عرض هذا الفصل اتجاهات الميكنة الآلية في نُظم الإنتاج الزراعي وناقش الدوافع الكامنة وراءها، وكذلك أحدث تكنولوجيات الأتمتة الرقمية. وسلط الضوء على التفاوتات الواسعة في الميكنة في العالم: فقد أظهرت آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تقدمًا كبيرًا في ما يتعلق بالميكنة، وهو تقدم مدفوع بتطور نظام الزراعة، والتحوّل الهيكلي، والتوسع الحضري، بينما كان التقدم محدودًا في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وناقش هذا الفصل أيضًا الطريقة التي استُخدمت بها الأتمتة الرقمية والحالات التي استُخدمت فيها بنجاح في الزراعة وإمكاناتها في إحداث تحوّل في استخدام الآلات الزراعية.
وتبدأ أي مناقشة لفوائد الميكنة والأتمتة الرقمية في الزراعة في العادة بوفورات اليد العاملة، ولكنها سرعان ما تنتقل إلى ميزات أخرى. وفي حالة الميكنة الآلية فإن أبرز فائدة هي تقليل المشقة، بالإضافة إلى دقة تحسين توقيت العمليات في مواجهة اليد العاملة الزراعية الشحيحة والموسمية. وفي حين ترتبط الميكنة بآثار إيجابية متعلقة بإنتاجية اليد العاملة، والحد من الفقر، والأمن الغذائي، وتحسّن التغذية والصحة والرفاه، فإنها تطرح أيضًا مخاوف بشأن البطالة،107 وفقدان التنوع البيولوجي،109،108 وتدهور الأراضي،110،15 وتزايد التفاوتات بين المزارع الصغيرة والكبيرة.112،111 ويبدو أن هذه المخاوف نابعة بشكل أساسي من هيمنة الآلات الكبيرة المزوّدة بمحركات التي تشغلها الجرّارات الكبيرة ذات العجلات الأربع.114،113،7
وتدّعي المؤلفات المتعلقة بالأتمتة الرقمية أن بوسعها أن تعكس مسار بعض ما سبقت الإشارة إليه من تحديات اجتماعية وبيئية تنطوي عليها الميكنة الآلية.48 وتشمل أمثلة الفوائد: العمليات الحقلية المحايدة من حيث الحجم (نتيجة لصغر حجم المعدات)؛ ودقة المعالجة بالمدخلات؛ والحدّ من تراص التربة (بفضل أسراب الروبوتات الصغيرة)؛ والقدرة على إجراء العمليات الحقلية في المناطق التي يتعذَّر فيها استخدام التكنولوجيات اليدوية أو الميكانيكية (على سبيل المثال، التربة الرطبة، وسفوح التلال الشديدة الانحدار)؛ والزراعة المجزية في الحقول غير المنتظمة الشكل؛ وأتمتة جمع البيانات عن المحاصيل والثروة الحيوانية.115،82،54
وكشف هذا الفصل عن أن مجموعة من الحلول التكنولوجية متاحة بالفعل لاستخدامها المحتمل في البلدان التي تمرّ بمراحل مختلفة من التنمية. ويكمن التحدي الذي تواجهه الحكومات في تحقيق شمولية الأخذ بهذه الحلول عن طريق تيسير وصول الجميع إليها، بمن فيهم صغار المنتجين والنساء والشباب والفئات الضعيفة، وضمان تكييف حلول التكنولوجيا المتاحة مع السياقات والاحتياجات المحددة لمختلف المنتجين.
وسيسمح ضمان شمول الأخذ بهذه الحلول، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من تحديات، للبلدان بالاستفادة من تكنولوجيات الأتمتة الرقمية والمساعدة على دفع تحويل النُظم الزراعية والغذائية على نحو منصف ومستدام. وتوضح الحالات الواردة في هذا الفصل إمكانية استفادة صغار المنتجين من خدمات الميكنة والأتمتة الرقمية والحد في الوقت نفسه من بصمتها البيئية. لكن ثمة أدلة متزايدة على أن خيارات السياسات المتاحة للحكومات ستؤثر على اتجاه هذه التكنولوجيات والأخذ بها في مختلف البلدان ومن جانب مختلف المنتجين. وتُحدّد خيارات السياسات إمكانية الوصول إلى الائتمانات وبناء القدرات والمعلومات. وفي الحالات المثالية، تحاول البلدان تهيئة ظروف متكافئة أمام التكنولوجيات المبتكرة ذات الصلة بالنُظم الزراعية والغذائية المحلية. وسيتيح ذلك للقطاع الخاص التوفيق بين العرض والطلب في مجال الميكنة الآلية والأتمتة الرقمية والروبوتات. وسيعرض الفصل التالي الجدوى التجارية لاستخدام هذه التكنولوجيات وإمكاناتها في تحويل الزراعة. وسيُناقش الفصل بصفة خاصة الدور المهم الذي لا يزال من الممكن للميكنة الآلية، بالاقتران في كثير من الأحيان مع الحلول الرقمية، القيام به، وخاصة لصغار المزارعين في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا التي كانت الأتمتة فيها بطيئة.
