الجزء 1 مقدمة

إثيوبيا. منطقة متأثرة بالفيضانات في إقليم عفار.
©FAO/Michael Tewelde

على النقيض من طموحات التنمية الدولية، جاء عام 2023 في نهاية العقد الأكثر احترارًا على الإطلاق والذي تميَّز بظواهر جوية قصوى غير مسبوقة وكوارث واسعة النطاق تفاقمت آثارها بسبب النزاعات المستمرة وتأثيرات جائحة كوفيد-19. وعانى المجتمع العالمي من خسائر واسعة النطاق على المستوى البشري والاقتصادي وفي البنية التحتية، وشهد اضطرابات في سلاسل الإمداد، وتدهورًا في النُظم البيئية والإيكولوجية ذات الأهمية الحيوية في السنوات الأخيرة. وازداد وقوع وشدة الظواهر المؤدية إلى كوارث، التي تعرفها الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنها «اضطراب خطير في سير الحياة في جماعة أو مجتمع ما على أي نطاق بسبب أحداث خطيرة تتفاعل مع ظروف التعرض للأخطار والضعف والقدرة، بما يؤدي إلى واحدة أو أكثر من الخسائر والآثار التالية: الخسائر والآثار البشرية والمادية والاقتصادية والبيئية»,1 ومن المتوقع أن تزداد سوءًا في الوقت الذي يواجه فيه كوكب الأرض المتزايد الاحترار تحديات ناجمة عن أجواء من عدم اليقين تُخيّم على مشهد المخاطر في سياق الموارد البيولوجية والإيكولوجية المحدودة.

ويتيح عام 2023 فرصة جيدة لتقييم أثر الكوارث على الزراعة في وقت شارف فيه المجتمع الدولي على تحقيق إنجازات عالمية مهمة في قياس التقدم المحرز نحو مستقبل أكثر استدامة. وشكل مؤتمر قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2023 بشأن تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 واستعراض منتصف المدة لإطار سنداي للحد من الكوارث 2015-2030، منطلقًا مهمًا نحو استعراض التقدم المحرز في الحد من المخاطر وبناء القدرة على الصمود وتعزيز بناء عالم أكثر استدامة. واستشرافًا للمستقبل، سيوفِّر التقييم العالمي لاتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ في نهاية عام 2023 ومؤتمر القمة المعني بالمستقبل في عام 2024 مزيدًا من الفرص لمواصلة تقييم مكاسب التنمية العالمية.

ووفقًا لقاعدة البيانات الدولية للكوارث ج التابعة لمركز أبحاث علم أوبئة الكوارث والتي تحتوي على أكثر السجلات شمولًا بشأن الظواهر القصوى، تسببت الكوارث في وفاة نحو 000 31 شخص وما يُقدَّر بنحو 223.8 مليارات دولار أمريكي من الخسائر الاقتصادية في عام 2022 وحده، ما أثر على أكثر من 185 مليون شخص.2 وازداد تواتر الظواهر المؤدية إلى كوارث من 100 ظاهرة في السنة في سبعينات القرن العشرين إلى نحو 400 ظاهرة سنويًا في جميع أنحاء العالم في السنوات العشرين الماضية (الشكل1).د

الشكل1 عدد الكوارث بحسب مجموعة الأخطار المسجلة في قاعدة البيانات الدولية للكوارث (EM-DAT) التابعة لمركز أبحاث علم أوبئة الكوارث والخسائر الاقتصادية الإجمالية (2022-1972)

المصدر: قاعدة البيانات الدولية للكوارث (EM-DATا). 2023. الصفحة العامة. في: EM-DAT. بروكسل. [ورد ذكرها في يناير/ كانون الثاني 2023]. https://public.emdat.be/.
المصدر: قاعدة البيانات الدولية للكوارث (EM-DATا). 2023. الصفحة العامة. في: EM-DAT. بروكسل. [ورد ذكرها في يناير/ كانون الثاني 2023]. https://public.emdat.be/.

وبشكل عام، تنتشر المخاطر المؤثرة على الزراعة في كل مكان وتزداد بمعدل يفوق الجهود المبذولة للحد منها. وتتطلب زيادة القدرة على الصمود (التي تُعرَّف على نطاق واسع في هذا التقرير بأنها القدرة على التعامل مع الاضطرابات أو تأثير الظواهر الضارة) وقدرات التكيُّف لدى المجتمع المحلي أو النظام الاجتماعي والإيكولوجي تغييرات كبيرة في الممارسات الحالية وزيادة تعبئة الموارد وتحسين سُبل الوصول إليها. وسيتيح تحسين جودة البيانات المتعلقة بالآثار والمخاطر وزيادة اتساقها والتكامل بينها على جميع المستويات للمجتمعات المحلية الزراعية المحلية والوطنية بتحديد أفضل الاستراتيجيات الممكنة للتخفيف من أثر الظواهر المستقبلية أو الحد منه. وفي الوقت نفسه، يجب توسيع جهود منع ظهور مخاطر جديدة والحد من المخاطر القائمة قبل وقوع الكارثة، وبناء القدرة على المواجهة أثناء الكارثة، ووضع تدابير للتصدي بعد وقوع الظاهرة المؤدية إلى الكارثة، من أجل تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 واتفاق باريس وإطار سنداي. ويتطلب ذلك تحولًا جوهريًا عبر مختلف القطاعات في الأنشطة والخطط والسياسات الزراعية وفي التمويل الزراعي من أجل غرس ثقافة الوقاية الاستباقية والحد من المخاطر.

وتُصدر منظمة الأغذية والزراعة (المنظمة) هذا التقرير الرئيسي الجديد تحت عنوان أثر الكوارث على الزراعة والأمن الغذائي كجزء من التزامها المستمر ببناء مستقبل أكثر شمولًا وقدرة على الصمود واستدامة للزراعة. وبناءً على ثلاثة مطبوعات سابقة أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة حول هذا الموضوع،ه يهدف هذا التقرير إلى تنظيم المعارف المتاحة عن أثر الكوارث على الزراعة وتعميمها بهدف تشجيع الاستثمارات القائمة على الأدلة من أجل الحد من مخاطر الكوارث.

وبالنظر إلى الحاجة الملحة إلى فهم آثار الكوارث على الزراعة ومعالجتها، يجمع هذا التقرير بين المعارف القائمة ويُقدّم بيانات جديدة عن الموضوع ن منظارين مختلفين: أولًا، من خلال جمع وتلخيص الأدلة المتاحة عن أثر الكوارث على الزراعة باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والنُهج لتحليل الخسائر المتكبدة في الزراعة بسبب الكوارث وتحديد هذه الخسائر كميًا، حيثما أمكن ذلك؛ وثانيًا، من خلال تحليل المنافع المحتملة للاستثمار في حلول الحد من مخاطر الكوارث مثل الممارسات الجيدة الاستباقية للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المزرعة وتدخلات الإجراءات الاستباقية كوسيلة لزيادة قدرة سُبل العيش الزراعية على الصمود.

ويربط الإطار الوارد في القسم التالي المفاهيم الأساسية للحد من مخاطر الكوارث في الزراعة بمحتويات مختلف أجزاء التقرير.

1.1 إطار مفاهيمي لمخاطر الكوارث وتنظيم هذا التقرير

من خلال عمل الفريق العامل الحكومي الدولي المفتوح العضوية المعني بالمصطلحات والمؤشرات المتعلقة بالحد من مخاطر الكوارث الذي أنشأته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار A/RES/69/284، وضعت عدة تعاريف ومفاهيم يستكشفها هذا التقرير. وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ذلك هذه التعاريف على المستوى الحكومي الدولي في القرار A/RES/71/276. وكما هو معرَّف في هذا العمل، إن مخاطر الكوارث هي «احتمالات حدوث خسائر في الأرواح أو إصابات أو تدمير أو إتلاف ممتلكات في منظومة أو مجتمع أو جماعة في فترة زمنية محددة، تُحدد استنادًا إلى عناصر التعرض للخطر وقابلية التضرر والقدرات».

ويُستخدم مصطلح الخطر لوصف «كل عملية أو ظاهرة أو نشاط بشري يمكن أن يتسبب في حدوث خسائر في الأرواح أو إصابات أو آثار صحية أخرى، أو في إتلاف ممتلكات، أو في حدوث اضطرابات اجتماعية واقتصادية أو تدهور بيئي» في منطقة معيّنة وخلال فترة زمنية معيّنة.1 وقام المجلس الدولي للعلوم ومكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث بإعداد مجموعة مرجعية دولية تشمل 302 من الأخطار المجمّعة في ثماني مجموعات: الأخطار الجوية والهيدرولوجية، والأخطار من خارج كوكب الأرض، والأخطار الجيولوجية، والأخطار البيئية، والأخطار الكيميائية، والأخطار البيولوجية، والأخطار التكنولوجية، والأخطار المجتمعية، ويمكن تصنيف هذه الأخطار أو تكييفها مع سياقات الكوارث المحددة.3 وتتأثر الزراعة في الغالب بالأخطار الجوية والهيدرولوجية والأخطار الجيولوجية والأخطار البيئية والأخطار البيولوجية، على الرغم من أن الأخطار المجتمعية، مثل النزاعات المسلحة والأخطار التكنولوجية والكيميائية يمكن أن تُشكل أيضًا تهديدات محتملة (الجدول 1).

الجدول 1 أنواع الأخطار التي يتناولها هذا التقرير

المصدر: من إعداد المؤلفين.
المصدر: من إعداد المؤلفين.

ويصف التعرّض «حالة الأشخاص والبنى التحتية والسكن والقدرات الإنتاجية وسائر الأصول البشرية الملموسة الموجودة في المناطق المعرضة للخطر».1 وفي الزراعة، يمكن أن تشمل العناصر المعرضة كل من المحاصيل، والثروة الحيوانية، ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، والمنتجات الحرجية، وكذلك الأصول، مثل البنية التحتية للإنتاج والنقل، أو الموارد، مثل الأراضي والمياه وسائر الموارد الإيكولوجية التي تدعم الإنتاج الزراعي وسُبل العيش المرتبطة به. غير أن القابلية للتضرر تُشير إلى «الشروط التي تحددها العوامل أو العمليات المادية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتي تزيد من احتمالات تعرض الفرد أو المجتمع المحلي أو الأصول أو النُظم لآثار الأخطار».1 ويشمل ذلك الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتأصلة في المجتمع أو النظام الذي يمكن أن يقع عليه التأثير. والبُعد الأخير لتعريف مخاطر الكوارث المعتمد هو القدرة التي تُعرَّف بأنها «المزيج المتاح في أي منظمة أو جماعة محلية أو مجتمع من مكامن القوة والصفات والموارد لإدارة الحد من مخاطر الكوارث وتعزيز القدرة على الصمود.»1

ويُقدّم الشكل 2 إطارًا مفاهيميًا للتقرير من خلال وصف التفاعل بين مخاطر الكوارث في الزراعة وربطه بتنظيم التقرير وأجزائه المختلفة. وتحدث مكونات مخاطر الكوارث، مثل القابلية للتضرر والتعرض والقدرة على المواجهة في سلسلة متصلة وتتغيَّر بمرور الوقت. ويعتمد مقدار الخسائر والأضرار التي تسببها أي كارثة على سرعة التفاعل بين الخطر ومكونات مخاطر الكوارث والنطاق المكاني لهذا التفاعل. وفي الزراعة، كما هو الحال في القطاعات الأخرى، يمكن أن تتكشف الأخطار وما ينشأ عنها من ظواهر مؤدية إلى كوارث على نطاقات زمنية ومكانية مختلفة. وتمتد الأخطار، مثل موجات الحر أو الجفاف أو تفشي الآفات، وكذلك آثارها الناتجة عنها، على مدى أُطر زمنية أطول ويُشار إليها في العادة باسم الظواهر البطيئة الحدوث. وتُمثّل العواصف والفيضانات والزلازل ظواهر مفاجئة تكون آثارها محدودة نسبيًا على النطاقين الزمني والمكاني، ما يُسهِّل قياس ما ينشأ عنها من خسائر وأضرار. ويشمل التدمير الأوّلي الذي يلحق بالأصول المادية أو الهيكلية الضرر المباشر، وتُشير الخسائر الاقتصادية المباشرة إلى القيمة النقدية لهذه الأصول المدمرة. وتتسبب الكوارث أيضًا في خسائر ثانوية أو غير مباشرة تُمثّل انخفاضًا في القيمة الاقتصادية المضافة نتيجة للخسارة الاقتصادية المباشرة والآثار البشرية والبيئية.4

الشكل2 الإطار المفاهيمي للتقرير

المصدر: من إعداد المؤلفين.
المصدر: من إعداد المؤلفين.

يتأثر التفاعل الديناميكي بين الأخطار والمكونات الأخرى لمخاطر الكوارث، كما هو مبيّن في الشكل 2، بالدوافع الكامنة وراء المخاطر والصدمات التي لها آثار متتالية، تؤثر على نُظم وقطاعات متعددة داخل الحدود وعبرها. وتُعرَّف هذه الدوافع الكامنة وراء مخاطر الكوارث بأنها «العمليات أو الظروف، المتصلة في كثير من الأحيان بالتنمية، التي تؤثر في مستوى مخاطر الكوارث عن طريق زيادة مستويات التعرض وقابلية التضرر أو خفض القدرات»4 وهي تشمل تغيُّر المناخ والفقر وعدم المساواة والنمو السكاني، وتشمل أيضًا ظهور الجوائح، وممارسات، مثل الاستخدام والإدارة غير المستدامين، والنزاعات المسلحة، والتدهور البيئي. ولعل الخطر الأكثر إلحاحًا في الزراعة التي تعتمد على الظروف المناخية وصحة الموارد البيئية والإيكولوجية يكمن في التهديد المتزايد الناجم عن تغيُّر المناخ. وفي ظل اشتداد تغيُّر المناخ، ستزداد أهمية آثار مجموعة أوسع من الظواهر المناخية القصوى. ويتسبب تغيُّر المناخ في إحداث تغييرات في تواتر الأخطار المتصلة بالطقس والمناخ وشدة هذه الأخطار ومداها المكاني ومدتها.2 ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، يمكن أن تؤدي المستويات العالية من قابلية التضرر المقترنة بظواهر الطقس والمناخ القصوى الأكثر حدة وتواترًا إلى أن تصبح بعض أجزاء العالم أماكن تزداد فيها صعوبة العيش وزراعة الأغذية.5

وفي ضوء ما يبيّنه الشكل 2 من تفاعل بين المخاطر والتعرض والقابلية للتضرر والقدرة والأخطار، يُحدد الجزء الثاني من هذا التقرير أثر الكوارث على الزراعة وقطاعاتها الفرعية - المحاصيل والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والغابات.

وتؤدي البيانات التاريخية عن الخسائر في الماضي دورًا حاسم الأهمية في وضع تقديرات لآثار الكوارث والتحقق من صحة هذه التقديرات. وتبعًا لسياق الخطر، ومحور التقييم أو موضوعه، واحتياجات المؤسسات وأصحاب المصلحة، والبُعد الاجتماعي والمادي والزمني لتقييم الأثر، هناك نُهج ومنهجيات متعددة يمكن الأخذ بها لقياس الخسائر والأضرار الناجمة عن الكوارث. والأهم من ذلك أن توافر البيانات ذات الصلة والموثوقة هو أكبر عامل منفرد في تحديد نُهج تقييم الأثر.

ولا يوجد حاليًا مستودع متخصص لتوثيق تداعيات الكوارث في النُظم الزراعية والغذائية. وعلاوة على ذلك، تفتقر البيانات المخزّنة في قواعد البيانات الدولية الحالية بشأن الكوارث إلى التغطية القطاعية الشاملة أو لا توفِّر معلومات يمكن تصنيفها بسهولة لتحديد مختلف المخاطر والعواقب المرتبطة بالنُظم الزراعية والغذائية وتقييمها. ويرجع التحدي المعقد المتمثل في تسجيل الخسائر الناجمة عن الكوارث في الزراعة، على النحو الوارد بيانه في القسم1.2، في جانب منه إلى التنوع داخل القطاعات الفرعية الزراعية التي تشمل مجموعة متنوعة من المنتجات والأصول والأنشطة وسُبل العيش التي يمكن أن تتأثر بظواهر خطرة متعددة. ولا بدّ من توحيد التعاريف المشتركة ومؤشرات البيانات ومنهجيات القياس كجزء من استراتيجية طويلة الأجل تهدف إلى تعزيز الحد من مخاطر الكوارث من خلال تحسين جمع المعلومات.

وتسعى منظمة الأغذية والزراعة إلى تحسين التغطية وتوحيد تقنيات جمع البيانات لتقييم آثار الظواهر القصوى في الزراعة، وفي سبيل إنشاء آلات ووضع منهجيات لعمليات الرصد والإبلاغ المنتظمة على المستويين القطري ودون الوطني.6 وقدمت المنظمة دعمها من أجل وضع منهجية وتعاريف موحدة للمؤشر جيم2- الوارد في إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث: الخسائر الزراعية المباشرة الناتجة من الكوارث (المبيّن في القسم 2.2 من هذا التقرير) والذي يُسجل البيانات المتعلقة بالخسائر والأضرار في الزراعة وفي قطاعاتها بحسب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (ويقابل هذا المؤشر مؤشر أهداف التنمية المستدامة 1-5-2). ولكن ينبغي تعزيز البيانات الواردة في إطار المؤشر جيم2- لأن البلدان ما زالت متخلفة في جمع البيانات والإبلاغ. وفي سياق عدم كفاية البيانات المتاحة، ينبغي أن تكون الأدلة التي تثبت الحصة النسبية من الخسائر التي يتحمّلها هذا القطاع مقارنة بالقطاعات الإنتاجية الأخرى مستمدة من مصادر بديلة، مثل عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث.

وفي ظل عدم وجود بيانات، اقتُرحت نُهج مختلفة للتمكين من تقدير الأثر على الزراعة. ومن النُهج المستخدمة في تقييم الأثر العالمي للكوارث على الزراعة استخدام النماذج الاحتمالية والإحصائية المبنية على العلاقة بين الظواهر التاريخية التي أدّت إلى حدوث كوارث وبيانات الإنتاج الزراعي. وينصبّ القسم 3.2 من هذا التقرير على هذه العملية، إذ يُقدم أول تقييم على الإطلاق للخسائر الزراعية العالمية في المحاصيل والثروة الحيوانية بسبب الظواهر التي أدّت إلى كوارث على مدى العقود الثلاثة الماضية. وتُستمد المعلومات المتعلقة بتواتر المخاطر من قاعدة البيانات الدولية للكوارث، بينما تُستخدم المعلومات المتعلقة بالإنتاج والأسعار والمساحة المحصودة لحساب التقلبات في الغلات كأساس يُعبِّر عن التعرض والقابلية للتضرر في الزراعة. ويستخدم هذا التحليل سيناريو افتراضي لمقارنة عالم تجتاحه الكوارث مع عالم خالٍ من الكوارث، ما يكشف عن رؤى تساعد على فهم الحجم السنوي والنطاق والعبء المتغيِّر الناجم عن الخسائر عبر مختلف الأقاليم وأنواع الأخطار.

وعندما يكون توليد البيانات والإبلاغ عنها بمستوى متقدم، كما في القطاعين الفرعيين للمحاصيل والثروة الحيوانية مثلًا، يمكن أن توفر عمليات التقييم تقديرات مفصلة للخسائر على المستوى المحلي بالنسبة إلى الإنتاج والأنشطة الزراعية ذات الصلة. ويمكن لتقييم خسائر المحاصيل بسبب غزو دودة الحشد الخريفية في أفريقيا الشرقية وتقييم أثر الجفاف على الثروة الحيوانية في الصومال أن تغوص إلى أعماق المستوى المحلي وأن تستخدم مؤشرات ومنهجيات ونُهج مصمَّمة خصيصًا لمراعاة التأثيرات المحددة لمختلف الأخطار والمخاطر على الإنتاج الزراعي. ويُسلط ذلك الضوء على كيفية تأثير توافر البيانات على التقييم الدقيق لآثار الكوارث، ويقترح استراتيجيات ومنهجيات يمكن استخدامها لتلبية الاحتياجات المحددة المطلوبة لتقييم الأثر في السياقات المختلفة.

وفي مقابل ذلك، يُقيّد الافتقار إلى مؤشرات وبيانات موحدة لقياس الآثار في القطاعات الفرعية للغابات ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية كلًا من التحليل الجزئي والكلي لآثار الكوارث. ويُقدّم القسم 4.2 لمحة عامة عن تحديات تقييم آثار الكوارث في هذين القطاعين الفرعيين. وتُبرز بعض الأخطار والظواهر المؤدية إلى كوارث القيود التي تحدّ من توافر البيانات وتؤكد أهمية تقييم الأثر بالنسبة إلى قطاعي مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، والغابات.

ويتخذ الجزء الثالث من التقرير نهجًا أكثر شمولًا مع مراعاة أثر الدوافع الرئيسية الكامنة وراء المخاطر - تغيُّر المناخ، والجوائح، والتدهور البيئي، والنزاعات المسلحة - على الزراعة. ويعتمد هذا الجزء على التحليل الوارد في الجزء الثاني من خلال تقديم رؤى تُساعد على فهم بعض الدوافع الكامنة وراء مخاطر الكوارث وآثارها المتتالية التي تؤثر على الزراعة (انظر الشكل 2). أولًا، يعرض هذا القسم تطبيقًا جديدًا لعلم إسناد أثر تغيُّر المناخ يُثبت مدى تأثير تغيُّر المناخ على إنتاجية المحاصيل في أربعة سياقات قطرية مختلفة. وثانيًا، تُناقش دراسات الحالة المتعلقة بجائحة كوفيد-19 وتفشي حمى الخنازير الأفريقية لتسليط الضوء على أثر الجوائح والأوبئة على قطاع الزراعة، بما في ذلك الآثار المتتالية على الأسواق العالمية. وأخيرًا، يستكشف هذا الجزء أيضًا تأثير النزاعات المسلحة على الزراعة وتفاعل واشتداد الدوافع الكامنة وراء المخاطر في سياقات الأزمات.

وأخيرًا، يستخدم الجزء الرابع الأدلة المتاحة لتحليل المنافع التي تتحقق من خلال الحيلولة دون تسبب الأخطار ومخاطر الكوارث في كوارث كاملة من خلال تطبيق الممارسات الجيدة للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المزرعة، وكيف يمكن للتخفيف من مخاطر الكوارث، من خلال الإجراءات الاستباقية والاستثمار في القدرة على الصمود في وجه المخاطر المتعددة، أن يحد أو يقلل من الأضرار والخسائر في الزراعة. ويمكن لاتخاذ تدابير استباقية للحد من مخاطر الكوارث، ودعم الممارسات الجيدة والتكنولوجيات على مستوى المزرعة، وزيادة تمويل مواجهة الكوارث والتكيُّف مع آثار تغيُّر المناخ لصالح السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي والضعفاء أن تعود بمنافع واضحة للحد من وطأة آثار الكوارث على الرجال والنساء على حد سواء. ولا توفِّر هذه الممارسات الجيدة عائدات اقتصادية أفضل فحسب ولكن تنشأ عنها أيضًا منافع اجتماعية واقتصادية وبيئية مشتركة أوسع تُعزز سُبل العيش الريفية وتزيد قدرة المزارعين والأشخاص العاملين في الزراعة على الصمود. وتُقدم دراسات الحالة الواردة في هذا الجزء أمثلة على تحليل كلفة ومنافع الممارسات الجيدة للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المزرعة والتكنولوجيات والإجراءات الاستباقية الواعية بالمخاطر عند التنبؤ بالأخطار، وهو حل فعال من حيث الكلفة لإنقاذ الأرواح وسُبل العيش. وأخيرًا، يتناول التقرير مجموعة من الحلول المستخدمة للحد من انتشار الجراد الصحراوي وحماية سُبل العيش الزراعية في منطقة القرن الأفريقي.

back to top