حالة الأغذية والزراعة 2022

الفصل 1 الأتمتة الزراعية: ماهيّتها وأهميّتها

ما هي الأتمتة الزراعية؟

تأتي الأتمتة الزراعية اليوم بعد رحلة تطوّر طويلة للميكنة على مرّ تاريخ الزراعة. وتُعرِّف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الميكنة بأنها استخدام جميع وسائل الآلات والمعدات، من الأدوات اليدوية البسيطة والأساسية إلى الآلات الأكثر تطورًا والأكثر اعتمادًا على المحركات، في العمليات الزراعية.14 ولذلك، وفي ظل الميكنة، لا تُستخدم الأتمتة إلّا في الجزء المتعلق بأداء العمل الزراعي، وتزداد درجة الأتمتة مع تحولنا من الأدوات اليدوية البسيطة نحو الآلات المجهزة بمحركات.

وهناك مرحلتان تسبقان دائمًا أداء أي عملية زراعية هما التشخيص واتخاذ القرار. ويمثّل الشكل 1 المراحل الثلاث كعملية دورية تصبّ كل منها في الأخرى باستمرار. ويبدأ عمومًا تنفيذ أي عملية زراعية – من الحصاد إلى مكافحة الأمراض إلى الري – بتشخيص المسألة المطروحة لتحديد الإجراءات المطلوبة، إن وجدت. وعلى سبيل التوضيح، يحتاج المنتجون، قبل الري، إلى معرفة ما إذا كانت النباتات تحتاج إلى المياه. وبالمثل، يحتاج المنتجون في قطاع الثروة الحيوانية إلى معرفة الحالة الصحية للحيوانات قبل وصف المضادات الحيوية. ويمكن إجراء التشخيص اعتمادًا على خبرة المنتجين، ولكن يمكن أيضًا إجراؤه باستخدام الأتمتة من خلال أجهزة استشعار يرصدها المنتجون. وبمجرد إجراء التشخيص، يُقرر المنتجون ما ينبغي القيام به (على سبيل المثال، كمية الري أو المضادات الحيوية المطلوبة) ومتى. ويمكن للمنتجين الزراعيين بعد ذلك اتخاذ القرارات بناءً على خبرتهم ومعرفتهم، أو يمكن أتمتة هذه القرارات من خلال وحدات تحكّم تُرسل إشارات استنادًا إلى المعلومات الواردة من أجهزة الاستشعار في مرحلة التشخيص. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة (الأداء)، يمكن للمزارعين إجراء العمليات الزراعية مباشرة باستخدام الأدوات اليدوية أو الحيوانات، أو تشغيل آلات مختلفة. وتتيح تكنولوجيات الأتمتة الأكثر تقدمًا أتمتة المراحل الثلاث بالكامل. ومن الأمثلة على ذلك روبوتات جني ثمار الفاكهة. وتُنفذ هذه الروبوتات جميع المراحل الثلاث بالتتابع وبطريقة تلقائية، بينما يرصد المنتجون الزراعيون ببساطة أجهزة الاستشعار ويقومون بصيانة المعدات.

الشكل 1 الدورة الثلاثية المراحل لنظام الأتمتة

المصدر: أعدته منظمة الأغذية والزراعة لهذا التقرير.
المصدر: أعدته منظمة الأغذية والزراعة لهذا التقرير.

ويمكن تصنيف أي تكنولوجيا تعمل على أتمتة مرحلة واحدة على الأقل من المراحل الثلاث على أنها تكنولوجيا أتمتة. وتُركز الميكنة الآلية التي تستخدم قوة المحركات15 بشكل أساسي على المرحلة الأخيرة من المراحل الثلاث، أي الأداء. وهي تستخدم الأتمتة في العمليات الزراعية، مثل الحرث والبذر والتسميد والحلب والتغذية والحصاد والري من بين عمليات أخرى كثيرة. ولأغراض هذا التقرير، تُعتبر أي تكنولوجيا تُساعد المنتجين الزراعيين في مرحلة أو أكثر من المراحل الثلاث الواردة في الشكل 1 تكنولوجيا أتمتة. ويشمل ذلك الحالات التي يستخدم فيها المنتجون الزراعيون، على سبيل المثال، أجهزة استشعار لرصد النباتات والحيوانات، وبالتالي أتمتة مرحلة التشخيص، ولكنهم يتخذون القرارات استنادًا إلى تجربتهم الخاصة من دون مساعدة من المعدات المؤتمتة. وفي بعض الحالات، يمكن أن تشمل مرحلة الأداء أيضًا استخدام الاستشعار (مثل إنشاء خرائط الغلة أثناء الحصاد) الذي يصبّ بعد ذلك في مرحلة التشخيص، وهذا هو ما يُفسر التمثيل الدوري الوارد في الشكل 1.

ومع ظهور التكنولوجيات الرقمية والمعدات المؤتمتة، مثل أجهزة الاستشعار والروبوتات التي تعتمد على تعلّم الآلة والذكاء الاصطناعي، تصبح أتمتة التشخيص وصنع القرار ممكنة. ويزداد تكميل الآلات الآلية، أو حتى استبدالها، بمعدات رقمية جديدة تحقق الأتمتة في التشخيص واتخاذ القرارات. وعلى سبيل المثال، يمكن تحويل الجرار التقليدي إلى مركبة مؤتمتة قادرة على غرس البذور في الحقل ذاتيًا.15 ولذلك، في حين أن الميكنة تقلل وتقلص العمل الشاق والمتكرر وتخفف من حالات نقص اليد العاملة، تزيد تكنولوجيات الأتمتة الرقمية الإنتاجية عن طريق السماح بتنفيذ العمليات الزراعية بدقة أكبر واستخدام الموارد والمدخلات بمزيد من الكفاءة. ويمكن بالتالي أن تؤدي الأتمتة الرقمية إلى مكاسب في الاستدامة البيئية وزيادة القدرة على الصمود في وجه الصدمات والضغوط المناخية. ومع ذلك، تتطلب الآثار المحتملة على اليد العاملة دراسة متأنية، على النحو الموضح لاحقًا في التقرير.

ويمثّل الشكل 2 هذا التطور التكنولوجي، موضحًا تقدّم التكنولوجيات الزراعية – مع أمثلة على كل منها – وهي تتراوح بين التكنولوجيات التي تساعد على الأداء المادي للعمليات وحسب، والتكنولوجيات التي تساعد على التشخيص واتخاذ القرار. ويمكن تلخيص التطور التكنولوجي من خلال فئات التكنولوجيا التالية:

  • الأدوات اليدوية، حيث يجري الإنسان التشخيص ويتخذ القرارات، بينما يعتمد الأداء على أدوات بسيطة مثل الفؤوس والعزّاقات.
  • الجرّ الحيواني، حيث لا يزال الإنسان يُجري التشخيص ويتخذ القرارات، ولكن أداء العمليات الزراعية العملية يتم إجراؤه أو التخفيف منه عن طريق الحيوانات التي تُشغّل الآلات الزراعية، مثل المحاريث.
  • الميكنة الآلية، حيث يستمر الإنسان في إجراء التشخيص واتخاذ القرارات، ولكن الآلات والمعدات المزودة بمحركات هي التي تقوم بالعمليات. وتمثّل هذه الفئة تحوّلًا في مصدر الطاقة المستخدمة في المزرعة من الداخل (على سبيل المثال، عضلات الإنسان والحيوانات) إلى الخارج (مثل الوقود الأحفوري والكهرباء). غير أن هذا التحوّل يتطلب بنية تحتية محددة لضمان توافر هذه المصادر باستمرار.
  • المعدات الرقمية، حيث تُساعد مجموعة كبيرة من الأدوات الرقمية الإنسان على تحسين التشخيص و/أو اتخاذ القرارات عن طريق أتمتة العمل الذهني أو عن طريق زيادة دقة الآلات المزودة بمحركات.
  • الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي، حيث يعتمد الإنسان على الروبوتات الزراعية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في جميع وظائف التشخيص واتخاذ القرارات والأداء. ويمكن أن تكون هذه الروبوتات ثابتة (مثل روبوتات الحلب) أو متحركة (مثل روبوتات جني ثمار الفاكهة). ويقوم الإنسان برصد أجهزة الاستشعار وصيانة الروبوتات. وتشمل هذه الفئة تكنولوجيات الأتمتة الأكثر تقدمًا التي لم يتسع نطاق بعضها بعد أو لا يزال قيد التطوير.

الشكل 2 تطور الأتمتة الزراعية

المصدر: أعدته منظمة الأغذية والزراعة لهذا التقرير.
المصدر: أعدته منظمة الأغذية والزراعة لهذا التقرير.

وللأسف أن هذا التنوع في الأدوات والتكنولوجيات قد ساهم في تضارب تعاريف الأتمتة الزراعية في المؤلفات، ما أعاق جهود جمع البيانات عن الأتمتة.11 ومن ذلك على سبيل المثال أن البعض يُعرّف الأتمتة الزراعية بأنها ملاحة ذاتية تجريها الروبوتات من دون تدخل بشري، توفّر معلومات دقيقة للمساعدة على تطوير العمليات الزراعية.16 ويُعرِّفها آخرون بأنها إنجاز مهام الإنتاج من خلال أجهزة ميكانيكية إلكترونية متنقلة ذاتية التشغيل لاتخاذ القرارات.17 غير أن هذه التعاريف تقييدية جدًا ولا تستوعب جميع جوانب الأتمتة وأشكالها – ومنها المعدات الثابتة، مثل آلات الحلب الروبوتية. وعلاوة على ذلك، تستبعد التعاريف ليس الآلات المزودة بمحركات التي تستخدم الأتمتة في أداء العمليات الزراعية وحسب، بل تستبعد أيضًا الأدوات الرقمية (على سبيل المثال، أجهزة الاستشعار) التي لا تستخدم الأتمتة إلّا في التشخيص.

ويُبسِّط الشكل 2 الواقع التاريخي لتطور تكنولوجيات الأتمتة؛ ويمكن أن تكون هناك تداخلات ومناطق رمادية بين الفئات. غير أنه يساعد على تحديد محور تركيز هذا التقرير وتعريف الأتمتة الزراعية. ويُطبَّق مفهوم الأتمتة الزراعية على الأُطر الثلاثة المظللة باللون الأزرق والتي تُشكل محور تركيز التقرير. وانطلاقًا من هذه الخلفية، يتضمن التقرير تعريفًا للأتمتة الزراعية بأنها:

استخدام الآلات والمعدات في العمليات الزراعية لتحسين تشخيصها أو اتخاذ القرارات بشأنها أو أدائها، ما يؤدي إلى تقليل المشقة التي ينطوي عليها العمل الزراعي و/أو تحسين توقيت العمليات الزراعية وربما تحسين دقتها.

وبناءً على هذا التعريف، تشمل الأتمتة الزراعية الزراعة الدقيقة، وهي استراتيجية إدارة تجمع البيانات وتعالجها وتحللها لتحسين قرارات الإدارة (انظر مسرد المصطلحات).

وبدءًا من الإطار الأول المظلل باللون الأزرق في الشكل 2، تشمل الميكنة الآلية آلات يديرها الإنسان لأداء مهام مثل الحرث والري والحلب. ومع ذلك، يُجري الإنسان التشخيص بناءً على ملاحظاته الخاصة أو عن طريق قياس بارامترات بسيطة؛ ويتخذ بعد ذلك القرارات بناءً على الخبرة (الداخلية أو الخارجية) والمعرفة والموارد المتاحة. وتُغطي الفئتان الأخيرتان من الشكل 2 الأتمتة الرقمية. وهما تشملان مجموعة واسعة من الأدوات والمعدات والبرمجيات التي تكون أو يمكن أن تكون متعددة الوظائف ومتعددة الاختصاصات، ما يجعل إدارة الموارد في النظام محسَّنة إلى المستوى الأمثل بدرجة كبيرة، وفردية، وذكية، واستشرافية.18 وفي ظل تطور تكنولوجيات الأتمتة الرقمية (الروبوتية المزودة بالذكاء الاصطناعي)، يمكن أتمتة جميع المراحل الثلاث – التشخيص واتخاذ القرارات والأداء – مع اقتصار دور الإنسان إلى حد كبير على مراقبة معدات الأتمتة وصيانتها. وينطبق ذلك على سبيل المثال على آلة قطف الثمار. وعندما يتلقى ذراع القطف رسالة من وحدة التحكم، بناءً على معلومات من أجهزة الاستشعار، فإنه يبدأ في قطف الثمار.

ويمكن أن تشمل الأتمتة أي مرحلة واحدة أو مجموعة من المراحل الثلاث المترابطة. وعلى سبيل المثال، يمكن إجراء التشخيص عن طريق أجهزة الاستشعار، بينما يعتمد صنع القرار والأداء اعتمادًا كليًا على الإنسان. ويمكن بدلًا من ذلك إجراء التشخيص واتخاذ القرارات باستخدام التكنولوجيات الرقمية، بينما يقوم الإنسان بوظيفة الأداء. ومن أمثلة النُظم المؤتمتة بالكامل التي تكون فيها جميع المراحل الثلاث مؤتمتة روبوت الرش الذاتي: يحصل النظام أولًا على بيانات عن خصوبة التربة، ثم يُحدد منطقة التشغيل ومعدل الرش، وأخيرًا يرش السماد بناءً على هذا المعدل المتغيِّر.

back to top عد إلى الأعلى