الجزء 4 الحلول للحد من مخاطر الكوارث في الزراعة

3.4 الجمع بين المكافحة الوقائية والإجراءات الاستباقية - حالة الجراد الصحراوي في منطقة القرن الأفريقي

تُمثّل طفرة الجراد الصحراوي التي اجتاحت منطقة القرن الأفريقي الكبرى في عامي 2020 و2021 واحدة من أشد الأزمات التي سُجلت في الإقليم. وشكلت تهديدًا غير مسبوق للأمن الغذائي وسُبل العيش، إلى جانب إمكانية التسبب في معاناة ونزوح ونزاعات على نطاق واسع. وفي هذا السياق، اتُخذت مجموعة من التدخلات الواعية بالمخاطر التي شملت إجراءات وقائية واستباقية لمعالجة موجة تفشي الجراد الصحراوي يُعتقد أنها ساهمت في تجنب الخسائر إلى حد كبير، ولا سيما الخسائر في إنتاج الحبوب والإنتاج الحيواني. ويتناول هذا التقرير هذه التجربة ويحللها من أجل تقديم مثال يمكن توسيع نطاقه في الاستجابة لموجات تفشي الجراد الصحراوي في المستقبل.

الإطار 13 منهجية تقدير الخسائر المتجنبة نتيجة التدخلات الواعية بالمخاطر من أجل مكافحة الجراد الصحراوي

  • استنادًا إلى الخبرة المستمدة من تنفيذ عملية مكافحة الجراد الصحراوي في منطقة القرن الأفريقي الكبرى في الفترة بين عامي 2020 و2021، استُحدثت منهجية حيّة جديدة لحساب عائدات الاستثمارات من التدخلات الواعية بالمخاطر التي تُجريها منظمة الأغذية والزراعة باستخدام اعتبارات وافتراضات مختلفة.
  • وتُقدَّر احتياجات الأسراب والجنادب من الاستهلاك لكل هكتار على أساس متوسط كثافة الأسراب ومجموعات الجنادب. وقدمت التقارير الواردة من الميدان تفاصيل حول طبيعة عملية المكافحة (الجوية والأرضية) بالإضافة إلى نسبة الجنادب إلى الأسراب. وبناءً على هذه المعلومات، يوجد في كل مرة يُعالج فيها هكتار واحد، نحو 30 طنًا من المادة الخضراء والنباتات (المحمية) التي لا يستهلكها الجراد الصحراوي. ولتقييم الخسائر والآثار المباشرة المتجنب حدوثها في سُبل العيش الإنتاجية (المزارعون والرعاة الزراعيون والرعاة)، وضعت الافتراضات المتعلقة بمصدر المادة الخضراء المنتجة والنباتات المنتجة التي يستهلكها الجراد الصحراوي. وبناءً على هذه الافتراضات وبعض الاعتبارات المستمدة من الأدبيات المنشورة، يمكن حساب مقدار ما يمكن لهكتار واحد من الجراد الصحراوي (الجنادب والأسراب) أن يُدمِّره طيلة دورة حياته (أي ما يُعبِّر عن التنقل) في المراعي والأراضي الزراعية.
  • ويسمح هذا النهج بتقدير خسائر المحصول المتجنبة بحلول موعد الحصاد، وقيم المحصول الذي يتم تأمينه، وعدد الأشخاص الذين يُلبون احتياجاتهم السنوية من الحبوب، وعدد الأُسر المعيشية الرعوية القادرة على إطعام حيواناتها.
  • ويمكن الرجوع في الملحق الفني 5 إلى وصف مفصّل لمنهجية حساب الخسائر المتجنبة من خلال التدخلات الواعية بالمخاطر لمكافحة الجراد.
المصدر: من إعداد المؤلفين.

وتجدر الإشارة إلى أن منطقة القرن الأفريقي التي اجتاحتها موجة من الجراد الصحراوي في الفترة بين عامي 2020 و2021، تتعرض لمجموعة متنوعة من الأخطار. ونُفذت الإجراءات الواعية بالمخاطر التي يحللها هذا القسم في أنحاء الإقليم المتضررة من الفيضانات وموجات الجفاف والنزاعات و/أو حالات انعدام الأمن التي أدّت أيضًا إلى خسائر اقتصادية فادحة. وما زالت هذه الكوارث مجتمعة - بعضها مرتبط بآثار تغيُّر المناخ أو تفاقم بسببه - تُعمق التعرض والقابلية للتضرر لدى الأفراد والنُظم والاقتصادات، وتؤدي إلى مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء الإقليم.243، ف‌ف

وتتطلب عمومًا إدارة مخاطر الجراد الصحراوي استراتيجية للمكافحة الوقائية تستند إلى رصد موائل الأنواع المعنية في الفترات الرئيسية من تطورها. ويسمح ذلك باكتشاف الزيادات في أعداد الحشرات وتغيراتها السلوكية في وقت مبكر. وفي منطقة القرن الأفريقي، أُطلقت خطة العمل الاستباقية للوقاية من الجراد الصحراوي في 24 يناير/كانون الثاني 2020 وجرى تمديدها حتى يونيو/حزيران 2022. ووُضع للخطة هدفان رئيسيان. يتمثل الهدف الأول في توسيع نطاق المراقبة والمكافحة للحد من الأثر على إنتاج المحاصيل وحمولة المراعي. أما الهدف الثاني، فيتمثل في اتخاذ تدابير استباقية لحماية سُبل العيش، على أساس أنه على الرغم من استمرار أنشطة الرصد، من المرجح أن يستمر مستوى معين من غزو الجراد الصحراوي. ويُعتقد أن هذه التدخلات قد منعت الأُسر المعيشية من الوصول إلى حالة انعدام الأمن الغذائي المرتفع - المقابلة للمرحلة الثالثة أو أعلى بناءً على نظام التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي - وحالت بالتالي دون انخراطها في استراتيجيات تكيّف غير مرغوبة واستنفاد الأصول والتنقلات غير المألوفة مع قطعان الماشية بحثًا عن المراعي.

وأتاحت معلومات الإنذار المبكر والتنبؤات الدقيقة والمناسبة التوقيت التي وفرتها دائرة معلومات الجراد الصحراوي التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة طيلة فترة طفرة تفشي الجراد الصحراوي نشر الاستراتيجيات الواعية بالمخاطر. وفي إطار حالة طوارئ الجراد الصحراوي من المستوى الثالث،أر ص‌ص تعاونت دائرة معلومات الجراد الصحراوي مع فريق واسع من المهنيين شمل أكاديميين إلى جانب الشركاء من الأوساط البحثية ومن القطاع الخاص. وقدم هذا الفريق 16 ابتكارًا شكلت جزءًا لا يتجزأ من دائرة معلومات الجراد الصحراوي والبرامج الوطنية لمكافحة الجراد من أجل زيادة تحسين الرصد والإنذار المبكر. وبالإضافة إلى ذلك، استُخدمت طائرات مسيّرة لمسح الجراد في عدد من البلدان بدعم من اللجان الإقليمية لمكافحة الجراد الصحراوي في المناطق الوسطى والغربية من القرن الأفريقي. واستُكملت الجهود بفرق مراقبة أرضية شارك فيها مسؤولون حكوميون وكان لها دور حاسم في الوصول إلى المناطق النائية والكشف المبكر عن الجراد، ولا سيما خلال ما يُعرف باسم «مرحلة مجموعات الجنادب».أش ق‌ق

ونتيجة لذلك، عولجت مساحة بلغت 2.3 ملايين هكتار من المناطق المتضررة في القرن الأفريقي واليمن، وتُشير التقديرات إلى حماية ما يُقدر بنحو طنين (2) من الحبوب بقيمة متوسطو قدرها 600 مليون دولار أمريكي لكل هكتار من الأراضي المصابة بالجراد الصحراوي المشمولة بالمسح والمكافحة. وتسنى أيضًا توفير احتياجات المراعي من أجل 4.5 وحدات من الثروة الحيوانية الاستوائية، كما هو موضح في الشكل 44. وقُدرت القيمة التجارية للخسائر الإجمالية المتجنبة في الحبوب والألبان، بعد معالجة 2.3 ملايين هكتار، بمبلغ 1.77 مليار دولار أمريكي. واستنادًا إلى هذه النتائج، وباتباع المنهجية الواردة في الملحق الفني 5، توفِّر تدخلات مكافحة الجراد الصحراوي الواسعة النطاق والواعية بالمخاطر عائد استثمار قدره 1:15. ويعني ذلك أن كل دولار أمريكي استثمر في التدخلات حقق خسائر متجنبه بنحو 15 دولارًا أمريكيًا في منطقة القرن الأفريقي الكبرى.

الشكل43 الخصائص الرئيسية للإجراءات الاستباقية

المصدر: رابطة أمم جنوب شرق آسيا. 2022. ASEAN Framework on Anticipatory action in Disaster Management. جاكارتا، الأمانة العامة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا https://asean.org/book/asean-framework-on-anticipatory-action-in-disaster-management-2/
المصدر: رابطة أمم جنوب شرق آسيا. 2022. ASEAN Framework on Anticipatory action in Disaster Management. جاكارتا، الأمانة العامة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا https://asean.org/book/asean-framework-on-anticipatory-action-in-disaster-management-2/

الشكل44 نتائج التدخل لكل هكتار من الأراضي المعالجة

المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى بيانات منظمة الأغذية والزراعة.
المصدر: من إعداد المؤلفين استنادًا إلى بيانات منظمة الأغذية والزراعة.

وخلال الفترة من مايو/أيار 2020 إلى نهاية عام 2021، ومن خلال استثمارات بنحو 90 مليون دولار أمريكي، أتمت منظمة الأغذية والزراعة تسليم حُزم تدابير سُبل العيش التي وصلت إلى أكثر من 000 305 أسرة معيشية تزاول الزراعة والإنتاج الحيواني (الجدول 7). وتلقى المزارعون الذين يزاولون إنتاج المحاصيل مدخلات زراعية وأنشطة في مجال النقد، بينما تلقى الرعاة الزراعيون والرعاة مدخلات الأعلاف والنقد.

الجدول 7 ملخص الإجراءات والنتائج المتعلقة بحالة طوارئ الجراد الصحراوي 2021-2020

المصدر: الحسابات من إعداد المؤلفين.
المصدر: الحسابات من إعداد المؤلفين.

وحالت تلك الجهود الجماعية التي بذلتها منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها دون وقوع خسائر قُدرت بنحو 4.5 ملايين طن من المحاصيل، وأنقذت 900 مليون لتر من إنتاج الألبان، ووفرت الغذاء لنحو 42 مليون شخص. وبالإضافة إلى ذلك، أتاحت المكافحة في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة للأسر المعيشية الرعوية والرعوية الزراعية التمتع بإمكانية كافية للوصول إلى مناطق رعي لحيواناتها المجترة. وعند تحويلها إلى وحدات الثروة الحيوانية الاستوائية، ومع الأخذ في الاعتبار إنتاجية الألبان السنوية لكل وحدة من الثروة الحيوانية الاستوائية، تُقدر منظمة الأغذية والزراعة أن تدخلات المكافحة حافظت على سلامة أكثر من 3 ملايين وحدة من الثروة الحيوانية الاستوائية. وعلى غرار آليات الإجراءات الاستباقية الأخرى، يُعبِّر عن تحليل نتائج التدخلات من حيث الآثار والخسائر المتجنبة في سُبل العيش.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن طفرة تفشي الجراد الصحراوي لم تكن الكارثة الوحيدة التي أثرت على منطقة القرن الأفريقي في الفترة بين عامي 2020 و2021. وكان المزارعون في منطقة القرن الأفريقي يعانون بالفعل من كوارث أخرى، مثل الفيضانات والجفاف والعواصف، إلى جانب القيود المتصلة بجائحة كوفيد-19 التي قيدت الوصول إلى المدخلات الزراعية وأدّت إلى تقليص المساحات المزروعة (كما هو موضح في القسم 1.2.3).

وتُظهر النتائج أن إنتاج الذرة والذرة الرفيعة في عامي 2020 و2021 كان يمكن أن يكون أقل من ذلك لولا المكافحة الوقائية للطفرة في تفشي الجراد الصحراوي. وتطلّب ذلك أيضًا الأخذ بنهج للحد من مخاطر الكوارث المتعددة الأخطار للتأكد من أن التدخلات المنفذة على الأرض تعالج مخاطر الكوارث المتعددة وآثارها المتوالية.

والدرس العام المستفاد هو أن الإجراءات الواعية بالمخاطر عند حدوث طفرة في تفشي الجراد قد قلصت إلى حد كبير الأثر السلبي المحتمل للصدمة على النُظم الزراعية والغذائية وسُبل العيش المرتبطة بها. وأدى ذلك إلى تقليل الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والمراعي، وتقليل رش مبيدات الآفات التي تؤثر سلبًا على صحة الإنسان والبيئة، وخفض الكلفة المالية. ويُسهِّل هذا النهج تقليص حالات تفشي الجراد ومنعها من التطور إلى طفرات أو أوبئة كبيرة. وتبيّن بعد مرور عقود من الزمن أن هذه الاستراتيجية هي الأكثر فعالية، إذ تجعل من الممكن التصرف قبل حدوث زيادة كبيرة في أعداد الجراد الصحراوي. وفي حالة هذه الآفات النباتية العابرة للحدود، يلزم أيضًا اقتران هذه الاستراتيجية بتعاون عالمي أو إقليمي.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الدعم المستمر مطلوب في منطقة القرن الأفريقي لمعالجة طفرات الجراد الصحراوي في المستقبل لكي تتمكن البلدان من الاعتماد على نُظم رصد ومكافحة مستدامة على غرار النُظم التي استُخدمت في مواجهة موجة التفشي خلال الفترة بين عامي 2020 و2021. وبالإضافة إلى ذلك فإن إجراء عمليات المسح بصورة متكررة يُقلل من احتمال حدوث تكاثر غير مكتشف. وخلال السنوات التي لا تكون فيها الظروف مؤاتية لتكاثر الجراد، مثل سنوات الجفاف، من الضروري الحفاظ على قدرة البلدان على الاستعداد لاحتمال حدوث صدمة بسبب الجراد الصحراوي، حتى في وجه الأولويات المتنافسة، مثل موجات الجفاف والفيضانات.

وتزداد مخاطر حدوث تكاثر غير مكتشف في مناطق الإقليم التي لا يمكن مراقبتها لدواع أمنية، مثل معظم اليمن وأنحاء من الصومال. ويتطلب ذلك تنظيم حملات شرسة وواسعة النطاق لمكافحة الجراد الصحراوي. وإذا تُرك الرعاة من دون حماية من الأخطار، مثل الجراد الصحراوي أو الجفاف، فإن هذه الأخطار ستُدمِّر المراعي والحيوانات. ولذلك، ينبغي اتخاذ خطوات لتحقيق الترسيخ المؤسسي للمراقبة المستمرة واتخاذ تدابير لمعالجة موجات التفشي في المستقبل، انطلاقًا من النجاح الذي حققته الإجراءات الواعية بالمخاطر المبيّنة في هذا القسم بشأن استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث، فضلًا عن وضع خطط محددة للبلدان المعرضة بشدة لمخاطر تفشي الجراد الصحراوي في المستقبل.

back to top