في حين أنّ جميع أصحاب المصلحة – أي سكان العالم – لديهم مصلحة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التحوّل المستدام والشامل للنظم الغذائية والزراعية، للحكومات دور مهم تضطلع به، بالنظر إلى الأدوات المتاحة لها للتأثير على الأسواق والحوافز والبنية التحتية والقوانين والأنظمة. ومع ذلك، فإنّ الجهود المبذولة لتحويل النظم الزراعية والغذائية – سواء بقيادة الحكومات أو بالشراكة معها – تحتاج إلى الاسترشاد بنتائج مشاركة أصحاب المصلحة.
وكخطوة أولى، يوفّر فهم توزيع التكاليف المستترة المحدّدة كمّيًا على مستوى فئات النظم الزراعية والغذائية سياقًا مهمًا للخطوات التالية الضرورية في تحويل النظم الزراعية والغذائية. ويبيّن التحليل التفصيلي للتكاليف الصحية المستترة الناجمة عن الأمراض غير المعدية بحسب فئة النظم الغذائية الزراعية الاختلافات في أهم المخاطر الغذائية، التي تطغى عليها الأنماط الغذائية المتدنية المحتوى من الحبوب الكاملة والتي تحتوي على نسبة عالية من الصوديوم من حيث الحجم. وتُعتبر التكاليف المستترة للأنماط الغذائية المتدنية المحتوى من الفواكه والخضروات الأعلى في فئتي الأزمات الطويلة الأمد والتقليدية، وتتراجع بمعظمها مع تحوّل البلدان نحو نظم غذائية وزراعية صناعية. وتظهر التكاليف المستترة الناجمة عن الأنماط الغذائية الغنية باللحوم الحمراء واللحوم المجهّزة مسارًا تصاعديًا باستمرار. وبالنظر إلى أنّ هذه المجموعات الغذائية والمغذّيات هي مكونات لنمط غذائي صحي، يمكن للبلدان أن تدمج عمليات التقييم هذه في تصميم الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية لمعالجة التكاليف الصحية الكمّية المستترة وضمان نمط غذائي صحي للجميع. ويناقش الفصل 4 بالتفصيل الأدوات التكميلية مثل التوسيم والمعلومات والإشارات التنبيهية والضرائب والإعانات.
ويستكشف هذا الفصل القدرات المالية والمؤسسية المختلفة بين النظم الزراعية والغذائية ويسلّط الضوء على الظروف الفريدة لتلك النظم الموجودة في فئة الأزمات الطويلة الأمد. وتوفر السيناريوهات العالمية والإقليمية والوطنية الإضافية فرصًا لاستطلاع المسارات المستقبلية المحتملة التي يمكن أن تساعد في رسم رؤية للتحوّل على المستويين العالمي والوطني. وفي حين أن هذا التحوّل العالمي هو عملية يمكن التطلع إليها، ستكون الالتزامات والإجراءات الوطنية بالضرورة اللبنات الأساسية للتغيير.
وتشدّد دراسات الحالة التي تبين نهج حساب التكاليف الحقيقية على المستوى الوطني على أهمية التشاور الشامل مع أصحاب المصلحة. وتُظهر دراسة حساب التكاليف الحقيقية المستهدفة التي أجريت في سويسرا أهمية إدماج تطبيقات حساب التكاليف الحقيقية في العمليات الوطنية القائمة بمشاركة واسعة النطاق من جانب أصحاب المصلحة ووفق نهج مرن. كما تسلّط الضوء على الحاجة إلى توسيع نطاق العمل المنجز في هذا التقرير ليشمل مجالات التكاليف المستترة الأخرى – على سبيل المثال، تدهور التربة أو التنوع البيولوجي أو مقاومة مضادات الميكروبات أو الواردات – التي قد تُعتبر ذات صلة باستدامة النظم الزراعية والغذائية الوطنية.
وتولّد النظم الزراعية والغذائية العالمية منافع لا تحصى لجميع الجهات الفاعلة، وإنما أيضًا تكاليف مستترة وعدم مساواة بين من يولّد التكاليف ومن ويتحمّلها، كما يتضح من النماذج التي نوقشت في هذا الفصل. وتتحمّل الحكومات الوطنية والمنظمات الحكومية الدولية مسؤولية ملحّة لتبيان أسباب عدم المساواة وتحديد كيفية نقل الموارد من المستفيدين الحاليين من إنتاج التكاليف المستترة إلى أولئك الذين يتحملون التكاليف. وتتعقد هذه المسؤولية وتتفاقم عندما يكون من يتحمّلون الكلفة في بلد مختلف أو حتى لم يولدوا بعد. ويناقش دور الحكومات بمزيد من التفصيل في الفصلين 3 و4، حيث يركّزان على قيمة التحوّل بالنسبة إلى الجهات الفاعلة في سلاسل الإمداد الغذائية وفي صفوف المستهلكين، على التوالي. وتُناقش في الفصل 5 العناصر الأكثر تعقيدًا على الإطلاق – التحديات في التوزيع والقيود على الاقتصاد السياسي التي يمكن أن تكبح عمل الحكومة.