حالة الأغذية والزراعة 2024

الفصل 4 تسخير دور المستهلكين لتحويل النظم الزراعية والغذائية

الآثار الناجمة عن أنماط الاستهلاك

تولّد أنماط الاستهلاك تكاليف مستترة من خلال: (1) المسار الصحي، حيث تساهم نماذج الأنماط الغذائية غير الصحية في نقص التغذية والأمراض غير المعدية، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان سنوات الحياة المنتجة والصحية؛ (2) والمسار الاجتماعي، حيث يؤدي الفشل في توزيع الإمدادات الغذائية وعدم كفاية إيرادات العاملين في قطاع الأغذية والزراعة إلى نقص تغذوي، كما ورد في الفصل 1. وتنتشر التكاليف المستترة الناجمة عن ذلك في جميع مجالات التأثير – البيئية والاجتماعية الاقتصادية والصحية – لتشكل شبكة مترابطة من الآثار. إضافة إلى ذلك، يتأثر كل مجال من مجالات التأثير هذه بمسارات أخرى غير مرتبطة بالأنماط الغذائية الصحية، مثل سوء استخدام مبيدات الآفات في الإنتاج الأولي، الأمر الذي يسفر عن فقدان التنوع البيولوجي وأخطار مهنية ونتائج صحية سيئة. ولكن، يركّز هذا الفصل على الطريقة التي يمكن فيها للتغيّرات في أنماط الاستهلاك أن تحقق التحوّل في النظم الزراعية والغذائية من خلال استكشاف العلاقات بين الأنماط الغذائية وهذه الآثار المترابطة.

فمن منظور بيئي، يتفق الباحثون على أن تحقيق الاستدامة في النظم الزراعية والغذائية يتطلب أكثر من مجرد تحويل أساليب الإنتاج.20 ويسلّط تقرير صادر عن لجنة EAT–Lancet الضوء على الأنماط الغذائية باعتبارها أساسية لتحويل النظم الزراعية والغذائية وليس فقط لما تحدثه من آثار صحية،21 وتتشارك بحوث أخرى الاستنتاجات التي تربط الأنماط الغذائية بالبيئة.2225 وفي حين تقرّ الدراسة بأن تدابير زراعية أخرى تقلل من الآثار السلبية، فهي تقول إنه لا يمكن إقامة نظم زراعية وغذائية مستدامة فقط من خلال إحداث تحسينات في جانب الإنتاج. وتبيّن البحوث أنه يمكن للتحوّلات في الأنماط الغذائية، مثل الحد من استهلاك المنتجات الحيوانية في البلدان التي يكون فيها هذا الاستهلاك مرتفعًا بشكل مفرط، أن تخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل ملحوظ وأن تخفف من الأضرار البيئية الأخرى مثل فقدان التنوع البيولوجي وتغيير استخدام الأراضي والجريان السطحي للمغذّيات.2533

وتميل هذه النقاشات إلى الغرق في الجدل لأنها تستند إلى أنماط الاستهلاك التاريخية في البلدان الصناعية أو في مرحلة انتقالية والتي ألحقت أضرارًا جسيمة بالبيئة في جميع أنحاء العالم بسبب الطابع المترابط للنظم الزراعية والغذائية. ويطرح ذلك تساؤلات بشأن الإنصاف في قضايا التوزيع بين الأطراف التي تنتج التكاليف والأطراف التي تتحمّلها. ونتيجة لذلك، من المهم الاعتراف بعدم تجانس جودة الأنماط الغذائية حول العالم؛ إضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى زيادة استهلاك المنتجات الحيوانية في بعض الأماكن للتوصّل إلى نمط غذائي ملائم من حيث المغذّيات، ولا يمكن توزيع عبء التصدي للأضرار البيئية الحالية توزيعًا متساويًا.

وفي بنغلاديش التي لديها نظم زراعية وغذائية تقليدية، تكشف دراسة بشأن التحوّل المحتمل إلى أنماط غذائية صحية عن وجود مقايضات بين المؤشرات البيئية والاجتماعية الاقتصادية والصحية.34 فقامت الدراسة بمقارنة التحوّل من الأنماط الغذائية الحالية (التي تحتوي على نسبة عالية من المنتجات الحيوانية والسكر ونسبة قليلة من الخضار والفاكهة والبقوليات والجوزيات) إلى النمط الغذائي المبيّن في دراسة EAT–Lancet أو إلى نمط غذائي قائم على الخطوط التوجيهية بشأن الأنماط الغذائية القائمة على الأغذية بين عامي 2022 و2050. ولوحظ أن النمط الغذائي الذي يحتوي على نسبة أكبر من البروتينات النباتية ونسبة أقلّ من الأغذية الأساسية لديه آثار صحية إيجابية فضلًا عن تأثيرات إيجابية على معظم مؤشرات البصمة البيئية. ولكن، هناك مقايضات بيئية بين النمط الغذائي الخاص بدراسة EAT–Lancet والنمط الغذائي القائم على الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية، حيث يؤدي النمط الأول إلى زيادة استخدام الأراضي والفوسفور فيما يؤدي الثاني إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية، كانت نتائج سيناريو النمط الغذائي القائم على الخطوط التوجيهية بشأن النظم الغذائية القائمة على الأغذية هي الأفضل من حيث أهداف الاكتفاء الذاتي الوطنية، والقدرة على تحمّل كلفة الحبوب، والأجور المنخفضة المهارات، الأمر الذي يؤكد على أهمية تكييف الخطوط التوجيهية العالمية مع الاحتياجات المحلية والأولويات الوطنية.

وتعبّر الآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية المختلفة المرتبطة بالاستهلاك عن طبيعة سوء التغذية المتعددة الأوجه والتي تشمل عدم كفاية المتناول من المغذّيات والإفراط في تناولها على السواء، وعدم توازن مستويات المغذّيات الأساسية، والعوائق أمام استخدام المغذّيات بسبب حالات المرض المتكررة.4، 35 ويتجلّى سوء التغذية في شكل نقص التغذية – أي نقص الوزن بالنسبة إلى العمر، أو قصر القامة بالنسبة إلى العمر (التقزّم)، أو النحافة الزائدة بالنسبة إلى الطول (الهزال)، أو نقص الفيتامينات والمعادن (المعاناة من نقص في المغذّيات الدقيقة) – وكذلك في الوزن الزائد والسمنة.4 وتواجه بلدان عديدة عبئًا مزدوجًا لسوء التغذية، حيث يتواجد نقص التغذية جنبًا إلى جنب مع الوزن الزائد أو السمنة أو الأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي.36، 37 وفي حين يتناقص معدل انتشار العبء المزدوج لسوء التغذية عبر مختلف أنواع النظم الزراعية والغذائية (من 70 في المائة في البلدان التي لديها نظم زراعية وغذائية تشهد أزمة طويلة الأمد وتقليدية إلى 27 في المائة في النظم الزراعية والغذائية الآخذة في التوسّع، وصفر في المائة في النظم الزراعية والغذائية ذات الطابع الرسمي والصناعية)، يزيد معدل انتشار السمنة والوزن الزائد لدى البالغين (من 30 في المائة إلى حوالي 60 في المائة).37

وتنتشر الأنماط الغذائية غير الصحية في جميع فئات الوزن. فيمكن أن يستهلك الأفراد الذين لديهم وزن صحي أنماطًا غذائية تحتوي على نسبة قليلة من الأغذية الصحية ونسبة عالية من الأغذية أو المغذّيات غير الصحية (مثلًا، نسبة عالية من الصوديوم). وبموازاة ذلك، يمكن أن يستهلك الأفراد الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة، أنماطًا غذائية صحية. ونتيجة لذلك، يمكن أن يكون وزنهم أكثر استجابة لعوامل أخرى (مثل التغيّرات في عادات نمط الحياة). ويعرض الإطار 23 الذي يستخدم بيانات أسلوب استرجاع الغذاء المستهلك لمدة 24 ساعة في إثيوبيا والفلبين والمكسيك – وهي بلدان لديها أنواع مختلفة من النظم الزراعية والغذائية – دراسة حالة عن الطريقة التي ترتبط فيها جودة الأنماط الغذائية لسكان هذه البلدان بخطر الإصابة بأمراض غير معدية وبالوزن.

الإطار  23تقييم جودة الأنماط الغذائية من خلال أسلوب استرجاع الغذاء المستهلك لمدة 24 ساعة والعلاقات بالوزن الزائد والسمنة وعوامل خطر الأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي

توفر بيانات العبء العالمي للمرض نهجًا ملائمًا لتقدير الاتجاهات العالمية بالاستناد إلى تقديرات سنوات العمر المعدَّلة مراعاة لعامل العجز، ولكن هناك حدود للبيانات الغذائية المدرجة والتي تستند إلى عدّة مصادر وطنية وأسرية على النحو المشار إليه في الإطار 4. وعندما تتوافر البيانات، يمكن تقدير التكاليف المستترة بالاستناد إلى عوامل الخطر الغذائية الفردية وباستخدام بيانات متينة بشأن المتناول الغذائي. وتُعدّ درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية مقياسًا شاملًا لجودة الأنماط الغذائية يتم التحقق منه بمقارنته مع عدم كفاية المغذيات ومخاطر أمراض مختارة غير معدية مرتبطة بالنمط الغذائي باستخدام دراسات استقصائية تمثيلية على المستوى الوطني.38 وتكون هذه الدراسات الاستقصائية الوطنية ملائمة لاستخدام حساب التكاليف الحقيقية من أجل توجيه الخيارات السياساتية في سياقات مستهدفة محددة. وتوفر دراسة الحالة المعروضة هنا تحليلًا مفصلًا للعلاقات بين الأنماط الغذائية والوزن الزائد والسمنة وعوامل خطر* الأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي من خلال حساب درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية باستخدام بيانات المتناول الغذائي الفردي لمدة 24 ساعة لدى البالغين الذين يزيد عمرهم عن 20 سنة والتي تم استخراجها من الدراسات الاستقصائية التمثيلية على المستوى الوطني في كل من إثيوبيا والفلبين والمكسيك.3941

وتشير النتائج إلى أن معظم السكان البالغين في الدراسات الاستقصائية الثلاث معرّضين لمخاطر متوسطة ومرتفعة للإصابة بأمراض غير معدية، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى الاستهلاك المحدود جدًا للمجموعات الغذائية الصحية التي تقي من مخاطر هذه الأمراض (الشكل ألف). وتستحوذ إثيوبيا التي تندرج في فئة النظم الزراعية والغذائية التي تشهد أزمة طويلة الأمد، على نصيب أصغر من فئة المخاطر العالية مقارنة بالبلدين الآخرين، ولكن تشير النتائج المرتقبة من دراسة استقصائية للفترة 2021/2022 إلى حدوث زيادة كبيرة في هذا النصيب منذ الدراسة الاستقصائية لعام 2011. وكما هو مبيّن في الشكل ألف، تسجّل إثيوبيا الدرجة الأعلى على مقياس درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى الاستهلاك القليل جدًا للمجموعات الغذائية غير الصحية (GDQS−) بالرغم من التنوع المحدود جدًا للمجموعات الغذائية الصحية المستهلكة (GDQS+). وعندما تتطوّر النظم الزراعية والغذائية، يزيد تنوع المجموعات الغذائية الصحية المستهلكة وكميتها، ولكن يقابل ذلك في الكثير من الأحيان بزيادات أكبر في تنوع المجموعات الغذائية غير الصحية وكميتها. ويتسق ذلك مع معدلات الوزن الزائد والسمنة المنخفضة في إثيوبيا (7.2 في المائة في عام 2011) والمرتفعة في المكسيك (71 في المائة في عام 2012) والفلبين (31.1 في المائة في عام 2013) – علمًا بأن النظم الزراعية والغذائية لهذه الأخيرة مصنّفة بأنها آخذة في التوسّع فيما تصنّف في المكسيك بأنها آخذة في التنوع.

ويظهر التحليل وجود بعض أوجه القصور في استخدام عوامل خطر الوزن الزائد والسمنة والأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي، كمؤشرات عند حساب التكاليف الصحية المستترة. فأولًا، لا تكون جودة الأنماط الغذائية لمجموعات الأفراد الذين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة داخل البلدان أدنى من جودة الأنماط الغذائية للأفراد الذين لديهم وزن صحي (كما تبيّنه أنماط عوامل خطر الأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي في الشكل باء). وثانيًا، عند استخدام البيانات الاستقصائية الوطنية المستمدة من الفلبين، تشير انحدارات السكر في الدم عند الصيام وانحدارات ضغط الدم باعتبارها متغيّرات تعتمد على جودة النمط الغذائي (مع التحكم بمؤشر كتلة الجسم والمتغيّرات الاجتماعية الديمغرافية) إلى أن تأثيرات درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية أصغر بشكل عام وليست مهمة، وربما يعزى ذلك إلى استخدام بيانات متقاطعة (أي العلاقة السببية العكسية) وتقييم المتناول الغذائي في يوم واحد (الذي قد يحد من إمكانية فهم توجه العلاقات السببية).

سلّط تقدير التكاليف المترتبة عن الأنماط الغذائية غير الصحية الضوء على الحاجة الملحة إلى معالجة جودة الأنماط الغذائية. ففي إثيوبيا، زادت معدلات الوزن الزائد أو السمنة لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و49 سنة من 7.2 في المائة في عام 2011 إلى 12.0 في المائة في عام 2023، وتشير نتائج الدراسة الاستقصائية للفترة 2021/2022 إلى أن جودة الأنماط الغذائية قد تدهورت (كما تقيسها درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية العامة).

ولتوجيه سياسات النظم الزراعية والغذائية التي تمكّن الحصول على أنماط غذائية صحية واستهلاكها، توفر الدراسات الاستقصائية التمثيلية على المستوى الوطني معلومات حاسمة بشأن العلاقات السببية بين نماذج الأنماط الغذائية والنتائج الصحية والتكاليف المستترة ذات الصلة. ولتحسين هذه التقديرات وقدرتها على إثراء الخيارات السياسية، يلزم توفير أدلة أفضل على آثار القياسات الرامية إلى زيادة إنتاج الأنماط الغذائية الصحية والحصول عليها، وعلى آثار القياسات التي تهدف إلى تنظيم المتناول الغذائي لتخفيف أو تجنب استهلاك الأغذية التي تحتوي على نسبة عالية من السكريات والملح والدهون والطاقة، وعلى نسبة قليلة من المغذّيات، مثل الألياف والمغذّيات الدقيقة.

الشكل ألف درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية ومقاييسها الفرعية بحسب البلدان

ملاحظات: تتراوح درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية بين صفر و49 وتستند إلى 25 مجموعة غذائية، منها 16 مجموعة تعتبر صحية، و7 غير صحية، ومجموعتين اثنتين تعتبران غير صحيتين إذا تم استهلاكهما بشكل مفرط. ويتم منح نقاط إضافية لاستهلاك المزيد من المجموعات الغذائية الصحية والقليل من (أو عدم استهلاك) المجموعات الغذائية غير الصحية. ولقد تمت المصادقة على النقاط الفاصلة لدرجة جودة الأنماط الغذائية العالمية - فترتبط الدرجات التي تساوي أو تزيد عن 23 بانخفاض خطر عدم كفاية المغذّيات والنتائج المرتبطة بالأمراض غير المعدية، فيما تشير الدرجات التي تساوي أو تزيد عن 15 وتقلّ عن 23 إلى وجود خطر معتدل والدرجات التي تقلّ عن 15 إلى وجود خطر مرتفع.
المصدر: من إعداد المؤلفين.

الشكل باء عدم كفاية المغذيات وخطر الأمراض غير المعدية المرتبطة بالنمط الغذائي باستخدام درجة جودة الأنماط الغذائية العالمية بحسب مؤشر كتلة الجسم في إثيوبيا والمكسيك والفلبين

المصدر: من إعداد المؤلفين.

وإن التكاليف الاجتماعية المستترة للنقص التغذوي – أي الحالة التي يكون فيها استهلاك الأغذية المعتاد للفرد غير كافٍ لتوفير كمية الطاقة الغذائية اللازمة للحفاظ على حياة طبيعية وموفورة النشاط والصحة 42 – كبيرة جدًا. فقد قدّر إصدار عام 2024 من تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم أن ما بين 713 و757 مليون شخص في العالم قد عانوا من الجوع في عام 2023 .4 وفي حين تدلّ قياسات النقص التغذوي على العدد الإجمالي للسكان، يجب إيلاء اعتبار خاص للحالة التغذوية للأطفال. فيتعرّض الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية، وبخاصة قبل سن الخامسة، لآثار عميقة ودائمة على نموهم الجسدي والمعرفي.43، 44 وعلى المستوى العالمي، تشير التقديرات إلى أنه في عام 2022 كان 148.1 مليون طفل دون الخامسة من العمر (22.3 في المائة) يعاني من التقزّم، و45 مليون (6.8 في المائة) من الهزال، و37 مليون (5.6 في المائة) من الوزن الزائد.س، 4

وتقوم منهجية يطبّقها برنامج الأغذية العالمي وتُعرف باسم "كلفة الجوع"، بتقدير الآثار الاجتماعية والاقتصادية لنقص التغذية لدى الأطفال مع التركيز على قطاعات الصحة والتعليم والعمل.45، 46 وفي حين يشمل هذا النهج مجموعة من التكاليف أوسع من تلك المحجوبة عن معاملات السوق، كما هو مبيّن في تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023، تسلّط النتائج الضوء على الحاجة المشتركة بين القطاعات إلى تدخلات تغذوية في مرحلة الطفولة المبكرة. ويلخّص الإطار 24 النتائج المستمدة من عدّة بلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، مع إبراز كيف تكمّل التقديرات المتعلّقة بالتكاليف المستترة لنقص التغذية الواردة في هذا التقرير.

الإطار  24منهجية كلفة الجوع في أفريقيا وأمريكا اللاتينية

يكشف عدد من الدراسات عن التأثير الاقتصادي الواسع لسوء تغذية الأطفال في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ويتعمّق البحث المعنون "كلفة الجوع في أفريقيا" الذي أجراه الاتحاد الأفريقي وبرنامج الأغذية العالمي والذي يشمل 21 بلدًا أفريقيًا في الفترة من عام 2013 إلى عام 2018، في التداعيات الصحية العميقة للتقزّم ونقص الوزن لدى الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الدراسة، مع تسليط الضوء على الخسائر المتعاقبة في مجال التعليم والرعاية الصحية وإنتاجية القوة العاملة.45 وتم تطبيق المنهجية نفسها ولكن مع النظر في انخفاض الوزن عند الولادة ونقص الوزن، على بعض بلدان أمريكا اللاتينية في دراسة موازية أجرتها اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وبرنامج الأغذية العالمي في عام 2009 .46 ولا بدّ من الاعتراف بأن المنهجية تختلف اختلافًا كبيرًا عن المنهجية المتبعة في هذا الإصدار وإصدار عام 2023 من تقرير حالة الأغذية والزراعة، ولذلك لا يجب مقارنة النتائج بالتكاليف المستترة للنقص التغذوي، وإنما استخدامها كأفكار ثاقبة تكميلية.

ويتمثل الفارق الرئيسي الأول في نوع نقص التغذية والسكان الذين يجري النظر فيهم. ففي حين تشير التكاليف المستترة للنقص التغذوي في كل من إصداري عامي 2023 و2024 من التقرير إلى العدد الإجمالي للسكان الذين يعانون من عدم كفاية المتناول من الأغذية، تنظر منهجية كلفة الجوع في معدل المعاناة من نقص الوزن والتقزّم قبل سن الخامسة. وتشمل كلفة الجوع "بعدًا رجعيًا عرضيًا" لتقييم الأعباء الاقتصادية المترتبة في السنة الجارية عن النقص التغذوي لدى الأشخاص الذين كانوا يعانون من نقص الوزن قبل سن الخامسة.

ويسفر نهج كلفة الجوع عن تقديرات أعلى بكثير من تلك التي تم تحديدها كميًا في هذا التقرير (حوالي عشرة أضعاف في المتوسط)، وذلك لأن تحليله للتكاليف المستترة لنقص التغذية ينظر في الآثار السلبية الإضافية لنقص التغذية. وتشمل هذه الآثار السلبية تزايد خطر المرض (مثل الأمراض التنفسية والملاريا)، وتأثير تراجع التحصيل العلمي على الإنتاجية، وتدني إنتاجية اليد العاملة. ويوفر الشكل لمحة عامة عن النتائج التي توصلت إليها الدراستان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. كما أنه يشمل تكاليف الرعاية الصحية – بخلاف تقرير حالة الأغذية والزراعة الذي يركّز على التكاليف المستترة. ويشكل تحديد القيمة النقدية للتكاليف المستترة فارقًا آخر: ففي حين يحدد تقرير حالة الأغذية والزراعة القيمة النقدية للإنتاجية الضائعة باستخدام متوسط الناتج المحلي الإجمالي لكل عامل، يميل البحث بشأن كلفة الجوع إلى استخدام متوسط الأجور أو الحد الأدنى للأجور.

وتسلّط دراسات كلفة الجوع الضوء على أنه في حين تشكل المراضة والوفاة النتيجة المباشرة لنقص التغذية، فإنه يمكن لحساب الآثار غير المباشرة على صحة العمال وتعليمهم وإنتاجيتهم، أن يولّد تقديرات أعلى بكثير للكلفة الاقتصادية لنقص التغذية. وهذه أفكار مهمة للباحثين المستقبليين الذين سيعملون على تحفيز العمل في مجال السياسات.

الشكل نسبة فئة التكاليف بحسب البلدان

المصدر: من إعداد المؤلفين.

وفي حين تشكل الأنماط الغذائية غير الصحية سببًا شائعًا لسوء التغذية بجميع أشكاله،4749 توجد أسباب عديدة أخرى مباشرة (الصحة والرعاية) وغير مباشرة (مثل الفقر والخدمات الصحية والتعليمية) في آن واحد. وينبغي على الإجراءات الرامية إلى التصدي لسوء التغذية بجميع أشكاله، أن تعالج هذه الأسباب بصورة متوازية. ويستند الإطار 25 إلى أدلة مستمدة من إثيوبيا والفلبين بشأن الطريقة التي تؤدي فيها التدخلات العامة في مجال التغذية والصحة دورًا حيويًا مكمّلًا للتدخلات الرامية إلى تمكين الأنماط الغذائية الصحية، فيما يستكشف الإطار 26 دور النظم الزراعية والغذائية في تهيئة بيئة تمكينية لدعم الرضاعة الطبيعية من أجل تحقيق نتائج أفضل للرضّع والأطفال الصغار. وينبغي على الحكومات أن تؤدي دورًا في تحفيز المستهلكين وتمكينهم من خلال تهيئة بيئة تمكينية للتغيير ورفع مستوى الوعي حول دور الأنماط الغذائية الصحية في تحقيق الأهداف المجتمعية الأوسع. ويستكمل ذلك دور الحكومات في تحديد معالم البيئات الغذائية من خلال إنشاء هياكل تحفيزية في سلاسل الإمدادات الغذائية وفقًا لنهج قائم على النظم، على النحو المبيّن في الفصل 3.

الإطار  25الأنماط الغذائية الصحية ضرورية ولكن غير كافية للقضاء على التقزّم

أجرت دراسة استخدمت أداة الأرواح المنقَذة، تقييمًا للأثر المحتمل للتدخلات في مجال الأنماط الغذائية والتغذية العامة والصحة على المعدلات العالية لتقزّم الأطفال في إثيوبيا والفلبين من عام 2024 حتى عام 2030 .50

وتكشف النتائج عن أنه يمكن للأنماط الغذائية الصحية أن تتجنب ظهور حوالي 14 في المائة من حالات تقزّم الأطفال في إثيوبيا و9 في المائة منها في الفلبين، ولكنها ليست كافية لوحدها (انظر الشكل). فعندما تقترن هذه الأنماط الغذائية بتدخلات التغذية العامة الأساسية ذات التغطية السكانية الكاملة، تزيد هذه النسب إلى 24 و17 في المائة على التوالي. ويمكن إجراء تخفيض إضافي في معدلات التقزّم من خلال توسيع نطاق تدخلات الصحة العامة في مجالات مثل المياه والصرف الصحي وممارسات النظافة الصحية والرعاية ما قبل الولادة والتلقيح. والجدير بالذكر أن الأثر يتباين بسبب الفوارق في تغطية تدخلات الصحة العامة القائمة، والتي تكون أكبر بكثير في الفلبين.

وتؤكد عمليات المحاكاة على الأهمية الحاسمة للأيام الألف الأولى من بداية الحمل حتى عمر السنتين في الوقاية من التقزّم، مع التشديد على ضرورة وجود نظم غذائية مبكرة لضمان الحصول على أنماط غذائية صحية. ولكن، تسلّط الدراسة الضوء على أنه لا يمكن للنمط الغذائي الصحي وحده أن يعالج تقزّم الأطفال بالكامل؛ فتشكل التدخلات الأساسية في مجال التغذية والصحة العامة عناصر مكملة ضرورية.

الشكل إمكانية تجنب التقزّم من خلال التغطية الكاملة للسكان بحسب نوع التدخل في إثيوبيا والفلبين

ملاحظات: شملت التدخلات في مجال الأنماط الغذائية التعزيز بحمض الفوليك والحديد قبل الحمل والتزويد المتوازن بالطاقة والبروتين أثناء الحمل والرضاعة الطبيعية الخالصة للرضع الذين تتراوح أعمارهم بين صفر وخمسة أشهر والتغذية التكميلية المناسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و23 شهرًا. وتضمنت استراتيجيات التغذية العامة التعزيز بحمض الفوليك والحديد قبل الحمل والتزويد بالحديد والكالسيوم أثناء الحمل والتزويد بالفيتامين ألف والزنك للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و59 شهرًا و12 و59 شهرًا على التوالي. وشملت التدخلات في مجال الصحة العامة الكشف عن داء الزهري ومعالجته وتناول البروجسترون في حالات الولادات الشديدة الخطورة واستخدام جرعات منخفضة من الأسبرين أثناء الحمل وبذل الجهود لتحسين جودة المياه والصرف الصحي وممارسات غسل اليدين والتخلّص النظيف من براز الأطفال ومبادرات التلقيح ضد الفيروس الدائري.
المصادر: Black, R.E., Victora, C.G., Walker, S.P., Bhutta, Z.A., Christian, P., de Onis, M., Ezzati, M. et al. 2013. Maternal and child undernutrition and overweight in low-income and middle-income countries. The Lancet, 382(9890): 427–451. https://doi.org/10.1016/S0140-6736(13)60937-X. و Johns Hopkins & Bill & Melinda Gates Foundation. 2024. The Lives Saved Tool (LiST). In: The Lives Saved Tool. [ورد ذكره في 21 مارس/آذار 2024]. https://www.livessavedtool.org

الإطار  26القيمة الصحية والبيئية والاجتماعية المستترة لدعم الرضاعة الطبيعية

تشكل الرضاعة الطبيعية أول نظام غذائي طبيعي حيث توفر التغذية المثلى والأمن الغذائي مع منافع طويلة الأجل،36، 37 ولكن يكون الكثير من هذه المنافع مستترًا وغالبًا ما يتجاهله واضعو السياسات. وتوصي منظمة الصحة العالمية بالاستناد إلى أدلة تسلّط الضوء على فوائد الرضاعة الطبيعية في درء العدوى خلال الطفولة المبكرة، والحد من خطر الإصابة بالسمنة والأمراض المزمنة في وقت لاحق من الحياة، وتعزيز النمو المعرفي والعصبي الطبيعي،51 بأنه ينبغي أن يحصل الرضّع على رضاعة طبيعية خالصة خلال الأشهر الستة الأولى من الحياة. ومن ثم يجب أن يتبع ذلك مزيجًا من الرضاعة الطبيعية والأغذية التكميلية حتى عمر السنتين.

وبالرغم من الفوائد العديدة للرضاعة الطبيعية، يُعدّ قرار الإرضاع قرارًا شخصيًا يتأثر بمجموعة من العوامل، بما في ذلك الوقت والطاقة والمهارات والمعرفة والبيولوجيا والحاجة إلى وجود بيئة داعمة. ونتيجة لذلك، لا تشكل الرضاعة الطبيعية دائمًا الطريقة المختارة لتغذية الرضّع، وقد سُجلت في السنوات الأخيرة زيادة في استخدام مستحضرات الحليب التجاري، ولا سيما في شرق وجنوب شرق آسيا.53 ويمكن أن يعزى هذا الاتجاه إلى التجارة العالمية والتسويق والتوسّع الحضري وغياب السياسات الحكومية الداعمة للرضاعة الطبيعية، من جملة عوامل أخرى.5457 ولا تدخل جميع جوانب دعم الرضاعة الطبيعية ضمن نطاق النظم الزراعية والغذائية. ولكن، يمكن نسب التكاليف المستترة ذات الصلة إلى النظام الزراعي والغذائي بالقدر الذي يؤدي فيه أصحاب المصلحة في هذا النظام المعيّن دورًا في التأثير على الحوافز التي تشجع الرضاعة الطبيعية.

ولا تستثمر المجتمعات بالقدر الكافي في السياسات والترتيبات المؤسسية اللازمة التي تشجع الرضاعة الطبيعية كما هو موصى به، بما في ذلك تنظيم تسويق بدائل حليب الأم وتحسين الإجازة العائلية المدفوعة وسياسات الرضاعة الطبيعية في مكان العمل.58 ويتمثل أحد الأسباب في أن حليب الأم يُستبعد من ميزانيات الأغذية العالمية والوطنية، وبالتالي لا يؤخذ في الاعتبار في النظم الزراعية والغذائية. ووحدها النرويج قد اعترفت بأهمية "حليب الأم" وأدرجته في نظم مراقبة الأغذية منذ تسعينات القرن الماضي.59

إضافة إلى ذلك، فإن المنافع التي تعود على المجتمع مستترة. وتسلّط أربع أدوات عالمية مبتكرة الضوء على قيمة الرضاعة الطبيعية وفوائد تيسيرها:

  • فتحسب "أداة كلفة عدم الرضاعة الطبيعية" أن الخسائر المعرفية الناجمة عن عدم توفير الرضاعة الطبيعية الخالصة للرضع الذين تقلّ أعمارهم عن ستة أشهر في العالم، تؤدي إلى خسائر اقتصادية عالمية سنوية بقيمة 100 مليار دولار أمريكي، ما يمثل أكثر من 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان.60، 61 ولكن، لا تراعي هذه الأداة كلفة الوقت الذي تقضيه النساء في الكثير من الأحيان في الرعاية بالأطفال المرضى.62
  • وتسلّط "أداة التغذية الخضراء" الضوء على الدور الذي يمكن أن تؤديه الرضاعة الطبيعية في التكيّف مع تغيّر المناخ والتخفيف من آثاره والصمود في وجهه.63 فيمكن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن مستحضرات الحليب التجاري من حوالي 6.7 مليارات كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى حوالي 3.7 مليارات كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في السنة إذا تم بلوغ المقاصد العالمية الخاصة بالتغذية والمتعلّقة بالرضاعة الطبيعية للرضّع الذين تتراوح أعمارهم بين صفر وستة أشهر.64 وبالإضافة إلى احتساب بصمة الكربون والمياه التي تتركها مستحضرات الحليب التجاري في كل بلد، يمكن أن تقدّر هذه الأداة تأثير السيناروهات المتعلّقة بالسياسات.6567 وخلُصت واحدة من عمليات المحاكاة هذه مثلًا إلى أنه لو كانت ممارسات تغذية الرضّع في الهند مشابهة لفرنسا أو أيرلندا أو المملكة المتحدة لبريطانيا العظمة وأيرلندا الشمالية، لزدات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحوالي 3.5 ملايين طن وزاد استخدام المياه بأكثر من 1.3 مليارات لتر سنويًا.
  • وتهدف "أداة حليب الأم" إلى التعويض عن الفجوة في البيانات المتعلّقة بحليب الأم في ميزانيات الأغذية من خلال احتساب الرضاعة الطبيعية ضمن المساهمات الاقتصادية التي تقدمها المرأة في المجتمع.59 وتظهر التقديرات أن حوالي 60 في المائة من الكمية المحتملة من الحليب البشري تُفقد حاليًا بسبب تنحية الرضاعة الطبيعية.59
  • وتقوم "أداة تحديد كلفة مبادرة اتجاهات الرضاعة الطبيعية في العالم" بتقدير الاحتياجات التمويلية اللازمة للاستثمار في تمكين الرضاعة الطبيعية على المستويين الوطني ودون الوطني وعلى مستوى المشاريع.68 وفي الوقت الراهن، يتلقى أقلّ من بلد واحد من بين كل عشرة بلدان مبلغ 5 دولارات أمريكية لكل ولادة اللازم لبلوغ المقصد العالمي لجمعية الصحة العالمية المتعلّق بالرضاعة الطبيعية الخالصة.58 وهناك حاجة إلى استثمار حكومي إضافي قدره 5.7 مليارات دولار أمريكي لبلوغ هذا المقصد بحلول عام 2025 .69

وتعاني هذه الأدوات على المستوى العالمي من عدم كفاية البيانات المتعلّقة بممارسات الرضاعة الطبيعية، ولا سيما في البلدان المرتفعة الدخل. ومن شأن إدماج الرضاعة الطبيعية وإنتاج حليب الأم في ميزانيات الأغذية العالمية والوطنية، على غرار ما فعلته النرويج، أن يشكل خطوة أولى باتجاه معالجة القضايا المتعلّقة بالبيانات لضمان إحراز تقدم في زيادة إبراز دور الرضاعة الطبيعية في التفكير والعمل في مجال النظم الزراعية والغذائية.

المصدر: من إعداد المؤلفين.
back to top