لتحديد الإجراءات الخاصة بالسياق من أجل معالجة التكاليف المستترة البيئية والاجتماعية والصحية للنظم الغذائية، من الأهمية بمكان فهم توزيعها على امتداد تصنيف النظم الزراعية والغذائية (الشكل 6). وتوفّر هذه الرؤية بشأن النظم أفكارًا حول القواسم المشتركة وأوجه الاختلاف بين النظم الزراعية والغذائية، ما يسلّط الضوء على مصادر التكاليف المستترة وتفاوت درجات الأعباء التي تلقيها هذه التكاليف على مختلف النظم الزراعية والغذائية.
الشكل 6 التكاليف المستترة المحدَّدة كميًا بحسب فئة النظم الزراعية والغذائية

المصدر: من إعداد المؤلفين.
وبالنسبة إلى القواسم المشتركة على مستوى التصنيف، تعدّ التكاليف المستترة الصحية المتصلة بالأمراض غير المعدية أكبر مساهم في إجمالي التكاليف المستترة المحدّدة كميًا في جميع النظم الزراعية والغذائية باستثناء تلك التي ترد في فئة النظم التي تشهد أزمة طويلة الأمد. وتُعتبر التكاليف المستترة البيئية ثاني أكبر مساهم في هذه الفئات.
وتسجّل النظم الزراعية والغذائية الصناعية والآخذة في التنوع أعلى إجمالي من حيث التكاليف المستترة المحدّدة كمّيًا (بواقع 5.9 ترليونات دولار)، بفعل التكاليف المستترة الصحية المتّصلة بالأمراض غير المعدية. ويُسجّل أدنى إجمالي للتكاليف المستترة المحدّدة كمّيًا في النظم الغذائية التي تشهد أزمة طويلة الأمد بواقع 0.4 ترليونات دولار فقط، من جرّاء التكاليف المستترة البيئية والاجتماعية.
وتتميّز النظم الزراعية والغذائية المتنوعة عن غيرها من الفئات بتسجيلها أعلى إجمالي للتكاليف المستترة البيئية المحدّدة كمّيًا (720 مليار دولار). تليها النظم الزراعية والغذائية الصناعية والتي هي في طور اكتساب طابع رسمي التي تسجّل تكاليف مستترة بيئية تقدّر بحدود 650 مليار دولار.
وتساهم فئات النظم الآخذة في التوسع والنظم التقليدية وتلك التي تشهد أزمة طويلة مجتمعة في غالبية التكاليف المستترة الاجتماعية المحدّدة كمّيًا على صعيد العالم. وتشكو الفئة التقليدية على وجه الخصوص من ارتفاع التكاليف المستترة الاجتماعية (370 مليار دولار)، في حين تواجه كذلك تكاليف مستترة صحية عالية (مقارنة مع تكاليف الفئات الأخرى) وتسجّل ما يقدّر بحدود 400 مليار دولار للتكاليف البيئية المستترة.
وتقدّم مقارنة إجمالي التكاليف المستترة والمحدّدة كمّيًا مع إجمالي الناتج المحلّي أفكارًا حول العبء الذي تلقيه هذه التكاليف على الاقتصادات الوطنية. ويظهر الشكل 7 كيف ترزح البلدان التي تشهد أزمات طويلة الأمد وتلك التي تحظى بنظم غذائية وزراعية تقليدية تحت أكبر عبء من التكاليف الاجتماعية المستترة. وبالتالي، سيبقى الحدّ من الفقر والنقص التغذوي الأولوية القصوى في هذه البلدان، من خلال الاستثمار بالدرجة الأولى في التحوّل الريفي الشامل لضمان استحداث فرص عمل وتحسين سبل المعيشة.
الشكل 7 التكاليف المستترة المحدَّدة كميًا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بحسب فئة النظم الزراعية والغذائية

المصدر: من إعداد المؤلفين.
أما بالنسبة إلى عبء التكاليف الصحية المستترة المتصلة بالأمراض غير المعدية، فتأتي فئة النظم الآخذة في التنوع في الصدارة (10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي) في حين تسجّل الفئة الصناعية العبء الأصغر (4 في المائة). ويعكس هذا النمط التحوّل التغذوي الذي يصاحب التحوّل الهيكلي.10 ويرتبط كلّ من الإنتاجية الزراعية والتوسّع الحضري والبيئات الغذائية المتغيّرة (بما في ذلك الاستخدام المتزايد للمحال الكبرى) – أي المؤشرات المستخدمة لوضع التصنيف – بشكل وثيق بالتحوّل الهيكلي والمداخيل. وعند حصول التحوّل الهيكلي وزيادة المداخيل، يرتفع الطلب على التنوّع في الأنماط الغذائية (قانون بينيت)، ما يحسّن المتناول الأساسي من المغذّيات، مع إمكانية إدخال أغذية ذات سمات ضارّة في الوقت نفسه.11 ويعكس كذلك تراجع حصة التكاليف الصحية المستترة في إجمالي الناتج المحلي في النظم الزراعية والغذائية الصناعية التي هي في طور اكتساب طابع رسمي قدرات مالية ومؤسسية أعلى ونظم صحية أفضل لمعالجة عبء التكاليف الصحية المستترة المتصلة بالأمراض غير المعدية، فضلًا عن تنامي الطلب على أنماط غذائية صحية أكثر مع ارتفاع المداخيل. ويستطلع القسم التالي الأنماط الغذائية غير الصحية المختلفة بهدف تقديم نظرة ثاقبة للسياسات من أجل تلافي ارتفاع التكاليف الصحية المستترة التي تسجّل تقليديًا على امتداد مسار تحوّل النظم الزراعية والغذائية.
تظهر فائدة التصنيف المعتمد عند النظر في البلدان التي تشهد أزمات طويلة الأمد. وتجدر الإشارة إلى أنّ البلدان في هذه الفئة تتحمّل العبء الأكبر من التكاليف البيئية والاجتماعية المستترة كنصيب من إجمالي الناتج المحلي، ما يعادل 20 و18 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط، على التوالي. وفي هذه الفئة، يعتبر 17 من أصل 21 بلدًا من البلدان المنخفضة الدخل (الشكل 5)، ما يبيّن العلاقة بين انخفاض مستويات الدخل والأزمات الطويلة الأمد. وتحتاج البلدان في فئة الأزمات الطويلة الأمد إلى منح الأولوية لمعالجة مسببات الأزمات الطويلة الأمد، من قبيل النزاعات وانعدام الأمن، والصدمات الاقتصادية العالمية والوطنية، والأحوال المناخية المتطرفة،12 ما يمكن أن يساهم في انخفاض التكاليف الاجتماعية والبيئية المستترة.