حالـة الموارد السمكية وتربية الأحياء المائية في العالم 2022

الجزء الرابع القضايا الناشئة والتوقعات

تكيّف مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية مع تغيّر المناخ

مقدمة

أعادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ التأكيد على تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري في تقرير التقييم السادس (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، 2021)، مشددة على أن زيادة الاحتباس الحراري قد تسببت في تغييرات لا رجعة فيها. ويسلّط ميثاق غلاسكو للمناخ (الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ، 2021) الصادر عن الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (الإطار 30) الضوء على الحاجة الملحة إلى إجراءات قائمة على محيطات، كما أعادت المناقشات المناخية التأكيد على القدرة الكبيرة التي تتمتع بها النظم الإيكولوجية المائية على تخزين الكربون. وتدعو هذه الاعترافات إلى تعزيز وتسريع التخفيف من حدة تغيّر المناخ والتكيّف معه في مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية على غرار التطورات التي تجري صياغتها تدريجيًا في الحوارات الدولية المتعلقة بالمناخ. وعلى مرّ السنين، حظيت المناقشات المناخية العالمية المتعلقة بمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بالدعم من خلال توجيهات المنظمة في مجال التكيّف (Poulain، Himes–Cornell وShelton، 2018)؛ ويؤكد هذا القسم على خمس أولويات لتعزيز الإجراءات الميدانية المتعلقة بمصايد الأسماك وتكييف تربية الأحياء المائية، يمكنها المساهمة بشكل كبير في تحقيق التحوّل الأزرق.5

الإطار 30المعالم البارزة لميثاق غلاسكو للمناخ

عُقدت الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في الفترة من 31 أكتوبر/تشرين الأول إلى 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في غلاسكو، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية. وتناولت الوثيقة الختامية، أي ميثاق غلاسكو للمناخ،1 القضايا والتحديات في سبعة مجالات موجهة نحو الإجراءات. وركّز الميثاق بشكل غير مسبوق على التكيف، وسلّط الضوء على الضرورة الملحة لتوسيع نطاق إجراءات التكيف. وحثّ أيضًا البلدان المتقدمة على زيادة ما توفره بصورة جماعية للبلدان النامية من أجل تمويل التكيف إلى حد كبير بالمقارنة مع مستويات عام 2019 بحلول عام 2025. ويُعدّ ذلك أمرًا بالغ الأهمية بالنظر إلى الفجوة الحالية في تمويل التكيف التي تفاقمت بسبب زيادة مديونية البلدان النامية نتيجة جائحة كوفيد–19.

وفي ما يتعلق بالتخفيف من التأثيرات، أقرّ ميثاق غلاسكو للمناخ بأن الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجات مئوية يتطلب تخفيضات سريعة وعميقة ودائمة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. وطلب من البلدان إعادة النظر في أهداف عام 2030 وتعزيزها في مساهماتها المحددة وطنيًا حسب الضرورة للتماشي مع الهدف المتعلق بدرجة الحرارة في اتفاق باريس بحلول نهاية عام 2022.

وشكّلت معالجة الخسائر والأضرار مسألة حاسمة أخرى في الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وحظيت باهتمام خاص من البلدان النامية. فقد حث ميثاق غلاسكو للمناخ البلدان المتقدمة على توفير الأموال لأغراض المساعدة الفنية في إطار شبكة سانتياغو القائمة. وأنشأ أيضًا "حوار غلاسكو" لمناقشة ترتيبات التمويل للأنشطة التي تعالج الخسائر والأضرار.

وفي ميثاق غلاسكو للمناخ، اعترفت البلدان بالترابط بين تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والدور الحاسم لحماية الطبيعة والنظم الإيكولوجية والحفاظ عليها واستعادتها. وكان هناك تركيز خاص على المحيطات، حيث دعت الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف برامج العمل ذات الصلة والهيئات المنشأة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ للنظر في كيفية دمج العمل القائم على المحيطات وتعزيزه في ولاياتها وخطط عملها الحالية والإبلاغ عن هذه الأنشطة بموجب عمليات الإبلاغ الحالية. ووافقت البلدان على تعزيز العمل القائم على المحيطات ومواصلة الحوارات السنوية التي تتناول المحيطات في عام 2022.

وشاركت المنظمة بنشاط في العديد من الأحداث في الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، وضمنت التطرق إلى مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. واستغلت هذه الفرصة أيضًا لتعزيز التزامها بمواصلة دعم البلدان لتحقيق الاستدامة والقدرة على الصمود في وجه تغير المناخ بشكل جماعي في مجال مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، وذلك بالتعاون مع شركاء من منظومة الأمم المتحدة ومجتمع المحيطات والقطاع الخاص.

تعميم تغير المناخ في إدارة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية

تستدعي الأدلة المتزايدة على تأثيرات تغيّر المناخ على النظم الإيكولوجية المائية مراعاة عوامل الإجهاد المناخية في إدارة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بصورة صريحة، فضلًا عن تحسين الربط بين خطط التكيّف وإجراءات الإدارة أو التنمية. ولهذا الغرض، سيستفيد القطاع من التحوّل إلى نُهج إدارة مرنة وقابلة للتكيّف تسمح بتعديلات مستمرة مع اكتشاف تأثيرات تغيّر المناخ. ويجب على دورات الإدارة أن تتضمن عادةً، كما تنص عليه توجيهات منظمة الأغذية والزراعة، حلقات إضافية للمعلومات المسترجعة من أجل الاستجابة للتغييرات في الوقت المناسب وتقصير دورة الإدارة للسماح بالتكيّف مع الظروف المتغيرة (الشكل 68).

الشكل 68دورات الإدارة التكيفية التي تُظهر حلقة تعقيبات إضافية للتصدي للطبيعة الديناميكية لتغير المناخ

المصدر: بتصرف من منظمة الأغذية والزراعة. 2003. إدارة الموارد السمكية - 2. نهج النظام الإيكولوجي لمصايد الأسماك. الخطوط التوجيهية الفنية للمنظمة لتحقيق الصيد الرشيد رقم 4، الملحق 2. روما. https://www.fao.org/3/y4470a/y4470a.pdf
ملاحظة: يُشار إلى حلقة التعقيبات الإضافية بخط أحمر متقطع.
المصدر: بتصرف من منظمة الأغذية والزراعة. 2003. إدارة الموارد السمكية - 2. نهج النظام الإيكولوجي لمصايد الأسماك. الخطوط التوجيهية الفنية للمنظمة لتحقيق الصيد الرشيد رقم 4، الملحق 2. روما. https://www.fao.org/3/y4470a/y4470a.pdf

ويمكن أن تؤدي نظم الرصد البيئي التي تستخدم نهجًا يقوم على المخاطر إلى اتخاذ إجراءات تكيُّف فعالة إذا اشتملت على مؤشرات بديلة ومحلية محددة السياق ومرتبطة بعوامل الإجهاد المناخي التي يُعرف أن لها تأثيرات كبيرة على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية (مثل ارتفاع درجة الحرارة، والتغيّرات في أنماط هطول الأمطار، ومستوى الأكسجين في المياه). وبشكل عام، يؤدي تعزيز الاعتماد على النُهج القائمة على المخاطر في إدارة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية إلى تقليل المخاطر المتعلقة بتغيّر المناخ إلى أقصى حد ممكن في مرحلة الإدارة الخاصة بالتخطيط أو التنفيذ على حد سواء.6 وبالإضافة إلى ذلك، يجب تصميم النطاق المكاني والزمني لوحدات إدارة الصيد أو تربية الأسماك بشكل مناسب بحيث تتماشى مع تدابير التخفيف من حدة تغيّر المناخ والتكيّف معه.

وباشرت منظمة الأغذية والزراعة في تحليل دراسات الحالة التي نجحت في إدخال المرونة في إدارة مصايد الأسماك البحرية (Bahri وآخرون، محرّرون، 2021)؛ غير أن هناك حاجة إلى المزيد من العمل والتوثيق والتعلّم من الأمثلة العملية التي تتناول آثار تغيّر المناخ في إدارة مصايد الأسماك في المياه العذبة أو نظم تنمية تربية الأحياء المائية لضمان استمرار الإنتاجية والقدرة على الصمود (الإطار 31).

الإطار 31تعزيز التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدته من خلال تحسين الإدارة الساحلية

تُعدّ مصايد الأسماك الساحلية مصدرًا حيويًا للأغذية ولسبل عيش ملايين الأشخاص. غير أن هناك ضغطًا متزايدًا على التنوع البيولوجي البحري في المناطق الساحلية. ويشكّل تغير المناخ أحد التحديات الرئيسية التي تهدد الأنواع المائية وتهدد النظم الإيكولوجية الساحلية، بما في ذلك أشجار المانغروف.

وتعمل المنظمة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة/اتفاقية أبيدجان في منطقة ساساندرا (كوت ديفوار) ودلتا نهر سالوم (السنغال) مع المجتمعات المحلية لتحقيق إدارة مستدامة لأشجار المانغروف ترتبط بتحسين حوكمة مصايد الأسماك وسلاسل القيمة من خلال مشروع مبادرة مصايد الأسماك الساحلية في غرب أفريقيا الذي يموله مرفق البيئة العالمية.

وفي عام 2021، قام المشروع بتنفيذ استعادة أشجار المانغروف، والمساعدة في التجديد الطبيعي وأنشطة الحماية على نطاق تجريبي لمساحة تبلغ 700 هكتار باستخدام نهج تشاركي وشامل عن طريق إشراك المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية.

ويدعم المشروع أيضًا تفعيل خطة إدارة الإربيان الساحلي في دلتا نهر سالوم، كما اضطلع بتنمية القدرات المجتمعية، مع التركيز بشكل خاص على النساء العاملات في تجهيز المحار وزيادة الوعي من خلال وسائل الإعلام المختلفة باللغات المحلية.

وتولد هذه التدخلات منافع عديدة. فهي تعزز قدرة المجتمعات المحلية لمصايد الأسماك على الصمود في وجه المخاطر والكوارث المتعلقة بالمناخ، وتسهم في احتجاز الكربون، وتتطرق في الوقت ذاته إلى القضايا المتعلقة بالتنوع البيولوجي.

ملاحظة: للمزيد من التفاصيل، يرجى زيارة الموقع: www.fao.org/in-action/coastal-fisheries-initiative/en

إعداد خطط التكيّف التحوّلية وتنفيذها

يتكيّف صيادو ومستزرعو الأسماك بالفعل مع تغيّر المناخ من خلال تنويع سبل عيشهم والتكيّف مع التغيرات في البيئة وتعديل تقنيات صيد الأسماك واستزراعها، ولكن لا بدّ من إعداد تغييرات أسرع في المؤسسات ونظم الإدارة من أجل تعزيز التكيّف المستقل7 وتجنب سوء التكيّف. ويتطلب ذلك وجود خطط تكيّف تحوّلية على المستويات الوطنية ودون الوطنية والمحلية؛ ويجب على هذه الخطط أن تسمح بالتكيّف المستقل على المدى المتوسط والطويل لتسهيل انتقال مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية إلى مستقبل يتسم بالقدرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ. واستجابة لهذه الحاجة، أصدرت المنظمة خطوطًا توجيهية (BrugereوDe Young، 2020) جرى إعدادها لصانعي السياسات من الوزارات والمؤسسات المعنية بإدارة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية للمشاركة بنشاط والمساهمة في الاعتراف بالقطاع وتعزيزه وإدماجه في عمليات التخطيط الوطنية للتكيّف. ويمكن لأصحاب المصلحة الآخرين أيضًا الاستفادة من هذه الخطوط التوجيهية لفهم كيفية المشاركة في تخطيط التكيّف والشروع فيه على المستويين دون الوطني والمحلي.

وفي حين ستكون خطط التكيّف التحوّلية ضرورية لإيجاز احتياجات نطاقات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية كافة، إلّا أنه يجب إيلاء اهتمام خاص للفئات الأشد ضعفًا كي يواصل هذا القطاع المساهمة في تحقيق الأهداف العالمية للحد من الفقر وتحقيق الأمن الغذائي. ولذلك، يجب أن تتبع صياغة وتنفيذ خطط التكيّف نهجًا شاملًا وتشاركيًا وأن تراعي احتياجات ومنافع المجتمعات المحلية التي تمارس صيد الأسماك وتربيتها على نطاق صغير في البلدان النامية الأكثر تأثرًا بتغيّر المناخ. ومن الأمثلة على ذلك وضع 120 خطة إدارة متكاملة قائمة على المجتمع المحلي في ميانمار كجزء من مشروع FishAdapt التابع لمنظمة الأغذية والزراعة للمساعدة في زيادة قدرة المجتمعات المحلية لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وسبل عيشها على التكيّف مع تغيّر المناخ.

اعتماد نُهج للإدارة المكانية تسترشد بالاعتبارات المناخية

توفر نُهج الإدارة المكانية إطارًا قويًا لتخطيط وتكييف وتخفيف مخاطر قطاعي مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في مواجهة المخاطر والفرص المناخية الحالية والمستقبلية. وفي غياب الإدارة المكانية السليمة والتخطيط، ومع ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمّضها، سيتغير التوزيع الجغرافي للأنواع وموائلها، وستتغير أنماط تفشي الأمراض وانتشارها، وستتفاقم النزاعات الاجتماعية بين مستخدمي المياه الداخلية أو المحيطات، من ضمن عدد لا يحصى من التغيّرات الناتجة عن تغيّر المناخ.

ويوفر التخطيط والإدارة المكانيان مسارًا يركّز على الحلول حيث يمكن استخدام البيانات والنماذج المكانية لتحقيق فهم أفضل لكيفية تأثير تغيّر المناخ على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والتنبؤ به، فضلًا عن تقديم رؤى ثاقبة حول التباين بين المواقع بحيث يمكن نشر استراتيجيات التكيّف المناسبة القائمة على المناطق. ويمكن للتخطيط المكاني الجيد والممارسات الإدارية الفضلى على مستوى إدارة المزرعة والمنطقة، ومع دعم من التكنولوجيا المكانية مثل الاستشعار عن بُعد عبر الأقمار الصناعية والمسوحات الجوية والنظم العالمية لتحديد المواقع ونظم المعلومات الجغرافية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أن يقلل من التعرض لمخاطر تغيّر المناخ وأن ييسّر التكيّف. وعلى سبيل المثال، في شيلي، تُستخدم خرائط مخاطر تغيّر المناخ لأغراض تربية الأحياء المائية المستمدة من مشروع ARClim التي جرى إعدادها تحت إشراف وزارة البيئة من أجل توليد تحذيرات علمية حول تكاثر الطحالب الضارة للمساعدة في الحد من معدل نفوق أسماك السلمون المستزرع (الشكل 69).

الشكل 69خرائط مخاطر فقدان الكتلة الأحيائية للسلمون بسبب تكاثر الطحالب الضارة في ظل إسقاطات تغير المناخ

المصدر: بتصرف من Soto, D., León-Muñoz, J., Garreaud, R., Quiñones, R.A. & Morey, F.. 2021. من شأن التحذيرات العلمية أن تساعد في تقليل نفوق السلمون المستزرع بسبب تكاثر الطحالب الضارة. Marine Policy، 132: 104705.
ملاحظة: تمثّل المضلعات مناطق امتيازات استزراع السلمون على طول محوري خطوط العرض (Y) والطول (X). وتمثل الألوان في الخرائط من ألف إلى جيم درجات مكونات المخاطر: التعرض (تاء) والخطر (خاء) ودرجة التأثر (حاء). وتتفاوت الدرجات من 1 (كحد أدنى) إلى 5 (كحد أقصى) لكل مكون. وتمثل الخريطة دال قيم المخاطر، والمقدّرة على أنها ميم = (تاء X خاء X حاء) 125/.ويشير المقام 125 إلى القيم القصوى الممكنة (5 × 5 × 5)، ولذلك تتفاوت المخاطر بين 0 (الحد الأدنى من المخاطر) و1 (الحد الأقصى للمخاطر).

المصدر: بتصرف من Soto, D., León-Muñoz, J., Garreaud, R., Quiñones, R.A. & Morey, F.. 2021. من شأن التحذيرات العلمية أن تساعد في تقليل نفوق السلمون المستزرع بسبب تكاثر الطحالب الضارة. Marine Policy، 132: 104705.
https://doi.org/10.1016/j.marpol.2021.104705

وقد تتطلب آليات الإدارة المكانية التي تسترشد بالاعتبارات المناخية في مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية تحوّلات تكيفية في أطر الحوكمة، وتصميم النُهج بصورة مخصوصة لمشاركة وانخراط أصحاب مصلحة متنوعين، وإدماج العلوم والمعرفة المحلية في تصميم وتنفيذ استراتيجيات ابتكارية للتخفيف من حدة تغيّر المناخ والتكيّف معه، مثل الحلول القائمة على الطبيعة. وبالإضافة إلى ذلك، من المهم تطوير قواعد بيانات مكانية متنوعة تعكس الخصائص البيئية والاجتماعية والاقتصادية للبيئة على حد سواء؛ وتعزيز النظم المتعلقة بالمحيطات ونظم مراقبة المناخ لتوفير المعلومات المحلية الآنية؛ وتنمية القدرات الوطنية والإقليمية لتنفيذ نماذج الإنذار المبكر ومؤشرات قادرة على دعم التخفيف من آثار تغيّر المناخ على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية أو التكيّف معها.

إدماج اعتبارات الإنصاف وحقوق الإنسان

يجب أن يكمن مفهوم الإنصاف في صميم المناقشات المناخية على الدوام. وقد يسبب تغيّر المناخ الضرر الأكبر لأولئك الذين ساهموا بأقل قدر في أزمة المناخ، مثل مجتمعات صيد الأسماك وتربيتها على نطاق صغير، لا سيما أولئك الذين يعيشون في البلدان والجزر المنخفضة الدخل. وفي نهاية المطاف، تتعلق المساواة أيضًا بحقوق الإنسان. ويمكن لتغيّر المناخ أن يؤثر على حق الأشخاص في الغذاء وحصولهم على مياه الشرب والتعليم والصحة والسكن، مع تأثيرات متفاوتة على الأفراد والجماعات والأشخاص الذين يعانون من أوضاع هشة مثل النساء، والأطفال، والمسنين ، والشعوب الأصلية، والأقليات، والمهاجرين، والفقراء.

وتقرّ الخطوط التوجيهية الطوعية لضمان استدامة مصايد الأسماك صغيرة النطاق وإعلان لجنة مصايد الأسماك التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 2021 بشأن استدامة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية واتفاق باريس بأهمية الإنصاف وحقوق الإنسان. ويجب على التكيّف مع تغيّر المناخ في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية أن يدمج اعتبارات الإنصاف وحقوق الإنسان في العمليات والنتائج على حد سواء. وتشمل الاعتبارات الرئيسية للعملية الشفافية، والمشاركة، والوصول إلى العدالة، وعدم التمييز. وتتضمن الاعتبارات الرئيسية للنتائج الحق في الحياة والحقوق الداعمة في الغذاء والسكن والمياه وسبل العيش. ويجب أن تقوم عملية تخطيط التكيّف بإشراك المجتمعات الضعيفة وتمكينها، بما في ذلك صغار الصيادين ومستزرعو الأسماك. ويجب على البلدان تقييم أوجه الضعف في قطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والعمل بما يتماشى مع اعتبارات الإنصاف وحقوق الإنسان. ويتطلب ذلك من البلدان أن تكون استباقية، وأن تستعد للأحداث المستقبلية، سواء كانت متطرفة أو بطيئة في ظهورها، بشكل يضمن الوصول إلى البنية التحتية القادرة على الصمود والخدمات العامة (بما في ذلك الخدمات الصحية).

الاستثمار في الابتكار

يفرض تغيّر المناخ تحديات جديدة على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية ما يحث القطاع على الابتكار من خلال مزيج تآزري من التحوّلات على صعيد التكنولوجيا والسياسات والسوق. وفي هذا الصدد، دعمت منظمة الأغذية والزراعة تصميم وتنفيذ نظم معلومات جديدة قابلة للتشغيل المتبادل تقوم بتنظيم ودمج البيانات على المستوى القطري في ما يخص مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وتغيّر المناخ، وتوفر المعلومات للمستخدمين وصناع القرار، فضلًا عن نظم الإنذار المبكر التي تساهم في الحد من الحوادث والوفيات وتوفر الدعم الإنساني في الظواهر المناخية المتطرفة. وتشمل الأمثلة إطارًا يجري تشغيله بالفعل وتم تعزيزه مؤخرًا في شيلي (معهد تطوير المصايد، 2021)، وتطبيق تكنولوجيات الوسائط الاجتماعية لتيسير المعلومات في الوقت الحقيقي وتعزيز الامتثال في بحيرة مالومبي، ملاوي (منظمة الأغذية والزراعة، 2019ه)، وتعزيز رصد وتقييم آثار تغيّر المناخ للاسترشاد بهما في السياسات والتخطيط ودعم مجتمعات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في ميانمار (منظمة الأغذية والزراعة، 2021ر).

ويجري نشر نهج ابتكارية مماثلة في مناطق أخرى من العالم. وعلى سبيل المثال، يقوم تطبيق ISDApp 8 في الفلبين بتحويل بيانات الطقس المحلية المجمّعة إلى تنبؤات جوية مبسطة ويرسلها كرسائل نصية إلى أرقام الهواتف المحمولة المسجلة للصيادين، حتى من دون هاتف ذكي، في حين يدعم مشروع Moana 9 في نيوزيلندا الجمع بين المعارف التقليدية وبيانات قطاع مصايد الأسماك باستخدام أحدث تكنولوجيات استشعار المحيطات والنمذجة الرقمية المتقدمة لتوفير نظم موثوقة للتنبؤ بالمحيطات لدعم الصناعات البحرية.

وتساهم مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بصورة طفيفة في انبعاثات الكربون في العالم. ومع ذلك، هناك فرص متاحة لإزالة الكربون على طول سلسلة قيمة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، وزيادة كفاءتها عن طريق الحد من هدر الأسماك وخسائرها، بما في ذلك لصالح صغار الصيادين ومستزرعي الأسماك. وتكنولوجيات إزالة الكربون موجودة بالفعل؛ ولكن لا لا يزال الوصول والتوسيع يمثلان تحديًا بسبب ارتفاع التكاليف. وتبرز الحاجة إلى خطط مالية ابتكارية وأساليب متعددة الجوانب لضمان وصول رواد الأعمال والمجتمعات المحلية، بما في ذلك النساء والشباب، إلى الائتمان، فضلًا عن تحفيز السياسات لدعم اعتماد التكنولوجيات والطاقات النظيفة على طول سلسلة قيمة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية جنبًا إلى جنب مع الابتكارات البارزة للترويج لفوائدها.

خلاصة

تبدي البلدان اهتمامًا متزايدًا بتكيّف مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية مع تغيّر المناخ. ووفقًا لآخر تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة بشأن المساهمات المحددة وطنيًا، ومن 85 مساهمة محددة وطنيًا جديدة أو محدّثة قدمتها بلدان (بين 1 يناير/كانون الثاني 2020 و31 يوليو/تموز 2021) كجزء من التزامها باتفاق باريس، أشارت 62 من 77 مساهمة (81 في المائة) تضمنت مكونات للتكيّف إلى التكيّف في مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، بما في ذلك إدارة المحيطات والمناطق الساحلية (Crumpler وآخرون، 2021). ويمكن أن توفر الأولويات الخمس الموضحة أعلاه توجيهات بالغة الأهمية للبلدان في تنفيذها للمساهمات المحددة وطنيًا من أجل المساهمة في نهاية المطاف في تحقيق أهداف التكيّف الطويلة الأجل لاتفاق باريس.

ومع قرار الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ الذي يعزز رسميًا الحيز الذي تشغله المحيطات في مناقشات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، من المهم لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية توسيع مساهمتها في الجهود العالمية، وتبادل حلول التكيّف والتخفيف ذات الصلة بالقطاع، والعمل في الوقت نفسه على الردم التدريجي للفجوة المهمة المتمثلة في الافتقار إلى الاهتمام الكافي بمصايد المياه العذبة وتربية الأحياء المائية في المناقشات الدولية المتعلقة بالمناخ.

back to top عد إلى الأعلى