يتطلّب الانتقال من النتائج المنشودة، مثل تلك المحدّدة في دراسة الحالة، إلى تبيان أدوات السياسة وتنفيذها دعمًا حكوميًا. ويتعين على الحكومات أن ترتّب الأهداف تبعًا لأولويتها، حيث من المحتم أن تبرز أوجه مقايضة أثناء تحوّل هذه النظم العالمية المعقدة. ويمكن لنهج حساب التكاليف الحقيقية أن يسهّل ترتيب الأدوات المختلفة بحسب أولويتها، من خلال النظر في جميع مؤشرات الأثر ذات الصلة وربط الآثار بوضوح بالمسارات من أجل التمييز بين من يتحمّل الكلفة ومن يولّدها. ويمكن تحقيق ذلك، إما من خلال عمليات تقييم حساب التكاليف الحقيقية بقيادة الحكومة أو من خلال تلك التي تُنفَّذ بالشراكة مع الحكومات. ويكمن أساس أي من النهجين في إشراك أصحاب المصلحة.
العمليات والالتزامات الوطنية القائمة أساسية للنهوض بحساب التكاليف الحقيقية في صنع السياسات
يمكن أن تتّخذ المرحلة الثانية من عمليات تقييم حساب التكاليف الحقيقية أشكالًا عديدة وأن تتفاوت من حيث نطاقها، كما هو ملخّص في الشكل 12 من تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023. وتُعتبر أكثر العمليات طموحًا وتعقيدًا، عمليات التقييم المستهدفة للنظم الغذائية والزراعية على المستوى الوطني، التي تتطلب بيانات وفيرة من أجل تخطي عمليات التقييم القائمة على مصادر البيانات العالمية المتاحة للجمهور. وبسبب هذا التعقيد، لم يدمج رسميًا أي بلد حتى الآن حساب التكاليف الحقيقية في عملية ترتيب الأولويات السياساتية على المستوى الوطني، مع أنّ العديد من البلدان تستخدم عمليات تقييم الكلفة مقابل الفائدة في صنع سياساتها، وبالرغم من أنّ الانتقال إلى حساب التكاليف الحقيقية لا يطرح بالضرورة تحديًا مهمًا.59، 60
واستجابة للانتباه الذي استقطبه إصدار عام 2023 من هذا التقرير لموضوع التكاليف المستترة للنظم الغذائية والزراعية، يواصل عدد من البلدان مع منظمة الأغذية والزراعة استطلاع إمكانية استخدام حساب التكاليف الحقيقية في المناقشات حول السياسات الوطنية. وعكفت إحدى دراسات الحالة التي كلّف بإجرائها لإصدار 2024 من تقرير حالة الأغذية والزراعة والمدعومة من المكتب الفيدرالي السويسري للزراعة على تقييم التكاليف المستترة المرتبطة بالنظم الزراعية والغذائية السويسرية على نحو منهجي، وأجرت تقييمًا مخصصًا للتكاليف المستترة لتحديد نقاط الدخول لصانعي القرار.
وتوفر دراسة الحالة السويسرية فهمًا مفصّلًا ومتقدّمًا لكيفية استكمال التقييم المخصّص لحساب التكاليف الحقيقية للالتزامات الوطنية القائمة المتعلقة بالأمن الغذائي والاستدامة. ويتمثّل أحد أهم العوامل الممكّنة لهذه العملية في وجود التزام وطني بتحويل النظم الزراعية والغذائية، ما يساهم في تحقيق هدف الحياد من حيث الكربون في البلد بحلول عام 2050 في جميع القطاعات وعلى مستوى المجتمع ككل، وهو التزام راسخ في القانون وكذلك في سياسة التغذية السويسرية، في أعقاب استفتاء جرى في يونيو/حزيران 2023.ي وتعترف هذه العملية بأوجه التكافل المعقدة في النظام الغذائي والزراعي للبلاد، وتشدّد على الاتساق في السياسات. وتُعدّ دراسة الحالة خطوة مهمة في العمل نحو تحقيق الرؤية السويسرية لعام 2050 بغرض توجيه عملية بلورة نقاط الدخول السياساتية لمسارات التحوّل. وبالإضافة إلى المصادقة على النتائج الوطنية لحساب التكاليف الحقيقية لتقرير حالة الأغذية والزراعة 2023، تكيّف الدراسة النتائج مع الاحتياجات الوطنية التي هي وليدة الالتزامات القائمة باستخدام فئات للتكاليف ومصادر بيانات أكثر صلة وقبولًا على المستوى المحلي.
وتتبع دراسة الحالة خطوات المرحلة الثانية من تقييم حساب التكاليف الحقيقية الموضحة في الشكل 11 من حالة الأغذية والزراعة 2023. وهي تستكشف، بدءًا بحدود النظام، ما إذا كان يجب أن يشمل التقييم التكاليف المستترة للواردات في النظم الزراعية والغذائية السويسرية (بما في ذلك الواردات من الأعلاف والأسمدة) وأن يستبعد بعض التكاليف المستترة للصادرات.ك ومن محفّزات هذا النقاش ملاحظة مفادها أنّ البلد يستورد حوالي 50 في المائة من أغذيته، وبالتالي اقترح بعض أصحاب المصلحة الاعتراف بالتكاليف المستترة لاستهلاك سويسرا ضمن النظم الزراعية والغذائية المترابطة عالميًا. ومن الطبيعي أن يؤدي توسيع حدود النظام بهذه الطريقة إلى العديد من الافتراضات الجديدة، من قبيل حجم التكاليف البيئية والاجتماعية والصحية المستترة المترتبة عن بلد شريك في التجارة والتي يمكن أن تتأتى عن إنتاج السلع المستوردة وأن تعزى إلى البلد المستورد وكيف يمكن خفضها. وقد تمت مناقشة هذه القرارات الصعبة بالتفصيل من خلال مشاورات مع أصحاب المصلحة، وتم حساب التكاليف المستترة للأغذية والأعلاف والأسمدة المستوردة باستخدام البيانات المتوفّرة ونهج مبسّط. وتوفر هذه التكاليف المستترة تقديرًا متدنيًا لأنها تستبعد التكاليف الصحية والاجتماعية المستترة للواردات، التي تتطلب بيانات وتحاليل أكثر تفصيلًا، تُترك لعمليات تقييم المرحلة الثانية من حساب التكاليف الحقيقية في المستقبل (الإطار 9).
الإطار 9التحديات والفرص أمام المشاورات مع أصحاب المصلحة كجزء من عمليات تقييم مخصصة لحساب التكاليف الحقيقية: أفكار من سويسرا
تم إجراء عملية تشاور مع أصحاب المصلحة في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 ومايو/أيّار 2024 كجزء من التقييم المستهدف للتكاليف المستترة للنظم الغذائية والزراعية السويسرية. وكان المشاركون من ممثلي أصحاب المصلحة من مراكز البحوث السويسرية، والمؤسسات الأكاديمية، ومنظمات المنتجين، ومنظمات المستهلكين، والوزارات، ومنظمة الأغذية والزراعة.
وتضمنت العملية اجتماعًا تمهيديًا وثلاثة اجتماعات للرصد شارك فيها جميع أصحاب المصلحة المذكورين أعلاه، إلى جانب اجتماعات إضافية حول مسائل محددة، بحسب الاقتضاء، إما بشكل ثنائي أو في إطار مجموعات مصغّرة. وقد مكّن ذلك من جمع مدخلات من مجموعة واسعة جدًا من الخبراء لتوضيح وصقل هيكل وسرد دراسة الحالة، وشحذ الحجج المقدمة، وتسليط الضوء على توقعات مختلف الخبراء والمؤسسات المعنية، وتحديد و معالجة الثغرات والصيغ غير الواضحة عند الحاجة.
وتمثّل التحدي الرئيسي في جعل المجموعة شاملة قدر الإمكان. وانطوى التحدي الأساسي خلال المشاورة على إجراء مناقشات حول مواضيع معقدة مع مشاركين من خلفيات متنوّعة؛ وشملت المواضيع كيفية تحديد فئات التكاليف المختلفة، وتحديد التكاليف التي ينبغي تسميتها "خارجية" أو "مستترة"، وأنواع التكاليف التي تستدعي تدخلًا حكوميًا. وعُقدت أيضًا مناقشات حول المسؤوليات للعمل، على سبيل المثال، على التكاليف المستترة الصحية بفعل الأنماط الغذائية، ومدى مسؤولية فرادى المستهلكين أو الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية عنها. وبسبب الطابع المعقّد لنهج حساب التكاليف الحقيقية، برز اختلاف حول التكاليف الإضافية التي ينبغي إضافتها إلى تلك الواردة في تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023 وما إذا كان من الأفضل استهداف تغطية أكثر دقة لفئات التكاليف القائمة أو تغطية أوسع عبر تلك الإضافية.
وبرزت توقعات مختلفة في ما يتعلق بمحتوى التقرير وأهدافه وأثره، نظرًا إلى الخلفيات المتنوعة للمشاركين. واختلفت آراء الخبراء والمؤسسات، إلى حدّ ما، بشأن ما ينبغي أن يغطّيه التقرير وما يهدف إلى تحقيقه. وقد تجلّى ذلك، على سبيل المثال، في اختلاف وجهات النظر بشأن كيفية صياغة اقتراحات ملموسة حول الإجراءات السياساتية، واعتماد التركيز على المستهلك أو المنتج أو سلسلة القيمة العامة بصورة قوية. وظهرت كذلك بعض التحفظات بشأن كيفية استخدام الأرقام في المنتديات العامة، ما يؤكّد على أهمية تعميم الاستنتاجات المعقدة بطريقة بسيطة وفي سياقها لتحاشي سوء الاستخدام.
وبرزت مسألة حرجة بشكل خاص تتعلق بالتكاليف المستترة المرتبطة ببعض الجهات الفاعلة، وهي مسألة يمكن بسهولة أن يتمّ الخلط بينها وبين توجيه الاتهامات من دون مبرّر. كما ظهرت آراء مختلفة بشأن كيفية التعامل مع المواضيع التي اعتُبرت مهمة، ولكن بسبب نقص البيانات، لم يكن ممكنًا إدراجها بنفس القدر الكمي كتلك التي تمّت تغطيتها. وقد يؤدي عدم شمل مواضيع كهذه إلى تحديد قيمة صفرية غير صحيحة لها، بشكل ضمني. لذلك، تم إدراج هذه المواضيع بحذر على أساس عمليات تقييم نوعية، حيثما أمكن، لنقل رسائل غير متحيزة.
وأسفرت عملية التشاور مع أصحاب المصلحة عن عدد من النتائج المهمة. أولًا، حثت المشاركين على استطلاع الأماكن التي يمكن أن تتوفر فيها بيانات للتقييم الإضافي وأي من الخبراء يمكن الاتصال بهم للحصول على تفاصيل حول المواضيع محل الاهتمام، بحيث يتم سدّ الثغرات المهمة في عمليات تقييم التكاليف المستترة أو الاعتراف بها. واعتبرت العملية شفافة للغاية – حيث تمكّن جميع المشاركين من المساهمة في تقييم شامل ومقبول على نطاق واسع، وإرساء أسسه. وهذا لا يعني أنّ جميع الخبراء وافقوا على القرارات المتخذة بشأن جوانب معينة في التقرير النهائي، ولكن العملية أتاحت فرصة للتفاهم المتبادل بشأن أي قرار، ما يشكل أساسًا جيدًا لمشاركة جميع أصحاب المصلحة في الحوار السياساتي الوطني في المستقبل بشأن التكاليف المستترة للنظم الغذائية والزراعية.
وتم تحديد مواضيع إضافية ذات صلة محتملة بتقديرات التكاليف المستترة السويسرية بناءً على مراجعة المداولات الرئيسية الجارية في الحوار الوطني بشأن الأغذية والزراعة والأطر التنظيمية القائمة والمقرّرة لرصد الاستدامة. وتشمل هذه المواضيع مبيدات الحشرات، ومقاومة مضادات الميكروبات، وخدمات النظم الإيكولوجية (شأن التنوع البيولوجي)، وجودة التربة، ورفاه الحيوان. وحتى في السياقات الزاخرة بالبيانات مثل سويسرا، يختلف مدى تقييم هذه المكونات الجديدة وإدماجها في حساب التكاليف الحقيقية. وتُدرج التكاليف المستترة لبعض المكونات بناءً على دراسات متوافرة، فيما يقاس البعض الآخر على أساس عدّة افتراضات مبسطة، ويتم في الوقت نفسه، وضع القياس الكمّي لمجموعة مختارة باستخدام قواعد بيانات وطنية عالية الدقة.
وتوفر النتائج مصادقة أولية على التكاليف المستترة المحددة كمّيًا في حالة الأغذية والزراعة 2023 وتبيّن أنّ عمليات التقييم على المستوى الوطني لمكونات التكاليف المستترة نفسها تقع ضمن حدود عدم اليقين التي تحيط بتقييم عام 2023 لسويسرا. وتحدد الدراسة أين تنشأ أكبر التكاليف المستترة من أجل الإشارة إلى نقاط الدخول لمسارات تحوّل النظم الزراعية والغذائية في سويسرا. وتوجّه تقديرات التكاليف المستترة المنقحة والمعدّلة رسالة بسيطة نسبيًا: يمكن أن تركز نقاط الدخول الرئيسية للعمل من أجل تحويل النظم الغذائية على الأنماط الغذائية والتنوع البيولوجي وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتبرز رسالة رئيسية أخرى تتمثل في ضرورة اتباع نهج عملي لإدماج نتائج عمليات التقييم المستهدفة في عملية صنع القرار. وقد تقتضي فئات الكلفة المستترة، التي تُعتبر اليوم يسيرة نسبيًا، اتخاذ إجراءات مبكرة للحؤول دون تحوّلها إلى مشاكل مستعصية غدًا، مثل ندرة المياه ومقاومة مضادات الميكروبات وخصوبة التربة.
ومع أنّ التكاليف الاجتماعية المستترة للنظم الغذائية والزراعية السويسرية تعدّ صفرية في التقديرات على المستوى الوطني (بفعل استخدام خط الفقر المعتدل العالمي وانتشار إحصاءات النقص التغذوي)، إلّا أنّ هذا لا يعني غياب التكاليف الاجتماعية المستترة على أساس المعايير الوطنية. وقد نوقشت مواضيع ظروف العمل اللائق وأجور ودخل العمال الزراعيين والمزارعين، كما يُنظر إليها في السياق الأعم للإنصاف والعدالة في المجتمع السويسري واقتصاده. وبالتالي، يوصى بعمليات تقييم المرحلة الثانية لحساب التكاليف الحقيقية المستهدفة لتعديل الحدود الدنيا المستخدمة في الإحصاءات العالمية، وإدراج مجالات التكاليف المستترة الأخرى بحسب الاقتضاء لتلقّف أبعاد التكاليف المستترة ذات الصلة على المستوى الوطني، التي تكتسي أهمية معنوية مركزية للمجتمع. غير أنّ الإسناد إلى النظم الزراعية والغذائية ينبغي أن يُقيَّم بعناية، حيث إن بعض هذه القضايا قد يتصل بالعدالة في سوق العمل بشكل عام، بدلًا من أن تكون نقاط دخول لتحويل النظم الزراعية والغذائية.
التشارك مع الحكومات لمعالجة التكاليف المستترة
في غياب عمليات تقودها البلدان لتقييم حساب التكاليف الحقيقية، في ما عدا التقييم الخاص بسويسرا، دخلت مبادرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في شراكة مع الحكومات لمعالجة التكاليف المستترة للنظم الغذائية والزراعية.
وتم إطلاق اقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي في عام 2008 بهدف إثراء عملية صنع القرار ونتائج السياسات من خلال اكتساب فهم أفضل لآثارنا واعتمادنا على العالم الطبيعي.61 ويوفر استخدام إطار تقييم الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في العديد من البلدان المزيد من الأمثلة حول كيفية الجمع بين العملية التشاورية لبناء السيناريوهات وحساب التكاليف الحقيقية. وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، تعمل مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي مع الحكومات في سبعة بلدان منذ عام 2019.ل وهي تعتمد استراتيجية شاملة للتدخل السياساتي من أجل تحويل النظم الزراعية والغذائية. وبعد مرحلة استكشافية لجمع الأفكار الوثائقية، وتحديد أصحاب المصلحة وإجراء تقييم أولي للتدخلات السياساتية، تُرسم الخرائط المتعلّقة بالسياسات لتحديد تلك ذات الصلة وآليات إدارتها. ويتم بعد ذلك تصميم المشاريع التجريبية وتحسينها لتكون بمثابة نماذج لسيناريوهات التدخل السياساتي. ويسهّل التعاون مع تحالف العواصم مشاركة قطاع الأعمال بهدف فهم الآثار الاقتصادية والإيكولوجية لدمج عمليات تقييم رأس المال الطبيعي والتنوع البيولوجي في عمليات صنع القرار على مستوى الشركات.62
ويشكّل تحليل السيناريوهات جانبًا في منتهى الأهمية، حيث يعرض الأساس المنطقي للتغيير من خلال وضع سيناريوهات السياسات نسبة إلى الوضع الراهن، باستخدام إطار تقييم الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي. ويتمّ وضع خارطة طريق للتغيير لتحديد العوامل الرئيسية ومسببات التغيير، وتقييم المخاطر المرتبطة بها، وبلورة الخطوات الملموسة للتنفيذ. وأخيرًا، يجري تنفيذ مبادرات الاتصال والتوعية لتعزيز الوعي والفهم لأهمية إدماج قيم الطبيعة (المستترة والظاهرة) في عملية صنع القرار الحكومية والمؤسسية، فضلًا عن التعليم.
وبفعل المشاورات المخصصة بشأن أهداف سياساتية مع الحكومة وأصحاب المصلحة الآخرين، لا توجد دراستان متماثلتان لمبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي. ومع أنّ معظم الدراسات تتّسم بنطاق ضيق نسبيًا، من قبيل نظم الإنتاج الأولية المتخصصة أو استدامة المنتجات الرئيسية في سلاسل الإمداد الغذائية الوطنية، إلّا أنّ بعضها يحظى بنطاق أوسع. فعلى سبيل المثال، من خلال الانخراط الواسع والمستدام لأصحاب المصلحة في الهند منذ عام 2019، تمت مواءمة أهداف الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي مع رؤية الحكومة لتحويل النظم الزراعية والغذائية، بدءًا من ثلاث ولايات وتوسّعت لتشمل تسعة كيانات وطنية. ويتم الآن استخدام مبادئ حساب التكاليف الحقيقية لتعزيز إدماج قيمة الطبيعة في عملية صنع القرار الحكومية، بما في ذلك إدراج حساب التكاليف الحقيقية في الدورات الجامعية في أربع جامعات مركزية و51 جامعة حكومية زراعية بحلول عام 2025. ويستفيض الفصل 4 في أهمية التعليم في رسم ملامح تفضيلات المستهلكين حاضرًا ومستقبلًا.
ومن باب التشابه، أدت مشاورات أصحاب المصلحة مع العديد من الوزارات بإدارة مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في البرازيل إلى توسيع نطاق استخدام مبادئ حساب التكاليف الحقيقية من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني. وبلغت ذروتها مع وضع مرسومين رئاسيين في عام 2023 – البرنامج الوطني للزراعة الحضرية وشبه الحضرية، واستراتيجية الأمن الغذائي والتغذوي للمدن. وأفضت مشاورة واسعة النطاق مع أصحاب المصلحة إلى وضع دليل وطني لخطط الزراعة الحضرية وشبه الحضرية التي تساهم في تعزيز الأمن الغذائي والتغذوي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والقدرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ، مع آثار إيجابية صافية على الطبيعة والسكان.
ويوفّر الإطار 10 تفاصيل إضافية عن كيف أدّت المشاورات مع أصحاب المصلحة على المستوى الوطني إلى تحقيق أثر في السياسات في الهند والبرازيل.
الإطار 10المشاورات مع أصحاب المصلحة في مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي وقصص النجاح: أمثلة من الهند والبرازيل
مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في الهند
في الهند، جرت عملية التشاور مع أصحاب المصلحة بشأن مشروع مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي على مدى ثلاث جلسات افتراضية في يوليو/تموز 2020، شارك فيها حوالي 120 مشاركًا. وقد وفّرت حلقة العمل التأسيسية منصة مهمة لأصحاب المصلحة الرئيسيين، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الأكاديمية، والخبراء، ومجموعات المزارعين، والمنظمات الدولية، لتشكيل مجالات تركيز سياساتي بصورة تعاونية.
واتّخذ قرار بتركيز تطبيق سياسة مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي على ثلاث ولايات (أوتار براديش وأوتاراخاند وآسام)، بهدف توسيع نطاق الزراعة العضوية ونظم الحراجة الزراعية واعتمادها على مستوى المناطق الزراعية الإيكولوجية غير المتجانسة. ويُعزى هذا الخيار جزئيًا إلى الحاجة إلى تقديم أدلة عن التقييم الاقتصادي لدعم السياسات والبرامج الوطنية القائمة، من قبيل البعثة الوطنية لتنظيف نهر الجانج، وبرنامج بارامباراجات كريشي فيكاس يوجانا (خطة التنمية الزراعية التقليدية)، وبعثة تطوير سلسلة القيمة العضوية للإقليم الشمالي الشرقي، والسياسة الوطنية للحراجة الزراعية.
وقد أنشئت لجنة توجيهية للمشروع على المستوى الوطني لمواءمة أهداف مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي مع رؤية الحكومة لتحويل النظم الزراعية والغذائية، تشترك في رئاستها وزارة البيئة والغابات وتغيّر المناخ، ووزارة الزراعة ورفاه المزارعين. وقد أتاح إنشاء اللجنة التوجيهية باستخدام نهج متعدد القطاعات المساهمة في الأولويات الوطنية، بما في ذلك التحوّل المستدام للنظم الغذائية والزراعية، والإنتاج الزراعي، وإدارة الموارد الطبيعية، وصون التنوع البيولوجي، وتطوير مستجمعات المياه، وتعزيز دخل المزارعين. وجرت بشكل دوري مشاورات على مستوى الولاية وعلى الصعيد الوطني لصقل الجوانب الفنية لمشروع مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي، وتكييفه مع الاحتياجات السياساتية، وتشاطر الاستنتاجات وتعزيز المناقشات، من أجل تحفيز التغيير عبر سلسلة القيمة برمّتها.
من عام 2019 إلى عام 2023، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، وسّع المشروع نطاقه بشكل ملحوظ، بالتعاون مع تسعة كيانات على المستوى الوطني. وحققت مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في الهند إنجازات بارزة في تعزيز إدماج قيم الطبيعة في عملية صنع القرار الحكومي. وأصبحت مبادئ حساب التكاليف الحقيقية، بما في ذلك إطار تقييم مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي، راسخة الآن في مؤسسات البحوث الزراعية الحكومية الرائدة، حيث يتولى المجلس الهندي للبحوث الزراعية قيادة التكامل الوطني لمبادئ مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي. وقد ساهم المشروع في إرشاد السياسات الوطنية بشأن الزراعة المستدامة على نطاق أعمّ، كما يتضح من سعي وزارة الزراعة ورفاه المزارعين للحصول على مدخلات برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن حساب التكاليف الحقيقية ومبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي لمبادرات متنوّعة: (1) الإطار الطوعي لسوق الكربون لقطاع الزراعة؛ (2) والخطوط التوجيهية التشغيلية للزراعة القادرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ في الهند؛ (3) وتنقيح السياسة الوطنية للحراجة الزراعية ووضع خارطة طريق مستقبلية للحراجة الزراعية. بالإضافة إلى ذلك، تم تضمين إطار تقييم مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في خلاصة مجموعة الدول العشرين لأفضل الممارسات لإصلاح المناطق المتضررة بفعل حرائق الغابات.
مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في البرازيل
في البرازيل، ساهم التعاون بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة وعدة وزارات (البيئة، والتنمية الريفية، والتنمية الاجتماعية، والعمل والعمالة) بشأن استخدام إطار تقييم مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي في صدور مرسومين رئاسيين: البرنامج الوطني للزراعة الحضرية وشبه الحضرية ( المرسوم 11.700/2023) واستراتيجية الأمن الغذائي والتغذوي للمدن (المرسوم 11.822/2023).63، 64 ووضعت هذه الجهات معًا دليلًا لخطط الزراعة الحضرية وشبه الحضرية،65يستخدم إطار تقييم مبادرة الأغذية والزراعة لاقتصاد النظم الإيكولوجية والتنوّع البيولوجي كمرجع رئيسي للحوكمة المتعددة المستويات (مستوى البلدية والولاية والمستوى الفدرالي) للنظم الغذائية الحضرية من أجل الأمن الغذائي والتغذوي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والقدرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ، والآثار الإيجابية الصافية على الطبيعة والسكان.
وعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشكل متكرر، بدءًا بالتركيز على الطلب على السياسات على المستوى المحلي. وقيّمت دراسة أجراها معهدان – هما معهد إسكولهاس ومعهد أوربيم - بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة في ساو باولو، خدمات النظم الإيكولوجية المتعلقة بـالزراعة الحضرية وشبه الحضرية. وجاءت هذه الدراسة المهمة في الوقت المناسب، حيث كانت ولاية وبلدية ساو باولو بصدد وضع تشريعات حول خدمات النظم الإيكولوجية، وسعتا إلى إشراك المزارعين. وبعد تحديد إمكانات الزراعة الحضرية وشبه الحضرية المستدامة كحل قائم على الطبيعة للمناظر الطبيعية الحضرية على المستوى المحلي، عُرضت هذه النتائج على وزارة المواطنة على المستوى الوطني. وتمثّلت الخطوة الرئيسية التالية في دعوة من برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى إدماج الزراعة الحضرية وشبه الحضرية في عملية التخطيط الحضري. ولهذا الغرض، أنشأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة وشريكه البحثي، مركز الاستدامة التابع لمؤسسة جيتوليو فارجاس، لجنة توجيهية وتقنية تضم حوالي 60 من أصحاب المصلحة من المجتمع المدني، ومجموعات البحوث، والبلديات، والولايات، والحكومة الفيدرالية، مع توازن جيّد بين الجنسين (أكثر من 50 في المائة من المشاركين كانوا من النساء) وممثلين من جميع الأقاليم في البرازيل. بالإضافة إلى ذلك، أُدمجت أكثر من 100 مساهمة من عملية التشاور العامة الأوسع نطاقًا في الوثيقة النهائية.
وكانت النتيجة عبارة عن دليل حول الزراعة الحضرية وشبه الحضرية مكتوب بلغة عامة السكان، يقدّم مجموعة من الأدوات للنهوض بالزراعة الحضرية وشبه الحضرية، وفقًا لحجم المدينة وقدراتها الإدارية، فضلًا عن مستوى التعاون مع المجتمع المدني، والسماح بالتباين في الظروف الإيكولوجية والثقافية والاقتصادية المحلية. واستُكمل هذا الدليل لاحقًا بمسح شمل 67 مدينة تطبّق برامج الزراعة الحضرية وشبه الحضرية، واستُخدمت نتائج المسح لتوفير مسارات محتملة للتنسيق بين السلطات الحكومية على المستوى الوطني ودون الوطني. واجتذب هذا المزيج من الأدلة الدامغة من تطبيقات الزراعة الحضرية وشبه الحضرية، والمشاركة الاجتماعية الواسعة التي حققتها عملية الدعوة ثلاث وزارات إضافية إلى برنامج الوطني للزراعة الحضرية وشبه الحضرية، ما أدى إلى صرف مزيد من الأموال وتعزيز العمل التآزري.