يسلّط إصدار هذا العام من تقرير حالة الأغذية والزراعة الضوء على ضرورة أن يقوم صانعو القرار – من الحكومات إلى الأعمال التجارية والمستثمرين والمستهلكين – بحساب التكاليف والمنافع المستترة للنظم الزراعية والغذائية بشكل منهجي من أجل توجيه التغيير الهيكلي نحو النظم التي توفر أنماطًا غذائية صحية ميسورة الكلفة للجميع بموازاة احترام الحدود البيئية. ويعترف التقرير بحساب التكاليف الحقيقية باعتبارها منهجية مناسبة لتقييم تلك التأثيرات. ويقترح نهجًا من مرحلتين لحساب التكاليف الحقيقية من أجل التعامل مع التعقيد الذي تتسم به الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية والترابط بينها: بدءًا بعمليات تقييم حساب التكاليف الحقيقية الموسَّعة على المستوى الوطني التي تنطوي على درجات عالية من عدم اليقين، تليها عمليات التقييم المحددة الأهداف التي تأخذ في الاعتبار خصوصيات السياق بغية تحديد أولويات الحلول بشكل أفضل.
ويبحث هذا الفصل الأخير مختلف الأدوات المساعدة على التحويل التي تؤثر على الأعمال الداخلية في النظم الزراعية والغذائية وكيف يمكن استخدامها بشكل استراتيجي لدفع النظم نحو الاستدامة. ويمكن توجيه الأدوات المساعدة نحو أنشطة المنتجين الزراعيين والأعمال التجارية الزراعية والغذائية والمستهلكين من خلال تنفيذ تدخلات في جانب العرض أو الطلب، أو دعم النظم الزراعية والغذائية من خلال توفير الخدمات العامة. ولا توجد أداة مساعدة جديدة، ولكنّ الابتكار يكمن في كيفية استخدامها. وفي حين تمتلك الحكومات مجموعة الأدوات الأوسع والأكثر تأثيرًا، فإنّ الجهات الفاعلة الأخرى، وعلى وجه التحديد مؤسسات البحوث ومنظمات المجتمع المدني والأعمال التجارية والمؤسسات المالية، تؤدي أيضًا أدوارًا مهمة في صياغة أداء النظم الزراعية والغذائية.
ونظرًا إلى الدور الذي تؤديه عمليات تقييم النظم الزراعية والغذائية في إرشاد القرارات، من الضروري أن يصبح حساب التكاليف الحقيقية جزءًا لا يتجزأ من عملية صنع القرار. ويعترف هذا الفصل بمدى تعقيد هذا الإجراء ويقترح أن يصبح حساب التكاليف الحقيقية هو المعيار في تحليل السياسات الزراعية والغذائية، من خلال قياس آثارها وإصلاحها بغية تحقيق التحويل المطلوب نحو الاستدامة. ويعدّ ذلك تحديًا معقدًا بالتأكيد ويتطلب إرساء أواصر التعاون بين مختلف الجهات الفاعلة المحلية والوطنية والإقليمية والدولية، بما فيها الحكومات والمنظمات الدولية وكيانات القطاع الخاص وجمعيات المزارعين.
ويختتم الفصل بتحديد اعتبارات مهمة ينبغي مراعاتها عند اختيار السياسات، بما فيها الحاجة إلى تحقيق أهداف سياسية متعددة، والإشارة إلى أنّ معالجة التكاليف المستترة الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية لا ترفع بالضرورة أسعار الأغذية. وفي نهاية المطاف، فإنّ تعميم تقييم النظم الزراعية والغذائية هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى رؤية منظمة الأغذية والزراعة المتمثلة في الانتقال نحو نظم زراعية وغذائية أكثر كفاءة وشمولية واستدامة وقدرة على الصمود من أجل إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل، من دون ترك أي أحد خلف الركب. والهدف هو أن يكون هذا التقرير نقطة بداية ينطلق منها بناء الزخم وحثّ الجميع على اتخاذ إجراءات فعالة من أجل توسيع نطاق حساب التكاليف الحقيقية بغية إرشاد تحويل النظم الزراعية والغذائية نحو الاستدامة.
وكانت الحاجة إلى إيجاد حلول واستراتيجيات مبتكرة من أجل تحويل النظم الزراعية والغذائية قد اتفقت عليها أيضًا العمليات العالمية على غرار قمة الأمم المتحدة بشأن النظم الغذائية المنعقدة في سبتمبر/أيلول 2021 وعملية تقييم حصيلة قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية +2 المنفَّذة في يوليو/تموز 2023. واستنادًا إلى هذه الخلفية، تستثمر منظمة الأغذية والزراعة في حساب التكاليف الحقيقية باعتبارها نهجًا يدعم عملية صنع القرار. وبغية القيام بذلك، سيكون الإصدار المقبل من تقرير حالة الأغذية والزراعة لعام 2024 مكرسًا للمرة الأولى على الإطلاق للموضوع نفسه، ألا وهو تقييم آثار النظم الزراعية والغذائية – الإيجابية منها والسلبية – من أجل الكشف عن التكاليف الحقيقية للأغذية وإرشاد عملية صنع القرار المتعلقة بتحويل النظم الزراعية والغذائية. وسيستند إصدار عام 2024 إلى إصدار عام 2023 وسيهدف إلى حفز العمل والتحوّل من خلال توفير أمثلة ملموسة على كيفية تأثير عمليات تقييم آثار النظم الزراعية والغذائية على عملية التغيير. وسيوفر بوجه خاص رؤى على كيفية توسيع نطاق حساب التكاليف الحقيقية ليشمل مجموعة من سلاسل القيمة والبلدان، حتى في السياقات التي تتسم بشح البيانات والموارد.
وحين تقوم منظمة الأغذية والزراعة بتكريس إصدارين متعاقبين لهذا الموضوع، فإنها تمهد الطريق أمام جعل عمليات تقييم النظم الزراعية والغذائية عنصرًا أساسيًا في عملية صنع القرار. وهي تسعى إلى حشد الموارد من أجل توسيع نطاق عمليات التقييم وبناء الزخم وحفز المشاركة في صفوف الأعضاء وجميع أصحاب المصلحة بغية صياغة عملية صنع السياسات في المستقبل. والهدف هو رفد صانعي القرار بنهج منهجي من أجل تقييم الحالة الراهنة لنظمهم الزراعية والغذائية وتحديد الحلول الأكثر جدوى وفعالية من حيث الكلفة وتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ تلك الحلول وتقييم آثارها مع مرور الوقت وتعديلها إذا لزم الأمر.