حالة الأغذية والزراعة 2023

الفصل 2 كشف التكاليف المستترة للنظم الزراعية والغذائية من النطاق الوطني إلى النطاق العالمي

المؤشرات التي يجب أن تسترشد بها نقاط الدخول السياساتية لمعالجة التكاليف المستترة

يمكن جمع التكاليف المستترة التي جرى وصفها في الأقسام السابقة مع مقاييس أخرى ذات صلة – مثل الناتج المحلي الإجمالي، والقيمة المضافة الزراعية، واستخدام الأراضي الزراعية – من أجل وضع مؤشرات تساعد على تحديد نقاط الدخول لترتيب أولويات التدخلات والاستثمارات. ويمكن تهيئة مؤشرات مختلفة تناسب سياقات مختلفة تبعًا للمشاكل التي تتم مواجهتها، وحجم الاقتصاد، والأهمية النسبية لقطاع الأغذية والزراعة. ويجب أن تتمثل الخطوة الأولى في تحديد المواضع التي تكون فيها التكاليف المستترة أعلى وإلى أي أنشطة تعزى. وباتباع هذه الخطوة الأولى واستخدام تقديرات التكاليف المستترة وغيرها من المقاييس الوطنية، يقترح هذا التقرير ثلاثة مؤشرات ذات صلة بالنسبة إلى الأبعاد البيئية والاجتماعية والصحية، مع استهداف نقاط دخول محددة هي: المنتجين الأوليين والفقراء والمستهلكين.

وبدءًا بالبعد البيئي، تشير التقديرات إلى أن هذه التكاليف تنشأ بشكل رئيسي في الإنتاج الأولي إذ تشكل تكاليف ما قبل الإنتاج وما بعده أقل من 2 في المائة من إجمالي التكاليف المستترة المحدَّدة كميًا. وبمعنى آخر، يجب أن يُنظر إلى القطاع الأولي على أنه نقطة الدخول الرئيسية لإحداث التغيير في المسارات البيئية. وبالتالي، فإنه من المناسب اقتراح مؤشر ينظر في كثافة التكاليف المستترة التي ترتبط بشكل مباشر بالإنتاج الأولي والتي تتسم جميعها بطابع بيئي، وذلك لكل وحدة من القيمة المضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي (بالدولار على أساس تكافؤ القوة الشرائية لعام 2020). ويعبّر هذا المؤشر الذي يسمى معدل تأثير العوامل الخارجية الزراعية، عن الأهمية النسبية لقطاع الإنتاج الأولي وبالتالي عن الأولوية التي يتسم بها في تحويل النظم الزراعية والغذائية. ويمثّل هذا المعدل نسبة التكاليف المستترة الناشئة عن الإنتاج الزراعي في بلد معيّن – أي التكاليف التي تنشأ عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والنيتروجين، واستخدام المياه والأراضي، وتغيير استخدام الأراضي – إلى القيمة المضافة الوطنية الإجمالية للزراعة والحراجة ومصايد الأسماك من حيث تكافؤ القوة الشرائية. وبالتالي، يستثني هذا المؤشر من نطاقه جميع التكاليف المستترة المحدَّدة كميًا الخارجة عن إطار الإنتاج الأولي – أي المدخلات الزراعية، والتصنيع، واستهلاك التجزئة، والهدر (أنظر الشكل 5). وبما أن الحراجة لا تدخل ضمن نطاق هذا التحليل، فإنها تستثنى أيضًا من النطاق مع أنها ترد في المقام من خلال القيمة المضافة الإجمالية. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يكون معدل تأثير العوامل الخارجية الزراعية تقديرًا متحفظًا. وعلى المستوى العالمي، تُقدّر قيمة هذا المعدل بحوالي 0.31، ما يعني أن كل دولار من القيمة المضافة الزراعية يولد تكاليف مستترة قدرها 31 سنتًا. وبمعنى آخر، تساوي التكاليف المستترة الناشئة عن الزراعة حوالي ثلث القيمة المضافة الزراعية بالدولار المقدر على أساس تكافؤ القوة الشرائية لعام 2020.

وبالانتقال إلى البعد الاجتماعي، يسمى المؤشر المقترح الثاني معدل تأثير التوزيع الاجتماعي. ويركز هذا المؤشر على الجهات الفاعلة الضعيفة ويعبّر عن مساهمة النظم الزراعية والغذائية في الفقر المعتدل – أي الفشل العام في توزيع القدر الكافي من العائدات والسعرات الحرارية اللازمة لضمان حياة منتجة. ومن الناحية الحسابية، يعرّف هذا المعدل على أنه نسبة انخفاض الدخل الإجمالي للعاملين في قطاع الأغذية والزراعة عن خط الفقر المعتدل البالغ 3.65 دولارًا للفرد الواحد على أساس تكافؤ القوة الشرائية لعام 2017، إلى الدخل الإجمالي السنوي للأشخاص الذين يعانون من الفقر المعتدل. ويعبّر ذلك عن حجم التحويلات المستقبلية المحتملة التي يجب أن تقوم بها الحكومات لتجنب هذه الخسائر في الإنتاجية والتعويض عن أوجه نقص الدخل نسبة إلى الدخل الإجمالي للأشخاص الذين يعانون من الفقر المعتدل. وتجدر الإشارة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الفقر المعتدل يعيشون بمعظمهم في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا حيث تبلغ قيم المؤشر 0.57 و0.27 على التوالي. ويشير ذلك إلى أنه لتجنب تكاليف الفشل في التوزيع في النظم الزراعية والغذائية، يجب أن تزيد مداخيل الأشخاص الذين يعانون من الفقر المعتدل والذين يعملون في هذه النظم، في المتوسط، بنسبة 57 في المائة في البلدان المنخفضة الدخل وبنسبة 27 في المائة في المتوسط في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا.

ويركّز المؤشر الثالث والأخير على البعد الصحي ويسمى معدل تأثير نماذج الأنماط الغذائية. ويرتبط هذا المؤشر بالمستهلكين ويقيس كثافة التكاليف المستترة الناشئة عن نماذج الأنماط الغذائية التي تسبب السمنة والأمراض غير المعدية، وبالتالي، عن الخسائر في الإنتاجية. ويتم قياس هذا المؤشر كنسبة الخسائر المتوسطة في الإنتاجية نتيجة المتناول الغذائي للفرد الواحد بالدولار على أساس تكافؤ القوة الشرائية لعام 2020، إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المقاس على أساس تكافؤ القوة الشرائية. وكما في الحالات السابقة، يتم استبعاد التكاليف المباشرة مثل تكاليف الرعاية الصحية، ذلك أنها مدرجة بالفعل في الاقتصاد. وعلى المستوى العالمي، تساوي قيمة المؤشر 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على أساس تكافؤ القوة الشرائية لعام 2020؛ وتبلغ حدها الأدنى (4 في المائة) في البلدان المنخفضة الدخل و7 في المائة أو أكثر في فئات الدخل الأخرى.

ويعرض الشكل 10 تمثيلًا مكانيًا عالميًا للمؤشرات الثلاثة، أي: معدل تأثير العوامل الخارجية الزراعية (الأعلى)، ومعدل تأثير التوزيع الاجتماعي (الوسط)، ومعدل تأثير نماذج الأنماط الغذائية (الأسفل).

الشكل 10 التوزيع المكاني لمؤشرات التكاليف المستترة في النظم الزراعية والغذائية في عام 2020

المصدر: Lord, S. 2023. Hidden costs of agrifood systems and recent trends from 2016 to 2023. Background paper for The State of Food and Agriculture 2023. FAO Agricultural Development Economics Technical Study, No. 31. Rome, FAO.
ملاحظات: يشار إلى متوسط القيم خلال الفترة 2016–2020 ويحوّل المتوسط إلى الدولار على أساس تكافؤ القوة الشرائية حرصًا على الاتساق مع القاسم المشترك. وفي حالة معدل توزيع الأثر الاجتماعي، ينطبق «لا ينطبق» على الحالات التي يكون فيها أقلّ من 2 في المائة من السكان دون خط الفقر المعتدل. للاطلاع على نتائج المجموعة الكاملة من البلدان، يرجى الرجوع إلى الملحق 2.
المصدر: Lord, S. 2023. Hidden costs of agrifood systems and recent trends from 2016 to 2023. Background paper for The State of Food and Agriculture 2023. FAO Agricultural Development Economics Technical Study, No. 31. Rome, FAO.

ويقارن الجدول 2 المؤشرات الثلاثة في مجموعة مختارة من البلدان المصنفة بحسب فئة الدخل، ذلك أنه يمكن أن تكون هناك تباينات كبيرة في ما بينها، ويقترح ضرورة للتحرّك تتراوح بين منخفضة (اللون الأخضر) وعالية جدًا (اللون الأحمر). ويعطي ذلك مؤشرًا على المجالات ذات الأولوية التي تحتاج إلى مزيد من البحث لدراسة الخيارات المتاحة وفهم تكاليف التخفيض. ومثلًا، في البلدان المنخفضة الدخل من قبيل بوركينا فاسو، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومدغشقر، وموزمبيق، والنيجر، وأوغندا، يجب إعطاء الأولوية للفشل في التوزيع الكامن في النظم الزراعية والغذائية ولو أن جمهورية الكونغو الديمقراطية تتحمّل أيضًا تكاليف مرتفعة على مستوى المزرعة ترتبط بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن إزالة الغابات.

الجدول 2 تمثيل لوني لمؤشرات الكثافة الثلاثة من أجل إظهار الأولويات المحتملة لتقييم محدد الأهداف

المصدر: Lord, S. 2023. Hidden costs of agrifood systems and recent trends from 2016 to 2023 – Background paper for The State of Food and Agriculture 2023. FAO Agricultural Development Economics Technical Study, No. 31. Rome, FAO.
ملاحظات: تم اختيار البلدان بالاستناد إلى عدد السكان، والمناطق الجغرافية، ومدى أهمية قطاع الأغذية والزراعة، كما هو مبيّن في الشكل 9. وتقاس أولويات العمل على النحو التالي: بالنسبة إلى معدل تأثير العوامل الخارجية الزراعية ومعدل تأثير التوزيع الاجتماعي، تكون الأولوية متدنية عندما تقل القيم عن 0.2، ومتوسطة عندما تتراوح القيم بين 0.2 و0.4، وعالية عندما تتراوح القيم بين 0.4 و0.8، وعالية جدًا عندما تتجاوز القيم 0.8. أما بالنسبة إلى معدل تأثير نماذج الأنماط الغذائية، فالقيم أصغر ذلك أنها تقاس نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي الكلي. وتكون الأولوية متدنية عندما تقل القيم عن 0.03، ومتوسطة عندما تتراوح القيم بين 0.03 و0.06، وعالية عندما تتراوح القيم بين 0.06 و0.09، وعالية جدًا عندما تتجاوز القيم 0.09. وفي ما يتعلّق بمعدل تأثير التوزيع الاجتماعي، يشار إلى الحالات التي يعيش فيها أقل من 2 في المائة من السكان دون خط الفقر المعتدل بعبارة «لا ينطبق». وللاطلاع على نتائج المجموعة الكاملة من البلدان، يرجى الرجوع إلى الملحق 2.
المصدر: Lord, S. 2023. Hidden costs of agrifood systems and recent trends from 2016 to 2023 – Background paper for The State of Food and Agriculture 2023. FAO Agricultural Development Economics Technical Study, No. 31. Rome, FAO.

وفي البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا مثل نيجيريا وجمهورية تنزانيا المتحدة، تشكل أوجه النقص في دخل السكان الذين يعانون من الفقر المعتدل مصدر قلق كبير أيضًا. وفي جمهورية تنزانيا المتحدة، يجب أن ينصبّ التركيز على الخسائر في الإنتاجية الناجمة عن الأنماط الغذائية كما هي الحال في بنغلاديش وباكستان. والوضع مختلف تمامًا في البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا، حيث تواجه الصين والعراق والاتحاد الروسي وجنوب أفريقيا مثلًا خسائر مقلقة في الإنتاجية تنشأ عن الخيارات الغذائية، إضافة إلى تحديات بيئية ناجمة عن العوامل الخارجية المتعلّقة بالإنتاج الأولي.

وفي المقابل، تواجه البلدان المرتفعة الدخل بشكل أساسي تحديات تطرحها نماذج الأنماط الغذائية غير الصحية والعوامل الخارجية البيئية الناشئة عن أنشطة الإنتاج الأولي، بالرغم من وجود تباينات كبيرة في ما بينها. فتواجه كندا والولايات المتحدة الأمريكية مثلًا تحديات كبيرة تطرحها انبعاثات النيتروجين وخسارة خدمات النظم الإيكولوجية بسبب تغيير استخدام الأراضي، فيما يجب أن ينصبّ التركيز في شيلي على الأرجح على تشجيع الأنماط الغذائية الصحية بقدر أكبر. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من ارتفاع نسبة المعاناة من الأمراض غير المعدية والسمنة نتيجة نماذج الأنماط الغذائية غير الصحية في البلدان المرتفعة الدخل مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن قيم معدل تأثير نماذج الأنماط الغذائية منخفضة نسبيًا. وبالفعل، تسجل بعض البلدان المتوسطة الدخل التي تفيد عن تكاليف مستترة منخفضة ترتبط بنماذج الأنماط الغذائية (أنظر الشكل 9)، قيمًا أعلى نسبيًا لمعدل تأثير نماذج الأنماط الغذائية تعزى إلى تدني نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي يشكل مقام المؤشر.

وباختصار، تعبّر هذه المؤشرات عن كثافة التكاليف المستترة عبر مختلف الأبعاد وفي مختلف البلدان. كما أنها تهدف إلى توفير فهم أدق للتحديات الماثلة في النظم الزراعية والغذائية من أجل توجيه واضعي السياسات في إجراء تدخلات واستثمارات فعالة من أجل التخفيف من حدّة التكاليف المستترة التي يتكبدونها. ولكن، نظرًا إلى طبيعة التكاليف المستترة المتعددة القطاعات، من المهم الاعتراف بأنه لا يمكن خفض هذه التكاليف باتخاذ الإجراءات في مجال النظم الزراعية والغذائية فقط. فذلك يتطلب أيضًا الاستفادة من السياسات التي تتجاوز نطاق النظم الزراعية والغذائية (مثل النظم البيئية والمتعلقة بالطاقة والصحة وغير ذلك من المجالات) وتنسيقها.

back to top