الجزء 3 الدوافع الكامنة وراء مخاطر الكوارث والآثار المتوالية

3.3 أثر النزاعات المسلحة على الزراعة

وصلت النزاعات المسلحة الدائرة حاليًا ه‌ه إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية. ومنذ عام 2015، شهد كل عام أكثر من 50 نزاعًا مسلحًا، حيث بلغ عددها 54ا،193 في عام 2019، و56 في عام 2020.أح ويمثل إدراج النزاعات المسلحة كخطر مجتمعي ضمن قائمة الأخطار التي وضعها المجلس الدولي للعلوم ومكتب الأمم المتحدة لإدارة مخاطر الكوارث، استجابة للدعوات التي تطالب بتعزيز الاتساق بين جداول أعمال الحد من مخاطر الكوارث وتغيُّر المناخ والعمل الإنساني.194 وفي حين أن مخاطر النزاعات المسلحة تخرج عن نطاق إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015 و2030، فإن التفاعل بين النزاع ومخاطر الكوارث مجال يحتاج إلى مزيد من الدراسة، ولا سيما من حيث أثره على الأضرار والخسائر. وتُشكل هذه الأزمات المركبة من مخاطر النزاعات والكوارث مثالًا على ما يُشار إليه بصورة متزايدة بأنه أزمات متعددة.195 ويمكن لأثر هذه الكوارث، في حال ثبات جميع العوامل الأخرى، أن يكون أكبر بكثير من خطر منفرد. ويتضخم هذا الأثر، ما يؤدي إلى سلسلة متوالية من الآثار ذات العواقب على الزراعة والقطاعات التي تعتمد عليها.196

وأظهر استعراض منتصف المدة الذي أُجري في عام 2023 لإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030 أن الدول الأعضاء «ترى في كثير من الأحيان أنه من غير الممكن التمييز بين الاعتبارات الخاصة بالنزاعات والعنف وعدم الاستقرار وسائر أنواع المخاطر لأنها تنظر في كيفية تحقيق القدرة على الصمود كعوامل محفزة للقابلية للتضرر وكأخطار بحد ذاتها»،197 وأشار الاستعراض إلى «تحسينات في الفهم الشامل للطبيعة البنيوية الشاملة للمخاطر في الأزمات الممتدة»198 في تنفيذ الأولوية 1 للإطار.

ويزداد عدد الاستراتيجيات والخطط أط ز‌ز الوطنية والإقليمية والقطاعية للحد من مخاطر الكوارث التي تأخذ في الاعتبار الأخطار المجتمعية. ومن ذلك على سبيل المثال أن مسودة الاستراتيجية الوطنية لجمهورية أفريقيا الوسطى ناقشت بصورة صريحة النزاعات المسلحة، وتصف الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث في العراق معالجة مخاطر المخلفات السامة وغير السامة الناتجة عن الحرب بالإضافة إلى مخاطر الفيضانات والجفاف. وترى الاستراتيجية الوطنية في أفغانستان بشأن الحد من مخاطر الكوارث أن النزاع يقوّض آليات التكيّف ويؤدي إلى تدهور الخدمات العامة والبنية التحتية. وفي موزامبيق، تتناول السياسة والاستراتيجية الوطنيتان لإدارة النزوح الداخلي الهدف باء من إطار سنداي وتغطي النزوح الناتج من الأخطار المتصلة بالمناخ والنزاعات، وتتمثل محاور تركيزها الحاسمة في بناء القدرة على الصمود وإيجاد حلول دائمة والوقاية من المخاطر.199

ويمكن تصنيف البحوث التي تتناول العلاقة بين النزاعات المسلحة والكوارث تصنيفًا واسعًا إلى مجالين: أثر النزاعات المسلحة على مخاطر الكوارث وتأثير الكوارث على ديناميكيات النزاعات المسلحة. وفي ما يتعلق بهذا الجانب الأول، تُشير البحوث إلى أن مخاطر الكوارث الجديدة يمكن أن تظهر من خلال مسارات مركبة ومتنوعة ليست خطية أو متسقة، ما يؤثر على التعرّض والقابلية للتضرر والقدرة على التكيف. وفي هذا الصدد، يمكن للقتال أن يزيد من تعرّض المجتمع للكوارث بسبب تدمير البنية التحتية وزيادة الفقر وعدم إعطاء أهمية للاستثمارات الطويلة الأجل من أجل الحد من مخاطر الكوارث أو عدم إمكانية تمويل تلك الاستثمارات. ويمكن أن تكون الممارسات الزراعية غير المستدامة التي تؤدي إلى زيادة مخاطر الكوارث مدفوعة بتعطيل و/أو فقدان سُبل العيش بسبب النزاعات المسلحة. وفي المقابل، هناك أدلة على أن النزاع يمكن أن يزيد من القدرة المحلية على التكيّف.200 وعلى سبيل المثال، تناولت دراسة حديثة حول لاجئي الروهنغيا في كيفية وضع استراتيجيات التكيف والأخذ بها، على المستويين الفردي والجماعي، في مخيم كوتوبالونغ للروهنغيا في بنغلاديش.201 وبالنظر إلى أن النزاعات المسلحة تحد أيضًا من سُبل الوصول إلى الأراضي وتتسبب في تحركات للسكان، وتعطل الوصول إلى الرعاية الصحية ونُظم الحماية الاجتماعية، يتعيّن علينا إدراك تداعيات الأضرار والخسائر الأوسع الناجمة عن النزاعات المسلحة.

ويرى بعض المحللين202 أن الكوارث يمكن أن تؤدي على الأرجح إلى حالات وقف لإطلاق النار ومفاوضات في النزاعات المسلحة الأهلية، ويُشير ذلك إلى احتمال حدوث تأثير مؤقت على الأقل بسبب التهدئة. ويمكن أن ينشأ هذا التأثير عن التضامن المحلي والوطني المتزايد في إطار الاستجابة للكارثة، أو بسبب رغبة الجهات الفاعلة المسلحة في تقديم صورة إيجابية، أو تعطيل عمل الجماعات المسلحة، بما في ذلك القيود المفروضة على حركتها. وافتُرض أن هذا هو ما حدث عندما وقَّعت حكومة إندونيسيا وجماعات الاستقلال المسلحة في آتشيه اتفاق سلام شامل ومستمر بعد بضعة أشهر فقط من وقوع كارثة التسونامي في عام 2004ا.203

ولكن الكوارث يمكن أن تؤدي إلى نزاعات مستمرة أو إلى إطالتها، بما في ذلك عندما تؤدي إلى حدوث ندرة في الموارد.204 وعلى سبيل المثال، كان للتسونامي الذي وقع في عام 2004 أثر أيضًا على سري لانكا. ومع ذلك، اشتد النزاع المسلح في تلك الحالة، ربما بسبب زيادة تدفقات المعونة. وخلص عمومًا استعراض أُجري في عام 2019 تناول أدبيات النزاعات المناخية205 إلى أنه، في حين أن تقلبات المناخ ومخاطره واتجاهاته تؤثر على النزاعات المسلحة داخل البلدان، فإن هذا الارتباط ضئيل نسبيًا مقارنة بدوافع النزاع المؤثرة الأخرى.

ومن خلال تسليط الضوء على أهمية الاختلافات السياقية والمحلية في تأثير الكوارث على ديناميكيات النزاع، خلصت دراسة شاملة أجراها von Uexkull وآخرون206 حول أفريقيا وآسيا، إلى أن الجفاف المحلي في البلدان الفقيرة جدًا يزيد من احتمال استمرار العنف بالنسبة إلى الجماعات المعتمدة على الزراعة وكذلك المستبعدة سياسيًا. وتشير دراسات حالة أخرى إلى أن الفيضانات التي اجتاحت باكستان في عام 2010 سهّلت للجماعات الإسلامية عمليات التجنيد بسبب الاستجابة الإنسانية السريعة والافتقار الملحوظ إلى الدعم من الحكومة، وأدّت بالتالي إلى تعزيز قدرتها على تصعيد النزاع المسلح207 على الرغم من اعتراض آخرين على ذلك.

وتبيّن من تحليل نوعي مقارن أُجري مؤخرًا لما عدده 36 حالة من الكوارث الرئيسيةاج أن هذه الكوارث أثرت على ديناميكيات النزاعات المسلحة في 50 في المائة من جميع الحالات، مقسمة بالتساوي بين التصعيد والتهدئة. وتمثل درجة القابلية للتضرر من الكوارث والأثر القوي للكارثة على ما لا يقل عن طرف واحد من أطراف النزاع المسلح العاملين الحاسمين المرتبطين بالسياق. ويُلاحظ Tobias أن «النزاعات المسلحة تتصاعد عندما تكتسب الجماعة المتمردة سلطة في مواجهة الحكومة أثناء الكارثة أو عندما تُكثِّف الجماعة المتمردة نشاطها كرد فعل تجاه مظالم السكان المتضررين من الكارثة بينما ترد الحكومة القوية على ذلك بالقوة. وتُيسر الكوارث تهدئة النزاعات المسلحة عن طريق إضعاف طرف واحد على الأقل من أطراف النزاع، بينما يكون الطرف الآخر غير قادر على الاستفادة من هذا الضعف».208

ويؤثر السياق الجغرافي السياسي الأوسع على عمل النُظم الغذائية، فهو يؤثر في كثير من الأحيان على الطريقة التي تتشكل بها النزاعات المسلحة على المستوى المحلي، وكذلك من خلال آثار كلية أكبر على تدفقات التجارة بسبب الترابط بين التجارة العالمية والطريقة التي يمكن بها استغلال ذلك لأسباب سياسية. وتميل النُظم الغذائية التي تتعرض لضغوط متكررة بسبب النزاعات إلى الانتقال من القدرة على التنبؤ إلى عدم الاستقرار والتقلب. ويمكن أن تستمر سلاسل الإمدادات الغذائية في أداء وظيفتها خلال النزاعات الطويلة الأجل والممتدة، كما في اليمن، حيث قام مستوردو الأغذية من جميع الأطراف باستخدام أساليب تشغيلية ديناميكية في بيئة معقدة ومُسيَّسة. ومع ذلك، لا يمكن تحقيق هذا النوع من الأداء من دون كلفة. ومن ذلك على سبيل المثال أن أسعار الأغذية قد زادت بمقدار الضعف في اليمن في الفترة بين عامي 2015 و2019، واستمرت في الارتفاع منذ ذلك الحين.209

وتتباين نتائج البحوث، سواء من حيث كيفية تأثير النزاعات المسلحة على مخاطر الكوارث أو الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها الكوارث على ديناميكيات النزاعات المسلحة. وفي ما يتعلق بالحالة الأخيرة، يبدو أن ديناميكيات النزاعات المسلحة يمكن أن تتأثر في ظروف معيّنة، ما يؤدي إلى نتائج قد تكون إيجابية أو سلبية.

قياس الأضرار والخسائر في سياقات النزاعات المسلحة

تشمل عمليات تقييم أثر النزاعات المسلحة على الزراعة عمليات حساب الأضرار والدمار الذي يلحق بالمعدات والبنية التحتية، وفقدان الأصول الإنتاجية، مثل الثروة الحيوانية. ومع ذلك، تنشأ عن الآثار الأخرى على الزراعة عواقب طويلة الأجل، بما في ذلك النزوح القسري وتوافر اليد العاملة الزراعية. ووضعت أدوات وإرشادات لتكييف عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث مع بيئات العمل المعقدة، بما في ذلك الحالات التي تنشب فيها نزاعات مسلحة. وكجزء من مبادرة مشتركة، وضع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة، بقيادة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، دليلًا لإجراء عمليات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث في حالات النزاعات، ويُحدد الدليل كيفية إجراء تقييم للاحتياجات بعد وقوع الكوارث، مع مراعاة ظروف النزاع، استجابة لتنامي الوعي بالصلة بين النزاعات والكوارث. ويُقدم الدليل معلومات عن كيفية ضمان عدم تسبب أنشطة ما بعد الكوارث وعمليات الاستجابة في تفاقم ديناميكيات النزاع210 ومع أن هذه الوثيقة التوجيهية لا تتعمق في تفاصيل الصلات بين النزاعات والكوارث، فإنها تؤكد طبيعة الفكر المتطورة والناضجة المحيطة بهذا الموضوع.

ولم يوضع في الواقع حتى الآن إطار مفاهيمي وتحليلي شامل يُحدد إطار جميع التفاعلات ذات الصلة ويحللها. وبالإضافة إلى العناصر الواردة في الإرشادات بشأن تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث في حالات النزاع،211 ما زال هناك الكثير مما ينبغي النظر فيه. ويوصى بوضع هذا الإطار باعتباره واحدة من الخطوات التالية في تحسين التفكير بشأن التقييم في أعقاب الكوارث، فضلًا عن الحد من مخاطر الكوارث في حالات النزاعات المسلحة. وباتت إمكانية إجراء عمليات تقييم للأضرار والخسائر على الأرض تُشكل تحديًا متزايدًا. ويمكن أن يساعد التقدم المحرز في ميدان الاستشعار عن بُعد، مثل تواتر الحصول على الصور، والزيادة الهائلة في توافر الصور الواضحة بدقة عالية، والتقدم الكبير في سرعة المعالجة والتفسير، في تحديد حجم الأضرار والخسائر التي تلحق بالقطاع الزراعي في حالات النزاعات المسلحة. وتُتاح تقنيات لا تُساعد فقط على فهم الآثار المؤثرة على الوصول إلى الأراضي وأنواع استخدام الأراضي، بل وكذلك أنواع المحاصيل والتقديرات الدقيقة للثروة الحيوانية.

ومن الضروري لبناء القدرة على الصمود زيادة الاستثمار في معالجة المخاطر الكامنة وراء الكوارث، وينبغي أن يُشكل ذلك جزءًا لا يتجزأ من جميع التدخلات الإنسانية والإنمائية. ويجب أن تؤخذ في الاعتبار عند التأهب للاستجابة وإعادة البناء بشكل أفضل مختلف الأخطار التي يواجهها موقع ما، بما في ذلك الأخطار المتعددة الطبقات أو المركبة، مثل النزاعات المسلحة والأخطار الطبيعية التي يمكن أن يكون لها أثر كلي أكبر من الأخطار التي تحدث بصورة منفصلة.212

الصومال: آثار الجفاف تتفاقم بسبب النزاعات المسلحة المزمنة والنزوح وانعدام الأمن

أصبح الجفاف المتكرر وانعدام الأمن الغذائي وما يتبعه من مخاطر المجاعة دورة مدمّرة وغير مستدامة بصورة متزايدة في الصومال في العقود الأخيرة. ومنذ بداية الحرب الأهلية في عام 1991، أصبحت هذه المسائل أكثر تدميرًا عن ذي قبل. وفي أعقاب مجاعة عام 2011 والجفاف الشديد في الفترة بين عامي 2016 و2017، أشارت التقديرات إلى أن ما يقرب من 4.5 مليارات دولار أمريكي قد أُنفق على الاستجابة الطارئة لإنقاذ الأرواح. أك ويؤدي التضافر بين العوامل المساهمة في حالات الطوارئ المتكررة في الصومال - بما في ذلك النزاع المتعدد الطبقات والفقر والنزوح - إلى إيجاد وضع معقد للغاية عندما يتعلق الأمر بحساب الأضرار والخسائر. وفي عام 2017، أُجري تقييم متعدد القطاعات للأضرار والخسائر بتنسيق عام بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وحكومة الصومال. وأسفر تقييم أثر الجفاف والاحتياجات في الصومال عن تقييم للأضرار والخسائر الناجمة عن الجفاف وتقدير لاحتياجات الإنعاش والقدرة على الصمود. وكان القصد من هذا التقييم توفير المعلومات الأساسية التي تحتاج إليها الحكومة للوفاء بالتزامها بتولي قيادة جهود التعافي من الجفاف. وكان الغرض من تقييم أثر الجفاف والاحتياجات أيضًا تقديم توصيات بشأن ما هو مطلوب للانتقال بالصومال إلى ما بعد الاستجابة الدائمة لحالات الطوارئ، نحو الإنعاش ثم في نهاية المطاف نحو التنمية القادرة على الصمود.

وكشف تقييم أثر الجفاف والاحتياجات في الصومال عن أن الأضرار والخسائر في القطاع الزراعي (المحاصيل البعلية والمروية والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك) بلغت في مجموعها أقل من 2 مليار دولار أمريكي. وكما هو الحال في سياقات الجفاف الأخرى، وقع الأثر الأكبر على الخسائر الزراعية (1.5 مليارات دولار أمريكي)، أي ما يمثل 58 في المائة من الخسائر الإجمالية في جميع القطاعات. ومن الاعتبارات المثيرة للاهتمام هنا مدى تأثر أرقام الأضرار والخسائر الزراعية بعدم الاستقرار الذي طال أمده في البلد. ولم يتضمن التقييم أي قياس كمي لهذه الأضرار والخسائر؛ ولكن يُلاحظ أن الحالة الأمنية كانت عاملًا بارزًا ساهم في تدهور المراعي، وإزالة الغابات على نطاق واسع، وتدهور البنية التحتية الزراعية، ولا سيما البنية التحتية الخاصة بنُظم الري، وأثر ذلك بالتالي على الأرقام الإجمالية للأضرار والخسائر في هذا القطاع.

الجمهورية العربية السورية: أثر الزيادات الواسعة النطاق والسريعة في عدم الاستقرار والنزاعات

كانت الجمهورية العربية السورية قبل اندلاع الأزمة في عام 2011 البلد الوحيد في الإقليم الذي كان متمتعًا بالاكتفاء الذاتي في إنتاج الأغذية، ولا سيما المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والشعير. وتحوّل البلد إلى مصدِّر إقليمي قبل أن يدفعه الجفاف الشديد الذي اجتاحه في الفترة بين عامي 2008 و2009 إلى استيراد كميات كبيرة من القمح لأول مرة منذ سنوات عديدة. وخلال السنوات التي سبقت عام 2011، شهدت الجمهورية العربية السورية ارتفاعًا في الغلات بسبب التحسينات في ممارسات إدارة الأراضي والمحاصيل التي ساعدتها على أن تتبوأ مركز الصدارة في الأسواق الرئيسية في بلدان الجوار وفي منطقة الخليج. وبالإضافة إلى ذلك، احتفظ البلد باحتياطيات استراتيجية كبيرة من القمح شكلت حجر الزاوية في سياسة حزب البعث للأمن الغذائي التي كان هدفها تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وسرعان ما انزلق البلد إلى مجموعة معقدة من النزاعات بعد فترة وجيزة من الانتفاضة الأولى في عام 2011. وبعد خمس سنوات من الأزمة، أجرت منظمة الأغذية والزراعة تقييمًا شاملًا للأضرار والخسائر لفهم آثار خمس سنوات من النزاع المسلح على القطاع الزراعي. وأُجري تقييم للأضرار والخسائر والاحتياجات في الجمهورية العربية السورية خلال الفترة بين عامي 2016 و2017 في محاولة لتحديد الأثر وكذلك للنظر في التأثيرات على سُبل العيش وفي أولويات التعافي.

وأشارت نتائج التقييم إلى أن الأضرار الإجمالية في القطاع الزراعي خلال السنوات الخمس الأولى من الأزمة بلغت 16 مليار دولار أمريكي. ويعادل ذلك ثلث الناتج المحلي الإجمالي للجمهورية العربية السورية في عام 2016. وعلى غرار الصومال، تجسد أكبر أثر مالي بالدولار الأمريكي في الخسائر (9.21 مليار دولار أمريكي)، مع أن مستوى الأضرار في هذه الحالة كان 6.83 مليار دولار أمريكي (أي 75 في المائة من قيمة الخسائر) مقابل 33 في المائة في دراسة الحالة الخاصة بالصومال. ويرجع ذلك إلى أن الأصول الزراعية والبنية التحتية تعرضت لأضرار ودمار على نطاق واسع كنتيجة مباشرة للنزاع المسلح. وفي هذه الحالة، كان أثر النزاع على الزراعة مباشرًا جدًا، في حين كان غير مباشر في حالة الصومال.

أوكرانيا: الآثار المحلية والعالمية للنزاع المسلح على الزراعة

توضح دراسة الحالة الأوكرانية حجم أثر النزاع المسلح على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في البلاد وتداعياته العالمية. وتُمثّل أوكرانيا أحد أكبر منتجي المنتجات الزراعية والغذائية ومصدريها في العالم، وتؤدي دورًا حاسمًا في توريد البذور الزيتية والحبوب إلى الأسواق العالمية. ومع ذلك، أثرت الحرب في أوكرانيا تأثيرًا كبيرًا على الإنتاج. وكانت الزراعة دافعًا رئيسيًا للاقتصاد في أوكرانيا قبل اندلاع الحرب، إذ كانت تُساهم بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ووفرت فرص عمل لما نسبته 14 في المائة من القوة العاملة، وساهمت بما نسبته 24 في المائة في الصادرات الإجمالية في البلاد.215،214،213

ويُجسد أثر النزاع المسلح الوارد أدناه النتيجة التي أسفرت عنها عمليات التقييم التي أُجريت في الفترة بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2022 في 22 مقاطعة،216 ويُظهر أن الأضرار والخسائر الناجمة عن الحرب التي شهدتها الأُسر المعيشية الريفية وعانى منها مربو الماشية وصيادو الأسماك والمنتجون في قطاع تربية الأحياء المائية قد بلغت نحو 2.3 مليارات دولار أمريكي.

وتوقف في المتوسط ما نسبته 25 في المائة من السكان الريفيين عن الإنتاج الزراعي أو قاموا بتخفيضه، مع أن أكثر من 38 في المائة من المستجيبين أفادوا بالتوقف عن الإنتاج الزراعي على طول خط التماس. وشملت العوامل التي قيّدت الإنتاج الزراعي أو أدّت إلى توقفه الأضرار التي لحقت بمعدات الإنتاج والبنية التحتية (التي أبلغت عنها نسبة قدرها 5 في المائة من الأُسر المعيشية التي شملها بالاستقصاء)، وزيادة كلفة الإنتاج المحلي بنسبة 25 في المائة في المتوسط، وضيق سُبل الوصول إلى الخدمات المالية اللازمة للحصول على المدخلات، وتلوث الأراضي بالألغام والذخائر غير المتفجرة. أل وتأثر أيضًا واحد من كل ستة مرافق مستخدمة في تخزين المحاصيل (15.7 في المائة) بسبب النزاع المسلح منذ اندلاعه في فبراير/شباط 2022. 217ويرد أدناه توزيع أرقام الأضرار والخسائر في القطاعين الفرعيين للمحاصيل والثروة الحيوانية. وتسببت التأثيرات الإجمالية على قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في أوكرانيا خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب في عام 2022 في وقوع أضرار بلغت قيمتها 4.97 مليون دولار أمريكي، وخسائر (تمثلت في حدوث تغييرات في التدفقات المالية) بما قيمته 16.6 ملايين دولار أمريكي، أي ما يمثل 63 في المائة من الإنتاج السنوي الإجمالي لقطاع تربية الأحياء المائية في أوكرانيا (34 مليون دولار أمريكي).

وبما أن هذا التحليل يقتصر على الأشهر الثمانية الأولى من الحرب في أوكرانيا، فإنه لا يأخذ في الاعتبار ما وقع من أضرار بسبب انهيار سد كاخوفكا. ويمثل خزان كاخوفكا ونظام نهر دنيبرو أهم مورد للمياه المستخدمة في الزراعة في المنطقة. وأثناء كتابة هذا التقرير، كان تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث ما زال جاريًا. ومن المرجح أن تزداد أرقام الأضرار والخسائر زيادة كبيرة، وسيكون ذلك مرهونًا بتطور النزاع المسلح ومستوى دعم التعافي الذي سيتلقاه قطاع الزراعة والقطاعات الفرعية المرتبطة به في إطار الاستجابة للحرب.

وتتعرض أوكرانيا لمجموعة متنوعة من الأخطار التي يمكن أن تؤثر على القطاع الزراعي، بما في ذلك الأخطار الطبيعية، مثل الفيضانات وموجات الجفاف والانهيارات الأرضية والعواصف، فضلًا عن الأخطار التكنولوجية والبيولوجية. وفي حال التعرض لأحد هذه الأخطار بالتزامن مع النزاع المسلح، فإن ذلك يمكن أن يتسبب في مزيد من الصدمات في قطاع الزراعة في العالم بأسره، ما سيضاعف من خطر الكوارث البنيوية الشاملة. وتؤدي أيضًا الآثار البيئية الناجمة عن الحرب نفسها إلى مخاطر كوارث كبيرة في المدى البعيد، بما في ذلك الأضرار التي تلحق بمواقع الصناعات الكيميائية، وهو ما يمكن أن يتسبب في أخطار إيكولوجية مباشرة وأطول أجلًا.218 ولزيادة قدرة القطاع الزراعي في أوكرانيا على الصمود، يجب أن تكون جهود التعافي واعية بالمخاطر، وقد تكون لإعادة البناء بشكل أفضل كلفة إضافية تتجاوز تلك المحددة في تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث.

back to top