تُساهم سياسات الحد من مخاطر الكوارث والتكيُّف مع تغيُّر المناخ بدور بالغ الأهمية في ضمان التنمية المستدامة. غير أن القدرة على اتخاذ قرارات دقيقة وفعالة تتطلب في المقام الأول إطارًا معرفيًا يمكن التعويل عليه. وعلى الرغم من الحاجة الملحّة إلى فهم كامل نطاق آثار الكوارث على الإنتاج الزراعي، فإن البيانات عن الخسائر والأضرار لا يتم جمعها أو الإبلاغ عنها بطريقة منهجية ولا تزال محدودة في نطاقها. وكوسيلة لسد هذه الفجوة، تستفيد الأقسام التالية من البيانات الثانوية، ولا سيما البيانات المتعلقة بالإنتاج المستمدة من قاعدة البيانات الدولية للكوارث وقاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة، لتوفير تقديرات كمية لأثر الكوارث على الإنتاج الزراعي، مع التركيز على المحاصيل والإنتاج الحيواني.
وتوفِّر قاعدة البيانات الدولية للكوارث تغطية أكثر شمولًا لأحداث الكوارث التاريخية، بما فيها العواصف والفيضانات وموجات الجفاف ودرجات الحرارة القصوى وتفشي الحشرات وحرائق الغابات والزلازل والانهيارات الأرضية وحركات النزوح الجماعي والنشاط البركاني. وتُشكل هذه الأنواع من المخاطر الأساس الذي يستند إليه التقييم.ل وتُقدَّر الخسائر المباشرة الناجمة عن هذه الكوارث باستخدام بيانات الإنتاج الزراعي المتاحة من قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة بشأن 192 محصولًا وعنصرًا من عناصر الثروة الحيوانية خلال الفترة 1991-2021. ويُقارن متوسط الانخفاض في الإنتاجية الوطنية بحسب العناصر، مع سيناريو افتراضي لم تقع فيه ظواهر مؤدية إلى كوارث بالاستناد إلى الإنتاجية الإجمالية لعوامل الإنتاج (يمكن الرجوع إلى التفاصيل في الملحق الفني 2). ويتم تجميع الخسائر عبر مختلف المنتجات باستخدام الأسعار المعدلة لتعادل القوة الشرائية بالدولار الأمريكي لعام 2017. وفي غياب معلومات يمكن الاعتماد عليها حول الأثر المحتمل المتفاوت، تُحدد الأوزان الترجيحية للخسائر المرتبطة بكل نوع من أنواع المخاطر باستخدام بارامترات نموذج انحدار التأثيرات المختلطة.
ومن بين افتراضات هذه العملية، من المهم ملاحظة أنه في ظل عدم وجود بيانات مفصلة، تُعزى إلى الكوارث حالات انخفاض الإنتاجية مقارنة بالسيناريو الافتراضي. وبالإضافة إلى ذلك، عندما تقع كوارث فإنها تتسبب في نتائج سلبية بالاقتران مع الظروف المناخية القائمة بالفعل والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياقات المؤسسية. وتنجم الآثار أيضًا عن تفاعل ديناميكي بين القطاعات الفرعية للمحاصيل والثروة الحيوانية، وتتسبب به في الوقت عينه. ومن ذلك على سبيل المثال إمكانية أن يؤدي الجفاف إلى ندرة المياه، ويؤثر ذلك بدوره على نمو المحاصيل وتوافر المياه اللازمة لترطيب الماشية. ويمكن أن تتسبب الفيضانات في تلف المحاصيل وتآكل التربة وتدمير البنية التحتية للثروة الحيوانية. وبالمثل، يمكن لحرائق الغابات أن تُدمِّر المحاصيل والمراعي وعلف الماشية، ما يُشكل مخاطر تُهدد إنتاج المحاصيل والحالة الصحية العامة للماشية.52 ومع ذلك، يُعامل أثر الكوارث على إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية على أنه حدث مستقل وفوري في هذا التقدير، من دون النظر إلى الترابط الديناميكي بينها.
تكشف النتائج عن أن الخسائر المقدّرة في القطاعات الزراعية الفرعية للمحاصيل والثروة الحيوانية اتبعت اتجاهًا نحو الزيادة البطيئة خلال العقود الثلاثة الماضية. وعند تجميع الخسائر الناجمة عن الظواهر القصوى التي وقعت في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الإحدى والثلاثين الماضية، فإن الخسارة الإجمالية المقدرة تبلغ 3.8 تريليون دولار أمريكي، أي ما متوسطه السنوي 123 مليار دولار أمريكي تقريبًا (الشكل 9). وتُعادل هذه القيمة 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي العالمي. ومن حيث القيمة النسبية، فإن المبلغ الإجمالي للخسائر بالدولار الأمريكي على مدى الإحدى والثلاثين عامًا يُعادل تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي للبرازيل في عام 2022.
وتظهر الارتفاعات الحادة الرئيسية بما يعادل 150 مليار دولار أمريكي في السنوات 1993 و2002 و2004 و2010 و2012 و2020. بالنظر إلى أن التقديرات الواردة هنا تُجمع الآثار السلبية الناجمة عن جميع الظواهر المسجلة ذات الشدة المتفاوتة، من الصعب ربط هذه الخسائر الكبيرة بظواهر محددة أدّت إلى وقوع كوارث. ومع ذلك، يمكن ملاحظة وجود ارتباط مع الظواهر المسجلة المؤدية إلى كوارث. ومن ذلك على سبيل المثال، تُعبِّر مستويات الخسائر المرتفعة عن الفيضانات الهائلة التي أثرت على إنتاج الحبوب وفول الصويا في أمريكا الشمالية في عام 1993؛ وموجات الجفاف الواسعة النطاق التي اجتاحت آسيا الجنوبية وأفريقيا في عام 2002؛ وموجات الجفاف الكبرى التي أثرت على الصين وتسببت في مجاعة واسعة النطاق في منطقة الساحل في عام 2010 في الوقت نفسه الذي عانى فيه الاتحاد الروسي موجات حرّ؛ والظروف الموسمية المضطربة التي أثرت على آسيا الجنوبية في عام 2012؛ والفيضانات والأعاصير التي اجتاحت الصين والهند على التوالي في الوقت نفسه الذي حطم فيه موسم أعاصير المحيط الأطلسي الرقم القياسي في أمريكا الشمالية في عام 2020.
وتُخفي الخسائر العالمية المجمَّعة التقلب الكبير في الآثار التي تحدث على المستوى العالمي. وفي هذا الصدد، يجعل حجم أعمدة الانحراف المعياري في الشكل 9 من الممكن تقييم مدى حدوث خسائر بسبب بضع ظواهر محلية، أو بسبب عدة ظواهر في عدة بلدان مختلفة. وتظهر أعمدة الانحراف المعياري بحجم أصغر عمومًا في السنوات الأخيرة مقارنة بالفترات الزمنية السابقة. وعلى سبيل المثال، في حين أن متوسط التقلب حول القيمة المركزية كان حوالي ±35 في المائة في السنوات من 1991 إلى 1993، انخفض هذا المتوسط نفسه إلى ±17 في المائة في السنوات الثلاث الماضية. وعلى العكس من ذلك، شهدت السنوات من 1991 إلى 1993 في المتوسط 156 كارثة قُدمت بلاغات عنها في جميع أنحاء العالم، بينما وصل هذا العدد إلى 397 في الفترة من 2019 إلى 2021.م ويُشير ذلك إلى أن تركيز الخسائر قد انخفض بمرور الوقت في ظل ازدياد انتشار الظواهر القصوى التي تساهم في الخسائر السنوية الإجمالية المقدّرة بصورة تدريجية عبر البلدان والمنتجات. ولذلك، وبالمقارنة مع مطلع تسعينات القرن العشرين، في حين أن الخسائر الإجمالية (من حيث القيمة) لم تُسجل سوى زيادة معتدلة، باتت تلك الخسائر أكثر انتشارًا من حيث عدد البلدان والمنتجات التي تؤثر عليها. ويبدو أن الظواهر القصوى التي تسبب خسائر في المحاصيل والثروة الحيوانية على مستوى العالم آخذة في الزيادة من حيث طبيعتها المتغيرة وتواترها.
تُظهر الخسائر في مجمل مجموعات منتجات المحاصيل والثروة الحيوانية اتجاهات متزايدة (الشكل 10). وبلغت الخسائر المقدرة في الحبوب في المتوسط 69 مليون طن سنويًا في العقود الثلاثة الماضية، تليها الفاكهة والخضراوات ومحاصيل السكر التي اقتربت في المتوسط من 40 مليون طن سنويًا. وتُظهر اللحوم ومنتجات الألبان والبيض خسائر تُقدر بنحو 16 مليون طن سنويًا، إلى جانب الجذور والدرنات؛ ويُلاحظ اتجاه متزايد في هاتين المجموعتين من المنتجات. وتُمثّل هذه الخسائر كميات كبيرة، فهي تُعادل ما يزيد قليلًا على إنتاج الحبوب في فرنسا، والفاكهة والخضراوات في اليابان وفييت نام، واللحوم ومنتجات الألبان والبيض في المكسيك والهند، في عام 2021 بأكمله.
ومن أجل تقدير الخسائر في المحاصيل والثروة الحيوانية مقارنة بسائر القطاعات، ننظر في تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث. وكما يُلاحظ في القسم 2.2، يبدو أن الزراعة تستأثر بما نسبته 23 في المائة من الخسائر الاقتصادية الإجمالية، ولكن هذه البيانات محدودة في توفير تقييم للخسائر الإجمالية. ونشرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية مؤخرًا تقديرات تُشير إلى أن الخسائر الاقتصادية بلغت ما قيمته 4.3 تريليون دولار أمريكي في الفترة بين عامي 1970 و2021ا،53 وحُسبت هذه التقديرات باستخدام 612 3 ظاهرة جوية هيدرولوجية مؤدية إلى كوارث استنادًا إلى قاعدة البيانات الدولية للكوارث. وتُمثل هذه الظواهر مجموعة فرعية صغيرة من الكوارث التي تُتاح معلومات عن الخسائر الاقتصادية التي تسببها، وهي تعادل 35 في المائة فقط من أكثر من 000 10 كارثة أُخذت في الاعتبار في تقديرات خسائر المحاصيل والثروة الحيوانية الواردة في هذا القسم.
وعلى الرغم من توافر معلومات عن الخسائر الاقتصادية الإجمالية في قاعدة البيانات الدولية للكوارث، تفتقر قاعدة البيانات إلى قيم الخسائر لأكثر من 40 في المائة من الظواهر المؤدية إلى الكوارث المسجلة.54 ووفقًا لتقدير مشترك صادر عن مركز أبحاث علم أوبئة الكوارث ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، تُشير النتائج إلى وجود تفاوت كبير في الإبلاغ عن الكوارث. وخلال الفترة من 1998 إلى 2017 على وجه التحديد، أبلغت البلدان المرتفعة الدخل عن خسائر في 53 في المائة من الحالات، بينما لم تُبلغ البلدان المنخفضة الدخل عن الخسائر سوى في 13 في المائة من حوادث الكوارث. وتجدر الإشارة إلى أن التقرير يُسلّط الضوء على عدم وجود بيانات عن الخسائر في نحو 87 في المائة من الكوارث في البلدان المنخفضة الدخل.55 وفي تقرير صدر مؤخرًا عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، لوحظ أن أرقام الخسائر الاقتصادية المسجلة في قاعدة البيانات الدولية للكوارث أقل عمومًا مما هو في الواقع بسبب فجوات البيانات في كثير من البلدان، وكذلك بسبب عدم تسجيل الخسائر الاقتصادية والمتوسطة والطويلة الأجل في آلية التتبع.56
وتؤكد الأدلة المتاحة على المستوى القطري أن تقديرات الخسائر الاقتصادية الإجمالية المستمدة من مجموعة بيانات قاعدة البيانات الدولية للكوارث أقل من الواقع. وعلى سبيل المثال، تسببت الظواهر القصوى في الولايات المتحدة الأمريكية في خسائر اقتصادية بما يزيد عن 122 مليار دولار أمريكي سنويًا خلال الفترة من 2018 إلى 2022، و149 مليار دولار أمريكي سنويًا خلال الفترة من 2000 إلى 2022 وفقًا للإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي، وازدادت هذه الأرقام بانتظام منذ ثمانينات القرن العشرين.9 وبالمثل، تتراوح تقديرات الخسائر والأضرار الناتجة من تفشي حمى الخنازير الأفريقية فقط في الصين في عام 2019 بين 60 و297 مليار دولار أمريكي.24
وفي حين أن المجموع المطلق للخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر القصوى لا يزال غير معروف، يبدو هنا أن مقدار حجم الخسائر المقدرة في المحاصيل والثروة الحيوانية متسقًا مع هذه الأمثلة والأرقام المستمدة من عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث، كما هو موضح في القسم 2.2.
يُخفي تقدير الخسائر الزراعية العالمية اختلافات كبيرة عبر الأقاليم والأقاليم الفرعية ومجموعات البلدان. وتؤثر الكوارث على الأقاليم والبلدان المختلفة بطرق مختلفة، سواء أكان ذلك بسبب الظروف الاجتماعية والبيئية القائمة بالفعل أو بسبب القابلية للتضرر أو القدرة على الصمود لدى الزراعة والمجتمعات المحلية الزراعية عند تعاملها مع مخاطر الكوارث. وتؤدي القدرات المتفاوتة على التكيُّف والقدرة على الصمود والحد من المخاطر والتعافي إلى عدم تناسق درجة تأثر بلد ما بالظاهرة المؤدية إلى كارثة. وفي حين أن الخسائر الاقتصادية يمكن أن تكون أكبر في البلدان والأقاليم المرتفعة الدخل - التي تُنتج فيها الزراعة سلعًا وأصولًا أعلى قيمة وتكون فيها البنية التحتية أكثر انتشارًا وتطورًا - فإن العواقب الاجتماعية قد تكون أقل نظرًا لما يتمتع به المزارعون وسائر أصحاب المصلحة المتضررين من قدرة أعلى نسبيًا على مواجهة الخسائر أو الحصول على الحماية الاجتماعية. وفي البلدان الأقل دخلًا، تميل الزراعة إلى الارتباط بالسلع والأصول والبنية التحتية الأقل قيمة، ما يجعل القيمة الاقتصادية الصافية للخسائر منخفضة نسبيًا. ومع ذلك، تميل عمومًا القدرة على التعافي إلى أن تكون أقل في هذه السياقات، ويؤدي ذلك إلى آثار غير مباشرة على القابلية للتضرر والاختلالات في سُبل العيش التي تولِّد عواقب وخيمة طويلة الأجل على الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وكما هو متوقع إلى حد ما، يُعبّر توزيع الخسائر الإجمالية بين المناطق خلال كامل الفترة من عام 1991 إلى 2021 عن الحجم الجغرافي الإجمالي للإقليم (الشكل 11). واستأثرت آسيا إلى حد بعيد بالجانب الأكبر من الخسائر الاقتصادية الإجمالية. وتُظهر أفريقيا وأوروبا والأمريكيتان معًا مقدارًا مماثلًا في حجم الخسائر على الرغم من الاختلافات الكبيرة في استخدام الأراضي والممارسات الزراعية في هذه الأقاليم. وتستأثر أوسيانيا، باعتبارها الإقليم الأصغر حجمًا، بأقل الخسائر الإجمالية.
ولوضع هذه الخسائر في منظورها الصحيح، من المفيد النظر في قيمتها بالنسبة إلى القيمة المضافة الزراعية الإجمالية في كل إقليم (الشكل 12)، حيث يختلف تأثير الخسائر في الإنتاج في اقتصاد كل إقليم تبعًا لأهمية القطاع الزراعي والقيمة النسبية المفقودة. وبينما تُسجل آسيا أكبر حصة من الخسائر العالمية المطلقة (45 في المائة)، فإنها تكشف عن أصغر حصة (4 في المائة) بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وعلى النقيض من ذلك، تبلغ الخسائر الإجمالية في أفريقيا نحو ربع الخسائر في آسيا، أي ما يعادل نحو 8 في المائة من القيمة المضافة الزراعية، أو ضعف النسبة المسجلة في آسيا. وتُمثل الخسائر في أوروبا والأمريكيتين نحو 7.5 في المائة ونحو 5 في المائة من الخسائر في أوسيانيا.
وعلى المستوى الإقليمي الفرعي، تكشف الأهمية النسبية للخسائر من الناحية الاقتصادية عن صورة أكثر دقة (الشكل 13). وترتبط أهمية أفريقيا الشرقية التي تفقد ما يقرب من 15 في المائة من القيمة المضافة في الزراعة بسبب الظواهر القصوى المؤثرة على المحاصيل والثروة الحيوانية، بالقوة التخريبية لموجات الجفاف الواسعة النطاق التي اجتاحت القرن الأفريقي في عام 2010 وفي السنوات الأخيرة.
وبالمثل، ولكن لأسباب مختلفة، تواجه أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي خسائر كبيرة ناجمة عن الظواهر القصوى، إذ تصل القيم إلى ما يقرب من 10 في المائة. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن الأقاليم الفرعية في آسيا تتعرض لخسائر كبيرة تمثّل حصة أصغر من القيمة المضافة الزراعية، على الرغم من الشدة الكبيرة للظواهر، مثل الفيضانات العديدة التي تعرّض لها الإقليم الجنوبي، أو الظواهر الواسعة الانتشار، مثل تفشي حمى الخنازير الأفريقية في الصين. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن أمريكا الشمالية شهدت خسائر كبيرة بسبب الفيضانات والأعاصير وغيرها من الكوارث التي حدثت خلال العقود الثلاثة الماضية (الشكل 13).
ويمكن بلورة صورة أفضل من خلال تحويل التركيز من الأقاليم إلى مجموعات البلدان المصنفة بحسب مستويات دخل الفرد فيها. ويولي هذا التقرير اعتبارًا خاصًا للدول الجزرية الصغيرة النامية المعرّضة بشكل خاص لظواهر قصوى مدمِّرة والقابلة للتضرر منها. وكما هو متوقع، تبلغ الخسائر بالأرقام المطلقة مستويات أعلى في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا (الشكل 14، اللوحة العليا). وعلى العكس من ذلك، تُظهر البلدان المنخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية مستويات منخفضة جدًا من الخسائر المطلقة. وتُعبِّر هذه الأوضاع النسبية عن صغر الحجم المادي للبلدان في كل مجموعة بالاقتران مع انخفاض سعر الوحدة للمنتجات المعنية. وهذا الحجم المادي الصغير هو السبب في انخفاض القيمة التي أبلغت عنها الدول الجزرية الصغيرة النامية. وبدلًا من ذلك، يرجع انخفاض المستوى الذي أبلغت عنه البلدان المنخفضة الدخل في معظمه إلى انخفاض قيمة وحدات منتجات المحاصيل والثروة الحيوانية.
وتتغيَّر الصورة بدرجة كبيرة عندما يؤخذ في الاعتبار توزيع الخسائر بين هذه المجموعات من الناحية النسبية كحصة من القيمة المضافة الزراعية (الشكل 14، اللوحة السفلية). وعندما يُعبَّر عن الخسائر على هذا النحو، يتضح أن حجم الخسائر التي تتكبدها البلدان المنخفضة الدخل يُشكل في المتوسط أكثر من ضعف الخسائر التي تكبدتها البلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا. ويمكن ملاحظة صورة مماثلة في الدول الجزرية الصغيرة النامية التي تكون الخسائر فيها واسعة النطاق بسبب القاعدة الضيقة للإنتاج الزراعي. وتبدو البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في وضع متوسط يتميّز بمزيج مختلف من الإنتاج الزراعي الواسع النطاق والعدد الكبير من الظواهر القصوى المسجلة.
ومن المهم أيضًا أن تؤخذ في الاعتبار خسائر القطاعات الفرعية للمحاصيل والثروة الحيوانية مقارنة بالإنتاج. وبالنسبة إلى كل مجموعة من المنتجات الرئيسية، يتم الإبلاغ عن الخسائر المقدّرة على أساس كمية الإنتاج المقدّرة في السيناريو الافتراضي الذي لا يُبلّغ فيه عن وقوع ظواهر قصوى (انظر التفاصيل في الملحق الفني 2). ومن خلال النظر في البيانات بهذه الطريقة، يمكن الحصول على معلومات عن الإنتاج المحتمل المفقود في كل مجموعة من مجموعات الإنتاج الرئيسية بسبب حدوث الكوارث، وتقييم مدى هذه الخسائر المحتملة في أقاليم العالم وفي مختلف تجمعات البلدان الاقتصادية.
ويمكن ملاحظة الخسائر مقارنة بالإنتاج الافتراضي لجميع المحاصيل والمنتجات الحيوانية ككل باستخدام الأسعار المعدلة لمراعاة تعادل القوة الشرائية بالدولار الأمريكي لعام 2017 ن (الشكل 15). وعلى هذا النحو، تؤكد النتائج أهمية الخسائر في عدة أنحاء من أفريقيا، ولا سيما الأنحاء الشرقية والشمالية والغربية. ويبدو أثر الظواهر القصوى أقلّ وضوحًا في آسيا الشرقية والجنوبية وجنوب شرق آسيا على الرغم من حجمها المطلق. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الإنتاج في هذه المناطق يتسم بحجمه الكبير الذي يمكن معه استيعاب تكرار حدوث الكوارث.
وعلى الرغم من التقلبات الكبيرة من سنة إلى أخرى، يبدو أن الظواهر القصوى تتسبب بخسائر تتراوح بين 10 في المائة تقريبًا من الإنتاج الافتراضي على المستوى العالمي. وعلاوة على ذلك يمكن من خلال النظر في مجموعات المنتجات الفردية من حيث حجمها المادي أن يوفِّر صورة مهمة تساعد على فهم سلوك تلك المجموعات (الشكل 16).س وينطبق ذلك على معظم مجموعات المنتجات، باستثناء اللحوم، التي يُبلّغ فيها عن حصص أقل قليلًا. ويبدو أن الخسائر في الحبوب اتجهت نحو الارتفاع في السنوات القليلة الماضية، بينما يبدو أن خسائر الفاكهة والخضراوات قد انخفضت في العقد الماضي. ومع ذلك، يبدو أن الخسائر في الجذور والدرنات قد ازدادت باستمرار منذ منتصف العقد الثاني من هذا القرن.
وبالإضافة إلى ذلك، تحجب الأرقام العالمية اختلافات كبيرة بين الأقاليم والأقاليم الفرعية. وفي البلدان المنخفضة الدخل (الشكل 16)، تتراوح الخسائر المقدَّرة في الحبوب خلال العقود الثلاثة الماضية بين 10 و20 في المائة من الإنتاج الافتراضي؛ أي أنها تبدو ضعف المعدل المحسوب عالميًا. ويبدو التباين بصفة عامة أكبر بالنسبة إلى مجمل مجموعات المنتجات، وخاصة بالنسبة إلى الجذور والدرنات، التي تُعدّ من المواد الغذائية الأساسية. وبالنسبة إلى الدول الجزرية الصغيرة النامية (الشكل 16)، يبدو أن حصص الخسائر في الإنتاج الافتراضي متغيرة إلى حد بعيد وكذلك كبيرة. وتتجاوز خسائر الحبوب 20 في المائة كل عامين تقريبًا، ولا سيما خلال تسعينات القرن العشرين وكذلك في العقود اللاحقة. وسُجلت أيضًا طفرات متكررة بصورة ملحوظة في الفاكهة والخضراوات.
لا يمكن إسناد الخسائر إلى أنواع محددة من الأخطار باستخدام منهجية تقييم الخسائر الوارد وصفها في القسم السابق بسبب صعوبة تصنيف الآثار الناجمة عن كوارث متعددة في سنة واحدة. وعلى الرغم من التغطية المحدودة، توفِّر عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث التي تم استعراضها في القسم 2.2 مصدرًا أفضل لفهم توزيع الخسائر في الزراعة عبر مختلف أنواع الأخطار. وعلى الرغم من الاختلافات في نطاق كل مجموعة من مجموعات البيانات والبارامترات المستخدمة فيها، فإن النتائج المتعلقة بتوزيع الخسائر عبر نوع الأخطار في عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث وفي قاعدة البيانات الدولية للكوارث، تُشير إلى اتجاه مماثل.
ووفقًا للبيانات الواردة في عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث، تبدو موجات الجفاف أهم أنواع الأخطار التي سببت أضرارًا في الزراعة خلال الفترة بين عامي 2006 و2022، تليها الأعاصير والفيضانات. وفي حين أن موجات الجفاف شكلت أكثر من 80 في المائة من الخسائر المقدّرة في الزراعة في عام 2017ا،57 فإن أكبر الخسائر ترجع إلى الفيضانات، إلى جانب العواصف والأعاصير. وفي ظل ازدياد مخاطر تغيُّر المناخ، من المتوقع أن يزداد تواتر الأخطار الجوية وشدتها، مثل الفيضانات والعواصف، إلى جانب الجفاف ودرجات الحرارة القصوى.5،56
ولتوضيح درجة تأثير أنواع الأخطار المختلفة على الزراعة، أُجريت عملية أخرى لتقييم متوسط كمية الإنتاج المفقود لكل نوع من أنواع الأخطار خلال الفترة من 1991 إلى 2021. وأُجريت هذه العملية من خلال وضع نموذج لانحدار التأثيرات المختلطة، وتبيّن من خلال هذا النموذج أن الخسائر بالأطنان لمنتج معيّن في بلد معيّن خلال سنة معيّنة قد انخفضت مقابل عدد الظواهر التي جرى الإبلاغ عنها في كل نوع من أنواع الكوارث في البلد نفسه والسنة نفسها. وقُدرت النتائج على المستوى العالمي، وتُستخدم بارامترات مختلفة لحساب الأوزان الترجيحية وخسائر الوحدة لكل نوع من أنواع الأخطار في كل إقليم. وترد في الملحق الفني 2أ تفاصيل هذا التحليل.
وترد النتائج كنسبة مئوية من متوسط الخسائر الإجمالية الناجمة عن كل نوع من أنواع الأخطار في الزراعة (الشكل 17). وعلى النطاق العالمي، تُمثل درجات الحرارة القصوى وموجات الجفاف أنواع الأخطار التي تؤثر بشكل أكبر في كل ظاهرة، وتليها الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات.
وكما جاء أعلاه، وضعت التقديرات الواردة في هذا القسم بشأن الخسائر الناجمة عن الكوارث من خلال النمذجة الاحتمالية باستخدام البيانات الثانوية. ومن المثالي جمع هذه المعلومات من خلال الاستبيانات، ما يُسفر عن معلومات منسقة عن الخسائر الناجمة عن الكوارث على المستويين الوطني ودون الوطني. ولكن هناك بعض التجارب الناجحة لهذا النوع من عمليات التقييم (انظر الإطارين 5 و6). وعلى الرغم من عدم وجود بروتوكولات موحدة، تهدف دراسات الحالة الواردة في الأُطر التالية إلى توفير معلومات يمكن استخدامها لوضع البروتوكولات.
تتسبب الكوارث والأزمات بتأثيرات معروفة على الأمن الغذائي تؤثر بصورة خطيرة على التغذية. وتؤثر الكوارث والأزمات أيضًا على التغذية عبر مسارات أخرى، وتحديدًا من خلال فقدان الأغذية والمغذّيات التي تحتوي عليها تلك الأغذية والتي كان من الممكن أن تُساهم في الأنماط الغذائية الصحية. وتحوّل الخسائر العالمية في المحاصيل والثروة الحيوانية إلى طاقة مقابلة وتسع قيم للمغذّيات الدقيقة المفقودة في الاستهلاك البشري. ويُساعد التعبير عن الخسائر كنسبة مئوية من الاحتياجات على قياس مدى تأثير حالات نقص الإمدادات الغذائية التي تُسببها الكوارث والأزمات على القدرة على تلبية الاحتياجات التغذوية للسكان.
ومن المهم، في هذا السياق، تأكيد التركيز هنا على التوافر، وليس على ما يطرأ من تغيُّرات في أنماط الاستهلاك بسبب الكوارث. وسيتطلب تقييم الاستهلاك المفقود بيانات شاملة ومحددة، وهذه البيانات محدودة حاليًا. ومن الأهمية الحاسمة الاعتراف بأن توافر الطاقة والمغذّيات في الإمدادات الغذائية لا يُترجم بالضرورة إلى المقدار الذي يتناوله الأفراد.
ولقياس كمية الطاقة والمغذّيات المفقودة، استُخدمت بيانات تركيب الأغذية74 لتحويل خسائر الإنتاج الزراعي المقدَّرة إلى خسائر في المغذّيات لتسعة فيتامينات ومعادن رئيسية (الكالسيوم، والحديد، والزنك، والفيتامين A، والثيامين، والريبوفلافين، والفيتامين C، والمغنيسيوم، والفوسفور)، بالإضافة إلى الطاقة. واستُخدمت بعد ذلك التقديرات السكانية لتحويل هذه القيم إلى متوسط كمية المغذّيات المفقودة لكل شخص في اليوم. ويُعبَّر عن هذه القيم كنسبة مئوية من احتياجات الشخص البالغ باستخدام متوسط الاحتياجات المقدَّر اليومي ع من كل عنصر غذائيف، 75، 76، 77، 78
ويوضح الشكل 27 أن متوسط الخسائر المقدّرة الناجمة عن الكوارث في القطاعين الفرعيين للمحاصيل والثروة الحيوانية على المستوى العالمي بلغ نحو 147 سعرة حرارية للشخص الواحد في اليوم على مدى السنوات الإحدى والثلاثين الماضية. ويُعادل هذا الرقم ما يتراوح بين نحو 6 و7 في المائة من متوسط الاحتياجات من الطاقة للرجال والنساء، على التوالي (الشكل 28). ويُقابل هذا الانخفاض في توافر الطاقة احتياجات نحو 455 مليون شخص (حوالي 400 مليون رجل أو 500 مليون امرأة) كل عام على مدى العقود الثلاثة الماضية.
وتُساهم الحبوب في الغالب في خسائر الطاقة والعديد من المغذّيات (الشكل 27)، بما في ذلك الحديد والزنك والمغنيسيوم والفسفور والثيامين والريبوفلافين. وتمثّل المنتجات القائمة على الحبوب أغذية أساسية في كثير من الأقاليم، وهي مصدر مهم لهذه المغذّيات. وتُساهم الخضراوات بشكل أساسي في خسائر الفيتامين A. ويُسلط ذلك الضوء على أهمية الخضراوات كمصدر لهذا الفيتامين الأساسي الحاسم الأهمية للرؤية ووظيفة المناعة والصحة العامة. وتُساهم الفاكهة والجوزيات، إلى جانب الجذور والدرنات، بدور رئيسي في خسائر الفيتامين C. وتُعرف هذه المجموعات الغذائية بثرائها بالفيتامين C، وهو عنصر غذائي مضاد للأكسدة مهم لوظيفة المناعة وتخليق الكولاجين. ويُساهم الحليب والبيض في خسائر الكالسيوم والفيتامين A والريبوفلافين. وتُعرف هذه المصادر الغذائية بمحتواها من الكالسيوم الذي يتسم بأهميته الحيوية لقوة العظام والأسنان. ويوفر الحليب والبيض أيضًا الفيتامين A، وهو ضروري للرؤية ووظيفة المناعة والريبوفلافين المهم لإنتاج الطاقة.
وبالمقارنة مع الاحتياجات، تبدو خسائر المغذّيات واضحة بشكل خاص في الحديد والفسفور والمغنيسيوم والثيامين (الشكل 28). وتبدو النسبة المئوية للخسائر متشابهة بحسب الجنس في ما يتعلق بالكالسيوم والفوسفور والفيتامين A، ولكنها تظهر بشكل مختلف بالنسبة إلى المغذّيات الأخرى. وبالنظر إلى احتياجاتهن الغذائية الأكبر، فإن التأثير المحتمل على تغذية النساء يكون أكثر أهمية في حالة الزنك والمغنيسيوم والثيامين والريبوفلافين والفيتامين C، حيث تزيد الخسائر بما يتراوح بين 1 و5 في المائة كنسبة مئوية من متوسط الاحتياجات المقدَّرة لهذه المغذّيات. ويمثّل الحديد العنصر الغذائي الوحيد الذي يمكن أن يؤثر فقدانه المحتمل على الرجال أكثر من النساء بفارق 7 في المائة.
وعلى المستوى الإقليمي، تُقدَّر الخسائر التغذوية المرتبطة بالإنتاج المفقود بسبب الكوارث بنحو 31 في المائة في آسيا والأمريكيتين، و24 في المائة في أوروبا، و11 في المائة في أفريقيا، و3 في المائة في أوسيانيا. ولكن عند النظر إلى هذه الخسائر من حيث الاحتياجات من الطاقة لسكان الأقاليم، يبدو أنها بارزة بشكل خاص في أوسيانيا بنحو 50 في المائة، تليها الأمريكيتان بنحو 15 في المائة وأوروبا بنحو 13 في المائة. وفي أفريقيا وآسيا، تقلّ بكثير نسبة فقدان توافر المتطلبات بسبب الكوارث، إذ تبلغ نحو 3.5 و4.5 في المائة، على التوالي. وتجدر الإشارة إلى أن الخسائر المقدّرة لأفريقيا وحدها تعادل الاحتياجات اليومية من الطاقة لأكثر من 43.5 مليون رجل أو 54.4 مليون امرأة.
ويوضح الشكلان 29 و30 أن خسائر المغذّيات اليومية المقدّرة، معبرًا عنها كنسبة مئوية من متوسط الاحتياجات المقدّر، تبلغ أعلى مستوى لها في أوسيانيا، حيث تتجاوز الخسائر 100 في المائة من متوسط الاحتياجات المقدّر لكل من الرجال والنساء في مغذّيات، مثل الحديد والمغنيسيوم والفوسفور والثيامين، بالإضافة إلى الزنك للنساء. ويرجع السبب في ذلك إلى التركيز على انخفاض توافر المغذّيات بدلًا من المتناول الفعلي. ومع أن المغذّيات المفقودة في هذا الإقليم أقلّ من المغذّيات المفقودة في الأقاليم الأخرى، فإن عدد السكان في أوسيانيا صغير مقارنة مع عدد السكان في سائر الأقاليم، كما أن صادرات أوسيانيا من الأغذية كبيرة. ويُسفر ذلك عن خسارة كبيرة في المغذّيات للفرد في اليوم، ويُترجم ذلك إلى خسارة كبيرة جدًا كنسبة مئوية من متوسط الاحتياجات المقدّرة. وبالنسبة إلى الحديد، على سبيل المثال، تبلغ الخسارة المقدَّرة للفرد يوميًا في أوسيانيا 12.7 ملغ. وقد لا تبدو الخسائر المطلقة مبعث قلق شديد؛ ومع ذلك، فإنها تُترجم إلى 212.5 في المائة من حصة متوسط الاحتياجات المقدّر للرجال (6 ملغ/يوم) و157.4 في المائة للنساء (8.1 ملغ/يوم).
وأخيرًا، قد يكون استبعاد الأسماك والأغذية المائية - بسبب عدم وجود تقديرات منهجية للخسائر - مهمًا بصفة خاصة عند تقييم انخفاض التوافر، نظرًا إلى أن هذه الأغذية تُشكل مصادر مهمة لمغذّيات محددة. وفي الوقت نفسه، تسمح هذه البيانات، عندما تكون أكثر تفصيلًا، بتوفير السياق الذي يُساعد على تقييم مدى توافر الإمدادات الغذائية لبلدان محددة.ص