الموجز

لا تزداد الظواهر المؤدية إلى كوارث من حيث تواترها وشدتها فحسب، بل من المتوقع أن يزداد أثرها سوءًا، في ظل اقتران ارتفاع درجة حرارة الكوكب مع تحديات مشهد المخاطر غير المؤكّد في سياق الموارد البيولوجية والإيكولوجية المحدودة. ووفقًا لقاعدة البيانات الدولية للكوارث (EM-DAT) التابعة لمركز أبحاث علم أوبئة الكوارث، ازداد تواتر الظواهر المؤدية إلى كوارث من 100 ظاهرة سنويًا في سبعينات القرن الماضي إلى نحو 400 ظاهرة سنويًا في جميع أنحاء العالم خلال السنوات العشرين الماضية.

وتُصدر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) هذا التقرير الرئيسي الجديد حول «أثر الكوارث على الزراعة والأمن الغذائي» كجزء من التزامها المستمر بتعزيز مستقبل أكثر شمولًا وقدرة على الصمود واستدامة للزراعة. وبناءً على ثلاثة مطبوعات سابقة أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة حول هذا الموضوع، يهدف هذا التقرير إلى تنظيم المعارف المتاحة عن أثر الكوارث على الزراعة وتعميمها بهدف تشجيع الاستثمارات القائمة على الأدلة من أجل الحد من مخاطر الكوارث.

وتنشأ مخاطر الكوارث عن تفاعل معقّد بين البيئة المادية (الطبيعية والمبنية على حدٍّ سواءٍ) والمجتمع (مثل السلوك والوظيفة والتنظيم والتنمية). ويجري تحديد مخاطر الكوارث باستخدام الاحتمالات كدالة للأخطار والتعرض والقابلية للتضرر والقدرة، بينما تُشير الكارثة إلى اختلال خطير في الأداء الوظيفي للمجتمع المحلي أو المجتمع بصفة عامة على أي نطاق بسبب ظواهر خطرة تتفاعل مع ظروف التعرض والقابلية للتضرر والقدرة، ما يؤدي إلى نوع أو أكثر من أنواع الخسائر والآثار البشرية والمادية والاقتصادية والبيئية.

وتتأثّر الزراعة في أغلب الأحيان بالأخطار الجوية والأخطار الهيدرولوجية والأخطار الجيولوجية والأخطار البيئية والأخطار البيولوجية، مع أن الأخطار المجتمعية، مثل النزاعات المسلحة والأخطار التكنولوجية والكيميائية، تُشكل أيضًا تهديدات محتملة. ويعتمد مقدار الخسائر والأضرار الناتجة عن الكارثة على سرعة تفاعل الخطر مع القابلية للتضرر والمخاطر القائمة بالفعل والنطاق المكاني الذي يحدث فيه هذا التفاعل، إلى جانب مقدار الأصول أو سُبل العيش المعرضة للخطر.

ويتشكل أيضًا أثر الكوارث نتيجة للطابع الهيكلي والمترابط لمشهد المخاطر اليوم. وعندما تظهر الأخطار، يمكن أن تكون لها آثار متتالية تؤثر على نُظم وقطاعات متعددة داخل الحدود وعبرها. وتشمل الدوافع الكامنة وراء مخاطر الكوارث تغيُّر المناخ، والفقر وعدم المساواة، والنمو السكاني، وحالات الطوارئ الصحية الناجمة عن الجوائح، وممارسات مثل استخدام الأراضي وإداراتها بطريقة غير مستدامة، والنزاعات المسلحة وتدهور البيئة.

أثر الظواهر القصوى على الزراعة

الآثار المتعددة الأوجه للكوارث في الزراعة

يزداد تعرض الزراعة في جميع أنحاء العالم لمخاطر الاختلالات الناتجة عن الأخطار والتهديدات المتعددة، مثل الفيضانات وندرة المياه والجفاف وانخفاض الغلات الزراعية والموارد السمكية وفقدان التنوع البيولوجي وتدهور البيئة. وتمثل الاختلافات في إمدادات المياه ودرجات الحرارة القصوى اثنين من أكبر العوامل المؤثرة تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر على الإنتاج الزراعي. ويمكن أن تكون للفيضانات والأمطار الغزيرة آثار إيجابية وسلبية على نُظم الزراعة وإنتاجيتها. وينشأ الجفاف الزراعي بسبب نقص الأمطار (الجفاف المناخي) بالاقتران مع نقص مياه التربة، وانخفاض مستويات المياه الجوفية أو المياه المخزنة اللازمة للري (الجفاف المائي). وتؤثر أيضًا درجات الحرارة القصوى تأثيرًا سلبيًا على الإنتاج الزراعي. وفي القطاع الفرعي للثروة الحيوانية، يمكن أن يؤثر الإجهاد الحراري على معدل نفوق الحيوانات، وزيادة الوزن الحيّ، وإنتاج الحليب وخصوبة الحيوان.

وثمة أدلة تثبت أن اتجاهات الاحترار الحالية في جميع أنحاء العالم تؤثر بالفعل على الزراعة. وتبيّن من دراسة أُجريت مؤخرًا أن شدة آثار موجة الحر والجفاف على إنتاج المحاصيل تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا من 2.2 في المائة بين عامي 1964 و1990، إلى 7.3 في المائة بين عامي 1991 و2015. وتؤثر الكوارث أيضًا على سُبل العيش والأمن الغذائي والتغذية. وتتسبب الكوارث في البطالة في المناطق الريفية وانخفاض دخل المزارعين والعمال الزراعيين، وتُقلل من توافر الأغذية في الأسواق المحلية.

وفي الحالات القصوى، تتسبب الكوارث في نزوح سكان المناطق الريفية وهجرتهم إلى الخارج. ويعدّ إقليم السند في جنوب باكستان من الأمثلة التي توضح كيفية تسبب الأخطار البطيئة والمفاجئة في النزوح، وبالتالي التأثير سلبًا على النُظم الغذائية وزيادة انعدام الأمن الغذائي.

وكما هو مبيّن في الإطار 3، النساء هنّ أشدّ الفئات تأثرًا بالكوارث. وتُشكل القيود على الموارد والقيود الهيكلية دوافع رئيسية كامنة وراء التفاوتات بين الجنسين في التعرض لآثار الكوارث. وتواجه المرأة عقبات في الوصول إلى المعلومات والموارد اللازمة للتأهب للكوارث والاستجابة لها والتعافي منها على النحو الملائم - بما في ذلك الوصول إلى نُظم الإنذار المبكر والملاجئ الآمنة، وكذلك الاستفادة من خطط الحماية الاجتماعية والمالية وفرص العمل البديل.

نحو تقييم للخسائر الزراعية العالمية

يُمثل فهم مدى تأثير التشوهات في ظروف الطقس والظواهر القصوى على الزراعة ودرجة هذا التأثير الخطوة الأولى في سبيل وضع استراتيجيات للحد من مخاطر الكوارث والتكيُّف مع المناخ. ومع أن عددًا من قواعد البيانات يُسجل آثار الكوارث، ليس هناك حاليًا تقييم شامل للخسائر التي تحدث في الزراعة وقطاعاتها الفرعية أو لا يتم الإبلاغ عنها في قواعد البيانات العالمية الحالية للكوارث المتعددة الأخطار كجزء من الخسائر الاقتصادية الإجمالية. وتُمثل البيانات المفقودة وحالات التضارب بين قواعد البيانات الحالية قيودًا معروفة تعاني منها مستودعات البيانات الدولية المحتفظ بها في قاعدة البيانات الدولية للكوارث (EM-DAT)، ونظام DesInventar لحصر الكوارث، والبنك الدولي، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وقواعد البيانات التي تحتفظ بها مجموعات إعادة التأمين العالمية، وكذلك قواعد البيانات الوطنية.

وتوجد حاليًا مجموعتان من المنهجيات المستخدمة لجمع المعلومات عن خسائر الكوارث في الزراعة. تُشكل المجموعة الأولى من هاتين المجموعتين جزءًا من استقصاءات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث (PDNAs)؛ أما المجموعة الثانية فقد وضعتها منظمة الأغذية والزراعة بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث لقياس المؤشر جيم- 2 لمرصد إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث.

وتُظهر البيانات المستمدة من استقصاءات تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث، التي أُجريت في الفترة من 2007 إلى 2022، أن الخسائر الزراعية شكّلت في المتوسط 23 في المائة من الأثر الإجمالي للكوارث في جميع القطاعات، وأن أكثر من 65 في المائة من الخسائر الناتجة عن موجات الجفاف قد حدثت في قطاع الزراعة. وفي الظواهر المؤدية إلى كوارث بسبب الفيضانات والعواصف والأعاصير والنشاط البركاني، تحدث نسبة 20 في المائة تقريبًا من الخسائر في قطاع الزراعة، مما يؤكّد الأثر الكبير غير المتناسب للجفاف في هذا القطاع. ومن بين القطاعات الفرعية، تقع أكبر الخسائر في قطاعي المحاصيل والثروة الحيوانية، ولكن مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والغابات لم تحظ ربما بالاهتمام الكافي في عمليات التقييم هذه.

وقدّمت البيانات المستمدة من المؤشر الفرعي جيم- 2 لإطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030 – وهو المؤشر المتعلق بالخسائر الزراعية المباشرة الناتجة عن الكوارث - 82 من بين 195 بلدًا، ومن هذه البلدان قدم 38 بلدًا بيانات عن القطاعات الفرعية وبلغت الخسائر الزراعية الإجمالية الناجمة عن الكوارث التي أُفيد عنها في مرصد إطار سنداي في المتوسط 13 مليار دولار أمريكي سنويًا نجمت في معظمها عن الفيضانات (16 في المائة) والحرائق وحرائق الغابات (13 في المائة) والجفاف (12 في المائة). ومن المرجح أن تكون الأرقام المستمدة من استقصاءات عمليات تقييم الاحتياجات في حالات الكوارث ومن المؤشر الفرعي جيم-2 لإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث أقل من الواقع بنسبة كبيرة نظرًا إلى القيود والتأخر في الإبلاغ عن البيانات.

القياسات والأدلة بشأن المحاصيل والثروة الحيوانية

لا تُجمع البيانات المتعلقة بالخسائر والأضرار بطريقة منهجية. وجرت معالجة هذه الفجوة باستخدام البيانات المستمدة من قاعدة البيانات الدولية للكوارث وقاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة للحصول على أول تقدير كمي على الإطلاق لأثر الكوارث على الإنتاج الزراعي على النطاق العالمي، مع التركيز على المحاصيل والثروة الحيوانية. وتُقارن التخفيضات في المتوسط الوطني للإنتاجية بحسب البند مع سيناريو افتراضي لم تحدث فيه ظواهر مؤدية إلى كوارث.

وبلغت الخسائر المُجمعة العالمية للفترة 1991-2021 ما قيمته 3.8 تريليونات دولار أمريكي، أي ما يُعادل نحو 123 مليار دولار أمريكي سنويًا. وتُعادل هذه القيمة 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي العالمي، وما يقرب من 300 مليون طن من الخسائر المتراكمة سنويًا، أو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبرازيل في عام 2022. وبالمقارنة مع مطلع تسعينات القرن العشرين، بينما ازدادت الخسائر الإجمالية بصورة معتدلة فقط، باتت الخسائر أكثر انتشارًا من حيث البلدان والمنتجات المتأثرة. ويبدو أن ثمة ازدياد في تواتر الظواهر القصوى التي تنشأ عنها خسائر في المحاصيل والثروة الحيوانية وطبيعتها المتغيرة في جميع أنحاء العالم.

وتُظهر الخسائر اتجاهات متزايدة في مجموعات المنتجات الزراعية الرئيسية. وبلغت الخسائر في الحبوب في المتوسط 69 مليون طن سنويًا في العقود الثلاثة الماضية، أي ما يعادل إنتاج الحبوب بالكامل في فرنسا في عام 2021، وتليها الفواكه والخضراوات ومحاصيل السكر، وكلاهما اقترب من 40 مليون طنّ سنويًا في المتوسط. وفي ما يتعلق بالفواكه والخضراوات، تتوافق الخسائر مع الإنتاج الكامل للفواكه والخضراوات في اليابان وفييت نام في عام 2021. وتُظهر اللحوم ومنتجات الألبان والبيض خسائر تقديرية تبلغ في المتوسط 16 مليون طن سنويًا - أي ما يُعادل الإنتاج الكامل لهذه المنتجات في المكسيك والهند في عام 2021.

وتُخفي الخسائر العالمية تباينًا كبيرًا بين الأقاليم والأقاليم الفرعية ومجموعات البلدان. وتشهد آسيا إلى حد بعيد أكبر حصة من مجموع الخسائر الاقتصادية، وهي تُعادل تقريبًا خسائر أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين معًا. ومع ذلك، لا تُمثل الخسائر في آسيا سوى 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي (القيمة المضافة)، بينما تمثل في أفريقيا ما يقرب من 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي. وتزيد الخسائر بالأرقام المطلقة في البلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة العليا، ولكن البلدان المنخفضة الدخل والدول الجزرية الصغيرة النامية عانت من أعلى نسبة من الخسائر في القيمة المضافة الزراعية. ومقارنة بالإنتاج الافتراضي التقديري، يبدو أن الخسائر كبيرة بصفة خاصة في أنحاء عدة من أفريقيا، ولا سيما في أفريقيا الشرقية والجنوبية والغربية وفي ميكرونيزيا ومنطقة البحر الكاريبي.

ومن غير الممكن إسناد الخسائر إلى أنواع محددة من الأخطار باستخدام بيانات المحاصيل والثروة الحيوانية المقدَّرة، وذلك أساسًا بسبب صعوبة تصنيف آثار الكوارث المتعددة التي تحدث في العام نفسه. وتُظهر نتائج نموذج انحدار التأثيرات المختلطة أن درجات الحرارة القصوى وموجات الجفاف على المستوى العالمي تُمثل الأخطار المسؤولة عن الأثر الأكبر في كل ظاهرة، تليها الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات.

وتُحوَّل الخسائر العالمية في المحاصيل والثروة الحيوانية إلى طاقة مقابلة وتسع قيم للمغذيات الدقيقة المفقودة في الاستهلاك البشري. وتتطابق المنتجات الزراعية المفقودة بسبب الكوارث مع القيم الغذائية المناسبة في الجدول العالمي لتحويل المغذيات الذي يوفِّر قيمًا غذائية مكافئة للسلع الغذائية الرئيسية. ومن المهم التأكيد على أن التركيز ينصب على توافر المغذيات والطاقة، وليس على التغيُّرات في أنماط الاستهلاك بسبب الكوارث. وتُقدَّر الخسائر بنحو 147 سعرة حرارية للشخص الواحد يوميًا على مدى السنوات الإحدى والثلاثين الماضية. ولتوضيح ذلك، يُعادل هذا المتطلبات الغذائية اليومية لنحو 400 مليون رجل أو 500 مليون امرأة. وبالمقارنة مع المتطلبات الغذائية اليومية، يبدو أن فقدان المغذيات يظهر بصورة خاصة في الحديد والفسفور والمغنيسيوم والثيامين. وعلى المستوى الإقليمي، تُقدّر الخسائر التغذوية المرتبطة بالإنتاج المفقود بسبب الكوارث بنحو 31 في المائة في آسيا والأمريكيتين و24 في المائة في أوروبا و11 في المائة في أفريقيا و3 في المائة في أوسيانيا.

الآثار المختلفة في القطاعات الفرعية المختلفة: مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والغابات

في ما يتعلق بالقطاعات الفرعية لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والغابات، لا يُتيح نقص البيانات إجراء عمليات تقييم مماثلة لتلك التي تجري للمحاصيل والثروة الحيوانية. ولذلك يتم جمع الأفكار المتعلقة بآثار الكوارث في هذين القطاعين الفرعيين من المؤلفات القائمة والأدلة الموثّقة التي جرى الحصول عليها من تحليل حالات محددة.

وتتعرض الغابات بشدة لآثار الكوارث وتغيُّر المناخ، ولكنها تؤدي أيضًا دورًا رئيسيًا في الحد من المخاطر والتخفيف من حدتها. وأهم خطرين يؤثران على الغابات هما حرائق الغابات وتفشي الحشرات. وتنشأ معظم الأخطار التي تؤثر على قطاع الغابات عن عوامل متصلة بأحوال الطقس وتقلب المناخ على المدى الطويل والتأثير البشري، بما في ذلك تغيُّر استخدام الأراضي، وممارسات إدارة الأراضي، وإدخال الأنواع الغازية. ومع ذلك، جاء في طبعة عام 2020 من التقييم العالمي للموارد الحرجية أن 58 بلدًا فقط، أي ما يمثل 38 في المائة من مساحة الغابات في العالم، ترصد حاليًا تدهور الغابات بسبب قطع الأشجار أو الحرق أو الأمراض أو الإصابة بالحشرات. وتشمل العقبات التي تعترض جمع البيانات عن آثار الغابات النُهج غير المتسقة المتبعة في تقييم الخسائر والأضرار، وعدم كفاية تطبيق المنهجيات المناسبة، والافتقار إلى التغطية الشاملة عبر كامل مجموعة الآثار.

تلحق حرائق الغابات التي يساهم في اندلاعها ارتفاع الكثافة السكانية ضمن التفاعل بين الحياة البريّة والحضرية أضرارًا متزايدة بالبيئة والحياة البرية وصحة الإنسان والبنية التحتية. وتصيب الحرائق سنويًا ما يتراوح تقريبًا بين 340 و370 مليون هكتار من اليابسة، بينما التهمت الحرائق 25 مليون هكتار من الأراضي الحرجية في عام 2021 وحده. ووفقًا للنتائج الأخيرة التي توصلت إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، ازداد تواتر الطقس الأكثر سخونة وجفافًا ورياحًا في بعض المناطق وستستمر هذه الزيادة لم تقم البلدان بالوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس أو إذا لم تتجاوز تلك الالتزامات. وتزيد البيانات المتعلقة بحرائق الغابات في أفريقيا بصورة ملحوظة عن البيانات في سائر القارات، إذ تُمثل نحو 70 في المائة من جميع حرائق الغابات العالمية. ويلي ذلك 21 في المائة في أستراليا وأمريكا الجنوبية. وفي الوقت نفسه، وقعت 59 في المائة من جميع الحرائق في الفترة 2002-2019 في أقل البلدان نموًا، مما يدل على وجود ارتباط بين مخاطر الحرائق وانخفاض الدخل وسياقات إدارة الموارد. ويمكن لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الحرائق باستخدام إجراءات الحد من المخاطر أن تساعد في تجنب الخسائر والأضرار الفادحة.

ويمكن أن تكون الأضرار التي تلحق بالغابات بسبب الأنواع الغازية كارثية من الناحية الاقتصادية، ولكنّ تحديد العتبات التي يتجاوز بعدها الوجود المقبول للآفات الذي يتطور ليصبح اجتياحًا يُشكل تحديًا كبيرًا. ويستند الإبلاغ الحالي عن الأضرار الناجمة عن الآفات والأمراض إلى مساحة الأرض التي لحقت بها أضرار، أو حجم حالات موت الأشجار، أو الآثار الاقتصادية - ولكن لا يوجد نظام منسق للإبلاغ عن الآثار. وبصفة عامة فإن البيانات المتعلقة بتفشي الآفات الحشرية والأمراض محدودة، لا سيما في البلدان النامية. وفي البلدان المرتفعة الدخل، تُعتبر الخسائر المُبلغ عنها كبيرة، وتخلص بعض الدراسات إلى أن القيمة الصافية للآثار الاقتصادية المرتبطة بالآفات في نيوزيلندا ستتراوح بين 3.8 مليارات دولار نيوزيلندي و20.3 مليارات دولار نيوزيلندي بحسب توقعاتها حتى عام 2070. وتُشير التقديرات إلى أن الأضرار الناجمة عن الأنواع الغازية تُكلف اقتصاد المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية أكثر من 2.2 مليار دولار أمريكي سنويًا.

ويتطلب تقييم أثر الكوارث على الغابات مجموعة متنوعة من البيانات والمؤشرات، بما في ذلك قياس الآثار المباشرة على الأصول الإنتاجية، والعواقب على إنتاج الأخشاب، والأخذ بمنهجيات موحدة لتقييم الآثار على خدمات النُظم الإيكولوجية. ومن الجوانب المهمة لتقييم الخسائر على مستوى الأخشاب في أعقاب الكوارث الواسعة النطاق في قطاع الغابات أنه من الممكن في العادة إنقاذ جزء كبير من الأخشاب المتضررة. ولا يعني عدد الأشجار التي تلحق بها أضرار في أعقاب كارثة ما تلقائيًا انخفاض إنتاج الأخشاب، بل تُلاحَظ زيادة في مبيعات الأخشاب في أعقاب حدوث الظاهرة مباشرة، حيث يُطرح مزيد من الأخشاب في السوق بكميات تفوق ما هو معتاد.

وما فتئت منظمة الأغذية والزراعة تُروِّج لمنهجية محددة لجمع البيانات ولحساب الخسائر والأضرار من أجل تحسين وتوحيد التقديرات بشأن الخسائر الحرجية الناجمة عن الكوارث. وتُتيح المنظمة تقييمًا للموارد الحرجية يميّز بين قيمة الأخشاب الناضجة قبل قطعها الصالحة للتسويق (قيمة الخشب القائم في أرضه) والأخشاب التي لم تصل بعد إلى عمر دورتها في الوقت الذي تقع فيه الأضرار.

وتتعرض مصايد الأسماك الطبيعية وتربية الأحياء المائية لكوارث متعددة مفاجئة وبطيئة، بما فيها العواصف، وموجات التسونامي، والفيضانات، وموجات الجفاف، وموجات الحر، واحترار المحيطات، والتحمض، وتناقص الأكسجين، واختلال هطول الأمطار وتوافر المياه العذبة، وزحف المياه المالحة في المناطق الساحلية. ويتمثل أحد العوامل الرئيسية التي تُهدد النظام الإيكولوجي لمصايد الأسماك الطبيعية في زيادة شدّة وتواتر موجات الحر البحرية التي تُهدد التنوع البيولوجي البحري والنُظم الإيكولوجية البحرية، وهو ما يزيد من احتمال حدوث الظواهر المناخية القصوى ويؤثر أيضًا سلبًا على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية. وفي قطاع تربية الأحياء المائية، يمكن أن تشمل الآثار القصيرة الأجل خسائر في الإنتاج والبنية التحتية، وزيادة في مخاطر الأمراض والطفيليات وتكاثر الطحالب الضارة.

وتؤثّر الظواهر القصوى والتغيُّرات المناخية تأثيرًا مباشرًا على توزيع الأسماك غير المستزرعة ووفرتها وصحتها، كما تؤثر على إمكانية استمرار عمليات تربية الأحياء المائية وأرصدتها. ويؤدي تغيُّر المناخ وتقلباته والظواهر المناخية القصوى إلى تفاقم التهديدات التي تواجهها استدامة مصايد الأسماك الطبيعية وتنمية تربية الأحياء المائية في البيئات البحرية وبيئات المياه العذبة. وفي الوقت نفسه، يمكن لاستعادة أنشطة مصايد الأسماك الطبيعية بسرعة بعد وقوع الكارثة أن يوفِّر الأغذية المغذية وفرص العمل، ويمكن أن يُعجِّل بعودة المجتمع إلى نشاطه الاقتصادي المعتاد.

ويحدث تكاثر الطحالب الضارة عندما تنمو الطحالب - وهي كائنات بسيطة قادرة على التمثيل الضوئي وتعيش في البحار والمياه العذبة - بطريقة تخرج عن نطاق السيطرة، وتتولد عنها آثار سامة أو تضر بالبشر والأسماك والمحاريات والثدييات البحرية والطيور. وفي مارس/آذار 2021، على سبيل المثال، شهد الساحل الغربي لجنوب أفريقيا «هجرة جماعية» شملت 500 طن من جراد البحر الصخري في الساحل الغربي. وبالمثل، تُعبر تقارير تقييم الاحتياجات لثلاثة أعاصير ضربت الفلبين في السنوات الخمس الماضية - إعصار كاموري (تيسوي)، في عام 2019، وإعصار غوني في عام 2020، وإعصار راي (أوديت) في عام 2021 - عن ضرورة تسليط الضوء بصورة أكبر على الآثار الواقعة على مجتمعات الصيد وتربية الأحياء المائية بصورة جيدة، بما في ذلك الاحتياجات والأولويات الخاصة بالقطاع. ومن الأمثلة الواضحة الأخرى بركان هونغا تونغا - هونغا هابياي (HT-HH) تحت سطح البحر في تونغا الذي ثار في 15 يناير/كانون الثاني 2022. وركّز التقرير الأوّلي لتقييم الكوارث الذي أصدرته وزارة مصايد الأسماك في تونغا في فبراير/شباط 2022 على الأضرار التي لحقت بالأصول السمكية، بما في ذلك سفن الصيد الصغيرة التي كانت تعمل في صيد أسماك التونة وسمك البهار ومحركات تلك السفن ومعداتها. وبلغ إجمالي الأضرار المقدَّرة في قطاعي مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية 4.6 ملايين دولار أمريكي.

الدوافع الكامنة وراء مخاطر الكوارث والآثار المتوالية

تحيط بنا المخاطر من كل مكان، وهي تنمو بمعدل يفوق ما نبذله من جهود للحد منها. وتُعدّ المخاطر العالمية، مثل تغيُّر المناخ والتدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي وجودية بطبيعتها وتُساهم في زيادة مخاطر الكوارث. وتتسبب الكوارث أيضًا في آثار غير مباشرة متوالية مهمة، حتى على المستوى العالمي. ولا يتطلب التصدي للمخاطر تقييمًا للآثار المباشرة للكوارث فحسب، بل يتطلب أيضًا فهمًا لكيفية تعاقب آثار الكوارث داخل القطاعات وفي ما بينها وعلى المناطق الجغرافية، وطريقة تفاعل عناصر النُظم المتأثرة كل منها مع الآخر أثناء وقوع ظاهرة خطرة، والعوامل الهيكلية الكامنة وراء المخاطر. ويُسلّط الجزء الثالث من التقرير الضوء على تغيُّر المناخ، وآثار الأخطار البيولوجية - جائحة كوفيد- 19 وآفة حمى الخنازير الأفريقية - ودور النزاعات المسلحة في التسبب في مخاطر الكوارث وإلحاق أضرار وخسائر كبيرة في الزراعة والنُظم الزراعية والغذائية.

ربط تغيُّر المناخ بخسائر الإنتاج الزراعي

يُساهم تغيُّر المناخ في زيادة حدوث الأخطار، ممّا يؤدي إلى زيادة قابلية التأثر والتعرض وانكماش قدرة الأفراد والنُظم على التكيُّف. ويُقدم علم الإسناد الذي يُعرَّف بأنه تقييم العلاقات المرتبطة بتغيُّر المناخ والتعريف بها، نقطة دخول لتقدير تأثير تغيُّر المناخ على غلات المحاصيل ودرجة تأثّر الإنتاج الزراعي بالظواهر القصوى والبطيئة الظهور. ويُقيِّم التحليل كيفية تأثير تغيُّر المناخ على مستويات الغلات من خلال مقارنة السجلات المرصودة مع التوزيعات الافتراضية والواقعية لغلات الصويا في الأرجنتين وغلات القمح في كازاخستان والمغرب وغلات الذرة في جنوب أفريقيا. ومن المحاذير المهمة المتعلقة بالنتائج وجود درجة كبيرة من عدم اليقين ينطوي عليها تقدير هذه الإسنادات. وعلى الرغم من عدم محاولة إجراء تقدير كمّي لعدم اليقين في هذا التقييم، ينبغي التعامل مع جميع النتائج باعتبارها تقديرات تقريبية.

وفي الأرجنتين، يوضح النموذج أن الاختلافات الملحوظة في درجات الحرارة المرتفعة والمنخفضة، وكثافة هطول الأمطار والجفاف، تُفسِّر ارتفاع حصة التغيُّرات المسجلة في غلة فول الصويا في المقاطعات الأعلى إنتاجًا في البلاد. وتشير النتائج إلى أن تغيُّر المناخ قد أدى إلى زيادة متوسط الغلات خلال الفترة 2000-2019 بأقل من 0.1 طن/هكتار، أي بنحو 3 في المائة من متوسط الغلة الملحوظة خلال تلك الفترة. وتُشير النتائج أيضًا إلى أن احتمال حدوث تشوهات في الغلات في الأرجنتين، على غرار مستويات عام 2018 أو أقل، قد تكون انخفضت بنسبة تقارب النصف بسبب تغيُّر المناخ، مع مراعاة ما قد يشوب ذلك من عدم يقين. ولكن يُلاحظ أن نموذج الغلات لا يرصد سوى بعض الانحرافات المسجلة في الغلات.

وفي كازاخستان، تُظهر النتائج أن نسبة كبيرة من الاختلافات المسجلة في غلات القمح في المناطق الأعلى إنتاجًاأ يمكن أن تُعزى إلى الاختلافات في درجة النمو اليومي،ب والتقلبات في درجات الحرارة، والطقس البارد، والتقلبات في هطول الأمطار، والجفاف. وفي هذه الحالة، أدى تغيُّر المناخ إلى انخفاض متوسط الغلات خلال الفترة 2000-2019 بنحو 0.1 طن/هكتار، ويزيد ذلك على 10 في المائة من متوسط الغلات الملحوظة خلال تلك الفترة.

ويبين النموذج أن نسبة كبيرة من التقلبات المسجلة في غلة القمح في المناطق الأكثر إنتاجًا في المغرب يمكن أن تعزى إلى تقلب تغيُّرات درجات الحرارة، ودرجات الحرارة المرتفعة، والجفاف، وارتفاع معدل هطول الأمطار. ويُشير ذلك إلى أن تغيُّر المناخ أدى إلى انخفاض متوسط الغلات خلال الفترة 2000-2019 بأقل من 0.1 طن/هكتار وبلغ نحو 2 في المائة من متوسط الغلات الملحوظة خلال تلك الفترة.

وفي ما يتعلق بجنوب أفريقيا، يُظهر النموذج أن نسبة كبيرة من التغيُّرات المسجلة في غلة الذرة في المقاطعات الأعلى إنتاجًا يمكن أن تعزى إلى الاختلافات في درجة النمو اليومي، وتقلب درجات الحرارة، والطقس البارد، والجفاف، وارتفاع معدل هطول الأمطار. وكان لتغيُّر المناخ تأثير ضار مهم إحصائيًا على غلات محصول الذرة في جنوب أفريقيا. ويُشير النموذج إلى أن تغيُّر المناخ قد أدى إلى انخفاض متوسط الغلات خلال الفترة 2000-2019 بأكثر من 0.2 طن/هكتار، أي أكثر من 5 في المائة من متوسط الغلات الملحوظة خلال تلك الفترة، وأن الأثر السلبي لتغيُّر المناخ بلغ أشد مستوياته في السنوات التي كانت فيها الغلات أدنى. وتُشير النتائج مجتمعة إلى أن تغيُّر المناخ يمكن أن يؤدي بالفعل إلى تفاقم الخسائر الزراعية، وتؤكد أهمية الاستثمار في تدابير بهدف التخفيف من الخسائر والأضرار.

الجائحة والوباء: جائحة كوفيد- 19 وحمى الخنازير الأفريقية

يعرض هذا القسم الفرعي آثار جائحة كوفيد- 19 ووباء حمى الخنازير الأفريقية اللذين تفشيا مؤخرًا، على الزراعة والأمن الغذائي ويقوم بتحليل هذه الآثار. ويُظهر تقييم أوّلي مستمد من استقصاءات منظمة الأغذية والزراعة بشأن البيانات في حالات الطوارئ أن جائحة كوفيد- 19 أدّت إلى اختلال النُظم الغذائية بسبب نقص اليد العاملة، مما أعاق تحركات اليد العاملة الموسمية، ولا سيما في نُظم الإنتاج الكثيفة اليد العاملة. وكشف تحليل مشترك بين البلدان أُجري في 11 دولة تعاني من انعدام الأمن الغذائي أن الجائحة أحدثت صدمة في الأمن الغذائي وسُبل العيش مماثلة للصدمات الناجمة عن النزاعات أو الكوارث التي تسببها الأخطار الطبيعية. وكان المنتجون في مجال الثروة الحيوانية والمحاصيل النقدية من بين الأكثر تضررًا، إذ أشاروا إلى صعوبات في الحصول على المدخلات وبيع منتجاتهم والوصول إلى المراعي بسبب القيود التي فُرضت على الحركة، وإمكانية الوصول إلى الأسواق الدولية. وأكدت عمليات تقييم إضافية لعمليات الإغلاق المرتبطة بالجائحة في مختلف البلدان حدوث انكماش في إمدادات المدخلات الزراعية ونقص اليد العاملة وانخفاض تقديم الخدمات البيطرية.

وأدّت الاضطرابات في النقل والخدمات اللوجستية للمنتجات الزراعية إلى انخفاض أسعار بوابة المزرعة. وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار البيع بالتجزئة، فأثر ذلك على دخل المزارعين وصاحبه ارتفاع في تكاليف المعيشة. وازدادت احتمالات تقلص مساحات زراعة محاصيل الحبوب والخضراوات مقارنة بمحاصيل الفاكهة أو المحاصيل النقدية. وينطبق ذلك بصفة خاصة على المحاصيل النقدية، إذ تُزرع بشكل أساسي لقيمتها التجارية وليس للاستهلاك الشخصي من جانب المزارع. وعندما فُرضت قيود بسبب جائحة كوفيد- 19 خلال الموسم الزراعي الرئيسي، حدث انخفاض لا لبس فيه في المساحة المزروعة. وتجسدت القيود المفروضة على تجمع الأشخاص في إفادة المزارعين عن زراعة مساحة أقل أو أقل بكثير، علمًا أنّ المساحة تزيد من نحو 22 في المائة في الحالات التي لا تُفرض فيها قيود على تجمعات الأشخاص لتصل إلى نحو 50 في المائة إذا كانت القيود المفروضة على التجمعات صارمة جدًا. وبالمثل، ترتبط القيود على التجمعات باحتمالات تبلغ 56 في المائة للمزارعين الذين يبلغون عن زيادة في المحصول مقارنة بالأماكن التي لم تُفرض فيها تلك القيود عند جني المحصول. وازداد أيضًا بشكل كبير احتمال قيام المزارعين بالإبلاغ عن صعوبات في الوصول إلى المدخلات الزراعية.

وفي فئة الأمراض الحيوانية العابرة للحدود، أسفرت حمى الخنازير الأفريقية عن آثار كارثية. ومنذ يناير/كانون الثاني 2020، أُفيد عن تفشي حمى الخنازير الأفريقية في 35 بلدًا في خمس قارات وكانت العواقب أكثر وضوحًا في آسيا. وخلال الفترة الفاصلة بين تفشي الموجة الأولى من حمى الخنازير الأفريقية في الصين في 3 أغسطس/آب 2018 و1 يوليو/تموز 2022، تلقى النظام العالمي لمعلومات صحة الحيوان التابع للمنظمة العالمية لصحة الحيوان بلاغات تفيد بحدوث 218 موجة من موجات تفشي حمى الخنازير الأفريقية. وأدى التخلص من 1.2 مليون رأس من الخنازير اعتبارًا من عام 2019 إلى خسائر اقتصادية فادحة. وبحلول نهاية عام 2019، كان واضحًا أن تلبية الطلب الوطني على لحم الخنزير غير ممكنة، كما يتضح من الارتفاع الحاد في متوسط أسعار الخنازير ولحوم الخنزير إلى 161 و141 في المائة، على التوالي، مقارنة بمستويات ما قبل تفشي حمى الخنازير الأفريقية.

وباستخدام نتائج أداة OutCosT، يمكن تقدير كلفة حالات تفشي حمى الخنازير الأفريقية في مقاطعة Lao Cai في فييت نام في عام 2019 بما قيمته 8.6 ملايين دولار أمريكي. وفي الفلبين، تأثرت عشر مقاطعات بحمى الخنازير الأفريقية في عام 2019، ولكن بحلول نهاية عام 2020، أثرت حمى الخنازير الأفريقية على 32 مقاطعة. وتراوحت الكلفة التقريبية لحالات تفشي حمى الخنازير الأفريقية في عام 2020 في الفلبين بين 194 و507 ملايين دولار أمريكي.

أثر النزاعات المسلحة على الزراعة

وصلت النزاعات المسلحة القائمة حاليًا - التي تشمل الاضطرابات المدنية وتغيير النُظم والنزاعات بين الدول والحروب الأهلية - إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب العالمية الثانية. وفي حين أن خطر النزاعات المسلحة يخرج عن نطاق إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث للفترة 2015-2030، يمثل التفاعل بين النزاعات ومخاطر الكوارث مجالًا بحاجة إلى مزيد من الدراسة، بما في ذلك علاقته بالأضرار والخسائر. ويتزايد عدد الاستراتيجيات والخطط الوطنية والإقليمية والقطاعية للحد من مخاطر الكوارث التي تشمل الأخطار المجتمعية. ومن الأمثلة على ذلك مسودة الاستراتيجية الوطنية لجمهورية أفريقيا الوسطى، والاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث في العراق، والاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث في أفغانستان.

ويمكن أن تتسبب النزاعات في زيادة تعرض المجتمع للكوارث بسبب تدمير البنية التحتية وازدياد الفقر وعدم إعطاء أهمية للاستثمارات الطويلة الأجل من أجل الحد من مخاطر الكوارث أو عدم إمكانية تمويل تلك الاستثمارات. ويمكن أن تكون الممارسات الزراعية غير المستدامة التي تؤدي إلى زيادة مخاطر الكوارث ناجمة عن اختلال سُبل العيش و/أو فقدانها بسبب النزاعات المسلحة. وبالنظر إلى أن النزاعات المسلحة تحد أيضًا من الوصول إلى الأراضي وتتسبب في حركات نزوح للسكان وتُعطل الوصول إلى الرعاية الصحية ونُظم الحماية الاجتماعية، لا بد من إدراك التداعيات الأوسع نطاقًا للأضرار والخسائر الناجمة عن النزاعات المسلحة. ويمكن أيضًا أن تمتد فترات النزاعات الجارية بسبب الظواهر المؤدية إلى حدوث كوارث، بما في ذلك عندما تؤدي إلى ندرة الموارد.

وسلّطت دراسة شاملة عن أفريقيا وآسيا الضوء على أهمية الاختلافات المحلية والمتصلة بالسياق بشأن كيفية تأثير الكوارث على ديناميكيات النزاع، ووجدت أن الجفاف المحلي يزيد من احتمال استمرار العنف بالنسبة إلى الفئات المعتمدة على الزراعة، فضلًا عن الفئات المستبعدة سياسيًا في البلدان الفقيرة جدًا. ويؤثر السياق الجغرافي والسياسي الأوسع نطاقًا على عمل النُظم الزراعية والغذائية، إذ يؤثر ذلك في كثير من الأحيان على الطريقة التي يتشكل بها النزاع المسلح محليًا، وكذلك من خلال مزيد من الآثار الكلية على تدفقات التجارة بسبب ترابط التجارة العالمية. ويتعذر التنبؤ في العادة بالنُظم الزراعية والغذائية التي تتعرض مرارًا لضغوط بسبب النزاعات.

وتشمل عمليات تقييم أثر النزاعات المسلحة على الزراعة حسابات الأضرار والدمار الذي لحق بالمعدات والبنية التحتية، وفقدان الأصول الإنتاجية، مثل الثروة الحيوانية، ومع ذلك، تتسبب الآثار الأخرى على الزراعة في عواقب طويلة الأجل، بما في ذلك النزوح القسري وتوافر اليد العاملة الزراعية. ووضعت أدوات وإرشادات لتكييف تقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث مع بيئات العمل المعقدة، بما في ذلك الحالات التي تنشب فيها نزاعات مسلحة. وتوفر الإرشادات معلومات عن ضمان عدم تسبب أنشطة ما بعد الكوارث وعمليات الاستجابة في تفاقم ديناميكيات النزاع.

وبات الجفاف المتكرر وانعدام الأمن الغذائي ومخاطر المجاعة اللاحقة حلقة مدمِّرة ولا يمكن تحملها بصورة متزايدة في الصومال خلال العقود الأخيرة. وخلال الفترة بين مجاعة عام 2011 وحالة الجفاف الهائلة التي تعرضت لها البلاد خلال عامي 2016 و2017، أشارت التقديرات إلى إنفاق نحو 4.5 مليارات دولار أمريكي على الاستجابات الطارئة لإنقاذ الأرواح. وفي عام 2017، أشار تقييم متعدد القطاعات تناول الأضرار والخسائر، بتنسيق عام من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن الأضرار والخسائر في الزراعة بلغت في مجموعها أقل بقليل من ملياري دولار أمريكي.

وبعد فترة وجيزة من الانتفاضة الأولى التي شهدتها الجمهورية العربية السورية في عام 2011، غرقت البلاد في مجموعة معقدة من النزاعات. وبعد مرور خمس سنوات على الأزمة، أجرت منظمة الأغذية والزراعة تقييمًا شاملًا للأضرار والخسائر. وأشارت النتائج إلى أن الأضرار الإجمالية التي لحقت بالقطاع الزراعي خلال السنوات الخمس الأولى من الأزمة بلغت 16 مليار دولار أمريكي. ويُعادل ذلك ثلث الناتج المحلي الإجمالي للجمهورية العربية السورية في عام 2016. ونجمت أكبر الآثار المالية بالدولار الأمريكي عن الخسائر (9.21 مليار دولار أمريكي) مع أن مستوى الأضرار في هذه الحالة كان 6.83 مليار دولار أمريكي.

وجرى تقييم آثار الحرب في أوكرانيا في الفترة بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2022 في 22 ولاية. وتبيّن من التقييم أن الأضرار والخسائر التي خلّفتها الحرب وعانت منها الأُسر المعيشية الريفية وتأثر بها مُربو الماشية وصيادو الأسماك ومنتجو الأحياء المائية بلغت نحو 2.3 مليارات دولار أمريكي. وتوقف في المتوسط 25 في المائة من السكان الريفيين عن الإنتاج الزراعي أو قاموا بتخفيضه، مع أن أكثر من 38 في المائة من المستجيبين على طول خط التماس أفادوا عن توقف الإنتاج الزراعي. وتسببت التأثيرات الإجمالية على قطاع تربية الأحياء المائية ومصايد الأسماك في أوكرانيا خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب في عام 2022 في أضرار بلغت 4.97 مليون دولار أمريكي، وفي خسائر (تغييرات في التدفقات المالية) بما قيمته 16.6 ملايين دولار أمريكي، أي 63 في المائة من الإنتاج الإجمالي لقطاع تربية الأحياء المائية في أوكرانيا (34 مليون دولار أمريكي).

الحلول للحد من مخاطر الكوارث في الزراعة

يكمّل هذا الجزء من التقرير الأجزاء الثلاثة السابقة من خلال التركيز على جدوى الاستثمارات في الممارسات الجيدة الاستباقية المعززة للحد من كوارث المخاطر في النُظم الزراعية والغذائية وفي الإجراءات الاستباقية لزيادة قدرة سُبل العيش على الصمود في وجه الكوارث. ويجري بالتالي تحليل إجراءات الحد من الآثار المحتملة للكوارث والمخاطر الكامنة وراءها من حيث منافعها مقابل تكاليف تنفيذها. وتُقدم عدة أمثلة على تحليل المنافع المرتبطة بممارسات الحد من مخاطر الكوارث والإجراءات الاستباقية التي يمكن أن تُشكل مخططات للتقييم المقارن للاستثمارات القابلة للتوسيع.

منافع الممارسات الجيدة للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المزرعة

يُمثل المزارعون، ولا سيما أصحاب الحيازات الصغيرة الذين يعتمدون على الأمطار في الزراعة، أصحاب المصلحة الأكثر عرضة للأضرار في النُظم الزراعية والغذائية، ويتحملون بالتالي وطأة آثار الكوارث. وهناك مسارات متعددة يمكن للمزارعين وصانعي السياسات والجهات الفاعلة في مجال التنمية والعمل الإنساني اتباعها للحد من ضعف أصحاب الحيازات الصغيرة. وتشمل هذه المسارات الممارسات الجيدة والتكنولوجيات الوقائية للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المزرعة. ويمكن التوسع في هذه الحلول التقنية واختبارها سواء في سيناريوهات الظروف الخطرة وغير الخطرة، ومن المؤكّد بالتالي أنها تساعد في تجنب الخسائر على صعيد الإنتاج الزراعي الناجمة عن الأخطار الطبيعية أو البيولوجية، أو الحد منها.

وفي أوغندا، على سبيل المثال، من أجل الحد من أثر زيادة موجات الجفاف، جرى الجمع بين زراعة أصناف الموز العالية الغلات والقادرة على تحمل الجفاف وممارسات صون التربة والمياه، مثل التغطية، والخنادق، واستخدام السماد العضوي. وأظهرت الدراسة أن تطبيق حُزمة الممارسات الجيدة حققت في المزارع المتضررة بفترات الجفاف منافع صافية تراكمية لكل فدّان على مدار 11 عامًا، وكانت أكبر بنحو عشر مرات مقارنة بما تحقق من خلال الممارسات المحلية القائمة. وبلغت نسبة منافع الممارسات الجيدة إلى كلفتها 2.15 مقابل نسبة بلغت 1.16 للممارسات المحلية القائمة.

وفي مرتفعات دولة بوليفيا المتعددة القوميات، ومن أجل الحد من حالات نفوق إبل اللاما بسبب الصقيع والثلوج والأمطار الغزيرة والعواصف الثلجية، طُبقت على سبيل التجربة ممارسات جيدة تطلبت بناء ملاجئ شبه مسقوفة للماشية (corralones) وجرى نشر الصيدليات البيطرية. وأدّت نسبة المنافع إلى الكلفة التي حققتها هذه الممارسات إلى زيادة المنافع التراكمية الصافية بنسبة 17 في المائة مقارنة بالممارسات المحلية التي كانت متّبعة من ذي قبل على مدى 11 عامًا. وأظهر تحليل المحاكاة أيضًا أنه في حال تحسين الممارسات الجيدة بطريقة منهجية فإن معدل حالات نفوق الإبليات قد يقل بمقدار 12 مرة عما كان عليه في ظل الممارسات السابقة.

وفي باكستان، جرى اختبار الممارسات الجيدة للحد من مخاطر الكوارث على القمح والقطن والأرزّ وقصب السكر ومحاصيل الخضراوات والبذور الزيتية، بما في ذلك البامية ودوار الشمس خلال الموسمين الزراعيين الرئيسيين، وهما الموسم الجاف (الخريف) والموسم الرطب (الربيع) في المقاطعات الواقعة في ولايتي البنجاب والسند القابلتين للتضرر بشدة بتغيُّر المناخ، وبين المقاطعات الأكثر قابلية للتضرر داخل حوض السند. وأُجريت تحليلات للمنافع والكلفة خلال ستة مواسم. وتُشير النتائج إلى أن كل دولار أمريكي يستثمر في هذه الحُزمة من الممارسات الجيدة سيولِّد 8.18 دولارًا أمريكيًا و6.78 دولارًا أمريكيًا من المنافع في الظروف الخطرة وغير الخطرة، على التوالي.

وفي الفلبين، اختُبرت زراعة الأرزّ الأخضر الممتاز في إقليم بيكول على مدى ثلاثة مواسم متتالية (الموسمان الجاف والرطب في عام 2015 والموسم الجاف في عام 2016). وكشفت النتائج عن منافع اقتصادية واضحة، إلى جانب زيادة الإنتاجية الزراعية عند استخدام أصناف المحاصيل القادرة على تحمل حالات الإجهاد المتعددة مقارنة بالأصناف المحلية سواء أكان ذلك في الظروف الخطرة أو غير الخطرة. وكانت نسبة منافع استخدام أصناف الأرزّ الأخضر الممتاز إلى كلفته أعلى من زراعة الأصناف المحلية في كل من المواسم الرطبة والجافة

ولتحقيق كامل إمكانات التدابير الاستباقية للحد من المخاطر، مثل التدابير التي جرى تحليلها هنا، لا بد من توسيع نطاق هذه الإجراءات وتطبيقها بصورة متكرّرة على نطاق واسع. ويتطلب ذلك بالتالي اتخاذ تدابير للتغلب على التحديات والحواجز التي يواجهها المزارعون في الأخذ بمثل هذه التدابير، بما يشمل سياسات تدعم الإقبال على استخدامها. ويمكن أن يوفِّر أيضًا تكامل تدابير الحد من مخاطر الكوارث وبرامج الحماية الاجتماعية فرصًا مهمة.

عائدات الاستثمار في تدخلات الإجراءات الاستباقية

يُعرَّف الإجراء الاستباقي بأنه التصرف الذي يُتخذ قبل وقوع الأخطار المتوقعة لمنع الآثار الإنسانية الحادة قبل أن تتكشّف بالكامل أو التقليل منها. وتنشأ فرصة اتخاذ إجراءات استباقية في المسافة الزمنية الواقعة بين تفعيل الإنذار المبكر واللحظة التي يقع فيها أثر الخطر. وجرى استحداث نظام تفعيل وخُصصت الأموال مسبقًا لصرفها بسرعة عند الوصول إلى العتبات المتفق عليها مسبقًا. وجرى تطوير نظام تشغيل بالاستناد إلى التوقعات ذات الصلة (على سبيل المثال، هطول الأمطار، ودرجة الحرارة، ورطوبة التربة، وحالة الغطاء النباتي، وغيرها في حالة الأخطار المتصلة بالمناخ)، إلى جانب المشاهدات الموسمية والمعلومات المتعلقة بالتعرض للتأثيرات.

وتُمثل الإجراءات الاستباقية تدابير أثبتت فعاليتها من حيث الكلفة للتخفيف من أثر الكوارث وهي تحقق مكاسب كبيرة من حيث القدرة على الصمود. ومن خلال تقديم الدعم قبل حدوث الأزمة، يمكن للإجراءات الاستباقية الفعالة التي تُتخذ في الوقت المناسب أن تحدّ من انعدام الأمن الغذائي وتُقلّل من الاحتياجات الإنسانية وتخفف الضغوط الواقعة على الموارد الإنسانية المستنفدة. وتُعدّ الإجراءات الاستباقية التي يتم تفعيلها بواسطة نُظم إنذار مبكر محددة السياق، تدخلات قصيرة الأجل تهدف إلى حماية مكاسب الحد من مخاطر الكوارث والقدرة على الصمود من الأثر المباشر للصدمات المتوقعة. وكانت نتائج نسبة منافع الإجراءات الاستباقية إلى تكاليفها في التدخلات العشرة التي جرى تحليلها في هذا القسم إيجابية في معظمها، وتتراوح بين 0.46 و7.1.

وأثبتت الإجراءات الاستباقية المتخذة لحماية الثروة الحيوانية قبل وقوع الأخطار المتوقعة فعاليتها، ولا سيما في الحد من نفوق الحيوانات والحفاظ على حالة أجسام الحيوانات وإنتاجيتها، وكذلك قدرة القطعان على التكاثر. وسُجلت أيضًا نتائج إيجابية لتدخلات الإجراءات الاستباقية التي ركزت على المحاصيل. وتبعًا للسياق، يمكن أن يشمل ذلك البذور القادرة على تحمل الإجهاد، والحصاد المبكر، ووقاية النباتات من الآفات والأمراض الناجمة عن الأخطار، وبذور المحاصيل القصيرة الدورة، ومعدات الري الصغيرة، إلى جانب تدخلات أخرى.

وتُشير الأدلة السردية إلى أن التدخلات عبر الإجراءات الاستباقية يمكن أن تحدّ أيضًا من المخاطر القائمة، ويمكن أن تحمي سُبل العيش على نحو يتجاوز آثار الخطر الأوّلي. ويوفر التدريب أثناء تدخلات الإجراءات الاستباقية فرصة لزيادة الوعي وبناء المهارات للحد من مخاطر الكوارث. ويمكن أيضًا لنُظم الإنذار المبكر الفعالة أن تفضي إلى تدخلات حسنة التوقيت، كما أن إدماج الإجراءات الاستباقية ضمن سياسات الحد من مخاطر الكوارث والخطط والأُطر المالية، وكذلك ضمن الأُطر الإنسانية والإنمائية، سيتيح للبلدان تعزيز القدرة على الصمود والحد من مخاطر الكوارث.

الجمع بين المكافحة الوقائية والإجراءات الاستباقية - حالة الجراد الصحراوي في منطقة القرن الأفريقي

تمثل طفرة الجراد الصحراوي التي اجتاحت منطقة القرن الأفريقي الكبرى في عامي 2020 و2021 واحدة من أشد الأزمات التي سجلت في الإقليم. وشكلت تهديدًا غير مسبوق للأمن الغذائي وسُبل العيش، إلى جانب إمكانية التسبب في معاناة ونزوح ونزاعات على نطاق واسع. وبالاستناد إلى الخبرة السابقة في تنفيذ عملية مكافحة الجراد الصحراوي في الفترة 2020-2021، استحدثت منهجية جديدة قابلة للتعديل لحساب العائد على الاستثمارات ممّا تقدمه المنظمة من تدخلات واعية بالمخاطر. وقدمت التقارير الواردة من الميدان تفاصيل عن طبيعة عملية المكافحة (الجوية والبرية) بالإضافة إلى نسبة الجنادب إلى الأسراب. وأتاحت معلومات الإنذار المبكر والتوقعات الدقيقة والحسنة التوقيت التي قدمتها دائرة معلومات الجراد الصحراوي في منظمة الأغذية والزراعة طوال فترة انتشار الجراد، نشر الاستراتيجيات الواعية بالمخاطر. ونتيجة لذلك، جرت معالجة مساحة بلغت 2.3 ملايين هكتار من المناطق المتضررة في القرن الأفريقي واليمن. وقُدّرت القيمة التجارية للخسائر الإجمالية التي تم تجنّبها بالنسبة إلى الحبوب والألبان بنحو 1.77 مليار دولار أمريكي. وتوفِّر التدخلات لمكافحة الجراد الصحراوي الواسعة النطاق والواعية بالمخاطر عائدًا على الاستثمارات بنسبة 1:15. ويعني ذلك أن كل دولار أمريكي استُثمر في التدخل قد أدى إلى تجنّب خسائر تُقدَّر بنحو 15 دولارًا أمريكيًا في منطقة القرن الأفريقي الكبرى. وأدّت هذه الجهود الجماعية التي بذلتها منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها إلى تجنب خسائر بما قيمته 4.5 ملايين طن من المحاصيل، وتوفير 900 مليون لتر من الحليب، وتأمين الغذاء لنحو 42 مليون شخص.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الزيادة في تفشي الجراد الصحراوي لم تكن الكارثة الوحيدة التي أثرت على منطقة القرن الأفريقي في الفترة 2020-2021. وفقد كان المزارعون في منطقة القرن الأفريقي يعانون بالفعل من كوارث أخرى، مثل الفيضانات والجفاف والعواصف، إلى جانب القيود المرتبطة بجائحة كوفيد- 19 التي كانت سببًا في تضييق سُبل الحصول على المدخلات الزراعية وقلصت المساحات المزروعة. ولولا التدابير الوقائية التي اتُخذت لمكافحة تفشي الجراد الصحراوي، لكان إنتاج الذرة والذرة الرفيعة في عامي 2020 و2021 قد انخفض بصورة أكبر. وتطلّب ذلك أيضًا اتباع نهج للحد من مخاطر الكوارث المتعددة الأخطار لضمان أن تأخذ التدخلات المنفذة على أرض الواقع في الاعتبار الترابط بين مخاطر الكوارث وآثارها المتوالية.

والدرس المستفاد عمومًا هو أنّ الإجراءات الواعية بالمخاطر في حالة اجتياح الجراد قد قلّلت إلى حد كبير من الأثر السلبي المحتمل للصدمة على النُظم الزراعية وسُبل العيش المرتبطة بها. وأدى ذلك إلى تقليل الأضرار التي لحقت بالمحاصيل والمراعي، وخفض رشّ مبيدات الآفات التي لها آثار سلبية على صحة الإنسان والبيئة، وخفض التكاليف المالية.

الاستنتاجات

إنّ الحاجة إلى بيانات ومعلومات محسّنة بشأن آثار الكوارث في الزراعة هي الموضوع الرئيسي الأول الذي يربط بين مختلف أجزاء التقرير. ويُعدّ الاستثمار في المنهجيات والأدوات المحسنة لرصد البيانات والإبلاغ عنها وجمعها خطوة أولى ضرورية لبناء القدرات الوطنية من أجل فهم مخاطر الكوارث والحد منها في الزراعة والنُظم الزراعية والغذائية الأوسع. ويُساهم هذا التقرير في بلورة قاعدة المعرفة من خلال تقديم أول تقدير عالمي على الإطلاق لأثر الكوارث على إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية.

ومن الضروري الأخذ بنُهج لتقدير قابلية التأثر وتقييم الآثار والحد من المخاطر في كل قطاع على حدة. وحتى في القطاعات الفرعية التي لديها إمكانية أفضل في الوصول إلى المعلومات، يتعين تطوير أدوات موحدة لقياس أثر الكوارث من أجل تقييم الخسائر والأضرار، وبناء القدرات على مختلف المستويات، ودعم آليات تنسيق الوقاية والاستجابة، وتوسيع نطاق هذه التقديرات للخسائر على النطاق الوطني أو العالمي. ويعاني بصفة خاصة القطاعان الفرعيان للغابات ومصايد الأسماك من نقص المعلومات الشاملة عن إنتاجهما وأصولهما وأنشطتهما وسُبل العيش فيهما، وتتجاهلهما في كثير من الأحيان عمليات تقييم الأثر وتقييم الاحتياجات بعد وقوع الكوارث. وتوفّر التكنولوجيات والتطورات الناشئة في مجال تطبيقات الاستشعار عن بُعد آفاقًا جديدة لتحسين المعلومات عن آثار الكوارث في الزراعة. وعلى مستوى السياسات، سيوفِّر أيضًا تعزيز وتقوية الإبلاغ عن البيانات في ما يتصل بالمؤشر الفرعي جيم-2 لإطار سِنداي بشأن الخسائر الاقتصادية المباشرة في الزراعة، وهو ما يقابل المؤشر 1-5-2 من مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، قاعدة بيانات منهجية وشاملة عن خسائر الكوارث في الزراعة.

والاستنتاج الرئيسي الثاني في هذا التقرير هو الحاجة إلى وضع نُهج للحد من مخاطر الكوارث المتعددة القطاعات والمتعددة الأخطار وتعميمها في صنع السياسات والقرارات. وتتفاقم آثار الكوارث بسبب الدوافع المتعددة والأزمات المتداخلة التي تتسبب في تأثيرات متوالية ومضاعفة وتؤدي إلى تفاقم التعرض للمخاطر وقابلية الناس والنُظم الإيكولوجية والاقتصادات للتضرر. وكما هو موضح في هذا التقرير، فإن عوامل مثل تغيُّر المناخ، وجائحة كوفيد- 19، ووباء حمى الخنازير الأفريقية، والنزاعات المسلحة، تؤدي جميعها إلى تضخيم مخاطر الكوارث وآثارها في النُظم الزراعية والغذائية. وفي حالة تغيُّر المناخ، يوفِّر استخدام منهجيات علم الإسناد السببي معلومات جديدة عن الدرجة التي يؤدي بها تغيُّر المناخ إلى تفاقم الخسائر في الزراعة.

ويجب أن تتبنّى الاستراتيجيات الفعالة للحد من مخاطر الكوارث والمناخ رؤية شاملة على نطاق المنظومة في ما يتعلق بالدوافع ومسارات الأثر المختلفة التي تنشأ عنها خسائر في النُظم الزراعية والغذائية. وينطبق ذلك بصفة خاصة على البلدان التي لديها عدد كبير من الأشخاص أو الضعفاء أو المجتمعات المحلية الضعيفة، أو التي تمتلك قدرات أو موارد أقل تطورًا في مجال الاستعداد للكوارث أو التصدي لها، أو في الحالات التي يمكن أن تُهدّد فيها تقلبات الإنتاج الزراعي الأمن الغذائي بسهولة. ومن المهم اكتساب فهم أفضل لمنافع إجراءات الحد من مخاطر الكوارث في قطاع الزراعة وفي النظم الزراعية والغذائية. ويكتسي إنشاء قاعدة أدلة قوية للتدخلات والتدابير التي يمكن توسيعها وتعزيزها على نطاق أوسع أهمية كبرى.

والاستنتاج الرئيسي الثالث لهذا التقرير هو الحاجة إلى استثمارات في القدرة على الصمود توفِّر منافع للحد من مخاطر الكوارث في النُظم الزراعية والغذائية وتحسّن الإنتاج الزراعي وسُبل العيش. وتُعدّ الممارسات الجيدة للحد من مخاطر الكوارث على مستوى المزرعة في سياقات ومواقع محددة حلولًا فعالة من حيث الكلفة تعزز قدرة سُبل العيش والنُظم الزراعية والغذائية على الصمود في وجه الأخطار الطبيعية والبيولوجية. وتبيّن دراسات الحالة الواردة في هذا الجزء أن الممارسات الجيدة لا تحدّ من مخاطر الكوارث فحسب، بل تولِّد أيضًا منافع إضافية كبيرة. ويتطلب ذلك اتخاذ إجراءات عاجلة لتعزيز الأخذ بالابتكارات المتاحة، وتشجيع توليد حلول أكثر قابلية للتوسيع من أجل إدارة المخاطر، وتعزيز الإنذار المبكر والإجراءات الاستباقية.

وتقترح الأدلة المتاحة، مع أنها ليست شاملة بعد، مجموعة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين عمليات تقييم أثر الكوارث وتعزيز سياسات الحد من مخاطر الكوارث. وتُشكل استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث الوطنية والقطاعية والمحلية حجر الزاوية لتحقيق نُظم زراعية وغذائية شاملة للجميع وقادرة على الصمود، ويمكن أن يكون لمنظومة الأمم المتحدة دور مهم في تعميم الحد من مخاطر الكوارث في السياسات والبرامج وآليات التمويل الوطنية والقطاعية. ومع ذلك، لا بد من توسيع قاعدة المعرفة التي تستند إليها الدراسات التي يمكن الاسترشاد بها في السياسات والقرارات القائمة على الأدلة لتعزيز القدرة على الصمود في الزراعة والنُظم الزراعية والغذائية بشكل عام. وهذه خطوة أولى أساسية في سبيل النجاح في إدماج الحد من مخاطر الكوارث المتعددة الأخطار في السياسات الزراعية وخدمات الإرشاد، فضلًا عن الاستراتيجيات الوطنية والمحلية للحد من مخاطر الكوارث.

back to top