- ➔ تُشكل الميكنة الآلية شكلًا هامًا من أشكال الأتمتة الزراعية ومكونًا أساسيًا للتحوّل الزراعي في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن الأخذ بها متفاوت ومحدود بصفة خاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
- ➔ يتطلب تحسين إمكانية وصول صغار المنتجين الزراعيين – بمن فيهم النساء والشباب وسائر الفئات المهمَّشة – إلى خيارات الميكنة المستدامة ابتكارات تكنولوجية ومؤسسية، مثل أسواق خدمات الميكنة التي تيسّرها منصات رقمية.
- ➔ يمكن لزيادة استخدام التكنولوجيات الرقمية وتنوعها إحداث تحوّل في الزراعة، حتى في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ولا سيما مع زيادة إمكانية الوصول إلى هذه التكنولوجيات.
- ➔ تختلف دوافع الأخذ بالأتمتة بحسب التكنولوجيا والسياق. ومن ذلك على سبيل المثال أن الأخذ بروبوتات الحلب تُحرّكه في معظمه زيادة مرونة جداول العمل ونوعية الحياة الأفضل؛ وبالنسبة لتكنولوجيات أتمتة زراعة المحاصيل فإن الأخذ بها تحرّكه في الغالب الربحية الأعلى؛ أما بالنسبة إلى الغابات فإن لظروف العمل الأكثر أمانًا دورًا مهمًا.
- ➔ هناك مجموعة من الحلول التكنولوجية المتاحة بالفعل للبلدان التي تمرّ بمراحل تطور مختلفة – وهناك المزيد في طور الإعداد. ومن خلال السياسات والتشريعات المناسبة، يمكن للحكومات تعزيز الحلول المناسبة للسياق والاحتياجات المحددة لمختلف المنتجين.
- ➔ يحتاج صغار المنتجين الزراعيين بصفة خاصة إلى الوصول إلى تكنولوجيات الأتمتة الرقمية الميسورة الكلفة والمناسبة للسماح لهم بالأخذ بها وجني فوائدها.
كانت العضلات البشرية والحيوانات على مدى عدة قرون في الماضي المصدر الرئيسي للطاقة في الزراعة. وكانت الأتمتة في الزراعة حتى عهد قريب تعني في جانب كبير منها استبدال حيوانات الجرّ واليد العاملة البشرية بمعدات آلية في العديد من العمليات الزراعية، بما في ذلك تسوية الأرض، وإزالة الأعشاب الضارة، والحصاد، والري، وحلب الحيوانات وتغذيتها، وعمليات المناولة في المزرعة، مثل الدرس والطحن.
وفي الآونة الأخيرة، شقّت تكنولوجيات الأتمتة الرقمية (انظر الشكل 2) طريقها إلى الزراعة من خلال تطبيقات مختلفة – مدمجة أحيانًا في الآلات الزراعية القائمة، ومنفصلة عنها في أحيان أخرى. وفي كلتا الحالتين، يمكن لهذه التكنولوجيات تحسين عمليات التشخيص واتخاذ القرارات التي يقوم بها المنتجون الزراعيون. وعندما تكون مدمجة في آلات زراعية يمكن إجراء العمليات الزراعية بدقة أكبر، ما يؤدي إلى مزيد من التحسينات في الكفاءة والإنتاجية.
ولذلك، تتميَّز هذه التكنولوجيات بقدرتها على تحويل سُبل العيش الريفية والمناظر الطبيعية الزراعية المرتبطة بها، بما في ذلك إنتاج المحاصيل والإنتاج الحيواني، وتربية الأحياء المائية، والغابات. وفي مجال إنتاج المحاصيل، يمكنها تعزيز إنتاجية مدخلات مثل البذور والأسمدة والمياه. وفي مجال الإنتاج الحيواني وتربية الأحياء المائية يمكنها تقليل المشقة وزيادة دقة توقيت العمليات، وتعزيز كفاءة مدخلات مثل الأعلاف. وفي جميع قطاعات الزراعة، وخاصة في قطاع الغابات، يمكن للآلات أن تُحسّن ظروف العمل وتوفِّر بيئة أكثر أمانًا للعمال.
ويستعرض هذا الفصل اتجاهات تكنولوجيات الأتمتة في جميع أنحاء العالم، ويُحلل كيفية اختلافها بين البلدان والمناطق والدوافع الكامنة وراء هذه الاختلافات. ونظرًا لندرة البيانات، يعتمد السرد اعتمادًا كبيرًا على دراسات الحالة المستمدة من المؤلفات، وعلى وثيقتي معلومات أساسية تم إعدادهما لهذا التقرير.2،1 (انظر وصفًا شاملًا لدراسات الحالة السبع والعشرين التي صدر تكليف بإجرائها في الملحق 1). ويتتبّع الفصل الأتمتة من منظور تاريخي، بدءًا بإدخال الميكنة الآلية ونشرها بين البلدان المرتفعة الدخل، إلى نقلها لاحقًا إلى بعض البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ويُناقش دوافع الأخذ بالأتمتة والحواجز التي تحول دون ذلك، وكيفية تفسيرها هذه الاختلافات في الإقبال عليها عبر المناطق. ويُلقي الضوء أيضًا على بعض المفاضلات الناتجة من الأتمتة، بما في ذلك الآثار البيئية السلبية المحتملة الناشئة عن الآلات المزوّدة بمحركات. ويُحلل دور التكنولوجيات الرقمية في تحويل استخدام الآلات الزراعية، وينظر في إمكانات الحلول الرقمية في الزراعة غير المميكنة. وأخيرًا، يتناول الفصل بالوصف حالة تكنولوجيات الأتمتة الرقمية في جميع أنحاء العالم وقدرتها على أن تحل محل الميكنة الآلية التقليدية وعلى أن تعكس مسار بعض آثارها السلبية.
اتجاهات الميكنة الآلية ودوافعها في جميع أنحاء العالم
معدلات الأخذ بالأتمتة متفاوتة كثيرًا بين المناطق
ازدادت الميكنة الآلية بصورة كبيرة في جميع أنحاء العالم. وتُبين الأدلة أن الأخذ بالأتمتة على نطاق واسع بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت تُشكل فيها الجرّارات المصدر الرئيسي للطاقة في المزرعة، لتحل بذلك محل نحو 24 مليونًا من حيوانات الجرّ في ما بين عامي 1910 و1960.3 وباستثناء المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وآيرلندا الشمالية التي بدأ فيها استخدام الجرّارات لأول مرة في ثلاثينات القرن الماضي فإن تحوّل الزراعة في اليابان وفي بعض البلدان الأوروبية (الدانمرك وفرنسا وألمانيا وإسبانيا ويوغسلافيا السابقة) تأخر حتى حوالي عام 1955، وبعد ذلك حدثت الميكنة الآلية بسرعة كبيرة لتحل تمامًا محل الجرّ الحيواني.4 وأصبح استخدام الجرّارات كمصدر للقوى في المزرعة واحدًا من أكثر عمليات التحديث تأثيرًا في القرن العشرين لأنه أتاح، بل وأدى إلى، ابتكارات في الآلات والمعدات الزراعية الأخرى، مثل آلات الدرس، والحصّادات، ومجموعة واسعة من الأدوات المرتبطة بها.5 وخفف ذلك إلى حد كبير من المشقة المرتبطة بالزراعة، وأتاح للمزارعين أداء المهام في الوقت المناسب. وفي مرحلة لاحقة، شهد العديد من بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية تقدمًا كبيرًا في الأخذ بالآلات المزوَّدة بمحركات.6 وتُمثّل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، من ناحية أخرى، الإقليم الوحيد الذي سار فيه التقدم نحو الميكنة الآلية بوتيرة متعثرة خلال العقود الفائتة،7 على الرغم من الأخذ بها بسرعة أكبر في بعض البلدان الأفريقية.
ومن المسلّم به تمامًا أن قلّة البيانات تُشكل أحد القيود عند تحليل الاتجاهات في الأخذ بالآلات الزراعية. ويُشكل التنوع الكبير في الآلات وما يرتبط بها من معدات مستخدمة في الميكنة الزراعية تحديًا مهمًا من حيث جمع البيانات (انظر الإطار 1 للتعرّف على الطريقة التي تُخطط بها منظمة الأغذية والزراعة للتغلب على هذا التحدي). ويمكن تصنيف الآلات عمومًا إلى مجموعتين، هما: (1) الآلات التي تعمل بمحركات، مثل الجرّارات ومضخات المياه والحصّادات؛ (2) وملحقات الآلات غير المزوَّدة بمحركات، ولكنها مرتبطة بآلة تعمل بمحرك (على سبيل المثال، أدوات الجرّارات، مثل المحاريث وآلات البذر، وشبكات الري). وتُجمع البيانات عمومًا عن الآلات المعتمدة على المحركات، رغم ندرتها حتى بالنسبة إلى هذه الفئة بسبب التفاوت الكبير في الظروف الزراعية والإيكولوجية وظروف الزراعة بين البلدان. وتتطلب المناطق المناخية الزراعية، وظروف التربة، والطبيعة، واتجاهات الإنتاج المختلفة استخدام أنواع مختلفة من الآلات والمعدات. ومن ذلك على سبيل المثال أن الجرّارات يمكن أن تختلف من حيث أحجامها وخصائصها (على سبيل المثال، ذات العجلات الأربع مقابل ذات العجلتين). كما أن نُظم الإنتاج الحيواني وتربية الأحياء المائية المختلفة يمكن أن تتطلب أنواعًا مختلفة جدًا من الآلات، على سبيل المثال، من نُظم التغذية إلى آلات الحلب في حالة الإنتاج الحيواني.
الإطار 1التغلّب على التحديات المتصلة بالبيانات في الإبلاغ عن استخدام الآلات الزراعية
حتى عام 2009، كانت قاعدة البيانات الإحصائية الموضوعية في منظمة الأغذية والزراعة تُصدر تقارير منتظمة عن استخدام الآلات والمعدات الزراعية وتداولها في التجارة (من حيث أحجامها وقيمها). ونُشرت سلاسل إحصائية، اعتبارًا من عام 1961، عن عدد صغير نسبيًا من البنود، بما فيها مجموع عدد الجرّارات الزراعية والحصّادات وآلات الدرس وآلات الحلب وآلات التربة والآلات الزراعية.
والمصدر الرئيسي لمجموعة البيانات هو استبيان سنوي أُرسل للنظراء الوطنيين ويغطي الاستخدام والتجارة. وتم الحصول على بعض البيانات التي تمّ جمعها من خلال الاستبيانات من التعدادات الزراعية الوطنية – التي تجري في العادة كل عشر سنوات – وتم تحديثها، حيثما أمكن، بالحوليات وغيرها من المصادر الوزارية وبوابات البيانات الإلكترونية في الفترة الفاصلة بين التعدادات. وأبلغت معظم البلدان عن بيانات التجارة من دون تحديد وحدات الآلات المستخدمة؛ وطرح ذلك شواغل بشأن البيانات والحاجة إلى تحسين جودة مجموعة البيانات ومستوى تفصيلها.
وفي مطلع العقد الأول من هذا القرن، نقّحت منظمة الأغذية والزراعة الاستبيان بحيث يشمل طلبًا موجهًا إلى البلدان للحصول على مزيد من التفاصيل، خاصة عن نوع الآلات. واستُكمل ذلك بالكميات والقيم المتداولة في التجارة التي تم الحصول عليها من قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات التجارة الدولية؛ واستُكملت أي ثغرات متبقية في البيانات باستخدام مجموعة من المصادر الثانوية، بما في ذلك دراسات الحالة القطرية.
ومع ذلك، لم يُسفر الاستبيان المنقح عن معدل الردود المتوقع. ولم يتمكن سوى عدد قليل من البلدان من تقديم تفاصيل إضافية، وتبيّن أن موثوقية المعلومات الخارجية العامة كانت محدودة. ونتيجة لذلك، توقف إصدار الاستبيان المنقح ولا تتاح البيانات المبلَّغ عنها حاليًا إلّا حتى عام 2009 (جُمعت في عام 2011). والنتيجة هي أنه لا يُعرف سوى القليل جدًا عن تطور الأخذ بالآلات والمعدات الزراعية في السنوات العشر الأخيرة. ويمثّل ذلك فجوة كبيرة في فهمنا لكيفية تطور النُظم الزراعية.
وبدأت شُعبة الإحصاءات في منظمة الأغذية والزراعة عملية تحديث قاعدة البيانات المتعلقة بالآلات عن طريق الجمع بين مختلف مصادر البيانات. ولا تزال المنهجية قيد التطوير وهي أكثر اعتمادًا على بيانات الدراسات الاستقصائية إلى جانب التعدادات الزراعية مقارنة بما كانت عليه في الماضي. وفي السنوات المقبلة، من المرجح أن تُجمع البيانات الاستقصائية في إطار مجموعة من المشاريع التي تشارك فيها المنظمة، بما في ذلك برنامج عمليات المسح الزراعي المتكامل ومبادرة 50 × 2030 لسدّ فجوة البيانات الزراعية. وتهدف هذه المشاريع إلى توفير المساعدة التقنية وتعزيز جمع البيانات في الزراعة بشأن مجموعة من المواضيع التي تتناول المتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، باتباع نهج نموذجي مصغّر يغطي الفترات الواقعة بين التعدادات. ومن بين الوحدات النموذجية المقترحة بيانات عن توافر الآلات واستخدامها.
وعلاوة على ذلك، يزداد نشر البيانات الجزئية المستمدة من التعدادات الزراعية بصورة منهجية أكثر. وفي ما يتعلق بالفترات الواقعة بين التعدادات، تتوافر بيانات عن استخدام الآلات والأرصدة من عدد من الدراسات الاستقصائية، مثل الدراسة الاستقصائية للأسر المعيشية التي يروِّج لها البنك الدولي – دراسة قياس مستويات المعيشة – والدراسات الاستقصائية الوطنية المماثلة. وتُجمع مجموعة من المؤشرات المنسقة والبيانات الجزئية من هذه الدراسات الاستقصائية في قاعدة بيانات نظام منظمة الأغذية والزراعة للمعلومات عن سُبل العيش في الريف، ما يوفِّر مصدرًا آخر للبيانات المتعلقة باستخدام الآلات.
وستشمل مجموعة البيانات المحدّثة عدد الآلات والمعدات المستخدمة والمنتجة، وحجم الآلات المستورَدة والمصدَّرة (وقيم التجارة النسبية).
وتعتزم منظمة الأغذية والزراعة تقييم جميع المصادر الموثوقة المحتملة من خلال جمع مجموعة بيانات موحّدة ومعالجتها وتطويرها بحلول عام 2023. وعلى المدى الأبعد، سيجري تحديث مجال بيانات الآلات بالبيانات المجمّعة من الاستبيان المنقح لتوزيعها على البلدان.
واستنادًا إلى أحدث البيانات المتاحة، واعترافًا بأنها غير مكتملة ولم تعد مواكبة لآخر التطورات، يوضح الشكل 4 التقدم الذي تحقق في الميكنة في مناطق العالم في ما بين عامي 1961 و2009. وينبغي ملاحظة أن المؤشر (عدد الجرّارات المستخدمة لكل 000 1 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة) لا يأخذ في الاعتبار حجم الجرّار ولا الأنواع الأخرى من المعدات. ومع ذلك، يمكن تبرير استخدام هذا المؤشر كبديل للميكنة الشاملة في جانب منه بسبب عدم توافر بيانات أخرى، وكذلك لكون الجرّارات تُشكل حاليًا المصدر الرئيسي للطاقة في العديد من العمليات الزراعية، مثل تسوية الأرض، والبذر، والتسميد، ورش المواد الكيميائية. وبالإضافة إلى النقل، يمكن للجرّارات أن توفِّر أيضًا الطاقة اللازمة لضخ المياه للري، وكذلك لآلات الحلب.
الشكل 4 الجرّارات المستخدمة لكل 000 1 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة
وتؤكد الإحصاءات المتاحة عن عدد الجرّارات لكل 000 1 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة (انظر الشكل 4) التقدم الإقليمي غير المتكافئ نحو الميكنة. وفي حين أن البلدان المرتفعة الدخل (أمريكا الشمالية وأوروبا وأوسيانيا) شهدت بالفعل مستويات عالية من الميكنة في ستينيات القرن الماضي، كانت المناطق التي تُهيمن عليها البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أقلّ من حيث معدلات الميكنة. وشهدت أوروبا تراجعًا في استخدام الجرّارات في ما بين تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن، وشهد الاتحاد الروسي أكبر انخفاض (أكثر من 50 في المائة)، ربما بسبب الانتقال السياسي والاقتصادي في البلاد خلال تلك الفترة. ومع ذلك، شهدت بلدان أخرى – على سبيل المثال، ألبانيا والدانمرك وألمانيا وآيرلندا وهولندا – تراجعًا كبيرًا، وإن كانت أسباب ذلك قد بقيت غامضة. وربما، في ظل تطور الجرّارات وازدياد تركيز المزارع والأراضي الزراعية، يرتفع عدد الهكتارات التي تخدمها آلة واحدة.
وشهدت آسيا وأفريقيا الشمالية ميكنة سريعة بعد ستينيات القرن الماضي. ومن ذلك على سبيل المثال أن عدد الجرّارات لكل 000 1 هكتار ازداد في آسيا الشرقية وجنوب شرق آسيا وآسيا الجنوبية بمقدار 56 و36 مرة، على التوالي – من الإجمالي المجمَّع لعدد الجرّارات الذي بلغ 2.7 ملايين جرّار في ستينيات القرن الماضي إلى 20.3 ملايين وحدة في العقد الأول من هذا القرن. ولكنّ جزءًا من الزيادة المطردة الملاحظة في آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية خلال العقد الأول من هذا القرن يمكن تفسيرها بسبب إضافة نوع رابع من الجرارات (جرارات المشاة) إلى تحليل القياس؛ وقد زاد هذا النوع من الجرارات إلى حد كبير العدد الإجمالي للجرارات في بلدان مثل الصين وميانمار والفلبين. وفي أفريقيا الشمالية وآسيا الغربية خلال الفترة نفسها، بلغت الزيادة عشرة أضعاف (من 3 إلى 33 وحدة لكل 000 1 هكتار). وشهدت أيضًا أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي نموًا كبيرًا، حيث تضاعف عدد الجرّارات لكل 000 1 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا، من 5 في ستينيات القرن الماضي إلى 14 في العقد الأول من هذا القرن. وكانت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الإقليم الوحيد الذي لم يشهد تقدمًا ملحوظًا في الميكنة الزراعية. وفي هذه المنطقة، ازداد عدد الجرّارات المستخدمة ببطء شديد، إذ وصل إلى 2.1 مليون فقط في ثمانينيات القرن الماضي (أي 2.8 من الجرارات لكل 000 1 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة)، قبل أن ينخفض إلى 000 700 (أي 1.3 لكل 000 1 هكتار) في العقد الأول من هذا القرن. وأكدت دراسة حديثة للميكنة الزراعية في 11 بلدًا انخفاض مستوى الميكنة في الإقليم وخلصت إلى أن الأدوات الخفيفة المحمولة باليد هي النوع الرئيسي من المعدات المستخدمة. وتُظهر الدراسة أن 18 في المائة فقط من الأسر المعيشية التي شملتها العيّنة يمكنها الوصول إلى الآلات التي تُشغّلها الجرّارات، في حين تستخدم الأُسر المعيشية المتبقية أدوات بسيطة محمولة باليد (48 في المائة) أو معدات تُشغّلها الحيوانات (33 في المائة).8
وبالنسبة لآسيا وشمال أفريقيا، تُشير الأدلة إلى أن استخدام الجرّ الحيواني بالفعل على نطاق واسع في ستينيات القرن الماضي قد يسَّر التقدم لاحقًا نحو الميكنة الآلية. وتعززت هذه العملية بصورة أكبر من خلال التكثيف الزراعي الذي نادت به الثورة الخضراء، ثم بعد ذلك من خلال ارتفاع الأجور الريفية بسبب التصنيع والتحوّل الهيكلي.6 وظهرت أنماط مماثلة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التي تولّت فيها جهات فاعلة خاصة إلى حد كبير قيادة الميكنة الزراعية. غير أن الحكومات قامت أيضًا بدور رئيسي، حيث هيئت بيئة مؤاتية للميكنة، على سبيل المثال، من خلال البرامج العامة في الأرجنتين وكوستاريكا وإكوادور وبيرو التي أتاحت الحصول على الائتمان بأسعار فائدة منخفضة وقدمت إعفاءات ضريبية.11،10 وعلاوة على ذلك، منحت عدة بلدان إعفاءات للآلات الزراعية من رسوم الاستيراد (على سبيل المثال، بيرو).10
وأدى ظهور قطاعات قوية في مجال تصنيع الآلات الزراعية في بعض بلدان آسيا (الصين والهند) وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (البرازيل والمكسيك، وإلى حد ما، الأرجنتين) إلى تنويع الآلات المصدَّرة عالميًا.11 وأدى ذلك إلى خفض كلفة شراء المعدات الصغيرة، مثل الجرّارات ذات العجلتين (وخاصة في آسيا) والجرّارات ذات العجلات الأربع، وغيرها من الآلات، مثل مضخات الآبار الأنبوبية الضحلة وآلات الدراس ومطاحن الحبوب.14،13،12 وهناك أيضًا أدلة على أن صعود أسواق تأجير الآلات قد ساعد على نشر الميكنة الزراعية من خلال تمكين صغار المنتجين الزراعيين من الوصول إلى الآلات الزراعية بكلفة معقولة.6
وبُذلت في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي جهود كثيرة لتعزيز الميكنة عن طريق توفير الآلات المدعومة للمزارعين، وإدارة المزارع التابعة للدولة وتجمعات المزارع، وإنشاء مراكز تأجير عامة، مدعومة في كثير من الأحيان بجهات مانحة.16،15 وأثبتت هذه الجهود أنها مكلفة وأخفقت في معظمها بسبب البنية التحتية السيئة، وعدم كفاية الاستثمارات في المعرفة وتنمية المهارات، وضعف قدرات الصيانة، والافتقار إلى سُبل الوصول إلى الوقود وقطع الغيار، وعدم وجود طلب حقيقي على الميكنة، وتحديات الحوكمة، مثل السعي وراء الريع والفساد.16،6 وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي غيرها من المناطق التي لا تزال الميكنة فيها محدودة، يبدو أن هناك نقص في دعم القطاع العام لتهيئة بيئة مؤاتية من خلال تعزيز جملة أمور تشمل المعرفة وتنمية المهارات، والوصول إلى التمويل، والبنية التحتية الريفية.11 وينبغي أن يُشكل إنشاء خدمات تأجير مستدامة تجاريًا أولوية رئيسية في أي استراتيجية للميكنة الزراعية المستدامة في الإقليم (انظر الإطار 2).
الإطار 2فهم الميكنة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
لا تزال الزراعة التي تعتمد على القوى البشرية والحيوانية تُهيمن على أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ما يحدّ من الإنتاجية. ويمثّل الجرّار أحد أكثر أنواع الآلات الزراعية انتشارًا (بدرجات متفاوتة من النجاح) في العقود السبعة الماضية.15 ومع ذلك، لا تزال كلفة الجرّارات باهظة ولا يمكن لمعظم المزارعين تحمّلها. ولذلك، تُمثّل آليات التأجير المستدامة السبيل الذي يُمكّن المزارعين – وخاصة صغار المنتجين – من الوصول إلى الميكنة. وتعمل خدمات تأجير الجرّارات في الإقليم، وتشمل الجرّارات التقليدية (ذات العجلات الأربع) ومنذ عهد أقرب وبدرجة أقل – العزَّاقة الآلية (أي الجرّار ذو العجلتين). وعلى النقيض من الصورة السلبية لخدمات تأجير الجرّارات التي تُشغّلها الحكومات، هناك الآلاف من الأفراد في جميع أنحاء الإقليم الذين يملكون جرّارات ويمكنهم تقديم خدمات تأجير الجرّارات للمزارعين. ومن الأمثلة على ذلك شركة TROTRO Tractor في غانا (انظر الإطار 3).
ويعرض الشكل لمحة سريعة عن الاستخدام الحالي – من خلال الملكية أو التأجير – للجرّارات ذات العجلات الأربع (إلى اليمين) وذات العجلتين (إلى اليسار) في مجموعة مختارة من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تتاح بيانات عنها من دراسة قياس مستويات المعيشة – مشروع المسوح الزراعية المتكاملة.
ولا تزال ملكية الجرّارات على مستوى الأسرة المعيشية منخفضة جدًا حتى بالنسبة إلى الجرّارات ذات العجلتين التي تكون في العادة أقلّ كلفة. ولا يؤدي توافر خدمات تأجير الجرّارات إلى زيادة إمكانية الوصول إلى الجرّارات ذات العجلات الأربع إلّا بنسبة قليلة. ويُسلط الإقبال المنخفض على الجرّارات ذات العجلتين، إلى جانب سوق التأجير التي ليس لها وجود تقريبًا، الضوء على أن المورّدين لم يقوموا بعد بتأسيس امتيازات مستدامة وتعمل بكامل طاقتها في سلاسل إمدادات هذه الآلات وقطع غيارها.15 ويُعد إنشاء خدمات تأجير مستدامة تجاريًا (من خلال الملكية الخاصة أو التعاونية) أولوية عليا في أي استراتيجية للميكنة الزراعية المستدامة في الإقليم.
الشكل حصة الأسر المعيشية الزراعية التي يمكنها الوصول إلى الجرّارات في بلدان مختارة
أما البيانات المتعلقة بالميكنة التي لا تعمل بالجرّارات فهي محدودة أكثر، ولكن الأدلة تُشير إلى أنه حتى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أصبحت بعض الأنشطة الثابتة مميكنة منذ فترة طويلة، مثل المطاحن الميكانيكية لعمليات الطحن الكثيفة في استهلاك القوى.16 وفي جميع أنحاء العالم، لا تزال الميكنة محدودة في مجموعة من العمليات، بما في ذلك الحصاد وإزالة الأعشاب الضارة. وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن آلات الضم والدرس وآلات الدرس الثابتة تشق طريقها على نطاق أوسع في مختلف البلدان، لا يمكن استخدامها إلّا لحصاد الحبوب. ومع استثناءات قليلة جدًا، قلما تُستخدم الميكنة في إنتاج الفاكهة والخضار في جميع أنحاء العالم.6
المتوسطات الإقليمية تُخفي اختلافات مهمة بين الأقاليم وحتى على المستوى الوطني
مع أن متوسط الإقبال على الجرّارات كان أعلى في بعض الأقاليم منه في أقاليم أخرى، قد تكون هناك أيضًا اختلافات كبيرة داخل الإقليم نفسه بسبب التفاوتات في التحوّل الهيكلي والزراعي والتغيُّر التكنولوجي. ومن ذلك على سبيل المثال، على الرغم من أن الأخذ بالجرّارات في اليابان كان سريعًا في ستينيات القرن الماضي، لم تشهد بلدان أخرى في الإقليم (على سبيل المثال، تايلند) تطورًا مماثلًا حتى حقبة تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من هذا القرن.9 وفي الصين، من الناحية الأخرى، بدأ استخدام الجرّارات في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بينما أشارت التقارير مؤخرًا إلى أن ما يصل إلى 90 في المائة من الأراضي الزراعية (المستخدمة في معظمها لإنتاج الأرزّ) تُمهّد باستخدام الآلات المزوّدة بمحركات في بنغلاديش والهند وميانمار وسري لانكا.21،20،19،18 وأدّت الظروف الطبوغرافية أيضًا إلى الحد من الميكنة أو جعلت الأخذ بها متفاوتًا في بعض البلدان الآسيوية.14،6 وعلى سبيل المثال، يستخدم 23 في المائة فقط من المنتجين الزراعيين في نيبال الجرّارات والعزاقات الآلية في الأنحاء الجبلية من البلد، بينما تصل هذه النسبة إلى 46 في المائة في منطقة تيراي الأكثر استواءً. وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، هناك اختلافات كبيرة بين المزارع الكبيرة والصغيرة وتعتمد المزارع الكبيرة بصورة أكبر على الميكنة مقارنة بالمزارع الصغيرة بسبب وجود هذه الأخيرة، جزئيًا على الأقل، في المناطق النائية والجبلية.23،22،11،10
وحتى في الأقاليم الفرعية الأقل ميكنة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تتفاوت مستويات الأخذ بالأتمتة بين البلدان وداخلها. من ذلك على سبيل المثال أن عدد الجرّارات لكل 000 1 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في بوتسوانا وجنوب أفريقيا في عام 2000 بلغ 8 و5 على التوالي، بينما لم يتجاوز عددها في بلدان مثل السنغال ومالي ومدغشقر 0.4 جرارات. وفي غانا، تشير التقديرات إلى أن ثلث الأسر المعيشية الزراعية تستخدم الجرّارات في المتوسط (بشكل أساسي للحرث)، ولكن هذه النسبة تتراوح بين 2 في المائة فقط في مناطق الغابات و88 في المائة في مناطق السافانا.6 وفي جمهورية تنزانيا المتحدة، تبلغ مستويات الميكنة أعلى معدلاتها في مناطق الزراعة التجارية.24 وفي نيجيريا، بينما يستخدم 7 في المائة من المنتجين الجرّارات، تستخدم نسبة أخرى تبلغ 25 في المائة الجرّ الحيواني الخاص بها أو المستأجر لتسوية الأرض.25 وفي إثيوبيا، تُستخدم الميكنة بنحو 1 في المائة فقط من قطع الأراضي الزراعية اعتمادًا على الجرّارات، وخاصة في نُظم زراعة القمح والشعير السهلة الميكنة، التي يُهيمن عليها أيضًا كبار المنتجين وشهدت ظهور أسواق خدمات ضم القمح.
ماذا تُخبرنا البيانات المتاحة (المحدودة) عن ميكنة الإنتاج الحيواني وتربية الأحياء المائية
البيانات المتعلقة بالأخذ بالآلات في الإنتاج الحيواني وتربية الأحياء المائية قليلة جدًا أو غير مكتملة تمامًا أو غير موجودة. وينطبق ذلك أيضًا على البيانات الخاصة بالغابات. ويبيّن تحليل البيانات المحدودة أن آلات الإنتاج الحيواني (على سبيل المثال، آلات الحلب) تتركز في البلدان المرتفعة الدخل. ومن ناحية أخرى، فإن هذه المعدات، بالرغم من وجودها في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإنها تُستخدم على الأرجح في وحدات الإنتاج الواسعة النطاق. ولكن، نظرًا لقلة البيانات وعدم اتساقها، من الصعب تقدير السيناريو الدقيق في السياقات المختلفة. وعلاوة على ذلك، لا يُعرف بوضوح ما يُشكل بالضبط آلة الحلب، ولا عدد الأبقار التي تخدمها كل آلة. ومع تطور التكنولوجيا، يزداد عدد الأبقار التي تحلبها الآلة، وبالتالي قد ينخفض عدد الآلات. وتمثّل الدانمرك أحد أمثلة ذلك، فهي بلد رئيسي منتج للألبان تتراجع فيه معدلات الإقبال على آلات الحلب، ولكنها ربما شهدت استبدال التكنولوجيا بأساليب أكثر تقدمًا لا تغطيها الإحصاءات.9 ومع ذلك، تُشير الأدلة المتواترة من إحدى دراسات الحالة (Lely) إلى توحيد مزارع الألبان في شمال أوروبا كسبب أساسي لانخفاض أعداد آلات الحلب بسبب استبدال التكنولوجيا وزيادة وفورات الحجم.2