حالة الأغذية والزراعة 2023

الفصل 4 تعميم حساب التكاليف الحقيقية من أجل دعم تحويل النظم الزراعية والغذائية

اعتبارات ينبغي مراعاتها عند اختيار السياسات

إنّ النتائج والمناقشات الواردة في هذا التقرير، والمعروضة في الفصلين الثاني والثالث، تؤكد على حتمية تحويل النظم الزراعية والغذائية لكي تصبح مستدامة. وتدل النتائج المعروضة في الفصل الثاني على التكاليف المستترة الباهظة للنظم الزراعية والغذائية وعلى أنها تختلف باختلاف السياق. وعند السعي إلى خفض تلك التكاليف، تنشأ المفاضلات. ويجب أن تصبح النظم الزراعية والغذائية مستدامة بيئيًا، لكن يجب أيضًا أن تضمن الأمن الغذائي والتغذية للجميع وأن توفر سبل العيش للمزارعين وغيرهم على طول سلسلة القيمة الغذائية وأن تشجع التحوّل الريفي الشامل.67 وينبغي أن يتمكن صانعو السياسات من التعامل مع المفاضلات التي تنشأ عن هذا التحدي الثلاثي وأن يدركوا أنّ الإجراءات المنفذة في أحد المجالات قد تؤثر على النتائج المحققة في مجال آخر.

وأوضح الفصل الثالث الحاجة إلى إجراء عمليات تقييم محددة الأهداف وأنّ هذه عمليات التقييم ينبغي أن تكون دقيقة من الناحية العلمية وشاملة من الناحية الاجتماعية والسياسية. وشدد على أنه ينبغي لصانعي السياسات تجنب التركيز على بعد واحد واعتماد نهج شمولي في صنع السياسات يراعي أوجه التكافل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للاستدامة. وهذا أمر ضروري للاستفادة من أوجه التآزر المحتملة، بغية تقليل المفاضلات إلى الحد الأدنى. وعلى سبيل المثال، يمكن لسياسة تعزز الأنماط الغذائية الصحية عن طريق تغيير مستوى وتكوين الطلب على الأغذية أن تؤدي إلى انخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو ارتفاعها، تبعًا للمواد الغذائية المدرجة في الأنماط الغذائية الصحية المقترحة. وبغية ضمان توفير نمط غذائي صحي إلى جانب الاهتمام بالبيئة، ينبغي للسياسات أن تستهدف الأنماط الغذائية التي تراعي الاستدامة. وستكون لهذه الأهداف تبعات على التدابير السياساتية اللازمة لمعالجة المفاضلات وتحقيق أهداف الاستدامة لصالح الأمن الغذائي والتغذية، فضلًا عن البيئة.67 وبالمثل، فإنّ سياسة تحد من إجهاد الموارد يمكن أن تؤدي إلى انخفاض غلة المحاصيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة أسعار الأغذية والإضرار بالفئات الأشد ضعفًا.2 وينبغي للسياسات في هذه الحالة أن تبحث جميع الخيارات المتاحة من أجل تجنب ذاك السيناريو. وقد تضطلع الابتكارات والتكنولوجيا بدور في الحد من الإجهاد على الموارد الطبيعية من دون خفض غلة المحاصيل، ولكن في حالات أخرى، قد لا يكون هناك مفر من اللجوء إلى سياسات الحماية الاجتماعية بهدف التخفيف من الخسائر المحتملة في الدخل على المدى القصير.

ألمانيا سوق الفاكهة. ©Thomas Ulrich/Pixabay
ألمانيا
سوق الفاكهة.
©Thomas Ulrich/Pixabay

وعند اتخاذ القرارات بشأن النظم الزراعية والغذائية، من المهم أيضًا إدراك الترابط بين الإنسان والحيوان والبيئة. وقد يؤدي تجاهل ذلك إلى عواقب وخيمة، كما بيّنت لنا مؤخرًا جائحة كوفيد–19. ولهذا السبب، فإنّ نهج "صحة واحدة" – الذي تروج له منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية لصحة الحيوان – يدعو إلى اتباع نهج شمولي وقائم على النظم يعترف بالترابط بين صحة الإنسان والحيوان والنبات وسلامة البيئة.68 ويحشد هذا النهج قطاعات واختصاصات ومجتمعات محلية متعددة على مستويات مختلفة من المجتمع من أجل دعم مستقبل مستدام وصحي من خلال التعاون والتواصل والتنسيق وبناء القدرات. وبإمكان نهج صحة واحدة، إذا جرى دعمه بأطر تنظيمية مناسبة، أن يفاوض على المفاضلات ويحدد الحلول التي تعود بالمنافع على الجميع.

واستنادًا إلى هذه الخلفية، يبحث هذا القسم كيفية انتقاء السياسات والموازنة بين الأهداف السياسية المتعددة، لكي تصبح الأدوات المساعدة على التحويل المستخدمة تعمل لصالح بعضها عوضًا عن الإضرار ببعضها.

هل ستؤدي معالجة التكاليف المستترة إلى رفع أسعار الأغذية؟

من الأسئلة الشائعة المطروحة هو ما إذا كانت معالجة التكاليف المستترة للنظم الزراعية والغذائية ستؤدي إلى رفع أسعار الأغذية. والجواب هو ليس بالضرورة أن يحدث ذلك، لكنه سيعتمد على التكاليف المستترة التي تجري معالجتها والأدوات المستخدمة. وقد يكون السؤال الأكثر شمولًا هو هل سيكون وضع الناس أفضل إذا جرت معالجة تلك التكاليف المستترة؟ وللإجابة على هذا السؤال، سيفيدنا النظر في مختلف فئات التكاليف المستترة التي يجري بحثها: التكاليف الاجتماعية المستترة المرتبطة بفشل التوزيع، التي تؤدي إلى الفقر والنقص التغذوي؛ والتكاليف البيئية المستترة الناجمة عن الأضرار البيئية المرتبطة بالعوامل الخارجية؛ والتكاليف الصحية المستترة الناجمة عن الأنماط الغذائية التي تؤدي إلى السمنة والأمراض غير المعدية. واستنادًا إلى طريقة معالجة كل فئة من هذه الفئات، تكون لها تبعات واضحة على الدخل وأسعار الأغذية.

وإنّ معالجة التكاليف الاجتماعية المستترة الناجمة عن فشل التوزيع، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي إلى تحسين الإنتاجية في قطاع الأغذية والزراعة. ومن شأن التخفيف من حدة الفقر والنقص التغذوي أن يمكّن شريحة من السكان من زيادة إنتاجيتها، ما قد يؤدي إلى زيادة الإمدادات الغذائية. ومن الممكن أن تؤدي هذه الزيادة في الإنتاجية إلى فرض ضغوط إلى الأسفل على أسعار الأغذية، ما يعود بالنفع على المستهلكين بوجه عام. إلّا أنّ دافعي الضرائب سيتحمّلون جزءًا من كلفة هذه التدخلات، لذا فمن المهم تصميم برامج واستثمارات الحماية الاجتماعية التي تكون فعالة في الوصول إلى شريحة السكان الأشد حاجة إلى الدعم.

وفي ما يتعلق بالتكاليف البيئية المستترة، يعتمد ذلك إلى حد كبير على نوع التدابير المعتمدة والجهة التي تتحمل الكلفة. وهناك مبدآن لمعالجة هذه العوامل الخارجية: مبدأ الملوّث يدفع الكلفة، حيث يتحمّل تكاليف تحقيق النتائج المرجوة المسؤولون عن نشوء تلك التكاليف في المقام الأول؛69 ومبدأ المستفيد يدفع الكلفة، حيث يتحمّل المستفيدون التكاليف – وهم عادة عامة الناس، ولكن أيضًا مجموعات محددة تتأثر بشكل خاص بأنشطة لا يشاركون فيها.

وبموجب مبدأ الملوّث يدفع الكلفة، يُجبر الملوثون على دفع التكاليف التي يفرضونها على أطراف ثالثة، مثلًا من خلال الأنظمة التي تنص على اتباع ممارسات زراعية أقل ضررًا بالبيئة أو فرض الضرائب أو إنشاء أسواق لتداول حقوق التلوث أو الوصول إلى الموارد، مثل مصايد الأسماك. ومن الأمثلة على تطبيقات هذا المبدأ الرسوم والضرائب على مبيدات الآفات والأسمدة في بعض بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي؛ وإنشاء تراخيص صيد الأسماك في ناميبيا وأوغندا وجمهورية تنزانيا المتحدة وفرض الضرائب على الفضلات العضوية في كولومبيا؛ ورسوم المياه العادمة في الصين وماليزيا.70 ويؤدي تطبيق هذه التدابير عادة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي أسعار الأغذية. ولكن، إن كانت هذه التدابير مصحوبة بإجراءات تدعم المزارعين لخفض تكاليف إنتاجهم، مثل تقديم المشورة بشأن تحسين ممارسات الإدارة، فيمكن تجنّب ارتفاع أسعار الأغذية. وتُعتبر مسألة دعم المزارعين بالغة الأهمية، لأنّه يمكن للممارسات الزراعية غير المستدامة أن تكون السبب الكامن وراء الكثير من التكاليف البيئية المستترة، حتى وإن كانت المنافع الاقتصادية الناشئة عن تلك الممارسات توزع على طول سلسلة القيمة، إلى أن تصل إلى المستهلكين. وبالتالي، إذا لم يجرِ استكمال مبدأ "الملوّث يدفع الكلفة" بتقديم المشورة بشأن كيفية الحد من التكاليف عند نشوء العوامل الخارجية، فإنه إما سيطبق في المستويات الدنيا من سلسلة القيمة وإما سيطبق على المستهلكين في شكل ارتفاع أسعار الأغذية.

والحل البديل هو تطبيق مبدأ "المستفيد يدفع الكلفة"، الذي يضع عبء تحمّل التكاليف الحقيقية الناجمة عن أنشطة النظم الزراعية والغذائية على عاتق المستفيدين. وفي تلك الحالات، ينبغي ألا تؤدي السياسات إلى زيادة في أسعار الأغذية. ومن الأمثلة على ذلك المدفوعات لقاء الخدمات البيئية، حيث يدفع المستفيد للأطراف التي قد تلحق أنشطتها ضررًا بالبيئة من أجل تغيير سلوكها.

وتتجسد الأمثلة على خطط المدفوعات لقاء الخدمات البيئية المرتبطة بالنظم الزراعية والغذائية في تلك المتصلة بحماية مستجمعات المياه وصون التنوع البيولوجي واحتجاز الكربون وخدمات المناظر الطبيعية. وبالمثل، بإمكان الحكومات أن تدعم بل وتقدم إعانات لتبنّي ممارسات أنظف وأقل تلويثًا من دون ربطها بالضرورة بالخدمات البيئية المقدمة. وعلى سبيل المثال، في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي التي تستخدم فيها خطط المدفوعات لقاء الخدمات البيئية على نطاق واسع، يحصل المزارعون على تخفيضات ضريبية عند الاستثمار في خفض التلوث، وعلى إعانات للاستثمار في أجهزة توفير المياه.71

أما في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فلا تطبق هذه الآليات على نطاق واسع. وحين تلجأ الحكومات إلى استخدام أداة سياسية من أجل الحد من التكاليف المستترة، يتعين عليها أن تحلل بعناية التداعيات التي ستنجم عنها على صعيد التوزيع. وعليها أيضًا أن تأخذ في الاعتبار أنّ الخطط القائمة على الإعانات تضع عبئًا على الموارد المالية الشحيحة أساسًا وأنّ الأهداف المتنافسة قد تؤدي إلى مفاضلات بين الأبعاد الاجتماعية والبيئية مثلًا. وسيعتمد الاختيار بين الأدوات السياساتية على الآثار المترتبة على الإنصاف الذي يعتمد بدوره على تحديد الجهات المستفيدة. ولا بد من إسناد الأولوية للحالات التي توجد فيها أوجه تآزر. إذا كانت مثلًا، سياسة ترمي إلى الحد من إجهاد الموارد تؤدي أيضًا إلى زيادة الإنتاجية الزراعية، يمكن تجنّب ارتفاع أسعار الأغذية.72،67

وهناك مجموعة من السياسات التي تشتمل على مزيج من مبدأي الملوث يدفع والمستفيد يدفع وهي إعادة توجيه الإعانات الزراعية. ومن شأن تحويل الإعانات الزراعية الضعيفة الأداء إلى حماية الأراضي الزراعية المتدهورة وإصلاحها أن يدعم المجتمعات المحلية بشكل أفضل ويساعد البلدان على تحقيق أهدافها المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والتنمية الريفية. ولكن من غير الواضح إلى أي مدى تقع تكاليف هذه السياسات على عاتق الملوثين الحاليين (الذين يفقدون إعاناتهم) أو المستفيدين. ومع ذلك، يمكن تصميم إعادة التوجيه بطريقة لا تؤدي إلى خسائر لصغار المزارعين73؛ مثلًا عندما تكون الأهداف مدفوعة بالاحتياجات المحلية74، تؤخذ طريقة النظر إلى الحوافز وتضمن مشاركة الأطراف المعنية.

ومن شأن إعادة توجيه الدعم العام الحالي للأغذية والزراعة، إذا ما تم تصميمها وتوجيهها بعناية، أن تؤدي أيضًا إلى زيادة توافر الأنماط الغذائية الصحية والقدرة على تحمل كلفتها، ولا سيما تلك المستدامة بيئيًا. ويمكن أن يكون هذا سبيلًا فعالًا لمعالجة التكاليف المستترة المرتبطة بالأنماط الغذائية غير الصحية، والتي بيّن هذا التقرير أنها كبيرة. فعلى سبيل المثال، توفر الدهون والسكريات حاليًا طاقة غذائية بكلفة منخفضة للغاية، ويرجع السبب في ذلك جزئيًا إلى الإعانات المقدّمة للمستهلكين في الكثير من البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا، ما يؤجج انتشار السمنة بصورة متزايدة2.

ويمكن لعمليات التقييم المحددة الأهداف لحساب التكاليف الحقيقية أن تنير تصميم خطط ضريبية من أجل تغيير الأسعار النسبية للأغذية لصالح خيارات مغذية ومستدامة بصورة أكبر. وعندما يتم توجيه إيرادات الضرائب لتشجيع الأنماط الغذائية الصحية والمستدامة، قد لا يطرأ أي تغيير على ميزانيات الأغذية لدى الأسر المعيشية. وعلاوةً على ذلك، سيكون هناك على المدى الطويل، تحسن في الصحة العامة ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية، الأمر الذي يتجسّد في ارتفاع دخل الأسر المعيشية. وفي هذه الحالة، حتى لو كانت الأنماط الغذائية الصحية أعلى كلفة، يمكن لزيادة الدخل أن تساعد في التعويض عن هذه النفقات الإضافية. ولكن، هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لفهم كلفة الانتقال إلى أنماط غذائية صحية ومستدامة، وتأثيراتها على صعيد التوزيع.

الاستفادة من حساب التكاليف الحقيقية لتحقيق أهداف متعددة على مستوى السياسات

هناك عادة أهداف متعددة على مستوى السياسات، وعندها تكون المساومة ضرورية. بيد أنه يمكن الحد من حجم المساومة عند وجود قدر كبير من الأدوات السياساتية المقابلة لعدد الأهداف. ويشار إلى ذلك عادة بقاعدة تينبرغين.75 وبالتالي فإنه من المفضل أن تكون هناك حزمة سياساتية تتيح تناول مختلف الأهداف. وعلى سبيل المثال، إذا سعى بلد ما إلى إعادة تكوين الأرصدة السمكية إلى جانب القضاء على الفقر الريفي أيضًا، فإنه إذا فرض حظرًا شاملًا على المصيد قد يزيد من الفقر في مجتمعات الصيد الحرفي. ومن شأن اتخاذ تدبير ثانٍ، مثل دعم الدخل أو إتاحة فرص عمل بديلة (أو إعفاء صغار الصيادين) أن يسمح بتحقيق الهدفين معًا.

وحين يكون تفعيل الأدوات المساعدة قد يؤدي إلى مفاضلات تؤثر سلبًا على بعض أصحاب المصلحة، قد تكون سياسات الحماية الاجتماعية ضرورية، لا سيما من أجل الحدّ من الخسائر القصيرة الأجل في الدخل أو الآثار السلبية على سبل العيش.2 وفي هذا الصدد، يمكن لحساب التكاليف الحقيقية – وعلى وجه الخصوص، تحليل السيناريو (انظر الفصل الثالث) – أن يوفر طريقة لتحديد أوجه التكافل وتقييم المفاضلات. ومثال على ذلك دراسة الأرزّ التي أجراها برنامج اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في مجال الزراعة والأغذية في تايلاند (الإطار 11). وفي هذه الدراسة، أجري تحليل سيناريو من أجل توضيح أوجه التآزر والمفاضلات المحتمل نشوؤها عن توسيع نطاق ممارسات إنتاج الأرزّ العضوي في تايلاند. وأظهرت النتائج أنّ ممارسات الأرزّ العضوي أنشأت عوامل خارجية إيجابية من خلال التحسينات الصحية والبيئية، مع أنّ الغلات كانت أقل بعض الشيء. وبغية التعويض عن خسارة الدخل، أشارت الدراسة إلى أنّ سعر الأرزّ العضوي ينبغي أن يكون أعلى بنسبة 3.5 في المائة على الأقل من سعر الأرزّ التقليدي – وربما أعلى من ذلك بكثير – نظرًا إلى وجود قدر قليل من عدم اليقين بشأن انخفاض الغلة عندما يكون الأرزّ عضويًا. ومن أجل حثّ المزارعين على تبني ممارسات الزراعة العضوية، ينبغي أيضًا إعادة توجيه الإعانات بحيث تكون مشروطة باعتماد ممارسات زراعية مستدامة.76

علاوة على ذلك، من الضروري أن يكون هناك اتساق بين الاستجابات على مستوى السياسات. وفي هذه الناحية، يمكن أن يؤدي حساب التكاليف الحقيقية دورًا أيضًا. وعلى سبيل المثال، يمكن الاستفادة من السياسات لتعزيز المبادرات التي تدعم البنية التحتية البيئية التي تعتمد عليها الزراعة وسبل العيش الريفية وتحافظ عليها، كما هو الحال في أوغندا (الإطار 23). غير أنّه ينبغي لهذه الجهود ألا تكون منعزلة في الوقت الذي يتواصل فيه، أو يتزايد حتى، دعم المبادرات غير المستدامة. وفي أوغندا، زادت الإعانات لدعم الأسمدة الكيميائية، في حين استثمرت الحكومة في الوقت نفسه في إصلاح مستجمعات المياه والغابات والأراضي.

الإطار 23توسيع نطاق التمويل العام ليشمل الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية − حالة أوغندا

تعتمد الزراعة وسبل العيش في أوغندا اعتمادًا كبيرًا على الموارد الطبيعية − من أراضي المراعي إلى الأراضي الزراعية والغابات والمياه. ولكنّ النمو السكاني والزراعة واستخدام طاقة الكتلة الأحيائية أدت جميعًا إلى تدهور تلك الأصول المهمة أكثر فأكثر. ويعدّ قطاع الزراعة هو المسبب لتدهور الموارد الطبيعية وضحية له في الوقت نفسه. وفي حين أنّ القطاع كان مسؤولًا عن نسبة 85 في المائة من تدهور الأراضي في العقود الأخيرة، أدى التدهور البيئي إلى خسائر هائلة في الإنتاجية الزراعية.78

وكانت استجابة البلد هي تعهده باستدامة تلك الموارد الطبيعية من خلال مبادرات مختلفة، وهو يعمل على توسيع نطاق الإنفاق العام على الإدارة المستدامة للغابات والأراضي والبيئة.15 وقد زاد إجمالي إنفاق أوغندا على الإدارة المستدامة للغابات والأراضي والبيئة بمقدار ثلاثة أضعاف بين عامي 2008 و2017 (انظر الشكل). وكانت الزيادة الأكبر في الإنفاق على الغابات، وأتت بصورة رئيسية من أموال مخصصة للهيئة الوطنية للغابات، التي تدير محميات الغابات الوسطى، بما فيها الغابات الطبيعية والمزارع التجارية.78 ومن المرجح أنّ تكون تلك الزيادة في الإنفاق قد ساهمت في انخفاض معدل إزالة الغابات في البلد منذ عام 2017، الذي كان قد زاد من 400 28 هكتار في عام 2006 إلى 000 117 هكتار في عام 2017، وانخفض تدريجيًا إلى 000 49 هكتار في عام 2021. 79 وشهدت جهود الإصلاح تقدمًا ملحوظًا أيضًا، حيث أجري تقييم معمَّق لقدرة البلاد على الإصلاح في عام 2016 وحدد ما يربو على 8 ملايين هكتار من الأراضي القابلة للإصلاح، وقد ركّز بصورة أساسية على الحراجة الزراعية.80

الشكل الإنفاق العام على الغابات والأراضي والبيئة في أوغندا، 2008−2017

المصدر: مقتبس عن FAO. 2021. Uganda. في: MAFAP Monitoring and Analysing Food and Agricultural Policies.[ورد ذكره في 27 يوليو/تموز 2023]. https://www.fao.org/in-action/mafap/data/en
ملاحظة: الإنفاق على الغابات والأراضي والبيئة المذكور هنا هو الإنفاق المرتبط بصورة مباشرة بقطاع الأغذية والزراعة بالمعنى الواسع، بما في ذلك إنفاق العديد من الوزارات والكيانات العامة بما يتجاوز نطاق الزراعة.
المصدر: مقتبس عن FAO. 2021. Uganda. في: MAFAP Monitoring and Analysing Food and Agricultural Policies.
[ورد ذكره في 27 يوليو/تموز 2023]. https://www.fao.org/in-action/mafap/data/en

وبالرغم من الجهود المبذولة لتحسين الاستدامة، زاد إنفاق أوغندا على الإعانات للمدخلات الزراعية بمقدار يزيد عن الضعف، وبلغ ذروته عند نسبة 24 في المائة من إجمالي الإنفاق الزراعي في عام 2016. 80 ويعزى ذلك جزئيًا إلى توجه البلاد نحو تحفيز إنتاج الأغذية الأساسية وتصدير السلع الأساسية مثل البنّ والقطن والشاي والكاكاو، بالإضافة إلى قصب السكر والتبغ، التي ارتبطت بارتفاع معدلات إزالة الغابات.

وبغية تحقيق أهداف أوغندا المتعلقة بالتنمية والمناخ بجميع جوانبها، من الضروري زيادة اتساق السياسات ضمن القطاعات وفي ما بينها. وتتواصل الجهود على قدم وساق من أجل زيادة القدرة على تتبّع صادرات أوغندا وإصدار الشهادات لها بغية القضاء على إزالة الغابات في سلسلة الإمداد،83 وباتت المشاريع مصمَّمة أكثر فأكثر لتعزيز أوجه التآزر بين الزراعة والغابات والموارد الطبيعية، مثل مشروع تحسين دخل المزارع وصون الغابات. وتقوم بتنفيذ المشروع وزارة المياه والبيئة وهو يهدف إلى تحسين سبل العيش من خلال تحسين الري والأعمال التجارية الزراعية والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية.

وهناك مجال آخر للتحسين ينطوي على نظم الإنذار المبكر ونظم العمل الاستباقي، وهي آليات مهمة من أجل التخفيف من آثار الكوارث. ولكن من الصعب تقدير القيمة الحقيقية للاستجابة للكوارث، بسبب نقص البيانات الموثوقة في البلدان المتضررة. ومع ذلك، فإنّ عمليات تقييم "أثر البيانات في حالات الطوارئ" التي تجريها منظمة الأغذية والزراعة توفر فهمًا دقيقًا وسريعًا للأثر على الزراعة وسبل العيش الزراعية وتقديرًا للأضرار والخسائر التي يتعرض لها قطاع الزراعة.77 ويشير الإطار 9، مستندًا إلى حالة انتشار الجراد الصحراوي في القرن الأفريقي في الفترة 2019–2021، الذي هدد الأمن الغذائي الهش أساسًا في المنطقة، إلى ضرورة أن يصبح حساب التكاليف الحقيقية جزءًا من التخطيط والاستعداد للكوارث وحالات الطوارئ. إذ يمكنها استطلاع الخيارات المتنوعة المتاحة وآثارها المحتملة في جميع الأبعاد (البيئية والاجتماعية والصحية والاقتصادية) قبل نشوء أي تهديد. ومن شأن ذلك أن يحسن الجاهزية لمواجهة التهديدات عن طريق توجيه الاستثمارات في مجال الحد من مخاطر الكوارث نحو حلول أكثر استدامة قادرة على الوقاية من الخسائر الاقتصادية من دون الإضرار بالبيئة والصحة.

back to top