحمّل كلفة تمط غذائي صحي - مندون أي كلفة مالية إضافية.60
وفي ما يتعلق بهذهالطبعة من التقرير، تم تحديث التحليل الخاص بإثيوبيا وتوسيع نطاقهليشمل أوغندا وبوركينا فاسو وغانا وموزمبيق ونيجيريا.59 ولم تُقدَّر المكاسب المحتملة من تحسين مخصصات الميزانية لعام 2025فحسب، ولكنها تُقدَّر أيضًا تراكميًا حتىعام 2030.
وتبين النتائج أنه سيتعين إعادة تخصيص الميزانية بشكلمختلف جدًا في هذه البلدان الستة لكي تساعد الحكوماتبكفاءة على تحسين الأهداف الأربعة (انظرالشكل ألف)، مع الأخذفي الاعتبار الاختلافات في فعالية مختلف تدابير أو تدخلات الدعموتغطيتها وكلفة الوحدة منها. وتبيّن على سبيل المثال أنهسيتعين على العديد من البلدان، في الفترة من 2025 إلى2030، أن تخفض متوسط الإنفاق على الري (غانا وإثيوبيا ونيجيرياوأوغندا) أو إعانات البذور (بوركينا فاسو وغانا)، في حين سيتعينعلى بلدان أخرى - أو حتى البلدان نفسها في بعض الحالات -أن تزيد الإنفاق على إعانات البذور (إثيوبيا وموزامبيق)، أو الميكنة (بوركينا فاسو وغانا ونيجيريا) أو خدمات الإرشاد (بوركينا فاسو وغاناونيجيريا وأوغندا). ومن المثير للاهتمام أنه في حين سيلزم إعطاءالأولوية لخدمات الإرشاد في بلدان معينة، سيتعين في بلدان أخرىإعطاء هذه الخدمات أقلّ مستوى من الأولوية لصالح دعم مزيدمن المدخلات وبناء مزيد من الطرق الريفية (موزامبيق). وكلما زادتعمليات إعادة تخصيص الميزانية المطلوبة (على سبيل المثال بوركينا فاسوونيجيريا)، كلما ابتعد البلد عن المخصصات المثلى للميزانية. وتتباين تفاصيلإعادة التخصيص بين السلع تباينًا أكبر عبر البلدان، كماهو موضح في الدراسة59 - ولكنها حذفت هنا للتبسيط.
الشكل ألف - إعادة التخصيص الأمثل للإنفاق العام بين تدابير الدعم في قطاعيالزراعة والثروة الحيوانية لتحقيق أقصى زيادة ممكنة في الناتج المحليالإجمالي الزراعي وفرص العمل خارج المزرعة في المناطق الريفية، والتقليلإلى أدنى حد من الفقر في المناطق الريفية وكلفة أرخصنمط غذائي صحي، 2030-2025

المصدر: Sánchez, M.V., Cicowiez, M., Pernechele, V. & Battaglia, L. (سيصدر قريبًا). Theopportunity cost of not repurposing public expenditure in food andagriculture in sub-Saharan African countries – Background paper for TheState of Food Security and Nutrition in the World 2024. وثيقة
عمل اقتصادات التنمية الزراعية الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة.روما، منظمة الأغذية والزراعة.
ويمكن أن لإعادة التخصيص الأمثل للميزانية،بغض النظر عن حجمها في كل بلد، أن تحقق زيادةكبيرة في قيمة المال العام. وعلى المستوى القطري، ستتحقق مكاسبكبيرة من حيث الكفاءة في الناتج الزراعي والغذائي، وستتاح الآلافمن فرص العمل خارج المزرعة في المناطق الريفية، وسيتمكن آلافالأشخاص من انتشال أنفسهم من الفقر، ويمكن للملايين من الأشخاصالحصول على نمط غذائي صحي جديد (الجدول ألف). والأهم منذلك أنه حتى لو كان أحد الأهداف هو التقليل إلىأدنى حد من الفقر في المناطق الريفية، فإن المكاسب علىنطاق الاقتصاد ستتجاوز المناطق الريفية بحيث سيتمكن آلاف الأشخاص فيالمناطق الحضرية من انتشال أنفسهم من الفقر كما هو موضحفي الدراسة.59 وستظهر المكاسب على الفور في عام 2025،وهي السنة الأولى من الوصول بالميزانية إلى المستوى الأمثل، لكنالمكاسب المثيرة للإعجاب ستتراكم أيضًا مع مرور الوقت حتىعام 2030 - باستثناء أوغندا التي ستكون فيها عمليات إعادة تخصيصالميزانية المطلوبة هي الأكثر تواضعًا، لأن أوغندا هي البلدالذي تبدو فيه الميزانية الحالية المخصصة لقطاعي الزراعة والثروة الحيوانيةالأقرب إلى التخصيص الأمثل. وسيكون الناتج المحلي الإجمالي الزراعي والغذائيأعلى بنسبة 8 في المائة (بوركينا فاسو وغانا) أو حتى11 في المائة (نيجيريا) في عام 2030 مقارنة بعام 2025.وعندما يُحسب مجموع النتائج للبلدان الستة، سيوجد في المناطقالريفية، بحلول عام 2030، ما يقرب من مليون فرصة عملخارج المزرعة في المناطق الريفية، وسيُنتشل 2.8 ملايين شخصمن الفقر، وسيتمكن 16 مليون شخص إضافي من تحمّلكلفة نمط غذائي صحي بأقلّ كلفة، وكل ذلك بالميزانية نفسها.وبعبارة أخرى، ستكون الكلفة باهظة في حال عدم إعادة توجيهالميزانية المخصصة لقطاعي الزراعة والثروة الحيوانية في هذه البلدان الأفريقيةالستة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى على النحو الأمثل.
الجدول ألف المكاسب الاجتماعية والاقتصادية المحتملة الناتجة من إعادة تخصيص الإنفاق العام على النحو الأمثل بين تدابير الدعم والسلع الأساسية في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية (الانحرافات عن سيناريو بقاء الأمور على حالها)

المصدر: Sánchez, M.V., Cicowiez, M., Pernechele, V. & Battaglia, L. (سيصدر قريبًا). The opportunity cost of not repurposing public expenditure in food and agriculture in sub-Saharan African countries – Background paper for The State of Food Security and Nutrition in the World 2024. وثيقة عمل اقتصادات التنمية الزراعية الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة. روما، منظمة الأغذية والزراعة.