حالة الأغذية والزراعة 2024

الفصل 5 تخطي التحديات الماثلة أمام تحديد الأولويات على مستوى السياسات والاستثمارات من أجل تحويل النظم الزراعية والغذائية على مستوى العالم

مشاركة أصحاب المصلحة أساسية من أجل تكوين نهج فعلي للتحوّل قائم على النظم

لا ينبغي أن تبدو مسائل التوزيع المذكورة آنفًا مروعة للغاية بحيث تثبط همم أصحاب المصلحة. ويمكن إنجاز الكثير من خلال تقييم حساب التكاليف الحقيقية المحدد الأهداف وإشراك أصحاب المصلحة، من أجل النهوض بالوسائل الحالية التي تنجح في استثارة وعي الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية وتحفيزها وزيادة قدرتها على تعظيم قيمة النظم الزراعية والغذائية على المستوى العالمي. وقد أكدت جميع دراسات الحالة التي جرى التكليف بإعدادها من أجل هذا التقرير، بصرف النظر عن نطاقها، على أهمية إشراك جميع الجهات الفاعلة المترابطة ضمن النظم الزراعية والغذائية في تحديد الأدوات المساعدة الفعالة للحد من التكاليف المستترة. ومن شأن الأدوات المساعدة الفعالة أن تعيد توزيع القيمة بين الجهات الفاعلة وأن تنشئ قيمة جديدة بوصفها سلعًا عامة، ما يجعل إجراءات الحكومات – على المستويين المحلي والعالمي – في غاية الأهمية.

وبما أنّ التكاليف المستترة نشأت بسبب إخفاقات السوق أو السياسات أو المؤسسات، فإنّ الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية لن تميل إلى استيعابها كاملة بالاستناد فقط إلى معلومات الكلفة الحقيقية، ما دامت هذه الإخفاقات لم تُصحح من خلال السياسات. وعلى سبيل المثال، قد لا تستوفي الأعمال التجارية الزراعية سوى المعايير البيئية اللازمة للحفاظ على قيمة علامتها التجارية، وتتقاعس عن الإجراءات التحويلية الضرورية. وقد ترغب بعض الشركات في سلسلة القيمة في التعويض عن الانبعاثات التي تسببها عوضًا عن الاستثمار في مشاريع جديدة من شأنها أن تحقق انخفاضًا أكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على المدى الطويل. ومن خلال توثيق هذه المقايضات والفرص، تساعد بالفعل دراسات حساب التكاليف الحقيقية الشركات على اتخاذ قرارات تقرّبها من الأداء الأمثل للنظم الزراعية والغذائية.

وفي ظل الضغوط المتزايدة من المستهلكين على تحقيق الاستدامة وفي ظلّ الأنظمة الحكومية المتعلقة بالصحة والبيئة، شرعت الأعمال التجارية الزراعية والغذائية بالتنظيم الذاتي منذ فترة ليست بالقصيرة. وتعدّ معايير الاستدامة الطوعية، والإبلاغ عن الآثار على البيئة والمجتمع والحوكمة، والحساب المتعدد رؤوس الأموال خطوات تفضي إلى المسار الصحيح. كما أنّ الأعمال التجارية الزراعية العالمية تلتزم بشكل متزايد بالمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولكن بما أنّ الجدوى التجارية ليست كافية لتغطية التكاليف المستترة بالكامل، فإنّ الأنظمة والإجراءات الحكومية، وكذلك التوجيه المقدم من المنظمات الدولية، أمور ضرورية، على نحو ما ورد ذكره في الفصل 3. ويبحث الإطار 29 أحد الأمثلة على الإجراءات الطوعية من جانب الأعمال التجارية الزراعية بشأن إعادة صياغة المنتجات التي قد تحدّ من التكاليف المستترة للأنماط الغذائية العالية الصوديوم. ويدعو المثال أيضًا إلى توخي الحذر، حيث كان من الممكن أن يكون الانخفاض الناتج في تناول الصوديوم أعلى بعشر مرات لو لم يتغير سلوك المستهلك نحو تناول منتجات تحتوي على نسبة أعلى من الملوحة. ويشير ذلك إلى أهمية الإجراءات التكميلية التي يمكنها أن تسهّل تغيير السلوكيات من خلال ضم الجهات الفاعلة الأكبر عددًا – أي المستهلكين – إلى برنامج العمل.

الإطار  29اتجاهات المتناول من الصوديوم: إرساء توازن بين تغيير تركيبة المنتجات وسلوك المستهلكين

شهد العقدان الماضيان انخفاض متناول الصوديوم في الولايات المتحدة الأمريكية وأسباب هذا الانخفاض غير واضحة. ويعمل الباحثون على فحص بيانات مفصّلة على مستوى الرمز الشريطي الموجود على جميع المنتجات الغذائية تقريبًا، بهدف تحديد ما إذا كان يمكن أن يعزى هذا التطور الإيجابي إلى إعادة صياغة المنتجات أو إلى تغيّر تفضيلات المستهلكين. وشملت فترة الدراسة الفترة التي سبقت مباشرة عام 2007 والتي تلت عام 2015 والجهد الرئيسي الذي بُذل للحد من متناول الصوديوم - المبادرة الوطنية لخفض الملح - التي دفعت كبار مصنّعي الأغذية إلى الالتزام بشكل طوعي بتحقيق الأهداف المقترحة. ويُعتبر فهم هذه العوامل أمرًا حاسمًا بالنسبة إلى صانعي السياسات من أجل تقييم تدخلات إعادة صياغة المنتجات مقابل سياسات تغيير السلوك.

وقد شملت النتائج الرئيسية انخفاضًا بنسبة 4.73 في المائة في متناول الصوديوم، ومع ذلك ما يزال المتناول أعلى من المستويات الموصى بها. ومع أنّ هذه النتائج قد تبدو مشجعة، إلّا أنها تتعلق بالمصنعين أكثر مما تتعلق بالمستهلكين. فقد حوّل المستهلكون مشترياتهم نحو بدائل أكثر ملوحة، ما حدّ بشكل كبير من أثر جهود تغيير تركيبة المنتجات على إجمالي المتناول من الصوديوم. وكان من الممكن أن تؤدي جهود تغيير تركيبة المنتجات التي يبذلها المصنّعون إلى انخفاض بنسبة 53 في المائة بحلول عام 2015، لو بقيت عادات التسوّق لدى المستهلكين ثابتة منذ عام 2007. بيد أنّ التغيّرات التي طرأت على سلوك المستهلكين ألغت نسبة تزيد عن 90 في المائة من تلك التحسينات. ولو ظلت عادات التسوّق لدى المستهلكين في عام 2015 مماثلة لتلك التي كانت سائدة في عام 2007، لكانت تحققت أهداف خفض استهلاك الصوديوم التي حددتها المبادرة الوطنية لخفض الملح ومنظمة الصحة العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يكشف البحث عن وجود تفاوتات متزايدة في متناول الصوديوم بين مختلف الفئات السكانية، حيث تشهد الأسر المعيشية ذات البشرة السوداء وذات الأصول الإسبانية والأسر المنخفضة الدخل تحسّنًا أقلّ من الأسر المعيشية ذات البشرة البيضاء والأسر المرتفعة الدخل.

وتشير الدراسة إلى عدة تداعيات على مستوى السياسات ذات صلة بمعالجة العرض والطلب في مجال الأغذية. وقد أدت الاتفاقات الطوعية بين الشركات إلى خفض محتوى الصوديوم بشكل فعال، ما يشير إلى أنّ مثل هذه المبادرات يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على جانب العرض. ومع ذلك، فقد حدّ سلوك المستهلكين من هذه المكاسب بشكل كبير، كما يتضح من التحوّل نحو منتجات أكثر ملوحة بالرغم من جهود تغيير تركيبة المنتجات. ويشير هذا إلى الحاجة إلى سياسات تشجع على اتباع أنماط غذائية صحية أكثر، لا سيما في المجتمعات الضعيفة. ويمكن استخدام برامج المساعدة الغذائية لتشجيع تناول الأغذية الصحية من خلال شمل الأغذية المغذّية المنخفضة الصوديوم بشكل غير متناسب، ما يعزز تغيير السلوك في الأجل الطويل لدى الفئات الضعيفة.

وليس المقصود أنه لا يمكن القيام بالمزيد من العمل على جانب العرض، إذ تشير الأدلة إلى أنّ الشركات المصنّعة لم تفعل كل ما في وسعها من ناحية خفض محتوى الصوديوم في المنتجات الموجهة إلى الأطفال (على سبيل المثال الوجبات الخفيفة والكاتشب)، بل ربما أدت إلى تدهور السمات الغذائية لتلك المنتجات. كما يجب على صانعي السياسات النظر في جعل قواعد البيانات الغذائية التفصيلية متاحة للبحوث الأكاديمية من أجل دعم المزيد من الدراسات ووضع السياسات القائمة على الأدلة.

وبالرغم من التحديات القائمة، انخفض المتناول من الصوديوم في الولايات المتحدة الأمريكية، متأثرًا بتغيير تركيبة المنتجات وسلوك المستهلكين على حد سواء. وإنّ السياسات الفعالة التي تتناول العرض والطلب معًا، لا سيما في المجتمعات الضعيفة، هي عنصر أساسي في تحقيق التقدم المستدام.

المصدر: Cengiz, E. & Rojas, C. 2024. What drives the reduction in sodium intake? Evidence from scanner data. Food Policy, 122: 102568. https://doi.org/10.1016/j.foodpol.2023.102568.

ويمكن للجهود الجارية الرامية إلى المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة أن تستفيد من التعاون مع مجتمع حساب التكاليف الحقيقية، إذ من الضروري وجود مؤشرات موحدة لأهداف متعددة من أجل تسهيل قياس العوامل الخارجية وتصميم خطط الحوافز التي تعالج المقايضات على نطاق أوسع. ومن شأن ذلك أيضًا أن يبدد بعض الارتباك الناجم عن المداولات المركّزة على الأنماط الغذائية الصحية من خلال طرح المؤشرات المستندة إلى العلوم في المجال العام.

back to top