تكثيف الإنتاج المستدام لتربية الأحياء المائية وتوسيع نطاقه

الأهداف والغايات

أثبتت تربية الأحياء المائية بما لا يقبل الشك دورها الحاسم في الأمن الغذائي والتغذية على المستوى العالمي، مما أدى إلى تضييق الفجوة بين العرض والطلب على الأغذية المائية.3 ومن المتوقع أن يزداد الأثر الإيجابي للقطاع على سبل العيش وفرص العمل من خلال تعزيز الإنتاجية والتحديث والتكثيف وزيادة الوصول الاقتصادي والجغرافي إلى المنتجات المائية المستزرعة. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يزداد إنتاج الأغذية المائية بنسبة إضافية قدرها 15 في المائة (منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي ومنظمة الأغذية والزراعة، 2021) ومن المسلّم به على نطاق واسع أن هذا النمو سيأتي بشكل أساسي من تربية الأحياء المائية. ويجب ألّا يأتي هذا النمو على حساب سلامة النظام الإيكولوجي المائي أو زيادة التلوث أو رفاه الحيوان أو التنوع البيولوجي أو المساواة الاجتماعية. ويتطلب ذلك استراتيجيات جديدة ومستدامة وعادلة لتنمية تربية الأحياء المائية.

ولذلك يجب أن تصبح تنمية تربية الأحياء المائية أولوية قصوى، لا سيما في المناطق التي تبقى إمكانات نمو هذا القطاع فيها غير مستغلة إلى حد كبير. ويُعتبر برنامج التحوّل الأزرق – الذي أطلقته المنظمة عقب إعلان لجنة مصايد الأسماك لعام 2021 بشأن استدامة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية (منظمة الأغذية والزراعة، 2021ب) – أحد المجالات البرامجية ذات الأولوية بالنسبة إلى المنظمة بموجب إطارها الاستراتيجي للفترة 2022–2031. وبالمثل، يؤكد إعلان شنغهاي على الدور الرئيسي لتربية الأحياء المائية، بما يعكس نتائج المؤتمر العالمي عن تربية الأحياء المائية (المؤتمر العالمي عن تربية الأحياء المائية، 2021) الذي عقدته المنظمة مع شبكة مراكز تربية الأحياء المائية في إقليم آسيا والمحيط الهادئ ووزارة الزراعة والشؤون الريفية في الصين. وتقرّ هذه الإعلانات التي جاءت في الوقت المناسب بالحاجة إلى تكثيف الجهود من أجل الاستفادة بشكل كامل من الفرص المتاحة، والتصدي في الوقت ذاته لتحديات التنمية التي لا تزال قائمة في مجال تربية الأحياء المائية من أجل تحقيق النتائج على نحو مستدام والاستفادة من كامل إمكاناتها.

ويهدف برنامج التحوّل الأزرق إلى: (1) زيادة تطوير نظم تربية الأحياء المائية المستدامة واعتمادها؛ (2) وضمان إدماج تربية الأحياء المائية في استراتيجيات التنمية الوطنية والإقليمية والعالمية والسياسات الغذائية؛ (3) والتأكد من أن يلبي إنتاج تربية الأحياء المائية الطلب المتزايد على الأغذية المائية ويعزز سبل العيش الشاملة؛ (4) وتحسين القدرات على المستويات كافة لتطوير تكنولوجيات وممارسات إدارية ابتكارية واعتمادها من أجل قطاع تربية أحياء مائية يتسم بقدر أكبر من الكفاءة والقدرة على الصمود.

وينظر هذا القسم بشكل نقدي في بعض التحديات الأساسية التي يجب التصدي لها من أجل الوفاء بالتزامات برنامج التحوّل الأزرق (الإطار 8) في نظم إنتاج تربية الأحياء المائية، وأطر الحوكمة، والابتكارات، والاحتياجات على صعيد بناء القدرات.

الإطار 8تحول تربية الأحياء المائية في آسيا

أنتجت مناطق جنوب وجنوب شرق وشرق آسيا مجتمعة 88 في المائة من تربية الأحياء المائية في العالم في عام 2021، باستثناء النباتات المائية، وساهمت المؤسسات الصغيرة بأكثر من 80 في المائة من هذا الحجم، مما يتطلب أخذها بعين الاعتبار في الوقت المناسب في إطار وضع سياسات النظم الغذائية العالمية وتحويلها.

وفي العقود الأخيرة، أُحرز تقدم كبير في بحوث تربية الأحياء المائية، والتكنولوجيا، والأمن البيولوجي، والتخطيط المكاني، والرقمنة، والتعليم والتدريب في آسيا. ويأتي نمو تربية الأحياء المائية في آسيا نتيجة للسياسة الحكومية الداعمة لتطوير البنية التحتية، والروابط التجارية الوثيقة، والتعاون البنّاء بين أصحاب المصلحة والشركاء. لكن هناك أيضًا دروس يمكن تعلمها من أمثلة التنمية غير المنظمة، والتكثيف غير المستدام، والسياسات التنظيمية الضعيفة في المنطقة، ولا تزال بعض التحديات تلوح في الأفق. ويجب أن ترقى تربية الأحياء المائية في آسيا إلى مستوى التحديات المتمثلة في تغذية الأعداد المتزايدة من السكان على خلفية القيود المفروضة على الموارد الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي. ويجب عليها أيضًا أن تتكيف مع ضغوط تغير المناخ وأن تعزز قدرة النظام على الصمود. وتعني التغييرات الديموغرافية أن تربية الأحياء المائية سوف تحتاج إلى التصدي لتقدم القوى العاملة الريفية في السن والهجرة إلى المناطق الحضرية عن طريق استقطاب وإشراك جيل جديد من الشباب المهرة والأذكياء من الناحية التكنولوجية.

المجالات ذات الأولوية لتحول تربية الأحياء المائية في آسيا

SOURCE: FAO.
المصدر: منظمة الأغذية والزراعة.

وسيكون تحقيق التوازن بين النتائج المجتمعية والاستدامة البيئية تحديًا رئيسيًا أمام تحول تربية الأحياء المائية في آسيا. وتستهدف العديد من الابتكارات حاليًا الأنواع العالية القيمة فقط، ولكن من أجل ضمان المساواة وعدم ترك أي أحد خلف الركب، يجب على الابتكارات أن تستهدف أيضًا الأنواع المائية ذات المستوى الغذائي المنخفض والأرخص ثمنًا. ويميل الأخصائيون في تربية الأحياء المائية إلى التركيز على التكنولوجيات، ولكنّ سلسلة القيمة والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية – مثل التأمين أو الحماية الاجتماعية لأشد الفئات ضعفًا – تتطلب تركيزًا إضافيًا في آسيا. ويمكن تجميع تحول تربية الأحياء المائية في آسيا ضمن تسعة مواضيع ذات أولوية (انظر الجدول).

وقد أنشأت المنظمة منصة فنية إقليمية بشأن تربية الأحياء المائية في آسيا لعرض بعض الابتكارات التي يمكن أن تساهم في الارتقاء بتحول تربية الأحياء المائية في آسيا وبالتالي المساهمة في التحول الأزرق عالميًا.1

نظم إنتاج أفضل

سيتطلب التوسّع في تربية الأحياء المائية المستدامة المزيد من الابتكارات الفنية ودعم السياسات والحوافز على طول سلسلة القيمة بأكملها. ويشمل ذلك الوصول إلى المياه، وتحسين القدرة الاستيعابية، وتحديد مناطق تربية الأحياء المائية وتخصيصها، وتبسيط إجراءات إصدار التراخيص بالاقتران مع الممارسات البيئية الجيدة والرصد، وتوافر العمالة المدربة والماهرة، وإنتاج بذور وأعلاف عالية الجودة، وتنظيم استخدام المواد الكيميائية والمضادات الحيوية، وبروتوكولات صارمة للأمن البيولوجي. وترد في ما يلي أمثلة لسياسات مختارة وجهود فنية تبذلها المنظمة حاليًا لضمان التحوّل الأزرق وتحسين نظم إنتاج تربية الأحياء المائية.

الخطوط التوجيهية بشأن تربية الأحياء المائية المستدامة

بناءً على طلب قدمته الدورة التاسعة للجنة الفرعية المختصة بتربية الأحياء المائية التابعة للجنة مصايد الأسماك في منظمة الأغذية والزراعة، تعمل المنظمة منذ عام 2017، من خلال عمليات تشاورية عالمية وإقليمية، على تحديد المبادرات الناجحة لدعم التنمية المستدامة لتربية الأحياء المائية وتجميعها ضمن خطوط توجيهية بشأن تربية الأحياء المائية المستدامة. وقد أخذت هذه العملية بعين الاعتبار التطورات السياساتية والعلمية والابتكارات التكنولوجية والدروس المستفادة في مختلف المناطق والبلدان والسياقات. وجرى استعراض الخطوط التوجيهية الوطنية والدولية الحالية من أجل تحديد الثغرات والتأكد من تحديث المعلومات، مع الاعتراف في الوقت ذاته بالقيود والاحتياجات والتوقعات المحددة لفرادى البلدان. ويكمن الهدف من الخطوط التوجيهية بشأن تربية الأحياء المائية في مساعدة البلدان على تحسين تنفيذ مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد (المدونة) ولا سيما المادة 9 (تنمية تربية الأحياء المائية)، مع إشراك القطاع وتمكينه من المشاركة الفعالة في تنفيذ خطة عام 2030 وبناء مستقبل تربية الأحياء المائية المستدامة بشكل جماعي.

وبالإضافة إلى ذلك، قامت أمانة اللجنة الفرعية المختصة بتربية الأحياء المائية التابعة للجنة مصايد الأسماك بإعداد وثيقة تحمل عنوان تحويل تربية الأحياء المائية من أجل مساهمة أكبر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة: الإجراءات الرئيسية المترابطة لتوجيه صناع القرار والممارسين من أجل تلبية طلب أعضاء لجنة مصايد الأسماك بتقديم توجيه عملي لدعم التنمية المستدامة لتربية الأحياء المائية بالاستناد إلى المعلومات الوفيرة وتقارير الخبراء التي جرى وضعها لإعداد الخطوط التوجيهية بشأن تربية الأحياء المائية المستدامة. وتُعتبر الوثيقة دليلًا عمليًا جرى إعداده لاستخدامه من جانب صانعي السياسات وممارسي تربية الأحياء المائية العاملين عبر سلسلة قيمة تربية الأحياء المائية في أنشطة ما قبل الاستزراع والتربية وما بعد الصيد. ويتمثل الهدف منها في أن تكون وثيقة حية يجري تكييفها من قبل البلدان لتلبية احتياجاتها وأولوياتها المحددة. ويجب تحديثها بانتظام لتعكس التطورات العلمية والابتكارات التكنولوجية والدروس المستفادة. ومن المتوقع إحالة الخطوط التوجيهية بشأن تربية الأحياء المائية المستدامة والدليل العملي إلى الدورة الحادية عشرة للجنة الفرعية المختصة بتربية الأحياء المائية التابعة للجنة مصايد الأسماك لاستعراضها من جانب أعضاء المنظمة وإصدار مزيد من التوجيهات بصددها.

التحسين الوراثي في برامج التربية

يمثّل التحسين الوراثي للأنواع المستزرعة وسيلة فعالة لزيادة كفاءة إنتاج تربية الأحياء المائية والحد من بصمتها البيئية (Houston وآخرون، 2020)، وذلك على سبيل المثال عن طريق تقليل متطلبات العلف والأرض والمياه لكل وحدة إنتاج. وتميل أنواع تربية الأحياء المائية، عبر العديد من الأصناف، إلى الاشتراك بسمتين رئيسيتين: ارتفاع مستويات التنوع الوراثي في ما بين الأنواع والخصوبة العالية. وتسمح هاتان السمتان بتطبيق كثافة اختيار عالية لتوليد مكاسب وراثية كبيرة على صعيد صفات مهمة تجاريًا (منظمة الأغذية والزراعة، 2019أ). إلّا أن تربية الأحياء المائية، باعتبارها قطاعًا غذائيًا حديثًا نسبيًا، تتخلّف بشكل كبير عن سائر قطاعات إنتاج الأغذية (الثروة الحيوانية والمحاصيل) حيث أدى الإدماج المنتظم لعلم الوراثة في برامج التربية ونظم إمدادات البذور إلى تطوير وإنتاج الآلاف من السلالات والأصناف المحسّنة. وتعيق عوامل مختلفة تبنّي الأدوات الوراثية على نطاق أوسع في نظم إمدادات البذور الخاصة بتربية الأحياء المائية، وهي تتضمن على سبيل المثال: سوء فهم خصائص تكنولوجيات الجيل الجديد (الجزيئية) والتقليدية ومخاطرها وفوائدها؛ ومحدودية القدرة الإجمالية على تطبيقها بسبب نقص البنية التحتية و/أو الاستثمارات و/أو الموارد البشرية؛ ونقص برامج التربية الانتقائية المستندة إلى العلم والمدارة جيدًا والطويلة الأمد؛ والافتقار إلى مشاركة أوسع للقطاع الخاص. ويجب إيلاء أهمية قصوى للتصدي لهذه التحديات عند وضع استراتيجيات وسياسات إمدادات البذور الوطنية والإقليمية. ويُعدّ تسريع تطوير واستيعاب التحسين الوراثي لأنواع تربية الأحياء المائية المستزرعة، مع التركيز على التربية الانتقائية، أحد المجالات الأربعة ذات الأولوية في خطة العمل العالمية للموارد الوراثية المائية للأغذية والزراعة التي وضعتها المنظمة (الإطار 9).

الإطار 9خطة عمل عالمية للموارد الوراثية المائية للأغذية والزراعة

في عام 2019، طلبت هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة من المنظمة إعداد خطة عمل عالمية لحفظ الموارد الوراثية المائية للأغذية والزراعة واستخدامها المستدام وتطويرها (الموارد الوراثية المائية) استجابة للاحتياجات والتحديات التي جرى تحديدها في أول تقييم عالمي على الإطلاق يتم إجراؤه لحالة الموارد الوراثية المائية.1 وخطة العمل العالمية هي إطار يهدف إلى تعظيم مساهمة الموارد الوراثية المائية في الأمن الغذائي والتخفيف من حدة الفقر على المستوى المحلي والوطني والدولي من خلال الإدارة الرشيدة والمستدامة لهذا المورد الرئيسي. ويجب على خطة العمل العالمية أن تكون طوعية وتعاونية، وأن يتم تنفيذها بما يتماشى مع احتياجات الدول الأعضاء في المنظمة وأولوياتها.

وجرى إعداد خطة العمل العالمية بالتشاور مع الدول الأعضاء في المنظمة، وهيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، ولجنة مصايد الأسماك، وأجهزتها الفرعية المعنية. وعُرضت خطة العمل العالمية النهائية على الدورة العادية الثامنة عشرة لهيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة التي صادقت عليها في سبتمبر/أيلول 2021 واعتمدها مجلس المنظمة بعد ذلك في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وتختلف أولويات الموارد الوراثية المائية والبرية. واستنادًا إلى الخصائص المحددة للموارد الوراثية المائية الواردة في التقييم العالمي، تحدد خطة العمل العالمية أربعة مجالات ذات أولوية (انظر الشكل).

وينطوي كل مجال من مجالات الأولوية على غاية طويلة الأجل والعديد من الأولويات الاستراتيجية؛ وتشمل كل أولوية استراتيجية غاية والعديد من الإجراءات المحددة التي يتعين اتخاذها. وبشكل عام، تحدد خطة العمل العالمية 21 أولوية استراتيجية وحوالي 100 إجراء مرتبط بها.

وفي حين تقع المسؤولية الرئيسية عن تنفيذ خطة العمل العالمية على عاتق البلدان، إلا أن المنظمة ستؤدي دورًا حاسمًا في توفير الدعم الفني في تنفيذها، كما ستنسق رصد التقدم المحرز نحو تحقيق أهدافها. ويجب أن يستند الرصد في المقام الأول إلى مؤشرات قابلة للقياس الكمي، والتي جرى وضع العديد منها من خلال نظامAquaGRIS ، وهو نظام المعلومات العالمي للمنظمة بشأن الموارد الوراثية المائية.2 ومن شأن التنفيذ الواسع للإجراءات ذات الصلة بالبلد في خطة العمل العالمية، مدعومًا بأحدث المعلومات المتاحة من خلال نظام AquaGRIS، أن يُحدث تحولًا حقيقيًا على المدى الطويل في إدارة الأنواع المستزرعة. ويأتي تطوير واعتماد هذه الصكوك والخطوط التوجيهية والأدوات المرتبطة بها في الوقت المناسب لتعزيز التدخلات الرئيسية لضمان حفظ الموارد الوراثية المائية، علاوة على الاستخدام الذي يتسم بقدر أكبر من الاستدامة والتنمية المتسارعة لهذه الموارد الحيوية.

المجالات الأربعة ذات الأولوية في خطة العمل العالمية للموارد الوراثية المائية

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة.

الأمن البيولوجي ومكافحة الأمراض

أدى تكثيف تربية الأحياء المائية وعولمة التجارة في المنتجات المائية إلى ظهور وعودة ظهور الأمراض المعدية التي تمثّل تحديًا اقتصاديًا وبيئيًا كبيرًا للمجتمع. ونظرًا إلى اعتماد هذا القطاع على البذور المستوردة (بالإضافة إلى البذور المنتجة محليًا) وفشل الشهادات الصحية والتفتيش على الحدود وغيرها من الضوابط القائمة على المخاطر لحماية تجمعات الكائنات المائية، كان من الضروري إحداث نقلة نوعية لإدارة الصحة المائية والأمن البيولوجي. ويُعتبر مسار الإدارة التدريجي لتحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية الذي صادقت عليه ورحّبت به الدورة العاشرة للجنة الفرعية المعنية بتربية الأحياء المائية التابعة للجنة مصايد الأسماك (منظمة الأغذية والزراعة، 2019ب) قائمًا على المخاطر وتعاونيًا وتدريجيًا، كما أنه يستند إلى القدرات الإدارية باستخدام نهج تدريجي من أسفل إلى أعلى وبالعكس (الإطار 10). وهو يستند إلى الأدلة ويدعمه استعراض شفاف ومستمر، كما أنه قابل للتكييف للاستجابة لتنوع نظم تربية الأحياء المائية، والأنواع، ونطاق الإنتاج وأهدافه، والتغيّرات البيئية والبشرية التي تؤثر على إنتاج تربية الأحياء المائية (منظمة الأغذية والزراعة، 2020ج).

الإطار 10مسار الإدارة التدريجي لتحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية

يُعدّ مسار الإدارة التدريجي لتحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية مبادرة رائدة أطلقتها المنظمة وشركاؤها في عام 2018. وجرى تطويرها كإمتداد لنهج مسار المراقبة التدريجي الذي تم اعتماده دوليًا لمساعدة البلدان على وضع أطر منهجية لتخطيط استراتيجيات الحد من المخاطر ورصدها من أجل التقليل من أمراض الماشية والأمراض الحيوانية المنشأ الرئيسية والقضاء عليها واستئصالها. ويتيح هذا النهج التدريجي تحديد أهداف واقعية لمكافحة الأمراض وتحقيقها.

ويهدف مسار الإدارة التدريجي إلى تعزيز قدرات الأمن البيولوجي في مجال تربية الأحياء المائية من خلال البناء على الأطر القائمة والقدرات والأدوات المناسبة باستخدام النُهج القائمة على المخاطر والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وفي سياق مسار الإدارة التدريجي، يشير الأمن البيولوجي في مجال تربية الأحياء المائية إلى "الإدارة الفعالة من حيث الكلفة للمخاطر الناجمة عن العوامل المسببة للأمراض في مجال تربية الأحياء المائية، من خلال نهج استراتيجي على مستوى المؤسسات والمستويين الوطني والدولي، مع مسؤوليات مشتركة بين القطاعين العام والخاص".1 وينطوي مسار الإدارة التدريجي على أربع مراحل (انظر الشكل)، ولكل مرحلة هدف ونتائج رئيسية ومؤشرات.

المراحل الأربع لمسار الإدارة التدريجي لتحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة.
يتبع مسار الإدارة التدريجي لتحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية المبادئ المتمثلة بكونه قائمًا على المخاطر وتعاونيًا وتدريجيًا والفهم الجيد للثالوث الوبائي الذي يوضح العلاقة بين مسببات الأمراض والمجموعات المائية المعرضة للإصابة في بيئة مناسبة تسمح بانتقال مسببات الأمراض وتطورها في المجموعات.

المصدر: منظمة الأغذية والزراعة.

وستتاح للبلدان، في أي مرحلة من مراحل تطوير القطاع (سواء أكانت متقدمة أو بدأت للتو)، الفرصة والمرونة للبدء بمسار الإدارة التدريجي لتحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية. وعلى سبيل المثال، قد يتم تطبيق أحد السيناريوهات التالية أو أكثر:

  • السيناريو الأول: البلدان التي ليست لديها استراتيجية وطنية للأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية، ولكن قطاع تربية الأحياء المائية موجود أو في المراحل الأولى من التطور؛

  • السيناريو الثاني: البلدان التي لديها استراتيجية وطنية للأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية بمستوى معين من التنفيذ؛

  • السيناريو الثالث: البلدان التي لديها استراتيجية وطنية متقدمة للأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية بمستوى مع التنفيذ الكامل؛

  • السيناريو الرابع: البلدان التي تتقاسم المسطحات المائية أو مستجمعات المياه العابرة للحدود، حيث توجد استراتيجية للأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية على المستوى الإقليمي أو دون الإقليمي أو لا تزال قيد التطوير.

ويمكن أن يوجه مسار الإدارة التدريجي البلدان نحو تحقيق الأمن البيولوجي المستدام في تربية الأحياء المائية ونظم إدارة الصحة من خلال العمليات القائمة على المخاطر والتقدمية والتعاونية على المستويات الإقليمية والوطنية والمحلية للقطاع والمؤسسات. وهو يعزز المشاركة القوية لأصحاب المصلحة، ويساعد على تحسين الصحة المائية والإنتاج، ويدعم منع انتشار الأمراض التي تم إحصاؤها وتأثيرها أو يقلل منهما.

ومن المتوخى أن يكون مسار الإدارة التدريجي مرنًا وقابلًا للتكيف وشاملًا لمراعاة الطبيعة المتنوعة والمعقدة لقطاع تربية الأحياء المائية. ويمكن لأي بلد تطبيق هذا النهج – من أجل إدارة المخاطر في أي قطاع لتربية الأحياء المائية، بغض النظر عن الأنواع أو البيئة أو نظام الإنتاج أو استراتيجية الإدارة أو حجم العملية - أو أي مزرعة من أجل تحقيق درجة معينة من الأمن البيولوجي لتربية أحياء مائية من نوع معين.

ويُعدّ اعتماد "التفكير بنقطة المراقبة الحرجة" و"عقلية المخاطر" على طول سلسلة القيمة أمرًا مهمًا لتحديد المخاطر وفهم وإدارة الخطر الذي تنطوي عليه كل مرحلة من مراحل الإنتاج بدءًا من مصدر البذور وعمليات التربية وصولًا إلى السوق. وتوفر ممارسات الأمن البيولوجي الفضلى المكونة من عشر نقاط مشهدًا واسعًا للأمن البيولوجي: التعرف على الأنواع التي تتناولها، والتعرف على نظامك، والتعرف على مسببات الأمراض لديك، والتعرف على مسار التلوث الخاص بك، والحصول على بذور صحية، والمحافظة على التربية الجيدة، واستخدام مضادات الميكروبات بحكمة، واحترام متطلبات سلامة الأغذية، واحترام البيئة، والاحتفاظ بخطة للأمن البيولوجي.

ويدعم إشراك أصحاب المصلحة (بما في ذلك صغار المنتجين) مبدأ التعاون. ويجب أن تتواصل السلطات المعنية بمصايد الأسماك والسلطات البيطرية (بما في ذلك الخبراء في مجال صحة تربية الأحياء المائية وخبراء الطب البيطري) بشأن صحة الأنواع المائية وأن تديرها بصورة مشتركة. ويسمح ذلك بتقاسم ملكية إدارة المخاطر4 على نطاق واسع مع المشاركة النشطة والالتزام الطويل الأجل. وتسمح المراحل الأربع لمسار الإدارة التدريجي من أجل تحسين الأمن البيولوجي لتربية الأحياء المائية لكل بلد و/أو قطاع لتربية الأحياء المائية بتقييم المخاطر والأولويات الخاصة بصناعته؛ ويمكن للبلدان أن تقرر السرعة والمدى المناسبين لإحراز التقدم المنشود.

وتتمثل إحدى الرسائل الرئيسية للمؤتمر العالمي المعني بتربية الأحياء المائية لعام 2020 في القول المأثور القديم: "الوقاية خير من العلاج." ويُعدّ التركيز على الوقاية – بما في ذلك مقاومة مضادات الميكروبات – علامة تدل على نضوج القطاع. ويُعتبر استخدام البذور النظيفة مع ممارسات التربية الجيدة واستراتيجيات الأمن البيولوجي في بيئة مائية أقل إجهادًا وأكثر صحة بمثابة إجراءات أساسية. وتُعدّ تدابير الأمن البيولوجي التي يجري تنفيذها بصورة استباقية ووقائية ذات كلفة أدنى بكثير من الاستجابات التفاعلية لتفشي الأمراض، ويجب إدماجها في تنمية تربية الأحياء المائية من قبل جميع البلدان المنتجة. ويُعتبر الأمن البيولوجي الفعال، وأفضل ممارسات التربية، والمواد الوراثية الجيدة والتغذية العالية الجودة من الأمور المهمة لإنتاج كائنات مستزرعة صحية ومغذية وقادرة على الصمود (منظمة الأغذية والزراعة، 2020د).

الحوكمة الجيدة من أجل التوسّع في تربية الأحياء المائية

يجب أن يكون التحوّل الأزرق في تربية الأحياء المائية مدعومًا بأطر مناسبة للحوكمة. ويجري التأكيد على أهمية الحوكمة في المادة 9–1–1 من المدونة التي تتطلب من الدول "أن تضع إطارًا قانونيًا وإداريًا مناسبًا وتحافظ عليه وتطوره لتيسير تنمية تربية الأحياء المائية بصورة رشيدة."

وتُعتبر الحوكمة الجيدة لتربية الأحياء المائية ضرورية لتعزيز مساهمة القطاع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ذات الصلة عن طريق إنتاج المزيد من الأغذية المائية المغذية؛ وإيجاد فرص العمل وسبل العيش، وتوفير إيرادات أعلى للخزينة العامة في شكل ضرائب وعائدات من العملات الأجنبية؛ وزيادة حصة القطاع ضمن الاقتصادات الوطنية (بصورة مباشرة من خلال الناتج المحلي الإجمالي وبصورة غير مباشرة من خلال تأثيره على القطاعات الاقتصادية الأخرى)؛ ودعم تحسين الإشراف البيئي عن طريق الحد من الضغط على أرصدة مصايد الأسماك البرية وتعزيز الاستخدام المسؤول وحماية الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه والموائل الساحلية والموارد المائية الحية.

وفي العقود الأخيرة، طبّقت العديد من البلدان حوكمة جيدة لتربية الأحياء المائية من خلال أطر قانونية ومؤسسية تتسم بإمكانية التنبؤ بها والشفافية والإنصاف وسهولة التنفيذ وتغطي تربية الأحياء المائية على طول سلسلة القيمة بأكملها. وقد عززت الحوافز الاقتصادية التي تشجع أفضل الممارسات وتساعد المزارعين على تطوير ودعم وإنفاذ ممارسات الإدارة الذاتية وتدعم نظم الإنتاج المؤاتية للاستدامة، الحوكمة الجيدة لتربية الأحياء المائية (Hishamunda، وRidler وMartone، 2014؛ منظمة الأغذية والزراعة، 2017ج). وعلاوة على ذلك، حفّز الوصول إلى الأسواق الدولية والمحلية المربحة أيضًا عددًا متزايدًا من المزارعين على الامتثال لمتطلبات ومعايير الوصول إلى الأسواق، بما في ذلك تنفيذ خطط إصدار الشهادات الخاصة بتربية الأحياء المائية (Curtis وآخرون، سيصدُر قريبًا).

ورغم التحسّن الذي طرأ في العديد من البلدان، لا تزال حوكمة تربية الأحياء المائية تنطوي على مشاكل في بلدان أخرى. ويؤدي غياب المساءلة أو محدوديتها من قبل القطاعين العام والخاص، وعدم كفاية إنفاذ القانون (حيث توجد أنظمة)، وسوء التخطيط (التسبّب بنشوب نزاعات في مواقع الزراعة مما يؤدي إلى تفشي الأمراض وتدهور النظام البيئي)، والإخفاق في معالجة الآثار السلبية المترتبة على البيئة والرفاه العام لبعض نظم تربية الأحياء المائية إلى تشويه صورة القطاع وانعدام ثقة الجمهور فيها. ويتفاقم ذلك بسبب الافتقار إلى أطر حوكمة خاصة بتربية الأحياء المائية. وغالبًا ما تكون أدوات حوكمة تربية الأحياء المائية عبارة عن هياكل مجزأة يجري تكييفها من دوائر مختلفة مثل مصايد الأسماك أو الزراعة أو المياه أو الحراجة أو البيئة أو التجارة أو الشؤون البحرية. وتؤدي الحوكمة بواسطة سياسات وأنظمة مجزأة ومؤسسات متعددة إلى انعدام الكفاءة، ومحدودية الإنفاذ أو غيابه، وتنجم عنها بالتالي آليات حوكمة غير فعالة. وبالإضافة إلى ذلك، يفرض النمو السريع للقطاع تحديًا على الأطر المؤسسية والقانونية للبلدان لمواكبة التنمية أو يتم في بعض الولايات القضائية إيلاء اهتمام محدود لحوكمة تربية الأحياء المائية بسبب الأهمية المتواضعة للقطاع في الاقتصادات والحياة الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، أصبحت التكاليف المرتفعة التي يتكبدها المزارعون الملتزمون بالأنظمة والمتطلبات، بما في ذلك معايير المستهلك، مشكلة حوكمة تؤدي في بعض الحالات إلى عدم الامتثال، ولا سيما بين صغار المنتجين.

ويجب على صانعي السياسات النظر في كيفية تطوير أطر قانونية ومؤسسية قوية تعترف بتربية الأحياء المائية كقطاع اقتصادي قائم بحد ذاته. وُيعدّ الامتثال أساسيًا، وبالتالي يجب أن تكون القواعد والأنظمة قابلة للتنفيذ وميسورة الكلفة بالنسبة إلى المزارعين والجهات الفاعلة الأخرى. وبالمثل، يجب أن تكون نظم منح التراخيص فعالة وشفافة، كما يجب إدراج تربية الأحياء المائية في استخدام الموارد وخطط التنمية. وعلاوة على ذلك، يجب أن تلبي سلامة منتجات تربية الأحياء المائية وجودتها المعايير الوطنية والإقليمية والعالمية. وأخيرًا، من الضروري تحسين إدارة تربية الأحياء المائية، وتعزيز التوسّع والنمو المستدام بموازاة منع الآثار الضارة (Curtis وآخرون، سيصدُر قريبًا)، وتعزيز مساهمة تربية الأحياء المائية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتُعدّ هذه الاعتبارات ذات أهمية خاصة بالنظر إلى أن التحسّن الذي شهدته معايير الحوكمة في العقد الماضي – والذي أدى إلى تحسين الإنتاجية وجودة المنتج – صاحبه انخفاض في معدل نمو إنتاج تربية الأحياء المائية.5

ويجب زيادة المساهمة الكبيرة للمنتجين على النطاقين الصغير والمتوسط في النمو المستدام لإنتاج تربية الأحياء المائية كي يعزز القطاع مساهمته النسبية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ كما يجب تشجيع المنتجين على النطاقين الصغير والمتوسط وتمكينهم من تكثيف الإنتاج وتوسيع نطاقه.

ويتطلب تكثيف تربية الأحياء المائية وتوسيع نطاقها تمويلًا واستثمارات كبيرة (انظر قسم الاستثمارات في تربية الأحياء المائية من أجل التحوّل الأزرق، الصفحة 118). ويجب على الحوكمة أن تعالج القيود المفروضة على التمويل والاستثمار من خلال تهيئة بيئة مؤاتية وتعزيز الحوافز الجذابة للمستثمرين ومؤسسات الإقراض. ويتطلب التوسّع في تربية الأحياء المائية أيضًا موارد طبيعية إضافية، لا سيما الأراضي والمياه، ما قد يؤدي إلى نزاعات بيئية واجتماعية ناجمة عن الاستخدامات المتنافسة أو يفاقمها. ويُعدّ تقسيم المناطق والتخطيط الساحلي المتكامل أداتين فعالتين للتعاون بين المستخدمين المتنافسين، ما يساعد على تجنّب النزاعات أو الحد منها مع السماح للقطاع بالنمو. وفي البلدان التي تتمتع بأراضٍ ومياه عذبة وموارد ساحلية محدودة للتوسّع في تربية الأحياء المائية الداخلية والبحرية، يعتمد النمو على الحصول على الابتكارات التكنولوجية مثل نظم الاستزراع الساحلية، ونظم الاستزراع القائمة على إعادة التدوير ونظم الاستزراع في عرض البحر. ويُعتبر التنويع أيضًا أمرًا حيويًا من أجل الحد من مخاطر فشل المحاصيل وتعزيز استدامة المزرعة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على منتجي تربية الأحياء المائية الاستفادة من التطورات في مجال الرقمنة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والروبوتات (انظر قسم الرقمنة في تربية الأحياء المائية: الحوكمة والتكنولوجيات، الصفحة 122).

الاستثمارات في تربية الأحياء المائية من أجل التحوّل الأزرق

إن الاستثمارات الكافية والمستدامة ضرورية لدعم تربية الأحياء المائية وتيسير تنميتها وتكثيفها وتوسيع نطاقها. ولا يمكن إطلاق العنان لإمكانات القطاع إلّا من خلال الاستثمارات الكافية في سلسلة قيمة تربية الأحياء المائية (شبكة تربية الأحياء المائية، 2021)، لا سيما في المناطق الأقل نموًا على صعيد تربية الأحياء المائية، مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وجنوب آسيا. وفي الأماكن التي يُعتبر فيها قطاع تربية الأحياء المائية ناضجًا (مثل شرق وجنوب شرق آسيا)، تبرز الحاجة إلى استثمارات كبيرة لجعل تربية الأحياء المائية أكثر مراعاة للبيئة وزيادة قدرتها على الصمود في وجه المخاطر المناخية والبيولوجية والمالية.

وتُعدّ الاستثمارات الخاصة أساسية لتحسين إنتاج المزارع وإنتاجيتها، وممارسات ما بعد الصيد، ولكنه يتطلب خدمات مالية يسهل الوصول إليها، بما في ذلك القروض المصرفية، ولا يزال ذلك محدودًا للغاية ومعقّدًا في العديد من البلدان النامية. وتشمل المشاكل المتكررة الافتقار إلى الضمانات، والارتفاع المفرط في أسعار الفائدة، والتصوّر (بين العاملين في القطاع المصرفي) بأن تربية الأحياء المائية تنطوي على مخاطر فشل عالية بشكل خاص، ونقص المعرفة (بين المقترضين) بأساليب التقدم بطلب للحصول على قروض، ومحدودية المعلومات (بين المقرضين) بمشاريع تربية الأحياء المائية الناجحة. ويجب على الحكومات أن تعالج هذه القيود وغيرها من القيود أيضًا لكي يتمكن المستثمرون من تحسين الأرباح وتتمكن المصارف من تقليل مخاطر الإقراض. وقد اعتمدت بعض البلدان بنجاح استراتيجيات "من دون ضمانات" (مثل الإقراض الجماعي والمصارف القروية)، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، والضمانات البديلة (مثل الأراضي ذات سندات الملكية، التي تشير في كثير من الحالات إلى الحاجة إلى إصلاحات قانونية) وضمانات القروض الحكومية. وبالفعل، تحد ضمانات القروض الحكومية وأسعار الفائدة المحفَّزة من مشكلة ارتفاع أسعار الفائدة وتخفض مخاطر الإقراض بالنسبة إلى المؤسسات المالية.

وستتطلب الاستثمارات الاستراتيجية والقادرة على الصمود في وجه الصدمات والذكية مناخيًا والمستدامة والمجدية ماليًا في التوسّع في تربية الأحياء المائية من أجل تحقيق التحوّل الأزرق آليات حوكمة فعالة وداعمة على كل المستويات. وتتمثل إحدى المكونات الرئيسية لهذه الآليات في وجود سياسة فعالة وإطار تنظيمي من أجل إيجاد بيئة مؤاتية للاستثمارات في تربية الأحياء المائية المستدامة بيئيًا واجتماعيًا التي تضمن ربحية اقتصادية وتوزيعًا منصفًا للمنافع (انظر قسم الحوكمة الجيدة من أجل التوسع في تربية الأحياء المائية، الصفحة 117). ويُعتبر استزراع الأعشاب البحرية مثالًا على أهمية مثل هذا الإطار. وقد حظي هذا القطاع باهتمام متزايد باعتبارها تربية أحياء مائية إصلاحية (منظمة حفظ الطبيعة، 2021) توفر خدمات نظام إيكولوجي وفوائد اجتماعية واقتصادية كبيرة (Cai وآخرون، 2021). لكنّ الاستثمارات في تربية الأحياء المائية ذات الأثر الإيجابي على الطبيعة تعرقلت غالباً بسبب العمليات البيروقراطية الشاقة لإصدار التراخيص لعمليات تربية الأحياء المائية، وضعف الاعتراف بالقيمة الحقيقية لخدمة النظام البيئي التي تقدمها أنشطة استزراع الأعشاب البحرية.

وتبرز الحاجة إلى خدمات التمويل والتأمين على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية من أجل تحقيق التحوّل الأزرق لنظم الأغذية المائية. وتُعدّ الآليات الابتكارية القائمة على السوق، مثل اعتمادات الكربون واعتمادات النيتروجين والسندات الزرقاء والتمويل الأخضر، ضرورية للمساعدة في مكافأة الاستثمار الأزرق على المنافع البيئية وخدمات النظم الإيكولوجية التي يقدمها استزراع الأعشاب البحرية وغيره من أشكال تربية الأحياء المائية الإصلاحية (Jones، 2021). وبهدف تزويد أصحاب المصلحة الحكوميين وغير الحكوميين ومن القطاعين الخاص والعام بالمعلومات والموارد والمسارات الملموسة للحصول على الخدمات المالية، قامت منظمة الأغذية والزراعة بإعداد مجموعة مذكرات توجيهية بشأن الاقتصاد الأزرق (منظمة الأغذية والزراعة، 2020د)، تغطي مواضيع مثل التأمين لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية صغيرة النطاق، والسندات الزرقاء، والتمويل المختلط، والاستثمارات المؤثرة والتمويل المتناهي الصّغر لمصايد الأسماك صغيرة النطاق.

وفي حين تُعتبر الاستثمارات الخاصة محرّكًا رئيسيًا لتنمية تربية الأحياء المائية على الصعيد العالمي (Brummett ، وCai، وMartin، 2017)، يمكن أن تساعد الاستثمارات العامة المزارعين الذين يفتقرون إلى الموارد على إعطاء دفعة لطموحهم في مجال تربية الأحياء المائية (الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، 2018)، كما أنها تؤدي دورًا حاسمًا في معالجة إخفاقات السوق مثل عدم كفاية الاستثمارات الخاصة في المنافع العامة (على سبيل المثال البنية التحتية، وتحسين الموارد الوراثية، والأمن البيولوجي، والابتكار التكنولوجي، وتطوير السوق). ولكن الافتقار إلى آليات السوق لتوجيه الاستثمارات العامة يعيق كفاءتها وفعاليتها. وعلى الرغم من الاستثمارات الضخمة في جميع أنحاء العالم في البنية التحتية لتربية الأحياء المائية والخدمات لدعم أهداف النمو الخاصة بالقطاع، غالبًا ما لا تتم تلبية مطالب أصحاب المصلحة المعنيين واحتياجاتهم. وبمرور الزمن، توقفت بعض البنى التحتية، لا سيما في الأسواق والمفارخ، عن العمل أو ظلت معطلة أو لم تعمل على الإطلاق، وهي غير قادرة على تلبية الاحتياجات المحددة للتنمية المستدامة لتربية الأحياء المائية.

ويحتاج توليد الثروة من مشاريع تربية الأحياء المائية المستدامة إلى طيفٍ كامل من الموارد والإدارة. وبالإضافة إلى الجوانب البيولوجية والبيئية الحاسمة، يتطلب تطوير القطاع وجود بيئة تمكينية اقتصادية واجتماعية مع إمكانية الوصول إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية. وفي الواقع، لا يمكن لتربية الأحياء المائية في المناطق النائية – من دون الوصول إلى الأسواق، والطرق والمواصلات العامة، ومع الافتقار إلى شبكة للاتصالات، والكهرباء، ومياه الشرب، والصرف الصحي والرعاية الصحية – أن تحقق النجاح. وفي الوقت ذاته، من الأهمية بمكان تجنّب النزاع على الموارد، إذ قد تصبح المجتمعات المحلية/السلطات القضائية التي تتمتع بإمكانية أكبر للوصول إلى البنى التحتية عرضة أيضًا لمجموعات المصالح المختلفة، لا سيما تلك التي تتمتع بفرص أفضل للوصول إلى رأس المال، ما قد يؤدي إلى مشاكل على صعيد توزيع التكاليف والفوائد. وبالتالي، يجب على التخطيط وتوسيع نطاق الاستثمارات من أجل توليد الثروة أن يشملا التشاور مع أصحاب المصلحة كافة والتحلي برؤية واضحة لمن يستثمر وأين يقوم بذلك، وذلك مع الاحترام الكامل لمصالح المجتمعات المحلية (Menezes، Eide وRaakjær، 2011) (الإطار 11).

الإطار 11تربية الأحياء المائية في عرض البحر

مع تزايد المنافسة على المساحات البحرية الساحلية، هناك اهتمام متزايد بإمكانية التوسع في تربية الأحياء المائية1 في عرض البحر، بعيدًا عن الشواطئ، مع تيارات أقوى بشكل عام.2 وقد بدأ التوسع في تربية الأحياء المائية التجارية في عرض البحر بالفعل للأسماك البحرية العالية القيمة والسلمونيات في البلدان المثبتة في تربية الأحياء المائية مثل النرويج وتركيا والصين، وكذلك في البلدان الأقل تقدمًا على صعيد تربية الأحياء المائية مثل بنما والولايات المتحدة الأمريكية. وتوفر نظم الاستزراع في عرض البحر إمكانية تحقيق اقتصاديات الحجم بشكل أفضل. وتؤدي العمليات المحددة بشكل صحيح إلى تأثيرات أقل بكثير على جودة المياه وعلى الركيزة والكائنات القاعية المرتبطة بها التي تعيش على رواسب القاع أو ضمنها وتنطوي على مخاطر تشغيلية أقل ارتباطا بالأنشطة الزراعية. غير أن ذلك يتطلب تقييمًا دقيقًا.

ولا تزال المشاركة في تربية الأحياء المائية في عرض البحر محدودة بسبب استثمار رأس المال الكبير اللازم للمعدات والأعلاف الكافية لتلبية متطلبات الكميات الكبيرة المستزرعة في عرض البحر. وبالتالي، يُعدّ التمويل المنظم بشكل صحيح ضروريًا لدعم نمو القطاع. وعلاوة على ذلك، يقلل الدور المتزايد للتكنولوجيا في الأقفاص المستخدمة في عرض البحر من متطلبات العمالة لكل طن من الإنتاج مقارنة بتربية الأحياء المائية الساحلية أو القريبة من الشواطئ. ويقلل ذلك بدوره من فرص العمل للعمال غير المهرة أو شبه المهرة. ومع ذلك، فإن الاستزراع في عرض البحر لأنواع تربية الأحياء المائية غير المغذاة بالأعلاف في المياه الغنية بالمغذيات، مثل الأعشاب البحرية والرخويات الثنائية الصمامات يمكن أن يكون أكثر شمولًا للمشغلين على النطاقين المتوسط والصغير لأنه لا يتطلب الإنفاق على العلف، كما أن هياكل الاستزراع تعتبر أقل كلفة.

ويجب أن تضمن الهيئات الصناعية والتنظيمية رصد التأثيرات البيئية والاجتماعية المترتبة على استزراع الأسماك في عرض البحر وإدارتها بشكل صحيح.3 وتبرز الحاجة إلى المزيد من التحليل، ليس فقط لتقدير آثار زيادة حجم العمليات في مواقع المياه العميقة، ولكن لتحسين النمذجة بشأن القدرة على التنبؤ بالتأثيرات. ومن الضروري أيضًا أن نفهم تمامًا فوائد استزراع الأنواع غير المغذاة بالأعلاف الناتجة عن امتصاص المغذيات أو الجسيمات أو امتصاص الكربون أو زيادة التنوع البيولوجي من خلال توفير هياكل مناسبة للاستزراع في عرض البحر.

ويمكن أن يساهم التوسع في تربية الأحياء المائية في عرض البحر بشكل كبير في تحقيق الأهداف العالمية لإنتاج الأغذية، وزيادة توافر المنتجات المائية للمستهلكين وخفض تكاليف الإنتاج، وقد يؤدي بالتالي إلى خفض أسعار السوق أيضًا. ويمكن لذلك أن يوفر بعدئذ فوائد مجتمعية واسعة من خلال تحسين التغذية وتقليل الضغط على أرصدة مصايد الأسماك البرية وتقليل الاعتماد على الثروة الحيوانية الأرضية لدعم الاحتياجات المتزايدة من البروتينات الحيوانية.

واكتسب بناء قدرة تربية الأحياء المائية والبنية التحتية لمصايد الأسماك على الصمود في وجه تغيّر المناخ والصدمات الطبيعية والصدمات التي يسببها الإنسان أهمية بالنسبة إلى التحوّل الأزرق، ويجب على البنية التحتية، سواء أتعلق الأمر بمرافق جديدة أو بمرافق قائمة يجري تحديثها، أن تصمد في وجه العواصف وموجات المد والجزر والفيضانات. ويجب على الاستثمارات (مرافق إنتاج البذور، وأحواض المزارع، وطرق الوصول، والأسواق، إلخ) في البنية التحتية لتربية الأحياء المائية ومصايد الأسماك أن تكون متينة ومستدامة على المدى الطويل؛ ولذلك، وبهدف دعم عملية صنع القرار، طوّر البنك الدولي والمنظمة أداة تقييم البنية التحتية لمصايد الأسماك. ويجري حاليًا اختبار أداة تقييم البنية التحتية لمصايد الأسماك التي يمكن تطبيقها على الاستثمارات (العامة أو الخاصة) لتعزيز و/أو إعادة تأهيل البنية التحتية القائمة وعلى الاستثمارات الجديدة أيضًا لدعم سلاسل قيمة الأغذية المائية، في العديد من البلدان.

الممارسات الابتكارية في تربية الأحياء المائية

الأعلاف المائية والتغذية الابتكارية

يجب على التوسّع في تربية الأحياء المائية خلال العقود الأخيرة، وأي نمو إضافي كجزء من إجراءات التحول الأزرق العالمية، أن يستند إلى الابتكارات في مجال تغذية الحيوانات المائية وتطوير الأعلاف المضغوطة. واستمرت تربية الأحياء المائية المغذاة بالأعلاف في المساهمة بحصة كبيرة ومتزايدة من إنتاج هذا القطاع، ويُبرز ذلك الدور الحاسم الذي تؤديه الأعلاف في القطاع (انظر قسم إنتاج تربية الأحياء المائية، الصفحة 26). وتشغل كلفة الأعلاف المرتبة الأولى بصورة مستمرة بين مدخلات الاستزراع بالنسبة إلى العديد من أنواع الأسماك والقشريات التجارية المغذّاة بالأعلاف. وعلاوة على ذلك، أشارت دراسات تقييم دورة الحياة إلى أن الأعلاف المائية غالبًا ما تمثّل العامل المساهم الرئيسي في الآثار البيئية غير المرغوب فيها المرتبطة بالأنشطة التجارية لتربية الأحياء المائية. وتتطلب أنواع تربية الأحياء المائية العالية القيمة (مثل السلمون والقاروس والإربيان) أنماطًا غذائية غنية بالبروتينات كانت تعتمد تقليديًا على مسحوق السمك وزيت السمك المستخرج من موارد الأسماك السطحية البرية التي تُعتبر مهمة أيضًا للأمن الغذائي.

وبحلول عام 2050، من المتوقع أن تشهد تربية الأحياء المائية المزيد من التوسّع والتكثيف، ما سيؤدي تقريبا إلى مضاعفة إنتاجها الحالي. وللحفاظ على مستويات الإنتاج هذه، ستبرز الحاجة إلى كميات كبيرة من الأعلاف على صعيد البروتينات الميسورة الكلفة، والأحماض الأمينية الأساسية، والمواد المضافة، والأحماض الدهنية أوميغا–3، والمعادن الرئيسية، والفيتامينات، ومصادر الطاقة. وسيتطلب ذلك الحصول على مواد خام إضافية غير متوفرة حاليًا أو يجري استخدامها بطرق أخرى.

وركّز قدر كبير من الأبحاث على استبدال مسحوق السمك وزيت السمك بمكونات أرخص قد تشكّل عبئًا بيئيًا أقلّ، مثل المشتقات النباتية، والطحالب (الجزئية والكلية)،6 والحشرات، ومشتقات الأسماك ومنتجات حيوانات البر، والبروتينات الأحادية الخلية (بما في ذلك من البكتيريا والخميرة). وعلاوة على ذلك أُحرز تقدم في استخدام مشتقات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية لإنتاج مسحوق السمك وكذلك في استخدام مصادر البروتين الزراعي لتحل محل مسحوق السمك وزيت السمك المستخرج من موارد السطح البرية. وفي حين تفرض هذه المكونات البديلة الجديدة تحدياتها الخاصة على سلاسل إمدادات الأعلاف، تبقى الاستدامة المستقبلية لقطاع تربية الأحياء المائية المغذاة بالأعلاف على الرغم من ذلك معتمدة بشكل وثيق على مصادر مكونات الأعلاف الجديدة والمتوازنة من الناحية التغذوية التي تحد من هذه التأثيرات.

ولكي تُعتبر مصادر البروتينات البديلة مجدية اقتصاديًا وبيئيًا، يجب أن تفي بعدّة معايير: (1) أن تكون كافية من الناحية التغذوية (أي قابلة للهضم، ولا تؤثر بشكل كبير على الوظائف الفسيولوجية والنمو والحالة الصحية للأنواع المستزرعة)؛ (2) وأن تكون مستساغة بالنسبة إلى الكائن المستزرع؛ (3) وأن يجري الحصول عليها من الإنتاج المستدام الذي يمكن توسيع نطاقه إلى مستويات تجارية؛ (4) وأن تكون مستقرة من الناحية المادية؛ (5) وأن تسهل مناولتها وتخزينها؛ والأهم من ذلك (6) أن تكون مغذية وأقلّ تأثيرًا على البيئة ودورة الحياة.

ويتطلب التوسّع في قطاع تربية الأحياء المائية المغذّاة بالأعلاف تطوير مكونات إضافية فعالة من حيث الكلفة لتلبية الطلب المتزايد على الأعلاف والاعتماد بشكل أقل على المصادر التقليدية للمكونات البحرية. ومع نمو الطلب، تشتد المنافسة على مكونات الأعلاف، كما يتزايد الوعي باستدامة إنتاج الأعلاف. وفي الواقع، يُطلب من منتجي مكونات الأعلاف بشكل متزايد إثبات الاستدامة وإمكانية التتبع، بما في ذلك من خلال خطط إصدار الشهادات من قبيل تلك الخاصة بمجلس التوجيه في مجال تربية الأحياء المائية ومجلس التوجيه البحري وMarin Trust.

ونظرًا إلى محدودية توافر المياه العذبة وتناقص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة ونقص المغذّيات الأساسية مثل الفوسفات، وبالنظر إلى المنافسة المحتدمة على معظم موارد البروتينات النباتية المستخدمة حاليًا (لأغراض الاستهلاك البشري وأعلاف حيوانات البر على حد سواء)، فإن منتجات المحاصيل الأرضية لا تُعتبر الحلّ الوحيد؛ بل على العكس من ذلك، لا بدّ من تطوير مصادر بروتينات وزيت بديلة غير تقليدية، مثل الأعشاب البحرية والطحالب والطحالب الدقيقة والبروتينات الأحادية الخلية والكتلة الحيوية الميكروبية والحشرات، وإعادة تدوير المهدر من الأغذية لتلبية الطلب المستقبلي على أعلاف تربية الأحياء المائية (Glencross وآخرون،2021) ومساعدة النمو المستدام لتربية الأحياء المائية (Cottrell وآخرون، 2020).

وفي ما يتعلق بممارسات التغذية الجيدة، ستساعد التغذية الدقيقة واعتماد الأعلاف المصنّعة على أساس مراحل حياة الحيوانات المائية المستزرعة وخصائصها التغذوية بشكل أكبر على خفض تكاليف الأعلاف والحد من الهدر، وبالتالي ضمان كفاءة الطاقة والموارد في النظم المحوّلة لتربية الأحياء المائية. وعلاوة على ذلك، من أجل تلبية الطلب العالمي المستقبلي على الأغذية المائية، يجب أن يعمل القطاع أيضًا على تحسين العلف لأنواع مثل الكارب والبلطي التي تمثل أكبر نسبة من الأعلاف المائية.

الرقمنة في تربية الأحياء المائية: الحوكمة والتكنولوجيات

مع توسّع التكنولوجيات الرقمية – المنصات والبرمجيات والبنية التحتية – تُنشر التطبيقات الرقمية على نحو متزايد في تربية الأحياء المائية (وإن كان ذلك يجري بوتيرة أبطأ في العديد من البلدان النامية)، لا سيما لأغراض تحسين تخطيط الأعمال وتحديد المواقع، وإدارة مخزون المزارع، والرصد البيئي، والوقاية من المخاطر، والأمن البيولوجي، والأتمتة الذكية للأنشطة الزراعية الروتينية.

ويمكن استخدام التكنولوجيات الرقمية لمعالجة العديد من تحديات الإنتاج التي يواجهها القطاع وإنشاء أنظمة إنذار مبكر لتنبيه المنتجين بشأن الأحداث الداخلية والخارجية الحرجة التي تؤثر على منشأة الإنتاج. وتؤدي التكنولوجيات الدقيقة في المزرعة إلى الحد من استخدام الأعلاف والهدر وتحسين جودة المياه وتقليل تكاليف العمالة، وهي تعزز بالتالي الاستدامة البيئية والاقتصادية للمزارع. ويؤدي الوصول خارج المزرعة إلى تكنولوجيات تربية الأحياء المائية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (مثل الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية الأخرى) ومنصات التجارة الإلكترونية ونظم الدفع الرقمية إلى تقصير سلاسل الإمدادات وخفض تكاليف المعاملات على طول سلسلة القيمة.

وشهد التخطيط المكاني لتربية الأحياء المائية وتحديد مواقعها تحسّنًا بفضل التكنولوجيا الرقمية. وعلى سبيل المثال، لم يحسّن توافر صور الأقمار الاصطناعية وإمكانية الوصول إلى البيانات الخاصة بعلوم المحيطات والبيانات الهيدرولوجية وبيانات الأرصاد الجوية (مثل درجة حرارة المياه وأنماط هطول الأمطار ومستويات الملوحة وتواتر العواصف) من خلال الاستشعار عن بُعد لفترات طويلة من الزمن، بالتصاحب مع استخدام طائرات من دون طيار لأغراض التصوير الرقمي، من جودة التخطيط وسرعته فحسب، بل سمح أيضًا بتطبيق نهج النظام الإيكولوجي7 على نحو شامل أكثر في مجال تنمية تربية الأحياء المائية. ويسّرت تطبيقات نظام المعلومات الجغرافية تحديد المناطق الواعدة لتربية الأحياء المائية وتخصيصها، لا سيما في المسطحات المائية المشتركة.

ويوفر نشر التكنولوجيا الرقمية (مثل أجهزة الاستشعار والروبوتات والكاميرات) في عمليات إنتاج تربية الأحياء المائية الرصد في الوقت الحقيقي وعن بُعد للكائنات المستزرعة ومرافق الاستزراع، ما يحسّن بشكل كبير من كفاءة العمالة، ودقة التغذية، والتهوية، وجودة المياه، ورصد مسببات الأمراض. وتسمح هذه التطورات التكنولوجية بالاستجابة بسرعة متزايدة لظروف الزراعة المعاكسة، كما تقلل تكاليف الإنتاج بفضل الاستخدام الفعال لموارد المدخلات والحد من الخسائر الناجمة عن سوء الإدارة أو الخطأ البشري.

ولكن الدعم الفني والمالي يُعدّ ضروريًا لإطلاق التكنولوجيات المذكورة أعلاه أو تطويرها في الوقت الذي تؤدي فيه أطر الحوكمة المؤاتية دورًا حاسمًا. وعلى سبيل المثال، يمكن لمنصة إلكترونية للمناقشة التفاعلية، والتخطيط، وتوليد المعلومات ونقلها، ومشاركة البيانات وإصدار الشهادات أن تيسّر تدفق المنتجات والمعلومات في جميع أنحاء سلسلة الإمدادات ومنع النزاعات بين المستخدمين نتيجة عدم تطابق المعلومات؛ إلّا أن الحوكمة اللازمة لتطوير مثل هذه المنصة وإدارتها تُعتبر بالغة الأهمية. وبالإضافة إلى ذلك، يُعدّ تنسيق القواعد والمعايير الوطنية والدولية ضروريًا من أجل زيادة الشفافية وتحسين الأمن الحاسوبي وتقليص الفجوة الرقمية.

تربية الأحياء المائية المتكاملة بمستويات غذائية متعددة

في نظم تربية الأحياء المائية المتكاملة بمستويات غذائية متعددة، تصبح المغذّيات من الأعلاف غير المأكولة وفضلات الأنواع المغذاة بالأعلاف أغذية للأنواع الاستخلاصية، وهي بالتالي تحد من إطلاق المغذّيات في البيئة وتعزز في الوقت ذاته الإنتاجية الإجمالية. وتحظى تربية الأحياء المائية المتكاملة بمستويات غذائية متعددة كجزء من برامج التحوّل الأزرق باهتمام متزايد، ولكنها تتطلب بالرغم من ذلك درجة عالية من التصميم للمرافق والمعدات من أجل الجمع بين أنواع متعددة في نظام متكامل (مثل استزراع الأعشاب البحرية وتربية الرخويات الثنائية الصمامات جنبًا إلى جنب مع استزراع الأسماك الزعنفية في أقفاص)، كما أنها تستلزم إدارة إضافية لإنتاج المحاصيل المتعددة وتسويقها. وتوفر تربية الأحياء المائية المتكاملة بمستويات غذائية متعددة كنظام للعلاج البيولوجي في البحر حلًا محتملًا للتصدي للشواغل المتعلقة بإطلاق تربية الأحياء المائية البحرية المغذاة بالأعلاف للنفايات العضوية وغير العضوية في البيئة.

وإن نظم الإنتاج المتكاملة بين الزراعة وتربية الأحياء المائية، حيث يتم تنفيذ نشاطين أو أكثر من أنشطة تربية الأحياء المائية والأنشطة الزراعية بشكل متزامن أو متعاقب، موجودة منذ قرون في شرق آسيا ومنذ ستينات القرن الماضي في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وإن كان ذلك على نطاق أصغر. ويشمل التكامل بين الزراعة وتربية الأحياء المائية الثروة الحيوانية والأسماك (مثل تربية الخنازير واستزراع الأسماك)، والطيور والأسماك (تربية البط واستزراع الأسماك)، ونظم إنتاج الأرز والأسماك/الجمبري. وتكون عادة هذه النظم واسعة النطاق أو شبه مكثفة؛ ويجري إدخال المخلفات الزراعية في نظام تخزين الأسماك – إما عن طريق إضافة السماد العضوي أو عن طريق إيواء الحيوانات في حظائر فوق البركة مباشرة – لتعزيز تسميد المياه وتحسين النمو الثانوي للعوالق النباتية والعوالق الحيوانية كغذاء للأسماك. ومن ناحية أخرى، يكون على الأرجح النبات في نظم التكامل بين الزراعة وتربية الأحياء المائية المحصول الأساسي، في حين تشكّل الأسماك محصولًا ثانويًا يوفر دفقًا من المخلفات الغنية بالمغذّيات يستفيد منه نمو النبات. وعلى نحو مماثل، يُعتبر عنصر النبات في الاستزراع النباتي والسمكي – وهو شكل أحدث من التكامل بين الزراعة وتربية الأحياء المائية – المحصول التجاري الرئيسي. وتوفر هذه النظم ميزة بيئية مهمة تتمثل في الاستخدام الأمثل لموارد المياه، وكذلك المغذّيات الذائبة التي كانت ستضيع لولا ذلك في تدفقات المخلفات السائلة لنظام تربية الأحياء المائية.

ولا تزال جميع نظم الإنتاج المتكاملة مجالًا يحظى باهتمام كبير على مستوى العالم، لا سيما في نظم الإنتاج على النطاقين الصغير والمتوسط حيثما كان ذلك ممكنًا من الناحية الفنية، كما أنها توفر فائدة اقتصادية لرواد الأعمال. وتُشكّل الحاجة إلى الاستخدام الفعال للموارد المتاحة من دون التأثير سلبًا على البيئة القوة الدافعة وراء اعتماد مثل هذه النظم الزراعية.

تربية الأحياء المائية ثنائية الصمامات

يمكن أن تؤدي تربية الأحياء المائية الثنائية الصمامات دورًا مهمًا في نظم الأغذية المائية "المراعية للتغذية" – أي النظم المتأصلة في المجتمع، وتوفر مجموعة متنوعة وكاملة من الناحية التغذوية من الأغذية وتساهم في سبل العيش المستدامة – حيث توفر الرخويات الثنائية الصمامات توازنًا بيولوجيًا لمغذّيات يمكن الحصول عليها عضويًا من أجل نمط حياة صحي ونشط، في حين تعزز الزراعة سبل عيش المجتمعات الساحلية. وعلاوة على ذلك، يسود اعتراف متزايد بفوائد النظام الإيكولوجي الأوسع لتربية الأحياء المائية الثنائية الصمامات في المياه الساحلية، بما في ذلك خدمات التنظيم الخاصة بها مثل احتجاز الكربون والمعالجة بالمغذّيات وحماية السواحل.

ولا تزال الإمكانات التنموية للقطاعات الفرعية لتربية الأحياء المائية الثنائية الصمامات كبيرة، لا سيما في البيئة البحرية. وتُعتبر تربية الأحياء المائية الخاصة بالرخويات الثنائية الصمامات مهمة بلا شك في الأمريكيتين وأوروبا وآسيا وأوسيانيا. أما في أفريقيا، من ناحية أخرى، فإن إنتاج ثنائيات الصمامات لا يزال ضئيلًا، وذلك على الرغم من تزايد الاهتمام باطراد في الأماكن التي ركزت مشاريع المنظمة فيها على نقل التكنولوجيات الزراعية (مثل استزراع المحار في جيبوتي، واستزراع بلح البحر في المغرب)، وتنويع المنتجات وتوسيع الاستهلاك المحلي (على سبيل المثال استزراع المحار في السنغال).8 وقامت المجتمعات الساحلية البحرية في أفريقيا، لا سيما النساء، بممارسة حصاد ثنائيات الصمامات البرية لعدة قرون. ولسوء الحظ، جرى استغلال الأرصدة البرية بإفراط في العديد من المواقع، وتُعتبر تربية الأحياء المائية محورية لتقليل الضغط على الأرصدة البرية وتأمين سبل عيش النساء والمجتمعات الساحلية.

وتُعتبر ثنائيات الصمامات، كونها من أنواع الاستزراع الاستخلاصية، مثالية لتربية الأحياء المائية: إذ أنها لا تتطلب علفًا اصطناعيًا، كما يُعتبر عبء الاستثمار وتكاليف التشغيل أقل بكثير مقارنة بعمليات تربية أنواع الأسماك الزعنفية آكلة اللحوم. إلّا أن تنمية تربية الأحياء المائية الرخوية على المستوى العالمي تُعتبر بطيئة، ويرجع ذلك في جزء منه إلى المتطلبات الصحية الصارمة للوصول إلى الأسواق الدولية، التي تستوجب رصد مياه الحصاد وتحقيق معايير سلامة المنتج. وعلاوة على ذلك، ومع أن تكنولوجيا استزراع ثنائيات الصمامات غالبًا ما تكون متاحة وميسورة الكلفة، يبقى الوصول إلى اليرقات معقدًا، وغالبًا ما تكون متطلبات الأمن البيولوجي صارمة للغاية، خاصة إذا كانت أسواق التصدير هي المستهدفة.

وقد زاد خلال العقدين الماضيين الإنتاج العالمي من الأسماك الزعنفية بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا، في حين أن استزراع الرخويات الثنائية الصمامات بالكاد تضاعف؛ وتوجد بالتالي إمكانية جيدة للتوسّع من خلال مبادرات التحوّل الأزرق. ويهيمن المحار الكأسي والقفالة اليابانية على إنتاج ثنائيات الصمامات، يليهما المحار المروحي وبلح البحر (انظر قسم إنتاج تربية الأحياء المائية، الصفحة 26). ولا يزال مستوى الاعتماد على اليرقات البرية لاستزراع الرخويات الثنائية الصمامات عاليًا في العديد من المناطق والأنواع على مستوى العالم. وفي العقود الأخيرة، شهد تصميم وتكنولوجيا المفارخ تطورات كبيرة على صعيد التكييف والتفريخ ورعاية اليرقات وتربيتها، وترافق ذلك مع ارتفاع معدل بقاء الحيوانات على قيد الحياة. وقد تطور إنتاج العوالق النباتية في المفارخ بصورة مماثلة مع الرصد بمساعدة الحاسوب وقياس تغذية يرقات الأسماك الصدفية، الأمر الذي أدى أيضًا إلى تعزيز البقاء والنمو. وقد سمح تطوير إجراءات ومعدات الإعداد المحسّنة للمزارعين بإنتاج بذور تستهدف احتياجاتهم الخاصة، في حين سمحت المناولة الأفضل للمواد بتحقيق تقدم في الإعداد والاستزراع على نطاق واسع، لا سيما في حالة المحار. وعلاوة على ذلك، استفاد استزراع الأسماك الصدفية من التربية الانتقائية وتطوير سلالات وأصناف مقاومة للأمراض وسريعة النمو وذات أصداف بألوان فريدة. وتشكّل مواصلة البحث والتطوير التكنولوجي لاستزراع ثنائيات الصمامات أفقًا جديدًا من أجل دعم التوسّع المستدام لتربية الأحياء المائية في جميع أنحاء العالم، مع إيلاء اهتمام خاص لمنع تكاثر الطحالب الضارة وتأثيراتها على مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية وسلامة الأغذية.

تنمية القدرات والبحوث والشراكات في تربية الأحياء المائية

قامت مسودة الخطوط التوجيهية بشأن تربية الأحياء المائية المستدامة التي جرى إعدادها مؤخرًا أيضا بتقييم الحاجة إلى بناء القدرات كعنصر رئيسي لضمان بيئة مؤاتية ودعم تنفيذ الخطوط التوجيهية بشأن تربية الأحياء المائية المستدامة (Jolly وMenezes، سيصدُر قريبًا). وتدعم مسودة الخطوط التوجيهية المبادئ العامة لتربية الأحياء المائية وأحكام مدونة السلوك بشأن الصيد الرشيد وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة من خلال التحولات الزرقاء في القطاع الفرعي. ويشير استعراض مكتبي أُجري في عام 2021 حول البيئة التمكينية لتنمية تربية الأحياء المائية، لا سيما في الجوانب ذات الصلة بتنمية القدرات والإرشاد والبحوث، إلى ما يلي: (1) تحتاج القدرات البشرية والمؤسسية، والمهارات الفنية الحاسمة (على مستوى المزارع، والإرشاد/المدرب) والموارد المالية إلى تحسين كبير؛ (2) ويُعتبر التثقيف الإرشادي مطلوبًا لنقل المعلومات الفنية إلى المجتمعات المحلية الزراعية وتغطية احتياجات المشغلين؛ (3) ولا يزال تدني مستويات الرقمنة مستمرًا مع تمتع أقل من 50 في المائة من المدرّسين بكفاءات في محو الأمية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ (4) وتعجز العديد من المؤسسات عن دعم خدمات الإرشاد من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ (5) ولا تزال مزارع أصحاب الحيازات الصغيرة تتمتع بقدرة محدودة على الوصول إلى شبكة الإنترنت؛ (6) وتوسعت تربية الأحياء المائية من دون معرفة كافية قائمة على المعلومات العلمية المستمدة من البحث. وبالنظر إلى هذه التحديات، يجب تحسين معارف ومهارات الإدارات العامة، ومؤسسات البحوث، وخدمات الإرشاد والعمالة بشكل كبير في العقد المقبل.

وتتفاوت القدرات التدريبية والخدمات، بما في ذلك الإرشاد، من بلد إلى آخر وتشمل قنوات التعليم الرسمي وغير الرسمي. وفي البلدان المهمة على صعيد تربية الأحياء المائية في آسيا وأوروبا والأمريكيتين، يُعتبر التعليم في تربية الأحياء المائية راسخًا على المستوى الجامعي ومستوى الدراسات العليا. وفي أفريقيا، تقدّم بعض المؤسسات التعليمية دورات مخصصة لتربية الأحياء المائية. غير أن القائمين على التوظيف حول العالم يؤكدون على حاجة الخريجين إلى معرفة خاصة بالموضوع، بالإضافة إلى مجموعة من المهارات العامة، من أجل الأداء بكفاءة (Pita وآخرون، 2015) وقيادة التحوّل الأزرق. وتشمل التحديات عدم كفاية عدد الخريجين و/أو الاختصاصات التي لا تلبي متطلبات أرباب العمل (Blue Earth Consultants، 2020؛ Engle، 2021).

ويبقى التدريب المهني آلية مهمة في تنمية القدرات البشرية. وقامت آسيا باستثمارات كبيرة في هذا المجال من أجل تدريب الأفراد على المهارات المتخصصة. وتركّز استراتيجية أوروبا لعام 2020 الخاصة بالمفوضية الأوروبية للنمو الذكي، والمستدام والشامل على عنصرين رئيسيين: حركة الطلاب وجدول أعمال مهارات ووظائف جديدة لاستقطاب الشباب وإبقائهم في قطاعات مختلفة، بما في ذلك تربية الأحياء المائية. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تعاونت المنظمة مع مؤسسات مختلفة، بما في ذلك مركز الامتياز في تربية الأحياء المائية وعلوم مصايد الأسماك في ملاوي وجامعات في كينيا ونيجيريا وجمهورية تنزانيا المتحدة، والمركز العالمي للأسماك، والوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي، وحكومات محلية، لتوفير بناء القدرات المهنية والخدمات الإرشادية والبحوث.

ويجب تخطيط وتنفيذ تنمية القدرات بشكل وثيق مع تطوير برامج بحثية وطنية متعددة التخصصات لتحسين القدرة التنافسية، وكفاءة الإنتاج، والجدوى الاقتصادية، والاستدامة الاجتماعية والبيئية الطويلة الأجل للقطاع، وإحراز تقدم في علم الوراثة والتغذية والصحة وتطوير التكنولوجيا. ومن المهم أيضًا دعم إنشاء تجمعات ونظم تطوير للبحوث التطبيقية الوظيفية (Little، وNewton وBeveridge، 2016) على المستويين الوطني والإقليمي. ويجري تشجيع مرافق البحوث في مجال تربية الأحياء المائية التي تملكها الدولة والخاصة على التركيز على تبنّي ونشر البروتوكولات الدولية والممارسات الزراعية الفضلى والاستخدام السليم للمياه وموارد الأنواع المحلية. ويجب أن يركز البحث على التخطيط المكاني التطبيقي، والتربية وعلم الوراثة، وإنتاج الأعلاف، وتطبيقات التكنولوجيا الرقمية من أجل زيادة الكفاءة في تشغيل الزراعة وإدارتها. وللمساعدة في تحديد المشاكل وتصميم الحلول البحثية، يجب على العلماء الاستعانة بالمعارف الميدانية والتقليدية التي يقدّمها المزارعون والمجتمعات المحلية، الذين سيستفيدون في المقابل من النتائج والتكنولوجيا المحسّنة من خلال عملية الإرشاد.

ويجب أن تواصل البرامج الوطنية لإرشاد تربية الأحياء المائية الترويج لنماذج تربية الأحياء المائية وتكنولوجيات الإنتاج التي أثبتت جدواها. وتتسم معلومات الإرشاد في مجال تربية الأحياء المائية بديناميكيتها وينبغي عليها أن تتطور وتُحدث تغييرات في سلوك المزارعين من أجل تعزيز الإنتاج المستدام. وفي أغلب الحالات، تُعتبر الحكومة المورد الرئيسي لخدمات الإرشاد. ويشمل مقدمو خدمات الإرشاد الآخرون المنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص (بشكل رئيسي موردو المعدات والبذور والأعلاف)، وبرامج الإرشاد بين المزارعين، والتعليم الذاتي (مثل الجولات الدراسية والمدارس الحقلية للمزارعين) (De Saha وRadheyshyam، 2013) (الإطار 12).

الإطار 12المدارس الحقلية لتربية الأحياء المائية في أفريقيا: التأثير على الشباب والنساء

إن نهج المدرسة الحقلية لتربية الأحياء المائية هو تكييف لنهج التعلم الابتكاري والتشاركي والتفاعلي، أي ما يسمى بالمدرسة الحقلية للمزارعين، الذي طورته المنظمة في جنوب شرق آسيا ابتداء من أواخر ثمانينات القرن الماضي. وقد أثبت نجاحه بشكل ملحوظ وسرعان ما توسع إلى بلدان أخرى في آسيا، وأفريقيا، والشرق الأدنى وأمريكا اللاتينية. ومن ثم فإن الطلب على برامج المدارس الحقلية للمزارعين آخذ في الازدياد، وفي العديد من البلدان، تم إضفاء الطابع المؤسسي على هذا النهج في نظم الإرشاد الوطنية.

وبناءً على مبدأ المدارس الحقلية للمزارعين، قام قطاع استزراع الأسماك بتوسيع هذه المنهجية لزيادة مشاركة الشباب والنساء في تربية الأحياء المائية. وتسعى المدرسة الحقلية لتربية الأحياء المائية إلى إسماع صوت النساء والشباب والفئات الضعيفة في الريف والمساهمة في تمكينهم الاجتماعي والاقتصادي من خلال صقل مهاراتهم في مجالات استزراع الأسماك، وريادة الأعمال، وإدارة الأعمال التجارية لتربية الأحياء المائية وزيادة وصولهم إلى خدمات تربية الأحياء المائية ومواردها مثل مدخلات المزارع والتسهيلات الائتمانية.

وتقدم المنظمة المساعدة الفنية للحكومات المهتمة بنهج المدارس الحقلية للمزارعين من خلال تدريب المدربين الرئيسيين والمدربين والميسّرين. ويقوم كل ميسّر بعدئذ بتدريب مجموعة تتألف من 25–30 شخصًا لتعليم النساء والشباب القدرات القيادية من أجل عملية صنع القرار في مجال تربية الأحياء المائية. وتختار المجتمعات المحلية المستفيدة أعضاء المجموعة الذين سيشاركون في المدرسة الحقلية لتربية الأحياء المائية.

وفي العديد من بلدان شرق أفريقيا، ظهر أثر جانبي هام: فقد أبدى العديد من الأشخاص من غير الأعضاء في المدارس الحقلية لتربية الأحياء المائية الذين شهدوا نجاحات تربية الأحياء المائية اهتمامًا بأنشطة المدارس الحقلية لتربية الأحياء المائية وطلبوا المساعدة لتشكيل مجموعات جديدة. وقد أتى النهج التشاركي في تعلم أنشطة تربية الأسماك الجديدة أو المحسنة في كثير من الحالات ثماره حيث قام المشاركون بتوليد موارد مالية من بيع منتجاتهم؛ وتمكنوا بالتالي من استثمار الدخل الإضافي في إصلاح المنازل والبناء ودفع الرسوم المدرسية لأطفالهم، وما إلى ذلك. ويُقام في نهاية دورة الإنتاج حفل تخرج يجري خلاله منح شهادات للمشاركين. وتؤدي المدارس الحقلية لتربية الأحياء المائية (أو المدارس الحقلية لمستزرعي الأسماك) دورًا رئيسيًا في زيادة تنمية قطاع تربية الأحياء المائية في المناطق الريفية. وينبغي أن يؤدي نجاح هذا النهج إلى الارتقاء بمستوى عمل المنظمة وزيادة تعزيزه في هذا القطاع.

وتواصل المنظمة، بالتعاون الوثيق مع المؤسسات الحكومية، تنفيذ العديد من مشاريع التعاون الفني المستوحاة من المدارس الحقلية لتربية الأحياء المائية التي حققت نتائج مشجعة. وعلى سبيل المثال، في كينيا، تم استهداف 36 مجموعة في جميع أنحاء البلاد وجري في نهاية المطاف تشكيل 80 مجموعة (مع حوالي 2 000 مستفيد مباشر). ويركّز مشروع إقليمي فرعي في بوروندي ورواندا وإثيوبيا على إنتاج الأسماك في حقول الأرزّ؛ بالإضافة إلى زيادة إنتاج الأرزّ والأسماك من أجل تغذية أفضل، وتوجد أيضًا فوائد اجتماعية وبيئية ومالية.

وعلى الرغم من أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يزال بعيدًا عن أن يكون كافياً ، إلا أنه يعمل بشكل متزايد على تقليص الفجوة في الوصول إلى المعلومات وتحسين المهارات الإدارية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة (Trendov ، Varas وZeng، 2019؛ Qjang وآخرون، 2012). وتدعم بعض المبادرات الرقمية عبر أفريقيا وآسيا تقديم خدمات الإرشاد (Costopoulou، Ntaliani وKarestos، 2016؛ Tsan وآخرون، 2019). ومع تطور التكنولوجيا الرقمية، تقوم منظمة الأغذية والزراعة بإنشاء منصة تكنولوجية إقليمية لتربية الأحياء المائية. وتهدف الأكاديمية عبر شبكة الإنترنت (منظمة الأغذية والزراعة، 2020ه) إلى تحسين إمكانية الوصول إلى ممارسات تربية الأحياء المائية والإدماج فيها، فضلًا عن تيسير حوار السياسات في جميع المجالات. وأنشأت العديد من الحكومات أيضًا منصات رقمية (المنصة الأوروبية للتكنولوجيا والابتكار في مجال تربية الأحياء المائية، 2021) حول مراقبة الأمن البيولوجي المائي، وأطلقت تطبيقات للهاتف المحمول للإدارة على مستوى المزرعة وتتبّع المنتجات، فضلًا عن منصة تعاونية للمزارعين، مثل لوحة تحكم مستزرعي الأربيان (g–nous، 2020).

وتؤدي الشراكات دورًا محوريًا في جهود بناء القدرات الخاصة بالتحوّل الأزرق. وفي العقود الأخيرة، خطت المنظمات الحكومية الدولية، والوكالات المالية الدولية، والمجتمعات المدنية، ومختلف الشبكات الإقليمية لتربية الأحياء المائية في آسيا والمحيط الهادئ، وأفريقيا، وأوروبا الوسطى والشرقية، والأمريكيتين، والدول الجزرية الصغيرة النامية، خطوات واسعة نحو إدماج وتكييف برامج بناء القدرات في مجال تربية الأحياء المائية (لجنة مصايد الأسماك التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة، 2015؛ Ahonen وPirhonen، 2018). وتبرز الحاجة إلى المزيد من الشراكات لتشجيع نقل التكنولوجيا وتبادلها بين البلدان (الإطار 13).

الإطار 13الشراكات الذكية: آليات تخطيط وتنفيذ فعالة في أوقات الأزمات − مثال لمشروع في موزامبيق

يمكن للشراكات أن تكون أدوات قيّمة لتنفيذ المشاريع وإدخال الممارسات الجيدة أثناء الأزمات. وفي يونيو/حزيران 2020، في ذروة تفشي جائحة كوفيد–19، حيث واجهت المجتمعات الريفية في موزامبيق تحديات مختلفة، استجابت المنظمة لطلب من منظمة وطنية في الميدان، وهي مؤسسة التنمية المجتمعيةFundação para o Desenvolvimento da Comunidade ، لتحسين ممارسات الكفاف التقليدية المتكاملة للزراعة وتربية الأحياء المائية من أجل بناء سبل عيش قادرة على الصمود في وجه الصدمات المناخية والصحية. وعززت الشراكة بين المنظمة ومؤسسة التنمية المجتمعية الممارسات المحسّنة من أجل تعزيز إنتاج الأغذية والأمن الغذائي بموازاة تمكين النساء والشباب. وتضمنت أنشطة المشروع:

  • إعادة إدخال نظم الزراعة التقليدية على مستوى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، مع اعتبار استزراع الأسماك بمثابة النشاط الأساسي؛

  • تطبيق الاستزراع المتكامل للأسماك واعتماده مع التركيز على الاستخدام الفعال للموارد المتاحة وإعادة تدوير المخلفات وتوفير الطاقة مع الحفاظ على التوازن الإيكولوجي؛

  • وتنفيذ برامج بناء القدرات لصالح الشباب والنساء.

وبعد عام واحد فقط، وفّر مشروع مبادرة تربية الأحياء المائية المتكاملة في موقع تشيلمبين التاريخي فرص العمل والتدريب أثناء العمل للعديد من الأشخاص؛ وأجرى أنشطة للبحث والتطوير، بما في ذلك عمليات تقييم سلاسل قيمة الأسماك في مناطق مختلفة؛ وجدّد مرافق المزارع؛ وأنتج 16 طنًا من الأسماك وكميات كبيرة من الدجاج والأرانب؛ وقام بزراعة 8.5 هكتارات من الأراضي بالذرة والفاصولياء والبطاطا الحلوة؛ وأحرز تقدمًا في تربية الخنازير والبط.

ويسلّط المشروع الضوء على ثلاثة دروس هامة:

  1. 1-تتطلب الشراكات القوية من كافة الشركاء الالتزام بالسعي لتحقيق أهداف مشتركة وتقاسم المخاطر، ولكن الثقة المتبادلة تعتبر اللُبنة الرئيسية.

  2. 2-تتمتع شراكات أصحاب المصلحة، مثل المنظمة – مؤسسة التنمية المجتمعية، بالقدرة على استقطاب الخبرات والموارد من كلا الجانبين للاستفادة من التحديات وتحويلها إلى فرص لصالح الاقتصادات الوطنية والمحلية.

  3. 3-وبالإمكان، من خلال الالتزام والمساءلة على المستويات كافة، التغلب على الصعوبات وبلوغ النجاح وتحقيق التنمية – في أي قطاع. وتعتبر تربية الأحياء المائية أحد الأمثلة فقط على ذلك!

لمزيد من المعلومات ، انظر: www.youtube.com/watch?v=XfrJEKLR3OE
يطور الشباب والنساء مهاراتهم في تربية الأحياء المائية وأفضل الممارسات الزراعية لزيادة المرونة وتنويع سبل العيش، Chilembene، موزمبيق. ©الفاو/Telcinia Nhantumbo
لمزيد من المعلومات ، انظر: www.youtube.com/watch?v=XfrJEKLR3OE
back to top عد إلى الأعلى