حالة الأغذية والزراعة 2024

الفصل 4 تسخير دور المستهلكين لتحويل النظم الزراعية والغذائية

الرسائل الرئيسية
  • يملك الكثير من المستهلكين إمكانات غير مستغلة لدفع عجلة تحويل النظم الزراعية والغذائية من خلال تحفيز الجهات الفاعلة في سلسلة الإمدادات الغذائية على زيادة قيمة الأغذية عبر تغيير طريقة إنتاجها وتجهيزها وتسليمها.
  • يُعدّ الحد من أوجه عدم المساواة وزيادة صفة الفاعل، ولا سيما للأشخاص الذين لا يمكنهم تحمّل كلفة نمط غذائي صحي، أمرًا مهمًا لكي يتسنى لجميع المستهلكين الاستفادة من تأثيرهم على النظم الزراعية والغذائية.
  • إن أنماط الاستهلاك مدفوعة بإمكانية الوصول وبعوامل اقتصادية وسلوكية، ولذلك هناك حاجة إلى مزيج من التدخلات النقدية وغير النقدية لإعادة تشكيل طلب المستهلكين.
  • يمكن توجيه المشتريات المؤسسية لإحداث تأثير كبير على تحوّل النظم الزراعية والغذائية من أجل النهوض بالأهداف البيئية والاجتماعية والصحية ورفع مستوى وعي المستهلكين.
  • يمكن تصميم شبكات الأمان الاجتماعي والمشتريات المؤسسية، في النظم الزراعية والغذائية التي تكون فيها القوة الشرائية للمستهلكين محدودة، من أجل دفع عملية تحويل النظم الزراعية والغذائية قدمًا.

يشكل المستهلكون أكبر مجموعة من الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية في العالم بالرغم من افتقارهم إلى النفوذ والحضور السياسيين. وعندما يكون المستهلكون في وضعية صفة الفاعل، يمكنهم أن يحدثوا التغيير التحويلي اللازم في النظم الزراعية والغذائية من خلال قوتهم الشرائية. ويمكن لتسخير القوة الشرائية للمستهلكين – ورفع القوة الشرائية للأشخاص الذين يفتقرون إلى صفة الفاعل – أن يشكل وسيلة استراتيجية لتحفيز التغيير في مختلف سلاسل الإمدادات الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، ومن منظور صحي، لا يسمح التحوّل الواسع النطاق إلى الأنماط الغذائية الصحية بمعالجة التكاليف الصحية المستترة المحدَّدة كميًا المتصلة بارتفاع خطر الإصابة بأمراض غير معدية – والتي تمثّل 70 في المائة من التكاليف المستترة المحدَّدة كميًا الناشئة عن النظم الزراعية والغذائية العالمية – فحسب، ولكن أيضًا التكاليف غير المحدَّدة كميًا التي ترتبط بأشكال أخرى من سوء التغذية. ونتيجة لذلك، يمكن أن تشكل التغيّرات الواسعة النطاق في الطلب حافزًا للتحويل المنهجي.

ويمكن أن تؤدي التغيّرات الملحوظة في السلوكيات، حتى في مجموعة صغيرة من المستهلكين، إلى تغيّرات كبيرة في النظم الزراعية والغذائية. والدليل على ذلك العروض الكبيرة والمتنوعة من المنتجات الغذائية التي تم تعديلها ليكون لها فوائد صحية مرغوبة (مثل احتوائها على نسبة قليلة من الدهون والسكر وعلى نسبة عالية من البروتينات)، ولا سيما في النظم الزراعية والغذائية الصناعية. وتمتد القوة التي يملكها المستهلكون من خلال سلوكهم الشرائي أيضًا إلى العمل التحويلي الرامي إلى خفض التكاليف البيئية والاجتماعية المستترة. فمن الناحية البيئية، دفعت ممارسات الصيد الضارة التي تلحق الأذى بالدلافين مثلًا، بعض المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مقاطعة التونة. وبالرغم من أن تأثير هذه المقاطعة على المبيعات لم يكن واضحًا، إلّا أنه أثار ردة فعل كبيرة من جانب المنتجين.1 وبالمثل، فإن تعرّض بعض الشركات للمقاطعة قد دفعها إلى فرض معايير أعلى في ما يتعلّق برفاه العاملين في سلاسل الإمدادات، ما سمح بخفض التكاليف الاجتماعية المستترة.2، 3 ويشهد على هذه القوة تكاثر المعايير العضوية ومعايير التجارة العادلة ومعايير الاستدامة المشابهة، أو مبادرات الإبلاغ عن الأداء البيئي والاجتماعي وعلى صعيد الحوكمة التي تتخذها الأعمال التجارية الزراعية، كما هو مبيّن في الفصل 3.

ومع ذلك، تتوقف قدرة القوة الشرائية للمستهلكين على إحداث تحوّل في النظم الزراعية والغذائية على قدرة هؤلاء المستهلكين واستعدادهم لدفع ثمن سلّة مختلفة من المنتجات الغذائية التي قد يكون سعرها أعلى (الإطار 18 في الفصل 3). وبالفعل، عجز أكثر من ثلث سكان العالم – أي حوالي 2.8 مليارات شخص – عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2022 .4 ولكنّ القيود الاقتصادية لا تفسّر جميع السلوكيات الاستهلاكية. فتتسم التفضيلات الغذائية الناجمة عن الأذواق وعن الوقت والمهارات اللازمة لإعداد الطعام مثلًا، والحصول على الأغذية والبيئات الغذائية بالأهمية أيضًا. ونتيجة لذلك، من المهم فهم دوافع المستهلكين والعوائق التي تقف في وجه تغيير سلوكياتهم المرتبطة بشراء الأغذية واستهلاكها لصالح منتجات أكثر مراعاة للمناخ ومهتمة بالصحة ومسؤولة اجتماعيًا. ويشكل دور الحكومات في التصدي لهذه القيود وتحديد معالم البيئات الغذائية، عاملًا رئيسيًا في إحداث هذا التغيير السلوكي.

ويستكشف هذا الفصل المسائل الرئيسية المتعلّقة بمدى قدرة القوة الشرائية للمستهلكين والمؤسسات على إحداث التحوّل. كما أنه ينظر في الأدوات المساعدة المختلفة التي يمكن أن يستخدمها صانعو القرار في القطاعين العام والخاص للاستفادة من هذه القوة الشرائية وتحفيز المستهلكين على تغيير سلوكهم. ويشمل ذلك اتباع نهج شامل في مشتريات القطاع العام لتوجيه القوة الشرائية المؤسسية نحو خفض التكاليف الصحية والبيئية والاجتماعية المستترة الناشئة عن النظم الزراعية والغذائية.

العوامل المساهمة في تشكيل طلب المستهلكين على الأغذية

تساهم عوامل عديدة في تحديد الطلب على الأغذية، بما في ذلك إمكانية الوصول، والدخل، والأسعار النسبية، والأذواق، والتسويق والإعلام، والثقافة، والتقاليد، والبيئة الغذائية. وعلى المستوى الفردي، تقع التكاليف المستترة للأنماط الغذائية غير الصحية على عاتق كل مستهلك في المستقبل (كسنوات من العيش مع إعاقة أو كسنوات العمر المفقودة)، وعلى المجتمع أيضًا (كتكاليف بيئية واجتماعية وصحية مستترة). وقد لا تكون هذه التكاليف ظاهرة للمستهلكين بسبب قلّة الوعي أو ميل إلى تجاهل الأحداث التي يُحتمل أن تكون سيئة في المستقبل. وبالتالي، يمكن لبناء وعي المستهلكين وتحفيزهم وقدراتهم أن يغيّر الطلب على الأغذية ويعالج التكاليف المستترة.

وبالرغم من أنه يمكن للمستهلكين أن يكسبوا فائدة كبيرة من النظم الزراعية والغذائية الأكثر شمولًا واستدامة وقدرة على الصمود، تتباين مدى إمكانية الاستفادة من القوة الشرائية الفردية لتحقيق التحوّل بين مختلف النظم الزراعية والغذائية وداخل البلدان بسبب عدم المساواة والفقر. ويبقى الأمن الغذائي – وهو حالة تتوافر فيها لجميع الناس، في كل الأوقات، الإمكانات المادية والاقتصادية للحصول على غذاء كافٍ ومأمونٍ ومغذٍ لتلبية احتياجاتهم التغذوية وأفضلياتهم الغذائية من أجل حياة موفورة النشاط والصحة – الهدف الرئيسي الذي تسعى إليه بلدان عديدة تشكل فيها القدرة على تحمّل الكلفة عائقًا أساسيًا. ويستكشف الإطار 21 أوجه عدم المساواة في الوصول الاقتصادي إلى أبسط الأنماط الغذائية الكافية من حيث الطاقة الغذائية مقارنة بالأنماط الغذائية الصحية التي تكون كلفتها أعلى بمقدار خمسة أضعاف في المتوسط في مختلف أنواع النظم الزراعية والغذائية.5 ويوثّق الإطار القيود التي تعاني منها القوة الشرائية للمستهلكين الذين ينتمون إلى الشرائح الأكثر ضعفًا في المجتمع، ويشدد على الحاجة إلى الجمع بين شبكات الأمان الاجتماعي التي تعالج القدرة على إحداث التغيير، وتدخلات أخرى تركز على مسألتي الوعي والتحفيز لإعادة تشكيل الطلب على الأغذية. ويُعدّ الحق في إطعام النفس بكرامة وفي التحرر من الجوع واجبًا قانونيًا راسخًا في القانون الدولي ومضمونًا في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.6 ويناقش الإطار 22 كيف يدمج نهج حساب التكاليف الحقيقية الحق في الغذاء كجزء من التكاليف الاجتماعية المستترة.

الإطار  21الوصول الاقتصادي إلى الأنماط الغذائية الكافية من حيث الطاقة الغذائية مقابل الأنماط الغذائية الصحية

تُعدّ إمكانية الوصول الاقتصادي إلى الأغذية مسألة ترتبط بالأسعار والدخل وتتأثر بالتالي بالفقر وعدم المساواة في الدخل وكلفة الأغذية نسبة إلى الدخل المخصص للإنفاق. وكلما كان الشخص أفقر، كلما زادت نسبة الدخل التي ينفقها على الأغذية. ولذلك، يمكن للزيادات الصغيرة حتى في كلفة الأنماط الغذائية أو التخفيضات الصغيرة في مستوى الدخل أن تؤثر تأثيرًا شديدًا على إمكانية حصول الأشخاص الأشد فقرًا على الأنماط الغذائية. ويؤدي الافتقار إلى هامش أمان موثوق وكبير في الدخل إلى الحد من الخيارات التي يملكها المستهلكون في أوقات الصدمات، مثل ارتفاع الأسعار أو المحصول السيء أو خسارة الأصول. وبالتالي، يوفر قياس إمكانية الوصول الاقتصادي لتقدير مدى قدرة السكان على الحصول على أنماط غذائية مختلفة، أفكارًا ثاقبة بشأن ارتفاع معدل المعاناة من نقص التغذية أو نماذج الأنماط الغذائية غير الصحية في مختلف أنواع النظم الزراعية والغذائية.

ويبيّن الشكل نطاق قدرة السكان على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية وقابلية تأثرهم بالصدمات في مختلف فئات النظم الزراعية والغذائية في عام 2019. كما أنه يقارن بين القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية يلبّي الاحتياجات من السعرات الحرارية فقط، ونمط غذائي صحي يقي من سوء التغذية بجميع أشكاله من خلال توازن الأغذية المغذّية وتنوعها. ويتراوح نطاق القدرة على تحمّل الكلفة بين عدم القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي معيّن (اللون الأحمر) والقدرة على تحمّل هذه الكلفة (اللون الأخضر)، فيما يبيّن اللون البرتقالي السكان الذين يمكنهم خسارة إمكانية الوصول اقتصاديًا إلى النمط الغذائي المعيّن في حال حدوث صدمة تخفض المداخيل الحقيقية بمقدار الربع (إما من خلال ارتفاع الأسعار أو من خلال نقص في الدخل).

الشكل القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية بحسب فئة النظم الزراعية والغذائية، عام 2019

المصدر: Cattaneo, A., Sadiddin, A., Vaz, S., Conti, V., Holleman, C., Sánchez, M.V. & Torero, M. 2023. Viewpoint: Ensuring affordability of diets in the face of shocks. Food Policy, 117: 102470. https://doi.org/10.1016/j.foodpol.2023.102470.

ويعطي نطاق القدرة على تحمّل كلفة الأنماط الغذائية فكرة عما إذا كانت الأنماط الغذائية الصحية في متناول الجميع. ويشير عدم القدرة على تحمّل كلفة أرخص نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية، إلى أن النمط الغذائي الصحي الأغلى ثمنًا لن يكون في المتناول من دون دعم محدد الأهداف. ويشعر بهذه الفجوة بشكل خاص السكان في النظم الزراعية والغذائية التي تشهد أزمة طويلة الأمد والتقليدية، حيث يعجز ما بين 5 و10 في المائة من هؤلاء السكان عن تحمّل كلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية. وعلاوة على ذلك، في هاتين الفئتين، يعجز أكثر من 75 في المائة من السكان عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي، وتتراوح الحالات ضمن هذه الفئة بين من يكون هذا النمط الغذائي في متناولهم ومن لا يكون في متناولهم. وفي النظم الزراعية والغذائية الآخذة في التوسّع، تشبه القدرة على تحمّل كلفة نمط غذائي كافٍ من حيث الطاقة الغذائية القدرة على تحمّل هذه الكلفة في النظم الزراعية والغذائية التقليدية، فيما يعجز 50 في المائة من السكان عن الحصول على نمط غذائي صحي. وتزيد إمكانية الحصول على نمط غذائي صحي في النظم الزراعية والغذائية المتنوعة، وذات الطابع الرسمي، والصناعية. ولا تزال قابلية التأثر بالصدمات موجودة في جميع النظم الزراعية والغذائية باستثناء الصناعية حيث يواجه ما بين 5 و10 في المائة من السكان خطر خسارة إمكانية حصولهم على نمط غذائي صحي بعد تعرّض الدخل لصدمة ما. وتسلّط النتائج الضوء على أن المداخيل المنخفضة وأسعار الأغذية المرتفعة تقيّد قدرة المستهلكين على تغيير أنماط استهلاكهم بطرق مختلفة جدًا بين فئات النظم الزراعية والغذائية.

الإطار  22معالجة التكاليف الاجتماعية المستترة الناشئة عن النظم الزراعية والغذائية من خلال الحق في الغذاء

يشكل الحق في الغذاء حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان والتزامًا قانونيًا يقع على عاتق البلدان وتم ترسيخه في القانون الدولي. وتُعدّ منظمة الأغذية والزراعة الجهة الفاعلة الحكومية الدولية الرئيسية التي تدعو إلى إعمال الحق فى الغذاء وتدعمه. وتشمل الإجراءات الرامية إلى النهوض بالحق في الغذاء، الجهود الساعية إلى دعم الحماية الاجتماعية وتعزيز المساواة بين الجنسين والعمل اللائق وضمان العمل المناخي وسياسات الحيازة الشاملة. وتشكل هذه الإجراءات جزءًا لا يتجزأ من الالتزام الأوسع بتحقيق التحوّل الريفي الشامل الذي من شأنه أن يعالج إخفاق السوق والفشل المؤسسي وفشل السياسات الذين يولّدون تكاليف مستترة للنظم الزراعية والغذائية.

وتساهم معالجة التكاليف الاجتماعية المستترة التي تمت مناقشتها في هذا التقرير (بما في ذلك الفقر والنقص التغذوي وفجوة الأجور بين الجنسين وفجوة الدخل المعيشي وعمالة الأطفال)، بشكل كبير في إعمال الحق في الغذاء. ويكمّل ذلك الجهود التي تبذلها منظمة الأغذية والزراعة حاليًا لتعزيز الحق في الغذاء من خلال المساعدة الفنية في مجال السياسات والتشريعات، مع تقوية آليات الحوكمة والرصد، وتنمية القدرات، والحوار المتعلّق بالسياسات بواسطة مشاركة أصحاب المصلحة.

المصدر: من إعداد المؤلفين.

ولا يجب أن تكون الأنماط الغذائية الصحية والمستدامة أغلى ثمنًا من الأنماط الغذائية الحالية، ولا سيما إذا تم قياسها على أساس يومي أو على أساس الحصة الواحدة (وليس على أساس السعرات الحرارية).79 وعلى سبيل المثال، أجرت دراسة حديثة مقارنة بين النمط الغذائي الإيطالي الحالي ونمط غذائي صحي ومستدام وخلُصت إلى النمط الغذائي الثاني أرخص بنسبة 5 في المائة.10 وأظهرت النتائج أيضًا أن بصمة الكربون التي تتركها الأنماط الغذائية المستدامة والصحية أقلّ بنسبة 47 في المائة والبصمة المائية أقلّ بنسبة 25 في المائة.

ويتوقف اختيار المستهلكين توجيه قوتهم الشرائية نحو الأنماط الغذائية الصحية و/أو المستدامة على وعيهم وتحفيزهم اللذين يتأثران بشدة بالبيئات الغذائية. وكما ذُكر في الفصل 3، يبرهن العملاء بشكل متزايد عن تفضيلهم المنتجات التي تعلن مسؤوليتها البيئية والاجتماعية.1114 وخلُص تحليل وصفي لاستعداد المستهلكين لدفع ثمن المنتجات التي تعلن المسؤولية الاجتماعية للشركة، بالاستناد إلى مطبوعات صدرت على مدى سبعة عقود من الزمن، إلى أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تشكل إحدى ميزات المنتج التي تساعد المستهلكين على اكتساب تقدير الذات والتي تزيد القيمة الإجمالية للمنتج.15 وتباينت النتائج بحسب الدخل والعمر، حيث أظهر الشباب اهتمامًا أكبر بالمسؤولية الاجتماعية للشركات واستعدادًا أكبر لدفع ثمنها. وفي حين تغطي الدراسة بلدانًا لديها نظم زراعية وغذائية من جميع الفئات، باستثناء فئة الأزمات الطويلة الأمد، إلّا أن أكثر من نصف هذه البلدان لديه نظم زراعية وغذائية صناعية، الأمر الذي يسلّط الضوء على الحاجة إلى تكوين فهم أفضل لنطاق التغيير اللازم إحداثه من جانب الطلب في مختلف سياقات النظم الزراعية والغذائية.

وبالرغم من أن الأعمال التجارية الزراعية والغذائية، وبخاصة تلك المتصلة بسلاسل القيمة العالمية، تستجيب بشكل متزايد لهذه الإشارات الصادرة عن المستهلكين، هناك حاجة إلى زيادة وعي المستهلكين وتحفيزهم لطلب أنماط غذائية تتحمّل التكاليف المستترة من أجل إحداث تغيير يتجاوز نطاق المنتجات المتخصصة. ويستكشف الإطار 18 في الفصل 3 كيف كانت ردة فعل المستهلكين على حملة الكلفة الحقيقية التي أطلقتها متاجر PENNY في ألمانيا، مع التشديد على أنه يمكن أن تشكل القدرة على تحمّل الكلفة، حتى في السياقات المرتفعة الدخل، عائقًا أمام المجموعات السكانية الفرعية وعلى أن تغيير السلوكيات أمرٌ صعب ويحتاج إلى تدخلات طويلة الأجل.

ولطالما جرّب واضعو السياسات الحوافز السعرية (الضرائب والإعانات) لتغيير أنماط الاستهلاك.16 وتتوقف فعالية هذه التدابير على تجاوب المستهلكين مع الأسعار، وهو أمر يتباين بحسب المجموعات الغذائية والدخل والمتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية والمنطقة.17 فيكون التجاوب مع الأسعار أكبر في بعض المجموعات الغذائية (مثل اللحوم) مقارنة بغيرها (مثل السلع الأساسية والزيوت والدهون) ويميل إلى التناقص مع المداخيل الأعلى.17، 18 وفي حين يمكن أن تكون الضرائب على الأغذية تنازلية من الناحية المالية، الأمر الذي يشكل عبئًا غير متناسب على السكان الضعفاء، إلّا أنه يمكن تخصيص الإيرادات التي تحققت بشكل استراتيجي للبرامج والخدمات التي تعود في نهاية المطاف بالمنفعة على هذه المجتمعات المحلية وتنهض بها في الأجل الطويل. ولذلك، في حين يمكن أن يكون التغيير من جانب الطلب تحفيزيًا، إلّا أن الإجراءات المتخذة على نطاق النظم والرامية إلى إحداث تحسينات في الأنماط الغذائية وتحقيق النتائج التغذوية تحتاج إلى اتباع إطار منظم يؤثر على الطلب والعرض والعوامل التمكينية.19 ويمكن توجيه الإجراءات السياساتية والبرامجية المتّخذة ضمن هذا الإطار نحو تحسين قدرة المستهلكين وتحفيزهم والفرص المتاحة لهم لاتخاذ القرارت المتعلّقة بشراء الأغذية واستهلاكها، وكذلك نحو زيادة توافر الأغذية المغذّية بكلفة ميسورة.

back to top