- ➔ ينبغي للسياسات والاستثمارات الهادفة إلى تحويل النظم الزراعية والغذائية في عالم يشهد تزايدًا في العولمة أن تدير بعناية المسائل المتعلقة بالتوزيع التي تنشأ عند محاولة الحد من التكاليف المستترة الناجمة عن النظم الزراعية والغذائية.
- ➔ إنّ إعلاء صوت الجهات الفاعلة كافة من خلال المشاورات مع أصحاب المصلحة هو شرط أساسي لنجاح تحويل النظم الزراعية والغذائية على أي نطاق كان.
- ➔ لم تعد المسألة تتعلق بمعرفة الإجراءات التي يتعين اتخاذها لدفع عجلة التحوّل، بل معرفة كيفية تنفيذها، نظرًا إلى صعوبة سدّ الفجوة المكانية والزمانية بين الجهات الفاعلة على طرفي طيف التوزيع.
- ➔ عند رفع النقاب عن المقايضات المكانية والزمانية وأوجه التآزر بين التدابير المختلفة على مستوى السياسات والفرص المتاحة فيها، يمكن أن تؤدي المشاركة الهادفة لأصحاب المصلحة، مقترنة مع اتباع نهج عملي لتقييم حساب التكاليف الحقيقية، إلى اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الإجراءات الأكثر ملاءمة.
- ➔ إنّ الإرادة السياسية لتحويل حوكمة النظم الزراعية والغذائية العالمية هي عامل أساسي في معالجة "القيود الخفية" التي تفرضها التحديات المتعلقة بالتوزيع.
لا شكّ في وجوب تحويل النظم الزراعية والغذائية العالمية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتنفيذ اتفاق باريس. كما أنه لا شكّ في وفرة المسارات والإجراءات المقترحة من أجل تحقيق تلك الأهداف.1–4 وتنفيذ بعض تلك الإجراءات أسهل من غيره، لا سيما إذا كانت الجهات الفاعلة التي ينبغي أن تغيّر سلوكها هي ذاتها أيضًا الجهات المستفيدة. ومع أنّ التحفيز الذاتي يمكن أن يوجه العمل في بعض الأحيان نحو الاتجاه الصحيح، إلّا أنه لا يكفي لقلب الموازين ومواجهة جميع التحديات المتعلقة بالتوزيع.
وعلى سبيل المثال، أحد الإجراءات الرئيسية المطلوب اتخاذها على المستوى العالمي هو زيادة إنتاجية المحاصيل بأسلوب مستدام. حيث سيعتمد المزارعون بذورًا محسّنة وذات غلات عالية في حال لم يكونوا مكبلين بقيود عديدة وإذا كانوا قادرين على تحمّل التكاليف المبدئية، لأنهم سيعلمون أنها ستعود عليهم بالمنافع حين يأتي وقت الحصاد. وإذا احتاجت مجموعة المزارعين تلك إلى استخدام قدر أكبر من المياه والأسمدة لتحقيق تلك الغلات العالية، ما ينشئ عوامل خارجية سلبية يلمسها المزارعون في مناطق أخرى في نهاية المسار ويخلّف بصمة كربونية عالمية أعلى (تؤثر على الأجيال الحالية والمقبلة)، فإنّ هذه الممارسة تصبح غير مستدامة وسيفقدون الحافز على خفض هذه التكاليف في حال عدم وجود أنظمة ملزمة. وبالمثل، لن يكون لدى الأعمال التجارية الزراعية والغذائية أي حوافز اقتصادية تدفعها إلى الاستثمار في التخفيف من بصمتها البيئية إذا لم تعد عليها بإيرادات أعلى أو لم تزد ولاء العملاء (بعبارة أخرى، إذا لم تكن هناك جدوى تجارية منها). وفي الوقت نفسه، لن يقوم المستهلكون بتغيير أنماطهم الغذائية بالقدر المطلوب لتشمل مواد منتَجة بشكل أكثر استدامة وإنصافًا إلا في حال استفادوا بشكل مباشر من بيئة أفضل وأجور أكثر إنصافًا.
وهذه هي الصور المبسطة لمفهوم العوامل الخارجية التي أُدخلت على التفكير الاقتصادي لتوجيه سياسة الرفاه منذ حوالي 100 عام.5 ومع إضفاء الطابع الصناعي على الإنتاج، بالاقتران مع عولمة النظم الزراعية والغذائية، باتت قدرة الجهات الفاعلة على إنشاء عوامل خارجية للآخرين أكبر بكثير بسبب تعقيدات أوجه التكافل عبر المكان والزمان. وبالتالي من غير المستغرب أن تكون تقديرات حساب التكاليف الحقيقية الرامية إلى معالجة أوجه التكافل هذه تتسم بطابع أكثر اكتمالًا في قطاع النظم الزراعية والغذائية، الذي يخلّف آثارًا وتبعيات أكبر ومباشرة أكثر على الطبيعة والبشر.6 كما أنها تعطي فهمًا أكمل لنظمنا الزراعية والغذائية الحالية، سعيًا إلى تحديد الأدوات المساعدة على تحويل النظم الزراعية والغذائية بغية ضمان صحتنا وسلامة كوكبنا.7
تحديات التوزيع والعوائق أمام التغيير وكيفية معالجتها
كلما كانت سلسلة القيمة الزراعية والغذائية أطول، كلما أصبحت عمليات تقييم حساب التكاليف الحقيقية أوسع نطاقًا، وهذا يصعّب تحديد جميع الجهات الفاعلة التي تسبب التكاليف المستترة وتلك التي قد تستفيد من الإجراءات التحويلية اللازمة للحد منها. وعلى نحو ما ورد ذكره في الفصل 2، سيكون من الضروري في بعض البلدان وضع نظام لتمويل المسار التحويلي، إذ إنّ التكاليف تفوق طاقتها. وتميل التفاوتات الكبيرة في قطاع الأغذية العالمي إلى إنشاء تكاليف مستترة تؤثر على الفئات المهمَّشة بشكل غير متكافئ وهي تتفاقم بسبب تغيّر المناخ ومواصلة التقاعس عن العمل.8، 9
وثمة اتجاه يزداد انتشارًا بين شركات الأغذية العالمية يتمثل في الإبلاغ عن الآثار التي تخلفها على رأس المال الطبيعي والاجتماعي والبشري استنادًا إلى معايير الاستدامة العالمية، ويعزى ذلك في جزء منه إلى كونه استجابة لطلب المستهلكين على الاستدامة، ولكنه مدفوع في الغالب بجدوى الاستدامة من الناحية التجارية.10 ومع أنّ هذا الحساب المتعدد رؤوس الأموال هو خطوة مرحب بها نحو تحويل النظم الزراعية والغذائية المستدامة، إلّا أنّ إغفال الآثار الناجمة عن التوزيع يهدد تحقيق التحوّل العادل على نطاق أوسع.9
وفي ظل غياب التغيير في سلاسل القيمة الغذائية العالمية لكي تستوعب بشكل كامل العواقب غير المنصفة المترتبة عن أفعالها، يتعين على الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحفيز الانتقال العادل. وبالرغم من إحراز بعض التقدم في المؤتمر الثامن والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ المنعقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حيث اتفقت الحكومات على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار وترتيبات تمويله من أجل دعم الدول الضعيفة التي تتعامل مع آثار تغير المناخ،11 إلّا أنّ التقدم في تفعيل هذه المبادرات بشكل كامل عادة ما يكون بطيئًا. ولكنّ الناحية الإيجابية هي أنّ اتخاذ القرار بإنشاء هذا الصندوق يمثّل خطوةً حاسمةً نحو تحقيق العدالة المناخية ويمكن أن يصبح بمثابة نقطة الانطلاق في السعي نحو الارتقاء بمستوى العمل والإقرار بضرورة الانتقال العادل في النظم الزراعية والغذائية العالمية – سواء أكان ذلك بسبب تغيّر المناخ أو لأسباب أخرى.
ويمكن أن تكون نقطة البداية هي استخدام نُهج حساب التكاليف الحقيقية من أجل توثيق الروابط بين الجهات المستفيدة من الإجراءات الحالية (التي يتخذها المنتجون الأساسيون والأعمال التجارية الزراعية والمستهلكون) والجهات التي تتحمل التكاليف المستترة الناجمة عنها، سواء أكانوا جهات فاعلة محلية أم عالمية حالية أو مستقبلية أو من الأجيال اللاحقة. ومن خلال الكشف عن المقايضات المكانية والزمانية وأوجه التآزر بين التدابير المختلفة على مستوى السياسات والفرص المتاحة فيها، يمكن للمناقشات المفتوحة بين أصحاب المصلحة أن تنير القرارات المتعلقة بأنسب مسارات التنمية المتاحة.7
ويلخّص الجدول 3 التحديات المتعلقة بالتوزيع والعوائق الماثلة أمام التغيير بسبب هذه الفوارق المكانية والزمانية بين الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية التي تسبب تكاليف مستترة في الوقت الراهن وتلك التي تتحمّل هذه التكاليف حاليًا أو في المستقبل. وبالنسبة إلى المنتجين الرئيسيين، يكمن التحدي الرئيسي في أنّ الجهات المستفيدة من التكاليف المستترة موزعة في جميع مراحل سلسلة القيمة، بينما يقع عبء الحد من هذه التكاليف على عاتق المنتجين. وتتفاقم هذه المسألة بفعل علاقات القوى غير المتكافئة والصعوبات الماثلة أمام تحديد الجهات التي تتحمّل مخاطر التغيير وكلفته. وتشمل آليات التصدي لهذه التحديات العمل الجماعي من جانب المنتجين، وكذلك الأطر التنظيمية والمالية الخاصة بدعم مبادرات المنتجين والأعمال التجارية الزراعية وتوسيع نطاقها والاستثمار الأوسع نطاقًا في التحوّل الريفي الشامل (انظر الفصل 3).
الجدول 3 التحديات المرتبطة بالتوزيع وآليات التصدي للفجوات المكانية والزمنية بين الجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية من أجل تحقيق التحوّل

وقد تواجه الجهات الفاعلة في سلسلة الإمدادات الغذائية حالات تحيد عن السلوك التجاري الجيد (مثل التحكيم غير العادل) أو حالات تركيز القوى، وقد تسعى إلى فرض ضغط على الموردين لخفض الأسعار. وتتفاقم هذه التحديات بسبب صعوبة تحديد المساهمات العادلة على طول سلسلة القيمة وإمكانية تحويل التكاليف إلى جهات خارجية عن طريق الواردات أو وسائل أخرى. وعلى نحو ما ورد في الجدول 3، فإنّ آليات معالجة هذه المسائل تشمل المعايير الطوعية، والإبلاغ عن الآثار الناجمة عن البيئة والمجتمع والحوكمة، والامتثال للقوانين والأنظمة الخاصة بالجهات الفاعلة في النظم الزراعية والغذائية، وتوسيم الأغذية وإصدار الشهادات، والائتلافات على مستوى القطاع التي تهدف إلى الحد من التكاليف المستترة.
ويمثّل المستهلكون والمؤسسات ذات القوة الشرائية الوصلة النهائية في تحديد التكاليف المستترة الناجمة عن الأنماط الغذائية. ويستغرق تغيير هذه السلوكيات وقتًا طويلًا ويتأثر بالثقافة والتقاليد. وتتنوع آليات تغيير سلوك المستهلكين تنوعًا كبيرًا، بما في ذلك توسيم المستهلكين، والتسويق المراعي للصحة، ودعم المنتجات الصحية، والحماية الاجتماعية المراعية للتغذية، وتحسين التثقيف بشأن التكاليف المستترة الناجمة عن قرارات الاستهلاك (انظر الفصل 4).
ويورد العمود الأخير في الجدول 3 قائمة بعناصر مساعدة مختارة (جرت مناقشتها في هذا التقرير) قادرة على الحد من التكاليف المستترة ومواجهة التحديات المتعلقة بالتوزيع المتلازمة مع تحويل النظم الزراعية والغذائية العالمية. ونظرًا إلى الترابط بين أصحاب المصلحة والنهج القائم على النظم المتّبع في هذا التقرير، فإنّ التدابير المدرجة في كل صف لا تقتصر فقط على تلك التي يمتلك أصحاب المصلحة المدرجين في العمود الأول التفويض أو السلطة اللازمين لتنفيذها. وهذه عناصر مساعدة مختارة تتطلب إجراء مشاورات بين أصحاب المصلحة من أجل تنفيذها بفعالية، على نحو ما أشير إليه في هذا التقرير بأكمله.