عند تحديد الأدوات المساعدة على التحوّل القائم على القيمة في النظم الزراعية والغذائية العالمية، غالبًا ما تقوم الجهات الفاعلة التي لديها مصالح في هذه النظم الزراعية والغذائية بشمل سكان العالم أجمع، لأنّ البشر لا يمكنهم العيش من دون غذاء. ويرد في الشكل 3 عرض مبسط للجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية العالمية التي تعتمد قراراتها على قيمة النظم الزراعية والغذائية وتؤثر عليها. وتغطي الجهات الفاعلة الأساسية الست سلسلة القيمة الزراعية والغذائية بأكملها، من مورّدي المدخلات إلى المستهلكين (بما في ذلك المشتريات المؤسسية)، ويمكن أن يكون كل منها جزءًا من العمليات المحلية أو الوطنية أو الدولية. وقد لا يدرك المستهلكون في منطقة معينة القيمة التي يضيفها تحسين الكفاءة في استخدام الأسمدة على المزارع المنتجة لأغذيتهم في منطقة أخرى أو بلد آخر. وبالمثل، قد لا يدرك صانعو الأغذية القيمة التي يضيفها تغيير مكونات منتجاتهم ما دام المجتمع بأسره يتحمّل الكلفة المستترة الناجمة عن المخاطر الغذائية التي غالبًا ما تظهر بعد أمد طويل (بما في ذلك المجتمعات في بلدان أخرى). ولا يمكن تحديد نقاط الدخول الفعالة على مستوى السياسات إلّا من خلال تحديد هذه الفروق بوضوح في نهج حساب التكاليف الحقيقية، حيث إنّ قرارات إحدى الجهات الفاعلة في زمن ومكان معينين تؤثر على الجهات الفاعلة في زمن أو مكان آخرين من خلال العمليات البيولوجية الفيزيائية والتجارة.
الشكل 3 الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية العالمية
وتتفاعل جميع الجهات الفاعلة الرئيسية مع المؤسسات المالية الوطنية والدولية وهي من الهيئات المكونة للحكومات المحلية والوطنية. وتضطلع الحكومات الوطنية بدور في رسم معالم النظم الزراعية والغذائية بأكملها من خلال الضرائب والإعانات والقوانين والأنظمة والخدمات العامة. كما تؤدي المنظمات الحكومية الدولية دورًا متزايد الأهمية في تشكيل مسارات التحوّل في النظم الزراعية والغذائية بسبب الترابط بين نشوء القيمة والكلفة. وتؤدي منظمات المجتمع المدني والمنظمات البحثية (المحلية والدولية على حد سواء) دورًا شاملًا في تكوين المعارف ونشر الوعي وحفز العمل الجماعي. ويتبنى هذا التقرير منظور النظم الذي يتيحه حساب التكاليف الحقيقية من أجل تحديد قيمة الإجراءات التحويلية التي تتخذها كل جهة فاعلة في النظم الزراعية والغذائية العالمية.
ومع اتساع الفجوة بين الجهات المسبّبة للتكاليف المستترة والجهات التي تتحمّلها، تصبح المنافع التي تعود على المجتمع وكوكب الأرض من تحويل النظم الزراعية والغذائية أقلّ وضوحًا. وقد يكون من المستحيل سدّ هذه الفجوة إذا ما ظهر الضرر في المستقبل البعيد أو خارج الحدود، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي أودت بنا إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم – حيث نكافح من أجل التصدي لتغيّر المناخ الناجم عن الآثار التراكمية للنشاط البشري منذ الثورة الصناعية. وإنّ أوجه عدم المساواة المشهودة في أبعاد متعددة (على سبيل المثال، الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والجنسانية وفي ما بين الأجيال) بين الجهات المستفيدة من نشوء التكاليف المستترة والجهات التي تتحمّلها هي أحد التحديات الرئيسية الماثلة أمام تحويل النظم الزراعية والغذائية العالمية.37 كما أنها تؤدي دورًا رئيسيًا في تأجيج الانشقاق بين مختلف مجموعات المصالح، الذي تجلّى، على سبيل المثال، في احتجاجات المزارعين في أوروبا ضد الأنظمة البيئية أو الإضرابات المدرسية من أجل العمل المناخي. ويكتسي دور الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية أهمية خاصة في الحالات التي تستدعي فيها الحاجة إجراء تحويلات دولية أو بين الأجيال من أجل معالجة أوجه عدم المساواة تلك في توزيع التكاليف والمنافع المستترة الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية.
وقد عرض الفصل الأخير من تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023 مجموعة من الأدوات المساعدة التي يمكن أن تستخدمها مختلف الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية للحد من التكاليف المستترة الناجمة عن تلك النظم وناقش بإيجاز كيف يمكن التعامل مع المقايضات وأوجه التآزر باستخدام نهج حساب التكاليف الحقيقية (الشكل 4). ونظرًا إلى التداعيات على المجتمعات بسبب التكاليف البيئية والصحية والاجتماعية المستترة، فإنّ الحكومات هي الجهة الفاعلة الوحيدة التي تضطلع بدور فاعل في جميع الأدوات المساعدة من أجل دعم تحويل النظم الزراعية والغذائية على نحو مستدام وشامل. ويستخدم هذا الإصدار من التقرير دراسات حالة مختارة ليوضح كيف يمكن للحكومات تكوين رؤى عالمية ووطنية عن التحوّل باستخدام نهج قائم على النظم. وتحدد دراسات حالة أخرى في بلدان مختارة التكاليف المستترة الناجمة عن حزم السياسات الأوسع نطاقًا المتعلقة بمسارات تحويل النظم الزراعية والغذائية وتسلط الضوء على دور المشاورات مع أصحاب المصلحة في نجاح التنفيذ الفعال لنهج حساب التكاليف الحقيقية بغية إرشاد التحوّل.
الشكل 4 الأدوات المساعدة اللازمة لتحويل النظم الزراعية والغذائية
ومع أنّ دور الحكومات في جميع الأدوات المساعدة على اتخاذ الإجراءات التحويلية واضح في الشكل 4، إلّا أنّ القطاع الخاص يضطلع أيضًا بدور حاسم فيها – بما في ذلك الأعمال التجارية الزراعية والمؤسسات المالية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات البحثية. ويعرض هذا التقرير، من خلال دراسات الحالة، مجموعة أوسع بكثير من الأدوات المساعدة على مستوى السياسات ويوفر منظورًا قائمًا على النظم من أجل تيسير استخدام حساب التكاليف الحقيقية في عملية صنع القرار من قبل جميع الجهات الفاعلة.
وانطلاقًا من الهدف الصريح الذي يتمثل في الاستفادة من الوعي والاهتمام اللذين أحدثهما تقرير حالة الأغذية والزراعة 2023 وحولهما إلى إجراءات ملموسة على مستوى السياسات، يقدم إصدار عام 2024 الحالي إطارًا عالميًا لتقييم حساب التكاليف الحقيقية من خلال تصنيف النظم الزراعية والغذائية. ويهدف التصنيف إلى توزيع الأدوات المساعدة المحتملة على مستوى السياسات المستندة إلى عمليات المحاكاة العالمية ودراسات الحالة المحددة الأهداف على فئات واسعة للنظم الزراعية والغذائية ذات الخصائص المشتركة بغية تسهيل فهم فعالية وجدوى مختلف الأدوات المساعدة في إطار خفض التكاليف المستترة. ويوفر هذا النهج منظورًا واسعًا يوضح دور هياكل سلسلة القيمة والسياسات والمؤسسات والحيز الضريبي في دفع عجلة تحويل النظم الزراعية والغذائية.
