يعرض هذا القسم دراسات حالة للقطاعات الفرعية للغابات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية التي لا تسمح فيها البيانات المحدودة بإجراء نفس النوع من التقييم المنهجي للخسائر الناجمة عن الظواهر القصوى على غرار التقييم الذي أُجري للمحاصيل والثروة الحيوانية في القسم 1.3.2. ويرجع السبب وراء هذه الفجوة في البيانات إلى الافتقار إلى بيانات خط الأساس، وتعقّد العلاقة بين الكوارث والإنتاجية في هذين القطاعين الفرعيين، ما يجعل من الصعب وضع سيناريو افتراضي خالٍ من الكوارث. وفي حالة مصايد الأسماك البحرية، من الصعب أيضًا ربط مناطق الإنتاج الوطنية بالمواقع التي تحدث فيها الكوارث. ولذلك تُجمَّع أفكار حول أهمية الخسائر الناجمة عن الكوارث في الغابات وتربية الأحياء المائية ومصايد الأسماك ومدى صلتها بالموضوع من خلال الأدبيات المنشورة والأدلة السردية المستمدة من تحليل الحالات المحددة.
ويُقدّم القسم الفرعي التالي لمحة عامة عن أهم خطرين وهما حرائق الغابات وحالات تفشي الحشرات، اللذين يهددان صحة الغابات واستدامتها في جميع أنحاء العالم. ويتناول هذا القسم الفرعي تحديات جمع البيانات في القطاع الفرعي ويُقدم منهجية محتملة لتقييم الخسائر. ويتناول القسم الفرعي الأخير ما ينشأ من خسائر في القطاع الفرعي لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، ويُقدم لمحة عامة عن الطبيعة الخاصة التي ينفرد بها أثر الكوارث في هذا السياق.
تتميّز الغابات بقابليتها الشديدة للتضرر من آثار الكوارث وتغيُّر المناخ، ولكنها تؤدي دورًا رئيسيًا في الحد من المخاطر والتخفيف من حدتها. ويمثّل التوقف عن إزالة الغابات وزيادة الغطاء الحرجي حلًا فعالًا من حيث الكلفة للتخفيف من تغيُّر المناخ وخفض الانبعاثات بأكثر من 5 غيغا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون كل عام، أي ما يمثّل نحو 11 في المائة من الانبعاثات السنوية الإجمالية. ومن شأن ذلك أن يُعزز أيضًا التنوع البيولوجي ويوفِّر خدمات النُظم الإيكولوجية، ما يزيد من قدرة الناس والنُظم الإيكولوجية على التكيُّف والصمود في وجه الظواهر القصوى.5 وفي الوقت نفسه، تتعرّض الغابات في جميع أنحاء العالم للتهديد بسبب أخطار طبيعية كثيرة، بما فيها حرائق الغابات، والآفات الحشرية، والأمراض، والجفاف، وأضرار العواصف، والفيضانات، والانهيارات الأرضية. ويمكن أن يؤدي تواتر الكوارث وشدتها إلى تدهور الغابات وفقدانها، ما يُقلل من قدرتها على تخزين الكربون، والتكيُّف مع تغيُّر المناخ، ودعم سُبل العيش القابلة للتضرر.
وتنشأ معظم الأخطار المؤثرة على قطاع الغابات عن عوامل جوية (مثل أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار)، وتقلّب المناخ على المدى الطويل، والتأثير البشري (تغيير استخدام الأراضي، وممارسات إدارة الأراضي، وإدخال الأنواع الغازية من خلال التجارة الدولية). ومن الضروري تقييم المخاطر التي تتعرّض لها الغابات والحد من تلك المخاطر لمساعدة البلدان على تحقيق أهدافها المتعلقة بالتخفيف من آثار تغيُّر المناخ والتكيُّف معها، ولكن الرصد الفعال لتدهور الغابات لا يزال في مهده. وفي تقييم الموارد الحرجية في العالم 2020، لم يُبلّغ سوى 58 بلدًا، أي ما يُمثل 38 في المائة من مساحة الغابات العالمية، عن رصد مساحة الغابات المتدهورة.79 ويطرح جمع البيانات عن آثار الغابات تحديات بسبب النُهج غير المتسقة المتبعة في تقييم الخسائر والأضرار، وعدم كفاية تطبيق المنهجيات، والافتقار إلى التغطية الشاملة لكامل مجموعة الآثار. وهناك حاجة واضحة إلى بيانات أفضل ونُهج للإدارة المتكاملة للمخاطر.
وتتناول الأقسام التالية بالتفصيل اثنين من أهم الأخطار المؤثرة على قطاع الغابات: حرائق الغابات وتفشي الآفات. وتُشكل الحرائق مكونًا أساسيًا في كثير من النُظم الإيكولوجية للأرض، ويمكن أن تكون آثارها مفيدة أو ضارة. وإلى جانب الظروف المناخية، تُعدّ الحرائق دافعًا كامنًا رئيسيًا لأنماط الغطاء النباتي العالمية،81،80 ولكنها تُشكل أيضًا تهديدًا خطيرًا. وتتسبب حرائق الغابات التي تخرج عن نطاق السيطرة (حرائق البراري) في آثار سلبية كبيرة، بما في ذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفقدان منتجات الغابات وإنتاجيتها، وتدهور المناظر الطبيعية، وفقدان الأرواح البشرية والأصول المبنية والتنوع البيولوجي والموئل، وتعطيل سُبل العيش.82 وما من إقليم أو بلد تغطيه النباتات بمنأى عن هذا الخطر.81 وتزداد أهمية مشكلة الحد من المخاطر وإدارة التأثيرات المدمّرة لحرائق الغابات في جميع أنحاء العالم.
وتحققت مستويات هائلة من النمو في التجارة والنقل والتنقل البشري، وظهرت إلى جانب ذلك الأنواع الغازية غير المحلية من آفات الحشرات ومسببات الأمراض والفقاريات والنباتات كتهديد متزايد للغابات. وتُمثّل الأنواع الغازية حاليًا أحد أهم أسباب فقدان التنوع البيولوجي، ولا سيما في بعض البلدان الجزرية.83 وتُلحق الآفات الحشرية أضرارًا بنحو 35 مليون هكتار من الغابات سنويًا.83 وتؤثر الأنواع الغازية، وتحديدًا الآفات الحشرية ومسببات الأمراض، على نمو الأشجار وسلامتها، وتحد من جودة الأخشاب وتؤثر على سائر خدمات النظام الإيكولوجي. وتلحق أنواع النباتات الغازية بالغابات من خلال منافسة الأنواع المحلية ومنع تكاثرها. وتُساهم أيضًا الأنواع المتوطنة التي تظهر بسبب تغيُّر المناخ، وهو ما يؤدي أيضًا، إلى جانب ضعف دفاعات النباتات المضيفة، إلى زيادة الآثار. ويُغيِّر ذلك تكوين النباتات وهيكلها. وتُعاني بلدان كثيرة من تفشي الآفات المحلية، مثل خنافس اللحاء، بسبب آثار تغيُّر المناخ وسوء ممارسات إدارة الغابات.
تُلحق حرائق الغابات التي يُساهم في اندلاعها ارتفاع الكثافة السكانية، أضرارًا متزايدة بالبيئة والحياة البرية وصحة الإنسان والبنية التحتية.84 ويحترق سنويًا ما يتراوح تقريبًا بين 340 و370 مليون هكتار من سطح الأرض بسبب حرائق الغابات.86،85 وتُظهر البيانات أن ما يقرب من 391 مليون هكتار - بما في ذلك 25 مليون هكتار من أراضي الغابات - التهمتها الحرائق في عام 2021 وحده.87 ولا يُبلغ في كثير من الأحيان عن المساحة المحترقة الفعلية بسبب القيود التقنية، مثل دقة أجهزة الاستشعار (ويعني ذلك إمكانية عدم ملاحظة الحرائق الصغيرة)، والتغطية الزمنية والسُحب. وباستخدام البيانات التي يوفرها القمر الاصطناعي Sentinel-2 بدقة مكانية قدرها 20 مترًا، قام Chuvieco وآخرون بحساب المساحة المحترقة في أفريقيا جنوب الصحراء والتي تبيّن أنها تزيد بنسبة 120 في المائة على المساحة التي قُدِّرت باستخدام مقياس الإشعاعية الطيفية للتصوير ذي التمييز المتوسط (MODIS) (مستوى الدقة 500 متر).88 ويعني ذلك أن الحرائق التي لم تُرسم خرائطها باستخدام مقياس الإشعاعية الطيفية للتصوير ذي التمييز المتوسط لم تُحسب بعد في تحليلات المناطق المحترقة في العالم.
ويتسبب تغيُّر التركيبة الديمغرافية والمناخ واستخدام الأراضي في ازدياد تواتر وشدة حرائق الغابات. وتندلع حرائق الغابات أيضًا في مناطق لم تكن تتأثر بها من قبل.89 ومقارنة بمستويات عام 2000، من المتوقع أن يزداد معدل حدوث الظواهر القصوى المؤدية إلى اندلاع الحرائق في العالم بنسبة 14 في المائة في عام 2030، وبنسبة 30 في المائة في عام 2050، وبنسبة 50 في المائة بحلول عام 3000. وسيكون لتغيُّر المناخ والعوامل الجوية المؤدية إلى حدوث الحرائق في المستقبل أهم دور في تعزيز حرائق الغابات، وتليها التغيُّرات في الغطاء الأرضي، ونشاط الصواعق، واستخدام الأراضي.90
وكان لتغيُّر المناخ، الناجم أساسًا عن غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من احتراق الوقود الأحفوري، أثر كبير على بيئة الحرائق.91 ويمكن لحرائق الغابات أن تُسرّع حلقة الآثار المرتدة الإيجابية لدورة الكربون، ما يجعل من الصعب وقف ارتفاع درجات الحرارة. وتُشير عمليات الرصد عبر الأقمار الاصطناعية للحرائق النشطة إلى انبعاث 450 6 ميغا طن من ثاني أكسيد الكربون من حرائق الغابات في عام 2021 على مستوى العالم، وهو ما يزيد بنسبة 148 في المائة عن إجمالي انبعاثات الوقود الأحفوري في الاتحاد الأوروبي في عام 2020. ووفقًا للنتائج الأخيرة التي توصلت إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، ازداد تواتر الطقس الأكثر سخونة وجفافًا ورياحًا في بعض الأقاليم وستستمر هذه الزيادة إذا لم تقم البلدان بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس أو إذا لم تتجاوز تلك الالتزامات. 5ويُدرك عديد من أعضاء الأوساط الدولية المعنية بمكافحة الحرائق ازدياد مشكلة إدارة الحرائق في ظل ظروف الطقس المتزايدة الصعوبة ومواسم الحرائق الممتدة المتأثرة بتغيُّر المناخ.83
ويوضح الشكل 31 المساحة المحترقة وعدد الحرائق وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العامين 2000 و2021. ولا توجد اتجاهات واضحة في الرسوم البيانية، ولكن يُلاحظ أن مجموعة البيانات المسجلة في النظام العالمي لمعلومات حرائق الغابات تستند إلى جهاز الاستشعار الخاص بمقياس الإشعاعية الطيفية للتصوير ذي التمييز المتوسط (مستوى الدقة 500 متر)، ولا تُعبِّر البيانات العالمية عن الطبيعة الخاصة للأرض. وتبيّن الرسوم البيانية أن بيانات الحرائق في أفريقيا أعلى بكثير من بيانات القارات الأخرى - فقد وقع ما يقرب من 70 في المائة من جميع حرائق الغابات العالمية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تليها 21 في المائة في أستراليا وأمريكا الجنوبية.85
وأشارت التقديرات السابقة إلى أن مساحة الغابات المحروقة سنويًا المبلَّغ عنها على المستوى الوطني (2002-2012) بلغت نحو 67 مليون هكتار، وهو ما يعادل 1.7 في المائة من جميع الغابات في جميع أنحاء العالم.86 ومع ذلك، تُشير مجموعة بيانات الحرائق العالمية المسجلة في النظام العالمي لمعلومات حرائق الغابات للفترة بين عامي 2002 و2019ا92 إلى ما متوسطه 176.9 مليون هكتار من الغابات المحترقة، أي ما يمثّل 3.6 في المائة من إجمالي الغطاء الحرجي العالمي و42.9 في المائة من المساحة المحترقة في العالم. ووفقًا لما أشار إليه Van Lierop وآخرون،86 تتوزّع مساحة الغابات المحروقة في العالم، والنسبة المئوية للمساحة الإجمالية المحروقة من الغابات في تلك المنطقة على النحو التالي:
ووقع نحو 58.6 في المائة من جميع الحرائق في الفترة من عام 2002 إلى عام 2019 (أحدث فترة متاحة لإحصاءات الحرائق على المستوى القطري) في 46 بلدًا من أقل البلدان نموًا، مع أنها تمثّل 14.2 في المائة فقط من الغطاء النباتي العالمي، بما في ذلك أراضي زراعة المحاصيل، والغطاء النباتي الطبيعي. ويُشير ذلك إلى وجود صلة بين مخاطر الحرائق وانخفاض الدخل وسياقات إدارة الموارد. وفي 33 بلدًا من أقل البلدان نموًا، يبدو أن أفريقيا هي الدافع الرئيسي الكامن وراء هذا الارتباط بين الفقر والحرائق، مع أن بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية تعاني أيضًا من ذلك الارتباط.
وتُظهر مجموعة بيانات النظام العالمي لمعلومات حرائق الغابات للفترة من 2002 إلى 2019 أن 146 مليون هكتار من الأراضي المحترقة المصنفة (بما فيها الغابات الكثيفة وغير الكثيفة) في أقل البلدان نموًا في أفريقيا، أي ما يمثّل 82.6 في المائة من جميع حرائق الأحراج على مستوى العالم. ويمكن أن يكون ذلك راجعًا إلى طريقة تصنيف الغطاء الأرضي (على سبيل المثال، تُصنف السافانا الشجرية على أنها غابات غير كثيفة). ولكن مما لا شك فيه أنها تشمل بعض الغطاء الحرجي الذي التهمته الحرائق التي تنتشر بسبب حرق الأراضي العشبية/الجنيبات والأراضي الزراعية.
وتشمل الأضرار والخسائر المتصلة بحرائق الغابات الآثار الإيكولوجية السلبية (خسائر الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي وفقدان التربة وانخفاض خصوبة التربة) والضرر الاجتماعي والاقتصادي (الوفيات، وسُبل العيش، والزراعة، والإنتاجية، والأمن الغذائي، وصحة الإنسان، والأمن المائي، والبنية التحتية/الأصول).93 ومما يؤسف له أن من الصعب تقييم استجابات النظام الإيكولوجي للحرائق على الأجلين من القصير إلى الطويل، وقياس القيم الإيكولوجية. ولا توجد قاعدة بيانات عالمية متسقة للإبلاغ عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرائق أو حتى كلفة إخمادها، ولا تقوم حكومات كثيرة بتقييم هذه المعلومات وتسجيلها روتينيًا أو إتاحتها.94
ويمكن أن تساعد معالجة الأسباب الكامنة وراء الحرائق باستخدام إجراءات الحد من المخاطر في تجنب الخسائر الكبيرة. والغرض من الإدارة المتكاملة للحرائق هو جعل المناظر الطبيعية وسُبل العيش قادرة على الصمود ومستدامة. وتحقق الإدارة المتكاملة للحرائق ذلك من خلال النظر في الجوانب الإيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية لإدارة الحرائق. ومع أن التركيز على الحد من مخاطر حرائق الغابات هو النهج السليم، يجب أن يشمل ذلك استخدام الحرائق كأداة للإدارة. ووصفت بعض الحرائق التي اعتُبرت حرائق غابات شديدة في الولايات المتحدة الأمريكية في تقارير الحرائق بأنها نتاج غابات مفرطة الكثافة ناجمة عن سياسات إخماد الحرائق في مجمعات إحيائية متكيّفة مع الحرائق. 94ويحدث الأمر نفسه في بلدان أخرى. وثمة فرصة للاستفادة من معارف الشعوب الأصلية والمعارف التقليدية في مجال إدارة الحرائق لإنشاء نُظم أفضل لإدارة الحرائق.
وتطور إطار الإدارة المتكاملة للحرائق الذي يُساعد في تقييم الحرائق وتخطيطها وإدارتها بصورة منهجية في إطار استراتيجية منظمة الأغذية والزراعة بشأن إدارة حرائق الغابات.95 وركز هذا الإطار على المكونات الخمس: الاستعراض والتحليل، والحد من المخاطر، والتأهب، والاستجابة، والتعافي. ويمكن أن يساعد تطبيق نهج الإدارة المتكاملة للحرائق والمكونات الخمس وتعزيز الحوار من خلال الخبرة والمعارف والممارسات الجيدة للباحثين والممارسين ومجتمعات الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية التقليدية في الحد من قابلية التضرر لدى الناس والمناظر الطبيعية.
يمكن أن تكون الأضرار التي تسببها الأنواع الغازية الحرجية كارثية من الناحية الاقتصادية، ولكن هناك نقص في المعلومات اللازمة لتحديد أثرها الاقتصادي العالمي.96 ومن الأسباب الرئيسية الكامنة وراء الافتقار إلى البيانات صعوبة تحديد العتبات التي يتحوّل بعدها الوجود المسموح به للآفات إلى اجتياح. وتشمل العوامل الأخرى حساب مدى الضرر الذي يلحق بالغابات، وتقدير القيمة النقدية للأرصدة المفقودة من الأشجار والنباتات.
وتشمل الكلفة الاقتصادية خسائر الأخشاب، وعمليات استبدال الأشجار، والتغييرات التي تطرأ على خدمات النظام الإيكولوجي، والاحتفاظ بالمياه، وكلفة الإدارة، والمناخ، وتسرب الكربون. وهناك أيضًا عواقب اجتماعية واقتصادية مثل النتائج المتعلقة بالصحة العامة، وخسائر الإيرادات التي تحصل عليها المجتمعات المحلية التي تعتمد على الغابات المنتجة، والأهمية الثقافية والاجتماعية للغابات التي يتعذر تحديدها من الناحية الاقتصادية. ومع ذلك، لم يكن هناك سوى قليل جدًا من البحوث لتحديد آثار الآفات والأمراض على خدمات النُظم الإيكولوجية للغابات والمجتمعات المحلية. ويستند الإبلاغ الحالي عن الأضرار الناجمة عن الآفات والأمراض إلى مساحة الأرض التي تصيبها الأضرار، أو حجم الأشجار الميتة، أو الآثار الاقتصادية - ولكن لا يوجد نظام منسق للإبلاغ عن الآثار. وفي ما يتعلق بموجات التفشي الكبيرة، من السهل نسبيًا تقييم الأضرار بناءً على مساحة الأرض في ما يتعلق بعوامل مثل خنفساء اللحاء. ولكن هذه الطريقة ليست مناسبة للآفات ومسببات الأمراض التي تسبب موت أشجار فردية محاطة بأشجار غير عائلة للآفة.
ولا يتاح عمومًا سوى بيانات محدودة عن تفشي الآفات الحشرية والأمراض، ولا سيما في البلدان النامية. وعلاوة على ذلك، تُركز البيانات المتاحة أساسًا على المزارع والأشجار المغروسة. وعلى الرغم من الإبلاغ عن انخفاض الغابات وموتها التدريجي في عديد من البلدان، هناك نقص في البيانات الاستقصائية الدقيقة. وقدّمت أستراليا والصين وبعض بلدان أمريكا الوسطى ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية تقارير تفيد بوقوع خسائر بسبب الأنواع الغازية الحديثة، والآفات الحشرية المحلية، ومسببات الأمراض.
ويصف التقرير السنوي لدائرة الغابات التابعة لوزارة الزراعة في الولايات المتحدة ظروف الآفات الحشرية والأمراض الرئيسية الحرجية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويختلف معدل موت الأشجار الناجم عن الآفات والأمراض الحشرية الحرجية من سنة إلى أخرى، ولكن أُبلغ عن أكثر من 11.8 ملايين فدان (4.8 ملايين هكتار) من الأشجار الميتة في عام 2009. 97 وعلى النقيض من ذلك، تأثر 5.9 ملايين فدان (2.4 مليون هكتار) بحرائق الأحراج في السنة نفسها. وفي عام 2018، تسببت الآفات الحشرية والأمراض في موت الأشجار في أكثر من 6 ملايين فدان (2.4 مليون هكتار) في الولايات المتحدة الأمريكية، أي ما يقل بنحو 2.6 ملايين فدان (أكثر من مليون هكتار) عن المساحة التي أُبلغ عنها في عام 2017.
وتُقدر الولايات المتحدة الأمريكية الأضرار الاقتصادية السنوية الناشئة عن جميع الآفات الحرجية الغازية في البلد بمبلغ 4.2 مليار دولار أمريكي.98 وتُشير الدراسات التي أُجريت منذ عهد أقرب إلى مجموعات محددة من الأنواع التي تسببت في كلفة أكبر. وفي عام 2019، قدرت الولايات المتحدة الأمريكية خسائر الكتلة الأحيائية المرتبطة بمعدلات موت الأشجار المرتفعة الناجمة عن الآفات الحرجية غير المحلية الأكثر تسببًا في حدوث الأضرار. وتبيّن من الدراسة أن المعدل الإجمالي لموت الأشجار يبلغ 5.53 تيراغرام من الكربون سنويًا.99
وفي أماكن أخرى، خلص Turner وآخرون إلى أن القيمة الصافية للآثار الاقتصادية المرتبطة بالآفات الحرجية الجديدة في نيوزيلندا من المتوقع أن تتراوح بين 3.8 مليارات دولار نيوزيلندي و20.3 مليارات دولار نيوزلندي في عام 2070. 100 وتُكلف الأضرار الناجمة عن الأنواع الغازية اقتصاد المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية ما يُقدر بنحو 1.7 مليارات جنيه إسترليني (أكثر من 2.2 مليار دولار أمريكي) سنويًا.101 وفي جمهورية إيران الإسلامية، أثّرت عثة خشب البقس Cydalima perdpectalis ولفحة خشب البقس Calonectria pseudonaviculata على نحو 000 80 هكتار من المواقع الطبيعية لأشجار خشب البقس (Buxus hyrcanaا). 79 وفي أستراليا في عام 2015، شمل الموت التدريجي لغابات المنغروف على طول الساحل الجنوبي لخليج كاربنتاريا مساحة تراوحت بين 000 7 و000 10 هكتار على امتداد 700 كيلومتر من الساحل. ويمثّل ذلك واحدًا من أكبر ما جرى الإبلاغ عنه على الإطلاق من ظواهر الموت الجماعي في النُظم الإيكولوجية لغابات المنغروف ويرتبط بالانحرافات المناخية.102
ومن الأمثلة البارزة الأخرى تفشي حشرة هياكل أوراق الصمغ (Uraba lugens) على نطاق واسع، ما أدى إلى تساقط شديد للأوراق في نحو 000 250 هكتار من غابات أشجار الجارا (E. marginata) في غرب أستراليا خلال الفترة بين عامي 2010 و2011، على الرغم من تعافي الغابات منذ ذلك الحين.103 وفي شمال شرق فكتوريا، عولج ما يصل إلى 000 3 هكتار من المزارع من لفحة إبرة الدوثيستروما (الناجمة عن فطر Dothistroma septosporum) سنويًا منذ عام 2011. وفي نهاية عام 2016، بلغت المساحة الإجمالية التراكمية للغابات الأصلية المملوكة ملكية عامة في غرب أستراليا المتأثرة بموت النباتات 000 274 هكتار.102 وتُشير التقديرات إلى أن الخسائر الناجمة عن زنبور الخشب Sirex woodwasp ومكافحته في مزارع أشجار الصنوبر الأسترالية قد كلف نحو 35 مليون دولار أسترالي.104 وأُنفقت مبالغ مماثلة على محاولة القضاء على الخنفساء المنزلية الأوروبية واحتوائها منذ اكتشافها في عام 2004. 105 وفي جنوب أفريقيا، يتأثر 301 12 هكتار من الأشجار المزروعة بالآفات و/أو مسببات الأمراض سنويًا.
وتُعد خنفساء الصنوبر الجنوبية، Dendroctonus frontalis، أكثر الآفات الحشرية المحلية تدميرًا لغابات الصنوبر في جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وأمريكا الوسطى.109 وظلت معدلات انتشار هذه الخنفساء منخفضة في المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية من الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2002 عندما تأثرت مساحة بلغت 5.26 مليون هكتار من غابات الصنوبر. وفي المكسيك وأمريكا الوسطى، حدثت آخر موجة من موجات الاجتياح من خنفساء الصنوبر الجنوبية - ربما بالتزامن مع خنفساء الصنوبر الأمريكية الوسطى - في هندوراس، وتسببت في موت الأشجار في نحو 000 500 هكتار في الفترة 2014/2015. 110 وحدثت موجة غير مسبوقة تفشت فيها آفة الخنفساء الحفارة Ips calligraphus في الجمهورية الدومينيكية في عام 2019ا،111 ما أثر على أكثر من 000 8 هكتار من غابات الصنوبر المحلية والدخيلة.112
ومع ذلك، كانت خنفساء الصنوبر الجبلية، منذ عام 2000، السبب الرئيسي وراء الخسائر الكبيرة في غابات الصنوبر في أمريكا الشمالية. ووفقًا لسجلات الحكومة الكندية، فإن تفشي خنفساء الصنوبر الجبلية المستمر الذي بدأ في مطلع التسعينات أثر على أكثر من 18 مليون هكتار من غابات الصنوبر في كولومبيا البريطانية. وبحلول عام 2012، أدى ذلك إلى انخفاض بنحو 723 مليون متر مكعب (53 في المائة) من حجم الصنبور القابل للتسويق.108 وفي عام 2010، كشفت الدراسات الاستقصائية عن موت أكثر 6.8 ملايين فدان من الأشجار في غرب الولايات المتحدة بسبب خنفساء الصنوبر الجبلية.97
وعلى غرار جميع البرامج، هناك ثغرات حتمية ومجالات في حاجة إلى تحسين. وكما ذُكر أعلاه، تتمثل إحدى الثغرات الرئيسية في الافتقار إلى بيانات متسقة - ليس فقط عن الخسائر التي تسببها الأنواع الغازية والمحلية، ولكن أيضًا عن الطريقة التي يمكن بها للبلدان تخفيف الخسائر والأضرار. ولتحسين تقييم آثار الأنواع الغازية والمحلية على الغابات وتحديد أولوياتها والاستجابة لها، يجب جمع معلومات منسقة عالميًا ووطنيًا ومحليًا من خلال الدراسات الاستقصائية الميدانية والاستبيانات والتكنولوجيات، مثل التصوير عبر الأقمار الاصطناعية وعن بُعد.
تؤثر الكوارث على الغابات من أوجه متعددة وتتطلب جمع مجموعة متنوعة من البيانات والمؤشرات لتقييم الخسائر والأضرار عبر جميع الأبعاد (الجدول 3) ومن السهل قياس الآثار المباشرة التي تقع على الأصول الإنتاجية - مثل المعدات - مقارنة بتقدير التأثير الواقع على إنتاج الأخشاب، ما يتطلب التمييز بين النضج والقيم بالنسبة إلى الأخشاب المتأثرة. وفي العديد من السياقات القطرية، يمكن أن تتأثر سُبل عيش أصحاب الحيازات الصغيرة بفقدان الدخل الذي يحصلون عليه من الموارد الحرجية، سواء أكان ذلك من حيث إنتاج الأخشاب أو المنتجات الحرجية غير الخشبية، مثل حطب الوقود والفاكهة والفطر والزهور والأنشطة الترفيهية.117
وتتطلب الآثار الثانوية على سُبل العيش تقييمًا للسجلات والبيانات المستمدة من الاستبيانات على مستوى الأسرة المعيشية. وكما جرى تأكيده من قبل، هناك افتقار إلى منهجيات موحدة لتقييم آثار الكوارث على خدمات النُظم الإيكولوجية. وسعت بعض عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث إلى سد هذه الفجوة عن طريق وضع مؤشرات وتحديد قيم نقدية لخسائر النُظم الإيكولوجية. 118ولا تقتصر آثار بعض الأخطار، مثل الاضطرابات التجارية الناجمة عن تفشي الآفات، على الغابات، بل لها تأثير مباشر على الإيرادات التي تدرها الغابات.
ومن الجوانب المهمة لتقييم خسائر الأخشاب بعد وقوع الكوارث الواسعة النطاق في قطاع الغابات أن من الممكن في العادة إنقاذ جزء كبير من الأخشاب التالفة. ولا يؤدي عدد الأشجار المدمّرة بعد وقوع كارثة تلقائيًا إلى انخفاض في إنتاج الأخشاب. وبدلًا من ذلك، لوحظت زيادة في مبيعات الأخشاب في أعقاب حدوث الظاهرة مباشرة، حيث طُرحت في السوق كميات من الأخشاب أكثر من المعتاد.
ويُشكل نمط الخسائر المتأخر تحديًا عند إجراء تحليل واسع النطاق للانحدار في الكوارث وإنتاج الأخشاب في بلدان متعددة وعلى مدى عدة سنوات. ويمكن ملاحظة الخسائر الفعلية الناجمة عن الكوارث التي تؤثر على إنتاج الأخشاب على مدى فترات أطول بعد بيع الأخشاب التي جرى إنقاذها وعدم عودة إنتاج الأخشاب إلى طبيعته. ويتطلب تقدير هذا التأثير الطويل الأجل على إنتاجية الغابات تحليلًا يتناول الإنتاج بالاستناد إلى توصيفات العرض والطلب المحددة السياق. ومن غير الممكن عمليًا تطبيق هذا النهج، وهذا هو السبب في أن معظم التقييمات المتاحة حاليًا لآثار الكوارث في الغابات تُركز على كوارث محددة جُمعت بيانات دقيقة عنها بعد وقوع الظاهرة، بالاعتماد على البيانات المحلية المتاحة (الجدول 3).
وما فتئت منظمة الأغذية والزراعة تُروِّج لمنهجية محددة لجمع البيانات ولحساب الخسائر والأضرار من أجل تحسين وتوحيد تقديرات خسائر الغابات الناجمة عن الكوارث. وتُقدّم المنظمة تقييمًا للموارد الحرجية يميّز بين قيمة الأخشاب الناضجة قبل قطعها الصالحة للتسويق (قيمة الخشب القائم في أرضه) والأخشاب التي لم تصل بعد إلى عمر دورتها في الوقت الذي تقع فيه الأضرار.
ولحساب الخسائر في الأخشاب الناضجة قبل قطعها الصالحة للتسويق، تُستخدم القيمة السوقية لوحدة الأخشاب، في حين يمكن استخدام أربع تقنيات للتقييم من أجل تقدير قيمة الأخشاب المفقودة قبل تسويقها، وهي نُهج البيع المقارن، وكلفة الاستبدال، ومعدل العائد الداخلي، والدخل. ويُشكل الدخل الذي تُدره المنتجات الحرجية غير الخشبية الجانب الثالث من الموارد الحرجية. ويشمل ذلك جميع الأنشطة المتعلقة بالسياحة أو الصيد أو غيرها من المنتجات الحرجية. واستنادًا إلى الدخل السنوي المتولد في هذه الفئة، تُقدّر الخسائر بتقييم نسبة مساحة الغابات المتضررة وعمر دورة الأخشاب. وبالنظر إلى أن من الممكن إنقاذ جزء من الموارد الحرجية بعد وقوع الكارثة، تُستقطع هذه القيمة المقدرة من خسائر الدخل المقدَّرة.
تتعرّض استدامة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في جميع أنحاء العالم للتهديد بسبب تزايد تواتر الكوارث وشدتها. وتُساهم مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بدور بالغ الأهمية في توفير الأمن الغذائي والتغذية وسُبل العيش لبعض المجتمعات الأكثر ضعفًا وحرمانًا في جميع أنحاء العالم. واعتبارًا من عام 2020، كان 58.5 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم يعملون في مصايد الأسماك الطبيعية (38 مليون شخص) وتربية الأحياء المائية (20.5 مليون شخص).119 وتستأثر آسيا بنسبة 84 في المائة من هذا المجموع العالمي، وتُشكل النساء نسبة 21 في المائة.119 وتعتمد سُبل عيش نحو 600 مليون شخص، بما في ذلك عمال الكفاف والقطاع الثانوي ومعاليهم، جزئيًا على الأقل على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية التي تُشكل ما يقرب من 7.5 في المائة من سكان العالم.
وتتعرض مصايد الأسماك الطبيعية وتربية الأحياء المائية لكوارث متعددة مفاجئة وبطيئة الظهور، بما في ذلك العواصف وأمواج التسونامي والفيضانات وموجات الجفاف وموجات الحر وارتفاع درجة حرارة المحيطات والتحمض وإزالة الأكسجين واختلال هطول الأمطار وتوافر المياه العذبة وتسرب المياه المالحة إلى المناطق الساحلية.120 ومن الدوافع الرئيسية الكامنة وراء المخاطر التي تهدد النظام الإيكولوجي لمصايد الأسماك الطبيعية ازدياد شدة وتواتر موجات الحر البحرية التي تُهدد التنوع البيولوجي البحري والنُظم الإيكولوجية البحرية، وتزيد من احتمالات الأحوال الجوية القصوى، وتؤثر أيضًا تأثيرًا سلبيًا على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. وفي قطاع تربية الأحياء المائية، يمكن أن تشمل الآثار القصيرة الأجل خسائر في الإنتاج والبنية التحتية، وزيادة مخاطر الأمراض والطفيليات وتكاثر الطحالب الضارة. ويمكن أن تشمل الآثار الطويلة الأجل انخفاض توافر البذور البرية وكذلك انخفاض معدلات هطول الأمطار، ما يؤدي إلى زيادة المنافسة على المياه العذبة. وهناك أيضًا مخاطر متزايدة تُهدد صحة الحيوان، ومنها على سبيل المثال تغيُّر أنماط حدوث مسببات الأمراض وضراوتها، أو قابلية تعرض الكائنات الحيّة المستزرعة للتأثر بمسببات الأمراض والعدوى.
وتؤثر الظواهر القصوى والتغيُّرات المناخية تأثيرًا مباشرًا على توزيع الأسماك البرية ووفرتها وصحتها، وعلى سلامة عمليات تربية الأحياء المائية وأرصدتها. وهي تزيد من الضغوط الأخرى الناشئة عن الأنشطة البشرية، مثل الصيد المفرط للأسماك، ما يؤثر بشكل أكبر على الاستدامة البيئية والاقتصادية لمصايد الأسماك. وبالإضافة إلى الأخطار الطبيعية، تؤثر الكوارث التكنولوجية (مثل الانسكابات الكيميائية والنفطية) والنزاعات وحالات الطوارئ المعقدة أيضًا على سلامة مصايد الأسماك ومجتمعات الصيد. وتتعرض مصايد الأسماك أيضًا لمجموعة متنوعة من آثار الكوارث المباشرة وغير المباشرة، بما في ذلك نزوح السكان وهجرتهم، والآثار على المجتمعات الساحلية والبنية التحتية بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، والتغيُّرات في تواتر العواصف المدارية أو توزيعها أو شدتها.
وتُشكل جميع هذه الحالات الطارئة تحديات خطيرة لإنتاج الأسماك، وتؤدي إلى اختلالات في سلاسل القيمة تؤثر سلبًا على رفاه الناس وسُبل عيشهم. وتؤثر الزيادات في أسعار المدخلات مثل الوقود، وارتفاع كلفة الأغذية، والتحولات في توزيع السكان، وفرض قيود علي التجارة على غرار ما حدث أثناء جائحة كوفيد-19، تأثيرًا كبيرًا على قطاع مصايد الأسماك. ويمكن أن تتطور الكوارث التي تؤثر على مصايد الأسماك التي تقع عند التقاء الأرض والمياه، بمعزل عن بعضها البعض، أو في تتابع (مثل التسونامي الذي وقع في أعقاب ثوران بركان تونغا في عام 2021) أو في تركيبة متزامنة، وغالبًا ما يكون لها تأثيرات يُضخم كل منها الآخر.
وعادة ما تقع مجتمعات الصيد والموانئ والمرافئ والبنية التحتية للأسواق ومنشآت تربية الأحياء المائية على شواطئ البحار، وكذلك على طول الأنهار والبحيرات، وهي مناطق قابلة للتضرر من مختلف التهديدات الهيدرولوجية والجوية. ويؤدي تغيُّر المناخ وتقلبه والظواهر الجوية القصوى إلى تفاقم التهديدات التي تؤثر على استدامة مصايد الأسماك الطبيعية وتنمية تربية الأحياء المائية في البيئات البحرية وبيئات المياه العذبة.
وفي الوقت نفسه، يمكن لسرعة استعادة نشاط مصايد الأسماك الطبيعية بعد وقوع الكوارث أن توفِّر الغذاء المغذي وفرص العمل، ويمكن أن تُسرِّع عودة المجتمع المحلي إلى النشاط الاقتصادي الطبيعي. وتُستخدم في كثير من الأحيان سفن الصيد بعد وقوع الكوارث لتجارة الأغذية والمواد ونقل الأشخاص الذين يدعمون الأمن الغذائي وسُبل العيش. وفي حالات النزاعات وحالات الطوارئ المعقدة، عندما تشتد حركة النازحين داخليًا واللاجئين، يمكن لمصايد الأسماك أن تؤدي دورًا مهمًا في توفير الأمن الغذائي وسُبل العيش لهم وكذلك للسكان المحليين.
ومما يعيق قدرة مصايد الأسماك على التكيُّف مع آثار الظواهر القصوى وتغيُّر المناخ الافتقار إلى عمليات تقييم موجهة لدراسة القابلية للتأثر وعدم اليقين في ما يتصل بالآثار الواقعة على مصايد الأسماك التجارية، ولا سيما بالنسبة إلى البلدان في المناطق المدارية. ومن المتوقع أن يكون لتغيُّر المناخ أثر عميق على قطاعات إنتاج الأغذية الحاسمة الأهمية، حيث من المتوقع أن تعاني المناطق المدارية خسائر، ولا سيما في سياق مصايد الأسماك. وعلى سبيل المثال، يمكن بحلول عام 2100 أن تنخفض الكتلة الأحيائية الصالحة لصيد الأسماك في المحيط بنسبة تصل إلى 40 في المائة في بعض المناطق المدارية. وتُشير عمليات المحاكاة إلى أن تغيُّر المناخ قد أدى بالفعل إلى خفض الأرصدة في أقل بقليل من نصف المناطق البحرية المشمولة بالدراسة. وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.8 درجة مئوية، لن تتمكن الأرصدة السمكية من إعادة بناء نفسها، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك، إلى جانب الصيد المفرط للأسماك بما يتجاوز الحدود المستدامة، إلى انخفاض الأرصدة السمكية العالمية بأكثر من 35 في المائة.
ويُناقش القسم التالي آثار الكوارث في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، ويعرض مختلف دراسات الحالة الوطنية لآثار الكوارث على قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.
يواجه قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في جنوب أفريقيا آثارًا كبيرة بسبب تغيُّر المناخ وما يرتبط بها من ظواهر مؤدية إلى كوارث، ما يؤثر على سُبل عيش العديد من السكان، وخاصة السكان الذين لديهم القابلية للتأثر بانعدام الأمن الغذائي، ويعيشون في فقر أو يعتمدون على هذا القطاع في سُبل عيشهم.122،121
ويحدث تكاثر الطحالب الضارة عندما يخرج نمو الطحالب - وهي كائنات بسيطة قادرة على التمثيل الضوئي وتعيش في البحار والمياه العذبة - عن نطاق السيطرة، بينما تتسبب الطحالب في تأثيرات سامة أو ضارة على البشر والأسماك والمحاريات والثدييات البحرية والطيور. وهناك أنواع كثيرة من الطحالب الضارة على مستوى العالم تنشأ عن مجموعات متنوعة من الطحالب التي تُنتج سمومًا مختلفة. وترتبط المياه الساحلية غير المؤكسدة في جنوب أفريقيا بتطور انتشار الطحالب الحمراء السامة أو تكاثر الطحالب الضارة، وتُشكل تهديدًا خطيرًا لقطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. ويرتبط تكاثر الطحالب الضارة بمجموعة من العوالق النباتية المعروفة باسم السوطيات الدوارة المتراكمة والمتحللة. ويتسبب التحلل الناتج من ذلك في نقص الأكسجين الذي يمكن أن يؤدي إلى نفوق الأنواع البحرية.123 وعلى الساحل الغربي لجنوب أفريقيا، يُعتبر انتشار الطحالب الحمراء السامة أمرًا روتينيًا بطبيعته، بينما يمكن التنبؤ به بصعوبة أقل على الساحل الشرقي للبلد.124
وفي مارس/آذار 2021، شهد الساحل الغربي لجنوب أفريقيا «هجرة جماعية» شملت 500 طن من جراد البحر الصخري في الساحل الغربي.125 وتمثل هذه الهجرة الجماعية ظاهرة متكررة تتميّز بخروج جراد البحر من المحيط بسبب ظروف نقص الأكسجين الناتجة من انتشار الطحالب الحمراء السامة، ونفوقه على الشاطئ.126 وبينما أشارت التقديرات إلى أن الهجرة الجماعية لجراد البحر في عام 1997 بلغت 000 2 طن،127 فإن هذه الظاهرة في عام 2021 لا تزال تُعتبر مؤثرة للغاية بالنظر إلى حالة أرصدة هذا النوع (المقدرة بنسبة 1.9 في المائة من المستويات الأصلية).128 وشكلت هذه الظاهرة مصدر قلق خاص بالنظر إلى أن صغار صيادي الأسماك المحليين أشاروا إلى أن معظم جراد البحر النافق كان صغير الحجم. وبالإضافة إلى الهجرة الجماعية لجراد البحر بسبب انتشار الطحالب الحمراء السامة، عُثر على عدة أنواع من الأسماك على الشاطئ وفي المياه الضحلة خارج موئلها المعتاد. ولم يتمكن أيضًا معظم صيادي جراد البحر والصيادين الذين يستخدمون الخيوط التقليدية والصيادين الذين يستخدمون الخيوط التجارية من الوصول إلى مناطق الصيد القريبة من الشاطئ. وبينما تمكن بعض الصيادين من جمع جراد البحر الذي خرج من المياه، مما مكنهم من الوفاء بحصتهم الإجمالية المسموح بها من الصيد، لم يتمكن صيادون كثيرون آخرون من القيام بذلك بحلول نهاية الموسم بسبب فوات أيام الصيد بسبب انتشار الطحالب الحمراء السامة. وأدى بالتالي انتشار الطحالب الحمراء السامة إلى فقدان العديد من الأسر المعيشية دخلها، ويمكن اعتبار هذه الظاهرة مدمِّرة اقتصاديًا لصغار صيادي الأسماك.
تأثرت الفلبين منذ عام 1990 بما عدده 565 ظاهرة أدّت إلى وقوع كوارث وأسفرت عن أضرار تُقدر بنحو 23 مليون دولار أمريكي. وأُبلغ عن أن ما يقرب من 85 في المائة من مصادر إنتاج البلد عُرضة للكوارث، و50 في المائة من أراضيه معرضة للمخاطر من الناحية الاقتصادية. وتبيّن أن المجتمعات المحلية الساحلية، ولا سيما أصحاب المشاريع الصغيرة الفقراء، مثل صيادي الأسماك وجامعي المحار، هي الأكثر قابلية للتضرر من الفيضانات الساحلية وتآكل السواحل وتسرب المياه المالحة.
ومع أن هيئة مصايد الأسماك والموارد المائية تجمع معلومات محددة عن آثار الكوارث على قطاع مصايد الأسماك، لا تُعبِّر الموارد التي تخصصها الحكومة عن أهمية قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية للاقتصاد الوطني وكمصدر أساسي لسُبل عيش العديد من السكان، خاصة عند مقارنتها بالقطاعات الزراعية الفرعية الأخرى. وعلى سبيل المثال، في حالة المناطق الأربع المتضررة من إعصار أوديت في ديسمبر/كانون الأول 2021، كان الدعم المالي المخصص لقطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية يعادل فقط ربع المبلغ المخصص لإغاثة مزارعي الأرزّ في واحدة فقط من تلك المناطق. ولهذا السبب، تطلب هيئة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في كثير من الأحيان سد فجوة الإغاثة المالية المتبقية لقطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن البيانات المتاحة تؤخذ في الاعتبار على النحو الكافي في تقارير تقييم الاحتياجات. وفي تقارير تقييم احتياجات الأعاصير المدارية الأكبر الثلاثة التي ضربت الفلبين في السنوات الخمس الماضية، وهي إعصار كاموري (تيسوي) في عام 2019ا،129 والإعصار المداري غوني في عام 2020ا،130 والإعصار المداري راي (أوديت) في عام 2021ا،131 تبرز بوضوح ضرورة تسليط الضوء بصورة أفضل على الآثار الواقعة على مجتمعات الصيد وتربية الأحياء المائية، بما في ذلك الاحتياجات والأولويات الخاصة بالقطاع. وفي حين أن التقييمات تُقدّم تقديرات للأضرار والخسائر في المحاصيل، لم تُقدَّم أي بلاغات عن أي أرقام أو لم تُقدَّم سوى بلاغات عن أرقام قليلة جدًا في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. وترد بعض المعلومات المتعلقة بمصايد الأسماك في ما يتصل بالإعصار المداري راي (أوديت)، ما قد يُشير إلى توجه نحو تسليط الضوء بصورة أفضل على الآثار الواقعة على هذا القطاع. وشكلت الأقفاص السمكية 63 في المائة من الأضرار في قطاع تربية الأحياء المائية، في حين أن قوارب الصيد في قطاع الصيد الطبيعي عانت الجزء الأكبر من الأضرار (الشكل 32). وفي ما يتعلق بمصايد الأسماك تأثر 126 2 صيادًا بسبب الخسائر التي لحقت بإنتاجهم البالغ 3.5 ملايين دولار أمريكي من الأعشاب البحرية وأسماك السلماني وسمك البلطي والروبيان (الأقفاص والبرك) في المناطق الثلاث. وبالنسبة إلى مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، لم يتمكن الصيادون من مواصلة الصيد بعد الإعصار المداري بسبب فقدهم أدوات ومعدات الصيد.132 ولاحظت منظمة الأغذية والزراعة أضرارًا أكبر في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، إذ بلغت الخسائر 3.97 مليارات بيزو فلبيني (79.4 ملايين دولار أمريكي).131
ثار بركان هونغا تونغا - هونغا هاباي (HT–HH) تحت سطح البحر في تونغا في 15 يناير/كانون الثاني 2022 في انفجار شعر به السكان في جميع أنحاء العالم. وأدى ثوران البركان إلى ظاهرتين: تساقط سحابة الرماد البركاني والتسونامي، وكانت لكلتا الظاهرتين آثار محتملة على الإنتاج السمكي وسُبل العيش.
وركز تقرير تقييم الكوارث الأوّلي الذي أصدرته وزارة مصايد الأسماك في تونغا في فبراير/شباط 2022 على الأضرار التي لحقت بالأصول السمكية، بما في ذلك سفن الصيد الصغيرة التي كانت تعمل في صيد أسماك التونة وسمك البُهار ومحركات تلك السفن ومعداتها. وبلغت الأضرار المقدّرة الإجمالية التي لحقت بالقطاع الفرعي لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية 4.6 ملايين دولار أمريكي. وبالنظر إلى أن التقرير لم يتناول سوى الأضرار، أجرت وزارة مصايد الأسماك تقييمًا آخر بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة لمواصلة دراسة الخسائر المتكبدة، والانخفاض في مستوى التدفقات الاقتصادية، ومتطلبات التعافي.
وعندما تؤخذ في الحسبان الخسائر التي لحقت بالتدفقات الاقتصادية، يتبيّن أن ثوران بركان هونغا تونغا - هونغا هاباي والتسونامي المرتبط به في يناير/كانون الثاني 2022 تسبب في خسائر تُقدر بنحو 7.3 ملايين دولار أمريكي في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في تونغا (الجدول 4). ولم يتناول هذا التقييم تساقط الرماد، حيث قُدِّرت الآثار المادية الناجمة عن سقوط سحابة الرماد باعتبارها آثارًا طفيفة نسبيًا.
وفي الفترة 2020-2021، ساهم قطاع مصايد الأسماك بنسبة 2.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتونغا.133 وبالنظر إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لتونغا بلغ 488.83 مليون دولار أمريكي في عام 2020 وفقًا لبيانات البنك الدولي،134 فإن هذا يُترجم إلى نحو 10.3 ملايين دولار أمريكي ناتجة من قطاع مصايد الأسماك. وتُمثّل الخسائر والأضرار المتكبدة في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والتي قُدرت بنحو 7.3 ملايين دولار أمريكي، حوالي 71 في المائة من قيمة قطاع مصايد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي، ما يدل على أهمية هذه الكارثة بالنسبة إلى هذا القطاع.
ومن أكثر الفئات تأثرًا بهذه الظاهرة مصايد الأسماك الحرفية/مصايد الأسماك الصغيرة النطاق التي تُقدر أضرارها وخسائرها بمبلغ 3.5 ملايين دولار أمريكي، أي ما يمثل 48 في المائة من التقديرات الإجمالية. ووفقًا للتعداد الزراعي لعام 2015ا،135 فإن 15 في المائة فقط من جميع الأُسر المعيشية المشمولة بالاستقصاء تُشارك في أنشطة صيد الأسماك. ومن بين هذه الأُسر المعيشية، يعمل 54 في المائة في صيد الكفاف للاستهلاك، ويعمل نحو 42 في المائة في شبه الكفاف (للاستهلاك أساسًا والبعض الآخر للبيع)، و4 في المائة فقط في الصيد التجاري. وهذه هي الأُسر المعيشية التي أشارت إلى أن صيد الأسماك يُشكل المصدر الرئيسي لدخلها أو سُبل عيشها. وتُشير الخسائر الكبيرة التي تكبدتها هذه المجموعة من الأُسر المعيشية، على الرغم من أنها لا تمثّل سوى جزء صغير من الأُسر المعيشية في تونغا، إلى أنها تأثرت بشدة. وعلاوة على ذلك، تُشكل الأسماك والأغذية البحرية، من وجهة نظر الأمن الغذائي، 10 و11 و13 في المائة من الإنفاق الغذائي الإجمالي في مقاطعات إيوا، وتونغا تابو، وهاباي، على التوالي، وفقًا لاستقصاء دخل وإنفاق الأسرة المعيشية للفترة 2015/2016. 136 وتغطي أنشطة صيد الكفاف، أي أنشطة الصيد لاستهلاك الأُسر المعيشية، نسبة 10 في المائة تقريبًا من النفقات الإجمالية على الأسماك والأغذية البحرية ويُساهم عمومًا الحصول على الأسماك والأغذية البحرية واستهلاكها بدور حاسم الأهمية في الأمن الغذائي والتغذية لمعظم الأُسر المعيشية في تونغا.
وتُشير تقديرات قطاع تربية الأحياء المائية وتربية الأحياء البحرية إجمالًا إلى خسائر بما قيمته 1.3 ملايين دولار أمريكي، أي نحو 18.2 في المائة من مجموع الإنتاج الكلي في القطاع. وفي إطار هذين القطاعين، هيمنت الخسائر الاقتصادية على التقديرات الإجمالية بسبب الخسائر التي لحقت بالأرصدة الصالحة للصيد. ووقعت أكبر الخسائر الاقتصادية في قطاع الصيد المحلي التجاري. ولحسن الحظ، لم تلحق سوى أضرار ضئيلة جدًا بالأرصدة البياضة لأن تونغا تتبع نهج الصيد والإفلات في ما يتصل بالمدخلات والأصول البياضة. ومع ذلك، لا تُتاح معلومات عن الآثار الواقعة على البيئة البحرية التي تحدث فيها عمليات صيد الأرصدة البياضة لوضع البيض في مزارع تربية الأحياء المائية. وبصرف النظر عن إنتاج أسماك الزينة المدارية لأحواض أسماك الزينة، حدثت جميع الخسائر في المزارع والمشاريع التجريبية. وترجع الخسارة الاقتصادية الكبيرة في أسماك خيار البحر إلى فقدان ما يُقدر بنحو 000 6 سمكة رملية ناضجة وجاهزة للصيد بسبب أمواج التسونامي.