الجزء 4 الحلول للحد من مخاطر الكوارث في الزراعة

2.4 عائدات الاستثمار في تدخلات الإجراءات الاستباقية

يُعرَّف الإجراء الاستباقي بأنه التصرف الذي يُتخذ قبل وقوع الأخطار المتوقعة لمنع الآثار الإنسانية الحادة قبل أن تتكشف بالكامل أو التقليل منها. وتنشأ فرصة اتخاذ إجراءات استباقية في المسافة الزمنية الواقعة بين تفعيل الإنذار المبكر واللحظة التي يقع فيها الأثر الفعلي للخطر على حياة الناس وسُبل عيشهم. واستُحدث نظام تفعيل وخُصصت أموال مسبقًا للصرف بسرعة عند الوصول إلى العتبات المتفق عليها مسبقًا. وجرى تطوير نظام تشغيل بالاستناد إلى التوقعات ذات الصلة (على سبيل المثال، هطول الأمطار، ودرجة الحرارة، ورطوبة التربة، وحالة الغطاء النباتي، وغير ذلك في حالة الأخطار المتصلة بالمناخ)، إلى جانب المشاهدات الموسمية والمعلومات المتعلقة بالقابلية للتضرر.

وتمثّل الإجراءات الاستباقية تدابير أثبتت فعاليتها من حيث الكلفة للتخفيف من أثر الكوارث، وهي تحقق مكاسب كبيرة من حيث القدرة على الصمود. ومن خلال تقديم الدعم قبل حدوث الأزمة، يمكن للإجراءات الاستباقية الفعالة التي تُتخذ في الوقت المناسب أن تحد من انعدام الأمن الغذائي، وتقلل من الاحتياجات الإنسانية، وتخفف الضغوط الواقعة على الموارد الإنسانية المستنزفة. وتُعد الإجراءات الاستباقية التي يتم تفعيلها بواسطة نُظم إنذار مبكر محددة السياق، تدخلات قصيرة الأجل تهدف إلى حماية مكاسب الحد من مخاطر الكوارث والقدرة على الصمود من الأثر المباشر للصدمات المتوقعة.229

ويوفِّر دعم سُبل العيش الزراعية قبل وقوع الصدمات استثمارًا في الأمن الغذائي للمزارعين والرعاة وصيادي الأسماك، وبالتالي في قدرة القطاع الزراعي على الصمود. وثبت أنه عند وقوع الأخطار، تُساعد التدخلات المنفذة في إطار الإجراءات الاستباقية المجتمعات المحلية على الحفاظ على التنوع الغذائي والمتناول ذي السعرات الحرارية العالية، وتجنب اللجوء إلى آليات التكيف السلبي. ويمكن أيضًا أن تسمح الآثار المتتالية للإجراءات الاستباقية للأُسر المعيشية ببناء الفرص الاقتصادية والقدرة المالية وتنويعها.

ويُقدم هذا القسم تقديرات كمية ملموسة للأضرار والخسائر التي أمكن تجنبها والفوائد المضافة من خلال تدخلات الإجراءات الاستباقية. ومنذ عام 2016، وبالتنسيق مع الحكومات والشركاء، نفذت منظمة الأغذية والزراعة أكثر من 50 تدخلًا استباقيًا في مجموعة من السياقات في العديد من الأقاليم، بما في ذلك أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وأفريقيا، والشرق الأدنى، وآسيا. وكان الهدف من هذه التدخلات اتخاذ إجراءات استباقية وتخفيفية حيال أثر الجفاف المتوقع، وموجة الطقس البارد (المعروفة باسم dzud)، وجائحة كوفيد- 19، والآفات النباتية والأمراض الحيوانية، إلى جانب مخاطر وصدمات أخرى. وتُقابل النتائج الواردة في هذا القسم 10 من تلك التدخلات.

ومن المقاييس المستخدمة لقياس المنافع الاقتصادية المباشرة التي تحققها الإجراءات الاستباقية عائدات الاستثمارات. فالنتيجة الرئيسية لعائدات الاستثمارات هي نسبة المنافع إلى الكلفة التي تُلخص القيمة مقابل المال الذي يُنفق في الإجراءات المتخذة قبل وقوع خطر متوقع لمنع أثره على سُبل عيش المجتمعات المحلية المتضررة، أو تخفيفه. وبالنسبة إلى التدخلات العشرة التي جرى تحليلها، جُمعت البيانات من خلال مقابلات منظمة مع مجموعة الأُسر المستفيدة ومجموعة الأسر المعيشية المرجعية. وتُستخدم الوقائع الافتراضية بين العينتين لتكوين الأساس الذي تستند إليه نتائج التدخلات الاستباقية التي تتبع بعد ذلك حسابات المنافع المضافة والخسائر المتجنبة نتيجة التدخل.

وكانت نتائج نسبة منافع الإجراءات الاستباقية إلى كلفتها في التدخلات العشرة التي جرى تحليلها إيجابية في معظمها، إذ وصلت إلى 7.1 كما هو مبين في الجدول 6. وفي حالتي إثيوبيا ومنغوليا، اللتين بلغت فيهما نسبة المنافع إلى الكلفة أعلى مستوى لها، أدى استثمار كل دولار أمريكي في الإجراءات الاستباقية إلى خسائر متجنبه ومنافع مضافة للمستفيدين بأكثر من 7 دولارات أمريكية. وحُسبت مجموعة من المنافع، بما فيها المنافع المرتبطة بصحة الثروة الحيوانية ونفوقها، وإنتاج المحاصيل، وكذلك المنتجات الحيوانية، مثل الألبان. وفي حين تساعد نسبة المنافع إلى الكلفة على فهم فعالية تدخلات الإجراءات الاستباقية من حيث الكلفة، من المهم تحليل آثار هذه المنافع على الأُسر المعيشية.

الجدول 6 نسب المنافع إلى الكلفة في تدخلات الإجراءات الاستباقية التي تُجريها منظمة الأغذية والزراعة

المصدر: الحسابات من إعداد المؤلفين.
المصدر: الحسابات من إعداد المؤلفين.

وكانت نسبة المنافع إلى الكلفة في بنغلاديش وفييت نام أقل كثيرًا مما هي عليه في الإجراءات الاستباقية الأخرى. وكانت هذه هي تحليلات الأثر الوحيدة التي أجرتها منظمة الأغذية والزراعة وركزت فيها على الإجراءات الاستباقية لمواجهة الأخطار السريعة الظهور التي تُسبب في العادة آثارًا فورية من الصعب منع حدوثها مقارنة بالأخطار البطيئة الظهور. وتنبع الاختلافات في نسب المنافع إلى الكلفة من ارتفاع الكلفة التشغيلية المرتبطة بتوزيع السلع على المجتمعات المحلية التي يتعذر الوصول إليها في المناطق النائية في غضون مدة زمنية قصيرة، أو أنواع المنافع المحسوبة. ومن ذلك على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي توزيع الحاويات المانعة لتسرب المياه قبل الأخطار السريعة الظهور إلى توفير سنوات من المنافع المستقبلية غير المشمولة في عملية الحساب. وينبغي بالتالي عدم النظر إلى الاختلافات في عائد الاستثمار على أنها نتيجة لاستعداد أقوى وأضعف.

وأثبتت الإجراءات الاستباقية المتخذة لحماية الثروة الحيوانية قبل وقوع الأخطار المتوقعة فعاليتها، ولا سيما في الحد من نفوق الحيوانات والحفاظ على حالة أجسام الحيوانات وإنتاجيتها، وكذلك قدرة القطعان على التكاثر. وفي حالة كولومبيا وكينيا ومنغوليا والسودان، كان لحملات توزيع الأعلاف والعناية بصحة الحيوان قبل الجفاف أو الموجة الباردة تأثيرات كبيرة على صحة الماشية وإنتاجيتها واقترنت بها تأثيرات إيجابية متوالية على التغذية.

وفي منغوليا أدى التوزيع المبكر للأعلاف قبل حلول الشتاء (dzud) إلى تجنب الخسائر، وأدى ذلك إلى خفض معدلات نفوق الحيوانات بما يعادل أربعة رؤوس من الماشية لكل أسرة معيشية؛ وفي الوقت نفسه زيادة إنتاج الألبان الضرورية لتغذية الأطفال.230 وفي كولومبيا، تعادل القيمة الكمية لانخفاض معدل نفوق الحيوانات قيمة 11 رأسًا من الأغنام أو الماعز لكل أسرة معيشية.231

وكان لاتخاذ إجراءات قبل حدوث الجفاف في السودان تأثير كبير على خفض معدلات نفوق الثروة الحيوانية، حيث سُجل انخفاض بنسبة 11 في المائة بالنسبة إلى الماعز.232 وفي كينيا، حققت الإجراءات الاستباقية التي ركزت على حماية الأصول الحيوانية للمجتمعات الرعوية للسكان البدو شبه الرُحل فوائد كبيرة بالنسبة إلى صحة الحيوان وكذلك إنتاج الألبان. وأنتجت الأبقار ما يقرب من لتر إضافي من الألبان في اليوم، واستُخدمت نسبة 80 في المائة من تلك الألبان للاستهلاك المنزلي، وخاصة للأطفال دون سن 5 سنوات.233 وفي أفغانستان، أدّت عمليات توزيع الأعلاف وحملات العناية بصحة الحيوان قبل حلول الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيا في عام 2021 إلى تحسين صحة الحيوان، فضلًا عن زيادة إنتاج الألبان. وكانت النسبة المئوية للثروة الحيوانية التي تدهورت حالة أجسامها أقل في حالة الأبقار والأغنام والماعز، فضلًا عن انخفاض معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة. وازداد أيضًا إنتاج الألبان بنحو 10 لترات من حليب الأبقار و3.3 لترات من حليب الأغنام لكل أسرة معيشية. وأبلغ عديد من المستفيدين عن تحسّن صحة الحيوان وتمكنوا بفضل ذلك من بيع مواشيهم بأسعار أعلى.

وسُجلت أيضًا نتائج إيجابية للتدخلات الاستباقية التي ركزت على المحاصيل. وتبعًا للسياق، قد تشمل هذه التدخلات البذور القادرة على تحمّل الإجهاد، والحصاد المبكر، وحماية النباتات من الآفات والأمراض الناجمة عن الأخطار، وبذور المحاصيل القصيرة الدورة، ومعدات الري الصغيرة، إلى جانب تدخلات أخرى.

وكان لظاهرة النينيو على مر التاريخ آثار مدمرة على الإنتاج الزراعي في الفلبين. ومن ذلك على سبيل المثال أن المزارعين الفلبينيين فقدوا أثناء ظاهرة النينيو في الفترة 2015/2016 ما مقداره 1.5 ملايين طن من المحاصيل واحتاج أكثر من 000 400 شخص إلى المساعدة. واستفادت الفلبين من هذا الدرس، واتخذت في عام 2019 إجراءات استباقية قبل الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو في مينداناو. ولذلك انخفضت حالات فشل المحاصيل لدى الأُسر المعيشية التي تمكنت من زراعة مساحات أكبر من الأراضي وزراعة مجموعة متنوعة من الخضراوات.أفس‌س وتمكن المزارعون من الحفاظ على نمط غذائي مقبول وتمكنوا أيضًا من بيع الخضراوات في الأسواق المحلية لإعالة أنفسهم أثناء فترة الجفاف ولم يضطروا على الأرجح إلى العودة إلى استراتيجيات التكيُّف السلبي.

وفي كولومبيا، أتاح العمل قبل الجفاف للمستفيدين توسيع الزراعة وزيادة الغلات الزراعية. وشملت الإجراءات المتخذة إنشاء حقول مجتمعية للإنتاج السريع للمحاصيل وتوزيع البذور والأدوات وتوفير الدعم اللازم للحفاظ على صحة الحيوان، وإعادة تأهيل البنية التحتية للمياه. ومن دون هذه الإجراءات الاستباقية لكان من المرجح أن يزداد انعدام الأمن الغذائي والمصاعب الاقتصادية واستمرار الهجرة من جمهورية فنزويلا البوليفارية المجاورة في فرض مزيد من الضغوط على الأسر المعيشية وزيادة ندرة الموارد.231

وقبل حدوث الجفاف في مدغشقر، اتُخذت إجراءات استباقية شملت توزيع بذور الخضراوات ومعدات الري الصغيرة. وكان للتدخلات تأثيرات كبيرة على زيادة إنتاج الخضراوات وكذلك خفض خسائر المحاصيل. وازداد الإنتاج بنسبة وصلت إلى نحو ستة أضعاف في بعض الخضراوات.234

وشملت المنافع الإضافية لتدخلات الإجراءات الاستباقية تمكّن بعض الأُسر المعيشية من تجنب الوقوع في حلقات الديون المفرغة. وفي الفلبين، على سبيل المثال، أدى توزيع البذور المقاومة للجفاف إلى الحيلولة دون لجوء المستفيدين إلى الاقتراض لشراء البذور بأسعار فائدة مرتفعة تصل إلى 15 في المائة. وساعدت الوفورات التي تحققت من البذور المزارعين على إبقاء أطفالهم في المدارس وتجنب العواقب السلبية المحتملة.

وتشير التقارير إلى أن الإجراءات الاستباقية تحقق أيضًا آثارًا إيجابية من حيث تعزيز الأمن الغذائي في مجموعة واسعة من المشاريع والمناطق الجغرافية. فقد ساعدت الأُسر والمجتمعات المحلية على الحفاظ على التنوع الغذائي والحصول على متناول عالٍ من حيث السعرات الحرارية عند حدوث الأخطار وتجنب آليات التكيُّف السلبي مثل التخلي عن بعض الوجبات الغذائية. وفي حين سُجلت نتائج إيجابية فإنها لم تكن موحدة بين التدخلات.

وفي مدغشقر، ساعد دعم إنتاج الخضراوات من خلال الإجراءات الاستباقية على دفع عجلة الإنتاج المحلي للأغذية وحماية المزارعين من موجات الجفاف.234 وأشار نحو 16 في المائة من المستفيدين إلى ضعف الاستهلاك الغذائي مقارنة بأكثر من 40 في المائة من الأُسر المعيشية التي لم تحصل على دعم من تدخلات الإجراءات الاستباقية.234 وفي بنغلاديش، لوحظ أن 10 في المائة من الأشخاص الذين استفادوا من التدابير الاستباقية التي اتُخذت قبل الفيضانات أبلغوا عن تحقيق معدل استهلاك غذائي مقبول مقارنة بالمجموعات المرجعية. ولكن لم يُسجل أي اختلاف كبير في الأخذ باستراتيجيات التكيُّف السلبي بين المجموعتين.

وفي أفغانستان، شملت تدخلات الإجراءات الاستباقية التي اتُخذت في عام 2021 النقد والتدريب في مجال الإنتاج الحيواني والزراعي. وسُجلت زيادات كبيرة في الاستهلاك الغذائي لدى الأُسر المستفيدة. فقد ازدادت المستويات المقبولة من الاستهلاك الغذائي لدى الأُسر من خط الأساس البالغ 6 في المائة إلى أكثر من 50 في المائة بعد التدخل.

وكشفت التقارير عن نتائج مماثلة في السودان في الفترة بين عامي 2017 و2018 بعد موجة الجفاف التي اجتاحت البلاد نتيجة الإجراءات الاستباقية المتخذة.235 وكان لتوزيع الأعلاف وحملات العناية بصحة الحيوان تأثير كبير على إنتاج الألبان المنزلية. واستهلكت كل أسرة معيشية في المتوسط 0.8 لترات إضافية من الألبان يوميًا، أي ما يمثل 528 سعرة حرارية إضافية في اليوم. ويُعطي نصف لتر فقط في اليوم الطفل البالغ من العمر خمس سنوات 25 في المائة من السعرات الحرارية و65 في المائة من البروتينات التي يحتاج إليها لنمو ونماء صحيين. وكانت الأُسر المستفيدة عمومًا أقل عرضة بنسبة 12 في المائة لخفض حجم وجباتها في اليوم أو تواترها. وبالمثل، أنتجت الأبقار الحلوب التي يملكها المستفيدون ستة أضعاف الألبان يوميًا مقارنة بما كان ينتجه غير المستفيدين في ظروف الشتاء القاسية المعروفة في منغوليا باسم الدزود (dzudا).230

وفي فييت نام، وزّعت البراميل المانعة لتسرب الماء قبل إعصار نورو في سبتمبر/أيلول 2022. واستُخدمت تلك الحاويات لحفظ السلع القيّمة للأُسر المعيشية. وأشار تحديدًا 57 في المائة من المستفيدين إلى استخدام الحاويات المانعة لتسرب المياه لتوفير المواد الغذائية بمتوسط قيمة سوقية بلغت نحو 9 دولارات أمريكية لكل أسرة معيشية.

التأثيرات على القدرة على الصمود

مع أن القياسات الكمية للقدرة على الصمود محدودة في حالة تدخلات الإجراءات الاستباقية، فإن الأدلة النوعية تُشير إلى زيادة قدرة الأسر المعيشية على الصمود بعد تدخلات الإجراءات الاستباقية. ومن الأمثلة على ذلك تجنب بيع الحيوانات بسبب نقص الأعلاف أو عدم الاستقرار الاقتصادي، وعدم الاضطرار إلى الحصول على قروض، والاحتفاظ بالبذور لاستخدامها في مواسم الزراعة المقبلة، وزيادة الدخل الذي يمكن استخدامه لشراء الأصول أو زيادة الإنتاجية.

وفي الفلبين، ساعدت تدخلات الإجراءات الاستباقية قبل الجفاف في عام 2019 الأُسر على تجنب بيع الأصول القيّمة أو حرمان الأطفال من الذهاب إلى المدرسة.أص ع‌ع وأثناء الجفاف الذي اجتاح منطقة القرن الأفريقي في الفترة بين عامي 2016 و2017، أنفق المستفيدون من تدخلات الإجراءات الاستباقية أموالًا إضافية - بما في ذلك الأموال التي استطاعوا جنيها من زيادة إنتاج الألبان - في التعليم والرعاية الصحية والأغذية والأعلاف الحيوانية، وأشارت بعض الأُسر المعيشية إلى أنها تمكنت من ادخار جزء من دخلها.

ويمكن لتدخلات الإجراءات الاستباقية أن تقلل أيضًا من المخاطر القائمة وأن تحمي سُبل العيش بعد فترة طويلة من تأثيرات الخطر الأوّلي. ومن ذلك على سبيل المثال إمكانية استخدام الحاويات المانعة لتسرب المياه التي توزّع قبل الفيضانات في بنغلاديش أو قبل الأعاصير في فييت نام لأكثر من 10 سنوات، بما في ذلك أثناء الفيضانات التي يمكن أن تحدث في المستقبل. وفي كولومبيا، لاحظ المستفيدون أن نُظم وتقنيات الري بالتنقيط تمكّنهم من إنتاج محاصيل متعددة في السنة، ما يزيد كثيرًا من إنتاجهم للأغذية.

وأتاح التدريب المقدم أثناء تدخلات الإجراءات الاستباقية فرصة لزيادة الوعي وبناء المهارات اللازمة للحد من مخاطر الكوارث. وفي كولومبيا، ساعد التدريب في مجال إدارة المياه كجزء من الإجراءات الاستباقية على بناء قدرة المجتمع المحلي على التكيّف في وجه موجات الجفاف. ويتعيّن إجراء مزيد من البحوث لتقييم كيفية تطوير المجتمعات المحلية واستخدامها المهارات والأُصول الجديدة.

ويتعين في الحالات المثلى إعادة النظر في المجالات التي استفادت فيها المجتمعات المحلية من تدخلات الإجراءات الاستباقية في المستقبل لتقييم كيفية تطور المجتمعات المحلية والطريقة التي استخدمت بها مهاراتها وأصولها الجديدة، لأن ذلك يساعد على فهم كيفية استفادة قدرة المجتمع المحلي على الصمود من تلك البرامج. وينبغي أن يُشكل ذلك محورًا للتعلم والتحليل في المستقبل لزيادة فهم الآثار الطويلة الأجل لتنفيذ الإجراءات الاستباقية.

نحو وضع إطار مؤسسي لبناء نظام للإجراءات الاستباقية

يمكن أن تؤدي نُظم الإنذار المبكر الفعالة إلى تدخلات في الوقت المناسب، ويمكن لزيادة إدماج الإجراءات الاستباقية في سياسات الحد من مخاطر الكوارث وخططتها وأُطرها المالية، وكذلك ضمن الأُطر الإنسانية والإنمائية، أن يتيح للبلدان تعزيز قدرتها على الصمود والحد من مخاطر الكوارث. 236،237 ومن شأن إدماج تدخلات الإجراءات الاستباقية في التشريعات الخاصة بإدارة مخاطر الكوارث وعبر القطاعات أن يُشكل خطوة أخرى نحو تعزيز القدرات المؤسسية.

ومن شأن إضافة الأدلة التي تثبت ما تحققه برامج الإجراءات الاستباقية من منافع، مثل فعالية كلفة العمل الاستباقي، والخسارة التي يمكن تجنبها في حال تنفيذ التدخل على أرض الواقع في الوقت المناسب، قد يكون أيضًا ضروريًا لزيادة مشاركة الحكومات، ويُظهر أيضًا السُبل التي يمكن بها لهذه المنافع أن تحقق آثارًا طويلة الأجل على الأفراد والمجتمعات المحلية. ومن المهم أن تعمل المنظمات الدولية والجهات صاحبة المصلحة الرئيسية مع الحكومات لبناء هذه المؤسسات والسياسات الداخلية لتوفير منصة من أجل تحقيق مزيد من الترسيخ المؤسسي للإجراءات الاستباقية التي تديرها وتقودها الهيئات المحلية.

وتعني فعالية الإجراءات الاستباقية ضرورة توسيع نطاق هذا النهج، ولا سيما في ظل ازدياد تواتر الأخطار وشدتها بسبب تغيُّر المناخ.238 وقد نُفذت حتى الآن إجراءات استباقية لمواجهة الأخطار الطبيعية. 239، 240 ولكنّ انعدام الأمن الغذائي الحاد يحدث في كثير من الأحيان بسبب صدمات مركبة، مثل النزاعات والصدمات الاقتصادية والأخطار الطبيعية وأزمات السلاسل الغذائية، إلى جانب أمور أخرى. وتتيح الإجراءات الاستباقية فرصة ممتازة لإدارة المخاطر المتبقية ضمن إطار استباقي وتُقلل في بعض الحالات من المخاطر القائمة.

ولتوسيع حجم النهج الاستباقي ونطاقه بصورة مستدامة، لا يمكن تصور الإجراءات الاستباقية على أنها مجرد تدابير لتقديم استجابة استباقية من جهات فاعلة إنسانية، ولكنها فرصة لتعزيز التنسيق مع الجهات الفاعلة الأخرى في برامج العمل الإنساني والإنمائي وبناء السلام والعمل المناخي وأُطر تمويل تلك البرامج.241 ويمثّل نهج التمويل المتعدد الطبقات الذي يجمع بين أدوات مختلفة في إطار الأهداف نفسها فرصة غير مسبوقة لحماية أعداد كبيرة من الأشخاص الضعفاء من التضرر من الصدمات. ويمكن للشراكات مع القطاع الخاص أن تعزز القدرة على اتخاذ إجراءات فعالة وفي الوقت المناسب قبل حدوث الصدمات.242

ومن مجالات التطوير الواعدة بشكل خاص في مجال الإجراءات الاستباقية، مع إمكانية ملحوظة لسد الفجوة بين العمل الإنساني والإنمائي، ازدياد الاهتمام بالروابط بين الحماية الاجتماعية، ولا سيما نُظم الحماية الاجتماعية التكيُّفية أو المستجيبة للصدمات، ونُهج الإجراءات الاستباقية. وتُساهم أمثلة واسعة النطاق من كينيا والصومال وإثيوبيا ومؤخرًا من ملاوي، في قاعدة أدلة متنامية بشأن الدور المحتمل لنُظم الحماية الاجتماعية في توجيه المساعدة في مجال الإجراءات الاستباقية نحو قطاعات كبيرة من السكان تحسبًا للصدمات المتوقعة. والواقع أنه يجري الترويج للتقدم في هذا المجال باعتباره «عامل تغيير» محتملًا لكيفية معالجة القطاع للمخاطر التي يواجهها السكان القابلون للتضرر من آثار تغيُّر المناخ.

والأهم من ذلك أن استدامة الإجراءات الاستباقية تتطلب إرساء الملكية وبناء القدرة على المستوى القطري. ويتطلب ذلك دعم الحكومات لإدماج الإجراءات الاستباقية في السياسات والعمليات والأدوات المالية الوطنية لإدارة مخاطر الكوارث، فضلًا عن تمكين الشركاء المحليين والمجتمعات المحلية وجميع طلائع المستجيبين من تنفيذ الإجراءات الاستباقية عن طريق توفير الموارد والآليات الضرورية. ويفتقر عديد من البلدان إلى السياسات والأُطر القانونية والبروتوكولات المتعلقة بالحصول على الأموال اللازمة للإجراءات الاستباقية. ومن الأهمية الحاسمة لتحسين نوعية البرمجة وللدعوة إلى الترسيخ المؤسسي لهذا النهج الحصول على أدلة بشأن آثار الإجراءات الاستباقية وما تحققه من منافع. وتحقيقًا لهذه الغاية، يجب أن تكون أي أدلة يتم التوصل إليها دقيقة وشفافة ومستندة إلى منهجيات سليمة. ومن الأهمية الحاسمة بصورة عامة بلورة فهم أفضل للمثبطات والحواجز السياسية التي تحول دون مشاركة الحكومة في الإجراءات الاستباقية.

وهناك فرصة أكبر للتعاون والاعتراف بالتداخلات المتضافرة بين الجهات الفاعلة والأنشطة في مجالات التنمية والعمل الإنساني والعمل المناخي والسلام. ومن أجل توسيع نطاق الإجراءات الاستباقية، ينبغي إدماجها بطريقة منهجية في عمليات بناء إدارة مخاطر الكوارث والمناخ من أجل قدرة الناس والبلدان على الصمود في وجه الأزمات.

back to top