إنّ الحد من التكاليف المستترة التي كشف عنها تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023 والتي جرى تنقيحها في هذه الطبعة من التقرير يستدعي بطبيعته معالجة مسائل التوزيع المتأصلة في النظم الزراعية والغذائية العالمية والمحلية أيضًا. وعلى المستوى العالمي، تنشأ التفاوتات في التوزيع بين السكان الذين ينعمون بمنافع الوضع الراهن وأولئك الذين يتحمّلون التكاليف المستترة – والذين قد يكونون هم السكان عينهم في مرحلة ما في المستقبل أو من الأجيال المقبلة التي يفصل بينها المكان والزمان. ويمكن أن تنشأ المقايضات بين الجهات المعنية حتى ضمن الحدود الوطنية، كما دلّت عليه الاحتجاجات التي قام بها المزارعون مؤخرًا في مناطق عديدة من العالم.
ويتمثل أحد الشروط الأساسية لتحويل أي نظام واسع ينطوي على ترابط بين الجهات الفاعلة ذات مصالح متداخلة ومتضاربة في وجود بيئة مؤسسية وتنظيمية فعالة. ومن شأن وضع قواعد ومعايير واضحة وتعزيز الثقة في تطبيقها بشكل عادل على جميع أصحاب المصلحة، بصرف النظر عن حجمهم أو نفوذهم السياسي، أن يبدد بعضًا من عدم اليقين بالنسبة إلى الاستثمارات التي تساهم في الاستدامة وتعزز الابتكار.22
وفي حين أنه يمكن للمجتمع العالمي أن يأمل دائمًا في أن يحلّ الابتكار العديد من مشاكل النظم الزراعية والغذائية، إلّا أنه من غير المرجح أن يؤدي الابتكار وحده إلى توجيه النظم الزراعية والغذائية نحو الاستدامة في ظل الحوافز المقدمة حاليًا للابتكار (التي تحركها السوق في المقام الأول بما في ذلك الجدوى التجارية) وما يصاحبها من قيود يفرضها الاقتصاد السياسي.12 وينبغي تغيير حوكمة النظام الزراعي والغذائي العالمي "من خلال الإرادة السياسية والمساءلة الحازمة على المستوى الدولي".23
وفي الختام، يتطلب تحويل النظم الزراعية والغذائية العالمية اتباع نهج متعدد الأوجه يدمج الحوكمة الحصيفة والأطر التنظيمية الواضحة ومشاركة جميع أصحاب المصلحة. ويجب تسخير الابتكار ضمن بيئة سياساتية مؤاتية تعالج حالات الفشل داخل الأسواق وخارجها على حد سواء. كما أنّ إدراج عمليات التقييم الشاملة لحساب التكاليف الحقيقية أمر بالغ الأهمية لفهم تكاليف ومنافع مختلف الإجراءات، ما يضمن أن تكون القرارات المتعلقة بالسياسات مستنيرة. ومن خلال الالتزام بهذه الإجراءات الشاملة، يمكن للعالم أن يسير نحو نظم زراعية وغذائية أكثر استدامة وإنصافًا تعود بالنفع على الأجيال الحالية والمقبلة.