أدى انعكاس مسار التقدم والمستويات المرتفعة باستمرار لمعدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في السنوات الأخيرة إلى خروج العالم عن المسار الصحيح لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة – المتمثلين في القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله بحلول عام 2030. وسلّطت الطبعات السابقة من هذا التقرير الضوء مرارًا وتكرارًا على تزايد حدّة مسببات رئيسية عدة كامنة وراء انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، ولا سيما النزاعات، وتقلّب المناخ والأحوال المناخية القصوى، وحالات التباطؤ والانكماش الاقتصادي، إلى جانب العوامل الأساسية الراسخة للأمن الغذائي والتغذية، مثل عدم الحصول على أنماط غذائية صحية وعدم القدرة على تحمّل كلفتها، وبيئات الأغذية غير الصحية، وعدم المساواة المرتفع والمستمر. ولا تزداد هذه المسببات الرئيسية تواترًا وشدة فحسب، وإنما باتت تحدث في الكثير من الأحيان بالتزامن وبالاقتران مع العوامل الأساسية، ما يؤدي إلى تزايد عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي. وسيتوقف التصدي للمسبب أو مجموعة المسببات الرئيسية التي تؤثر على الأمن الغذائي والتغذية في بلد ما على حافظة من السياسات عبر ستة مسارات تحويلية، على النحو المبيّن بالتفصيل في تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021.

ولكي يصل حجم الإجراءات إلى المستوى المطلوب، من الضروري أن تتوافر مستويات كافية من التمويل وفرص متساوية للوصول إليه من أجل مواجهة تحديات الأمن الغذائي والتغذية. ويركّز موضوع تقرير هذا العام على التمويل لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة – أي تمويل القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية بجميع أشكاله.

الأمن الغذائي والتغذية حول العالم

مؤشرات الأمن الغذائي - آخر التحديثات والتقدم المحرز نحو القضاء على الجوع وضمان الأمن الغذائي

يكشف تقييم الجوع في العالم في عام 2023 الذي يقاس بمعدل انتشار النقص التغذوي (مؤشر أهداف التنمية المستدامة 2-1-1) عن استمرار عدم إحراز تقدم باتجاه تحقيق هدف القضاء التام على الجوع. وبعد أن زادت نسبة سكان العالم الذين يعانون من الجوع بشكل حاد من عام 2019 حتى عام 2021، بقيت عند المستوى نفسه تقريبًا خلال ثلاث سنوات متتالية، حيث تشير آخر التقديرات إلى أن معدل الانتشار العالمي بلغ 9.1 في المائة في عام 2023. ومن حيث عدد السكان، تشير التقديرات إلى أن ما بين 713 و757 مليون شخص (8.9 و9.4 في المائة من سكان العالم على التوالي) قد عانوا من النقص التغذوي في عام 2023. وإذا ما أخذ في الاعتبار متوسط التقديرات (733 مليونًا)، يكون حوالي 152 مليون شخص إضافيًا قد عانوا من الجوع في عام 2023 مقارنة بعام 2019.

وتُعدّ أفريقيا الإقليم الذي يضم أكبر نسبة من السكان الذين يعانون من الجوع – 20.4 في المائة مقارنة بنسبة 8.1 في المائة في آسيا، و6.2 في المائة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و7.3 في المائة في أوسيانيا. ومع ذلك، لا تزال آسيا تضم العدد الأكبر: 384.5 ملايين شخص أو أكثر من نصف الأشخاص الذين يعانون من الجوع في العالم. وفي أفريقيا، عانى 298.4 ملايين شخص من الجوع في عام 2023 مقابل 41.0 مليون شخص في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي و3.3 ملايين شخص في أوسيانيا. وهناك اتجاه واضح يتمثل في ارتفاع معدل انتشار النقص التغذوي في أفريقيا، بينما يسجّل تقدم في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي ويبقى المعدل من دون تغيير يُذكر في آسيا. ولا يزال معدل انتشار النقص التغذوي في جميع الأقاليم أعلى من مستويات ما قبل جائحة كوفيد- 19.

وتظهر التوقعات المحدّثة أن 582 مليون شخص سيعانون من نقص مزمن في التغذية في عام 2030، ما يشير إلى مدى ضخامة التحدي الماثل أمام تحقيق المقصد 2 من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع). وهذا العدد أعلى بمقدار 130 مليون شخص يعانون من النقص التغذوي مقارنة بسيناريو يعكس حالة الاقتصاد العالمي قبل تفشي الجائحة. وبحلول عام 2030، سيتركّز 53 في المائة من سكان العالم الذين يعانون من الجوع في أفريقيا.

وبالنظر إلى أبعد من الجوع، يبقى معدل الانتشار العالمي لانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد (مؤشر أهداف التنمية المستدامة 2-1-2) أعلى بكثير من مستويات ما قبل الجائحة ولم يشهد تغييرًا يُذكر في أربع سنوات بعد الزيادة الحادة التي سجّلها من عام 2019 إلى عام 2020 خلال الجائحة. وتشير التقديرات إلى أن 28.9 في المائة من سكان العالم – 2.33 مليار شخص – عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2023، ما يعني أنهم كانوا يعجزون عن الحصول بشكل منتظم على غذاء كافٍ. وتشمل هذه التقديرات 10.7 في المائة من السكان – أو أكثر من 864 مليون شخص – الذين كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، أي أنهم فرغوا في بعض الأوقات خلال السنة من الغذاء، وفي أسوأ الحالات، أمضوا يومًا كاملًا من دون تناول أي طعام. وزاد معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد على المستوى العالمي من 9.1 في المائة في عام 2019 إلى 10.6 في المائة في عام 2020 وظل من دون تغيير يُذكر منذ ذلك الحين.

ويبلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في أفريقيا (58.0 في المائة) نحو ضعف المتوسط العالمي، بينما يقترب في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي وآسيا وأوسيانيا من التقديرات العالمية – 28.2 و24.8 و26.8 في المائة على التوالي.

ويتمثل أحد المبادئ التوجيهية للرؤية التي وضعتها خطة عام 2030 في ضمان عدم ترك أي أحد خلف الركب. وتساعد المعلومات الأكثر تفصيلًا عن معاناة مختلف المجموعات السكانية من انعدام الأمن الغذائي على رصد التقدم المحرز باتجاه تحقيق هذه الرؤية. وتظهر النتائج الخاصة بعام 2023 نمطًا يتمثل في تراجع انعدام الأمن الغذائي مع تزايد درجة التوسّع الحضري على المستوى العالمي. فبلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد 31.9 في المائة في المناطق الريفية مقارنة بنسبة 29.9 في المائة في المناطق شبه الحضرية و25.5 في المائة في المناطق الحضرية. وتظهر مقارنة حالة انعدام الأمن الغذائي للرجال والنساء أن معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي ظل أعلى دائمًا لدى النساء منه لدى الرجال على المستوى العالمي وفي جميع الأقاليم منذ أن أصبحت البيانات متاحة للمرّة الأولى في عام 2015، وذلك مع أن الفجوة بين الجنسين قد ضاقت في معظم الأقاليم خلال السنتين الأخيرتين.

كلفة النمط الغذائي الصحي والقدرة على تحملها

يوفر مؤشر كلفة النمط الغذائي الصحي تقديرات على المستوى الوطني لكلفة شراء أرخص نمط غذائي صحي ممكن في بلد معيّن والذي يُعرّف على أنه نمط غذائي مؤلف من مجموعة متنوعة من الأغذية المتوافرة محليًا والتي تلبي الاحتياجات من حيث الطاقة والتغذية. ومن ثم تتم مقارنة كلفة النمط الغذائي الصحي بعمليات توزيع الدخل الوطني لتقدير معدل انتشار عدم القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي وعدد الأشخاص غير القادرين على تحمّل هذه الكلفة. وفي إصدار هذا العام من التقرير، تم تحديث المؤشرات حتى عام 2022.أ وأسفرت البيانات الجديدة عن أسعار الأغذية والتحسينات المنهجية عن تقديرات محدّثة لكلفة النمط الغذائي الصحي وعن تقديرات أكثر دقة للقدرة على تحمّلها، ما أدى إلى مراجعة السلسلة الكاملة لمجموعتي المؤشرات.

وزادت كلفة النمط الغذائي الصحي في جميع أنحاء العالم منذ عام 2017 (وهو أوّل عام قامت فيه منظمة الأغذية والزراعة بنشر التقديرات) واستمر في الارتفاع في عام 2022 ليبلغ أعلى مستوى له عند 3.96 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية للفرد الواحد في اليوم في المتوسط في عام 2022. ويمثل ذلك ارتفاعًا حادًا في المتوسط العالمي لكلفة النمط الغذائي الصحي، من زيادة نسبتها 6 في المائة بين عامي 2020 و2021 إلى زيادة نسبتها 11 في المائة في عام 2022.

وعند مقارنة كلفة النمط الغذائي الصحي بين الأقاليم في عام 2022، يتبيّن أنه كان الأعلى في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (4.56 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، تليها آسيا (4.20 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، وأفريقيا (3.74 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، وأمريكا الشمالية وأوروبا (3.57 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية)، وأوسيانيا (3.46 دولارًا على أساس تعادل القوة الشرائية).

ورغم ارتفاع كلفة النمط الغذائي الصحي، انخفض عدد الأشخاص غير القادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في العالم لسنتين متتاليتين، من عام 2020 إلى عام 2022. وعلى المستوى العالمي، تشير التقديرات إلى أن 35.4 في المائة من الأشخاص في العالم (2.83 مليارًا) عجزوا عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2022 مقارنة بنسبة 36.4 في المائة (2.88 مليارًا) في عام 2021.

ولكنّ التعافي كان متفاوتًا بين الأقاليم. فقد انخفض عدد الأشخاص غير القادرين على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي إلى ما دون مستويات ما قبل الجائحة في آسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا، فيما زاد بشكل ملحوظ في أفريقيا حيث بلغ 924.8 ملايين شخص في عام 2022، بزيادة قدرها 24.6 ملايين شخص مقارنة بعام 2021 و73.4 ملايين شخص مقارنة بعام 2019. وتظهر المقارنة بين مجموعات البلدان المصنّفة بحسب الدخل أن مسار التعافي كان أبطأ في البلدان المنخفضة الدخل حيث تعذّر على 503.2 مليون شخص الحصول على نمط غذائي صحي في عام 2022 – وهذا العدد هو الأكبر منذ عام 2017.

ويلقي الفشل في تحسين الأمن الغذائي والتقدم غير المتكافئ في إمكانية الحصول الاقتصادي على أنماط غذائية صحية، بظلالهما على الآمال المعقودة لتحقيق هدف القضاء التام على الجوع في العالم قبل ست سنوات من الموعد النهائي في عام 2030. وهناك حاجة إلى تسريع وتيرة تحويل نظمنا الزراعية والغذائية لتقوية قدرتها على الصمود في وجه المسببات الرئيسية والتصدي لأوجه عدم المساواة من أجل ضمان توافر الأنماط الغذائية الصحية بكلفة ميسورة للجميع.

حالة التغذية: التقدم نحو تحقيق المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية

بالانتقال إلى الاتجاهات المتعلّقة بالمقاصد العالمية السبعة الخاصة بالتغذية، لم يتم إحراز أي تقدم يُذكر في مجال انخفاض الوزن عند الولادة لدى حديثي الولادة، حيث بلغ معدل الانتشار 15 في المائة في عام 2012 و14.7 في المائة في عام 2020. ومن المتوقع أن يعاني 14.2 في المائة من حديثي الولادة من انخفاض الوزن عند الولادة في عام 2030، ما يشكل تقصيرًا في تحقيق المقصد العالمي لعام 2030 المتمثل في خفض هذه النسبة بمقدار 30 في المائة.

وتم إحراز تقدم في مجال رفع المعدل العالمي للرضاعة الطبيعية الخالصة للرضع الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر، حيث زاد من 37.1 في المائة في عام 2012 إلى 48 في المائة في عام 2022. ولكنّ العالم ليس على المسار الصحيح لبلوغ المعدل المستهدف لعام 2030 ونسبته 70 في المائة.

وتراجع معدل انتشار التقزم لدى الأطفال دون الخامسة من العمر في العالم من 26.3 في المائة في عام 2012 إلى 22.3 في المائة في عام 2022. ومن المتوقع أن يعاني 19.5 في المائة من مجموع الأطفال دون الخامسة من العمر من التقزم في عام 2030. وانخفض معدل انتشار الهزال في العالم من 7.5 في المائة في عام 2012 إلى 6.8 في المائة في عام 2022. وإذ تشير التوقعات إلى أن 6.2 في المائة من الأطفال دون الخامسة من العمر سيعانون من الهزال في عام 2030 – أكثر من ضعف المقصد العالمي البالغ 3 في المائة – لا يزال العالم خارج المسار الصحيح الخاص بهذا المؤشر. وظل معدل انتشار الوزن الزائد في العالم ثابتًا عند 5.6 في المائة في عام 2022. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يعاني 5.7 في المائة من الأطفال دون الخامسة من العمر من الوزن الزائد – أي حوالي ضعف المقصد العالمي لعام 2030 البالغ 3 في المائة.

وعلى المستوى العالمي، زاد معدل انتشار فقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا من 28.5 في المائة في عام 2012 إلى 29.9 في المائة في عام 2019، ومن المتوقع أن يبلغ 32.3 في المائة بحلول عام 2030 – وهذه النسبة بعيدة عن مقصد عام 2030 المتمثل في خفض معدل الانتشار بنسبة 50 في المائة.

وتظهر تقديرات جديدة للسمنة لدى البالغين زيادة مطردة خلال العقد الأخير، من 12.1 في المائة في عام 2012 إلى 15.8 في المائة في عام 2022. والعالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق المقصد العالمي لعام 2030 المتمثل في وقف هذه الزيادة، إذ من المتوقع أن يعاني أكثر من 1.2 مليار شخص بالغ من السمنة في عام 2030.

وإن عدد البلدان خارج المسار الصحيح لتحقيق معظم المقاصد العالمية السبعة الخاصة بالتغذية لعام 2030 أكبر من عدد البلدان التي تسير في المسار الصحيح.

وبالمقارنة مع التقديرات العالمية، تعاني البلدان الأقل نموًا من مستويات أعلى بكثير من التقزم لدى الأطفال دون الخامسة من العمر ومن فقر الدم لدى النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا، والزيادة المقلقة نفسها في مستويات السمنة لدى البالغين.

وزاد إلى حد كبير العبء المزدوج لسوء التغذية – أي وجود نقص التغذية جنبًا إلى جنب مع الوزن الزائد والسمنة – على نطاق العالم في جميع الفئات العمرية. وانخفضت النحافة ونقص الوزن خلال العقدين الأخيرين، فيما زادت السمنة بشكل حاد. وستتصدى الإجراءات المزدوجة الأهداف في آن واحد لنقص التغذية والوزن الزائد والسمنة، من خلال معالجة المسببات المشتركة بين جميع أشكال سوء التغذية.

تعريف جديد للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية

هناك مجموعة واسعة من التقديرات لكلفة تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة. ولكن ليست هناك صورة متكاملة لمجموع الموارد المالية التي يتم إنفاقها على الأمن الغذائي والتغذية ولتوزيعها، ولا لكلفة تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة، ويعزى ذلك جزئيًا إلى عدم وجود تعريف متفق عليه للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية. وفي ظل عدم وجود تعريف موحّد، سوف يتعذّر إجراء تقييم مناسب للمستويات والفجوات القائمة في مجال التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية.

تحديات تعريف التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية، وقياسه

يجري حاليًا تطبيق تعاريف عدّة للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية، ما يؤدي إلى فوارق شاسعة في تقديرات مستويات التمويل الحالية. وعلى سبيل المثال، حتى في حالة المساعدة الإنمائية الرسمية التي تُعدّ الأكثر تقدمًا من حيث امتلاكها نظام تتبع عالمي وقاعدة بيانات مشتركة وموحدة عن المساعدات، ليس هناك تعريف موحّد لقياس التمويل من أجل دعم الأمن الغذائي والتغذية ولا مقياس للقيام بذلك. ويسفر هذا النقص عن تقديرات متباينة للغاية لحجم الأموال التي يتم إنفاقها على الأمن الغذائي والتغذية وللمجالات التي يتم إنفاقها فيها وبأي قدر من الفعالية، ما يؤثر سلبًا بالتالي على تحليل الاتجاهات والنتائج اللازم لتقييم المسار المؤدي إلى تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة.

ويبقى توضيح ما الذي يشكل تمويلًا لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية، عملية صعبة. وتطرح هذه المعضلة عددًا من التحديات، ليس فقط أمام تتبع المستويات الحالية للتمويل الموجّه إلى الأمن الغذائي والتغذية، ولكن أيضًا أمام تحديد المجالات الممولة تمويلًا ناقصًا، وضمان مساءلة المؤسسات، وتتبع الأثر الذي تحدثه التدخلات التي يجري تمويلها.

ويشكل الأمن الغذائي والتغذية مفهومين معقدين ومتعددي الأبعاد ولا يتوافقان بدقة مع الأطر التي تحددها القطاعات. وتغطي التدخلات الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي والتغذية، قطاعات وأبعادًا مختلفة من النتائج الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وغيرها من النتائج. ولكن، يتم عادة تحديد تدفقات التمويل والميزانيات وتصنيفها بحسب القطاعات، وبحسب الأغراض المرجوة داخل كل قطاع. وبالانتقال من نظام تصنيف قائم على القطاعات إلى قياس قائم على النتائج، تبرز مشاكل معقدة في ما يتعلّق بمساهمة الموارد القطاعية في تحقيق الأمن الغذائي والنتائج التغذوية الإيجابية.

وبات هناك الآن فهم واسع للأمن الغذائي والتغذية ولكيفية ارتباطهما بشكل وثيق بالرغم من التوافق المحدود حول نطاق التدخلات التي تساهم في تحقيقهما. وتشكل الأنماط الغذائية الصحية والحالة الصحية العوامل المحددة الرئيسية للحالة التغذوية في حين أنّ عوامل متعددة متصلة بالأمن الغذائي (مثل توافر أغذية مغذية وإمكانية الحصول عليها) والممارسات (مثلًا تلك المتصلة بالأغذية والتغذية، والرعاية، والسعي إلى التمتع بصحة جيدة) والخدمات (مثل المياه النظيفة، والصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية) تؤثر جميعها على القدرة والآليات والتي يمكن من خلالها للأفراد التوصل إلى أنماط غذائية صحية وصحة مناسبة. ولكن، تم بذل جهود محدودة حتى اليوم لإدراج هذه المجموعة الواسعة من التدخلات في التدابير الشاملة للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية.

والأهم من ذلك هو أن التعاريف الحالية لا تشمل تمويل التدخلات المصممة تحديدًا للتصدي للمسببات الرئيسية الكامنة وراء الاتجاهات السائدة في مجال الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والتي تم تحديدها في الإصدارات السابقة من هذا التقرير – وهي النزاعات، وتقلّب المناخ والأحوال المناخية القصوى، وحالات التباطؤ والانكماش الاقتصادي، المقترنة بالعوامل الهيكلية الأساسية التالية: عدم الحصول على أغذية مغذية وعدم القدرة على تحمّل كلفتها، وبيئات الأغذية غير الصحية، واستمرار ارتفاع معدلات عدم المساواة.

تعريف جديد للتمويل من أجل تحقيق
الأمن الغذائي والتغذية

التمويل هو عملية توفير الأموال للقطاعين العام والخاص من أجل الانخراط في أنشطة اقتصادية، أو إجراء عمليات شراء، أو القيام بالاستثمارات. ويتم توفير الموارد المالية من جانب مصدر واحد أو مجموعة من المصادر الأربعة التالية: (1) العامة المحلية؛ (2) والعامة الأجنبية؛ (3) والخاصة المحلية؛ (4) والخاصة الأجنبية. ويمكن لكل مصدر أن يوفر التمويل من خلال مجموعة من الأدوات المالية لتمويل التدخلات القصيرة والطويلة الأجل بشروط تجارية أو ميسّرة (مثل المنح أو القروض بأسعار أدنى من أسعار السوق).

ويضم التعريف الجديد للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية الوارد في هذا التقرير، تعريفًا أساسيًا وآخر موسّعًا. أما التعريف الأساسي فيشمل تدفقات التمويل التي تدعم الجهود الرامية إلى معالجة العوامل المحددة الرئيسية للأمن الغذائي والتغذية. ويبني التعريف الموسّع على ذلك ليشمل تدفقات التمويل التي تساهم في التصدي للمسببات الرئيسية والعوامل الهيكلية الأساسية الكامنة وراء الزيادات الأخيرة في مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.

ويشير التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية إلى عملية توفير الموارد المالية أو الحصول عليها لضمان تمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بالإمكانات الثابتة والمادية والاجتماعية والاقتصادية للحصول على غذاء كافٍ وآمن ومغذٍ يلبي احتياجاتهم التغذوية ويناسب أذواقهم الغذائية لكي يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة، فضلًا عن ممارسات الرعاية والتغذية الملائمة، وإمكانية الحصول على الخدمات الصحية والمياه والإصحاح لضمان المحافظة على حالة تغذوية مناسبة. إضافة إلى ذلك، يشمل التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية النفقات والاستثمارات التي تهدف إلى ضمان حماية جميع الأفراد من عدم الاستقرار في الأجلين القصير أو الطويل في مجال الأمن الغذائي والتغذية الناجم عن عوامل مناخية واقتصادية واجتماعية وتجارية وسياسية عديدة. ولذلك، يشمل التمويل جميع التدخلات المتوائمة مع مسارات السياسات التحوّلية الستة المصممة لتعزيز قدرة النظم الزراعية والغذائية على الصمود في وجه المسببات الرئيسية للجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية – وهي النزاعات، وتقلّب المناخ والأحوال المناخية القصوى، وحالات التباطؤ والانكماش الاقتصادي – ولمعالجة العوامل الهيكلية الأساسية التالية: عدم الحصول على أغذية مغذية وعدم القدرة على تحمّل كلفتها، وبيئات الأغذية غير الصحية، واستمرار معدلات عدم المساواة المرتفعة.

ولوضع إطار لزيادة التمويل وتحديد أهدافه بشكل أفضل، لا بد من فهم المسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وللبلدان المتأثرة بها. وفي السنوات العشر الأخيرة، تزايدت وتيرة وحدّة النزاعات والأحوال المناخية القصوى وحالات الانكماش الاقتصادي، الأمر الذي قوّض الأمن الغذائي والتغذية في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، تؤدي المستويات المرتفعة من عدم المساواة في الدخل إلى تفاقم آثار هذه المسببات.

وفي حين أن كلًا من هذه المسببات الرئيسية فريد من نوعه، فإنها تتفاعل مع بعضها البعض في الكثير من الأحيان لإحداث آثار مضاعفة متعددة تنتقل عن طريق النظم الزراعية والغذائية على حساب الأمن الغذائي والتغذية. ونتيجة لذلك، من المحتمل أن تتأثر جميع أبعاد الأمن الغذائي، بما في ذلك توافر الأغذية وإمكانية الحصول عليها واستقرار إمداداتها واستخدامها، وتحديدًا الممارسات (مثل الرعاية والتغذية والعناية بالصحة وتخصيص الموارد داخل الأسر المعيشية) والخدمات الصحية وسلامة البيئة (مثل التلقيح، والمياه والإصحاح، وتوفر الخدمات الصحية وكلفتها الميسورة وإمكانية الحصول عليها). وهذا ما تؤكده العلاقة بين وجود هذه المسببات ومؤشرات الأمن الغذائي والتغذية.

وما يبعث على القلق أن غالبية البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تتأثر بما لا يقل عن مسبب واحد من المسببات الرئيسية، وعندما تتضافر مسببات عديدة، تؤدي الآثار المضاعفة إلى حدوث الزيادات الأكبر في مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي.

ويتطلب الانتقال من تعريف التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية إلى تطبيق هذا التعريف من أجل قياس مستويات التمويل اللازم لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية، فهم كيفية تصنيف تدفقات التمويل والإبلاغ عنها ومن ثم وضع خطوط توجيهية لربط هذه التدفقات بالتعاريف. ولأغراض هذا التقرير، تم وضع الخرائط والتوجيهات الأساسية وتطبيقها للتوصّل إلى تقديرات جزئية للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية ولأنماطه.

وتتوافر البيانات اللازمة لتطبيق التعريف الجديد للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية بالنسبة إلى بعض تدفقات التمويل فقط؛ وبالتالي، من غير الممكن إجراء تقييم واقعي لمقدار التمويل المتاح ولا حساب الفجوة في التمويل لمؤازرة الجهود الرامية إلى تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة. ولذلك، يجب تطوير مصادر البيانات والمنهجيات المتبعة لضمان وجود بيانات أفضل لصنع القرارات المتعلّقة بالتمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية بالاستناد إلى الأدلة. وبالتالي، يدعو هذا التقرير أيضًا إلى اعتماد نهج موحّد لتفعيل التعريف الجديد عند رسم خرائطه وتطبيقه على البيانات المالية، وإلى توخي الشفافية في استخدام هذا النهج.

المستويات والفجوات الحالية في التمويل من أجل القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية

تسمح البيانات المتاحة بمعظمها بتتبع تدفقات الإنفاق العام، والمساعدة الإنمائية الرسمية، والتدفقات الرسمية الأخرى فقط. وإن تتبع تدفقات التمويل الخاص أصعب بشكل عام.

وبغض النظر عن مقدار التمويل اللازم تحديدًا لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة، قد تكون كلفة عدم حشد هذا التمويل كبيرة وضارة.

تتبع المستويات الحالية للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية

بالكاد طرأ أي تغيير يُذكر على الإنفاق الحكومي المحلي العام على الزراعة لكل فرد من السکان الریفیین على المستوى العالمي بين عامي 2010 و2021 في البلدان المنخفضة الدخل، وشهد زيادة طفيفة جدًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في السنوات الأخيرة من الفترة المذكورة. وبلغ الإنفاق العام على الزراعة في هاتين المجموعتين من البلدان المصنّفة بحسب الدخل، ما مقداره 8 دولارات أمريكية و37 دولارًا أمريكيًا فقط على التوالي لكل فرد من السکان الریفیین في المتوسط خلال الفترة الممتدة من عام 2010 إلى عام 2019. وكان الإنفاق أعلى بكثير في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا والبلدان المرتفعة الدخل، وزاد بشكل منتظم فقط في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا.

ولا تتوافر بيانات الإنفاق العام بسهولة في جميع البلدان بما يمكّن من تطبيق التعريفين الأساسي والموسّع للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية.

ويبدو أن الإنفاق العام على الأمن الغذائي والتغذية في بلدين اثنين من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، هما بنن وأوغندا، قد ازداد. وتمّ في المتوسط تخصيص 65 في المائة من مجموع الإنفاق العام على الأمن الغذائي والتغذية في بنن و73 في المائة منه في أوغندا خلال الفترة التي شملها التحليل، لاستهلاك الأغذية وللصحة؛ واستُخدمت الحصة المتبقية للتصدي للمسببات الرئيسية للزيادات الأخيرة في مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.

وتُسجّل ثمانية بلدان أخرى متوسطة الدخل أيضًا زيادة مطلقة في إنفاقها العام على الأمن الغذائي والتغذية. وتميل حصة الإنفاق العام على الأمن الغذائي والتغذية المخصصة للمسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، إلى أن تكون أعلى في المتوسط في هذه البلدان المتوسطة الدخل.

وبلغت قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية والتدفقات الرسمية الأخرى العالمية للأمن الغذائي والتغذية ما مقداره 77 مليار دولار أمريكي في عام 2021، ومعظمها من المساعدات الإنمائية الرسمية. ولم يتم تخصيص حتى ربع هذه التدفقات الموجّهة إلى جميع قطاعات المعونة، للأمن الغذائي والتغذية بين عامي 2017 و2021.

وكانت تركيبة المساعدات الإنمائية الرسمية والتدفقات الرسمية الأخرى للأمن الغذائي والتغذية مستقرة إلى حد كبير على مر الزمن، وبحلول عاممعظم الموارد تتدفق إلى استهلاك الأغذية (35 مليار دولار أمريكي من أصل 77 مليار دولار أمريكي)، فيما تم تخصيص قدر أقلّ من الموارد للتصدي للمسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية (27 مليار دولار أمريكي) وقدر أقل حتى للحالة الصحية (15 مليار دولار أمريكي).

وبلغت قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية والتدفقات الرسمية الأخرى على أساس نصيب الفرد، في المتوسط، خلال الفترة الممتدة من عام 2017 إلى عام 2021، ما مقداره 30 دولارًا أمريكيًا في البلدان المنخفضة الدخل مقابل 10 دولارات أمريكية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا و8 دولارات أمريكية في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. وزادت المساعدات الإنمائية الرسمية والتدفقات الرسمية الأخرى للأمن الغذائي والتغذية، من عام 2017 إلى عام 2021، بشكل أكبر إلى أفريقيا في مختلف المناطق وإلى البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في مختلف فئات الدخل.

ويتم جمع التمويل الخاص التجاري وغير التجاري معًا تحت تسمية «القطاع الخاص».

وبلغت قيمة التدفقات الخيرية للأمن الغذائي والتغذية ما مقداره 4 مليارات دولار أمريكي فقط في السنة في المتوسط بين عامي 2017 و2021، وكانت موجّهة بشكل خاص نحو دعم استهلاك الأغذية والصحة. وتقدّر قيمة التحويلات المالية العابرة للحدود بنحو 735 مليار دولار أمريكي في المتوسط في الفترة الممتدة من عام 2017 إلى عام 2022 (بالأسعار الحالية). وتم تخصيص نصف هذه التدفقات تقريبًا للاستخدامات التي يُحتمل أن تكون قد ساهمت في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية. وتم استخدام معظم هذا المبلغ لاستهلاك الأغذية وليس للاستثمارات في الزراعة وأنشطة النظم الغذائية الأخرى.

ووفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وصلت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في «الأغذية والزراعة» إلى 19 مليار دولار أمريكي في المتوسط بين عامي 2017 و2022. وتشير تقديرات إصدار عام 2023 من تقرير حالة التمويل المختلط إلى أنه في المتوسط، في الفترة الممتدة من عام 2020 إلى عام 2022، كانت نسبة 26 في المائة من المعاملات المالية المختلطة التي بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار أمريكي في السنة، «متوائمة» مع الهدف 2 من أهداف التنمية المستدامة. وبلغت قيمة القروض المصرفية الصافية 10 مليارات دولار أمريكي في المتوسط بين عامي 2017 و2021، وشهدت انخفاضًا شبه متواصل.

كلفة السياسات والتدخلات الرامية إلى القضاء على الجوع وسوء التغذية بحلول عام 2030

نظرًا إلى الفجوات القائمة في البيانات، يتم في الكثير من الأحيان استخدام نماذج اقتصادية لتقدير الاستثمارات الإضافية اللازمة، وبخاصة للحد من الجوع ومعالجة الشواغل التغذوية.

وتوفر الدراسات تقديرات مختلفة للكلفة. فتشير النتائج التي تم التوصل إليها إلى أن السياسات والتدخلات اللازمة للعودة إلى المسار الصحيح لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة تحتاج إلى موارد إضافية من الآن وحتى عام 2030 تتراوح قيمتها بين 176 و3 975 مليار دولار أمريكي من أجل استئصال النقص التغذوي، بالإضافة إلى مبلغ 90 مليار دولار أمريكي إضافي لتحقيق مقاصد عالمية مختارة تتعلّق بنقص التغذية. وترتفع التقديرات بشكل حاد إلى 15.4 ترليونات دولار أمريكي إذا ما أضيفت أنواع السياسات التحويلية التي تستوجب تمويلها لزيادة قدرة الملايين من الأشخاص على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية الصحية والحد في الوقت نفسه من النقص التغذوي.

كلفة التقاعس أو التأخّر في اتخاذ الإجراءات

تتمثل كلفة عدم سدّ الفجوة في التمويل في استمرار معاناة ملايين الأشخاص، بحلول عام 2030 وما بعده، من الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وعجزهم عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، مع ما يترتب عن ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية وصحية في الأجلين المتوسط والطويل.

ويؤثر انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن في الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة الغذائية. وستكون لعدم تمويل هذه المساعدة انعكاسات سلبية على الأفراد والمجتمعات المحلية والبلدان المانحة. علاوة على ذلك، سيسفر عدم تمويل الإجراءات التي تتصدى للمسببات الهيكلية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية عن كلفة اجتماعية واقتصادية وبيئية عالية.

وينطوي العبء المزدوج لسوء التغذية على تأثير اقتصادي سلبي خطير على الأفراد والسكان. وتنتقل المستويات الخطيرة من هذا العبء المزدوج إلى البلدان الأشد فقرًا.

ومع أن السياسات التحويلية قد تكلّف مليارات الدولارات الأمريكية، إلا أنّ كلفة عدم تمويلها قد تصل بسهولة إلى تريليونات الدولارات الأمريكية. وتشير تقديرات تقرير المشاورات العالمية الصادر عن تحالف استخدام الأراضي والأغذية إلى أن النظم الحالية لاستخدام الأغذية والأراضي ولّدت على نطاق العالم كلفة صحية وتغذوية وبيئية وصلت إلى 12 ترليون دولار أمريكي في السنة بأسعار عام 2018. ووفرت طبعة عام 2020 من هذا التقرير أدلة تفيد بأنه في ظل أنماط استهلاك الأغذية الحالية، من المتوقع أن تتجاوز الكلفة الصحية المرتبطة بالأنماط الغذائية والناجمة عن الوفيات والأمراض غير المعدية ما مقداره 1.3 ترليونات دولار أمريكي في السنة بحلول عام 2030. وخلُص تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023 إلى أن الكلفة المستترة العالمية المحددة كميًا والناشئة عن النظم الزراعية والغذائية تبلغ 10 ترليونات دولار أمريكي أو أكثر، مع هيمنة الكلفة المستترة المحددة كميًا الناشئة عن نماذج الأنماط الغذائية التي تزيد خطر الإصابة بالأمراض والتي يمكنها أن تؤدي إلى تدني إنتاجية اليد العاملة.

وتجد الحكومات في العديد من البلدان صعوبات في تطبيق الميزانيات التي موّلتها. وقد لا يتم استخدام جزء من التمويل المتاح بأكبر قدر من الفعالية من حيث الكلفة وبطريقة منصفة ومستدامة بيئيًا.

وأظهر إصدار عام 2022 من هذا التقرير أن إعادة توجيه جزء من الدعم العالمي للأغذية والزراعة والذي بلغت قيمته نحو 630 مليار دولار أمريكي في السنة في المتوسط في الفترة من 2013 إلى 2018، من شأنها أن تجعل الأنماط الغذائية الصحية أقل كلفة وميسورة أكثر، على المستوى العالمي وفي البلدان المتوسطة الدخل بشكل خاص.

وتظهر دراسة تناولت ستة بلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أن فرصة تحقيق مخرجات زراعية وغذائية أعلى، وتهيئة آلاف فرص العمل غير الزراعية في المناطق الريفية، والسماح لملايين الأشخاص بالتحرر من براثن الفقر والتمتع بالقدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، ستضيع ما لم تحسّن حكومات هذه البلدان طريقة تخصصها ميزانياتها في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية.

ما هي الإجراءات المطلوبة من أجل تحفيز التمويل القابل للتوسّع لسدّ الفجوة في التمويل؟

زيادة تدفقات التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية

كانت لدى نسبة 63 في المائة من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل التي جرى تحليلها (وبلغ مجموعها 119 بلدًا) قدرة محدودة أو متوسطة على الوصول إلى التمويل، في حين كانت نسبة قليلة منها (37 في المائة) تتمتع بقدرة عالية على الوصول إلى التمويل. ويتسم انتشار النقص التغذوي بأنه أعلى بكثير، في المتوسط، في البلدان ذات القدرة المحدودة على الوصول إلى التمويل (نسبة 23.1 في المائة) مقارنة مع البلدان ذات القدرة المتوسطة (نسبة 10.4 في المائة) والعالية (نسبة 6.9 في المائة) على الوصول إلى التمويل. ويلاحظ وجود اتجاه مشابه بالنسبة إلى التقزم لدى الأطفال دون سن الخامسة من العمر، مع أنّ المعدل الوسطي للتقزم في البلدان ذات القدرة المحدودة والمتوسطة على الوصول إلى التمويل متقارب للغاية (نسبة 23.9 و20.9 في المائة على التوالي).

ومن ناحية أخرى، كانت نسبة 74 في المائة من البلدان التي جرى تحليلها متأثرة بواحد أو أكثر من المسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، ونسبة 66 في المائة من هذه البلدان لديها قدرة محدودة أو متوسطة على الوصول إلى التمويل (ومعظمها لديها قدرة محدودة، بنسبة 42 في المائة). ويشكل وجود نسبة عالية من البلدان المتأثرة بمسبب رئيسي واحد منها على الأقل سببًا كافيًا لتعميم أهداف الأمن الغذائي والتغذية في أنواع تمويل قطاعي أخرى لا تشمل فيها الأولويات دائمًا تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من أهداف التنمية المستدامة.

ولكن في معظم الحالات، تعاني البلدان الأشد حاجة إلى التمويل، من حيث كلّ من مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي وأيضًا من حيث كيفية تأثرها بالمسببات الرئيسية، من قيود هيكلية تحول دون زيادة التمويل الموجه نحو خيارات الأمن الغذائي والتغذية. ومن الناحية الرسمية، حتى لو تمكنت جميع البلدان من الوصول إلى معظم خيارات التمويل المتاحة، فإنّ قدرتها على الوصول إلى التمويل ستكون مرتبطة بمستويات المخاطر المالية المحتملة والكلفة المصاحبة لها. وبما أنّ جميع أصحاب المصلحة الماليين يفضلون تجنب المخاطر، لا سيما العاملين منهم في القطاع الخاص والتجاري، سيكون من المستحيل عمليًا أن يشاركوا في البلدان ذات المخاطر المالية الأعلى.

وعليه، فإنّ البلدان ذات القدرة المحدودة على الوصول إلى التمويل قد تعتمد فقط على المنح أو القروض المنخفضة أو المعدومة الفائدة المنبثقة عن التدفقات الإنمائية الدولية (مثل المساعدات الإنمائية الرسمية)، حيث قد لا تكون الأدوات المالية الأخرى متاحة - أو بصورة أدق، قد لا يكون أصحاب المصلحة الماليون مهتمين بسبب ارتفاع المخاطر المالية في البلد المعني.

وإنّ حشد الإيرادات الضريبية المحلية هو حل أكثر جدوى في البلدان ذات القدرة المتوسطة على الوصول إلى التمويل. كما أنّ إمكانية زيادة الإيرادات الضريبية تعتمد بشدة على الدخل (فكلما زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، كلما زادت الطاقة الضريبية)، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل طبيعة تركيبة الاقتصادات الوطنية ودرجة إضفاء الطابع الرسمي عليها، والآليات المؤسسية وآليات الحوكمة.

وحين تنخفض المخاطر المالية، تزيد تدفقات التمويل المتاحة للبلدان. فالبلدان التي تتمتع بقدرة عالية على الوصول إلى التمويل ستستفيد من الاستثمارات في الأسهم ومن القروض والسندات ذات المعدلات التجارية المقدمة من تدفقات التمويل الخاص مثل استثمارات الشركات والنظم المصرفية وأسواق رأس المال، وستكون هناك حاجة إلى عدد أقل بكثير من أنشطة تخفيف المخاطر المطلوبة من الجهات المانحة أو القطاع العام.

نُهج وأدوات تمويل مبتكرة لسدّ الفجوة في التمويل لتحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة

وفي حين أنّ المنح والقروض المنخفضة الفائدة أو من دون فائدة هي دون شك من الأدوات المالية الميسّرة التقليدية، يمكن تصميمها بطرق مبتكرة أكثر لكي تتضافر مع مبادرات تخفيف المخاطر بهدف زيادة تدفقات التمويل الخاص، بوصفها جزءًا من استراتيجية التمويل المختلط. ويمكن الاستفادة من المنح و/ أو القروض، المقدمة بالاقتران مع المساعدة الفنية، من أجل إزالة القيود الرئيسية التي تحول دون الوصول إلى تدفقات التمويل الخاص - عدم أهلية المشاريع للتمويل المصرفي وضعف الجاهزية التشغيلية للوصول إلى التمويل – التي غالبًا ما تواجهها عادة مبادرات الأمن الغذائي والتغذية.

ويمثل التمويل المختلط أداة لتخفيف المخاطر يستخدمها المستثمرون من القطاع الخاص حين يتوقعون وجود مخاطر عالية، فيقومون بتوجيه الموارد المالية التي يمكنها تحمّل المخاطر بصورة أكبر وتحقق عائدات أطول أجلًا على استثماراتهم. ويمكن للجهات الفاعلة مثل الحكومات والجهات المانحة استخدام التمويل المختلط كوسيلة لتوجيه تدفقات التمويل اللازمة لتحقيق هذه النتيجة، لا سيما حين تكون هناك فائدة إنمائية كبيرة. والهدف هو أن يتضاءل احتمال المخاطر مع مرور الوقت نتيجة الدعم المبدئي المقدم من رأس المال الأكثر قدرة على الصمود في وجه المخاطر، وأن يصبح بالإمكان أن يحل التمويل التجاري محل المنح أو التمويل الميسّر اللذين قاما بدور حاسم وتحفيزي في المرحلة الأولى.

وإنّ السندات الخضراء والاجتماعية والمستدامة والمرتبطة بالاستدامة هي أدوات خاصة بالدين يمكن أن تصدرها الحكومات والمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف والمصارف التجارية والشركات المحلية؛ وهي مرتبطة بأهداف التنمية، ويمكن أن تكتسي أهمية خاصة من أجل استقطاب التمويل للبلدان المتأثرة ببعض المسببات الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، مثل الظروف المناخية القصوى و/أو الانكماش الاقتصادي.

لكن حتى وإن نجحت زيادة التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية، باستخدام الأدوات المبتكرة المذكورة أعلاه، فثمة فئات سكانية في البلدان عانت على مر الزمن من قيود شديدة تمنعها من الوصول إلى خدمات التمويل.

وسيكون من شأن زيادة وصول المرأة إلى الخدمات المالية أن يساهم ليس فقط في تمكين النساء من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، بل أيضًا في تحسين سبل عيش أسرهنّ المعيشية ومجتمعاتهنّ المحلية بشكل عام، بما في ذلك تحقيق نتائج أفضل على مستوى الأمن الغذائي والتغذية. ومن منظور كلّي، سيؤدي إدماج المرأة إلى آثار إيجابية عامة للنمو الاقتصادي، ما قد يزيد من قدرة البلد على الصمود في مواجهة حالات التباطؤ والانكماش الاقتصاديين.

وبالرغم من وجود إقرار واسع النطاق بأنّ الشعوب الأصلية هي شريك لا غنى عنه لبلوغ أهداف اتفاق باريس والإطار العالمي للتنوع البيولوجي وخطة عام 2030، إلّا أنّ استراتيجيات التمويل المتعلقة بتلك الأهداف لا تعكس بالضرورة دورهم الحاسم كما يجب. كما أنّ عدم الوصول إلى الخدمات المالية يمكن أن يخفض المساهمة المحتملة من صغار المزارعين وشركات الإنتاج الزراعي والغذائي الصغيرة والمتوسطة الحجم في تحقيق الأمن الغذائي والنهوض بالتغذية، على سبيل المثال، من خلال الحد من قدراتهم على توفير أغذية آمنة ومغذية. وبالرغم من الدور الهام الذي يؤدونه في النظم الزراعية والغذائية، إلّا أنهم في أغلب الأحيان لا يحظون بالخدمات الكافية بسبب تردد المستثمرين إزاء تمويل المنتجين في الأسواق المحلية بالعملات المحلية، ويفضلون تجنب المخاطر المتصلة بأسعار الصرف، ويلتفتون عوضًا عن ذلك إلى توفير الخدمات للمنتجين العاملين في مجال التصدير.

كيفية تحقيق مواءمة أفضل مع مصادر التمويل المختلفة وبناء أوجه التآزر في ما بينها

يتسم هيكل التمويل الحالي من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية بأنه مجزأ بدرجة كبيرة: فغياب التوافق في الآراء بشأن النواحي التي تتطلب تمويلًا واختلاف الأهداف لدى أصحاب المصلحة أفضيا إلى تزايد عدد الجهات الفاعلة التي غالبًا ما تتجاوز ولاياتها عوضًا عن التعاون مع بعضها البعض. ويؤدي ذلك إلى تنفيذ أنشطة معونة عديدة صغيرة النطاق وغير متسقة، تدعمها بصورة رئيسية جهات مانحة ثنائية.

وينبغي التشجيع على زيادة التنسيق بين أصحاب المصلحة الكبار والمتوسطين والصغار الحجم، حيث إنّ الجهات المانحة الكبرى لا تقوم في بعض الأحيان بالتنسيق مع الأنشطة التي تقودها جهات فاعلة أخرى صغيرة أو تشارك في تمويلها، لعدم وجود ما يحفزها على القيام بذلك. وبالإضافة إلى ما سبق، من الضروري للغاية أن تقوم الجهات المانحة والمؤسسات الخيرية بمواءمة أولويات الإنفاق لديها مع أولويات البلدان. فنظرًا إلى أنّ الهيكل الحالي تهيمن عليه بدرجة كبيرة البلدان ذات الدخل المرتفع ووكالات التنمية الكبرى، لا تؤذ دومًا أولويات البلدان والمجتمعات المحلية المستفيدة في الحسبان.

وبالطبع، ستتطلب هذه الزيادة في التنسيق وجود حكومات وطنية أكثر قوة واتزانًا، بيد أنّ تحقيقها ينطوي على عدد من التحديات. ويمكن لمسائل الاقتصاد السياسي وعدم القدرة على التنبؤ بعملية صنع القرار الحكومي أن تؤثر على إمكانية المواءمة بين مصادر تدفقات التمويل وأولويات البلد وأن تعطي انطباعًا بوجود مخاطر أعلى للمستثمرين من القطاع الخاص. ومن المهم وجود قدرة على الاستيعاب وكفاءة فنية في الإنفاق، كما أنّ الحوكمة الجيدة والمؤسسات الوطنية القوية ضرورية أيضًا.

وأخيرًا، يتسم المشهد المالي الحالي بسمة رئيسية أخرى هي نقص البيانات والشفافية والمساءلة، ما يزيد في الواقع من إدراك المخاطر المالية. ومن شأن جعل البيانات المالية موثوقة أكثر وإتاحتها على نطاق واسع أن يعزز «جدوى الاستثمار» في الأمن الغذائي والتغذية، على نحو ما يجري حاليًا في مجالات مثل الزراعة التجديدية.

حتى قبل الشروع في إجراء تغييرات هيكلية في تركيبة التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية، لا بدّ من اتخاذ خطوة أولية أساسية من أجل زيادة تمويلهما، وهي جعل تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة من أولويات جدول أعمال السياسات الدولية. وإنّ اعتماد منظور الأمن الغذائي والتغذية، مع مراعاة طبيعته المشتركة بين القطاعات وتسليط الضوء على العائدات القصيرة والطويلة الأجل على الاستثمار في مجالات مثل التغذية، هي شروط أساسية لنجاح إصلاح هيكل التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية.

وقد جرى استخدام مصطلح «الأمن الغذائي والتغذية» للتأكيد على تحقيق الأبعاد الأربعة للأمن الغذائي وارتباطه الوثيق بتحقيق الأمن التغذوي، وكذلك على الحاجة إلى اعتماد إجراءات تكميلية لتحقيق الأمن الغذائي والتغذية. إلاّ أنه قد يكون من المناسب الإقرار بالهدف الشامل المتمثل في تحقيق «الأمن الغذائي والتغذية» كهدف واحد لا يتجزأ على مستوى السياسات.

وتتمثل إحدى الخطوات الأساسية التي تكفل التنسيق الفعال في تسليم «زمام القيادة» للجهات الفاعلة الوطنية والمحلية وأولوياتها. بيد أنّ هذه المهمة ليست على الدوام مهمة سهلة ومباشرة، فهي تنطوي على تحديات منها اختلال توازن القوى والقدرات بين الجهات الفاعلة، وانعدام التنسيق بين الجهات المانحة على المستوى العالمي، الأمر الذي لا يدعم بشكل كافٍ جهود التنسيق على المستويات الوطنية، والفجوة في البيانات التي قد تجعل من الصعب جمع القرائن من أجل تغيير أولويات الجهات المانحة.

وينبغي أن يتخذ أصحاب المصلحة الماليون خطوات تكفل تعزيز التنسيق، بالإضافة إلى تحسين دورهم في زيادة التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية. كما ينبغي للشركاء في التنمية مثل الجهات المانحة، بما في ذلك المؤسسات المالية الدولية والمصارف الإنمائية المتعددة الأطراف ومؤسسات التمويل الإنمائي، أن تتولى زمام المبادرة في أنشطة إزالة المخاطر، على سبيل المثال، عن طريق زيادة مخصصات المساعدات الإنمائية الرسمية الموجهة نحو حشد الاستثمارات الخاصة، من خلال التمويل المختلط أو الأدوات المالية الأخرى.

وتبقى المسألة المطروحة هي دمج القطاع الخاص في هيكل التمويل المحسّن من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية. ويجب أن تقوم الجهات الفاعلة من القطاع الخاص بإدراج المخاطر الصحية والبيئية والاجتماعية في عمليات صنع القرار المالي لديها، بغية تحويل اتجاه التدفقات التمويلية من استثمارات قد تكون ضارة إلى استثمارات تسعى نحو تحقيق نتائج صحية وبيئية واجتماعية.

ويمكن للحكومات الوطنية أن تقوم بحشد المزيد من الإيرادات الضريبية المحلية، وزيادة إنفاق القطاعات ذات الأولوية على الأمن الغذائي والتغذية، والنظر في إعادة توجيه الدعم على مستوى السياسات. ويجب على البلدان التي لديها بالفعل قدرة أكبر على الوصول إلى التمويل أن تضع ضوابط أقوى على الملاذات الضريبية وغسيل الأموال، التي غالبًا ما تسمح بالتهرب الضريبي من البلدان ذات القدرة المحدودة على الوصول إلى التمويل.

وفي الختام، سيتطلب سدّ الفجوة في المعلومات اتخاذ خطوة جريئة من جانب المجتمع الدولي؛ وإلا، سيتعذّر إعطاء تقديرات وتوقعات واقعية لاحتمال تحقيق الأهداف الإنمائية.

آفاق المستقبل

مع أنّ أي تغيير لم يطرأ على مستويات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في العالم طيلة العامين الماضيين، إلّا أنّ العديد من الأقاليم الفرعية في العالم أحرزت تقدمًا يدعو إلى التفاؤل. وبالنسبة إلى التغذية، فإنّ الاتجاهات المتزايدة في السمنة لدى البالغين وفقر الدم لدى النساء اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 15 و49 عامًا تثير القلق، بيد أنّ العديد من البلدان يُسجّل تراجعًا في أعداد الأطفال الذين يعانون من التقزم والهزال، ما يزيد فرصهم في الوصول إلى كامل إمكاناتهم في النمو والتطور. وهذه هي الإمكانات التي ينبغي لنا أن نسخّرها: إمكانات التغيير الإيجابي والإعمال الكامل للحق في غذاء كافٍ ومستوى معيشي يكفل الكرامة والصحة والرفاه لجميع الشعوب، لا سيما الأجيال القادمة.

وثمة مشكلة جسيمة تتمثل في غياب تعريف مشترك أو موحد لقياس التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية. إذ إنه من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - إدارة ما لا يمكن قياسه بصورة مناسبة. وهذا هو الحال بالنسبة إلى التمويل من أجل الأمن الغذائي والتغذية، فلا يمكن إجراء تقييم مناسب لمستوياته الحالية والفجوات القائمة فيه، ناهيك عن رصد التقدم المحرز أو العقبات الماثلة أمام جهود التمويل الرامية إلى تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة.

وقد اتخذ هذا التقرير خطوة هامة نحو وضع تعريف للتمويل من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية إلى جانب توجيهات مفصلة لكيفية تطبيقه. وبالرغم من الأهمية البالغة التي تكتسيها هذه الخطوة، إلّا أنّ التقرير أظهر بوضوح أنّ الحالة الراهنة لهيكل البيانات المالية وتوافرها تحول دون تطبيق التعريف الجديد المقترح وبروتوكولاته على تدفقات التمويل المتاحة عالميًا من القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية. وبمعنى آخر، إنّ النقص الشديد في البيانات يعيق الوصول إلى قياس عالمي للتمويل المتاح حاليًا من أجل تحقيق الأمن الغذائي والتغذية والفجوة في التمويل التي يجب رأبها من أجل دعم الجهود الرامية إلى تحقيق المقصدين 2-1 و2-2 من مقاصد أهداف التنمية المستدامة. ويجب أن يكون سدّ هذه الفجوة أولوية رئيسية، ويوجه هذا التقرير دعوة حازمة وعاجلة إلى اتخاذ إجراءات على المستويين العالمي والوطني من أجل معالجة هذه المشكلة بوصفها جزءًا من جدول الأعمال العالمي الخاص بأهداف التنمية المستدامة.

وإنّ القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي وجميع أشكال سوء التغذية يدخل أيضًا في منافسة لا داعٍ لها مع العديد من أهداف التنمية الأخرى. ونظرًا إلى الطبيعة المعقدة والمتعددة القطاعات التي يتسم بها الأمن الغذائي والتغذية، يجب أن يتحول مشهد التمويل من اتباع نهج تقوقعي إلى تبني منظور شامل أكثر، حيث يمكن لأصحاب المصلحة الماليين تعميم أهداف الأمن الغذائي والتغذية في تدفقات التمويل والاستثمارات الأوسع نطاقًا.

والآمال معقودة على أن تثري الدعوة إلى العمل التي أطلقها هذا التقرير مناقشات تمويل التنمية المستدامة في مؤتمر قمة المستقبل المزمع عقده في سبتمبر/ أيلول 2024 وجميع المناقشات العالمية المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة، بما فيها العمليات السياساتية المنبثقة عن المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية الذي سينعقد في عام 2025. فالعالم الخالي من الجوع وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية هو عالم يستحق إنقاذه ويستحق التمويل والاستثمار فيه.

back to top